القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

ch219 tgcf

الفصل مئتان وتسعة عشر : مئة عام من الألم؛ ألف عام من المعاناة -٣-.









لم يُجب غوشي على سؤال شي ليان، فقد كان غارقًا تمامًا في رعبٍ لا يمكن تبديده، الرعب الذي ما زالت تلك الصورة المروّعة تثيره في قلبه.


قال: "تلك الوجوه لم ترى النور منذ زمن طويل، حتى ضوء القمر في الليل كان مؤلمًا لها. عندما نزعتُ القناع فجأة، بدا كأنها صُدمت، فأغمضت أعينها وتوقفت أصواتها. لكن بعد لحظة، حين رأت أنه أنا، بدأت... تصرخ باسمي.


كنت مصعوقًا تمامًا. لقد قلتُ سابقًا إنني لم أرى شيئًا أفظع من ملايين البشر يسقطون من السماء ويحترقون أحياءً في بحر من النار، لكن المشهد أمامي حينها كان أفظع بملايين المرات!


يدي التي كانت تمسك بالقناع أخذت ترتجف بلا توقف، ولولا أن جسدي كله كان قد تجمّد في مكاني، لربما سقط القناع على الأرض وأيقظ سموه. أما تلك الوجوه الثلاثة، فقد بدت متلهفة لأن تقول لي شيئًا، تتحرك أفواهها على نحوٍ هستيري، لكنها رغم ذلك كبحت أصواتها، كأنها تخشى إيقاظه.


حين رأيت منظرها، شعرت بالاشمئزاز والخوف معًا، ومع ذلك لم أستطع منع نفسي من الفضول لمعرفة ما تريد أن تقوله لي. فانحنيت، وحبست أنفاسي، واقتربت من وجه سموه لأسمع.


وبينما كنت قريبًا جدًا، وصلتني رائحة دمٍ عفن قوية لم تستطع الأعشاب الطبية إخفاءها. عندها سمعتُهم يقولون: "اهرب بسرعة! سموه قد جُنَّ!"


اتضح أن رفاقي الثلاثة، بعد أن غادروا، ظلوا قلقين عليه، فعادوا سرًا للبحث عنه. لكنهم صادفوه وهو يقود حشدًا من الناس نحو الفرن. وحينها فقط أدركوا أنه لم يتخلَّ أصلًا عن فكرة التضحية بالأحياء. وفي صدمة وغضب، حاولوا منعه واندلع قتال بينهم وبينه. لكن، في النهاية، قتَلهم سموه بيده وألقاهم في الفرن مع الآخرين!


المواطنون الآخرون طبعًا تحولوا إلى رماد بمجرد إلقائهم، لكن رفاقي الثلاثة كانوا متمرّسين بالزراعة، وبما أنهم قُتلوا على يد سموه نفسه، فقد كان حقدهم شديدًا جدًا. لذلك التصقت أرواحهم بجسده، نمت على وجهه، وصارت تصرخ عليه كل يوم لتثنيه عن الاستمرار في أعماله المرعبة.


وبينما كنت أستمع، اجتاحني الرعب والارتباك، ولم أعد أعرف ماذا أفعل. وأكثر ما أرعبني هو أنني لم أعد واثقًا: أيهما كان أخطر، سموه... أم تلك الوجوه الثلاثة؟


وفجأة، أحسست بيدٍ تُوضع على رأسي.


تجمّدت، ورفعت نظري ببطء، فرأيت سموه.


لا أعلم متى استيقظ، لكنه كان ينظر إليّ، ومعه الوجوه الثلاثة على وجهه، أربعة أزواج من العيون تحدّق بي!


ازدادت ملامح تلك الوجوه البشرية تشوّهًا وتشنّجًا، وكلما التوت، مزّقت جراح وجهه أكثر، فتدفقت الدماء.


ظل سموه يحدّق بي طويلًا، ثم تنهد وقال: "ألم أقل لك ألا تدخل إلى هنا؟"


في تلك اللحظة، فهمت كل تصرفاته الغريبة في الأيام الماضية. حين اكتشف أن وجهه نبتت عليه تلك المخلوقات الثلاثة، لم يستطع تقبّل الأمر. لم يتحمّل رؤية ذلك الشكل الشيطاني في المرآة، فحطّمها جميعًا. أما النزيف فكان لأنه كان يحاول شقّهم بالسيف ليقتلعهم، لكن الرائحة الكريهة كانت لأن الجروح لا تلتئم. ومهما قطعهم، كانوا يعودون للنمو من جديد!


غطى غوشي نصف وجهه وهو يقول بعينين تتقلص حدقاتهما بشدة: "سقطتُ على ركبتي بجانب سريره فورًا. جلس سموه ببطء على السرير وقال: "لا تخف. لقد صاروا هكذا لأنهم خانوني. طالما أنك لا تفعل مثلهم، فسأعاملك كما كنت دائمًا. طالما بقيت خادمي الوفي، فلن يتغير شيء".


لكن... كيف لا أخاف؟ وكيف لم يتغير شيء؟ كل شيء تغيّر!


كان سموه ذكيًا جدًا. لم يكن بحاجة في السابق لقراءة وجوه الناس، لكن بعد نفيه تعلم أن يقرأ التعابير. أدرك ما أفكر فيه وسألني ببطء: "أأنت أيضًا سترحل؟"


بصراحة، لم أكن أعلم. لو أنه ألقى أولئك "الأشرار" في الفرن فقط، لربما استطعت التظاهر بعدم رؤية شيء. وقد قلت من قبل إنني كنت قادرًا على تفهّم ذلك. لكن أن يقتل بيده أعزّ أصدقائنا الثلاثة ويقذفهم في الفرن؟! نحن لم يكن لدينا أحد غير بعضنا! هذا كان... جنونًا. لم أستطع تقبّله.


قال سموه لنفسه: "لا بأس، كنت أتوقع ذلك. لن يبقى أحد بعد أن صرتُ هكذا. أستطيع المضي وحدي. الآن فهمت، لقد كنتُ دائمًا وحيدًا!!! لست بحاجة لأحد!!!"


تحوّلت ملامحه فجأة إلى وحشية، وحدّق بي بعينين جامدتين بينما قبض على عنقي بيد واحدة، وهو يردد بلا توقف: "أستطيع أن أكون وحدي، وحدي، وحدي، وحدي وحدي وحدي وحدي، لست بحاجة لأحد، لست بحاجة لأحد، لست بحاجة لأحد، لست بحاجة لأحد..."


كانت قوة سموه هائلة. لو أراد قتلي، لكان عنقي قد تحطم في لحظة بلا صوت. لكنني لم أمُت فورًا، وحين اشتد جنونه، بدأت وجوه رفاقي الثلاثة تصرخ أيضًا من وجهه. وكأنهم أثّروا فيه، إذ بدأ يصرخ ممسكًا رأسه من شدّة الألم، بينما كان يخنقني بيده الأخرى. صرخت أنا أيضًا. صرخنا جميعًا، نحن الخمسة، بجنون، كأننا فقدنا عقولنا.


كان سموه يضغط رأسه بيده، ويخنقني بالأخرى. بدأت الرؤية تظلم أمام عينيّ، وكدت أفقد وعيي. لكن عندها... رأيت شيئًا تحت وسادته.


كان هناك سيف مخبأ تحتها، عادة اعتادها منذ نفيه. قبضت على قبضته وسحبته، فتألّق ضوءه البارد، وضحك سموه ضحكة عالية، وعيناه مشتعلة بالدم. قال: "هل ستقتلني أنت أيضًا؟ هيا! اطعنني بسرعة! اغرس السيف في قلبي! زد العدد واحدًا! دعني أرى، من سيكون الأخير الذي يموت؟ أنتم... أم أنا؟"


بالطبع لم أطعن. اكتفيت بإشهار السيف أمامه، وصرخت بكل قوتي: "سموك! سموك! أرجوك عد إلى رشدك! انظر إلى نفسك! انظر ماذا أصبحت!!"


لقد حطّم كل المرايا، ولم يرَ انعكاس وجهه منذ زمن طويل. أما شفرة السيف فكانت حادة وبراقة، تعكس صورته. وعندما نظر إليها، رأى وجهه.


حين رأى نفسه في انعكاس النصل، توقف فجأة. لم يُرخِ قبضته عن عنقي، لكن، وبعد لا أعلم كم من الوقت، ظل يحدّق، ثم انهمرت دمعتان على وجنتيه.


حين رأيت دموعه، لم أتمالك نفسي وبكيت أيضًا. ذلك الانعكاس على السيف... كان بشعًا جدًا! حتى أنا شعرت بالاشمئزاز من مجرد النظر إليه. فكيف جعلته يراه، ليذكّره بأنه صار هكذا، مخلوقًا قبيحًا؟ لم أستطع تحمّل ذلك، فسقط السيف من يدي إلى الأرض.


في النهاية، رماني بعيدًا بعنف وقال: "اخرج." فهربت زاحفًا ومتعثّرًا".


عند هذه النقطة من القصة، أطلق شي ليان الزفرة التي كان يحبسها.


أسدل غوشي يديه وقال: "ركضت بعيدًا، وغادرت مملكة وويونغ. ولم يمضِ وقت طويل حتى ثار البركان من جديد. وهذه المرة ابتلعت الحمم المملكة كلها. لم ينجوا أحد. اختفت دولة كاملة في لحظة.


نجوت أنا من الكارثة، لكنني لم أسمع بعدها أي خبر عن سموه. كأنه دُفن مع المملكة.


تجولت بين السماء والأرض، مارست الزراعة، وحققت بعض الإنجازات. حافظت على حال جسدي، وأمضيت أيامي تائهًا في عالم البشر. كنت قد خدمت سموه منذ صغري، وحين لم يعد هناك من أخدمه، لم أعد أعلم ماذا أفعل. سموه رحل، ورفاقي الثلاثة ماتوا أيضًا. صنعت ثلاثة دمى فارغة، وجعلتها تتحدث بأصواتهم لتكلّمني، ولعبت الورق معهم أحيانًا".


عند سماع عبارة "دمى فارغة"، صار وجه شي ليان جادًا.


أكمل غوشي: "لاحقًا، حين تحسّنت مهاراتي، أضفت أيضًا بعضًا من قدرات رفاقي الثلاثة إلى تلك الدمى".


سأل شي ليان بهدوء: "هل كانوا هم النواب الثلاثة الآخرين؟"


لم يعد غريبًا أن شي ليان شعر دومًا أن النواب الآخرين غريبو الأطوار، لا يتحركون بمفردهم أبدًا، ولا يتعاملون معه على انفراد. كانوا دمى فارغة، ولو ابتعدوا عن غوشي لانكشف أمرهم.


أجاب غوشي: "نعم، هم. لذا أظنك أيضًا تلميذًا لرفاقي الثلاثة. للأسف، أنا لست هم. فالقدرات التي استطعت أن أنقلها إلى الدمى لم تتعدَّ عشرين أو ثلاثين بالمئة من قوتهم الحقيقية، فلم يكن بإمكاني أن أعلمك الكثير. وحتى تلك الدمى الثلاث التي رافقتني لسنوات طويلة، قد دمّرها هو لاحقًا.


وبعد قرن أو قرنين، تغيّرت السلالة السماوية، وبدأ المسؤولون القدامى يختفون، لتحل محلهم دفعة جديدة. لكن لم يكن لأي من ذلك علاقة بي، عشت فقط، أجرّ أيامي، أترقب الموت.


حتى جاء يوم، وُلد فيه ولي عهد في مملكة ما، تحت نجم مشؤوم. وكان ذلك أنت، ولي عهد مملكة شيان لي ".


وأخيرًا، وصل الحديث إلى هذه النقطة. شدّ شي ليان قبضته على ركبتيه قليلًا.


جلس غوشي متربعًا وضم ذراعيه وهو يتحدث: "ظننتها صدفة، أو رابطًا غريبًا. لكن في الحقيقة، كانت وويونغ قد دُمّرت منذ مئات السنين. طبيعي أن يولد ولي عهد أو اثنان بعد مرور قرون، لذا لم تكن صدفة حقًا. ومع ذلك، بدافع إحساس لا أفهمه أنا نفسي، اخترعت اسمًا وذهبت لأصبح الغوشي في شيان لي".


فكر شي ليان: "كنت أعلم أن ذلك الاسم ملفق..."


قال غوشي: "لا أقصد الإساءة لشيان لي ، لكن التسلل لشغل منصب الغوشي كان سهلًا جدًا عليّ. كان هناك عيب واحد فقط، وهو أن الناس كانوا يعتقدون أن من لا يملك لحية فهو عاجز، وأن الشاب قليل الخبرة غير جدير بالثقة. فلو ذهبت بوجهي الحقيقي ربما لم أكن لأنجح. لذلك غيّرت ملامحي قليلًا، أضفت عشرين عامًا تقريبًا، وبالفعل انخدعت بهم. لكن أن تكون غوشي يعني أن تتحدث مباشرة مع المسؤولين السماويين.


وهكذا، التقيت بجون وو وجهًا لوجه.


كان شكله مختلفًا تمامًا عن سموه الذي عرفته. ومع ذلك، كنت أعرفه أكثر من أي أحد. وبعد أن تبادلنا بعض الكلمات، بدأت أشك. لكنها كانت مجرد شكوك. وحتى لو شككت، لم أرد أن أفضح شيئًا.


لقد صار شخصًا آخر تمامًا، واختفت الوجوه من وجهه. اعتقدت أن حقد رفاقي الثلاثة قد تبدّد، وإن كان كذلك، فما الحاجة لنبش الماضي وكسر هذا الهدوء؟ كان من الأفضل أن نتظاهر بأننا لم نتعرف إلى بعضنا".


قال شي ليان: "لو كنت مكانك، لفعلت الشيء نفسه على الأرجح".


قال غوشي: "لكننا لم نستطع الاستمرار في التظاهر حتى النهاية. لأننا رأيناك أنت.


سموك، لا بد أنك خمنت الآن لماذا كانت آمالي معقودة عليك. كنت أشبهه كثيرًا. لذلك، كنتُ آمل أن تصبح الإله الذي أراد أن يصبحه هو، وتحقق ما عجز هو عن تحقيقه. كنت أرجو أن تُصلح بكمالك ما تركه من ندم".


لكن هوا تشينغ قال ببرود: "لقد أخطأت منذ البداية. إنهما لا يشبهان بعضهما على الإطلاق".


رمقه غوشي بنظرة وقال: "طبيعي أن تقول الآن إنهما لا يتشابهان، لكن في ذلك الوقت كانا متشابهين جدًا. والمشكلة أنهما كانا متشابهين أكثر مما ينبغي".


ثم التفت من جديد إلى شي ليان وقال: "تلك المرة في حفل استرضاء الآلهة، عندما أنقذت الطفل الذي سقط من سور المدينة، لم أكن سعيدًا. ليس فقط لأن الحادثة أفسدت المراسم، بل لأن ذلك كان ملفتًا جدًا. لقد أثرت انتباه جون وو.


بدأ جون وو يكلمني عنك. كان مهتمًا بك جدًا، وكلما تحدثنا عنك، كنت أشعر أن هناك شيئًا مريبًا. لكنه حقًا كان معجبًا بك؛ كان فرحًا لأنه وجد شتلة صالحة، وكان يفكر في ترقيتك. لكنني، في كل مرة، كنت أبحث عن كل ذريعة ممكنة لأثنيه عن ذلك".


لم يُرِد شي ليان أن يصدق أن مشاعر جون وو تجاهه كانت مجرد كذب، لكن عندما سمع غوشي يؤكد أنها كانت صادقة بالفعل، أصبحت مشاعره معقدة، يصعب وصفها.


قال غوشي: "نقطة التحوّل كانت جسر يي نيان."


وبمجرد أن سمع تلك الكلمات الثلاث، عاد شي ليان إلى وعيه.


قال غوشي: "هل ما زلت تتذكر ذلك الشبح عند جسر يي نيان؟"


أجاب شي ليان بهدوء: "ذلك كان فرصتي للصعود، بالطبع أتذكر."


قال غوشي: "لقد شعرت منذ البداية أن هناك خطبًا ما عندما واجهت ذلك الشبح. كان شبحًا يطوف عند جسر متهدم وسط البرية القاحلة، يرتدي درعًا مكسورًا، ولهيب النار تحت قدميه، يغطي جسده الدماء والأسلحة الحادة، تاركًا خلفه آثارًا من الدماء والنار مع كل خطوة، والأسئلة الثلاثة التي طرحها عليك... كل ذلك جعلني قلقًا جدًا، ولم أستطع أن أحدد الخطأ بالضبط. وبعد أن هزمته عند الجسر، صعدت سريعًا، ولم تتح لي الفرصة لمعرفة الحقيقة."


وتابع: "لحسن الحظ، بعد أن صعدت، ظل موقف جون وو تجاهك كما هو، يغدق عليك الأفضال، ويُبدي تقديرًا عاليًا لك، كما لو لم يتغير شيء. لذا أقنعت نفسي بألا أكثر التفكير."


"ثم جاءت المجاعة الكبرى في شيان لي، وتمرد يونغ آن، وظهور ذلك الكائن... الأبيض عديم الوجه ."


حبس شي ليان أنفاسه وأصغى بتركيز لكل كلمة.


قال غوشي: "لقد قلت هذا من قبل، لكن في البداية لم أكن أعرف ما هو ذلك الكائن على الإطلاق. حتى عندما ظهر مرض الوجه البشري، لم أملك سوى الشكوك، فالأرواح الناقمة الطفيلية ليست أمرًا جديدًا، لكن لم يسبق لها أن انتشرت بهذا الشكل. وإضافةً لذلك، كنت ممتلئًا بالحنق تجاه القدر، فظننت في البداية أن الأبيض عديم الوجه وُلد من الطبيعة، وأن السماء أرادت أن تعاقبك."


"لكن، كلما ازددتَ احتكاكًا بذلك الكائن، وكلما ازداد مرض الوجه البشري تفشيًا، ومع الكثير من الأمور الأخرى أيضًا، كان كل ذلك يجبرني على التفكير في أسوأ الاحتمالات."


سأل شي ليان: "الكثير من الأمور الأخرى؟ ماذا تعني؟ مثل ماذا؟"


أجاب غوشي: "تلك العائلة المكونة من ثلاثة أشخاص، الذين سقطوا حتى الموت أمام أبواب العاصمة الملكية لشيان لي."


توقف شي ليان عن التنفس: "ذلك... كان...؟"


قال غوشي: "بعد ذلك، فحصت جثث هؤلاء الثلاثة، واكتشفت أنهم لم يكونوا بشرًا أصلًا، بل قشورًا فارغة."


هتف شي ليان: "لكن القشور الفارغة جوفاء! لا تملك أعضاءً داخلية ولا يمكن أن تنزف؟!"


قال غوشي: "لم تكن هناك حاجة لأعضاء داخلية. فبعد السقوط من ارتفاع شاهق، ستتدمر الأحشاء بالطبع. يكفي حشو بعض اللحم المهروس في بطن القشور الفارغة وسكب بعض السوائل الدموية، فيبدو الأمر واقعيًا. كان من بين أصدقائي الثلاثة واحد بارع جدًا في ابتكار مثل هذه الحيل؛ هو من ابتكر تقنية صناعة القشور الفارغة من الأساس. وقد علّمها لنا فقط، ولم تكن منتشرة حينها. لذا، وبما أن أصدقائي جميعًا ماتوا... فمن غيري كان قادرًا على صنع قشور مزيفة واقعية كهذه؟"


خفض شي ليان رأسه، وقد انكمشت حدقتاه.


تلك العائلة التي سقطت أمام بوابات العاصمة الملكية لشيان لي كانت الشرارة المباشرة للحرب. لكن تلك الأرواح لم تكن حقيقية أبدًا، بل كانت فخًا!


سأل شي ليان: "لكن لماذا... لم تخبرني حينها؟"


أجاب غوشي: "لم أجرؤ. إن كان الأمر صحيحًا، ولو أخبرتك، فبشخصيتك آنذاك، ألم تكن ستندفع مباشرة للانتقام؟ هذا لم يكن لينقذك ولا لينقذ شيان لي ، بل فقط سيعجّل من فنائكما. بالإضافة، حتى من دون أولئك الثلاثة، كان سيحدث عاجلًا أم آجلًا..."


عاجلًا أم آجلًا كان لا بد أن يقع حدث آخر يشعل فتيل الحرب. مثل ذلك الكلب المفقود في العاصمة.


"لاحقًا، هُزمتَ. وانهزمت شيان لي كذلك. لم أعد قادرًا على الصبر، فأرسلت كل من في جناح الملكي المقدس بعيدًا، ثم ذهبت أطلب مثوله أمامي في قاعة المعبد العظيم للقتال. وهناك، كشفت قناعه مباشرة."


وهذا ما كان جون وو قد ذكره من قبل: لقاؤهما منذ ثمانمائة عام.


قال غوشي: "سألته عن الكثير من الأمور، لكنه لم يعترف ولم ينكر شيئًا. وأخيرًا سألته: جلالتك، ما الذي تريده بالضبط؟"


"أجاب أخيرًا. قال إنه يريدك أن تصبح خليفته المثالي. وأنك الوحيد في هذا العالم الذي يمكن أن يفهمه تمامًا. وبمجرد أن ينجح، فلن تخونه أبدًا!"


"فهمت قصده. ومع احتدام الجدال، اشتبكنا بالأيدي. لا أجيد القتال على الإطلاق، ولو قاتلت لكنت هلكت دون شك. كان يمكنه قتلي دون أن يحرّك إصبعًا. لكن فجأة تغيرت ملامحه، وغطى وجهه بيده. اندهشت، ولمحت حينها أن على وجهه، ظهرت تلك الوجوه الثلاثة مجددًا!"


"اتضح أنها لم تختف أصلًا، بل كان يكبحها بقوته الروحية! والآن، لسبب ما—ربما بسبب انفعالاته أو بسببي—خرجت مجددًا! وعندها خرج أصدقائي الثلاثة ليصنعوا فوضى، مسبّبين له آلامًا مبرحة وملامح مرعبة. فاستغليت الفرصة لأهرب."


"ثم بدأت أتجول في عالم البشر من جديد، هذه المرة مختبئًا في كل مكان. تساءلت: كيف أصبحت الأمور حيث كانت مملكة وويونغ قائمة؟ لذا عدت أستطلع. ولم أتوقع أنني سأكتشف أشياء عظيمة. فالأرض التي كانت تابعة للمملكة السابقة وويونغ، كانت قد أُغلقت تمامًا، معزولة عن العالم الخارجي. سرت طويلًا في تلك الأرض، وهناك قابلت أصدقائي الثلاثة مجددًا."


سأل شي ليان: "هل كانوا أرواح الجبال الثلاثة، الشيخوخة والمرض والموت؟"


أجاب غوشي: "صحيح. لقد ابتلعهم الفرن العظيم، وامتزج رماد عظامهم التي احترقت حتى العدم مع رماد البركان، ثم نُفخ إلى الخارج. ومع مرور الزمن، تراكمت البقايا شيئًا فشيئًا. وبعد ألف عام، تحوّلوا إلى ثلاث جبال ضخمة، تحوي أرواحهم."


"استغرق مني الأمر وقتًا طويلًا لأجد وسيلة للتواصل مع أصدقائي الذين أصبحوا أرواح جبال، لكن بعد أن نجحت، علمت أمورًا كثيرة. اتضح أن السلالة السابقة من المسؤولين السماويين لم تختفِ طبيعيًا. بل قُتلوا واحدًا تلو الآخر... على يده. لقد ذبح البلاط السماوي كله، ولم يُبقِ أحدًا!"


"وبعد أن غسَل العالم السماوي بالدماء، عاد إلى عالم البشر مرة أخرى. صبر فترة، غيّر اسمه، زيف هوية جديدة، أصبح "رجلًا بشريًا"، ثم "صعد". جميع المسؤولين السماويين السابقين ماتوا، لم يعد أحد يعرف من هو بالضبط، ولا أحد يعرف شكله من قبل. أما قصة "الإمبراطور العسكري السماوي" المنتشرة في عالم البشر—خلفيته، مراجعه الأدبية، الحكايات عنه، مظهره، شخصيته... كلها مزيفة. مجرد أكاذيب محبوكة بعناية!"


"هذه العاصمة السماوية هي البلاط السماوي الجديد الذي صنعه بيديه وحده، وهو تحت سيطرته الكاملة. أما جثث ورماد المسؤولين السماويين من السلالة السابقة، فقد اختلطت في أساس هذه العاصمة، يُداس عليهم يوميًا. وربما حتى الآن، هناك أحد تحت قدميك."


"...."


وتابع غوشي: "هو الآن ال المسؤول العسكري الأول في العالم السماوي، يبدو براقًا وعظيمًا من الخارج. لكن في قلبه، هناك ظلام لا نهاية له مكبوت في الأعماق. استياء، ألم، غضب، كراهية... كل ذلك يحتاج إلى التنفيس. فقط عندها يمكنه أن يحافظ على توازنه، ويستمر كالمسؤول العسكري الأول الذي يحكم العوالم الثلاثة دون أن يذبح كل شيء."


"لقد تحولت مملكة وويونغ إلى جحيم، والفرن العظيم أُطعم بعدد لا يُحصى من الأحياء وثلاثة مسؤولين سماويين سابقين، فاعترف به سيدًا له. لذا، كان يُفرغ مشاعره المظلمة في الفرن بانتظام، مستخدمًا أرواح ملايين الموتى من وويونغ كوقود لإشعال نيران الكارما، وصنع العديد من الكائنات الشريرة."


سأل شي ليان: "طريقة صنع تلك الكائنات الشريرة تختلف عن تكوين"الاسمى"، صحيح؟"


أجاب غوشي: "نعم. الاسمى جاءت لاحقًا، لأنه... غيّر طريقة الصقل."


قال شي ليان: "ماذا تقصد بذلك؟"


أجاب غوشي: "الجودة والكمية."


ثم ألقى نظرة نحو هوا تشينغ .


وقال: "أنتما تعرفان بالفعل أن الاسمى لا يولد إلا مرة كل مئة عام، وأحيانًا كل عدة مئات من السنين. لذا، هم نادرون للغاية، وصعب تكوينهم. كما أن حياة الاسمى السابقة كيان مستقل. الفرن يوفر فقط بيئة لتسريع ولادتهم المتفجرة. من يمكنه أن يصبح ساميًا، سيصبح ساميًا أينما كان، عاجلًا أم آجلًا."


"في الحقيقة، كلمة "سامي" مأخوذة من معنى "فريد" و"أعلى". لا علاقة كبيرة لها بكون المرء صُقل داخل الفرن. لكن، القدرة على تحمل صقل الفرن بالتأكيد تجعل من المرء ساميًا، لأن القلة فقط يستطيعون النجاة منه. وحتى الآن، أليسوا ثلاثة فقط؟"


نظر شي ليان إلى هوا تشينغ بجانبه، وصادف أن هوا تشينغ كان ينظر إليه أيضًا. ابتسم له هوا تشينغ ، رغم أنه لم يعرف سبب نظرة شي ليان.


تابع غوشي: "لكن، إنتاج الفرن في بداياته لم يكن كذلك. في الأيام الأولى، كان هناك دورة كل بضع سنوات، وكل مرة تخرج نتائج مختلفة، دفعات ودفعات تُصب. ربما كان لهذا علاقة بمشاعره المضطربة. كل ما يُنتج آنذاك كان وحوشًا صاغها من كراهيته واستيائه. وهناك أسماء مألوفة بينها. مثل— مبجل الكلمات الفارغة ."


هتف شي ليان: "مبجل الكلمات الفارغة أيضًا وُلد من الفرن؟!"


أجاب غوشي: "صحيح. بعض تلك الكائنات امتلكت وعيًا خاصًا بها وانفصلت عنه؛ وبعضها لم يمتلك، ويمكن اعتبارها نسخه. مبجل الكلمات الفارغة كان لديه وعي، وبعد أن انفصل، قسّم نفسه إلى نسخ صغيرة كثيرة. كان أصدقائي الثلاثة يحرسون حدود مملكة وويونغ ليمنعوا تلك الكائنات من الخروج، بينما قضيت أنا سنواتي في العالم الخارجي أبحث عنها، محاولًا إصلاح الوضع."


وفجأة تذكر شي ليان الموقف الغريب لغوشي عندما رأى شي شينغ شوان. قال: "سيد الرياح... العرّاف الماهر الذي تنبأ لشي شينغ شوان حينها، وقال لأسرته ألا يقيموا الولائم، أكان أنت؟"


قال غوشي: "بديهي. غير معلمك أنا، أي عرّاف آخر يمكن أن يكون دقيقًا هكذا؟ وأي عرّاف يقبل أن يُدفع له بوعاء عصيدة؟"


وتابع: "لقد أراد مبجل الكلمات الفارغة أن يلتهم شي وودو حين كان طفلًا أولًا. لكن شي وودو، ذلك الصغير الحقود، كان شرسًا جدًا حتى في طفولته. لم يستطع شيء أن ينال منه، ولم يخشى شيئًا، وكان قدره طاغيًا لا يُبتلع. ولو حاول أن يلتهمه بالقوة، لتهشمت أسنانه غرقًا في الدم. لذا، لم يجد بدًا إلا أن يلتفت إلى أخيه الأصغر العادي، صاحب القدر المليء بالثروة. ومع أنه لم يتمكن من التهامه أيضًا، فقد جلب لهما من الشقاء ما لم يجعلهما ينعمان بالسلام. إضافة إلى أنه نهش شخصًا كان مقدرًا له أن يصعد، لذا لم يكن مغتاظًا. إلى اليوم أندم لأنني لم أقتله حينها."


قال هوا تشينغ : "لقد قُتل بالفعل."


أجاب غوشي: "ابتلعه هي شوان، صحيح؟ لقد سمعت. كنت أنوي أن أراقب الأخوين شي حتى تمر العاصفة، لكن في ذلك الوقت كان الفرن على وشك أن يفتح أبوابه، فلم أستطع مرافقتهم طويلًا قبل أن أضطر للعودة. وعندما عدت، كان كل شيء قد خرج عن السيطرة. شي وودو انحرف وسبب فوضى عظيمة! أوجع رأسي كثيرًا، وحتى لو أردت التدخل، ما كنت قادرًا حينها."


لقد تحول الأمر فعلًا إلى ما لا يمكن السيطرة عليه.


وأضاف غوشي: "لكن في الحقيقة، مبجل الكلمات الفارغة لم يكن حتى من بين الأقوياء بين أولئك الوحوش. كل ما في الأمر أنه كان يحب إثارة المتاعب بالخارج. وبالمقياس الصحيح، لم يكن سوى منتج معيب، لا يُذكر. وهناك المزيد، مثل..."


قال شي ليان بخفوت: "مثل... روح ذلك الذي مات في معركة جسر يي نيان؟"


شهق غوشي: "...كان هو. وإلا لماذا تعتقد أنني قلت إن كل شيء بدأ بكلمتك تلك؟ ذلك الشبح عند الجسر كان نسخة سوداء صنعها من الفرن؛ كل عدة سنوات كان عليه أن يخرج ليطارد ويقتل كي يُفرغ كراهيته. لكنك أنت بالذات هزمته!"


"لقد شعر أن ذلك الشبح عند الجسر قُتل بيد شخص ما، فنزل فورًا ليرى، وهناك رآك. وأنت. أنت بالذات، كان عليك أن تقول له تلك العبارة— الجسد في الهاوية، والقلب في الجنة. كانت طعنة مجنونة إلى قلبه، ضربة قاتلة..."


"كانت تلك نقطة التحوّل لكل شيء."










يتبع...


  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي