Ch69 بانغوان
قال تشانغ يالين :
“ لا أعلم . صحيح أنّي لم أشعر بأي مقاومة ، حتى أن شياو شو لم يصرخ ...” لون بشرته قد تحوّل بالفعل من البياض إلى الحمرة ، لكن كلماته ظلت مرتّبة ومنسّقة و تابع :
“ حتى لو أخذه أحدهم وهو نائم ، فلا بد أنه اقترب منه أولًا.
ربما لم أستيقظ أنا أو هو على الفور ، لكن خيط الدمية كان
من المفترض أن يلحق الأذى بأي دخيل يقترب لسبب غير
مشروع ، خصوصًا مع اقترابه الشديد من الخيط…”
ازدادت حواجب تشانغ يالين عبوساً وهو يتكلم
ثم توقّف لحظة وهزّ رأسه قائلًا:
“ لكن شيئًا من ذلك لم يحدث . كل شيء كان هادئًا…
وهذا ما أجده أغرب ما في الأمر .”
رفع وين شي رأسه مشيرًا إلى الفوضى المبعثرة في غرفة تشانغ يالين :
“ وماذا عن سبب الضوضاء السابقة ؟”
التفت تشانغ يالين ليرى رفًا خشبيًا قد انقلب على الأرض
مع عدة أواني نحاسية ، فتح فمه ليجيب ، لكنه تردّد،
وازدادت ملامحه قبحًا
صفعته تشانغ لان بلا رحمة :
“ تكلم ! لمَ تتلعثم ؟!”
نظر تشانغ يالين إلى وين شي ثم شيه وون بنظرة مترددة ؛
و كان من الواضح أنه لا يريد البوح بشيء أمام الغرباء
لكن حتى السماء بدت وكأنها تتآمر ضده
فبينما كان يماطل ، انفتح باب الغرفة الأخيرة فجأة
خرج لاو ماو وهو يجرّ شيا تشياو الذي بدا ضعيفًا
قال باستياء:
“ ما الذي يحدث ؟ كنت أريد الخروج في وقت أبكر ، لكن
هذا الغبي كان عالقًا في قبضة شيطان قلب .
ظلّ يحدّق بعمودي السرير ودموعه تنهمر بلا توقف .”
وين شي: “… ماذا رأيت هذه المرة ؟”
شيا تشياو وصدره ما زال مثقلًا بالوجع وهو يتذكر ، قال:
“ لقد طردتني .”
وين شي: “؟”
لم يعرف أيّ نوع من الإساءة كان يلحقها بهذا الأحمق ليترك
في نفسه مثل هذه الظلال النفسية الضخمة
{ ليلة أُخيفه فيها ، وليلة أطرده بعيدًا
عادةً الدمى نادرًا تصاب بشياطين قلب…
وبالتأكيد نادرًا تمتلك الدمى مشاعر جياشة كهذه أيضًا
لذا كان شيا تشياو فعلًا ' منتجًا استثنائيًّا ' من صنعة الفن }
لكن في الوقت نفسه ، لمعت في ذهن وين شي فكرة أغرب…
{ هل يعقل أنه أنا مَن أبدع هذا ' المنتج الاستثنائي ' ؟ }
وبينما كان غارق في التفكير ، قالت تشانغ لان لأخيها :
“ الآن الجميع هنا . يمكنك التحدث .”
لزم تشانغ يالين الصمت وتجمّدت ملامحه لحظة ،
ثم أخفض صوته أخيرًا وقال :
“ استيقظت فجأة من حلم . وحين فتحت عيني ،
اكتشفت أن شياو شو قد اختفى و خيط دميتي قد ارتبط
بذلك الرف الخشبي أيضًا .”
وعندما سحب الخيط بشكل غريزي ، صدر ذلك الضجيج العالي
لم تكن هناك حاجة للتشكيك بمهارات تشانغ يالين،
فعلى الأقل بين بانغوان العصر الحاضر،
لم يكن ليحظى بمكانه على جدارية سجل الأسماء لولا كفاءته
ومع ذلك، كان ثمة من استطاع أن يختطف شخصًا من
تحت أنفه بلا صوت، وفي الوقت نفسه يفكّ خيط دميته
ويعيد ربطه بشيء آخر
مجرد التفكير في ذلك كان كفيلًا بأن يبعث الرعب ——
في الظروف الطبيعية ، كان اعتراف كهذا كافيًا ليُقشعر له بدن كل من حضر…
لكن وين شي لم يقشعر بدنه مطلقًا ،، بل نظر إليه بريبة وسأله :
“ ألست قادرًا على التمييز إن كان طرف خيطك مربوطًا
بكائن حيّ أم بشيء جامد ؟”
“…”
تمنّى تشانغ يالين لو يتوقف كل هذا
فهو لا يستطيع أن يومئ اعترافًا ، ولا أن يهز رأسه إنكارًا
و كل ما بقي له هو شعور الإذلال التام
لكن لم يكن بالإمكان التقليل من شأن قدرات أكبر تلاميذ عائلة شين ،
إذ كان اسمه على جدارية سجل الأسماء يكاد يوازي اسم تشانغ يالين ،
و كان طبيعيًا أن يتمتع شخص كهذا بشيء من الغرور وأن يتكلم بنبرة لاذعة ،
أما ما لم يستطع احتماله فهو —- { ما شـأن شيه وون وذلك الموظف التابع له؟!
على أي أساس يتبادلان نفس النظرة مع وين شي؟! }
تحت وطأة نظرات هؤلاء الثلاثة ، اجتاحت تشانغ يالين موجة من العبثية
وفجأة تذكر التنبؤ الذي أخبره به شياو هاي قبل الرحيل:
سيُنهاون ويُفزعون في هذه الرحلة
{ كنت أظن أن مطاردة الخنازير كانت نهاية الأمر…
لكن بالنظر الآن ، يبدو أن تلك كانت مجرد البداية }
قالت تشانغ لان ووجهها شاحب وهي تستدير:
“ على أي حال ، أولويتنا الآن هي إيجاد شياو شو
وإلا فماذا سأقول لـ بيلينغ-جي حين نخرج من هنا ؟”
ثم هرعت مسرعة نحو الدرج
سألها تشانغ يالين:
“ إلى أين تذهبين ؟”
أجابته:
“ لأسأل لو ونجيان أين تحديدًا سيتم إرسال تشو شو
سأذهب لجلبه .”
قبل أن تتمكّن من الوصول إلى الدرج ، سمعت ذلك الضعيف شيه وون يتكلم:
“ هل هذه هي طريقتك في تتبّع سيارتنا في وقت سابق أيضًا
بإلقاء الأسئلة طوال الطريق ؟
حقًا لم يكن الأمر سهلًا عليك .”
توقفت تشانغ لان فجأة ، ثم تراجعت خطواتها ، ووجهها ما زال شاحبًا
لقد كانت قلقة للغاية حتى فقدت قدرتها على التفكير بعقلانية
نسيت تمامًا أمر تعاويذ التتبّع التي لا تحتاج سوى إلى رميها
لكن شيه وون كان أيضًا نذلًا
صوته بدا مهذبًا ومؤدبًا وكأنه يعلّق فقط ، لكن لو أمعنتِ
الاستماع ، لوجدتِه مليئًا بالسخرية
{ هذا الضعيف حقًا لم يكن يعيش حياة سهلة
لقد صمد حتى الآن من غير أن يتعرض للضرب ، رغم أنه يتحدث دائمًا بهذه الطريقة ! }
وما إن خطرت لها هذه الفكرة حتى ألقت تشانغ لان تعويذة
تتبع بحركة من يدها
و أضاءت التعاويذ بلمحة سريعة وسط المطر الضبابي ، ثم
غرقت بسرعة في ظلام الليل
وبينما وين شي يلتفت نحو الاتجاه الذي انطلقت فيه ، سمع
شيه وون يتمتم بجانبه بصوت منخفض :
“ أُبطلت ”
كان هذا أسوأ ما يمكن أن يحدث لتعاويذ التتبع ؛
ففي معظم الأحيان ، تكون دلالة على أن الهدف لم يعد موجود ،،،،
إذا كان الهدف كائنًا حيًّا ، فهذا يعني غالبًا أنه مات بالفعل
أما إن كان روحًا ، فهذا يشير إلى أنّه قد اختفى من هذا العالم ——-
البانغوان المتخصصون في فنون التعويذ كانوا حسّاسين
للغاية لأي ذكرٍ لتلك الكلمة ——-
وبالفعل ، التقطت أذن تشانغ لان ما قاله شيه وون ، فانفجرت غاضبة :
“ ماذا تعني بـ أُبطلت ؟! من قال أنها أُبطلت ؟!
أنا بوضوح ما زلت أتعقّب —”
كان هاتفها في يدها
لم يكن تطبيقًا عادي ، بل شاشة تعرض مخطط بعلامات
الاتجاهات الثمانية ورموز صغيرة متراصة بكثافة
و وسط هذا الحشد من الرموز ، يوجد نقطة حمراء صغيرة
لكن بينما تتكلم ، بدأت النقطة الحمراء تخفت شيئًا
فشيئًا… ثم اختفت من المخطط
تغيرت ملامح تشانغ لان على الفور
سألها تشانغ يالين:
“ ما الأمر ؟”
وهي تحدّق في المكان الذي تلاشت منه النقطة ، تمتمت تشانغ لان بذهول :
“ لقد أُبطلت فعلًا…”
تشانغ يالين :
“ مستحيل.”
حتى تشانغ لان نفسها لم تجرؤ على التصديق،
فألقت تعويذة تتبع أخرى مباشرةً
ركّزت بصرها بكل قوتها على النقطة الحمراء الجديدة التي ظهرت على الشاشة
لكن لم تمض ثانيتان حتى اختفت تلك النقطة أيضًا
أخرجت بعدها أربع أو خمس تعاويذ إضافية على التوالي
وعيناها مثبتتان على شاشة الهاتف،
لكنها تتلقى نفس النتيجة في كل مرة : النقطة الحمراء
تختفي خلال أقل من ثلاث ثوانٍ … جميعها أُبطلت
امتلأت قلوب الشقيقين تشانغ بالاضطراب ، وشحب وجهاهما
لكن شيه وون أشار إلى شاشة هاتفها وقال :
“ جربي أحدًا آخر .”
ارتبكت تشانغ لان لحظة ، ثم تذكرت أنه وفقًا لكلام لو ونجيان
كان لا بد أن يرافق أحدٌ تشو شو لتسليمه إلى إله الجبل —
مما يعني أنّ الزعيم لاو وو يجب أن يكون معه
و فورًا ، ألقت تعويذة تتبع جديدة
هذه المرة حدّدت الهدف : روح الزعيم لاو وو
لكن كما حدث من قبل ، لم تدم النقطة الحمراء سوى بضع
ثوانٍ على الشاشة، ثم اختفت
تملّك الذهول الجميع
“ هو أيضًا أُبطلت ؟!”
وين شي:
“ هل كنتِ تتعقّبين الشخص نفسه أم روحه ؟”
ردّت تشانغ لان بتوتر :
“… كنتُ فقط مشوشة قليلًا قبل لحظة بسبب الذعر ، لكن
هذا لا يعني أنني سأرتكب خطأً غبيًا كهذا ،،
بالطبع كنتُ أتعقّب روح الزعيم
هذه قرية أُنشئت فوق مقبرة جبلية — فلماذا أتعقّب كائنًا حيًّا ؟”
ومع ذلك، واصلت إلقاء التعاويذ بلا هوادة
وبعد أن فشلت ثلاث محاولات لتعقّب الزعيم ، قررت تغيير
الأهداف واحدًا تلو الآخر ،
حتى انتهى بها الأمر إلى تتبّع كل سكان القرية تقريبًا ، بمن
فيهم لو ونجيان نفسها
لكن النتيجة كانت واحدة : جميع التعاويذ أُبطلت
لم يستطع وين شي تمالك نفسه وسأل:
“ حقًا لا يوجد أي خلل في تعاويذك ؟”
أجابته تشانغ لان باستياء :
“ هراء ، بالطبع لا يوجد ….”
ثم أضافت بعد لحظة ، بصوت متردد :
“ ربما…”
في تلك اللحظة ، بدأت السيدة تشانغ العظيمة تشك في كيانها كله
ولتثبت أن تعاويذها سليمة ، أطلقت عدة تعاويذ حراسة
فالمقصد معروف : الجبل
والقرية المهجورة لا تتسع كثيرًا
إن بحثت في المكان كله ، فلا بد أن تعثر على خيط أو دليل واحد على الأقل—
بعد مرور وقت ليس بالقصير ، أعادت تشانغ لان تعاويذ
الحراسة واحدًا تلو الآخر ، لكن النتيجة التي توصّلت إليها
كانت غريبة للغاية — لم يكن هناك أي أثر لتشو شو في أرجاء القرية
والأغرب من ذلك : لم يكن هو وحده
لم يكن هناك أي أثر للزعيم أو للسكّان أيضًا
تساءلت مشدوهة :
“ ما الذي يحدث ؟ هل دخلنا قفصًا زائف ؟”
حتى وين شي شعر ببعض الحيرة
المطر قد خفّ كثيرًا عمّا قبل ، وجداول المياه المتراكمة
تنساب على حواف المنزل
لا يُسمع سوى صوتها وهي تتساقط ، لكن لم يُعرف أين تهوي
ومع طول الإصغاء ، خالجهم شعور غامض بالفراغ و الضياع ،
وكأنهم وحدهم المتبقون في هذا القفص
فجأة، سمع وين شي صوت شيه وون الخافت :
“ هذا أمر جيد الحظ .”
التفت إليه وسأله:
“ ما الذي تعنيه بالحظ الجيد؟”
كان شيه وون يتكأ على درابزين الرواق ، وعيناه شاردتان
تتأملان نقاطًا ثابتة متفرقة — بدت وكأنها المواقع التي
سقطت فيها تعاويذ تتبّع تشانغ لان قبل قليل
ولم يلتفت إليهم إلا عندما سأله وين شي و قال:
“ الجيد في الأمر أنه ما يزال يوجد عدد غير قليل من الناس هنا .”
لم يفهم وين شي مباشرةً :
“ وماذا في ذلك ؟ ما الفائدة من وجود المزيد من الناس هنا ؟”
قال شيه وون وهو يشير بإصبعه الطويل:
“ تخيّل لو أن أحدًا اقتحم هذا المكان بمفرده… ثم واجه ما نواجهه الآن ،،،،
و بهفوة تركيز واحدة ، قد يبدأ بالظن أنه لا يوجد أي شيء
آخر في القفص أصلًا ،،، و أن كل شيء مجرد وهم من خياله …
وأنه في الواقع هو سيد القفص نفسه ، لكنه لم يدرك ذلك إلا متأخرًا .”
فهم وين شي فجأة مقصده
لقد اعتادوا على مساعدة الآخرين في فك أقفاصهم ،
لكنهم لم يعرفوا قط شعور أن يصبح المرء سيد قفصه
ومع قليل من التفكير ، أدرك أن صحوة المرء على هذه
الحقيقة لا بد أن تكون واحدة من أبرد وأشد ألمًا وحزنًا من
التجارب في هذا العالم
ولحسن الحظ كان سادة الأقفاص دائمًا يُوقَظون على يد الآخرين
وحين يستعيدون وعيهم ، يكون هناك على الأقل بانغوان
بجوارهم ليرسلهم في طريقهم
ارتجفت ظهور البقية من كلمات شيه وون
فلم يجرؤوا على الاسترسال في التفكير ، وسارعوا إلى تغيير الموضوع
أخرجت تشانغ لان كومة جديدة من التعويذات
كانت تنوي إجبار تشانغ يالين على مساعدتها في قلب القرية رأسًا على عقب ؛
فكان عليها على الأقل أن تعرف أين ذهب كل هؤلاء الناس
لكن وين شي لم يغادر الرواق
لقد انتبه إلى اتجاه نظر شيه وون قبل قليل
ومع تمعّنه فيه ، ومضة فكرة خطرت له—
{ سابقًا … حين كانت تشانغ لان تلقي تعاويذ التتبع ،
كانت تلك التي تتعقب تشو شو تختفي جميعها في نفس الجهة تقريبًا
بل بدا وكأنها نقطة محددة بالذات ….
لكن … كنت أظن أن تشانغ لان ترمي التعويذات بشكل عشوائي ، وليس كلّها نحو اتجاه واحد
فهل كان مكان اختفاء التعويذات مصادفة ؟
أم نتيجة الرياح ؟ أم شيئًا آخر تمامًا ؟ }
لاختبار فرضيته ، أخرج وين شي ورقة صفراء من ورق الجوس
وبما أنه لم يكن بارعًا في رسم التعويذات، طوى الورقة على
هيئة طائر ورقي— مشابه جدًا للطائر الذي استخدمه في
الماضي لتعقّب آثار روحه
لكن هذه المرة، كان الهدف تعقّب تشو شو
انطلق الطائر في الممر ، محلقًا بجناحيه
وكما توقّع، اتجه نحو نفس المكان الذي كانت تتلاشى فيه
التعويذات سابقًا
وبعد بضع ثوانٍ ، توهّج بضوء ساطع
ثم طوى طائرًا ثانيًا ، محددًا الهدف هذه المرة : الزعيم لاو وو
وكما كان متوقعًا ، حط الطائر الورقي في نفس المكان تمامًا بعد طيرانه
كان شيه وون ما يزال مستندًا على الدرابزين ، يتابع خطوات
وين شي في طي الورق من البداية إلى النهاية ،
كما لو أنه يشاهد شيئًا شيّقًا للغاية ،
لكن في الحقيقة ، لم يكن وين شي يفعل أكثر من تحريك أصابعه قليلًا
أما الطائر الثالث فجعله لتعقّب لو ونجيان
لكن هذه المرة ، غيّر الطائر اتجاهه وحط في موقع مختلف
وبينما تجاعيد الحيرة تبدأ بالارتسام على جبينه ، سمع شيه وون يقول:
“ لا تتسرّع في العبوس . تعاويذ التتبّع الخاصة بها من قبل أُبطلت هناك أيضًا .”
سأله وين شي:
“ إذن ما زال الأمر متطابقًا ؟”
أومأ شيه وون برأسه :
“ صحيح .”
بعد أن جرّب مع جزء من القرويين ، اكتشف وين شي أنه
رغم اختلاف الأهداف المرصودة بشكل كبير ،
إلا أن التعاويذ والطيور الورقية كانت جميعها تهبط في نفس
الأماكن السبعة أو الثمانية
ومع ذلك ، كان من الصعب تحديد المواقع بدقة من زاويتهم ،
لذا كان من الأفضل الاستعانة بالمخطط على هاتف السيدة تشانغ
قدّمته تشانغ لان بسخاء ، وفي الوقت نفسه أضافت عدة
تعاويذ أخرى ساعدتهم على تحديد جميع النقاط بسرعة
ومن النظرة العلوية ، كان الأمر واضحًا للغاية
مرّر وين شي إصبعه بين النقاط ، ليكشف فورًا عن الطبيعة
الغريبة لتلك المواقع
قالت تشانغ لان وهي تحرّك رأسها يمينًا ويسارًا:
“ يبدو وكأنه تشكيل سحري ...
لكن معرفتي بالمصفوفات سطحية جدًا . لا أستطيع تمييز أي نوع هذا .”
من بين هذا الفريق ، كان وين شي وتشانغ يالين مختصّين
بفن الدمى ،
بينما تشانغ لان تتقن التعاويذ ،
أما إن احتاجوا لشخص بارع في المصفوفات … فلم يتبقَّ
سوى شخص معين ——
ألقى وين شي نظرة إلى شيه وون
وبمجرد أن همّ بالكلام ، قاطعه صوت آخر بنبرة جادة :
“ هذا نوع من البوابات في فن المصفوفات .”
التفت فرأى الحارس الشخصي الذي كان يتبع تشانغ لان غالبًا
نادته تشانغ لان : “ شياو هاي !
تعال ، استخدم الأداة الروحية من بو نينغ الموجودة
بداخلك وحاول أن تفكّ لنا هذا اللغز .”
وبما أن تشانغ يالين كان مهووسًا بفن الدمى ، جعل دماه
تتعلم الفنون الأخرى بالنيابة عنه
وقد صُنع شياو هاي من إحدى الأدوات الروحية لبونينغ،
وبالفعل تمكن من اكتساب شيء من طبيعة سلفهم الروحية
إلى جانب تنبؤاته المزعجة عادةً ، كان يفهم أيضًا في المصفوفات
أشار شياو هاي إلى باب غرفة النوم وقال:
“ الأمر يشبه هذا بالضبط .
إنه يفتح منفذًا يتصل بمكان آخر ، أو يسمح لشيء ما
بالدخول والخروج بحرية .
ومثل هذه المنافذ تُسمى دائمًا نوع من البوابات في فن المصفوفات .”
في الواقع كان وين شي يعرف ذلك جيدًا ؛ فهذا بالضبط
سبب تسمية بوابة النسيان بهذا الاسم
أما لماذا “ النسيان ”، فذلك لأنه لم يكن يعرف من أين
يخرج في كل مرة يعبر البوابة
كل ما بداخلها كان فراغًا ممتدًا ، عتمة لا تعرف الضوء
أثبت شياو هاي كفاءته وحدّد لهم نواة المصفوفة
وبما أن الأمر يُسمى بوابة ويُتيح الاتصال بأماكن أخرى ،
كان من المرجّح جدًا أن يكون تشو شو قد اختفى هناك ،
لا سيما وأن هذا ما أوصلتهم إليه تعاويذ التتبّع
لذا ما إن توقف المطر ، وقبل أن تشرق الشمس تمامًا ،
تبع وين شي والآخرون نواة المصفوفة حتى وصلوا إلى حقل أرز مهجور في القرية
كان موقع الحقل مصادفة بعض الشيء
لأنه كان قريب للغاية من الباب الخلفي والمطبخ في بيت لو ونجيان
ولم يكن يفصل بينهما سوى سد ترابي طويل
وبعد ليلة كاملة من المطر ، تراكمت المياه في الحقل ،
محوِّلة إياه إلى ما يشبه مرآة مبقّعة تعكس السماء الكئيبة
الملبدة بالغيوم
اختبأ وين شي والبقية بجانب السد
ولم تمضِ نصف ساعة حتى ظهر فجأة تموّج دائري على
سطح الماء الشبيه بالمرآة دون أن تحرّكه أي رياح ،
وبدأ بالاتساع تدريجيًا ————
تثبتت أنظار الجميع على ذلك المكان
وبعد بضع ثوانٍ، بدأن خصلة شعر طويلة تطفو ببطء عبر
الماء ، تلتها خصلة ثانية ، ثم ثالثة …
ثم برزت أذرع شاحبة من الطين الرطب
تلك الأذرع تلوّي نفسها في وضعيات مشوّهة للغاية ثم
ثبتت نفسها على الأرض كالعناكب
وبمجرد أن رأى شيا تشياو تلك الحركة المألوفة ، صرخ مرعوبًا :
“ هويغو!”
لقد بدوا فعلًا مطابقين تمامًا للـ هويغو التي ظهرت حين هطل المطر
لكن عندما رفعت أوّل واحدة منهم وجهها من الوحل ،
ما ظهر لم يكن سوى… لو ونجيان
تذكّر وين شي فجأة ما قالته لو ونجيان من قبل
فبعد وقت قصير من وصولها إلى هذا المكان ، واجهت عاصفة رعدية
خرجت آنذاك أعداد لا تحصى من الهويغو من باطن الأرض تحت المطر ، تلتهم الناس في أرجاء القرية
وبمجرّد أن تمسك بأحدهم ، كانت تمتصه بالكامل
وبعدها، بدأت الشائعات تنتشر بأن بعض تلك الهويغو
تحمل وجوه القرويين
{ ماذا لو أن كل سكان القرية قد جرى امتصاصهم منذ زمن بعيد ؟ }
لم يستطع وين شي كبح هذه الفكرة
وكأنه لتأكيد حدسه ، بدأت وجوه كثيرة تطفو من الحقل
واحدًا تلو الآخر
كل وجه مألوف بعض الشيء ، وجميعها تعود إلى القرويين
الذين رآهم وين شي في الطقوس التطهيرية الكبرى من قبل
زحفوا خطوات قليلة على أربع ، ثم استقاموا واقفين
بدأت عضلاتهم وعظامهم تتلوى وتتشوّه ، يصاحبها صوت
طقطقة الغضاريف وهي تعيد ترتيب نفسها لتعود إلى هيئة
البشر العاديين
بعد ذلك ، بدأوا يسيرون نحو القرية واحدًا تلو الآخر
لكن بعد مسافة قصيرة فقط ، لمحوا الأشخاص المنتظرين خلف السد
حدّق وين شي فيهم
وهم أيضًا حدّقوا في وين شي
كان يعبق منهم رائحة غريبة ، ربما لأنهم خرجوا للتو من باطن الأرض
لم تكن رائحة منفّرة ، بل على العكس ، بدت مألوفة قليلًا ،
تشبه إلى حدّ ما الطاقة الخبيثة التي اعتاد وين شي أن يستهلكها من قبل
وعلى الرغم من أن حاسّة تذوّقه بدأت تعود إلى طبيعتها بعض الشيء ، إلا أنه شعر بوخزة من جوع غريزي حين
التقط تلك الرائحة
ولذا لعق شفتيه ، ثم تحرك حلقه بابتلاع لا إرادي
الهويغو: “…”
يبدو أنهم لم يتخيّلوا قط أن شخصًا ما يمكن أن ينظر إليهم
ويشعر بالجوع ، فبقوا في ذهول لبرهة
بعد ثوانٍ قليلة ، استداروا فجأة واندفعوا للهرب ،
محاولين القفز مجددًا إلى الحقل
تجمّدت تشانغ لان وتشانغ يالين في ذهول من هذا التصرف غير المفهوم ، حتى أنهما نسيا أن يردّا
أمّا وين شي، فبمجرد لحظة، رمى بخيط دماه وهو يلوّي كفّه
صفّر الخيط القطني الطويل في الهواء كالسوط ،
ولفّ نفسه بإحكام حول تلك المخلوقات ، مقيّدًا إياهم جميعًا
وبقوة مذهلة ، بدأوا المخلوقات يتخبطون بجنون ،
يلتوون محاولين الاندفاع نحو مكان محدّد في الحقل
وبسبب إبطاء خيط الدمى لها بقوة ، تشكّلت دوامة في ذلك المكان ،
كما لو أن أحدًا قد شقّ فتحة تحت الماء
{ لا بد أن يكون الطريق المؤدي إلى الضفّة الأخرى ،
لكن … يبدو أنه ليس مستقرًا جدًا }
فحرك وين شي يده الأخرى بحركة شدّ
و في لحظة ، دارت الرياح والغيوم بعنف
ظلّ طويل هائل اجتاز فوق رؤوسهم ، مثيرًا عاصفة شديدة
ورياح عنيفة
ومع صوت التصادم المعدني الحاد الناتج عن احتكاك
السلاسل ببعضها، انغمس مباشرةً في الدوامة
وبفضل هذا التصادم المدوّي ، انكشف المدخل أخيرًا
لكنه كان مظلمًا بشكل لا يوصف ، ولم يتمكّنوا من رؤية المخرج
استعادت تشانغ لان وعيها أخيرًا
أرسلت صفًا من أربعة تعاويذ تلمع بضوء ذهبي ،
وثبّتها حول المدخل لتأمينه
لفّ خيط الدمى حول يدي تشانغ يالين بالكامل ، وكان هو
أوّل من دخل البوابة مع شياو هاي
الضباب خلف المدخل كثيفًا ومظلم
وفي رشمة عين ، اختفى الأشقاء تشانغ تمامًا ، لا أثر لهم ،
و لا صوت
و لأجل السلامة ، ربط وين شي خيط دمه بشيا تشياو وأمره
بالدخول أولًا مع لاو ماو
كان وين شي يخطط في الأصل لأن يسير في نهاية الفريق ،
لكن شيه وون دفعه برفق وقال :
“ ادخل قبلي .”
في تلك الذكريات التي استعادها ،
كان يبدو دائمًا وكأنه يتبع هذا الشخص
من الطفولة حتى البلوغ — من الحاجة لرفع رأسه لرؤية ملامحه ،
إلى مجرد رفع عينيه — قد اجتازوا سويًا طرقًا لا حصر لها
حين كان صغير ، كان بسبب أنه اعتاد أن يكون التابع
وعندما كبر ، أصبحت دوافعه مشوبة بقدر من الأنانية غير المعلنة : طالما أن تشين بوداو لن ينظر خلفه نحوه ،
سيتمكن من مراقبته بلا نهاية ،
دون أن يضطر إلى إبعاد بصره ، متعجرفًا وغير مبالٍ
…
تردّد وين شي لحظة ، لكنه امتثل في النهاية ودخل المدخل أولًا
وفي اللحظة التي كان على وشك الدخول فيها ،
مدّ خيطًا لا إراديًا ليربطه بشيه وون ، كما فعل في القفص السابق
لكن بعد أن مدّ يده ، أدرك فجأة شيئ
{ هذا كان في الواقع غير ضروري قليلًا }
: “ ما الأمر؟” اندهش شيه وون، ووقع نظره على يد وين شي
في هذه اللحظة شعر وين شي بلمحة نادرة من الإحراج
و أبعد نظراته ، وتجعدت حاجباه قليلًا وهو يقول :
“ لا شيء ، أنا ذاهب الآن .”
فتح شيه وون فمه وكأنه يريد قول شيء آخر
لكن وين شي قد التفت بالفعل وسار نحو الظلام
و أنزل وين شي يده بعد أن ابتلعه الظلام تمامًا
لم تتح لوين شي الفرصة في الوقت السابق لسحب خيط الدمى المتشابك بين أصابعه ،
فتدلّى الخيط الآن بأطوال متفاوتة بينما اجتاحته رياح خفيّة
تمر عبر الخيوط الخالية والفارغة
لمس وين شي أصابعه المتيبّسة وحرّكها ، وبينما على وشك
شدّ الخيط ، شعر بيد تمتد من خلفه لتلتصق بيده
كانت اليد نحيلة ونظيفة ، بمفاصل متناسقة وأصابع طويلة ،
باردة الملمس بشكل ممتع
حتى مع إغلاق عينيه ، يعرف فورًا شكلها
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق