Ch27 ffb
الرجل ذو الوجه الطويل النحيل يُدعى باي بنغيو ،
وهو الابن الثالث في جيله من العائلة ، لذا كان الناس ينادونه عادة “ الابن الثالث باي”
لكن شهرته الحقيقية كانت باسمٍ آخر : باي سانمياو —
اشتهر بشبقه الفاضح وشهوته التي لا تشبع ،
حتى أنه يُعرف بكونه “سريع القذف” إلى حدٍ لا يُصدق ،
يُقال إنه سجّل رقمًا قياسيًا أسطوريًا حين لم يستمر لأكثر
من ثلاث ثوانٍ ، لتنتشر سمعته في كل مكان كالنار في الهشيم —-
باي سانمياو قد التقى فان شياو من قبل
في ذلك اليوم ، هو وشي ليهوا كانا من أوصلا يو شولانغ إلى
مقر إقامة فان شياو
يو شولانغ لم يكن ضعيف البنية ، بل كان طويل القامة ،
متين الجسد ، يحمل في هيئته قوة كامنة حتى وهو فاقد
الوعي ، وكأن جسده يرزح تحت ثقل لا يُحتمل
ومن وجهة نظر باي سانمياو، كان فان شياو ويو شولانغ على
خلاف — بل ربما بينهما كراهية دفينة
فلو لم يكن الأمر كذلك ، لما تفوّه فان شياو حينها بتلك
الجملة العابثة المتعالية :
“ جئت فقط لأستمتع قليلًا "
لكن الآن ، وهما يقفان سويًا كحليفين في وجه عدوٍ
مشترك ، كان باي سانمياو في حيرة تامة :
{ ما الذي يحدث بحق السماء ؟ }
“ كيف تكون معه—”
لم يكاد يُكمل جملته حتى قاطعه فان شياو بسرعة ،
بابتسامة خاوية ونبرة خفيفة كأنها سخرية عابرة :
“ الابن الثالث ؟
لم أتوقع أن يكون الجالس هنا الليلة… هو أنت "
عندها ، مال يو شولانغ برأسه قليلًا نحو فان شياو ، ونظر
إليه بهدوء ثم تقدّم خطوة و وقف إلى جانبه قائلاً بصوت خافت :
“ أتعرفه ؟”
أجابه فان شياو ببساطة : “ أعرفه ...” وعيناه نحو باي
الجالس على الأريكة بنظرةٍ مباشرة وباردة : .
“ التقينا سابقًا… في حفلةٍ نظمها شي ليهوا "
تعمّد فان شياو نطق اسم “ شي ليهوا” ببطء واضح ،
كتلميح خفيّ لباي سانمياو كي ينتبه لما سيقوله لاحقًا —-
ورغم أن باي سانمياو قد يكون عديم النفع في قضيبه ،
إلا أنه لم يكن غبيًا تمامًا في مخه ،
و بعد لحظة من التفكير السريع ، قرر الصمت ،
متراجعًا عن أي استفزاز محتمل —-
و غاص بجسده في الأريكة ، مستندًا على الوسائد بكسل ،
وساقاه الطويلة متشابكة بإهمال
إحدى يديه لا تزال على المرأة الجالسة بجانبه ،
يعبث بها دون توقف ، وهو يقول بنغمة باردة متراخية:
“ إذن ما الأمر أيها السادة ؟
تقتحمون مكاني بهذه الطريقة وتقطعون الجو ؟
هل نسيتم من أنا ؟
أم جئتم لتجعلوني أبدو أحمق ؟”
تقدّم يو شولانغ بخطوات هادئة
على الطاولة الفوضوية أمامه ، التقط زجاجة مشروب
أجنبي ، وجد كأس نظيف ، وصبّ نصفه تقريبًا
رفع الكأس بأصابعه الطويلة ، يُدير السائل الكهرماني ببطء
داخل الزجاج ، وقال بنبرةٍ منخفضة وواثقة :
“ الابن الثالث ، أنت تعرف تمامًا لماذا جئت ،
بما أنني وجدتك ، فلا بد أنك تدرك أنني لم آتِ خالي الوفاض ،
إن لم تُمانع أن يكون هنا من يستمع ، فأنا لا أمانع أيضًا .”
ثم لوّح بمعصمه قليلًا ، ورفع الكأس إلى شفتيه ، وشربه دفعة واحدة
تحرّكت تفاحة أدم قليلًا وهو يبتلع الشراب ،
ثم وضع الكأس الفارغ على الطاولة ،
وقد لمعت عيناه بنية لا تخطئها النظرات ——
تبدّل وجه باي سانمياو تدريجيًا —- ،
وتحوّلت ملامحه إلى ظلالٍ داكنة
رفع عينيه نحو فان شياو ، تأمّله قليلًا ، ثم رفع حاجبه
بابتسامة ملتوية صغيرة وقال:
“ حسنًا إذن ، لنتحدث "
أشار بيده بكسل وهو يقول:
“ هيّا، هيّا… جميعكم اخرجوا . عندي أمر أتحدث فيه "
فخرج الرجال الوسيمين والنساء الجميلات واحد تلو الآخر ،
ولم يبقَى سوى قلة من مرافقيه المقرّبين ،
ثم لوّح بيده مجدداً وقال بصوتٍ عالٍ وهو يضحك :
“ أنتم اذهبوا وابحثوا لي عن مكانٍ آخر ، جهّزوا الأجواء ،
اختاروا لي أجمل أميرة هناك — وجهها يجب أن يكون
مثالي ، وصدرها كبير ، مفهوم؟
سأكون عندكم بعد قليل .”
الناس في هذا المكان يعرفون طبقاتهم الاجتماعية جيدًا ،
وفي أعلاها يقف باي سانمياو كسيّدٍ لا يُنازع
لذا لم يعترض أحد ، وانصاع الجميع فورًا لأمره
أُغلق باب الغرفة الخاصة ببطء ، وخيّم صمت ثقيل مكان
الضوضاء السابقة
بقي معه مساعد واحد ، يقف في زاوية الغرفة
ورغم أن لقبه ' مساعد ' إلا أن طوله الذي يقارب الثمانية
أقدام وبنيته المليئة بالعضلات فضحت وظيفته الحقيقية
— كان حارسًا شخصيًا لا أكثر
: “ ما الأمر إذن ؟ تكلّموا "
مدّد باي سانمياو ذراعيه على ظهر الأريكة ، جلسته تحمل
غطرسة المتنعّمين بالمال والنفوذ
جلس يو شولانغ أولًا ، بينما أعاد فان شياو تشغيل إنارات الغرفة البيضاء الهادئة ، ثم جلس إلى جانبه
أخرج سيجارة ، نقرها بخفة على الطاولة ، وقال بنبرةٍ متزنة :
“ الابن الثالث قد لا تكون بيننا معرفة وثيقة ، لكننا على أي
حال نتقاطع من خلال شي ليهوا ،
لذا قبل أن تتكلم ، فكّر جيدًا ،
لا فائدة من المراوغة أو الإخفاء — هذا الأمر لن يُغلق إلا
بعد أن نحصل على جواب واضح .”
كانت كلمات فان شياو مصوغة بحذرٍ فنيّ لافت —-
فعلى السطح ، بدت وكأنها قيلت لمصلحة يو شولانغ،
لكن في العمق ، كل كلمة كانت تصيب باي سانمياو مباشرةً ——
فلكي يتجرأ شي ليهوا على أمرٍ كهذا ويورّط باي سانمياو فيه،
فلا بد أن العلاقة بينهما كانت وثيقة
والآن ، بذكر فان شياو لاسمه علنًا ، أجبر باي سانمياو على
التفكير مرتين قبل أن يتفوّه بشيء ،
ولو من باب حفظ ماء وجه شي ليهوا —
أما نبرته حين شدّد على عبارة “ فكّر جيدًا ” — كل حرفٍ
خرج ببطءٍ محسوب — فقد حملت رسالةً واضحة :
' هناك أمور لا ينبغي لك أن تقولها '
قال باي سانمياو ببطء ، ولسانه يضغط على خده ساخرًا :
“ رئيس فان صحيح؟”
ثم أشار برأسه نحو يو شولانغ متسائلًا :
“ هل لي أن أعرف ما هي علاقتك بهذا السيد الذي يريد
التحدث معي ؟”
أجابه فان شياو ببساطة :
“ نحن أصدقاء "
: “ أصدقاء؟” ارتفعت نبرته فجأة ، كما ارتفع حاجباه بدهشةٍ زائفة
سعل سعلتين خفيفة لإخفاء ابتسامة متعالية على شفتيه ،
ثم تمدد على الأريكة وقال بنغمة ماكرة :
“ حسنًا إذن ، فلنتحدث . ما الموضوع ؟”
قال يو شولانغ بنبرة هادئة متزنة ، لا هي متعجلة ولا متهاونة :
“ حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء التاسع من أكتوبر ،
موقف سيارات فندق تشييويه ،
هل يحتاج الابن الثالث باي أن أُفصِّل أكثر ؟”
كانت كلماته واضحة وموزونة ، خالية من التوتر أو الخنوع،
وكأن ما يدور بينهما ليس مواجهة ، بل مفاوضة عمل رسمية
هذا الهدوء المهيب والاتزان في ملامحه جعلاه يبدو أبعد ما
يكون عن ضحية اعتداء جنسي
: “ أي يوم؟ وأي ساعة ؟ وأين بالضبط ؟” رفع باي سانمياو
حاجبيه متصنعًا الدهشة وقال بسخرية مبالغ فيها :
“ سيدي ، أنا حتى لا أعرفك !
كيف لي أن أفهم عما تتحدث بحق الجحيم ؟”
: “ لو لم يكن لدي دليل ، لما أتيت إلى هنا " قالها يو
شولانغ بهدوء وهو يأخذ السيجارة من يد فان شياو ،
يضعها بين شفتيه ، ثم نظر بنظرة جانبية إلى فان الجالس بجواره
التقط فان شياو الإشارة على الفور ، فأشعل عود ثقاب
و توهّج اللهب الصغير للحظة ، وانعكس ضوءه الدافئ على
بشرة يو شولانغ الفاتحة ، يكسوها بلونٍ ذهبي خفيف
ولو لم يكن باي سانمياو يعلم حقيقة مشاعر فان شياو تجاه
يو شولانغ، لظنّ أن بين الرجلين قربًا استثنائيًا — كأن
أحدهما يعزف والآخر يُكمل اللحن بانسجامٍ تام ——-
تمتم باي سانمياو بتهكم وهو يزم شفتيه :
“ هؤلاء التايلنديون يعرفون حقًا كيف يتسلّون…”
زفر يو شولانغ خيط رفيع من الدخان وألقى عليه نظرة باردة ،
فبادلَه باي سانمياو بعبوس مستفزّ وقال بسخرية وقحة :
“ بما أنك تزعم أن لديك دليل ، فهاته إذن "
ثم أنزل ساقه المتقاطعة فجأة ، وانحنى للأمام ،
محدّقًا في شولانغ بنظرات وقحة :
“ لكن أخبرني أولًا ، ما الشيء (المشين وغير القانوني) الذي
تزعم أنني فعلته تلك الليلة ؟”
انزلقت عيناه ببطء من وجه يو شولانغ نحو الأسفل ،
كأنه يبحث عن إذلالٍ مقصود ،
وقبل أن يتفوه بكلمة بذيئة ، هوى كف فان شياو الكبير على وجهه دفعة واحدة —
صفعةٌ صمّتت المكان بأكمله ،
دفعت باي سانمياو إلى الوراء حتى غاص في الأريكة ——
: “ أيها الوغـ—”
توقف عن الكلام في منتصف الشتيمة ، إذ التقت عيناه
بنظرة فان شياو الثقيلة الداكنة — نظرة أشبه بحدّ سيف
يلمع في الظلام
وفي هذه اللحظة ، تذكّر تحذير شي ليهوا ذاك اليوم :
“ يمكنك أن تعبث مع أيٍّ كان ، لكن إيّاك ثم إيّاك أن
تعبث مع فان شياو ،،،،
يمكنه أن يدمّرك بابتسامة "
انكمش باي سانمياو قليلًا : " تسسك "
وهو يلوّح بيده بتصنّع اللامبالاة :
“ ألم تكن تريد أن تعرف أين كنتُ تلك الليلة ؟ حسنًا ، سأخبرك ،
كنت في سرير عشيقتي ،
هل تريدني أن أستدعيها لتشهد ؟”
قال يو شولانغ بهدوء بارد وهو يطفئ السيجارة داخل علبة بيرة فارغة :
“ لا داعي ،، طالما أنك لا تريد أن تشرح ، فسأعتبر صمتك اعترافًا ”
ثم نهض واقفًا —-
استقام جسده الطويل ببطء ، وانبعث من هيئته سطوع
تهديد خافت جعل باي سانمياو يتراجع غريزيًا إلى الخلف
لكن يو شولانغ لم يتجه نحوه —
بل خطا خطوتين سريعة نحو زاوية الغرفة ، نحو المساعد
الضخم الواقف هناك
و احتشد القوة من كامل جسده ، ومدّ يده فجأة ليقبض على ذراع الرجل
المساعد ضخم الجثة — أكبر حجماً من يو شولانغ —
وواضح أنّه لم يكن شخصًا يسهل التغلّب عليه
ما إن لمح الهجوم قادمًا حتى حاول أن يدافع عن نفسه ،
لكن يو شولانغ قد انتزع زمام المبادرة بالفعل و ضرب أولًا،
وبلا أيّ إنذار ،
فباغت الرجل تمامًا
كانت حركاته حادّة لا تعرف الرحمة — سريعة للغاية بحيث
لم يُتح لأحد فرصة الاستيعاب حتى
و ككماشة محكمة ، انزلقت أصابعه على كتف الرجل
الصلب وذراعه ، تشبّثت بقوّة حتى وصل معصمه ،
ثم بلفّة مفاجئة ، انتزع ذراع الرجل اليمنى إلى الخلف وثبّتها خلف ظهره
وكأنّه يستعرض خدعة سحرية ، ترك يده اليسرى للأسفل قليلًا
— فإذا بالأصفاد تهبط في أصابعه بانسيابٍ مدهش
و بحركة واحدة ، انغلقت أنياب الحديد الباردة على معصم الرجل
و بدفعة قاسية منه جعلت المساعد يترنّح خطوةً إلى
الأمام ، ثم التقط يو شولانغ الطرف الآخر من الأصفاد
وأحكمه حول الإطار الحديدي الذي يستند إليه الشاشة
العملاقة المثبّتة على الجدار
كلّ تلك الأفعال جرت في حركة واحدة متّصلة ،
من بدايتها حتى نهايتها ، لم تستغرق أكثر من دقيقة واحدة
تجاهل يو شولانغ مقاومة المساعد اليائسة ، واعتدل في
وقفته ، و نفض الغبار الوهمي عن كمَّيه بهدوءٍ متعمَّد ،
ثم رفع نظره نحو باي سانمياو، وقد تلألأ فيه بريق بارد وحاد
: “ ماذا… ماذا تنوي أن تفعل؟” ارتجف صوت باي سانمياو
وهو ينظر إلى الباب بطرف عينه ،
يحسب في ذهنه المسافة التي يحتاجها ليهرب ~ ——-
قال يو شولانغ بهدوءٍ قاتل:
“ لقد أخبرتك من قبل — منحتك فرصة لتشرح ، لكنك رفضت ،
وسأعتبر هذا إعتراف منك بأنّ ما حدث تلك الليلة كان من فعلك ….”
جلس من جديد على الأريكة ، حاجزًا طريق الهرب ، وأضاف
بصوتٍ منخفض :
“ والآن ، سأطالب بحقي "
نظر باي سانمياو إليه بنظرة عميقة ، وقد ارتجف فكه قليلًا :
“ تطالب بحقّك ؟
كيف ؟ تريد مالًا ؟”
التفت فان شياو أيضًا نحو يو شولانغ
راقبه وهو يصبّ لنفسه كأسًا أخرى من الشراب
حافة الكأس البلورية لامست شفتيه النحيلة ، والسائل
الكهرماني بلّل الجرح المحمَرّ عند زاوية فمه
قال يو شولانغ بصوتٍ هادئ خال من التردّد :
“ العين بالعين ،
كما فعلتَ بي تلك الليلة ، سأردّها إليك بالطريقة نفسها تمامًا !”
!!!
استدار فان شياو نحوه فجأة —- ،
وقد لمع في عينيه دهشة وارتباك ، واختلط بهما غضب مكبوت
: “ ماذا ؟!” صرخ باي سانمياو وقد تراجع بمؤخرته زحفاً
ثلاث أمتار للخلف : “ ما الذي تقوله بحقّ الجحيم ؟ أنا—”
: “ السيد الثالث ! انتبه لكلامك !” جاء صوت فان شياو حادًا ،
قاطعًا الكلمة التي كان باي سانمياو على وشك التفوّه بها —
' أنا مستقيم ' — قبل أن تخرج من فمه
نهض فان شياو من مقعده ، والتقط هاتف باي سانمياو من
على الطاولة ، وتقدّم نحوه بخطوات هادئة
نظر إليه من فوق وقال بنبرة متزنة:
“ السيد الثالث هاتفك لا يتوقف عن الإضاءة — أجب أولًا ،
اهدأ قليلًا ، ثم نتحدث "
كانت عينا باي سانمياو ملبّدتين بالغضب ، لكنّه لم يتراجع
أمام هيبة فان شياو وضغط حضوره :
“ فان شياو كيف بالضبط نتحدث عن هذا الموضوع ، ها؟
تفضّل — حلّله لي!”
دفع فان شياو الهاتف المضيء في يده — واسم [ شي ليهوا ]
يلمع على الشاشة — ثم وضع ذراعه على مسند الأريكة
وانحنى قليلًا نحوه ، محدّقًا فيه نظرةً مباشرة لا ترمش
قال فان بهدوءٍ مشوبٍ بالتحذير :
“ تحليلي بسيط . قل الحقيقة — هذا سيكون أفضل للجميع .”
كان ظهره مواجهًا ليو شولانغ، فاقترب أكثر من باي سانمياو،
وعيناه ترمشان بإشارة خفيّة —- بنظرة دقيقة جدًا ،
و حرّك حدقتيه كـ إشارة صامتة — تلميح بأن ينظر إلى الهاتف ——
رمق باي سانمياو الشاشة المضيئة بنظرةٍ عابرة ، لكن
الغضب قد أعمى بصيرته ، فلم يكن في مزاجٍ ليجيب على المكالمة
ابتسم فان شياو ابتسامة صغيرة عاجزة ،
حرك شفتيه دون صوت مكوّنًا بضع كلماتٍ أمامه ،
وكما توقّع —— ، رأى في عيني الآخر بريق فهم مفاجئ
اعتدل فان شياو في وقفته ، وقد عاد وجهه إلى جموده
المعتاد ، وقال ببرود لا يخلو من التحذير:
“ السيد الثالث ، وقت الجميع محدود
ألن تشرح ما حدث ؟”
انفجر باي سانمياو نفاذاً للصبر :
“ اللعنة ، لحظة — دعني أرد أولًا "
أجاب على المكالمة ، واضعًا الهاتف بإحكامٍ شديد على أذنه
ظلّت ملامحه خالية من أيّ تعبير —-
وبعد بضع همهمات مختصرة ، أنهى الاتصال ——
رمى الهاتف على الطاولة بارتطام خافت ،
ثم تمدّد بتراخٍ، واضعًا ساقًا فوق الأخرى،
وقد عاد إلى استرخائه المتغطرس المعتاد
: “ حسنًا ، سأعترف — نعم، كنتُ أنا ،
أيّ تعويضٍ تريده ، اطلبه ،
لكن ما ذكرته قبل قليل… لن أقبله أبدًا "
قال يو شولانغ وصوته يقطر كراهية مكبوحة :
“ لماذا فعلتَ ذلك ؟”
ابتسم باي سانمياو ببرود ، وقال دون مبالاة:
“ كنت منتشيًا بتلك المادة ، وكنت أشعر برغبة جنسية شديدة ،
لم يكن هناك أحد في الجوار ..
رأيتك تبدو لائقاً بما يكفي ، فـ… فعلتُ ما فعلت "
قال يو شولانغ بنبرة حادّة كسيف :
“ تحمل مخدرات الإيثر معك دائمًا ؟”
نقر باي سانمياو لسانه بسخرية ، وارتسمت على شفتيه ابتسامة مائلة :
“ تسسسك … هواية شخصية ، لديك اعتراض ؟”
حرّك ساقه بلامبالاة :
“ قل لي، كم تريد بالضبط ؟”
جلس يو شولانغ وهو يسند مرفقيه إلى ركبتيه ،
وقد تشابكت أصابعه بقوة
جسمه كله يشعّ برودة خانقة وهالة من العداء المكبوت
واللامبالاة القاسية
رفع عينيه ببطءٍ شديد ، شبرًا بعد شبر ، وعيناه العميقتان
تومضان بظلال مضطربة كموجٍ يتلاطم ،
يبعث في القلب رجفة
قال بوضوحٍ شديد، مفصلًا كلماته:
“ لا أريد مالًا ...”
صوته منخفض وثابت ، ثم خلع معطفه وبدأ بفك أزرار
أكمام قميصه
تجمّد باي سانمياو في مكانه ،
وساقه المرفوعة توقفت في الهواء
تراجع قليلًا إلى الخلف ، وقد تسلّل القلق والذعر إلى ملامحه
ابتلع بصعوبة ، ورمى نظرة خاطفة نحو فان شياو ثم قال بصوت متوتر :
“ ما قلته قبل قليل غير مقبول إطلاقًا !”
يو شولانغ " هههءء " ينضح بازدراء صريح :
“ اهدأ ،، لستُ حتى قادرًا على لمسِك ، فضلًا عن أن أضع فمي عليك ...”
ثم طوى كمّيه حتى المرفقين وقال بهدوءٍ تام :
“ عشر دقائق فقط ،، سأضربك لعشر دقائق لا أكثر "
قال باي سانمياو مذهولًا وهو يشير إلى نفسه :
“ ماذا… ماذا ؟! أنت تريد أن تضربني ؟!”
لكن قبل أن يتحرك يو شولانغ ، رفع فان شياو يده وأوقفه بلطف
سيجارته تتدلّى بين شفتيه وهو يتمتم بنبرة متراخية ،
لكنها تحمل سلطةً لا تخفى :
“ ارتَاح أنت . سأهتم أنا بالأمر .”
نهض من مكانه ، وخلع معطفه الصوفي
التفت نحو يو شولانغ بابتسامة خفيفة وقال :
“ عشر دقائق ،،، أنت ستتولّى حساب الوقت "
ثم أمسك بياقة باي سانمياو — الذي ما زال في ذهولٍ تام،
وسحبه بقوة إلى الحمّام الخاص الملحق بالغرفة الفاخرة
دوّى صوت الباب وهو يُغلق بعنف — دووم — وبعد
لحظات قليلة ،
تعالت من الداخل أصوات تشبه عويل الأشباح وعواء الذئاب ،
حدّق يو شولانغ طويلاً في ذلك الباب المغلق
ومع مرور الوقت ، بدأت الصلابة الباردة في عينيه تذوب تدريجيًا ،
حتى تلألأ فيهما لمحة دفء خافت ، كضوءٍ وديعٍ يسطع من بين الرماد ،
يتبع
عبارة ' عويل الأشباح وعواء الذئاب ' عبارة مجازية تصف
ضوضاء صاخبة أو فوضوية أو مؤلمة بصوت عالٍ - وغالبًا
تستخدم بشكل فكاهي أو مبالغ فيه للإشارة إلى شخص
يصرخ أو ينتحب أو يصدر ضوضاء مروعة
تعليقات: (0) إضافة تعليق