الفصل مئة وخمسة وثمانين : تنازع الثلاثة والثلاثون مسؤولًا سماويًا على الأرض المباركة -١-.
سأل شي ليان: "هل هذا قبرك؟ هل أنا أشرب نبيذك؟"
كان في حالة سكر شديد، ولم يسمع بوضوح إن كان ذلك اللهب الشبحي قال شيئًا أم لا. فقط ظن أن صاحب القبر مستاء ويحاول طرده.
تمتم متذمرًا: "فهمت. سأذهب."
عانق جرة النبيذ ونهض مترنحًا، يترنح ويتمايل مع كل خطوة. لكن بشكل غير متوقع، لم يبتعد كثيرًا قبل أن يفقد توازنه ويسقط أرضًا بارتطام مدوٍ.
اتضح أن هناك حفرة ضخمة في المقبرة، حُفرت مسبقًا استعدادًا لدفن ميت، غير أن الجثمان لم يُدفن بعد... بينما كان شي ليان هو من سقط فيها.
ارتطم جبينه بحافة الحفرة، فألمه ذلك وزاد من دواره، واشتد صداع رأسه. ظل مشوشًا لبعض الوقت قبل أن يحاول النهوض، يداه مغطيتان بالوحل والدماء بسبب الخدوش والجروح المنتشرة.
مد يديه ونظر إليهما دون أن يستوعب شيئًا، ثم حاول تسلق الحفرة للخروج. غير أنه كان قد أنهى جرة كاملة من النبيذ، فأطرافه كانت رخوة بلا قوة، وكلما حاول التسلق انزلق مجددًا. تهاوى مرارًا إلى قاع الحفرة، وظل يحدق بغضب في القمر المختبئ خلف سحب الليل، حتى امتلأ غيظًا.
لم تكن الحفرة عميقة إلى هذا الحد، فلماذا لم يستطع الخروج مهما حاول؟
كلما فكر في الأمر، زاد غضبه، وبدأ يتمتم لا إراديًا:
"...تبا لهذا."
لم يسبق لشي ليان أن شتم من قبل. كانت هذه أول مرة تخرج مثل هذه الكلمات من فمه. لكن المثير للدهشة أن التوتر الخانق في صدره تلاشى فورًا بعد أن سبّ. ولهذا، كطفل تذوّق الحلوى لأول مرة، تشبث بجدران الحفرة وبذل كل قوته ليصرخ بصوت مدوٍ:
"تــبــا لــكــم!!!"
صفع الأرض بيده وهو يصرخ: "هل من أحد هناك؟! أي شخص يمكنه مساعدتي على الخروج؟!"
بالطبع، لم يكن هناك أحد. لم يكن سوى تلك الكرة الصغيرة من اللهب الشبحي، تومض بلا توقف. بعد أن سقط شي ليان، اندفعت نحوه بسرعة، وكأنها تحاول الإمساك به، لكنها لم تستطع أن تلمسه أبدًا.
لم يكترث شي ليان لها، وقال بغضب: "من الأفضل أن يأتي أحدهم ويدفنني الآن!"
وبينما ظل يسب كما يحلو له، واصل التسلق. "خشخشة خشخشة"... وأخيرًا، استطاع الخروج باستخدام قوته وحده، لكن مظهره كان بائسًا للغاية، فوقع على الأرض يلهث بأنفاس متقطعة ومتعبة. بعد لحظة، استدار واحتضن نفسه وانكمش.
"إنه بارد جدًا"، همس شي ليان.
كان صوته ضعيفًا، خائفًا من أن يسمعه أحد. لكن اللهب الشبحي سمعه، فاندفع نحوه، ملتصقًا بجسده، واشتعل ضوؤه فجأة أقوى من ذي قبل، وكأنه يحترق بكامل قوته.
ومع ذلك، يظل اللهب الشبحي باردًا.
ومهما اقترب، ومهما أحرق نفسه حتى الفناء، فلن يتمكن من بث ذرة دفء في جسد حي.
في غفلته، بدا لشي ليان أنه يسمع صوتًا ضعيفًا وواهنًا.
كان الصوت قريبًا وبعيدًا في آن، كأنه حلم لكنه ليس كذلك، يصيح بيأس: "إلهي... أرجوك انتظرني، فقط انتظرني... أرجوك امنحني المزيد من الوقت... دعني... دعني..."
"...."
تساءل شي ليان في داخله: "إلهي؟ هل هو يناديني أنا؟"
لكن، حتى لو كان يتوسل إليه، فلن يكون لذلك أي جدوى. فعندما كان مسؤولًا لم يكن قادرًا على فعل شيء، والآن بعدما لم يعد مسؤولًا ، فالأمر أوضح.
——
"...سموك ؟ سموك ؟ سموك !"
كان دفع فنغ شين له هو ما أيقظه.
فتح عينيه بتثاقل، فوجد نفسه ممددًا في زقاق صغير. كان وجه فنغ شين ماثلًا فوقه، وما إن لاحظ أنه استيقظ حتى تنفس الصعداء أخيرًا، لكنه سرعان ما أظهر علامات الغضب.
"سموك ! ما الذي يحدث معك؟ تذهب بعيدًا لأيام دون أن تقول شيئًا! لو لم تعد قريبًا، فلن أستطيع الاستمرار في الكذب على جلالتيهما بعد الآن!"
جلس شي ليان ببطء وقال: "أيام؟"
ما إن نطق بالكلمة حتى أدرك أن حلقه جاف وصوته أجش، وصدغيه ينبضان بألم شديد وكأن رأسه سينفجر. بدا وكأنه يتذكر شيئًا، لكنه لم يستطع الإمساك به. جلس فنغ شين بجانبه.
"بالضبط! يومان! أين ذهبت؟ ولماذا كنت تجري بجنون هكذا للتو؟"
هل ظل سكرانًا ليومين كاملين؟ أليس أنه كان في المقبرة البرية؟ لماذا استيقظ هنا؟ وبحكم من نبرة فنغ شين، تسلّل إليه شعور مريب .
"ماذا فعلت؟"
قال فنغ شين بخشونة: "لقد كنت ملبوسًا! تحطم الأكشاك في كل مكان وتضرب الناس. حتى أنك وقفت في وجه جنود يونغ آن أثناء دورياتهم! لا أعرف ما الذي فعلته قبل ذلك!"
وعندما سمع شي ليان أنه حتى واجه جنود يونغ آن، صُدم: "أنا أوقفت الجنود؟ إذن... ماذا حدث لهؤلاء الجنود؟"
رد فنغ شين: "لحسن الحظ أنني صادفتك وأوقفتك. وبما أنك كنت بهذا المظهر، فقد ظنوا أنك مجرد سكير مجنون، فصرخوا في وجهك ولم يتعرضوا لك. وإلا لكنت ميتًا الآن. ما الذي أصابك؟ لماذا تبدو وكأنك شربت؟"
نظر شي ليان إلى نفسه، فوجد جسده مغطى بالوحل والقذارة من رأسه حتى قدميه. حك رأسه فوجد شعره فوضويًا، كأنه مجرم في طريقه للاستجواب والإعدام. كان يبدو فعلًا كمجنون سكير ينام في الشوارع طوال اليوم.
بعد لحظة صمت، نهض شي ليان وقال بتردد: "مم... شربت قليلًا."
لم يستوعب فنغ شين ذلك: "هاه؟ كيف تشرب أصلًا؟ كم شربت لتظل سكرانًا يومين؟"
رؤية فنغ شين المندهشة زادت من انزعاج شي ليان بلا سبب واضح، فمشى أمامه قائلًا: "قلت لك، لم أشرب كثيرًا، فقط قليلًا. لا يوجد شيء. لماذا لا أستطيع أن أشرب؟"
لم يتوقع فنغ شين أن يجيبه هكذا، فتجمد في مكانه لبرهة، ثم لحق به قائلًا: "ماذا تقصد بـ'لا يوجد شيء'؟ لماذا؟ هل نسيت سموك؟ الشرب يكسر العهد، وأنت لا تستطيع كسر أي عهد، وإلا فكيف ستزرع مجددًا؟ وكيف ستصعد مرة أخرى؟"
"...."
بمجرد أن سمع شي ليان كلمتي "زراعة" و"صعود"، لم يعد يرغب في الإصغاء، فسرع خطاه.
ناداه فنغ شين: " سموك !"
ثم لحق به مجددًا، وبعد لحظة تردد، قال: "هل حدث شيء ما؟ أخبرني؟"
عند سماع سؤال فنغ شين الحذر، فتح شي ليان فمه وأغلقه، راغبًا في الكلام لكن عاجزًا.
إن لم يبح قريبًا، فقد ينهار تمامًا، لكنه أيضًا لم يكن متأكدًا كيف ستكون ردة فعل فنغ شين إن علم.
لم يجرؤ على المخاطرة.
وحين لاحظ فنغ شين شتاته، أضاف: "بجدية، الأمر ليس كما لو أنك قتلت أو سرقت، فما الذي لا يمكنك أن تخبرني به؟"
ما إن سمع شي ليان عبارة "ليس كما لو أنك قتلت أو سرقت"، حتى شعر بالاختناق.
إن كان قد شعر قبل قليل بقدر ضئيل من الارتياح، فقد تحطم كل ذلك الآن.
أخفض شي ليان رأسه وتابع السير قائلًا بتمويه: "لا شيء... فقط، أنا متعب جدًا. أنت..." وكان على وشك اختلاق عذر، لكنه فجأة لاحظ شيئًا على جانب وجه فنغ شين فتوقف عن السير. "ما الذي أصاب وجهك؟"
تحسس فنغ شين خده، ثم بدا وكأنه لمس موضعًا مؤلمًا فتشنجت ملامحه. كان هناك جرح غائر على وجهه. وإحدى ذراعيه كانت ملفوفة بالضمادات، مربوطة بعناية وإحكام.
من المؤكد أن فنغ شين لم يكن من لفها بنفسه، لكن ما أقلق شي ليان حقًا كان الجروح الكامنة تحت الضمادات.
"كيف أصبت؟"
بقدرات فنغ شين، لم يكن بوسع أي بشري أن يؤذيه بسهولة، ومع ذلك فقد أصيب في ذراعه. لكن فنغ شين لم يُعر الأمر اهتماماً، وقال:
"لا شيء مهم، مجرد بعض الأوغاد حاولوا تخريب العرض، هذا كل ما في الأمر."
تملك الصدمة والارتباك شي ليان. "أولئك المؤدّون الجوالون من ذلك اليوم؟"
"نعم، هم بالذات." أجاب فنغ شين.
سأل شي ليان: "ولماذا ذهبوا ليفسدوا عرضك؟" لكنه سرعان ما أدرك السبب بنفسه. "هل كان لأننا اعترفنا بالهزيمة في ذلك اليوم، لكنك واصلت العزف في الشارع، فجاؤوا لطردك؟"
وهذا كان بالضبط ما حدث. وبعد أن فهم السبب، انفجر غضب مفاجئ في صدر شي ليان.
قال بصوت قاسٍ: "لا تذهب مجدداً!"
غير أن فنغ شين لوّح بيده باستهانة: "ومن يهتم بهم! سأذهب سواء أعجبهم أم لا. الذي اعترف بالهزيمة هو أنت، لا أنا. أنا لم أعترف بالهزيمة، إذن هذا لا يُعتبر نقضاً للوعد. سأجلس هناك وأعزف مهما كان. غير التخريب سرّاً، ماذا يمكن أن يفعلوا لي؟ لم أكن مستعداً هذه المرة، لكنني سأكون في المرة القادمة. وإذا وصل الأمر إلى القتال بالأيدي، فلست خائفاً منهم!"
عند سماعه ذلك، تلاشى ذلك الغضب المفاجئ الذي اجتاح رأس شي ليان، وحلّ مكانه شعور بالذنب.
لقد كان فنغ شين على هذا الحال بينما هو غارق في كآبته ويأسه. فكيف له أن يواجه هذا الخادم المخلص الذي لم يتخلَّ عنه حتى في هذا الوضع؟
وبعد أن فكّر في ذلك، تنهد شي ليان قائلاً: "أنا آسف يا فنغ شين."
تفاجأ فنغ شين، ثم لوّح بيده على نحو واسع: "لماذا يعتذر سموك مني؟ أي هراء هذا؟"
قال شي ليان: "أنت من كان يخرج ليجلب المال بمفردك هذه الأيام، آسف لأنني أتعبتك."
فأجاب فنغ شين: "ما دام سموك يركز على التدريب ويصعد مجدداً قريباً، فكل ذلك سيكون مستحقاً!"
لكن كلمة "الصعود" ظهرت مرة أخرى، وهز شي ليان رأسه بجدية.
أما الملك والملكة فصدّقا أكاذيب فنغ شين، وظنّا أن شي ليان قضى الأيام الماضية في التدريب بالخارج. وعندما رأوه عائداً، أعدّت الملكة وجبة كما اعتادت دائماً، لكن شي ليان لم يكن قادراً على تقبّل الأمر، فأخذ وعاء فنغ شين وأطعمَه هو بدلاً منه. تلك الليلة لم ينم.
في اليوم التالي، خرج فنغ شين فجراً بينما بقي شي ليان ليتدرّب.
ومع أنه شدّ عزيمته وجمع طاقته، إلا أنه لم يستطع التركيز.
الجميع يعرف هذه الحقيقة: الطريقة الوحيدة للتميز هي الاجتهاد، والتكرار يصنع الإتقان. لكن، من بين ملايين البشر، من ذا الذي يصل فعلاً إلى "الإتقان بالتكرار"؟ وبنفس المنطق، مهما كرر على نفسه أن يُصفّي ذهنه، فكيف ينجح في ذلك بمجرد أن يأمر نفسه به؟
على مدى عشرة أيام متتالية، ظلّ تقدمه في التدريب متوقفاً، دون أي إنجاز، فغلبه القلق. خصوصاً أنه في كل ليلة، حين يعود فنغ شين بجسده المرهق، وتسأله الملكة عن تقدمه، كان يشعر بضغط هائل لا يُطاق.
لم يجرؤ على قول الحقيقة، فكان يجيبهم بمراوغة بأنه يحرز تقدماً، فيفرحان. لكن الأمور لا يمكن أن تستمر هكذا. وبعد مرور شهرين، لم يعد شي ليان قادراً على السماح للوضع أن يبقى كما هو.
وذات ليلة، حين عاد فنغ شين متأخراً وكانا يأكلان بقايا طعام الأمس، التفت شي ليان فجأة إليه وقال:
"أخشى أنني مضطر للغياب فترة من الوقت."
تفاجأ فنغ شين وهو يملأ فمه بالأرز: "هاه؟ تغيب؟ إلى أين ستذهب؟"
أجاب شي ليان ببطء: "سأبحث عن أرض هادئة مفعمة بالطاقة الروحية، وأعتزل فيها للتدريب."
فإذا كان المكان غنياً بالطاقة الروحية، كان ذلك ذا فائدة عظيمة للمتدرّب. في السابق، لم يحسم شي ليان أمره بشأن ترك والديه وخادمه، لذا لم يفارقهم. أما الآن فقد غيّر رأيه.
فقال فنغ شين دون تفكير عميق: "عظيم! كان يجب على سموك فعل هذا منذ زمن! التدريب في عزلة هو الأكثر فاعلية!"
أومأ شي ليان، ثم تردّد قليلاً وقال: "سأترك والديّ في عهدتك أثناء غيابي."
كان فنغ شين على وشك أن يرد، لكنه تردّد لوهلة. ورغم أنها لحظة خاطفة، إلا أن شي ليان يعرفه جيداً، ولم يفته أن يلاحظ ذلك التردّد.
في تلك اللحظة، دوّى صوت الملك من الغرفة الخلفية: "إذا كان لا بد أن تذهب، فاذهب. هذا الملك لا يحتاج من يعتني به."
توقف الاثنان عن الأكل ونظرا إلى الغرفة. بدا أن الملك لم يكن قد نام وسمع حديثهما، فقطع كلامهما.
هز شي ليان رأسه وهمس: "يتظاهر بالقوة مجدداً."
ابتسم فنغ شين وقال: "لا تقلق يا سموك. بالطبع سأعتني بهما."
أجاب الآن مباشرة دون مواربة. ومع ذلك، لم ينسَ شي ليان تلك اللحظة من التردّد، كأن لديه أموراً أخرى تشغله. لكنه عندما فكّر مجدداً، ربما كان قد توهّم. فمن يعرف غيرهم؟ ولم يكن لديه من يعتمد عليه سواهم. فما الذي يمكن أن يشغله إذن؟ لذا أوقف تفكيره، وانصرف ذهنه إلى الاستعداد لرحيله في اليوم التالي.
وفي اليوم التالي، حمل شي ليان حقيبة بسيطة وودّع والديه وفنغ شين مؤقتاً.
سار عشرات الأميال، يأكل وينام في العراء لعدة أيام، إلى أن وجد أخيراً جبلاً عميقاً هادئاً مثالياً للتدريب. وبعد أن تفحص المكان، انتابه الذهول أولاً، ثم غمرته سعادة غامرة.
"يا لحسن الحظ... طالع هذا المكان رائع، لقد وجدت قطعة أرض مباركة بالفعل!"
وبعد كل تلك التعاسات، أن تأتيه مثل هذه الفرصة المفاجئة، لم يصدق نفسه إلا بعد أن تحقق مرات عديدة. أجل، كان المكان بالفعل أرضاً مقدسة عامرة بالطاقة الروحية. لو انغمس فيها وأخلص في التدريب لأشهر قليلة، فسيحرز نتائج مضاعفة بجهد أقل، ويتقدم بسرعة هائلة!
وكأن الأمل قد لاح له، فزالت غيوم الحزن التي خيّمت عليه، وقفز قلبه فرحاً.
"أبي، أمي، فنغ شين، انتظروني. سأعود قريباً جداً!"
سار عبر طريق جبلي وعر وخطر لسبع أو ثماني ساعات حتى دخل أخاديد الجبل الروحية قبل غروب الشمس.
وبينما كان يشق طريقه وسط الغابات الكثيفة، شعر بوضوح أنه يقترب أكثر فأكثر من مصدر الطاقة الروحية. فصارت خطواته أسرع وأخف. لكنه فجأة، بينما كان يختار موقع اعتزاله، سمع ضوضاء أقدام خلفه.
كيف يمكن أن يكون هناك هذا العدد من الأقدام في جبل ناءٍ كهذا؟ استدار لا شعورياً، ولم يكن يتوقع أبداً أن تجمّد تلك النظرة البسمة على شفتيه.
فقد ظهر خلفه جمع من الناس، نحو ثلاثين شخصاً، يختلفون شكلاً ولباساً، لكن ما يجمعهم أنهم جميعاً مسؤولون سماويون. بعضهم بلا رتبة في البلاط الأعلى، ومعظمهم من مسؤولي البلاط الأدنى.
ومن بينهم أولئك المسؤولون الصغار الذين صادفهم في محاولة السرقة الفاشلة سابقاً!
وعندما رأوه، تغيّرت وجوههم، وبدؤوا يتهامسون ويدفع بعضهم بعضاً بالمناكب. أما شي ليان، فبمجرد أن وقعت عيناه عليهم، راحت يداه ترتجفان.
تبادل الطرفان النظرات. ثم تنحنح أحد المسؤولين السماويين وقال:
"يا لها من مصادفة، أن نلتقي بسموك هنا."
وأضاف آخر: "حقاً. لماذا جاء سموك إلى هنا أيضاً؟"
"...."
أخفض شي ليان رأسه قليلاً، مجبراً نفسه على التماسك، وردّ بلا أي شعور بالنقص أو الذنب:
"أتيت لأتدرّب."
مع أنه لم يعد ذلك الأمير الذي كان سابقاً، إلا أنه حاول أن يستخدم نفس نبرة صوته قبل نفيه، رافضاً أن يبدو خاضعاً أو مذنباً.
ابتسم أحد المسؤولين وقال: "يا لها من مصادفة أكبر. لقد جئنا للتدرّب أيضاً."
"أجل، أجل، من كان يظن أننا سنلتقي جميعاً هنا، هاهاها..."
فاتضح أن شي ليان لم يكن الوحيد الذي اكتشف هذه الأرض المباركة، بل إن هؤلاء المسؤولين السماويين أيضاً قد وضعوها نصب أعينهم.
عندما وقع في هذا الموقف، بدأ شي ليان يتردد. هل عليه أن يتدرّب مع كل هؤلاء المسؤولين السماويين؟
بصراحة، هو لا يحب ذلك أبدًا. جاء ليتدرّب بهدوء وحده، فإذا اضطر للبقاء مع هذا العدد الكبير فلن يجد راحته. بعض الناس يفضّلون التدرب جماعة ليعتنوا ببعضهم، لكن شي ليان كان دائمًا يتدرّب وحده.
ثم بعد حادثة السرقة، صار يشعر بالتوتر كلما رأى المسؤولين الذين يعرفهم من قبل، وكأن عيونهم تخترقه وتؤلمه، فيفقد تركيزه. والآن شعر وكأنهم جميعًا يراقبونه ويحكمون عليه.
كان في التدريب على الأراضي المباركة قاعدة: "الأسبقية لمن وصل أولًا". لو كان شي ليان قويًا كفاية لقال لهم: "كنت هنا قبلكم، ابحثوا عن مكان آخر". لكنه لم يستطع التشدد، خصوصًا أن بعض المسؤولين الحاضرين كانوا شهودًا على حادثة السرقة. وكان من الوقاحة أن يطرد هذا العدد الكبير ليبقى وحده. لذا، مع أنه لم يكن يرغب في البقاء بجوارهم، لم يجد خيارًا آخر. لم يكن هناك وقت للبحث عن مكان أفضل مليء بالطاقة الروحية، فوافق أخيرًا.
قال: "يا لها من صدفة. حسنًا، سأدخل أولًا. تفضلوا أنتم أيضًا."
أسرع ليدخل الكهف الأهدأ ليختبئ فيه. لكن فجأة ناداه أحد المسؤولين:
"انتظر."
توقف شي ليان والتفت متسائلًا: "ماذا هناك؟"
تبادل الثلاثون مسؤولًا النظرات والهمسات، ثم خرج واحد منهم وقال مبتسمًا:
"جلالتك أخذت الكثير من الأراضي المباركة من قبل. لماذا لا تترك لنا هذه هذه المرة؟"
تجمد شي ليان للحظة حتى استوعب المعنى.
هل يطلبون منه أن يرحل؟
يا للوقاحة!
فكّر غاضبًا: "لقد وصلت قبلكم ولم أطردكم، فلماذا تريدون طردي؟"
لكن لم يجرؤ أن ينفجر. صمت قليلًا، ثم شدّ على حزام حقيبته بقوة وقال بلهجة صارمة:
"ما معنى كلامكم هذا؟"
أحدهم قال: "ألم نقل للتو إنك أخذت الكثير من الأراضي المباركة..."
قاطعه شي ليان: "وما علاقة ذلك بهذا المكان؟ هل يعني أنني إن أخذت أراضٍ من قبل، لا يحق لي التدرب هنا بعد الآن؟"
ارتبك المسؤول وسكت محرجًا.
تابع شي ليان وهو يحاول التماسك: "ثم لم أفهم شيئًا. وجودي هنا لا يمنعكم من التدرب. من الطبيعي أن يشترك أكثر من شخص في الأرض المباركة. كل واحد يهتم بنفسه. فلماذا تطلبون مني الرحيل؟"
عندها تمتم أحدهم بصوت منخفض: "توقف عن التظاهر بالجهل. نحن أكثر من ثلاثين شخصًا، وإذا تدربت أنت هنا، فلن يبقى لنا ما يكفي..."
رغم أن الآخرين أسكتوه بسرعة، فهم شي ليان الأمر فورًا.
إذن هكذا!
الطاقة الروحية في الأرض المباركة محدودة. كلما امتصّ شخص أكثر، قلّت حصة الآخرين. كانوا يخافون أن يأخذ هو معظم الطاقة ويترك لهم القليل.
اشتعل غضبه أكثر، فقبض على يده وقال ببرود: "سأتدرّب هنا."
فرد أحدهم: "نحن نناديك بسموك احترامًا فقط. لكنك الآن مجرد بشري. لماذا تنافسنا على هذه الأرض المباركة؟"
أجاب شي ليان: "بما أنني بشري وأنتم مسؤولون سماويون، فما الذي تخافون منه؟ إن بقيت هنا، هل ستطردونني بالقوة؟"
لكنهم لا يستطيعون ذلك. فالقانون يمنع المسؤولين من استخدام القوة ضد بشر ما لم يرتكبوا خطيئة عظيمة، وإلا يُعاقَبون.
غير أن شي ليان نسي أمرًا مهمًا.
فبينما كان يواجههم بعناد، سمع فجأة صوتًا يسخر:
"سموك ، بعد أن نُفيت إلى عالم البشر، صار ظهرك أصلب بكثير. لم تكتف بسرقة البشر، بل حتى تجرؤ على إغضاب المسؤولين السماويين! هاهاها!"
ارتجف شي ليان كأنه سقط في جليد.
رفع رأسه سريعًا، فرأى أن المتحدث مجرد مسؤول صغير رُتْبته متدنية. لكنه لم يكن من الذين رأوه أثناء حادثة السرقة!
إذن الأمر كما خاف... لقد تحدثوا عنه فعلًا! لم يكن يتوهم، الكل يعرف الحقيقة! جميع هؤلاء المسؤولين يعرفون!!!
شعر فجأة وكأن عظامه سُحبت من جسده، وانطفأت النار في عروقه. احمرّت عيناه بالدموع والدم، ونظر بجمود إلى أولئك المسؤولين الصغار.
تمتم بصوت مبحوح:
"لقد... قلتم إنكم لن تخبروا أحدًا..."
يتبع...
تعليقات: (0) إضافة تعليق