القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch41 برج الأبروش

 Ch41 برج الأبروش




لم يكن تشن جيايو يتوقع أن يسمع عن النتائج الأولية 

لأسباب تعطل الرافع الخلفي لطائرة الشحن كارغو 1025 

من والده بالذات ،

لكن تبيّن أن حدسه كان صحيح ؛ فقد وقع الحادث بسبب 

سوء تثبيت آلات ضخمة مخصّصة لاستخراج النفط ،

بعض الأشرطة انقطعت أثناء الإقلاع ، مما تسبب في سلسلة 

من ردود الفعل المتتابعة ، حيث اندفعت ثلاث آلات 

موضوعة على التوالي في نهاية الطائرة نحو الذيل ،

أدى ذلك إلى انتقال مركز الثقل إلى الخلف ، و أدى أيضًا 

إلى إحداث ثقوب في مستودع الشحن نفسه ،

أن تتمكّن الطائرة من الهبوط دون وقوع إصابات كان 

بالفعل ضربة حظّ نادرة ———


وأمر آخر قد ذكره تحقق أيضًا : فقد انقلب الصندوق الأسود 

بعد خمس ثوانٍ فقط من مغادرة عجلات الطائرة أرض 

المدرج ، ولم يتم استعادة أي بيانات منه ،

لكن جسم الطائرة لم يتعرض لاحتراق شديد ، ولم تكن الأضرار بالغة ،

ويُقال إن الخبراء تمكنوا من استنتاج ما جرى تقريبًا بمجرد 

رفع الغطاء وفحص مستوى التلف في الجدران وأذرع مشغّل ذيل الطائرة



——- في الآونة الأخيرة لم تتوافق جداول عمل تشن جيايو 

وفانغ هاو على نحو جيّد ، ——-


كلما كان فانغ هاو في إجازة ، كان تشن جيايو في الجو ، 

والعكس صحيح


لكن فانغ هاو الذي كان عادةً يتجنب البقاء في المطار ولو 

دقيقة إضافية ، صار مؤخرًا على استعداد لأن يمكث قليلاً 

بعد نوبته الليلية ليشارك تشن جيايو وجبة فطور سريعة 

قبل انتهاء الفحص والإحاطة قبل الرحلة 


انتشر خبر أسباب الحادث بين المراقبين الجويين وبعض 

الطيارين الذين كانوا في المجال الجوي في ذلك اليوم ،

وما إن التقى فانغ هاو بتشن جيايو حتى قال له مباشرةً 


فانغ هاو : “ رحلة الشحن 1025 — سمعت عنها ، أليس كذلك ؟ 

كنتَ محقًا بشأن ما حدث .”


— “ سمعت ...” أجاب تشن جيايو. وعندما سمعه يذكر 

الموضوع ، تذكر الموقف يوم كان فانغ هاو في نوبته تلك ،

وبالنظر إلى أن فانغ هاو كان يعمل لساعات طويلة مؤخرًا ، 

وأن محاولاتهما للقاء قد باءت بالفشل مرات عدة ، 

فقد كان من حسن الحظ أن يجدا متسعًا لهذا الفطور 

الصباحي المبكر ، 

عندها شعر تشن جيايو بشيء من القلق:

“ هذه المرة لم يؤثر عليك أليس كذلك ؟ 

ألاحظ أنك كنتَ…”


لكن قبل أن يُكمل ، هزّ فانغ هاو رأسه مقاطعًا :

“ ليس هذه المرة ،، لكن سمعت أن الطاقم وفريق الشحن عوقبوا جميعًا "


خلال الأيام القليلة الماضية كان هذا الحادث يشغل باله بالفعل ،، 

فمع الأخذ بعين الاعتبار التدقيق الذي تعرض له من 

القيادات أثناء عطل الرادار في المرة السابقة ، 

لم يكن واثقًا من الأعذار التي قد يبحثون عنها هذه المرة ، 

لكن مرّ أسبوع دون أن يقترب منه نائب المدير يان شيونغ، 

بل إن قوه تشيفانغ اتصلت به من منزلها لتطمئنه ،

عندها بدأ يعتقد أن الأمر قد يمرّ من دون مساءلة تخصّه ،


تشن جيايو لم يسمع هذا من والده ، فقال بدهشة:

“ الطاقم عوقب ؟! أن يتمكنوا من إنزال طائرة والرافع الخلفي عالق بسرعة 

تتجاوز مئتي كيلومتر في الساعة دون 

أي ضحايا—هذا في حد ذاته إنجاز "


كان يشعر بالاستياء بعض الشيء من أجل الكابتن المخضرم لرحلة 1025 ،

فبحسب ما روى له والده ، ذلك الكابتن قد عمل سنوات 

طويلة في الطيران المدني ، واقترب من التقاعد ، ليصادفه 

مثل هذا الحادث في أواخر مسيرته …..


خمّن فانغ هاو بتردد:

“ الآلات المستوردة… لا بد أنها كانت باهظة الثمن، أليس كذلك؟ 

ومع الطائرة نفسها ، فالخسارة كاملة .”


لكن تشن جيايو لم يتقبّل هذا التبرير ، وردّ قائلًا:

“ تلك الطائرات في الأصل قد حُوّلت من ركاب إلى شحن، 

وكانت شركة هاينان إيرلاينز قد أخرجتها من الخدمة ،

بعد عامين على الأكثر ، كان سيتم إيقافها نهائيًا ،

أما الآلات… فمهما بلغ ثمنها ، هل هي أثمن من الأرواح البشرية ؟”


كان يجلس مقابل فانغ هاو ، فلم يخفِ ما في نفسه ، وتابع :

“ الشركة الناقلة تستحق العقوبة ، ولا اعتراض عندي على ذلك ،

لكن لا أرى أن طاقم الرحلة يجب أن يتحمل اللوم .”


إلا أن فانغ هاو لم يوافقه الرأي في هذه النقطة الأخيرة:

“ عمال الشحن لهم معاناتهم أيضًا ، وأشياء لا يمكنهم التصريح بها ،

أنظمتهم لا تنصّ بوضوح على كيفية تثبيت آلات ضخمة غير تقليدية كهذه ، 

سمعتُ أن العسكريين لديهم قواعد خاصة لنقل الأسلحة 

والمركبات المدرعة ، لكنها ليست مكتوبة ، بل تنتقل عبر 

الخبرة والتجربة ، 

في النهاية ، المسألة أن القوانين لا تواكب الواقع… 

وهذا أمر استنتجته جيدًا من قبل .”


لم يكن تشن جيايو على دراية بذلك ، فاكتفى بهزّ رأسه 

مفكرًا ، ثم غيّر الموضوع قائلًا:

“ المهم أنها لم تؤثر عليك ، لقد كنت مشغولًا جدًا في الأيام 

الماضية ، وهذا أقلقني بعض الشيء .”


كرر فانغ هاو:

“ لا، فقط كنت مشغولًا فحسب ، الأخت قوه ما زالت في 

إجازة ولادة ، وبمجرد أن ينتهي هذا الشهر ستتحسن الأمور .”


كان من المفترض ألّا يعمل كل هذه النوبات الليلية ، لكن 

تواليها أرهق جسده ، خصوصًا بعد النوبات المتأخرة—فقد 

احمرّت عيناه من التعب ، و تابع بابتسامة باهتة :

“ لكن هناك خبر جيد ، متدربي أوشك على التخرج ، 

من الآن فصاعدًا ، في ثمانٍ من كل عشر مرات قد تسمع 

صوت تشانبو عبر اللاسلكي بدلًا مني .”


أطلق تشن جيايو صوتًا ساخرًا بلسانه ، وقال بنبرة متحسرة:

“ عدم سماع صوتك ؟ هذه ليست أخبارًا جيدة إطلاقًا .”


قالها بمشاعر واضحة ، دون أن يخفض صوته ، مستغلًا 

هدوء الصباح وقلة الزحام في المطار ، 

بل قرّب كرسيه قليلًا وأمال جسده نحو فانغ هاو ،


أما فانغ هاو فلم يكن من النوع الذي يُظهر مشاعره في 

الأماكن العامة ، فأحس بشيء من الإحراج من كلام تشن جيايو ،

أنزل رأسه وشرب من قهوته دون أن يغير مكانه ، 

تاركًا لتشن جيايو أن يلمس ركبته بخفة تحت الطاولة


و بينما فانغ هاو يشرب قهوته ، تذكّر تشن جيايو أمرًا ما ،

مدّ يده إلى حقيبته الخاصة بالرحلات ، وأخرج منها قارورة حرارية ، وناولها له قائلًا:

“ كوبك "


في المرة الأخيرة حين التقيا لتناول الغداء في المبنى رقم 1، 

كان فانغ هاو يبدأ مناوبته الليلية، و بينما تشن جيايو ينهي 

يومًا كاملًا من الرحلات ، وقتها كان فانغ هاو قد جرّب إعداد 

لاتيه الشوفان منزوع الكافيين في آلة القهوة ، ثم سكبه في 

هذا الكوب الحراري وأحضره إلى المطار ليأخذه تشن جيايو معه ،

لقد تأثر تشن جيايو كثيرًا بتلك اللفتة ، ومزح قائلًا إن هذه 

الهدية التي قدمها هو نفسه لفانغ هاو في عيد ميلاده أثبتت 

أنها استثمار ممتاز—فقد اشتراها له، لكنه هو من استفاد 

منها أكثر من مرة ، وبالطبع ، لو قضى بعض الليالي الإضافية 

في منزل فانغ هاو، لكان العائد أعظم… لكنه لم يجرؤ على 

قول ذلك بصوت عالٍ خشية أن يبدو شديد التلهف


سأل فانغ هاو محاولًا ملء الفراغ في الحديث بعادته القديمة :

“ إلى أين ستطير اليوم ؟ وهل تعمل أيضًا في عطلة نهاية الأسبوع ؟”


تشن جيايو:

“ ما زلت على خط باوآن في شينتشين وباييون في قوانغتشو ،،

لدي رحلة يوم السبت أيضًا ، لكنني متفرغ الأحد ،

لكن سأضطر للذهاب إلى منزل العائلة يوم الأحد .”


الطيارون لا ينعمون بالعطل أو الإجازات الأسبوعية ، 

وتشن جيايو لم يكن استثناءً ،

بدا عليه شيء من الاعتذار ؛ فالأصل أن كليهما متفرغ في الأحد ، لكنه قد وعد والديه مسبقًا بأن يمضي معهما اليوم كاملًا ، 

يتناولان الطعام خارجًا ويتمشيان قليلًا في الحديقة ، 

وهذا ما سيشغل نهاره بأكمله ،


لم يبدُ أن فانغ هاو انزعج من ذلك ، بل أومأ برأسه وقال:

“ لا بأس ، وماذا عن يوم الإثنين ؟”


لاحظ حينها أن تشن جيايو يخرج هاتفه ليتحقق من جدوله الزمني، فأضاف بصوت خافت:

“ بما أن منزلي قريب من المطار… إن كنت متفرغًا بعد رحلتك ، تعال مباشرةً . 

لا داعي لتحديد يوم بعينه ، فقط اتصل بي مسبقًا ، وإن لم 

أكن في مناوبة ، فسأكون في المنزل .”


أجاب تشن جيايو بهمهمة موافقة


فبعد تلك الليلة وذلك اليوم الذي تلاها ، مرّ وقت طويل 

دون أن يرى فانغ هاو أو يلمسه ،


لم يلتقيا إلا مرتين في المبنى رقم 1، بما في ذلك هذا اليوم ، 

وكل لقاء كان على عجل ، ومع ذلك، كانا يتراسلان باستمرار ، 

يتحدثان في كل شيء ولا شيء ،


في كل مرة كان تشن جيايو يشغّل بيانات هاتفه بعد رحلة ، 

يجد رسائل جديدة تنتظره من فانغ هاو ، 

حتى إن مضيفات الرحلات المخضرمات اللواتي يعرفنه 

بدأن يمازحنه بشأن ذلك ، 

قبل أن يعترفا بمشاعرهما، لم يتجاوز سجل محادثاتهما 

أقل من عشر صفحات ، أما الآن فبإمكانهما أن يملآ عشر 

صفحات خلال يومين فقط


بالأمس وأثناء عودته إلى ليجين عالق في ازدحام مروري، 

طلب تشن جيايو من فانغ هاو أن يرسل له صورة


لكن فانغ هاو رفض ، فلم يجد أمامه سوى أن يعود لتلك 

الصورة القديمة التي أرسلها له فانغ هاو قبل أسبوع—صورة 

لعلامة عضة حب على جسده —وبدأ يتأملها مرات ومرات


وكلما طال النظر ، شعر بحرارة تشتعل داخله ، 

حتى أطلق السائق خلفه بوق السيارة بإلحاح شديد ،

اضطر حينها أن يطفئ شاشة هاتفه ، محاولًا أن يطفئ معها 

الشرارة الصغيرة التي اشتعلت في قلبه ——-


….



في الليل ، تلقى فانغ هاو رسالة من فانغ شنغجي — رابط لمنشور على ويبو ،

وحين فتحه ، وجد أنه منشور من الحساب الموثق لتشن جيايو ،

كانت صورة مألوفة جدًا ، تُظهر غروب الشمس في مطار 

داشينغ من خلال نافذة قمرة القيادة ، والمدرج الفارغ 

الممتد في المنتصف يلمع بضوء الشفق ،،


بدا أن تشن جيايو لم ينشر شيئًا منذ زمن طويل، فبعد 

نصف عام من الصمت، عاد فجأة ليُحيي حسابه بهذه الصورة


وقد تعرّف أحد أفراد مجتمع الطيران على المطار والمدرج، 

وعلّق في الأسفل متسائلًا إن كان لذلك علاقة بحادث رحلة 

الشحن 1025، مخمّنًا أن “ الأخ جيا ” كان يصلي من أجل سلامة الرحلات


( لأنها صورة مدرج 17L ، صورة لأول مره يرضى فانغ هاو يخليه يهبط فيها 😂😭 — 

لكن طائرة الشحن سقطت فيها — عشان كذا تعليق المتابع جاء بخصوص الحادث )


  

لكن وحده فانغ هاو يعلم أن تلك لم تكن صورة جديدة ، 

بل هي نفس الصورة التي أرسلها له تشن جيايو قبل أسابيع 

لمدرج 17L ، لكن تفسيره كان مختلفًا ؛ 

فربما لم يكن تشن جيايو منشغلًا كثيرًا بالرأي العام أو 

بقضية السلامة الجوية ، بل كانت دوافعه شخصية بحتة ،


لعلّه أيضًا كان يستحضر الذكريات ،

فتلك الصورة كانت بمثابة البداية ، 

حين لم يحدث شيء بينهما بعد ، 

لكن خلال أسابيع قليلة فقط ، انقلب كل شيء رأسًا على عقب —-


التقط فانغ هاو هاتفه ليكتب رسالة إلى فانغ شنغجي : 

[ وبالمناسبة ، لدي ما أخبرك به… ]


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


في مبنى الركاب رقم 1 المزدحم ، 

تمكّن تشو تشيتشن ولانغ فنغ من الالتقاء بسهولة —-

مرّ بالضبط أسبوع منذ حفلة عيد الميلاد في منزل فانغ هاو ، 

ووصلا كلاهما إلى موقف السيارات في الوقت المحدّد ،

لمح تشو تشيتشن على الفور سيارة تسلا الزرقاء الداكنة 

الخاصة بلانغ فنغ، ولم يستطع أن يمنع نفسه من المزاح قائلًا وهو يقترب:

“ إذن تمكنت من الركن هذه المرة ، أليس كذلك ؟”


: “ مساء الخير ” أجاب لانغ فنغ بطبيعته الهادئة


في هدوئه هذا توتر تشو تشيتشن وتاه للحظة ؛ 

ففي تلك الليلة شرب لانغ فنغ الكثير ، 

وكان تشو قد دسّ له كأس مارغريتا مع كمية مضاعفة من التكيلا بدافع شخصي ~ 

{ هل يُعقل أن لانغ فنغ لا يتذكر ما حدث في غرفة الضيوف تلك الليلة ؟ 

هل من الممكن حقًا أنه لا يتذكر شيئًا على الإطلاق؟ }

وبدأ يتساءل { هل الأفضل أن يكون قد نسي ، أم أن ذلك أسوأ ؟ }


كان من النادر أن ينتهيا كلاهما من رحلتيهما في وقت واحد ،

تشو تشيتشن أنهى لتوّه مناوبة استمرت ثلاث عشرة ساعة متواصلة ، 

شملت التعامل مع فارق التوقيت ، بينما لانغ فنغ قد وصل 

لتوه من رحلة برلين–بكين ،

كانا جائعين بشدّة ، ومن دون حاجة لكثير من الكلمات ، 

تولّى لانغ فنغ زمام المبادرة واقترح أن يأخذ تشو إلى مطعم 

إيطالي يُقال إنه الأفضل في بكين


….


المطعم أنيق ، لا يحتوي على أي حرف صيني في القائمة ، 

والنُدُل جميعهم أجانب ، 

لم يسبق لتشو أن زار مكانًا كهذا من قبل ؛ بدا وكأنه مكان 

مثالي للمواعيد الغرامية ، 

حيث امتلأت الطاولات المحيطة بهم بثنائيات من الحضريين بأناقة ، 

يتحادثون همسًا تحت أجواء ضوء الشموع الرومانسي ،


شعر تشو بشيء من الغرابة وسط هذا الجو ، لكنه ذكّر نفسه 

بأن وجود لانغ فنغ كطيار بأربع رُتب ، 

وهو نفسه طيار بثلاث رُتب— يكفي لأن لا يقلّا شأنًا في المظهر عن أيٍّ من روّاد المكان 


لانغ فنغ، الذي لاحظ ارتباك تشو في مكان غير مألوف له، 

بدأ يشرح له بلطف مكوّنات الأطباق حين رآه يعبس بحاجبيه أمام القائمة ،

لكن وبعد كل تلك التوضيحات ، ترك تشو الأمر له بكل بساطة ، ففوضه أن يختار ما يريد ،

وعندما حضر النادل ، كان شابًا وسيمًا بشعر بني يعرفه لانغ فنغ ،

تبادلا الحديث بلغة لم يتمكّن تشو من تمييزها بدقة—ربما الهولندية أو الألمانية ،

راقب فقط بينما لانغ فنغ يطلب الطعام بطلاقة ،


سأل تشو فجأة بعدما غادر النادل :

“ أيّهما أفضل لديك ؟ الهولندية أم الألمانية ؟”


لانغ فنغ:

“ أستخدم الهولندية في العمل ومع طاقم الطائرة ، 

لذا صرت أتقنها جيدًا ، 

لكنني في السابق كنت أفضل في الألمانية ، فقد كان والداي 

يعملان في فرانكفورت ، وفي المدرسة كنت أتكلم الألمانية 

مع عرّابي وأصدقائي .”


لم يُخفِ تشو تشيتشن إعجابه بمهارات لانغ فنغ اللغوية،  فسأله :

“ واااااو ،، كيف تتمكّن من تذكّر كل هذه اللغات ؟”


ابتسم لانغ فنغ :

“ حين تستخدمها باستمرار ، تصبح مألوفة لك، مثل…” 

ثم ألقى نظرة فاحصة على تشو من رأسه حتى قدميه بحثًا 

عن مثال مناسب، لكنه لم يجد شيئًا محدّدًا ، فاكتفى بالقول على نحوٍ غامض:

“ لا بد أن لديك مهارات كثيرة لا أعرفها ، أشياء أنت بارع 

فيها على وجه الخصوص .”


فكّر تشو { في الحقيقة… لا يوجد أي شيء كهذا ~ } 

تسائل {  هل يمكن اعتبار القدرة على تحمل المشقة ميزة خاصة ؟ }

ابتسم فقط وأخذ رشفة من النبيذ الذي طلبه لانغ فنغ


وبعد لحظة من الصمت ، شعر تشو أنه من الأفضل أن 

يكون صريحًا ، فأخذ زمام المبادرة وقال :

“ إذن في البداية كنتَ في الواقع مهتمًا بالاقتراب من فانغ هاو "


لم يلتفّ لانغ فنغ حول الأمر ، بل أومأ برأسه بكل وضوح :

“ لا أقول ملاحقة ، لكنني فكرت في دعوته إلى عشاء أو شراب ، إلا أنه رفضني مباشرةً ، وقال إنه لا يواعد أحدًا من 

داخل الدائرة ، 

فسألته إن كان هناك من يعجبه ، فأجاب : لا. لكن…” 

ثم نظر إلى تشو ، وفي عينيه لمحة من الاستفهام


فهم تشو السؤال غير المعلن ، فأكمل بسلاسة :

“ تريد أن تسأل عن علاقته مع تشن جيايو صحيح؟”


أومأ لانغ فنغ وخفّض صوته قليلًا:

“ كانت لدي شكوك ، لكنني لم أكن متأكد ،، 

إذن… هل هما معًا الآن ؟”

 


تذكّر تلك الليلة في منزل فانغ هاو، لم يلحظ حينها أي 

تصرّف مباشر بين تشن جيايو وفانغ هاو؛ بالكاد تبادلا الحديث ،،

ومع ذلك، حتى لانغ فنغ التقط تلك التيارات الخفيّة بينهما

— قرب يتجاوز حدود الصداقة العاديّة ،

فبينما جلب هو زجاجة شمبانيا ، وأحضر تشو زجاجة نبيذ، 

وقدّمت تشو يرو مصباح مكتبي للعناية بالعينين ، 

وأهدى فانغ شنغجي حزام للركض ، 

جاء تشن جيايو بالهدية الأغلى والأكثر سخاءً على الإطلاق ،


قال تشو تشيتشن بصدق:

“ هما ليسا معًا رسميًا بعد، لكن أعتقد أنهما يسيران في هذا الاتجاه ،، 

لقد عرفتُ تشن جيايو منذ زمن .”


ثم تأنّى قليلًا في اختيار كلماته ،، كان يعلم أن لانغ فنغ حاول 

أن يقترب من فانغ هاو، لكنه قوبل برفض بحجّة 'عدم 

المواعدة داخل الدائرة ' بينما فانغ هاو الآن يقترب من تشن 

جيايو الذي هو داخل الدائرة تمامًا ~~

لا بد أن في الأمر لمحة من الخيبة ، فسأله بحذر :

“ هل يزعجك ذلك ؟”


ابتسم لانغ فنغ بهدوء :

“ سواء أزعجني أم لا، الأمر لا يغيّر شيئ ، 

إن لم يكن هناك نصيب ، فلن تستطيع أن تُجبره .”


حاول تشو أن يواسيه :

“ فانغ هاو لم يكذب عليك ، ربما هو نفسه لم يكن قد أدرك 

مشاعره وقتها …..” و  أضاف:

“ لقد بدأ الأمر يلوح مؤخرًا فقط ،، لا تقل إنني أخبرتك بهذا، حسنًا ؟ 

وإلا فإن الأخ جيا قد يوبّخني لاحقًا "


فانغ هاو كان معروفًا بكتمانه، وتشن جيايو بحمايته الشديدة ،

وكان تشو مقتنعًا أنه لولا الرسالة النصية التي أرسلها لفانغ هاو في ذلك اليوم ، 

لما عرف الحقيقة حتى بعد شهر كامل ، وحتى حين سأله ، 

لم يصرّح فانغ هاو مباشرةً ، بل اكتفى بالقول ' القصة 

طويلة  ' —- تاركًا لتشو مهمة استنتاج الباقي بنفسه


وأثناء حديثهما ، جاء النادل بالمقبلات ، 

وطرح على لانغ فنغ بعض الأسئلة وهو يضع الأطباق ،

تبادلا الكلام كما لو أنهما صديقين قديمين ،

ثم سأل النادل سؤالًا بنغمة صاعدة ، وفي اللحظة نفسها 

التفت كلٌّ من لانغ فنغ والنادل نحو تشو تشيتشن، لكن 

نظرة لانغ فنغ نحوه كانت لطيفة على نحوٍ خاص،

تكاد لا تُدرك ، وبعد ذلك ، مال الاثنان قليلًا وتبادلا بضع 

كلمات إضافية ، ثم رفع الشاب الوسيم ذو الشعر البني 

إبهامه بابتسامة وغادر


ولأن تشو لم يفهم الحديث وأثار الأمر فضوله ، سأل:

“ عمّ كنتم تتحدثان ؟”


لانغ فنغ بهدوء:

“ لقد سألني إن كنا في موعد ، فأجبته بنعم .” 

وكأنه لا يريد إتاحة الفرصة لتشو للاعتراض ، أضاف :

“ أنا كثيرًا ما آتي إلى هنا بمفردي ، وقد رآني أتناول العشاء وحدي أكثر من مرة .”


التفكير في الأمر جعل تشو يتأمل حياته { أن يتناول شخص 

طعامه في مطعم رومانسي كهذا ، 

و يطلب وجبة كاملة من ثلاث أطباق ، ويشرب كأسًا من 

النبيذ بهدوء… بدت حياة لانغ فنغ مفعمة بالراحة والحرية ،،

ربما هو لم ينتبه لذلك ، لكن بالنسبة لي — فهذه الراحة 

رفاهية بحد ذاتها—رفاهية لا تتعلق بالمال }


( يقصد راحة البال وليس المال )


صحيح أن تشو لا يتقاضى راتبًا سنويًا مثل كابتن في خطوط 

جوية دولية ، لكن بأجره بالساعة وساعات عمله كان 

يستطيع تحمّل تكاليف أماكن كهذه ،

المسألة أعمق : نوع آخر من الثراء ، ثراء ذهني —- 


فمنذ لقائه الأول به، أدرك تشو أن لانغ فنغ يحمل ملامح 

شخص لم يتعرض يومًا للتنمّر أو الضغط ،

لم يُضطر إلى أن يعيش مطأطئ الرأس ، 

أو يُرهق نفسه منذ بداية مسيرته بسداد قروض منزل أو سيارة ،

تمكن من قيادة الطائرات العريضة ، وأصبح كابتن قبل أن يبلغ الثلاثين ، 

ومع ذلك لا يزال يجد وقتًا لحياة يسودها البطء والسكينة ، 


تلك السهولة والانفتاح، الثقة والكرم—كلها كانت لامعة ، بل لامعة حتى العمى


وبينما يفكّر بذلك ، شعر تشو بأن تأثير النبيذ بدأ يتسلل إليه. فسأل لانغ فنغ:

“ إذن… هل نحن حقًا ؟ في موعد ؟”


جاء رد لانغ فنغ كما توقّع تمامًا:

“ إن سألتني ، فسأقول بالتأكيد : نعم ...” ثم ابتسم وسأله :

“ وأنت ؟ ما رأيك ؟”


تفاجأ تشو للحظة ، ثم أجاب بعد تردّد قصير :

“ إن كنتَ تقول ذلك… فربما نحن كذلك .”


أخذ لانغ فنغ شوكته ووضع بعضًا من المقبلات—طبق من 

براعم بروكسل مرصوصة بعناية— ووضعها في صحن تشو، 

مشجعًا إياه على تناول المزيد


أدوات غربية، لكن بعادات شرقية


تذوّق تشو لقمة ، ولدهشته وجدها لذيذة للغاية


ومع تزايد الألفة بينهما، تحوّل حديثهما إلى عملهما


فسأل تشو لانغ عن عدد الساعات التي سجّلها على طائرة A330 قبل أن يصبح كابتن فأجابه لانغ فنغ:

“ استغرق الأمر خمس سنوات من الطيران على الـ A330 

حتى أصل إلى الساعات المطلوبة: 2500 ساعة طيران 

و400 إقلاع وهبوط. 

وبما أن الطائرات العريضة ذات مدى أطول ، فعدد 

الإقلاعات والهبوط يكون أقل مقارنة بالوقت نفسه على 

طائرات مثل A320، ولهذا كان الوصول إلى رتبة كابتن على A330 أصعب .”


أما تشو، فقد بدأ حديثًا في قيادة الـ A330 بعد اجتيازه 

اختبار جهاز المحاكاة في بداية هذا العام ، 

وقد سجّل بالفعل أكثر من 500 ساعة طيران عليها ، 

إضافةً إلى 500 ساعة أخرى على الـ A321 التي اعتاد قيادتها بشكل متكرر ،


قال لانغ فنغ بدهشة طفيفة :

“ كم عدد ساعات الطيران لديك في السنة ؟”


فكر تشو تشيتشن قليلًا و قرر أن يكون صريح :

“ العام الماضي تجاوزتُ 1100 ساعة بالمجمل ، 

أما هذا العام… أظن أنها ستصل إلى 1200 ،

لقد سجلت بالفعل أكثر من ألف ساعة ، ونحن لم ننتهِي 

من شهر نوفمبر بعد .”


تنص لوائح الطيران المدني على أن الحد الأقصى لساعات 

عمل الطيار هو ألف ساعة سنويًا ،

لكن يوجد دائمًا طرق للتحايل على هذه السياسات ، 

ومادام الطيار يتمتع بصحة جيدة ، فإن شركات الطيران 

تفضّل تكليف طياريها الحاليين بالمزيد من العمل على أن 

يوظّفون أفراد جدد ،

غالبًا يعمل تشو خمسة أيام متواصلة ثم يحصل على يومين 

للراحة ، وتمتد نوبات عمله إلى خمس عشرة أو ست عشرة 

ساعة في اليوم الواحد ،


هذه المرة الأولى التي يسمع فيها لانغ فنغ أمرًا كهذا ، 

فلم يستطع إخفاء دهشته:

“ هل الجميع على هذه الحال ؟ هذا… صعب حقًا "


أجابه تشو:

“ يوجد خيارات . الطيارون الأكبر سنًا ، خاصة من لديهم عائلة وأطفال ، لا يضغطون على أنفسهم بهذا الشكل ،

لكنني أريد الترقية إلى رتبة كابتن في أسرع وقت ممكن ، 

لذا تحمّل بعض المشقة يستحق العناء ...” ثم ابتسم وغمز لـ لانغ :

“ وهذا يعني أن وقتي صعب الحجز "


التقط لانغ فنغ التلميح ، وكان يرغب في أن يعلّق أكثر على 

ضغط العمل الذي يعانيه تشو ، لكنه شعر أن علاقتهما لم 

تَبلغ بعد درجة القرب التي تسمح له بذلك ،

فاكتفى بالقول بجدية :

“ شكرًا إذن على تخصيص وقت لي "


ضحك تشو :

“ كنت أمزح فقط، لم أعنِي ذلك . من الجيد التحدث معك "


وعندما حان وقت دفع الحساب ، أصر لانغ فنغ على أن يتولى الأمر ، 

مبررًا ذلك بأن اليوم كان يوم راحة نادر بالنسبة له ،

قَبِل تشو الأمر بأريحية ، ووعد بأن يعزمه بالمثل الأسبوع 

المقبل ويدعوه لتناول طعام صيني ،


وقبل مغادرتهما المطعم ، سأل تشو لانغ فنغ بعفوية عن 

مكان سكنه ، ثم لم يتابع الحديث أكثر ،

لم يكن ذلك لأنه خالٍ من الأفكار الأخرى ، بل لأن رفض لانغ 

فنغ السابق جعله يعتقد أن الأفضل هو ترك مسافة بينهما ،

لقد بادر عندما كان الوقت مناسبًا ، 

والآن جاء الدور على لانغ فنغ إن أراد أن يخطو خطوة إضافية ،


تردّد لانغ فنغ قليلًا ، لكنه في النهاية حافظ على لياقته ، 

فأوصل تشو إلى سيارة أجرة ثم طلب هو سيارة أخرى ، 

وأقصى ما فعله هو أن مرّت يده بخفة على كتف تشو ، 

لتلامس أصابعه شارة الرتبة على كتفه …..



يتبع

لانغ فنغ مررررره مؤدددددعععععب ! و تشو مره خبيث ~

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي