Ch9 احتراق القلب
تشي تشاو : “ حسنًا ، هذا يكفي .”
أنهى تشي تشاو بعناية وضع آخر كمية من المرهم
: “ حاول ألا تبتل خلال اليومين القادمين .
سأعود غدًا لإعادة وضع المرهم .”
ضحك فو نان آن مستمتعًا : “ لست بهذا الحساسية ”
في عمره هذا ، لم يُعامل هكذا منذ وقت طويل ،
وكان الأمر غريبًا بعض الشيء : “ لا داعي لإزعاجك .
دعه على حاله ، سيشفى بمفرده .”
أصر تشي تشاو وهو يضع أعواد القطن واليود في حقيبة
الإسعافات : “ من الأفضل الاستمرار في العلاج ، سيشفى أسرع ،،
سيكون من غير المريح تركه هكذا ، كما أنه لا يبدو جيدًا أيضًا .”
قال فو نان آن ضاحكًا بخفة : “ الأعمى لا يحتاج للقلق بشأن
المظهر …. ” وهو يفتح كتاب على مكتبه ويمرر أصابعه على
السطور : “ لا أستطيع رؤيته على أي حال .”
تشي تشاو بعناد : “ ليس هذا ما أقصده ،،،
يجب أن تبدو في أفضل حال.”
في عيني تشي تشاو — يستحق فو نان آن أن يكون في أفضل
صورة له ،، لم يرغب أن يشعر حتى بأدنى إزعاج
بالنسبة لـ فو نان آن —— كان شعور غريب ، أن يهتم بك
شخص بشيء لم تعد توليه اهتمامك ،
لم يشعر بهذا منذ زمن طويل ،
و عند هذا العمر ، تجاوز مرحلة الانشغال بالمظاهر أو
إخفاء العيوب ،
لكن معاملته بهذه الطريقة جلبت شعورًا بالدفء من أعماق قلبه
المكتب الصغير امتلأ بلطف غير معتاد ، لكن الصوت
المفاجئ لطرق الباب كسر هذا الجو على الفور
: “ هل انتهيتما ؟” ارتفعت صوت تشو آنهي من الخارج،
مكتومًا خلف الباب : “ هل يمكنني الدخول الآن ؟”
تلاشى الجو الحميم فورًا
قال فو نان آن وهو يوجه رأسه نحو صوت صرير الباب
المفتوح : “ ادخل ، الباب غير مقفل ،،،
ظننت أنني شعرت بشخص ما بالخارج قبل قليل .”
منذ فقدانه للبصر ، صارت حواس فو نان آن الأخرى أكثر
حدة ، وسمعه كان دائمًا يقظًا
اقترب تشو آنهي من فو نان آن، ولاحظ الأثر البني الخفيف
من اليود على جبينه وحقيبة الإسعافات في يد تشي تشاو
و فهم ما كان يحدث ، لكنه لم يستطع مقاومة المزاح :
“ ممم ، سمعت كل ذلك الكلام عن ‘كن لطيفًا’ و‘يؤلم’…
لم أرغب أن أدخل على شيء لا ينبغي لي رؤيته ~~~ .”
احمّر وجه تشي تشاو : “ لا، نحن فقط—”
كانت مزحة للكبار ، ولم يعتاد تشي تشاو على هذا النوع من الدعابة ،
تعثر في كلماته ، وكان محرجًا بوضوح ،
ابتسم تشو آنهي ، لكن فو نان آن تدخل لإنقاذه :
“ آنهي لا تفسد الولد .”
تشو آنهي : “ مجرد مزحة فقط”، تابع متخليًا عن نبرة
المزاح : “ أحتاج أن أحدثك في أمرٍ ما.”
وبما أن لديهم موضوعًا للعمل ، استأذن تشي تشاو بطبيعة الحال
وجهه لا يزال محمرًا قليلًا ، فسرعان ما خرج حاملاً حقيبة
الإسعافات ، و قال وهو يغادر : “ بروفيسور سأعود غدًا
لتغيير الضمادة .”
وبمجرد إغلاق الباب ، عاد الهدوء إلى المكتب
أمال فو نان آن رأسه قليلًا : “ ما الأمر آنهي؟”
اتكىء تشو آنهي بشكل مريح على ظهر كرسي فو نان آن،
وتلاشت تعابير المزاح من وجهه : “ لقد حان ذلك الوقت
من السنة مرة أخرى.
سنتوجه إلى المناطق الريفية لبرنامج التوعية السنوي،
وقسمكم بحاجة للمشاركة .”
برنامج التوعية السنوي من الطقوس المعتادة في المستشفى الخامس ،
لكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها إشراك قسم علم النفس ،
ابتسم فو نان آن : “ ما السبب في ذلك؟”
هزّ تشو آنهي كتفيه : “ سياسات جديدة ،،
مع ارتفاع مستويات المعيشة واتساع الآفاق ، أصبحت
الصحة النفسية أكثر أهمية . كان هذا أمرًا لا محالة .”
وافق فو نان آن برأسه : “ صحيح، هذا شيء جيد.”
الموارد الطبية في البلاد لا تزال محدودة ، وتوزيعها غير متكافئ ،،
المناطق الريفية محرومة بشكل خاص ، وعلم النفس ، كونه
مجالًا حديثًا نسبيًا، غالبًا يُساء فهمه ،،
مشاكل الصحة النفسية شائعة كالزكام أو الحمى، ولا ينبغي وصمها
سأل فو نان آن : “ متى سنتوجه إلى هناك ؟”
تشو آنهي : “ الأسبوع القادم ،
سنذهب إلى إحدى المحافظات الفقيرة على المستوى الإقليمي .
نسق فريقك وفقًا لذلك .”
تكوين فريق التوعية أمر حيوي ، لابد أن يضم مزيج من
الخبراء والمبتدئين القادرين على التعلم أثناء العمل ،
مع ضمان عدم تعطيل العمليات الاعتيادية للمستشفى ،
نقر فو نان آن بقلمه على المكتب، مضيفًا اسم تشي تشاو
إلى القائمة —— ابتسم تشو آنهي وهو يلمح الاسم
: “ قلت لكم إنكما مقربان ، لكنكما كنتما تنكران .
الآن لا مهرب ، أليس كذلك ؟”
فو نان آن بابتسامة خفيفة ، متجنبًا التلميح المقصود : “ الولد طيب القلب ،،
هو مجتهد ويهتم بالتفاصيل . من الجيد أن يتعلم المزيد .”
نقّر تشو آنهي لسانه : “ أنت تعرف أن هذا ليس ما قصدته
أعلم أن تشي تشاو ثابت ، لذا لست متفاجئ من رغبتك في
وجوده ضمن الفريق .
لكن في وقت سابق—لم أرَى أحد يقترب منك هكذا ليهتم بإصاباتك .
ماذا ؟ هل شُفيت من خوفك من الجراثيم بروفيسور فو؟”
كان فو نان آن دائمًا يهتم بالنظافة ويكره التقارب الجسدي
غير الضروري ،
وبعد أن فقد بصره ، ازدادت هذه الميزة
فو نان آن بهدوء : “ لم يكن لدي خيار كبير ،،
الشباب متحمسون دائمًا للمساعدة .”
بصفته مرشد ، كان على فو نان آن الحفاظ على مسافة
معينة مع طلابه ، و كان دائمًا مهذبًا لكنه يبتعد عنهم قليلًا
هذه المرة الأولى التي يرى فيها تشو آنهي أحدًا يقترب منه
هكذا ، وهو ما أثار شكوكه ،
ومع ذلك ، فإن رؤية هدوء فو نان آن الآن خففت من
الغرابة : “ صحيح ، كنت أعلم أنك لن تقع في إعجاب متدرب .”
ابتسم فو نان آن : “ سأخبره بعدم المجيء في المرة القادمة .
عليه أن يقضي وقته في تعلم شيء أكثر فائدة .”
—————-
في صباح اليوم التالي ،
خلال اجتماع القسم ، طرح فو نان آن موضوع برنامج
التوعية ،،
تشي تشاو — كما هو متوقع — تطوع للمشاركة
المشاركة في الغالب اختيارية ، مع بعض التعديلات حسب الحاجة ،
وبعد بعض النقاش ، أنهى قسم علم النفس تشكيل فريق
مكون من حوالي عشرة أشخاص ،
يوجد فارق بين تقديم القائمة وتلقي التأكيد النهائي ،
وجاء الإشعار الرسمي بعد أسبوع
خلال ذلك الأسبوع ، بدأ تشي تشاو يتعرف أكثر على قسم علم النفس
كان مختلف عن قسم العيون—هذا القسم أحدث ، وفريقه
مكوَّن أساسًا من كوادر طبية شابة
وباستثناء زيارة عرضية من بروفيسورات أكبر سنًا ،
كان باقي الفريق في سن فو نان آن تقريبًا
وجود فريق شاب جعل الأجواء حيوية ، واستمتع تشي تشاو
بالروح المرحة للقسم
الشخص الوحيد الذي لم يتوافق معه تمامًا كان متدرب
آخر يُدعى تشين كايجي
حتى بعد مرور بعض الوقت ، بدا أن تشين يكن له عداءً غامض
لم يعتقد تشي تشاو أنه قد فعل شيئًا خاطئًا ،
ولم يكن من النوع الذي يسعى لإرضاء من يكرهه بوضوح ،
من المستحيل إرضاء الجميع ، وكان راضيًا بمجرد أداء
عمله على أكمل وجه
تلقّى تشي تشاو الإشعار لحظة عودته إلى السكن بعد يوم
طويل من العمل
كانت يده تؤلمه من كتابة السجلات الطبية طوال اليوم ،
وعند وصوله إلى مدخل السكن، ظهرت على شاشة هاتفه رسالة جماعية :
[ @الجميع : هذه قائمة المشاركين وموقع برنامجنا الطبي الميداني .
الرجاء الاطلاع والاستعداد وفقًا لذلك .]
القائمة أُقرّت بالفعل ، لذا كان الجميع يعرفون مَن سيذهب
و الرسالة مجرد تذكير —- ألقى تشي تشاو نظرة سريعة ،
تأكد من وجود اسمه ، ثم أغلق الرسالة ،
وفتح التعليمات الوقائية التي أرسلها المنسق ،
المكان الذي سيتجهون إليه لم يكن مثالي — بل مقاطعة
فقيرة مشهورة في الإقليم
لكن تشي تشاو ، الذي نشأ في بيئة مشابهة ، لم يتأثر بالأمر كثيرًا ،
أما بالنسبة لمن اعتادوا حياة المدينة ، فقد يكون الأمر
صدمة حقيقية لهم
تردد قليلًا ، ثم غيّر اتجاهه مبتعدًا عن السكن وسار نحو صيدلية قريبة
رغم أن البرنامج الميداني كان مشروع على مستوى
المستشفى كله، إلا أن كل قسم سيعمل بشكل مستقل ،
وكان من الأفضل الاستعداد جيدًا مسبقًا
{ طارد الحشرات أمر لا غنى عنه — فالمناطق الريفية تعجّ
بالحشرات ، ولدغاتها قد تكون مؤذية ….
وحتى مع اقتراب فصل الشتاء ، الحذر واجب …
دواء الحساسية ضروري أيضاً ،،،، فالرطوبة العالية قد تسبب انزعاج ،
ومن المؤكد أن أحد أفراد الفريق سيحتاجه ….
أما الأدوية العامة الشائعة فكانت بديهية ، فهم أطباء
ويعرفون ما يجب أن يُحضَر }
تجوّل تشي تشاو بين رفوف الصيدلية ، وفي النهاية اختار
زجاجة من الزيت الطبي
منذ أن لاحظ الكدمة على صدغ فو نان آن، بدأ يُولي اهتمامًا
أكبر لحاله ، وسرعان ما اكتشف أن البروفيسور كثيرًا ما
يُصاب بجروح طفيفة
لم تكن خطيرة ، لكنها لا تخلو من الإزعاج ،
حاول تشي تشاو مساعدته في علاجها أكثر من مرة ،
لكن البروفيسور كان يرفض دائمًا قائلاً باستخفاف :
“ هذه الإصابات البسيطة لا تستحق العناء ، ركّز على عملك فحسب .”
لكن تشي تشاو لم يستطع أن يمنع نفسه من القلق ،
فالطرق الريفية وعرة ، مليئة بالحفر والطوب المدفون
نصفه في الأرض ، وعندما يهطل المطر تتحول إلى طينٍ لزجٍ لا يُطاق ،
وبما أن التوقعات أشارت إلى احتمال هطول الأمطار خلال
رحلتهم ، قرّر تشي تشاو أن يجلب الزيت الطبي معه تحسّبًا
لأي طارئ ، خصوصًا مع ضعف بصر فو نان آن
{ سواءً أراد فو نان آن مساعدتي أم لا …
فلن يقل قلقي عليه }
كان ذلك شعورًا فطري بالعناية ، لم يكن قادرًا على كبته
لم يشأ أن يرى البروفيسور يتألم ولو قليلًا
بعد أن اشترى بقية المستلزمات ، عاد إلى سكنه بعد نحو ساعة ،
و معظم ذلك الوقت قد قضاه في اختيار الزيت الطبي
بعناية والسؤال عن طريقة استخدامه الصحيحة
أرسل رسالة قصيرة :
[ بروفيسور فو كيف حال إصابتك ؟
اشتريت بعض الزيت الطبي ، هل يمكنني مساعدتك في وضعه ؟]
قرأ فو نان آن الرسالة بعد ساعات ، وابتسم بخفة وهو يكتب ردّه :
[ لطيفٌ منك أن تفكر بهذا ، لكن لا حاجة لي به الآن ]
فأجابه تشي تشاو سريعًا:
[ بل تحتاجه . لاحظت وجود كدمات على ذراعك وظهر
يدك ، ولهذا اشتريته .]
[ الطرق التي سنسلكها في الرحلة الميدانية وعرة جدًا ،
وإذا أصبتَ مجددًا ، أرجوك أخبرني .
لقد أمضيت وقتًا طويلًا أختار هذا الزيت ،
والجميع يقول أنه فعّال جدًا .]
كان برنامج تحويل النص إلى كلام يقرأ الرسائل بنبرة آلية رتيبة ،
إلا أن فو نان آن سمع في ذهنه صوت تشي تشاو الحقيقي
— صادق ، مفعم بالدفء والاهتمام
حتى دون أن يرى، شعر بعفوية القلق في كلماته
توقفت أصابع فو نان آن لحظات فوق الشاشة
حتى من دون تلميحات تشو آنهي، لم يكن ينوي السماح
لتشي تشاو بالاستمرار في معالجة جروحه ،
فهي إصابات طفيفة لا تستحق العناء ،
لكن تشي تشاو كان مثل جروٍ متحمّس ، يهزّ ذيله بسعادة
ويهرع نحوه كلما سنحت الفرصة ،
صدقه يجعل الرفض صعبًا
فو نان آن { حسنًا ،،،، فليُكن … إنه مجرد شاب متحمس
لم يكن حماس الطلاب أمرًا جديدًا عليّ ،
فبمجرد أن تنقضي فترة الحماس الأولى ، سيهدأ كل شيء
لن يدوم طويلًا .. }
ثم ظهرت رسالتان جديدتان من تشي تشاو ،
كأنه خشي أن يُرفَض طلبه ،
عندها ضغط فو نان آن على زر التسجيل الصوتي وقال بصوته الهادئ :
“ حسنًا إذن ، سأتعبك معي إذاً "
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق