Ch35 | TMCTM
عندما وصلوا إلى المعرض في سيارة عائلة لين ——
كانت الفعالية قد بدأت منذ أكثر من ساعة ،
وكان حفل الافتتاح قد انتهى بالفعل
وفي أجواء من الموسيقى الهادئة الخفيفة ،
تجوّل رجال ونساء بأزياء أنيقة داخل القاعة الواسعة
والمضيئة للمعرض،
يتأملون اللوحات بهدوء ويتبادلون الأحاديث الهمسية من حين لآخر
كان هذا عالمًا لم يسبق لتاو شي أن دخله من قبل،
ومع ذلك لم يشعر فيه بالغربة،
بل راوده شعور مريح وكأنه ينتمي إليه منذ زمن
ما إن وصلت تشياو ييتانغ ، حتى انضمت إلى حبيبها الجامعي الذي كان ينتظرها منذ وقت طويل ،
ثم انسحبت معه بعيدًا
أما تاو شي، فقد أخذ لين تشينهي وتانغ نان وجال بهما حتى
وصل إلى ركن بعيد في أقصى المعرض
حيث توجد زاوية عرضه الخاصة
قال مشيرًا إلى إحدى اللوحات المعلقة على الجدار:
“ هذه لوحتي .”
على القماش ، ظهرت فتاة صغيرة ترتدي معطفًا قطنيًا أحمر ،
بشعر أسود مجعّد طبيعي ، وعينين لوزيتين لامعة
تطير في حقل من زهور السلجم الذهبية في فصل الربيع ،
تطارد فراشة وردية بسعادة غامرة
حقل زهور السلجم أو اللفت :
خدها الممتلئ مغطًى ببقع حمراء كبيرة تشبه الفراشات ،
تمتد من جسر أنفها حتى الجانب الأيسر من وجهها ،
لكن أي شخص ينظر إلى اللوحة لن يشعر للحظة أن ملامحها قبيحة ،
لأن ابتسامتها كانت أكثر إشراقًا من نور الربيع في شهر مارس
رفع تانغ نان رأسه نحو اللوحة وسأل بفضول:
“ غاغا من هذه؟”
نظر تاو شي إلى الفتاة في اللوحة مطولًا ،
وعيناه تحملان لمحة من الشوق ، ثم أجاب بهدوء:
“ هذه أختي "
ثم التفت إلى لين تشينهي مبتسمًا وسأله :
“ أليست أختي لطيفة جدًا ؟”
أومأ لين تشينهي وقال بصوت خافت :
“ تمامًا مثلك .”
تفاجأ تاو شي قليلاً ، وعضّ شفته السفلى لإخفاء خجله
بدأ لين تشينهي يتأمل اللوحة ، وأدرك أخيرًا لماذا كان تاو
شي دائم الحرص على كسب المال
ففي عائلة ريفية محدودة الدخل،
يعلم جيدًا ما يعنيه وجود طفلة مريضة بمرض الذئبة الحمراء
ثم نظر إلى الشاب الواقف أمام اللوحة
وفكّر { ربما … هذا الشخص يعمل بجهد أكبر مما كنت أظن }
لاحظ تاو شي نظرات لين تشينهي الموجهة إليه ،
فالتفت نحوه ، وتفاجأ قليلًا
ثم سمعه يقول له بنبرة جادة وحازمة:
“ تاو شي سيكون لك معرضك الخاص يومًا ما
وسيأتي كثير من الناس لمشاهدة لوحاتك .”
حدّق تاو شي فيه بدهشة ، ثم ابتسم بعينين منحنيتين وقال:
“ إذا أقمت معرضًا خاصًا بي، هل ستأتي لزيارته ؟”
أجاب لين تشينهي دون تردد :
“ نعم.”
ارتجفت رموش تاو شي وحدق إلى جانب وجه لين تشينهي
الجميل، ثم رمش وابتسم قائلاً:
“ حسنًا، عندما أنظم معرضي ، سأخبرك أولًا ، ويجب أن تأتي !”
أما الطفل تانغ نان ، فلم يفهم ما كان يدور تمامًا ،
فصرخ بحماس:
“ أنا أريد أن آتي ! أريد أن آتي أيضًا !”
ربت لين تشينهي على رأس تانغ نان وقال ببرود :
“ لا، انسى الأمر ~ "
أخذ الاثنان الطفل ليتجولا في أرجاء المعرض ويتأملا لوحاتٍ أخرى
وفي طريقهم، صادفوا الجد تشياو هنيان وعددًا من
الأساتذة القدامى من رابطة الخط والرسم
كان العجوز مصممًا على أن يُعرّف تلميذه على مزيد من الأشخاص،
فأمسك بتاو شي وسحبه معه، رافضًا أن يتركه يرحل
في البداية، كان لين تشينهي لا يزال برفقة تاو شي،
لكن تانغ نان بدأ فجأة يصرخ قائلاً إن معدته تؤلمه
فطلب تاو شي من لين تشينهي أن يأخذه بسرعة إلى دورة
المياه قبل أن تحدث مشكلة أكبر
غادر لين تشينهي وهو بملامح غاضبة،
منزعجًا من اضطراره لحمل تانغ نان بنفسه
أما تاو شي، فقد اصطحبه تشياو هنيان للقاء عدد من
الأساتذة الكبار في الوسط الأدبي والفني
شعر بشيء من التوتر، لكنه ظل حريصًا على أن يبدو مؤدبًا ومهذبًا
كان هؤلاء الأساتذة على علم بأن تشياو هنيان قد أخذ
تلميذ جديد بعد سنوات طويلة ،
وكانوا فضوليين لمعرفة من هو هذا التلميذ ،
فاستقبلوا تاو شي بحفاوة بالغة
من بينهم — شخص يُدعى غوان شوون ،
وهو رئيس رابطة الخط والرسم الحالي ، وخطاط معروف
مازح تشياو هنيان قائلًا :
“ العجوز تشياو .. تلميذك يشبه ابنتي قليلًا "
كان تشياو هنيان يعلم أن الرئيس ، الذي اشتهر بمغامراته النسائية في شبابه ،
لديه ابنة غير شرعية كانت قد حاولت تعلم الرسم منه ذات
مرة، لكنه رفض تعليمها ،
فأجابه بنبرة عابثة :
“ حقًا ؟
بل أراه يشبه إحدى طالباتي السابقات .”
عندها تغير وجه غوان شوون، وكأن شيئًا ما خطَر في ذهنه وأزعجه
أما تاو شي —- فلم يلحظ التوتر الخفي الذي ساد بينهما،
وبعد أن ودّع الأساتذة ،
همّ بالذهاب للبحث عن لين تشينهي
لكن في منتصف الطريق ، لفتت انتباهه لوحة معلّقة في
قسم ' غير معروض للبيع ' من قاعة المعرض
في تلك اللوحة ، ظهرت فلاحة شابة ترتدي قبعة من القش
وحذاءً مطاطي أسود ،
وهي تغرس شتلات الأرز في حقل مغمور بالماء وسط ممر
جبلي تحيط به البراعم الخضراء والمياه البيضاء الصافية
وعلى طرف الحقل ، جلست فتاة أخرى ترتدي فستانًا أبيض
طويل أمام حامل لوحة ترسم المشهد
وفي السماء ، طيور البلشون البيضاء تطير من الحقل نحو
الجبال والحقول المغطاة بضباب رطب،
تركت أجنحتها تموجات خفيفة على سطح الماء وهي تمرّ
أضفت اللوحة بأكملها إحساسًا عميقًا بالسكينة الريفية
المرأتان في اللوحة ،
واحدة منشغلة بالعمل وأخرى في هدوء الرسم ،
لكن تعابير وجهيهما هادئة ومسالمة
ملابسهما مختلفة تمامًا، لكن ملامحهما مليئة بألفة قديمة وصداقة عميقة
حبس تاو شي أنفاسه وتأمل الاسم المكتوب داخل الإطار
الأسود أسفل اللوحة
[ فانغ سوي ]
على الفور ، اشتدت أصابعه ،
واحمرّت عيناه من دون أن يتمكن من كبح ذلك
وفكّر…
{ اتضح أن والدتي كانت ترى أن تلك السنوات التي قضتها
في الجبال حين أنجبتني …. كانت سنواتٍ هادئة وجميلة
اتضح أيضًا أنها رسمت قوه بينغ … التي رافقتها في أيامها الأخيرة ،
وضمّنتها عالمها الداخلي بريشة قلبها …
لكن ، لكن… }
: “ تاو شي؟”
فجأة سمع صوتًا غريبًا مألوفًا يناديه ،
فاستدار نحو مصدر الصوت،
فرأى يانغ تشنغمينغ يقترب منه بابتسامة،
وبجانبه امرأة شابة جميلة تمسك بذراعه
لم يستطع تاو شي وصف مشاعره في تلك اللحظة،
كل ما استطاع فعله هو أن يكبت الموج المتصاعد في صدره،
ويرسم على وجهه ابتسامة آلية، ثم يحيي يانغ تشنغمينغ قائلاً :
“ العم يانغ "
ثم نظر سريعًا إلى المرأة الواقفة بجانبه،
وفجأة اجتاحه شعور غريب،
لأن تلك المرأة، والتي يُحتمل أنها في العشرينيات من عمرها،
كانت تشبهه إلى حدٍّ ما، وخصوصًا في عينيها
نظرت إليه المرأة ، وقد بدت مندهشة للحظة ،
لكنها ما لبثت أن رفعت رأسها قليلًا وابتسمت بابتسامة خفيفة
قال يانغ تشنغمينغ بنبرة لبقة :
“ هل أتيت إلى المعرض وحدك ؟”
هزّ تاو شي رأسه :
“ أتيت مع زميلي .”
لكنه لم يذكر من هو هذا الزميل
ابتسم يانغ تشنغمينغ :
“ رأيت لوحتك المعروضة هناك ، وقد أعجبتني وأردت شراءها ،
لكن أخبرني الموظفون أنها بيعت بالفعل .”
تجمّد تاو شي في مكانه ، وظهرت الدهشة جلية على وجهه:
“ بيعت ؟”
لم يكن يانغ تشنغمينغ يتوقع أن تاو شي لم يكن يعلم بالأمر،
فقال:
“ نعم ، سمعت أنها بيعت بعد فترة وجيزة من بداية المعرض ،
اسم المشتري هو سو يون —- هل تعرفه ؟”
( السكرتيرة سو يون )
هزّ تاو شي رأسه بتوهان وقال:
“ لا… لا أعرف .”
لكن يانغ تشنغمينغ كان يعرف سكرتيرة رئيس مجموعة رويزي ،
ورغم أنه أُصيب بالدهشة ، لم يُعلّق على الأمر ،
بل قدّم رفيقته إلى تاو شي قائلًا:
“ هذه نائبة رئيس رابطة تشينغهوا للرسم ، غوان فانيوان،
ربما يمكنكما التعارف .”
بدت غوان فانيوان غير راضية عن هذا التقديم،
فحدّقت إلى الرجل الذي بجانبها بنظرة غاضبة،
ثم ناولت تاو شي بطاقة عمل بابتسامة :
“ مرحبًا ، اسمي غوان فانيوان.
أنا أيضًا أرى أن لوحاتك جميلة .
يمكنك الانضمام إلى رابطة تشينغهوا للرسم،
وهناك ستلتقي بأصدقاء يشبهونك في الاهتمامات وفي العمر .”
خمّن تاو شي أن هذه المرأة التي تُدعى غوان فانيوان هي حبيبة يانغ تشنغمينغ
لم تكن تشبهه هو — بل كانت تشبه فانغ سوي
{ لكن، تلك الشخص لم تعد موجودة ،
وما الفائدة من فعل أي شيء من أجل من رحلوا ؟ }
أخذ تاو شي بطاقة العمل بكلتا يديه وقال:
“ شكرًا لكِ "
وبعد تبادل المجاملات ،
من الطبيعي أن يذهب كلٌّ في طريقه ،
لكن ربما لأن يانغ تشنغمينغ لاحظ كيف كان تاو شي يحدق
في اللوحة باهتمام شديد ،
أو ربما بسبب شيء غريزي بداخله ،
لم يستطع أن يمنع نفسه من سؤال تاو شي:
“ هل أعجبتك هذه اللوحة أيضًا ؟”
صمت تاو شي لثوانٍ ، ثم قال بهدوء :
“ المكان المرسوم في اللوحة يبدو جميلًا للغاية ”
{ ذلك المكان … مسقط رأسي ،
وقد أسر جماله روحي لستة عشر عامًا كاملة }
نظر يانغ تشنغمينغ إلى اللوحة،
وكأنها أعادت إليه شيئًا من الذاكرة،
فتلاشت الابتسامة الهادئة والمتحضّرة عن وجهه قليلًا،
وقال ببطء:
“هذه إحدى لوحات زوجتي الراحلة .
كانت تحب هذا المكان كثيرًا ،
وقضت أيامها الأخيرة هناك .”
نظرت غوان فانيوان إلى يانغ تشنغمينغ،
وكأنها كانت على وشك قول شيء ثم كتمته،
لكن ملامحها قد أظهرت استياءها بالفعل
في تلك اللحظة ، فكّر تاو شي بالكثير ،
أراد أن يطرح على يانغ تشنغمينغ أسئلة لا تُعدّ ،
لكنه سأل سؤالًا واحدًا فقط ، سؤالًا وُجه إلى والده :
“ ألم تَزُر ذلك المكان مجدداً ؟”
هناك ، كان طفلك
ظل يانغ تشنغمينغ صامتًا لفترة،
ثم ابتسم ابتسامة باهتة وقال:
“ كنت أريد الذهاب حقًا، لكن لم أجرؤ .
مرة وصلت حتى مدخل القرية ،
كنت أنوي زيارة المنزل الذي أقامت فيه زوجتي أثناء حملها،
لكنني في النهاية عدت أدراجي.
لا حيلة في الأمر… أحيانًا، يكون الإنسان جبانًا ببساطة .”
انحبس نَفَس تاو شي في صدره ،
{ لماذا سألته هذا السؤال ؟
كان قاسيًا… وعديم الفائدة }
وفجأة، أراد أن يهرب من هذا المكان
لم يعُد يحتمل رؤية هذه اللوحة،
اللوحة التي أثبتت أن والدته كانت تُكنّ مشاعر لقوه بينغ،
ولا رؤية هذا الأب الذي يقف الآن برفقة حبيبته
وقبل أن يخطو خطوة للابتعاد ،
ربت أحدهم على كتفه وقال له:
“ لماذا لم تبحث عني ؟”
التفت تاو شي، فرأى لين تشينهي يقف عابسًا قليلًا
حدّق في لين تشينهي مطولًا ،
وكأنه وجد أخيرًا شاطئ يرسو عليه بعد توهان طويل في البحر
ابتسم تاو شي :
“ صادفت لوحة جميلة للغاية ، فأخذت وقتي أتأملها .”
لم يكن لين تشينهي ينوي توبيخ تاو شي،
بل نظر إلى يانغ تشنغمينغ وقال ببرود:
“ العم يانغ "
نظر يانغ تشنغمينغ إلى الشابان الواقفَين أمامه ،
فتذكّر اللوحة التي اشترتها سو يون ،
وابتسم ابتسامة ذات مغزى وقال:
“ تشينهي ظننت أنك لا تهتم بحضور المعارض .”
حين أقامت لوو تشنغيين معرضًا من أجل فانغ سوي،
كان يانغ تشنغمينغ ويانغ داولي حاضرين،
لكنهم لم يروا لين تشينهي هناك قط
أبعد لين تشينهي جسده قليلًا ليقف حائلًا بين تاو شي ويانغ تشنغمينغ،
وقال له ببرود:
“ مجرد أنني لم أكن مهتمًا سابقًا ، لا يعني أنني لست مهتمًا الآن ”
ابتسم يانغ تشنغمينغ، وقد أدرك أنه غير مرحّب به،
فاكتفى بالصمت،
وأخذ رفيقته معه وغادر بهدوء بعد أن ألقى تحية الوداع
استدار لين تشينهي لينظر إلى تاو شي،
وحدّق في عينيه للحظة ، ثم سأل بنبرة خافتة :
“ هل ترغب في الذهاب لتستريح قليلًا ؟”
ظل تاو شي ينظر إليه ، ثم أومأ برأسه مطيعًا
حينما يُبدي تاو شي هذه النظرة،
وينظر إليه بذلك الاعتماد الصامت،
يُراوده دومًا شعور بالرغبة في أن يمدّ يده ليمسح على رأسه،
لكنّه كبح نفسه هذه المرة،
وأخذه إلى ركن الاستراحة في قاعة المعرض
وهناك ، كان يجلس تشياو ييتانغ تلعب بهاتفها بتسليةٍ وملل ،
وفي الجهة الأخرى ، كان تانغ نان نائمًا وهو متكئ،
بعد أن ألمّت به وعكة في معدته
قالت تشياو ييتانغ بامتعاض حين رأتهما :
“ انتهيتما من التجول؟
حبيبي اقترب منه أحد الأساتذة المشرفين،
فتركني وركض خلفه .”
جلس تاو شي إلى جانب الطاولة الصغيرة ،
فرأى لين تشينهي يصبّ له فنجانًا من القهوة ،
ثم سأله :
“ أأضيف سكر ؟”
أومأ برأسه :
“ نعم ، الكثير من السكر .”
كان يشتهي شيئًا حلوًا بشدة في هذه اللحظة
لكن لين تشينهي لم يُضف السكر إلى القهوة ،
بل قدّم له صحن صغير مملوء بأنواع من الحلوى من ركن الاستراحة ،
وسأله :
“ هل يكفيك هذا ؟”
نظر تاو شي إلى التغليف الأنيق للحلويات أمامه،
فخطر بباله مشهد تلك الليلة في المستشفى،
حين وضع لين تشينهي قطعة حلوى عليها وجه مبتسم في كفّه وقال له:
“ كل الأطفال يصبحون سعداء بعد أكل هذه الحلوى .”
رفع رأسه وقال بابتسامة :
“ بالطبع يكفي .”
{ هذا الشخص ،،،، لطالما بدا كأنه يلتقط مشاعر حزني بسهولة فائقة }
التقط تاو شي قطعة حلوى،
ونزع غلافها ووضعها في فمه،
فشعر بحلاوتها على طرف لسانه،
ثم بدأت الحلاوة تنتشر من لسانه إلى صدره،
وكأن لا مرارة تبقّت في القلب
جلس الثلاثة يتحدثون، وكانت تشياو ييتانغ هي من تتولى معظم الكلام،
تشكو من مدى عدم اعتمادها على حبيبها ،
في حين كان تاو شي يردّ عليها بين الحين والآخر ،
أما لين تشينهي فلم يتكلم كثيرًا ،
بل كان يُحدّق إلى أسفل ، منشغلًا بورقة حلوى ملوّنة يطويها بأصابعه
بعد فترة قصيرة ،
اقترب أحد موظفي المعرض من تاو شي وقال له :
“ مرحبًا السيد تشياو يطلب منك الحضور إليه ”
ارتبك تاو شي للحظة ،
ثم نظر إلى تشياو هنيان الجالس في الطرف المقابل من قاعة المعرض ،
وكان يقف إلى جانبه عدد من الرجال والنساء في منتصف العمر ،
ويبدو أنهم ينتظرونه
قالت تشياو ييتانغ:
“ لا بد أن أحدهم مهتمّ بلوحاتك ، لا تقلق ، مجرد دردشة بسيطة ، اذهب .”
نظَر تاو شي إلى لين تشينهي لا إراديًا ،
فأومأ له الأخير برأسه وقال:
“ سأنتظرك هنا "
عندها فقط نهض وذهب
نظرت تشياو ييتانغ إلى ظهر تاو شي وهو يبتعد،
ثم ابتسمت وقالت مازحةً للين تشينهي :
“ ألست قلقًا من ذهابه وحده؟ لن ترافقه ؟”
شرب لين تشينهي رشفة من القهوة ، ثم رد بهدوء:
“ سيتعين عليه أن يواجه الكثير من الناس والكثير من الأمور وحده على الدوام .
وأنا أؤمن بأنه قادر على التعامل مع ذلك .”
همهمت تشياو ييتانغ بصوت ساخر من بين أسنانها :
“ انظر إلى نبرة صوتك ، وكأنك أب عجوز .”
نظر إليها لين تشينهي ببرود
لم تُصدم تشياو ييتانغ، بل اكتفت بالنظر إلى هذا الصديق القديم العجوز ،
الذي رغم أنه يصغرها بعام ،
إلا أنه بدا وكأنه يكبرها بسنوات ،
{ هذا الشخص المعقّد ، متى سيحصل على ما يريد ؟ }
ثم خطر ببالها فجأة موقف من الطفولة—
حين كان عمرها سبعة أعوام تقريبًا،
وكانت العائلتان مقرّبتين،
فكانت تذهب كثيرًا للعب في بيت لين تشينهي ، وهو كذلك
في تلك الفترة، كانت عائلتها قد تبنّوا قطة بيضاء شديدة التعلّق بالبشر
وذات مرة، حين جاء لين تشينهي إلى منزلها،
التصقت القطة بساقيه،
لكنّه كان بارد الطباع حينها،
ومهما بدت القطة لطيفة،
فقد أمسك برقبتها ورماها جانبًا
لكن بعد تلك الحادثة،
أصبح لين تشينهي يزور منزلها كثيرًا على غير العادة،
وفي كل مرة يدخل فيها،
تأتيه القطة وهي تموء وتلتصق به
كان يتعامل معها ببرود ظاهر،
لا يُلاعبها ولا يقترب منها،
لكنها كانت مهووسة به،
وأحيانًا كانت تشياو ييتانغ تغتاظ من قطة بيتها التي ' تأكل في بيت وتتلذذ في بيت آخر '
حتى جاء ذلك اليوم —- ، حين رأت بالصدفة لين تشينهي
جالس عند زاوية الدرج ،
و قد أخرج من جيبه بعض السمك المجفف الذي أحضره من بيته ،
وكان يُطعم القطة بلطف ، وهو يربّت عليها برفق ،
من الواضح أنه كان يحبها كثيرًا، لكنه لم يكن يعترف بذلك
عندها فقط فهمت لماذا كانت قطة بيتها تتعلق به بشدّة،
وأيقنت أن هذا الأخ الصغير “شخص معقّد فعلًا”—
يحب ، لكنه لا يعترف
وبعد فترة قصيرة ، مرضت القطة وماتت
بكت تشياو ييتانغ كثيرًا ودفنتها في فناء المنزل
ولا تدري كيف عرف لين تشينهي بالأمر ،
لكنه حضر فورًا ،
وجلس على مقعد صغير بجانب قبر القطة ،
ووضع أمام القبر بضع قطع من السمك المجفف
لم يبكِ، ولم ينطق بكلمة،
بل ظل جالسًا هناك طوال فترة بعد الظهر
ومنذ ذلك الحين،
أصبح لين تشينهي نادرًا يزور منزلها …..
تذكّرت تشياو ييتانغ هذه القصة الطفولية الطريفة وابتسمت
ثم سرحت في التفكير قليلًا، لكنها لم تستطع أن تقاوم
رغبتها في التصرّف كأخت كبرى،
فتحدّثت إلى لين تشينهي بجدّية قائلة:
“لقد فعلت من أجله الكثير—
دفعت له الرسوم ليلتحق بمدرستنا ،
وطلبت مني أن أعتني به في نادي الفنون ،
وقدّمته لجدي ليكون معلّمه ،
بل حتى اشتريت له الملابس الخاصة بالمعرض .
وفي الصباح الباكر أسرعت لشراء لوحته خوفًا من أن يسبقك أحد .
كل هذه الأمور… لماذا لم تصارحه بها ؟”
كانت تشياو ييتانغ على يقين،
بأن لين تشينهي قد فعل من أجل ذلك الشخص أشياء أكثر،
في أماكن لم ترها ولم تعرف بها
نظر لين تشينهي إلى الشخص البعيد،
ذاك الذي كان يضحك ويتحدث مع الآخرين،
ثم قال بعد صمتٍ، بصوت هادئ:
“ كل ما أرجوه هو أن يصبح شخصًا بارزًا وفخورًا ،
ينظر إليّ بثبات وثقة ،
لا بدافع الامتنان ، ولا لأن عليه دينًا ،
ولا لأني أطلب منه شيئًا بالمقابل ،
ولا حتى لأن عليه أن يردّ لي معروفًا ، ولو كان ضئيلًا .”
صُدمت تشياو ييتانغ،
وسكتت بعد أن سمعت هذا الكلام
وللمرة الأولى، لم تطلق نكتة، ولم تمازحه
بل شعرت فجأة أن علاقاتها العشر الماضية
قد فقدت معناها في لحظة
ربما، كان الحب الحقيقي
هو أن تُحسن إلى شخصٍ ما بهذه الطريقة الصامتة والمتحفظة،
لا أن تجعل إحسانك وسيلة للملاحقة،
ولا أن تطالب بأي شيء مقابل هذا الإحسان
نظرت تشياو ييتانغ أيضًا إلى تاو شي من بعيد
كان ذلك الفتى الجميل، الذي يرتدي ملابس باهظة الثمن،
يتحدث بهدوء مع عدد من كبار السن،
وقد بدا وكأنه تخلّص من تلك الظلمة والانكماش
التي رأتها فيه أول مرة،
ولم يكن أحد ليظن أنه وُلد في قرية نائية عند سفح الجبل
بل بدا وكأنه وُلد فتى نبيلًا متأنقًا،
من خلفية غير عادية،
وقد أصبح الشخص اللامع والفخور
الذي أراده لين تشينه أن يكونه
لكن،
الثقة بالنفس، والفخر،
كلاهما كان دومًا يُروى باللطف والفضل.
ومن الصعب أن تنبت الأزهار في مستنقع طيني
نظرت تشياو ييتانغ نحو الطرف الآخر،
فلاحظت فجأة أن تشياو هنيان والرجال في منتصف العمر
الذين تحدثوا قبل قليل قد غادروا،
وكانت فتاة شابة جميلة قد اقتربت الآن وتتحدث مع تاو شي
تحرّك شيء في قلبها،
فنظرت إلى لين تشينهي الجالس بجانبها،
لتجده أيضًا يحدّق في نفس الاتجاه
أخذت تحسب الوقت في ذهنها،
وكما توقّعت،
نهض لين تشينهي من مقعده قبل أن تمر دقيقة واحدة على حديثهما
ضحكت تشياو ييتانغ وقالت مازحة :
“ ماذا ؟ لم تستطع التحمّل ؟
ألم تكن تقول قبل قليل إنه قادر على التعامل مع الأمور بنفسه ؟”
لكن لين تشينهي تجاهلها تمامًا،
ونهض متجهًا نحو الطرف الآخر
{ كيف يمكنني التظاهر بكل ذاك البريق والثقة ؟
أنا بالكاد أستطيع تحمّل أن يتحدث تاو شي مع الآخرين لأكثر من بضع كلمات ،
ولا أن يرسم لأجلهم ، أو يبتسم لهم !
أتمنى لو أن تاو شي لا ينظر إلا إلي ّ
دائمًا وأبدًا … }
فهو، في نهاية المطاف ،
من جاء به إلى هذا المكان
وكانت تراوده فكرة مظلمة —- ،
بأنه يريد إخفاءه في زاوية لا يعرفها أحد سواه
لكن،
كان يعلم أنه لن يفعل
لن يجعله طائر كناري في قفص ،
ولا نبتة متطفّلة تتسلّق عليه وحده لتعيش
{ أريد أن يكون متألقًا كالنجم ،
ساطعًا كالقمر ،
وأن يحيا حياة جيدة —
وأما أنا … }
: “ هل ستغادر ؟”
سأل تاو شي بدهشة عندما رأى لين تشينهي يقترب منه
دينغ يانآن، الطالبة المستجدة في قسم الفنون،
والتي كانت تتحدث مع تاو شي،
حدّقت بدهشة في الشاب الوسيم والطويل الذي اقترب منهما
احمرّ وجهها خجلًا،
وحدقت إلى تاو شي بتوقع ، على أمل أن يعرّفها به
لكن منذ لحظة وصوله ،
كان تركيز تاو شي منصبًا عليه تمامًا ،
ولم يعُد يوليها أي اهتمام
أما لين تشينهي ، فلم يلقِ نظرة عليها حتى،
بل قال مباشرة لتاو شي:
“ لقد تأخر الوقت ، لنعد سويًا ”
أومأ تاو شي برأسه معتذرًا من دينغ يانآن:
“ آسف، عليّ أن أعود لألحق بواجباتي .
سأفكر في الانضمام إلى رابطة الرسم في تشينغهوا كما
اقترحتِ، شكرًا لكِ "
شعرت دينغ يانآن بشيء غريب في قلبها،
وكأن الشابين أمامها لا يريان أحدًا في العالم سواهما،
وأن وجودها، رغم وقوفها أمامهما، لا يزيد عن كونه فائضًا عن الحاجة
لكنها ابتسمت وقالت:
“ لا داعي للشكر ، لا زلت آمل أن تنضم إلينا .”
كان لين تشينهي على وشك أن يستدير ويغادر ،
في حين ودّع تاو شي دينغ يانآن بسرعة وتبعه
توقف لين تشينهي قليلًا ،
وانتظر حتى أصبح تاو شي بمحاذاته تمامًا ،
ثم بدأ بالسير بجانبه في طريق العودة
{ وأما أنا
أريد أن أكون رفيق الدرب في هذه الحياة الرائعة }
يتبع
تأكدنا انو يحبه كمان اللحين 🥺
ردحذف