القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch42 احتراق القلب

 Ch42 احتراق القلب 



منذ أن قررا أن يكونا معًا ، منح فو نان آن تشي تشاو ثقته 

الكاملة دون تحفظ ، 

فالمستقبل مليء بالاحتمالات المجهولة ، 

لكن طالما بقيت قلوبهما متصلة ، فلن يكون هناك ما يُخشى منه ،



في صباح اليوم التالي ، توجّه تشي تشاو إلى المطار بمفرده ، 

لم يسمح لفو نان آن بمرافقته ، خشية ألا يستطيع احتمال 

لحظة الوداع ، 


و أثناء الرحلة ، اهتزّت الطائرة مرارًا بسبب الاضطراب الهوائية ، 

ومع ذلك ظلّ قلب تشي تشاو ثابتًا ، لا تهزه الرياح


بعد وصوله ، سجّل في الجامعة الجديدة ، والتقى بمشرفه الأكاديمي ، 

ثم اختار سكنه الجامعي ،

مضت كل خطوة بانتظام وهدوء


كان زميله في السكن شابًا إنجليزي أشقر الشعر أزرق 

العينين ، من الجامعة نفسها


وكما هو معروف عن الأجانب ، كان صريح ومباشرًا جدًا ، 

فبمجرد لقائه الأول بتشي تشاو بدأ ينهال عليه بالمديح ، 

يمدح وسامته وبمهارته في الطهو ،


في الأيام الأولى ، لم يستسغ تشي تشاو طعام كافتيريا الجامعة ، 

فكان أحيانًا يطبخ في السكن وجبات بسيطة من المطبخ 

الصيني ، كالنودلز بالطماطم والبيض أو الخضار الموسمية 

المقليّة ، 

وكان زميله كلما مرّ بجانبه انبعث منه الحماس ، 

وهو يقول بانبهار :

“ واو ! ما هذا ؟ رائحته مذهلة !”


وفي مرة أخرى :

“ تبدو هذه الأكلة رائعة أيضًا ! 

هل أنت ملاك أرسله الإله لإنقاذنا ؟”


كان مديحه المفرط يحرج تشي تشاو ، فيضحك بخجل ويقول :

“ ليست سوى أطباق صينية بسيطة ، إن أعجبتك فشاركنا الطعام .”

فيردّ زميله بحماس:

“ بالطبع تعجبني !”

ثم يمدّ له الإبهام مديحًا ، ولا يترك حتى قطرة من الحساء 

دون أن يتذوقها


كانت الحياة في الخارج مختلفة تمامًا عن الحياة في الوطن


أحيانًا تثقل على كاهل تشي تشاو الفوارق الثقافية وضغط الدراسة ، 

لكنه لم يعرف الخوف ، بل واجه كل ذلك بإيجابية وثبات


كانت أيام العلاقة البعيدة شاقة بلا شك ،

فالمسافة الجسدية تضخّم الفجوة بين القلوب وتقلّل دفء القرب


وحاجز الزمان والمكان أخذ شيئًا فشيئًا يباعد بين إيقاع حياتيهما


أمور كان يمكن حلّها بعناق بسيط باتت تحتاج إلى سطور 

طويلة من الرسائل لشرحها وفهمها وتأويلها


ومع ذلك ، لم يفقد تشي تشاو ابتسامته


رغم الصعوبات ، ورغم أنه كان يضطر كثيرًا إلى الاستيقاظ 

فجرًا بسبب فرق التوقيت ليكلم فو نان آن، كان يجد في 

تلك الأحاديث راحة وسعادة لا توصف


وكانت جملته الافتتاحية في كل مكالمة لا تتغير:

“ أستاذ هل اشتقت إليّ ؟”


فيجيبه فو نان آن بصوتٍ دافئٍمطمئن:

“ بكل تأكيد اشتقت إليك ”


سأل تشي تشاو بصوت خافت :

“ إلى أي حدٍّ اشتقت إليّ ؟”


ضحك فو نان آن :

“ أفكّر بك طوال الوقت ”


كانت همسات العشّاق دائمًا مليئة بالجرأة والعذوبة في آنٍ واحد


لم يكونا ينتظران من تلك الكلمات أكثر مما تمنحه من دفءٍ عابر ؛ فطالما أنهما لا يستطيعان اللقاء أو العناق ، 

لم يبقَى لهما سوى الأحاديث ليستمدّا منها شعور القرب




في المساء ، 

تشي تشاو يجلس في سكنه ، ممسكًا بهاتفه يتحدث مع فو 

نان آن

نبرته مرحة وملامحه مضيئة بالابتسامة

اقترب زميله الفضولي وسأله:

“ تشي مع من تتحدث ؟”


وبما أنّ الزواج بين الجنسين متاح في الدولة التي يعيش فيها ، لم يُخفِي الأمر ، بل قال بصراحةً :

“ مع حبيبي "


كانا يتحدثان بالإنجليزية ، فرفع زميله حاجبيه متأكدًا :

“ حبيبك ؟”


ابتسم تشي تشاو ، واستخدم تعبير جديد تعلّمه حديثًا ، وقال بنغمةٍ شاعرية :

“ He is the apple of my eye "

( المعنى الحرفي : بؤبؤ عيني ، 

المعنى المفهوم : أعزّ ما أملك / عزيزي )


كان يعلم أن كلمة boyfriend ' حبيبي ' في الإنجليزية قد 

تُفهم بمعنيين ، لذا استخدم هذا التشبيه الذي قرأه في أحد الكتب ،

كان يحمل شيئًا من الرومانسية الطفولية التي أحبّها تشي تشاو كثيرًا


وعلى الطرف الآخر من الهاتف ، ضحك فو نان آن ضحكة خافتة


ثم أعاد الجملة بنبرته الهادئة ولهجته البريطانية الدقيقة ، 

وكان نُطقه الدافئ كخطافٍ صغير يلامس القلب برفق


شعر تشي تشاو بوخز خفيف في صدره ، كأن شيئًا من 

الشوق يُداعب قلبه


قال وهو يبتسم بخجل وقد احمرّت وجنتاه :

“ هل قلتها خطأ ؟”


أجابه فو نان آن وهو يضحك :

“ لا، قلتها بشكل صحيح تمامًا "


ثم كررها تشي تشاو بجدية تامة :

“You are the apple of my eye.”


كانت نبرته العاطفية كفيلة بأن تجعل الهواء من حوله 

يفيض بالدفء والحنين


ابتسم تشي تشاو على اتساع وجهه ، وواصل الحديث معه 

وهو غارق في سعادته ، دون أن يلحظ النظرة العابرة التي 

مرّت في عيني زميله ———


في الأيام الأولى بعد الفراق ، كان كل يوم يمرّ ثقيلاً يصعب احتماله


لكن مع مرور الوقت ، تعلّما معًا طريقةً جديدة للتقارب

 

كان كلٌّ منهما منشغلًا بعمله ، فصارا يغتنمان كل لحظة 

فراغ ليتحدثا ، و يرويان أدقّ تفاصيل يومهما ، 

كأن تلك الأحاديث الخفيفة خيوطٌ صغيرة تربط قلبيهما رغم بُعد المسافات


يُقال إن العلاقات البعيدة كثيرًا ما تتعرض للمشكلات


وها قد مرّ شهران سريعان ، ورغم أن تشي تشاو وفو نان آن 

يفصل بينهما آلاف الأميال ، 

إلا أن قلبيهما بقيا متلاصقين بقوة


كان ذلك أمرًا ثمينًا ، وإن بدا محتومًا في الوقت نفسه


فكلٌّ منهما كان ذا مشاعر عميقة بطبيعته ، ومَن يحب 

بصدق لا يخاف البُعد الزمني ولا المسافة المكانية


فالمشاعر الصادقة لا تهاب التحدّي ، لكن لا يعني ذلك أن 

الموج ظلّ ساكنًا تمامًا ——-


بعد الأشهر الستة التي قضاها تشي تشاو في دراسته 

بالخارج ، حدثت واقعة صغيرة لكنها لم تكن عديمة الأهمية 


— إذ إن زميله البريطاني في السكن فجّر مفاجأة حين 

اعترف له بمشاعره ——


اسم هذا الزميل مايك ، —  يدرس تخصص الفنون في الجامعة نفسها


لم يكن طويل القامة ، لكن شخصيته حيوية ، و يهوى 

إطلاق النكات البريطانية الجافة


أصغر من تشي تشاو بنصف عام، و كان تشي تشاو ينظر إليه 

دائمًا كـ نظرة الأخ الأكبر ، لم يخطر بباله يومًا أن مايك 

سيعترف له بإعجابه


وقع هذا في بداية الخريف —— وبعد أن استعاد تشي تشاو 

تفاصيل ما جرى لاحقًا ، أدرك أنّ هناك مؤشّرات كان يمكن أن يلاحظها


فمنذ أن عرف مايك أن تشي تشاو مثليّ ، صار كثير الظهور 

أمامه ، يسأله عنه وعن فو نان آن من حين لآخر


في ذلك الحين ، لم يُعر تشي تشاو الأمر اهتمامًا ،

كان نظره موجّهًا نحو فو نان آن وحده ، فكيف له أن يرى أحدًا سواه ؟ 

ظنّ أن مايك مجرّد فضوليّ يسأله عن تجاربه العاطفية ، 

وكان دائمًا يقول له بصراحة : “ أنا أحب حبيبي كثيرًا "


ومع كل هذا الوضوح ، أصرّ مايك على أن يعترف له


الجو يومها يُمطر برذاذ خفيف ، وقد رتّب مايك الشموع 

على شكل قلب أسفل مبنى السكن، 

فتجمّع عدد من الطلاب لمشاهدة المشهد


ثمّ تقدم نحو تشي تشاو يحمل باقة ضخمة من الورود الحمراء وقال:

“ تشي أنا معجب بك . هل يمكنني أن ألاحقك ؟”


كان تشي تشاو عائدًا لتوّه من المختبر ، 

و لا يزال يرتدي معطفه الأبيض ، فتجمّد في مكانه من الدهشة ،

قال بارتباك : “ تريد أن تلاحقني ؟ لكن لديّ حبيب !”


أجاب مايك وهو يدفع الورود نحوه : “ أعرف ، أعرف أن 

لديك حبيب ، لكن يمكنني الانتظار ”


…كان هذا أمرًا يصعب فهمه حقًا

ربما كان اختلافًا ثقافيًا ، أو أمرًا آخر لا يدركه تشي تشاو ، 

لكن مايك لم يُبدِي أيّ تردّد بسبب وجود فو نان آن !

بل قال أنه يريد أن يتنافس معه بشكل عادل ، 

وكان يبدو واثقًا من أنّ تشي تشاو سينفصل عنه يومًا ما ،


لكن تشي تشاو لم يستوعب منطقه ، وظلّ يكرر بهدوء : “ علاقتي مع حبيبي جيدة جدًّا ، ولا نية لي في الانفصال عنه "


لكن مايك بقي مصرًّا ، يقول بإصرار مؤلم : “ يمكنني الانتظار ! 

أنا حقًّا معجب بك ”


لم يكن ثمة داعٍ لمواصلة الحديث بعد هذه النقطة —-

لم يكن تشي تشاو قادرًا على التحكم بأفكار مايك ، 

لكنه في المقابل لم يكن يحمل له أيّ مشاعر على الإطلاق ،

فقلبه ممتلئ بفو نان آن ، فأين لمشاعرٍ أخرى أن تجد موطئًا فيه ؟ 

لذا لم يقبل تشي تشاو الورود من مايك


بعد ذلك مباشرةً ، قدّم طلبًا إلى الجامعة لتغيير غرفته


فالبقاء في السكن نفسه مع مايك بات أمرًا غير مريح ولا يمكن احتماله


لم يرغب في ذلك ، ولم يكن مستعدًا لتحمّله


كان يأمل فقط أن يهدأ مايك مع مرور الوقت ، 

لكنه لم يتوقّع أن الأخير سيواصل ملاحقته بإصرار لا يلين


————-


منتصف شهر أكتوبر ، 


موسم الأمطار في هذه البلاد


اليوم ، 

المختبر أكثر هدوءًا من المعتاد ، 

فغيّر تشي تشاو ملابسه وغادر بعد الثامنة بقليل


السماء ملبّدة بغيوم خفيفة ، والمطر ينثر رذاذه الرمادي على الأفق


وقف تشي تشاو تحت حافة السقف ينتظر أن تخفّ الأمطار 

قليلًا ، واغتنم الفرصة ليتصل بفو نان آن 


عادةً حين يعود تشي تشاو إلى السكن مساءً ، يكون فو نان آن في منتصف ساعات عمله ، 

فلا يسعُهما سوى تبادل رسائل صوتية قصيرة


لكن اليوم غادر تشي تشاو أبكر من المعتاد ، وتزامن ذلك مع 

استراحة الغداء في الصين ، فاستطاع أخيرًا أن يتحدث معه وقتًا أطول


قال مبتسمًا عبر الهاتف :

“ أستاذ هل تناولت الغداء ؟”


فو نان آن:

“ انتهيت للتو ، أكلت أضلاع اللحم المطهية من مطعم 

الكافتيريا الثاني ، أتذكر أنك قلت إنك تحبها كثيرًا .”


كان حديثًا عاديًا للغاية ، لكن كليهما كان يستمتع به


فالكلام مع من تحب يجعل كل جملة حلوة المعنى


لم تكن هناك حاجة لأحاديث عميقة أو نقاشات طويلة ؛ 

مثل هذا الحديث اليومي البسيط كافٍ ليمنح القلب طمأنينة


المطر يقرع الأرض بإيقاع رتيب ، 

والزجاج المغلق يمنع الرياح من الدخول ،


في الخارج ، الرياح تعصف والمطر يهدر ، 

أما تشي تشاو الواقف في بهو مبنى المختبر وهو يدردش مع 

فو نان آن ، فلم يشعر ببرودة قط، رغم تسلّل نسمة باردة 

من شقوق الأبواب


استمر حديثهما لوقت طويل ، إلى أن خفّ المطر قليلاً


فتح تشي تشاو مظلته وهمّ بالخروج ، لكن عينيه وقعت 

فجأة على مايك يقف تحت المطر


ناداه مايك فور أن رآه بصوت مرتفع :

“ تشي ! أنا هنا !”


كان واضح أنه جاء خصيصًا من أجله


الأمطار قد اشتدّت في وقت سابق ، فابتلّت ثيابه تمامًا ، 

والتصقت بجسده ، لكنه بدا غير مهتم بذلك ،

و لوّح له بحماس وهو يصيح :

“ المطر غزير ! دعني أوصلك إلى السكن !”


عبس تشي تشاو بحاجبيه وقال ببرود :

“ ما الذي تفعله هنا ؟”


ابتسم مايك وقال بحماس:

“ جئت لأوصلك !”


فردّ عليه تشي تشاو بنبرة حازمة :

“ لست بحاجة لأن توصلني ...” تجاهل نبرته المفعمة 

بالحماس وتوقف على بُعد مترين تقريبًا منه : 

“ لم أطلب منك ذلك "


كان تشي تشاو يعلم أن مشاعر الحب من طرف واحد مؤلمة ، 

لكن في الوقت نفسه كان يؤمن أن عدم الإعجاب لا يمكن أن يُفرض ،

فهو ببساطة غير معجب بـ مايك ، ولا يمكنه أن يمنحه أي 

أمل أو إجابة مغايرة للحقيقة


و قال بصدق :

“ لا تُضِع وقتك معي. الأمر لا يستحق ، وليس ضروريًّا . 

المشاعر لا تكون ذا معنى إلا إذا كانت متبادَلة ،

و لديّ حبيب بالفعل ...”

و تابع بنبرة خافتة لكنها ثابتة :

“ أنا أحب حبيبي كثيرًا ”


حتى هذه اللحظة ، كان تشي تشاو هادئًا ومتزنًا


فالإعجاب بحد ذاته ليس خطأ، بل شعور يستحق الاحترام


هو كان يرفض مايك ، لكنه لا يحمل له كرهًا أو نفورًا


لكنّه لم يتوقّع أن يخطو مايك خطوتين نحوه فجأة ويمسك بيده بقوة —


“ ما المميّز في حبيبك ؟ لما لا تفكر بي ؟”


ربما لأن رفض تشي تكرّر أكثر من مرة ، 

أو لأن نبرة تشي الباردة استفزّته ، 

اشتعلت مشاعره فجأة ———


الأمطار تهطل بغزارة ، ومايك يشد على يد تشي تشاو بإصرار ، تابع بانفعال:

“ نعم، نعم، أنت تحب حبيبك، تقول هذا في كل مرة ! 

لكن ما الجيد فيه ؟ 

تفصل بينكما آلاف الأميال ! لا يستطيع حتى أن يُحضر لك 

مظلّة في يوم ممطر !”


صرخ تشي تشاو بغضب :

“ مايك !”


لكن مايك تابع بانفعال :

“ أعرف ! أعرف كل شيء ! حبيبك لا يستحقك أبدًا ! 

رأيتكما تتحدثان ، إنه مجرد رجل أعمى ! 

ما الجيد في رجل أعمى ؟!”


قال تشي تشاو بصرامة حادّة ، وقد تجمّدت نبرته تمامًا :

“ مايك ! توقف !”


في هذه اللحظة ، كان تشي تشاو غاضبًا بحق


لم يكن يخفي حقيقة أن فو نان آن كفيف ، لكنه لم يتخيّل 

يومًا أن يستخدم أحد تلك الحقيقة لإهانته


كانت كلمات مايك تزداد قسوة وجفاء ، فقاطعه تشي تشاو 

بحدّة وهو ينتزع يده بقوة :

“ الحديث معك لم يعد له معنى .”


قد يندفع المرء أحيانًا ويقول ما لا يقصده حين تطغى عليه المشاعر ، 

لكن تشي تشاو لم يكن قادرًا على احتمال مثل هذه الإهانة ، 

كان غاضبًا حقًا ، استخدم كل قوته ليتخلّص من قبضته ، 

فترنّح مايك خطوتين إلى الخلف ، لكن تشي تشاو لم يلتفت إليه بعد ذلك


استدار وغادر 


عندها فقط أدرك مايك فداحة ما قاله ، فسارع خلفه 

محاولًا الإمساك بملابسه


تشي تشاو بوجه متجهّم :

“ اتركني ”


لكن مايك توسّل بصوت خافت :

“ تشي… لا تكن هكذا… أعلم أنني كنت مخطئًا… 

لم أقصد ذلك… 

لقد قلت كلامًا سيئًا… 

فقط أخبرني، ما الذي يعجبك فيه؟ 

يمكنني أن أتعلم ، 

أستطيع أن أكون أفضل منه…”



تشي تشاو بصوت بارد حازم:

“ بالفعل ، لقد قلتَ كلامًا لا يُقال ...” و بنبرة ثابتة ، لا تخلو 

من غضب مكبوت :

“ العلاقة بين الحبيبين ليست مجرد حمل مظلّة أو البقاء 

بجانب بعضهما وقت المطر ، 

أنت لا تعرف ما الذي مررنا به معًا ، ومهما حاولت أن 

تتعلم ، فلن تصبح هو ، لأنك لست هو ، 

أنا أحبّه كما هو ، بكل ما فيه ، حتى بعينيه ”


تشي تشاو دائمًا ودود ولطيف في تعامله مع الناس ، 

لكنه لم يكن ضعيفًا أو سهل الانقياد ، 

والسبب الوحيد الذي جعله لا يرفض مايك بقسوة من قبل 

هو أنه يعلم كم يكون الرفض مؤلمًا ، 

لم يرغب أن يجرح أحد بكلمات قاسية ، 

ولا أن يستخدم أسلوبًا فظًّا ،

لكن كلمات مايك الأخيرة كانت قد لامست أعمق جراحه ، 

لم يعد هناك مجال للتسامح بعد الآن ،


قال بصرامة :

“ لم أستخدم معك كلامًا جارحًا من قبل لأنني كنت 

أحترمك ، لكن احترامي لك لا يعني أن تتجاوز الحدود بلا نهاية . 

الإعجاب بشخص هو أمر يخص صاحبه وحده ، 

أما بعد أن أوضحتُ لك بوضوح أنني لا أبادلك الشعور ، 

فإن استمرارك بالملاحقة لا يُسمّى حبًّا ، بل عنادًا أعمى ….”

ثم نظر إليه بنظرة حادّة :

“ ما تفعله ليس إخلاصًا ، بل أنانية ، 

أنت لا تفهم ما بيني وبين حبيبي ، وتُهمل رغبتي ، وتريد منّا 

أن ننفصل ، 

تقول إنك معجب بي ، لكنك في الوقت نفسه تهاجم 

الشخص الذي أحبّه ، 

هذا ليس إعجاب ، إنه تملّك وإكراه ، 

أما أنا، فأحب حبيبي لأنني أريده أن يكون سعيد .”


قال كلماته تلك ثم استدار وغادر بسرعة ، دون أن يلتفت


مايك لم يتخيّل يومًا أن يسمع مثل هذا الكلام من تشي تشاو


بالنسبة له، كان تشي تشاو دائم الابتسام، لطيف، هادئ المزاج 


تجمّد في مكانه ، مدّ يده محاولًا الإمساك به، لكن كلمات 

تشي تشاو لا تزال ترنّ في أذنيه، ثقيلة كأنها لعنات لا تزول، 

فشل في التفكير أو التصرّف


: “ تشي…” ناداه بصوت مبحوح، لكن صوته تلاشى وسط 

صوت المطر


أدرك حينها مدى خطئه ، لكن الأوان قد فات


تشي تشاو لم يلتفت إليه ، ومضى مبتعدًا ، غاضبًا بحق


قطرات المطر ترتطم بالمظلّة بإيقاعٍ متسارع ، 

وصوته الحادّ يملأ السكون من حوله


أسرع بخطواته أكثر فأكثر ، حتى توقف فجأة


تذكّر شيئ —


{ لم أُغلق الهاتف بعد ! }


تجمّد في مكانه ، 


وألقى نظرة سريعة على الهاتف الذي ما يزال في يده


الشاشة مضيئة ، والجملة [ المكالمة جارية ] 

تلمع أمام عينيه بوضوح مزعج


لم يصدق للحظة ما يرى ، ثم نطق بتردد ، 

و صوته يحمل شيئ من القلق :

“… أستاذ ؟”


وبعد ثانيتين ، ظهر صوت فو نان آن العميق والواضح من الطرف الآخر :

“ همم، أنا هنا "


كان صوته العميق هادئ ، لكنه اخترق المطر والهواء 

واخترق عقل تشي تشاو كرجفة صاعقة


لقد دوّى في أذنه ، وجعل ذهنه كله يطنّ كأن الزمن توقف للحظة


تشي تشاو قد تصرّف بحسم حين رفض مايك ، لكنه لم 

يتوقّع أبدًا أن يكون فو نان آن قد سمع ذلك


لم يذكر له شيئ عن مايك سابقاً ، خشية أن يقلقه ، 

ولأنه رأى أن الأمر لا يستحق ،


أمّا الآن ، بعدما علم فو نان آن ، فقد شعر تشي تشاو وكأن 

قلبه سيتوقّف من الذعر


أن يعترف مايك بمشاعره أمر ، لكن أن يحدث ذلك في هذا 

اليوم تحديدًا ، وأن يتفوّه بتلك الكلمات عن عيني فو نان آن ، 

ثم يسمعها الأخير بنفسه — فذلك ما لم يستطع تشي تشاو تحمّله


أشدّ ما كان يخشاه هو أن يتطرّق أحد إلى عيني فو نان آن 


كان يعلم كم عانى الأستاذ فو بسبب ذلك ، 

ويكره أن يستخدم أحد تلك المسألة لإيذائه ، 

والآن ، ها هو أكثر ما خافه يتحقق أمامه


ارتبك صوته على الفور وقال بتوتر :

“ أستاذ لا تُعر ذلك الشخص اهتماماً ! 

لقد كان يهذي فحسب !  

أنا لم أشعر يومًا أننا غير مناسبين لبعضنا ، 

أنا… أنا…”


تلعثم تشي تشاو حتى كاد يفقد ترابط كلماته ، 


فناداه فو نان آن بنبرة هادئة :

“ تشي تشاو ،، لا بأس ، لا يزعجني هذا الأمر .”

ثم أضاف بعد لحظة : “ في الحقيقة ، أنا سعيد لأنك قلت 

لمايك تلك الكلمات .”


كان صوته الهادئ كنسيم يمرّ على قلب تشي تشاو المرهق، 

فيفكّ عقده ببطء


بالفعل — ، سمع فو نان آن كلام مايك المؤذي ، لكنه لم 

يكن من النوع الذي تهزّه بضع كلمات خبيثة


صحيح أنّ مرض عينيه سبب له ألمًا كبيرًا ، لكنه أيضًا صقل 

قلبه وجعله أقوى


وفوق ذلك ، أصبح الآن يملك شريكًا رائعًا يدافع عنه 

بشجاعة ويقف في صفّه دون تردّد


قال فو نان آن بابتسامة خافتة : “ أسعدني حقًا ما قلته لمايك ، 

أعلم بشأن عينيّ ، لكني لم أكن أعلم أنك ستدافع عني بهذه الطريقة ، 

كنتُ أخشى فعلًا أن يؤثّر كوني لا أرى على علاقتنا ، لكني لم 

أتوقّع أنك ستقول…

' أحبّه كما هو ، بما في ذلك عينيه ' ”


قلّد فو نانآن نبرة تشي تشاو نصف مازح ، فاشتعل وجه تشي تشاو حمرة


حاول أن يتمالك نفسه وقال بإصرارٍ مرتبك:

“ أنا… أنا لم أخطئ !”


ضحك فو نان آن : “ صحيح ، لم تخطئ ، أنا فقط سعيد جدًا . 

الآن صار هناك شخص آخر يعرف أنك تحبّني ،، 

لأنني أحبّك أنا أيضًا .”


{ … يا الهي ! 

الأستاذ فو ليس لطيفًا فحسب ، بل قويًا وساحرًا أيضًا }


لم يتخيّل تشي تشاو أن الحديث سيتّجه إلى هذا المنحى — 


تحدّثا قليلًا بعد ذلك ، وأطراف أذني تشي تشاو لا تزال تحترق من الخجل 


وقبل أن يُغلق الخطّ ، سأل بقلق من جديد :

“ أستاذ هل أنت متأكد أنك لست منزعجًا ؟ 

من كلامه أعني…”


أجاب فو نان آن بصوت مليء بالابتسامة:

“ لا تقلق ، لقد مررتُ بالكثير في حياتي ، ولن أربك نفسي ببضع كلمات ”

ثم سكت لحظة وتابع :

“ وفوق ذلك ، لديّ حبيبٌ يحبّني كثيرًا ، أليس كذلك ؟”


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي