الفصل مئتان وأربعة : البحث عن خمسمائة شخص ؛ لقاء مفاجئ مع صديق قديم -١-.
قال شي ليان:
"...وما هو ذلك الشيء؟"
لكن بدا أن جون وو متحفظ بشأن الموضوع، وتردد طويلًا قبل أن يقول:
"ما الأمر يا شيان لي؟ لماذا تذكر معلمك فجأة؟ هل صادفت شيئًا داخل جبل تونغ لو له علاقة به؟"
عاد شي ليان إلى وعيه وكان على وشك أن يسرد الموقف بسرعة قبل أن يتابع أسئلته، إلا أن ضجيجًا مرتفعًا دوّى من الطرف الآخر.
قال جون وو:
"أرى الأرواح الجبلية الثلاثة التي تحدثتم عنها من قبل، بالفعل غريبة! سأهتم بها أولًا، ونتحدث لاحقًا. لكن بما أن شيان لي سأل، فتذكر أمرًا واحدًا: معلمك ليس شخصًا عاديًا. إن صادفته، فعليك أن تكون في منتهى الحذر!"
ثم انقطعت الأصوات، وحل صمت عميق.
ناداه شي ليان:
"جلالتك ؟"
لكن جون وو لم يجب مرة أخرى. فحتى روح جبل واحدة كان من الصعب التعامل معها، فكيف إذا حاصرته ثلاث دفعة واحدة؟ حتى حين امتلك شي ليان سابقًا قوى روحية غير محدودة وسيطر على تمثال إلهي عملاق متحديًا للسماء، لم يتمكن من التغلب عليها. والآن، كان جون وو يواجهها وحده، فلا بد أنه بحاجة إلى تركيز وبذل قوة كبيرة.
سرد شي ليان بإيجاز ما دار في الاتصال لهوا تشينغ ، فتوقفا معًا عن السير.
في تلك اللحظة، كانا يقفان في شارع واسع ممتد. السماء فوقهما ملبدة بالغيوم تحجب القمر، وخيوط دخان سوداء باهتة، تشبه المخلوقات، تطفو أمام ضوء القمر البارد، كأنها حبر ينتشر في ماء صافٍ.
كانت تلك هي الأرواح الناقمة القادمة من معبد وويونغ الإلهي. لم تدخل بعد، لأن هالة الملك داخل القصر والمعابد المتعددة للآلهة في العاصمة الملكية كانت تشع بقوة، متشابكة لتنسج حاجزًا مهيبًا. مثل هذا الحاجز الطبيعي كان يمنع تلك الكائنات الشريرة من التسلل، فلم يكن أمامها سوى التحليق عاليًا في السماء.
معظم المدن الحصينة كانت تمتلك حواجز مشابهة، فالأرض الخصبة تثمر مواهب بارزة، والآلهة السماوية اللامعة قد تظهر في أي مكان. لكن، تلك الحواجز لم تكن قادرة على الحماية للأبد.
قال هوا تشينغ :
"سيكون الأمر جيدًا طالما عززنا هذا الحاجز".
لكن المشكلة: كيف يمكن تعزيزه؟
تمتم شي ليان:
"تعاويذ؟ أدوات روحية؟" ثم أردف: "على الأغلب لن تكفي".
كانت الأرواح الناقمة تغطي سماء العاصمة الملكية بأكملها، فحتى لو امتلكوا ملايين التعاويذ والأدوات الروحية، قد لا تصمد. أخذ شي ليان يتنقل ذهابًا وإيابًا وهو يعض على أسنانه.
قال:
"سان لانغ، لدي فكرة ربما تعزز الحاجز، لكن... أحتاج إلى أشخاص".
سأله هوا تشينغ :
"كم عددهم؟"
أجاب شي ليان:
"كثير... أكبر عدد ممكن. على الأقل خمسمائة".
سأله هوا تشينغ بجدية، دون مزاح:
"أحياء أم أموات؟"
رد شي ليان:
"أحياء. الأشباح لن تنفع. أحتاج إلى استعارة الروح وطاقة اليانغ الخاصة بالأحياء لطرد تلك الأرواح الناقمة".
قال هوا تشينغ :
"إن كان الأمر كذلك، فهذا يعني أنهم يجب أن يكونوا متطوعين راغبين أيضًا".
أجاب شي ليان:
"صحيح. يجب أن يكونوا متطوعين، ولديهم إرادة للقتال والحماية. إن خالجهم الخوف أو كانت عزيمتهم ضعيفة، يمكن للأرواح أن تستغل ذلك وتتسلل".
أومأ هوا تشينغ وقال:
"تمامًا مثل الجنود في ساحة المعركة، يجب أن يكونوا الأشد رغبة في النصر، والأكثر إيمانًا. أما إذا أُجبروا أو كانت نيتهم فقط الهرب، فلن ينتصروا أبدًا، وسينهزمون تاركين أسلحتهم".
قال شي ليان:
"هذا بالضبط ما أعنيه. هل يستطيع سان لانغ العثور على هؤلاء الأشخاص؟"
فكر هوا تشينغ للحظة قبل أن يجيب ببطء:
"غاغا ، لو كنت بحاجة إلى الأموات، لأحضرت لك ما شئت. وحتى الأحياء بالإكراه، سهل. لكن العثور على متطوعين راغبين... هذا صعب".
ثم تابع:
"بالتأكيد هناك الكثير من البشر في العالم الفاني يعبدون ملك الأشباح، لكنني أعرف جيدًا أنهم أولًا: يخافونني، وثانيًا: يرجون مني شيئًا، لذلك يطيعونني بدافع الخوف والطمع. أستطيع أن أجبرهم بالقوة أو أغريهم بالمنافع، لكن هذه الطريقة لن تصلح لإيجاد الأشخاص الذين يحتاجهم غاغا . آسف".
قال شي ليان بانجذاب:
"لا داعي للاعتذار. سنفكر بطريقة معًا".
ابتسم هوا تشينغ وقال:
"نعم. لكن هناك خبر جيد. أمامنا بخمسين قدمًا تقريبًا، عند الزاوية، توجد مجموعة من البشر الأحياء".
شعر شي ليان بهم أيضًا، فانطلق مسرعًا ليرى، وفي اللحظة نفسها ظهرت تلك المجموعة من الناس عند الزاوية، وصاحوا مندهشين عند رؤيته:
"شبح!!!"
تأملهم شي ليان جيدًا، ثم صاح بفرح:
"الجميع، لست شبحًا، إنه أنا!"
كانت تلك المجموعة من الكهنة والمزارعين الروحيين مألوفة جدًا. القائد بينهم كان متزينًا بثياب فاخرة—أليس ذلك "عين السماء"؟ والمجموعة الكبيرة خلفه، أليست ذاتها فرقة الكهنة والمزارعين الذين أزعجوهم طوال الطريق، وانتهى بهم الأمر فاقدي الوعي تحت سقف النزل المتهدم؟
وراء شي ليان، تقدم هوا تشينغ بخطوات متراخية، يداه تتأرجحان بهدوء إلى جانبيه. لم يكن الآن في هيئة طفل، ومع ذلك الهدوء والابتسامة الباردة، قفز "عين السماء" ومن معه ثلاثة أقدام إلى الوراء من شدة الرعب.
قالوا مرتعبين:
"وتقول إنه ليس شبحًا! لا شيء أشبه بالأشباح منه! بل ملك الأشباح نفسه!!!"
اختفت ابتسامة هوا تشينغ ، ونقر بلسانه متضايقًا، غير مكترث حتى بالتعليق. أما شي ليان، والذي كان يبحث عن أرواح حية، رفع يده على عجل:
"أيها الجميع، أتيتم في الوقت المناسب تمامًا. هناك أمر—"
لكن بشكل غير متوقع، حين رفع يده، كان رد فعل الطرف الآخر مبالغًا فيه أكثر مما توقع. فقد سقطوا جميعًا على الأرض متأهبين، وهم يصرخون لبعضهم:
"احذروا! أسلحة مخفية!!!"
"...."
توقف شي ليان للحظة حتى تذكر ما يقصدونه بـ"الأسلحة المخفية"، وبقي عاجزًا عن الكلام.
قال:
"لا داعي للخوف، ليس لدي أي أسلحة مخفية".
"فكُرات العفة النقية لم يكن من السهل صنعها أصلًا؛ مجرد البحث عليها يستغرق نصف يوم".
وأضاف:
"ثم إنكم أجبرتموني في المرة السابقة، ولم أفعل بكم الكثير؛ والآن لا يوجد سبب لفعل أي شيء".
عند سماع ذلك، بدا أن المجموعة اقتنعت قليلًا. فنهضوا بسرعة، يزيلون الغبار عن ملابسهم، لكنهم ظلوا متأهبين، ممسكين بعصيهم وسيوفهم وأدواتهم الروحية دون أن يتركوها.
قال عين السماء:
"أقول، أيها الداوزانغ ، لم نرك منذ أيام، لكن جوهر الشر على جسدك ازداد سوءًا. أرى أنه من الأفضل أن تتراجع الآن ما دمت تملك فرصة. وبالمناسبة، لماذا أصبح الأمر سيئًا إلى هذا الحد؟ لا أريد إخافتك، لكن بالكاد أستطيع رؤية وجهك بوضوح بعد الآن".
شعر شي ليان بالحرج، واحمر وجهه وهو يتجنب النظر إلى هوا تشينغ ، وقاطعه سريعًا:
"دعنا نؤجل الحديث عن ذلك. أيها الجميع، كنت أراقب إشارات في سماء الليل ورأيت كائنات مشؤومة. هل رأيتموها أنتم أيضًا؟"
أجاب عين السماء:
"بالطبع رأيناها! فمراقبة إشارات السماء عملنا اليومي. وظننت أنها مجرد وحوش أو أشباح تعبث، لكن... أيمكن أن يكون السبب هو هوا تشينغ ...؟"
قال شي ليان:
"بالطبع لا. وإلا لما كنت هنا أنبّهكم. لقد جئنا أيضًا بسبب تلك الكائنات، وكنا نفكر في طريقة لتعزيز حاجز هالة العاصمة الملكية".
قال عين السماء بشك:
"أنتما؟ تفكران في طريقة؟ ولماذا قد يكون ملك الأشباح طيب القلب لهذه الدرجة؟"
ابتسم هوا تشينغ ابتسامة باردة وقال:
"ليس الأمر طيبة قلب. لكن لو أردت فعل شيء للعاصمة الملكية، فهذا الحاجز البائس لن يمنعني".
كانت تعابير الكهنة والمزارعين الآخرين غامضة، لكن شي ليان علم أن حذرهم لا يمكن أن يزول بسهولة، فلم يحاول إجبارهم.
قال:
"لقد واجهت تلك الكائنات في السماء من قبل، وهي صعبة للغاية. إن تركناها تخترق الحاجز الواقي للعاصمة وتتسلل، ستعم الفوضى. لذلك، أطلب المساعدة الآن لتشكيل مصفوفة . أحتاج إلى حوالي خمسمائة شخص".
اندهش عين السماء وقال مذهولًا:
"خمسمائة شخص؟! أي مصفوفة هذه التي تحتاج إلى هذا العدد الكبير من الناس؟! لم أسمع بمثلها قط!"
لم يجرؤ شي ليان على أن يوضح أن خمسمائة هو الحد الأدنى فقط، وأن الرقم الحقيقي لو تمكن من قوله بصراحة لكان ثمانمائة على الأقل.
وبدأ الجمع من الكهنة والمزارعين يتذمّرون:
"لم أسمع بهذا من قبل، هل رأى أحد ذكرًا لهذا في الكتب؟"
"هل تلك المخلوقات قوية إلى هذا الحد فعلًا؟"
"سمعت فقط عن وحوش تلتهم خمسمائة رجل في قضمة واحدة، لكن لم أسمع عن مصفوفة تتطلب خمسمائة لإقامتها!"
"هل سيكون الأمر خطيرًا؟"
فكّر شي ليان بجدية، ثم قال بصراحة:
"لا أستطيع أن أجزم. ربما يكون خطيرًا، وربما لا. لست واثقًا سوى بنسبة ثمانين بالمئة، فلم يسبق لي أن جرّبت هذه المصفوفة من قبل."
وبالطبع لم يكن هناك ما يذكر عنها في أي كتاب، لأنها لم تكن شيئًا تعلمه شي ليان من أساتذة أو مؤلفات، بل كانت ثمرة تفكير طويل على مدى ثمانمائة عام، إذ ظل يتساءل: ماذا لو عاد داء الوجوه البشرية مرة أخرى؟ هل يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي؟ لم يظن أنه سيواجه هذا الخطر مجددًا، ولم يتخيل أن طريقته تلك ستصبح ذات فائدة.
وبعد أن تشاور أولئك المزارعين فيما بينهم، التفت عين السماء أخيرًا وقال بتحفّظ:
"ليس لدينا هذا العدد الكبير. ثم إن..."
ثم إنهم لم يكونوا يثقون في شي ليان وهوا تشينغ .
لم يكن في الأمر ما يلامون عليه. فهم لم يعرفوا ما هو داء الوجوه البشرية، ولا مدى قوته. فضلًا عن العداء السابق بينهم وبين هوا تشينغ ، وقد كانوا دومًا ضحايا ألعابه القاسية. كان شي ليان يظن أن هؤلاء الكهنة ، لكونهم أساتذة، لديهم مئات التلاميذ، وربما يتمكنون من جمع ثلاثة أو أربعة مئات من الأشخاص، ثم يُسدّ النقص بعد ذلك. لكن تبيّن أن هذا الأمل كان باطلًا.
قال هوا تشينغ :
"غاغا ، لا تُضيّع وقتك معهم. فلنذهب."
هز شي ليان رأسه موافقًا، دون أن يظهر عليه أي إحباط، ورحل معه. ومع ذلك، لم يذهب عين السماء والبقية في طريقهم، بل أخذوا يتعقبونهما خلسة وهم يظنون أنفسهم غير مكشوفين. شعر شي ليان بالحرج، ثم أدرك أنهم يفعلون ذلك بدافع القلق من أن يتسبب هو وهوا تشينغ بمشاكل داخل العاصمة، فابتسم في نفسه وتجاهل الأمر.
ثم اقترح هوا تشينغ :
"لماذا لا نذهب إلى الأحياء الفقيرة؟ هناك سنجد الكثير ممن اعتادوا مواجهة الموت بشجاعة، ربما نجد بينهم ضالتنا."
غيّرا مسارهما واتجها إلى ظلال العاصمة الملكية، حتى وصلا إلى معبد شبه مهدّم. ألقيا نظرة داخله، فإذا به مزدحم بأناس يفترشون الأرض للنوم، ممتدّين حتى خارج المعبد. كانوا مشرّدين ومتسولين، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، كلهم في ثياب بالية. بعضهم افترش حصيرًا ممزقًا، بعضهم احتمى بقبضة من قش، وبعضهم نام على الأرض العارية. من استيقظ منهم كان إما يتأوّه من جروح متعفنة، أو ينشغل بالتقاط القمل من جسده.
وكان بينهم رجل يجرّ ساقًا عرجاء، يتنقّل ليقدّم أوعية ماء للمرضى. حتى قبل الدخول، كان الهواء مشبعًا برائحة العرق الثقيلة والنتن الكريه.
على بُعد شارع واحد فقط، كانت الأحياء الأكثر بذخًا وصخبًا، والمقارنة بينهما موجعة.
لكن شي ليان لم يكن يملك وقتًا للتأمل. اجتاز العتبة وقال بصوت مرتفع:
"هل يمكن للجميع أن يمدّوا لي يد العون؟"
فأجابه أحدهم ساخطًا:
"مد يد العون لأمّك! أنا أيضًا أريد من يمدّ لي يد العون! ألن تدعنا ننام؟! اغرب من هنا!"
لم ينزعج شي ليان، وقال بهدوء:
"الأمر عاجل للغاية. إن ساعدتم، فستجلبون...ستجلبون الخير للعالم كله!"
كان يريد أن يقول "ستنالون الشكر العظيم"، لكنه امتنع، فلو تطوعوا لأجل المكافأة فلن تكون نواياهم صافية.
زاد المتسولون في الصراخ:
"ما دخلنا بخير العالم؟!"
ثم سأل آخر:
"هل هناك تعويض؟"
التفت شي ليان إلى هوا تشينغ ، فإذا بعينيه تومضان باستياء وكأنه يوشك أن يتدخل بقوة. أسرع شي ليان بجذبه وقال خافتًا:
"ليس بعد، سان لانغ. أنت قلت بنفسك: لا بالقوة ولا بالإغراء. سأقنعهم على مهل. بين هؤلاء السبعين أو الثمانين لا بد أن نجد من يصلح."
عندها خمد بريق الغضب في عيني هوا تشينغ . وفجأة، ارتفع صوت أجش قليلًا:
"مهلًا مهلًا مهلًا! أيها الناس، اسمعوني! اصمتوا قليلًا! دعونا نسمع ما عندهما أولًا!"
التفت شي ليان، فإذا بالمتكلم هو ذلك المتسول الأعرج. كان في ثياب ممزقة، وجهه متسخ، شعره منكوش، جسمه هزيل نحيل. صوته بدا شابًا رغم مظهره البائس. لوّح بيده ليسترعي الانتباه، لكن الغريب أنه لوّح بيد واحدة فقط، فبدا وقوفه مرتبكًا. ومع ذلك، بدا أن البقية ينصتون له، إذ خفّت أصوات السباب.
قال شي ليان ممتنًا:
"شكرًا لك!"
ثم لم يضيع وقته، فقلَب كفه وأشعل شعلة من النور، ارتفعت فجأة.
فصرخ المتسولون من الفزع، واستيقظ من كان نائمًا.
"أي سحر نجس هذا؟!"
قال شي ليان بجدية:
"ليس سحرًا نجسًا، بل قوة روحية. هذا يثبت أنني لا أكذب. الحق أن الأمر هكذا: العاصمة محاصرة الآن بجيش من الأشباح والوحوش يستعدون للهجوم. نحن بحاجة إلى خمسمائة متطوّع يقيمون مصفوفة روحية لحماية العاصمة. من يرغب؟ لن أخدعكم، قد يكون هناك خطر. لكنني لن أجبر أحدًا، أطلب فقط من يتقدّم بإرادته!"
"...."
ساد الصمت في المعبد المتهالك. تبادل المتسولون النظرات، لكن لم يجرؤ أحد على التقدّم.
بعد لحظة، قال رجل متكئ ببرود:
"حماية العاصمة؟ دعك من هذا. العاصمة لم تحمني، فكيف أحميها أنا؟! افعلوا ما شئتم، لا علاقة لي بالأمر!"
كان صوته مزيجًا من اللامبالاة والغضب. ولم يستغرب شي ليان، لكنه لم ينفعه ذلك. فقد كان هذا الشعور مشتركًا بين معظم الموجودين. لا تعويض، ولا عيش كريم في العاصمة، فلماذا يخاطرون بأنفسهم؟ من يتجمد من البرد داخل المعبد، كيف له أن يخرج؟
حاول شي ليان مرة أخيرة:
"إن اقتحمت تلك الأرواح العاصمة، سينتشر وباء مرعب. سيتضرر الجميع."
رد متسول مسنّ:
"وأي وباء أخطر من قروح جسدي هذه؟!"
وقال آخر:
"إن وقع وباء، نترك المكان ونرحل. ليست العاصمة مكانًا طيبًا أصلًا."
وأضاف ثالث:
"دعوا السادة والأسياد الأثرياء في العاصمة يذهبون هم. لا بد أن يذهب أحد، فلماذا نذهب نحن؟"
لم يستطع شي ليان أن يشرح لهم الحقيقة: أن أولئك السادة سيفكرون بالطريقة نفسها، وأنه إن فكر الجميع بهذه الأنانية فلن يُنجَز شيء.
انتظر قليلًا، ثم قال بحسم:
"حسنًا، عذرًا على الإزعاج."
واستدار خارجًا من المعبد المتهالك.
قال هوا تشينغ مطمئنًا:
"لا تقلق، غاغا ، لقد حرّكت رجالي أيضًا. انتشر الخبر، وسنجد من يتطوع."
أومأ شي ليان. لم يكن القلق من عدم العثور على العدد، بل من ضيق الوقت، وأن جمع الناس عشوائيًا قد يضر أكثر مما ينفع. نظر إلى السماء، فإذا بالسحب السوداء لا تزال متلبّدة، نواياها غامضة.
فجأة، دوّى صوت من خلفه:
"انتظر! انتظر انتظر! سأذهب!"
التفت شي ليان بدهشة، فرأى المتسول الأعرج يجرّ ساقه ويقفز خارج المعبد.
قال:
"الأشخاص الذين تبحث عنهم، يكفي أن يكونوا أحياء، صحيح؟ الأطراف المكسورة ليست مشكلة، صحيح؟"
فاتضح أن حركته الغريبة لم تكن بسبب ساقه العرجاء فقط، بل لأن ذراعه الأخرى كانت مشلولة أيضًا ومتدلية بلا حياة.
امتلأ قلب شي ليان دفئًا لرؤية متطوع أخيرًا. فأجاب فورًا:
"لا مشكلة على الإطلاق!"
قال الرجل ببساطة:
"إذن اتفقنا! خذني معك!"
صُدم المتسولون داخل المعبد.
"ما الذي تفعله؟! ألم تسمع أنه قد يكون خطيرًا؟!"
"نعم! ولا يوجد مكافأة أيضًا! تكلموا كثيرًا، ولم يذكروا أي تعويض!"
"لا تتورّط في هذه الورطة، عُد يا فينغ!".
"...."
كان شي ليان يشعر منذ البداية أن هذا الرجل مألوف للغاية، لكن هيئته بدت مختلفة تمامًا عن ذكرياته، وصوته أجش قليلًا فلم يتعرّف عليه. ولكن حين سمع الآخرين ينادونه بـ فينغ، انتبه فجأة.
رمقه شي ليان بتركيز وقال غير مصدّق:
"...سيد الرياح؟!"
انفجر المتسول ضاحكًا، ورفع يده ليمسح شعره الأسود الكثيف عن وجهه.
وقال بابتسامة:
"هاهاها لقد كشفتني يا صاحب السمو!"
وتألقت تحت تلك الخصلات القذرة عينان شديدتا البريق، لامعتان كما كانتا من قبل.
يتبع...
تعليقات: (0) إضافة تعليق