Ch57
قضى باي تيانروي اليوم بأكمله وهو يأخذ شوان تشينغ ولين روفي في جولة داخل القصر كما انتهى بهم الأمر بتناول العشاء مع باي جينغلون قبل العودة إلى النزل.
أثناء عودتهم جلس شوان تشينغ داخل العربة وعيناه مغمضتان وكأنه غارق في التفكير لذلك لم يجرؤ لين روفي على مقاطعته واكتفى برفع ستارة العربة ليتأمل مشهد الليل في الخارج.
بسبب حظر التجول اختفت الأجواء الليلية المفعمة بالحياة التي كانت تميز مدينة دينغشياو الشوارع بدت مزدحمة بمحلات مغلقة ولم يكن هناك أي زوار في الأرجاء فقط بين الحين والآخر كان يمكن رؤية حراس مدججين بالسلاح يسيرون بخطوات منتظمة ووجوه تعلوها الجدية وهم يقومون بدورياتهم أثناء طريق العودة توقفت العربة عدة مرات من قبل هؤلاء الحراس لكنهم سمحوا لهم بالمرور بعد أن أظهر السائق رمز القصر.
عندما وصلوا إلى النزل ودّع كل من شوان تشينغ ولين روفي بعضهما وتوجها إلى غرفتيهما للراحة.
في هذا الطقس الحار شعر لين روفي بالإرهاق بعد يوم طويل من التجول فجلبت له كل من فو هوا ويو روي دواءً مغليًا وحساء التريملا المبرد وألحتا عليه أن يتناوله.
نظر لين روفي إلى الدواء بامتعاض وقال متذمرًا إنه قد تعافى بالفعل من نزلة البرد فلماذا يحتاج إلى شرب المزيد من الدواء؟
شرحت فو هوا أن هذا الدواء مخصص لتهدئة العقل وأن شربه ليلاً يضمن نومًا هادئًا وأشارت إلى أن تأثيره كان جيدًا جدًا حتى الآن.
فسألها لين روفي بفضول: “تأثيره؟ وكيف تعرفين أنه كان فعالاً؟”
صمتت كل من فو هوا ويو روي لكن ملامحهما بدت غريبة إلى حد ما.
قام لين روفي بإخراجهما من الغرفة ثم أمسك بكوب الدواء وكان يهمّ بإيجاد مكان لصبه لكنه فجأة توقف وتأمل في السائل الطبي البني الغامق بتمعن
عندها تذكر شيئًا وأدرك ما قصدته فو هوا ويو روي بـ”التأثير”.
في الآونة الأخيرة أصبح غو شواندو يظهر ضعفًا متزايدًا ونادرًا ما يطل عليه من وجهة نظر فو هوا ويو روي
هذا التغير كان يعني أن الهلوسات التي كان يعاني منها لين روفي قد خفت كثيرًا وهما قد نسبتا هذا التغيير إلى فعالية الدواء المهدئ ولذلك كانتا مصرتين على أن يستمر في تناوله.
شعر لين روفي بالعجز فالأدوية لها آثار جانبية وإن استمر في شربها بكثرة قد تكون لها عواقب أخرى غير محمودة في النهاية قرر رغم نيتهما الطيبة أن يتخلص من الدواء بهدوء
ثم استلقى على السرير.
خلال جولته في القصر اليوم لاحظ لين روفي بعض الأمور رغم وعود باي تيانروي بالمساعدة بدا واضحًا أنه لم يولِ الموضوع اهتمامًا جادًا إلا بعد أن تجرأ أحدهم على التصرف تحت أنفه بشكل مباشر متحديًا سلطته.
حاليًا لم يُعلن باي جينغلون عن وريث للعرش بعد كما أن الأمير الأول ليس ابن الزوجة الأولى لذلك كانت القوى المختلفة داخل القصر في حالة من الصراع المتواصل كما قال باي تيانروي لم يكن من المستغرب أن تستخدم هذه القوى أي وسائل لتحقيق غاياتها
باي تيانروي نفسه لم يكن مهتمًا بهذا الصراع وكان يتجاهل هذه المؤامرات طالما أنها لا تستهدفه.
بالنسبة له، كمبارز سيف من المستوى الثامن ، تدمير مدينة بأكملها لم يكن سوى مسألة يسيرة ورغم عيشه بين البشر كان يرى الكائنات الحية بحجم النمل هل سيهتم بمن ينتصر من تلك النملات؟ بالنسبة له الأمر كان بلا معنى.
بالطبع أخفى باي تيانروي هذه النظرة جيدًا لو لم يكن لين روفي قد فهم طبيعة هذا المبارز بعمق لما استطاع ملاحظة ذلك.
أما باي جينغلون فقد بدا مدركًا لطبيعة أخيه تمامًا لذا لم يشك لحظة أن باي تيانروي لن يتدخل في هذه الفوضى الغريبة إذ لو أراد فعلًا لكان أسلوبه مباشرًا أكثر مثل إجبار القصر على الرضوخ له.
لكن باي تيانروي كان يظهر اهتمامًا واضحًا بلين روفي حتى أن شوان تشينغ لاحظ ذلك ونصحه في طريق العودة بأن يكون أكثر حذرًا.
وأشار إلى أن طبيعة هذا الأمير بلا قيود وأن تحوله من الود إلى العداء قد يكون أسرع من تقليب صفحات كتاب إن بدأ باي تيانروي في إبداء اهتمام حقيقي فلن يكون الأمر مبشرًا على الإطلاق.
كان لين روفي مدركًا لهذه الحقيقة رغم أن باي تيانروي ليس ندًا لأخيه الثاني لين بيانيو إلا أن الأخير بعيد في كونلون وإذا انتظر حتى وقوع الكارثة ليتدخل، فربما سيكون الوقت قد فات.
لكن لين روفي شعر أن اهتمام باي تيانروي به لم يكن اهتمامًا بين رجل وامرأة بل أشبه باختبار غامض ليتأكد مما إذا كان لين روفي حقًا بنفس البراءة التي يظهر بها وانه ليس شخص يجب الاحتراس منه
مرّت آلاف الأفكار في ذهن لين روفي بينما بدأ النعاس يغلبه شيئًا فشيئًا وما إن أغلق عينيه مستسلمًا للنعاس حتى سمع فجأة صوتًا خافتًا ومزعجًا كان الصوت أشبه بصوت طفيف يصدر عن نافذة تُفتح بفعل نسمة هواء عابرة لكنه في هدوء الغرفة بدا مفاجئًا ومثيرًا للقلق.
كانت الشموع المضيئة على الطاولة قد انطفأت مما جعل الغرفة تبدو قاتمة لم يستطع لين روفي رؤية ما حوله بوضوح لكنه فتح عينيه فجأة وجلس منتبهًا على السرير، هاتفًا: “من هناك؟”
لم يأتِه أي جواب.
كرّر سؤاله مجددًا: “من هناك؟”
كما في المرة الأولى
لم يسمع أي رد
بدا وكأن الصوت الذي سمعه كان مجرد وهم لكنه شعر بوضوح أن هناك شيئًا في غرفته ربما عند النافذة أو في أحد الزوايا… وربما كان مختبئًا تحت سريره.
ارتعب لين روفي من هذه الفكرة حاول تهدئة نفسه ومد يده ليقبض على سيف “غو يو” المعلق بجانب السرير أخرج النصل بعناية ونهض متثاقلًا متوجهًا نحو الطاولة لإشعال الشمعة الموضوعة هناك.
ساد الهدوء في الغرفة بينما راقب لين روفي محيطه بحذر تقدم بخطوات مترددة نحو الطاولة وأخيرًا استطاع لمس عود الإشعال لكن ما إن أمسك به وبدأ بمحاولة إشعال النور حتى شعر بقوة مفاجئة تهجم عليه من الخلف.
لم يكن لين روفي مستعدًا فتمكن المهاجم من طرحه على الطاولة بثقل بيد واحدة كمّم فمه ليمنعه من الصراخ وبالأخرى أمسك بعنقه وأحكم قبضته عليه ليشل حركته تمامًا.
كانت ردة فعل لين روفي الأولى أنه يتعرض لمحاولة قتل في اللحظة التالية أطلق سيف “غو يو” المليء بهالة السيف شعر وكأنه أصاب شيئًا ما، إذ توقف النصل للحظة لكن تلك الهالة اختفت كأنها غاصت في البحر
تبادر إلى ذهنه فجأة: لو كنت أعلم ، لكنت استخدمت الدرع عوضًا عن السيف.
ضحك المهاجم ضحكة ناعمة بصوت خافت ثم اقترب من أذن لين روفي وهمس: “الحاكم السماوي…”
تردد صدى الكلمتين في أذني لين روفي كعاصفة لدرجة أنه شعر بالألم لكن ما صدمه أكثر من الكلمات هو صوت الشخص كان مطابقًا تمامًا لصوت غو شواندو الذي اختفى منذ دخولهم داجينغ.
هل يمكن أن يكون غو شواندو هو من يحاول قتله؟
لا، هذا مستحيل لو أراد قتله لفعل ذلك منذ زمن بعيد فما السبب إذن؟ ومن يكون هذا الشخص؟
امتلأ ذهن لين روفي بالأسئلة لكنه لم يستطع التفوّه بكلمة لأن فمه كان مغلقًا حاول الصراخ، لكن صوته خرج خافتًا ومكتومًا.
ضحك المهاجم ضحكة ناعمة مرة أخرى وكأن مقاومة لين روفي الهزيلة أثارت استمتاعه واسعدته اقترب منه أكثر ونظر إلى لين روفي بعينين متوهجتين قبل أن يحني رأسه ويفعل شيء غير متوقع : قبّل ظهر يد لين روفي برفق.
كان المهاجم قريبًا جدًا لدرجة أن لين روفي كان يفترض أنه قادر على رؤية ملامحه بوضوح لكن بغض النظر عن محاولاته ، لم يرَ سوى الظلام كان الأمر وكأن هذا الشخص مجرد فراغ، وكأن تحديد ملامحه أمر مستحيل.
في تلك الأثناء أخذت اليد التي تمسك بعنقه تضيق تدريجيًا مما جعله يفقد القدرة على التنفس فتح لين روفي عينيه على اتساعهما وحاول بجنون أن يدفع مهاجمه بعيدًا لكن يديه لم تلمسا شيئًا كان الأمر غريبًا جدًا
كيف يمكن لشخص أن يمسكه دون أن يملك جسدًا؟
مع ازدياد الإحساس بالاختناق امتلأت عينا لين روفي بالدموع
تردد صوت آخر: “الحاكم السماوي…”
ولكن هذه المرة كان الصوت كالرعد في أذنيه ومع استمرار انقطاع الأكسجين بدأ وعيه يتلاشى ، وظهرت أمامه أنماط مشوشة وسط الظلام.
هل سيموت هنا؟
فكر لين روفي بسخرية أن موته بهذه الطريقة سيكون أشبه بالمزحة وبينما كان يوشك على فقدان وعيه تمامًا دوّى صوت رعد هائل خارج النافذة تبع ذلك برق ساطع أضاء السماء وضرب مبنى قريب من النزل مما أشعل حريقًا هائلًا انعكس وهج النار عبر نافذة الغرفة مما أجبر المهاجم على إطلاق سراح لين روفي.
استعاد أنفاسه بصعوبة وهو يسعل بشدة
وعندما استعاد قليلاً من قوته نظر حوله بحذر لكنه لم يجد أثرًا للمهاجم.
نهض بخطوات متعثرة نحو النافذة التي كانت نصف مغلقة لكنه لم يرَ أي شخص بالخارج لولا الألم الذي شعر به في عنقه لاعتقد أن ما حدث كان مجرد كابوس.
مسح العرق البارد عن جبهته وحدق في ألسنة اللهب التي كانت تتصاعد من المبنى المحترق لم يستغرق الحريق وقتًا طويلاً قبل أن يتمكن الحراس من إخماده دون وقوع أضرار إضافية.
قضى لين روفي بقية الليل مستيقظًا يشعل الشموع ويبقى جالسًا في غرفته ورغم الحادثة لم يظهر غو شواندو مطلقًا مما زاد من قلقه عليه أدرك أن غو شواندو كان محقًا ؛ ما يحدث في داجينغ أكثر خطورة مما واجهوه في جبال شيليانغ.
مع بزوغ الفجر اكتشف لين روفي أن المبنى المحترق لم يكن منزلًا بل معبدًا مخصصًا للحاكم السماوي كان قد زاره عندما وصل إلى دينغشياو وسمع شوان تشينغ يقول إن التمثال الأحمر فيه يشبه الحاكم السماوي كثيرًا.
وعندما سأل لين روفي مازحًا: “من نبرة حديثك ، يبدو وكأنك رأيت الحاكم السماوي من قبل؟”
ابتسم شوان تشينغ ولم يجب سوى بعبارة: “اميتابها بوذا.”
أسطورة الحاكم السماوي امتدت لمئات السنين فهل يعقل أن الراهب شوان تشينغ عاش كل هذه السنين؟ شعر لين روفي بغرابة الأمر ، لكنه لاحظ أن شوان تشينغ لا يرغب في التحدث أكثر فاختار بدوره ألا يسأله في النهاية من منا لا يملك بعض الأسرار في أثناء تجواله في جيانغهو؟
حين أدرك أن المعبد الذي احترق فجأة كان مخصصًا للحاكم السماوي شعر لين روفي ببعض الحسرة في قلبه.
بينما كان يجلس في البهو يشرب الشاي ويتنهد جاء شوان تشينغ من الطابق العلوي ولاحظ وجوده
سأله بقلق مع عقد حاجبيه: “لين غونغزي ، هل حدث شيء الليلة الماضية؟”
توجهت عيناه نحو عنق لين روفي حيث ظهرت علامات داكنة على بشرته البيضاء النقية بدا وكأنها آثار يدين خفيتين وكلما نظر إليها أكثر زاد شعوره بالغرابة لكنه تردد في الكلام عندما رأى نظرات لين روفي الهادئة معتقدًا أنه ربما كان يفكر أكثر من اللازم.
قال لين روفي بصوت مبحوح قليلًا: “أوه، ذلك الشيء جاء يبحث عني.”
ثم أخذ رشفة من الشاي وأردف: “لقد حاول خنقي.”
اتسعت عينا شوان تشينغ بدهشة.
لكن لين روفي أكمل مازحًا: “لكنه لم ينجح لو كان قد نجح لما كنت هنا الآن.”
بقي شوان تشينغ صامتًا لبعض الوقت جلس بجوار لين روفي بوجه عابس وهو يفكر في كلماته: “لين غونغزي ، تم تسليم دعوة كونلون بالفعل يبدو أن البقاء في داجينغ لم يعد آمنًا بالنسبة لك لماذا لا تغادر مبكرًا؟”
سأله لين روفي: “أتريدني أن أغادر الآن؟”
ابتسم شوان تشينغ بمرارة وقال: “إذا كان لين غونغزي لا يمزح فإن ذلك الشيء قد جاء إلى النزل بالفعل الليلة الماضية ومع أنني كنت في الغرفة المجاورة، لم أشعر بأي أثر له. لهذا السبب…… أخشى أنني لا أستطيع حمايتك.”
رد لين روفي وهو يداعب كوب الشاي أمامه: “لماذا أصبح السيد شوان تشينغ فجأة قليل الثقة؟”
أجاب شوان تشينغ: “إذا نصحت لين غونغزي بالبقاء فهذا ليس ثقة بل غرور.”
تنهد قائلاً: “في النهاية حياة البشر هي أكثر الأشياء هشاشة في هذا العالم.”
ابتسم لين روفي وسأله: “إذن ألا يخشى السيد شوان تشينغ على حياته؟”
أجاب شوان تشينغ: “حياة الراهب لا تساوي شيئًا.”
اشتدت نظرات لين روفي وهو يرد عليه: “قد تكون حياة الرهبان العاديين بلا قيمة ولكن كيف يمكن مقارنة حياة رهبان معبد نان ين بالرهبان العاديين؟”
تنهد شوان تشينغ بعجز لم يتوقع أن يكون هذا الغونغزي الذي يبدو مسالمًا بهذا القدر من الفصاحة عندما يصبح جادًا مما جعله يجد صعوبة في الرد.
تابع لين روفي: “ثم إن تركي أرحل دون السؤال عما حدث الليلة الماضية قد يؤدي إلى فقدان أدلة مهمة ألا توافقني الرأي؟”
نطق شوان تشينغ بعبارة “اميتابها بوذا” وطلب من لين روفي أن يروي له التفاصيل.
روى لين روفي القصة بأكملها: الهجوم الذي تعرض له والشخص الذي حاول قتله ، ثم الحريق المفاجئ الذي اشتعل في معبد الحاكم السماوي لكنه اختار عمدًا أن لا يذكر كلمة “الحاكم السماوي” التي نطق بها المهاجم شعر بشكل غريزي أن هذه العبارة تحمل سرًا مرعبًا وفضل عدم الكشف عنها.
تساءل شوان تشينغ: “اختفى ذلك الشيء بعد أن اشتعلت النيران في معبد الحاكم السماوي؟”
“نعم.” أومأ لين روفي برأسه.
قال شوان تشينغ وهو يتأمل: “غريب ممَ يخاف هذا الشيء؟”
إن كان يخشى الحاكم السماوي فهناك معابد وتماثيل كثيرة للحاكم السماوي في دينغشياو فلماذا لم يكن خائفًا في البداية؟ وإن لم يكن يخشاه فلماذا اختفى فجأة عندما اندلعت النيران في معبد الحاكم السماوي؟
ضيّق شوان تشينغ عينيه وهو يفكر مليًا بينما جلس لين روفي بهدوء يرتشف الشاي.
مرّ الوقت ببطء لكن سرعان ما جاءت عربة من القصر تطلب حضورهما كان شوان تشينغ ينوي الذهاب بمفرده لكن الخادم الذي رافق العربة قال إن جلالة الإمبراطور دعا أيضًا لين غونغزي.
نظر شوان تشينغ إلى لين روفي بإحباط لكنه لم يعترض وصعد كلاهما إلى العربة التي توجهت بهما إلى القصر.
عند الوصول قادهم موظفو القصر إلى مبنى يشبه المكتبة لكن قبل أن يدخلوا سمعوا صوت الإمبراطور باي جيانغلون وهو يصرخ غاضبًا على شخص ما كان الصوت واضحًا ومليئًا بالسخط مما جعل الموظف المرافق يظهر عليه الارتباك وهو يطرق الباب بحذر.
بعد لحظات جاء صوت بارد من الداخل: “ادخلوا.”
دخل لين روفي وشوان تشينغ ليجدا الإمبراطور غاضبًا وأمام عرشه كان الأمير الثاني والسادس راكعين تحت وطأة توبيخه كان الأمير باي تيانروي أيضًا حاضرًا لكنه جلس على كرسي خشبي على الجانب يحتسي الشاي ببرود ، غير مهتم بالمشهد وعندما لاحظ دخول لين روفي وشوان تشينغ ، أرسل لهما ابتسامة دافئة.
سأل شوان تشينغ، مدعيًا البراءة: “ما الذي يجري هنا؟ لماذا يبدو جلالتكم غاضبًا جدًا؟”
رد باي جيانغلون ، وهو يجز على أسنانه: “كل ذلك بسبب أبنائي الأعزاء أخبرهم بنفسك! ماذا فعلتم يوم دخلت الأميرة الثالثة في غيبوبة؟”
الأمير السادس الذي كان لا يزال صغيرًا انفجر في البكاء تحت صراخ والده أما الأمير الثاني فقد عض على شفتيه بشدة وحاول المقاومة لكنه لم يستطع منع احمرار عينيه بصوت مرتجف بدأ يروي ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم.
اتضح أن الأميرة الثالثة كانت تنوي الخروج مع وصيفاتها لرؤية أنوار المدينة لكنها التقت بالأمير الثاني والأمير السادس في منتصف الطريق كان الأميرين يكرهان هذه الأخت التي وُلدت من محظية ، لذا استغل الأمير الثاني مكانته ووبخها بشدة ولم ينسَ معاقبة وصيفاتها أيضًا عادت الأميرة الثالثة باكية في الاتجاه المعاكس لكن من كان يتوقع أن تقع كارثة عند عودتها؟ حيث توفيت وصيفتها الخاصة وسقطت هي في غيبوبة
شعر الأمراء أن الإمبراطور إذا علم بالأمر سيغضب لذا حاولوا إخفاء الحقيقة لكن من كان يعلم أن كارثة أخرى ستحدث لاحقًا؟ إذ تعرضا لهجوم كاد يودي بحياتهما وندما على إخفاء الحقيقة.
رغم ذلك، شعر لين روفي أن الأمير الثاني عندما كذب بالأمس لم تظهر عليه أي علامة تردد.
ضحك باي جينغلون بسخرية عدة مرات بعد سماعه هذا ثم رفع قدمه وركل الأمير الثاني على كتفه حتى تراجع مترنحًا أشار إلى وجهه وصرخ بغضب: “توبيخ ؟! أنت صفعت أختك مرتين وتسمي هذا توبيخ ؟ من أعطاك الحق في ضربها؟ أمك؟!”
عند سماع كلمة “أمك” شحب وجه الأمير الثاني وركع مرتجفًا على الأرض دون أن يجرؤ على الرد أما الأمير السادس فبكى بشدة وقال: “يا أبي، لا تلُم أخي، كل هذا بسبب تلك النغلة… تلك النغلة هي من أهانت أخي أولًا!”
توضيح
• نغلة تعني لقيطة *
ولكن قبل أن يكمل كلماته تلقى صفعة قوية على وجهه لكن هذه المرة لم تكن من والده الإمبراطور بل من أخيه الذي كان يحاول الدفاع عنه تحول وجه الأمير الثاني إلى شاحب غاضبًا وهو يصرخ: “غوانلان ، اصمت!”
بدأ الأمير السادس بالبكاء بصوت عالٍ.
ضيق باي جينغلون عينيه ونظر إلى أبنائه الراكعين وقال: “نغلة؟ جيد، تصفون أختكم بالنغلة؟”
وأخيرًا لم يتمكن الأمير الثاني من التحمل فانفجر بالبكاء، مما جعل المشهد في الغرفة شديد الفوضى.
في النهاية تدخل باي تيانروي بنبرة هادئة وقال: “أخي، الأبناء يعكسون ما يرونه إذا تعلموا كلمة نابية كهذه فلا بد أن الخدم من حولهم غير مؤهلين لماذا تتجادل مع طفلين؟”
رد باي جينغلون ببرود: “أحضروا الخدم الخاصين بهما وطبقوا عليهم عقوبة مئتي جلدة بالعصا.”
اتسعت عينا الأمير السادس عند سماعه هذا الحكم لكنه لم يتمكن من الكلام إذ أغلق أخوه فمه بقسوة.
إذا أمر الإمبراطور بعقوبة مئتي ضربة فهذا يعني الموت المحقق للخدم حتى لو تمكنوا من النجاة فإن الجزء السفلي من أجسادهم سيتضرر تمامًا كان هذا القرار واضحًا؛ قتل الخدم لتحذير الآخرين والرسالة موجهة مباشرة إلى الأم التي ورد ذكرها على لسان الأمير.
بعد الانتهاء، أمر باي جينغلون بسحب أبنائه من الغرفة لكن الأمير السادس، الذي لا يزال صغيرًا وقليل الفهم تمكن من الإفلات من قبضة أخيه وصرخ في وجه باي جينغلون : “أبي متحيز! تلك الفتاة الشيطانية لا تستحق أن تكون أختي أبدًا!”
غرق وجه باي جينغلون بالغضب وكاد ينفجر لكن الأمير السادس أضاف: “أنت لا تعرف يا أبي إنها ماهرة في فن الكراهية المنتصرة وقد أخفت الكثير من الدمى في الحديقة الإمبراطورية إذا فتشتها جيدًا فستجدها! ورغم أنها فاقدة للوعي إلا أن حياتها ليست في خطر بينما نحن فقط من كدنا نموت خنقًا، لابد أن هذا جزء من خطتها!”
صرخ باي جينغلون: “خذوهما بعيدًا!”
وسحبت الخادمات الأمراء بقسوة إلى الخارج.
ما إن غادر الأمراء حتى عم الصمت الغرفة وبدت الأجواء محرجة للغاية حاول باي تيانروي كسر الجمود بابتسامة ودعوة لين روفي وشوان تشينغ للجلوس لكنه توقف فجأة عندما لاحظ الكدمة البارزة على عنق لين روفي حتى باي جينغلون لاحظ هذا الأمر وعبس وهو يسأل عما حدث الليلة الماضية.
روى لين روفي ما حدث وعندما بدأ يتحدث عن البرق الذي ضرب معبد الحاكم السماوي وأنقذه تبادل باي تيانروي وشوان تشينغ نظرات تحمل بعض الأفكار قال باي تيانروي مبتسمًا: “لين غونغزي محظوظ حقًا بحياة مديدة ومباركة.”
أومأ لين روفي وقال: “حظي دائمًا جيد.”
اقترب باي تيانروي منه وبدأ يتفحص آثار الكدمات بعناية فجأة همس بدهشة: “غريب ، هذه الكدمة تبدو مختلفة قليلًا عن التي على أعناق الأمراء.”
“كيف تختلف؟” سأل شوان تشينغ.
أجاب باي تيانروي وهو يشير بيديه لتشكيل دائرة وهمية حول عنق لين روفي: “الكدمة هنا دائرة كاملة بينما على عنق الأميرين كانت نصف دائرة فقط ، هل يمكن أن يكون…”
توقف قليلًا، فبادر لين روفي بالسؤال: “هل يمكن أن يكون ماذا؟”
“هل من الممكن أن ذلك الشيء يفضل غونغزي أكثر؟” قال باي تيانروي بابتسامة باهتة ثم شبك يديه معًا ووضع راحتيه الساخنتين على عنق لين روفي.
قطب لين روفي حاجبيه وقبل أن ينطق بأي شيء وبّخ باي جينغلون بغضب: “تيانروي ، لا تكن وقحًا مع غونغزي لين!”
“أمزح، أمزح فقط.”
رد باي تيانروي وهو يحرر يديه أخيرًا لكن وجهه بقي مبتسمًا بطريقة تبعث على الارتياح وعندما نظر إليه لين روفي شعر فجأة برغبة شديدة في أن يحك يديه.
“كنت أفكر فقط في أن كلمات الأميرين ربما تحمل بعض الصدق.”
قال باي تيانروي، “لماذا وقع الأمير الثاني والسادس في المشاكل؟ هل يمكن أن تكون هناك أنماط خفية؟ ولكن الآن بما أن غونغزي لين تعرض للمشكلة أيضًا فإن كلمات الأميرين تصبح بلا معنى.”
“ليس بالضرورة.” تحدث شوان تشينغ فجأة بعد أن كان صامتًا منذ البداية.
“أوه؟ كيف ذلك؟” قال باي تيانروي، “ما رأيك يا سيد شوان تشينغ؟”
قال شوان تشينغ: “بما أن الأميرين أقسما أن هناك العديد من أدوات الكراهية المنتصرة في الحديقة الإمبراطورية ، لماذا لا نرسل أحدًا للتحقق من ذلك؟”
بدت على باي تيانروي رغبة في الرد لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة.
وافق باي جينغلون على اقتراح شوان تشينغ وأشار بيده، آمراً الحراس بتفتيش الحديقة الإمبراطورية بعناية فائقة ، وألا يتركوا أي زاوية قد تكون مخبأً لأي شيء.
تعليقات: (0) إضافة تعليق