Ch98 بانغوان
بدا أنّ شيه وون قد تذكّر شيئًا ما، فأجاب بنبرة هادئة : “ يمكنك قول ذلك .”
ألقى وين شي نظرة بعيدة مجددًا ، وعلامات الحيرة تلوح في عينيه
كثيرون قالوا في الماضي إنّ المؤسّس الموقر تشين بوداو
قد وُلد بنصف طبيعة خالدة — وأنصاف الخالدون لا
يتذكّرون شؤون العالم البشري
وليس لأنّ ذاكرته لم تكن جيدة ، بل لأنّه عاش طويلًا جدًا ،
وزار أماكن كثيرة ، وشهد أحداثًا لا تُحصى ،
ولو أراد أن يحفظ كل شيء ، لاحتاج إلى أوعية لا تُعد ولا تُحصى ليخزّنها فيها ،
لهذا السبب ، كان الناس يرددون دومًا أنّ تشين بوداو لم
يكن يكترث حقًا للاحتفاظ بالذكريات
لكن وين شي كان يعلم أنّ هذا لم يكن صحيحًا تمامًا
تشين بوداو كان يتذكّر الأشياء بطريقة تختلف عن معظم البشر ،،
لم يكن هناك ما يرهقه بشدّة ، ولا شيء يعلّق قلبه فيه طويلًا ،،،
كان أقرب إلى ' مراقب ' ، يلوّح للناس مُرحّبًا بهم ثم يودّعهم ،
دون أن يُظهر حزنًا عميقًا أو فرحًا جارفًا ،
للوهلة الأولى ، بدت ذاكرته وكأنّها لمسة عابرة لـ يعسوب على سطح الماء ،
أو نسمة لطيفة مرّت بين أشجار الغابة ،
لحظة وتنقضي ، فلا يبقى لها أيّ أثر
لكن الحقيقة أنّه متى ما ذُكر أمامه شيءٌ قد مرّ به ،
كان دائمًا يحتفظ بانطباعٍ عنه ،
حتى لو لم يكن سوى مشهد صفٍّ من النمل يزحف على حافة صخرة ،
ومع ذلك ، فإنّ وجود انطباعٍ عن مكان شيء ،
ومعرفة ذاك المكان شيء آخر تمامًا ،
الغابة البرية والأضواء المتناثرة في البعيد لم تكن منظرًا
نادرًا يمكن رؤيته في أعماق الجبال
يوجد آلاف ، بل ملايين المشاهد المماثلة في هذا العالم ؛
حتى وين شي نفسه قد رآها مرارًا ، فما بالك بـ شيه وون
لذا ، أن يقول إنّ هذا المشهد مألوف له أمر منطقي ،
لكن أن يقول إنّه “يتعرّف” عليه… فهذا أمر يثير الريبة
تمتم وين شي بصوت منخفض : “ لا يبدو أنّ هناك شيئًا مميزًا هنا .”
: “ بالفعل ، لا شيء مميز في هذا المنظر .” أجاب شيه وون
: “ إذن، كيف تعرّفت عليه ؟”
شيه وون : “ لقد أخذت بعين الاعتبار مَن يقف وراءه ،
ففي النهاية ، هذا قفص .”
وفجأة انكشف الفهم أمام وين شي —- هذا القفص هو
قفص تشانغ دايوي لكنه لا شعوريًا كان يفكّر فيه فقط من منظور شيه وون
لم يكن شيه وون قد رآه من قبل وحسب ، بل إنّ تشانغ
دايوي نفسه قد شاهده أيضًا ،
والأهم أنّه كان يعني له الكثير ، إلى حدّ أنّه لم يستطع
التخلّي عنه ، وظلّ عالقًا فيه حتى وهو على أعتاب الموت
فكّر وين شي لثوانٍ قليلة ، حاجباه معقودان ، لكن وقبل أن
يتمكّن من فتح فمه ليتكلّم ، شعر بلمسة خفيفة على مؤخرة عنقه ،
رفع عينيه ، فرأى شيه وون يشير إلى مكان الأضواء المتناثرة
و قال : “هناك ،
حيث تنحدر الجبال لتشكّل سرج .
في ذلك السرج بحيرة تشبه كثيرًا بحيرة تشينغشين على
جبل سونغيون
لكن لأنّ الضباب السام يتجمّع هناك في الصيف والخريف ،
فهي لا تصلح للإقامة الطويلة .”
ارتبك وين شي للحظة ، ثم، فجأة ، بدا وكأنّه استحضر شيئًا
قديمًا ، شيئًا سمعه منذ زمن بعيد …
ربما حين كان في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة من عمره
كانت تلك السنوات مضطربة ، مليئة بالحروب التي لا تنتهي ،
والأوبئة التي تفتك بالناس ،
في تلك الفترة ، كان تشين بوداو يغيب كثيرًا عن جبل سونغيون ،،
حتى إنّهم في أحيان لم يروا له أثرًا لأشهر طويلة
وذات مرة ، عاد وهو يضع قناعه ، يمشي على الدرب الجبلي
المكسو بالأوراق الذابلة ، كزائر مألوفٍ وغريبٍ في نفس الوقت
كان ذلك اللقاء هو الذي جعل وين شي يلحظ الشقوق
الصغيرة التي بدأت تتشكّل فجأة بينهما ،
تلك الشقوق التي أصبحت لاحقًا أصل كل الرغبات الساذجة
والمشاعر التي تضخّمت داخله فيما بعد ،
لكن في ذلك الحين ، لم يكن وين شي يعرف سوى شعورٍ
واحدٍ حادّ : أنّ الآخر أصبح غريبًا بعض الشيء —-
ولهذا ظلّ في مزاجٍ سيّء أيّامًا طويلة —-
ومهما حاول تشين بوداو أن يمازحه ، لم يستطع إخراجه من حالته
لم يكن وين شي قادرًا على تسمية تلك المشاعر ، فلم يجد
تفسيرًا سوى أنّه لم يرَى تشين بوداو منذ زمن طويل ،
وقد اشتاق إليه قليلًا — لكنّه كان ليشنق نفسه قبل أن
يعترف بذلك بصوتٍ مسموع ،
لذا، وبعد أن كتم كل شيء في داخله طويلًا ، لم ينجح سوى
في إخراج سؤال واحد بصعوبة :
“ لماذا غبتَ عنّا كل هذا الوقت ؟”
ويده في فنجان شايٍ من الخزف الأخضر الفاتح ، ضحك تشين بوداو …
لم يستطع وين شي أن يتظاهر باللامبالاة في مواجهة ضحك الآخر ،
فتغيّرت ملامحه تدريجيًا حتى تحوّلت إلى نظرة باردة حادّة ،
و خطف طائر الدابنغ من على غصنه ،
واستدار على وشك المغادرة ، حينها رد تشين بوداو :
“ كان لديّ بعض الأمور الإضافية لأهتمّ بها هذه المرّة ،
لذا استغرق الأمر وقتًا أطول .”
توقّف وين شي في مكانه والتفت إلى الخلف —
وبعد لحظة ، قال:
“…سمعت أنّك مكثت طويلًا في إقليم تزينتشو "
توقف تشين بوداو عن شرب الشاي ، وابتسامته اتسعت أكثر : " مِمَّن سمعت ذلك ؟ لا يبدو أنّه دقيق جدًا ."
وين شي: "…"
تشين بوداو: " في رأيي ، لا يبدو هذا وكأنّه إشاعة رددها أحد ،
بل أقرب إلى نتيجة عِرافة أُجريت باستخدام مكعّبات
القرعة الخشبية …." ثم رفع سبّابته من على فنجان الشاي
الصغير ولوّح بها في اتجاه وين شي
كان الطائر جاثمًا على يد وين شي —- وما إن سمع كلماته،
حتى ارتجف إبهامه قليلًا ، ولا إراديًا شدّ قبضته على مخالب الطائر
دحرج طائر الدابنغ عينيه ، وأدار رأسه بصعوبة لينظر إلى سيّده الحقيقي
لكن صانع الدابنغ لم يتوقف عن التصرف بوقاحة ،،
بدل أن يساعد ، أضاف تشين بوداو: " من المؤكّد أنّ هذه
لم تكن عِرافة أجراها بو نينغ .
فلو أنّ شخصًا متخصصًا في العرافة توصّل إلى نتيجة كهذه،
لكان جديرًا بالعقاب .
لكن، إن كانت هذه النتائج قد خرجت من شخص لم يدرس فن العرافة قط،
فلا بد أنّه شديد الذكاء بالفعل ..." تظاهر
تشين بوداو بالتفكير قليلًا ،
ثم ارتسمت ابتسامة في عينيه وهو يتابع : " ومن المرجّح
جدًا أنّ مثل هذا الشخص البارع في الذكاء هو تخصّصه
الحقيقي فن الدمى ."
وين شي: "…"
كان منزعجًا قليلًا من أنّه قد كُشف ، فتصلّبت نبرته
وبرودته وهو يجيب : " كانت عِرافة عشوائية بدافع الملل
وكثرة وقت الفراغ "
أثنى تشين بوداو: " إذن فهذا الشخص أذكى مما تخيّلنا ."
وين شي: "…"
صرخ طائر الدابنغ صرخة عالية وهو يرفرف بجناحيه ،،
وبدا أنّ ' رجل الثلج ' على وشك التدخل ، لكن تشين بوداو سبق بالكلام—
بخار الشاي يتصاعد من الإبريق ، و خيوطٌ بيضاء رقيقة
تتمايل بلطف من فوهته ،
نظر تشين بوداو إلى وين شي عبر ضباب البخار وقال: " لقد
مكثت في مكان واحد لفترة طويلة فعلًا ، لكن لم يكن في تزينتشو ،،،
ذلك المكان أيضًا تحيط به الجبال ويحتوي على بحيرة ،
تحفظ طاقة الـ تشي من التبدّد في الرياح ،،
كل ما يحتاجه المرء متوفر فيه ، والطاقة الروحية فيه وفيرة .
إنه يشبه إلى حدٍّ ما جبل سونغيون خاصّتنا ."
ظنّ وين شي أنّه سيتابع الشرح ويكشف له أي مكان هو ،
لكن الآخر التزم الصمت فجأة ،
ثم أنهى الموضوع برفق ،
ربّت بيده على المكان الخالي بجواره وقال : " حان وقت
التدفئة ، تعال واشرب بعض الشاي ."
في تلك الأيام ، كان وين شي يثق به بلا شروط ،،،
كان يفترض دومًا أنّ للآخر أسبابه في قول شيء أو في الصمت عنه ،
لذا لم يجرؤ أبدًا على الإلحاح أو مساءلته أكثر ،
وأيضاً بعد أن تعرّض للتسليّة والممازحة طويلًا ،
لم يكن في مزاج يسمح له بالبحث عن أجوبة ،
لذا ، ألقى خلفه عبارة " لا شكرًا " وغادر ببرود ،
ساحبًا الطائر معه ، وقبل أن يرحل ، شدّ بخبث خيط الدمية
الملتف حول أصابعه ، ليُطفئ الموقد الصغير الذي كان
تشين بوداو يستخدمه لغلي الشاي انتقامًا
…
مرّت صور تلك الأيام البعيدة أمام عيني وين شي كلمح البرق ،،
تحرّكت شفتاه وقال: " تزينتشو؟"
وما إن سمع شيه وون ذلك الاسم ، حتى ضحك ضحكة مكتومة ،
كان من الواضح أنّه هو الآخر قد تذكّر شذرات الماضي،
فقال: " كل ما حفظته هو ذلك المكان الذي عرّفته بالصدفة …." توقف لحظة ،،
لم يُعرف ما الذي خطر في ذهنه ،
لكن صوته لان قليلًا : " يبدو أنّني نسيت أن أخبرك وقتها ،
أنّني كنت أفكّر—حين يحين الوقت—أن آخذك لترى ذلك المكان "
أدار وين شي رأسه وقال : "… لأرى ماذا ؟"
في تلك اللحظة ، تذكّر أخيرًا الأسئلة التي لم يتمكّن من
طرحها قبل ألف عام ،
بعدما قاطعه القدر مرارًا ،،
أراد أن يعرف لماذا مكث الشخص الذي أمامه في ذلك
الجبل ؛ و أراد أن يعرف ما الذي كان هناك
لكن، ما إن نطق ، حتى دوّى صوت امرأة في البرية ، بعيدًا وخافتًا
بالكاد يمكن تمييزه ، تردّد عبر أعواد عشب الكوغون
الطويلة ، محمولًا مع الرياح
في البداية ، بدا الصوت كأنّه بكاء امرأة
ممتزجًا بأنفاس متقطّعة ونشيج ، لكنها لم تنطق بكلمات واضحة
تصلّبت ملامح وين شي — وبدأ يفتّش بنظره ما حولهم
بينما ظلّ صوت البكاء المبهم يلتفّ من حولهما
أحيانًا يخفت حتى يكاد يختفي ، وأحيانًا يعلو فجأة ،
حتى بات من المستحيل تحديد مصدره
لكن بينما يتقدّم محاولًا معرفة الجهة التي يصدر منها،
أدرك فجأة أنّ هناك خطبًا ما، فتوقّف في مكانه —
مع أنّه قد توقّف عن السير بالفعل ، إلا أنّه ما زال يسمع
صوت أحذية تخطو فوق الحصى وبقايا الأرض …
{ خلفي مباشرةً }
استدار بسرعة ، فوقع بصره على وجه امرأة شاحب
لو كان شخصًا أضعف طبعًا —مثل شيا تشياو—لربما أغمي عليه في الحال
لكن وين شي لم يفعل سوى أن حبس نَفَسه لوهلة قصيرة،
ثم عبس بحاجبيه وقال ببرود: " أأنتِ ؟"
لم تكن المرأة ذات الوجه الشاحب روحًا شريرة غريبة ، بل تشانغ بيلينغ
تشانغ بيلينغ تبدو متوترة وحذرة في نفس الوقت ،،
وبعد أن فحصت وين شي وشيه وون بعناية من أعلى إلى أسفل ،
تنفّست الصعداء قائلة: " إذن هو حقًا أنتما…"
كان ذلك تنهيدة لا شعورية ، خرجت منها الكلمات قبل أن
تتذكّر فجأة الهوية الحقيقية للشخصين أمامها ،،
فاحمرّ وجهها على الفور ، وشعرت ببعض الحرج
من بين الجميع ، لعلها كانت أكثر من صُدم بالأحداث
الأخيرة — فـ ' الضعيف' الذي كانت تظل على تواصل به
اتضح أنّه المؤسس الموقر الذي لا يجرؤ أحد على ذكر اسمه ؛
والتلميذ الشاب الذي حررت معه أحد الأقفاص كان في
الواقع سلف فن الدمى ؛ أما ابنها تشو شو فقد كان بشكل
غير متوقع هو بو نينغ ——
أي شخص آخر كان قد انهار عقليًا منذ زمن ، لكن تشانغ
بيلينغ نجحت في التماسك
ربما كان السبب أنّها في الماضي كانت مقرّبة من والدة شيه وون —- تشانغ وان ،
وربما، لسببٍ غامض لا فكاك منه ، كان لديها دومًا بعض الحدس المبهم ،
أخذت تشانغ بيلينغ نفسًا عميقًا وبدأت تفسّر موقفها :
" أنا… في وقت سابق ، لم أكن أعرف أنني دخلت قفص ،
والتقيت بمجموعتين من ' الأشخاص الزائفين ' ولأنني لم
أكن مستعدة ، كدت أن أنخدع بهم ."
كان واضحًا أنها تحاول بكل جهدها أن تحافظ على هدوئها،
لكن نبرتها بقيت مشدودة، وصوتها يرتجف قليلًا
وين شي: " من أين جئتِ ؟"
أشارت تشانغ بيلينغ إلى عدة أشجار قديمة متشابكة
الأغصان قريبة وقالت :
“ لم أغادر الغابة قط .
كنت فقط قد خرجت لأتفقد عندما سمعت خطاكما في هذا الاتجاه .
آه صحيح، شخص آخر دخل القفص معي .
أخوك الصغير—”
توقّفت فجأة في منتصف عبارتها ،
متذكرة أنّه وفقًا للأساطير ،
فإن سلف فن الدمى وين شي لم يكن له أخ أصغر
وبينما تبحث في ارتباك عن طريقة لتصحيح كلامها ،
أجابها وين شي بنفسه :
“ شيا تشياو ؟”
: “ صحيح ...” دفعت تشانغ بيلينغ بعض الأغصان
المتشابكة جانبًا وقالت : “ إنه هناك ، لكن حالته غريبة
بعض الشيء ... لم أستطع إيقاظه ، ولم أستطع في الوقت
نفسه أن أتركه وأمضي وحدي ، فلم يكن أمامي سوى البقاء
معه وانتظار مجيء أحد ”
: “ لم يستيقظ ؟”
تبادل وين شي و شيه وون نظرة صامتة ، ثم اتجها نحو
المكان الذي أشارت إليه تشانغ بيلينغ
وبعد أن اجتازوا عدة شجيرات متجمعة ، ظهر أمامهم جسد
هزيل ضئيل ، جاثٍ بين الأشجار
يدير ظهره إليهم ، وجسده ساكن تمامًا ، رأسه متدلٍ إلى الأمام ،
قميصه القطني الأبيض واسع جدًا على جسده النحيل ،
يهتز قماشه قليلًا مع الرياح ، كخرقة معلّقة على غصن
ناداه وين شي وهو يقترب من أمامه ويجلس على ركبتيه:
“ شيا تشياو "
ارتجفت أصابع الجاثي وانغرست في الطين ، لكنه لم يرفع رأسه بعد
قال شيه وون وهو يمد يده: “ دعني أجرب ”
ثم ضغط برفق بكفّه على رأس شيا تشياو
: “ هاه—” شهق الجاثي على الأرض فجأة ، واستفاق بحدة ،
ثم حاول في الحال أن ينهض واقفًا من الأرض
كانت حركاته مضطربة وقوية ، فدفع معصم شيه وون
وحاول إبعاد وين شي ، بدا واضحًا أنه قلق ومرتبك ،
كمن يقاوم بشكل غريزي
نادى وين شي بصوت عميق: “ شيا تشياو!”
وفي اللحظة نفسها ، انطلقت خيوط الدمى المتشابكة بين
أصابعه نحوه ، فالتفّت حول جسده بسرعة
جميع خيوط الدمى تحمل وعي المسيطر ،
ولهذا فإن أي شخص عادي إذا قُيّد بها تكون ردة فعله
الأولى هي المقاومة ، لكن شيا تشياو كان مختلف —فقد
هدأ ما إن لامسته خيوط وين شي ، و تراخت كتفاه ،
وبدأ يتنفس بصعوبة
بعد فترة طويلة ، رفع رأسه أخيرًا وقال بذهول: “ غاا ؟
الرئيس … أقصد، المؤسس الموقر؟”
ثم نظر إلى الخيوط التي تشدّه وقال متذمّرًا كالمظلوم : “ لماذا كبّلتني ؟”
وين شي: “…”
{ هل يملك هذا الأحمق الجرأة ليسأل عن السبب ؟ }
قالت تشانغ بيلينغ، وقد لحقت بهم: “ الحمد للإله أنك استيقظت . لقد أفزعتني كثيرًا ”
وين شي: “ ما الذي جرى لك ؟”
رمش شيا تشياو ببطء ثم تذكّر فجأة : “ كنتُ أحلم "
وين شي: “؟”
{ بعد أن قلبنا مسكن عائلة تشانغ رأسًا على عقب ،
يجلس هذا الأحمق هنا ليحلم ؟؟ }
لحسن الحظ، كان شيه وون بطبعه هادئًا ، فسأله بلطف : “ أي نوع من الأحلام ؟ أخبرنا به ”
أنزل شيا تشياو عينيه وفكّر قليلًا ، ثم ارتجف : “لا أعلم .
كل ما أتذكّره أنني حين كان تشو شو… أقصد بو نينغ-لاوزو
يدمّر المصفوفات تحت مسكن عائلة تشانغ مع العائلات
الأخرى، التقطت رائحة غريبة ...”
حاول أن يتذكر ليصفها ، لكن لم يفلح : “ لا أستطيع شرحها ،
لكنها فريدة جدًا ، وشعرت وكأنني شممتها من قبل .
ثم أحسست كأن أحدًا ضرب رأسي بمطرقة ، فخدِر جسدي بالكامل ...
بعدها بدأت أحلم ...” حاول أن ينقّب في ذاكرته أكثر :
“ لا أذكر أي شيء آخر سوى أنني كنت أتألم كثيرًا .
و كان جسدي كله يؤلمني ، وكأني أهرب من شخص ما "
رفع رأسه ونظر بيأس إلى الـ غا خاصته
مضت لحظة طويلة ثم عبس وين شي بحاجبيه ويسأله:
“ وبعد ذلك ؟”
شيا تشياو: “ ثم استيقظت ”
وين شي: “…”
شيا تشياو بصدق : “ غا قد يبدو هذا غريبًا ، لكن هل تظن
أنني استعدت ذكريات من طفولتي ؟”
وجه وين شي ظلّ جامدًا: “…”
{ هذا مثل سؤال شبح — كيف لي أن يعرف ؟ }
كل ما كانوا يعرفونه أن شيا تشياو عاش في صغره مع شين تشياو
فلو كان يهرب من أحد ، فلن يكون شين تشياو
إلا إذا… كان ما رآه شيئًا أقدم من ذلك بكثير
لكن الذكريات لا تُجبر على الظهور بالقوة
وبعد أن فشل في استعادة المزيد ، استسلم شيا تشياو
ونهض ، و نفض الأتربة عن ملابسه وقال :
“ على أي حال ، بما أننا في قفص ، ألا ينبغي أن نذهب إلى قلب القفص أولًا ؟”
حتى شيا تشياو بات يعرف القاعدة —- : قلب القفص عادةً
يكون مبنى ، أي المكان الذي يتركّز فيه وعي سيد القفص
وكانت نقطة البداية منزل عائلة تشانغ
لكن ذلك المكان صار خرابًا ، ولم يعد يصلح ليكون مركز
الوعي لروح تشانغ دايوي
وبناءً على المشهد الممتد أمامهم ، فالمرجّح أن قلب
القفص هو حيث تلك الأضواء المتلألئة
رغم أنها بدت بعيدة وصعبة المنال ، إلا أنهم لم يضطروا
للسير طويلًا حتى اقتربوا منها
و بعد أن خرجوا من الغابة الكئيبة ، واجهتهم طريق رئيسي
مقفر تتسع لعربات الخيل ، و غاصت فيها آثار العجلات عميقًا
وعلى الجانب الآخر للطريق ، ارتفع سفح جبل ؛ والأضواء
التي رأوها من قبل معلّقة على هيئة نجوم صغيرة في سواده الداكن
وبالإضافة إلى تلك الأضواء القليلة ، يوجد ضوء آخر يتلألأ أسفل الجبل ،
من داخل مزار متهالك مُكرّس لإله محلي للأرض ،
ورغم صغر حجم المزار ، إلا أنه بالإمكان سماع أصوات
أناس يتحدثون داخله ،
لم يتّضح بعد من هم القاطنون هناك ،
في البداية ، ظن وين شي أنهم أشخاص من العائلات الأخرى
الذين دخلوا القفص أيضًا
لكن سرعان ما أدرك أنهم ليسوا كذلك
لأن صوت المرأة الباكية—أو الضاحكة—ما زال يتردّد في
أرجاء الجبال والأحراش
ولو لم يكن شيا تشياو يخشى شيه وون ، لكان التصق بوين شي كظلّه الآن
لكن من في المزار ظلوا يثرثرون ويمازحون بعضهم بعضًا
عند نار أشعلوها بخشب يابس ، وكأنهم لا يسمعون شيئ
مما يعني أنهم لم يكونوا غرباء دخلوا القفص مصادفة ، بل
أناس من داخل القفص نفسه — موجودون في ذكريات
تشانغ دايوي و وعيه
اقترب وين شي والبقية من المزار ، دون أن يلحظهم من بالداخل
كانوا عدة أشخاص متجمعين حول النار ، يدفئون أيديهم ويقولون :
“ عادت أضواء الجبل من جديد . ما المقولة التي تقولها الحكايات ؟”
“ يُقال إن شبح الجبل عاد ليتجول .”
“ هذا محض إشاعة لتخويف الناس . نحن نمر من هذا
الطريق كل بضعة أيام ، ولا يمكننا أن نصدّق ذلك .”
“ ولِمَ لا ؟ لقد رأيت شبح الجبل بعينيّ !”
“ حقًا ؟ ومتى كان ذلك ؟”
أجاب صوت أكبر سنًا : “ منذ سنوات عديدة ”
“ وكيف بدا الشبح ؟ كم عدد أطرافه ورؤوسه ؟
هل كان مخيف ؟”
“ لا أعلم . لم أرى سوى لمحة خاطفة ، وكان ذلك في يوم
يملؤه الضباب السام .
كان الشبح طويل القامة ، يرتدي معطف واسع بلون أحمر قانٍ ، ثم اختفى في لمح البصر ”
يتبع
—- الفنغ شوي هو فحص طاقة المكان والحظ والتواريخ المحظوظة والمشؤومة والخ
من مبادئ الـ فنغ شوي : يُعتقد أن الرياح تُبعِد طاقة تشي،
لذا فإن المكان المثالي هو مكانٌ تتوفر فيه المياه والحماية
من الرياح (كالتلال/الجبال)، ليتجمع تشي ويُحتوى
تعليقات: (0) إضافة تعليق