Ch31 ffb
: “ انتظرني قليلًا فقط ، سأكون جاهزًا حالًا ! "
تردّد صوت فان شياو في أرجاء السيارة المغلقة ،
وعندما وصل إلى أذن يو شولانغ كان يحمل ذبذبة خافتة عميقة ،
: “ لا بأس "
مدّ يو شولانغ أصابعه نحو زرّ النافذة ليخفضها قليلًا ويبدّد
شيئًا من الهواء الخانق ،
لكن انعكاس الزجاج المظلل أوقفه —- ظهر في المرآة
لمحة من لون بشرة عاري —كان فان شياو يربط أزرار
قميصه عند الحلق ،
تراجع يو شولانغ عن فكرته ، فهو يعرف أنّ فان شياو يخشى البرد
في الصباح قد زرر فان شياو بنفسه ، بعد جهد استغرق وقتًا طويلًا ،
والآن انحلّ منها زران ، والرجل الوسيم ذو الشفاه المصابة ( بسبب لكمته )
كان مطأطئ الرأس ، يحاول بأصابعه المتيبّسة أن
يُعيد الأزرار إلى ثقوبها المطرّزة بخيوط فضّية
جَرّب يو شولانغ بيده اليسرى أن يفعل الشيء نفسه في
قميصه ، وبعد ثوانٍ تمتم ساخطًا بصوتٍ منخفض :
“ عديم الفائدة حقاً "
قال فان شياو من دون أن يرفع رأسه :
“ تسسسك !!! إن كنت لا تنوي المساعدة ، فلا داعي للسخرية !!
المدير يو الذي أعرفه قلبه كبير ، حتى الغرباء لا يسلمون من لطفه ،
أمّا أنا… فلا أنال المعاملة نفسها ”
كان فان شياو يتدلل كعادته
يو شولانغ ظنّ أنّه بعدما صارح فان شياو بميوله ، سيُعيد الأخير تقييمه —-
إما أن ينفر منه ، أو يبتعد بحذر ، أو على الأقل يُبقي العلاقة
في حدود اللباقة
وكان يو شولانغ قد توقّع الخيار الثالث ، فهو الأنسب
لشخصية فان شياو واتزانه
وقد تخيّل كيف سيكون الحال حينها— ليس مثالي ، لكنه
مقبول ، وإن كان في داخله شيء من الأسف
{ لكن يبدو أنّني أخطأت التقدير مجدداً ….
منذ ليلة الأمس وحتى هذه اللحظة ، لم يُبدِي فان شياو أي
تصرّف مختلف ،،،
و كلّ شيء كما كان ،
حتى نبرة صوته وسرعة حديثه بقيت كما هي، لا أكثر ولا أقل }
أدار يو شولانغ نظره نحوه ، فوقع بصره على عظمة ترقوة بارزة قليلاً ،
يتلألأ عندها زرّ مرصّع ، يلمع بضوءٍ خافت ،
خلف القماش تتدلّى تعويذة رآها يو شولانغ مرة من قبل—
تمثال صغير لبوذا ذي الوجوه الأربعة ، ملامحه قاسية ومهيبة
هبطت نظرته قليلًا فرأى أصابع طويلة جميلة رغم تيبّسها
كفّ فان شياو عريض ، أصابعه نحيلة العظام واضحة
المفاصل ، وتحت جلده تمتدّ عروق زرقاء خفيفة ،
منظرها يدعو—رغم الإرادة—إلى الرغبة في الإمساك بها
ولم يستطع يو شولانغ أن يمنع ذاكرته من الانزلاق إلى مشاهد البارحة
تلك اليد العريضة تسير على بشرته، تنزلق تحت الغطاء بخفة ،
و تلامس خطوط جسد قوي متين ،
ناعم الملمس ومتناسق التفاصيل— جسد ذكوري كامل ، لا عيب فيه
هزّ رأسه بقوة ليطرد تلك الصور العابرة ، ثم قال بنبرة متزنة :
“ هل ما زلت تحتاج مساعدتي ؟”
توقّف فان شياو للحظة ، ثم رفع رأسه ينظر مباشرةً إلى
الرجل في المقعد الأمامي
عيناه حادتين ، وكلماته صريحة :
“ الميول الجنسية مسألة حرية شخصية ، لا داعي لأن
يضيق صدرك يا مدير يو "
ثم أضاف :
“ أم أنك تشعر بالنقص ؟”
: “ لا "
ابتسم فان شياو قليلًا : “ وأنا أيضًا لا أظنّك كذلك "
تردّد يو شولانغ لثانية ، ثم قال بهدوء :
“ أنا فقط أخشى أن تكون أنت…”
فان شياو تخلّى عن محاولة ربط الأزرار تمامًا ، تاركًا عنقه
الطويل مكشوفًا بلا مبالاة ،
ثم ضحك ضحكة خفيفة :
“ أليس الأمر مجرد كونك مثليًا ؟
يو شولانغ ؟ هل نسيت أين نشأت أنا ؟”
ضمّ كفّيه معًا 🙏🏼 ، وصوته في آخر الكلمة أخذ نغمة ناعمة لينة :
“ ساوااادي خااا ”
كلمة التحيّة التايلندية جعلت الابتسامة ترتسم في عيني الاثنين
مدّ يو شولانغ يده وأخذ من المقعد سيجارة ووضعها في
فمه دون أن يشعلها
قال بصوت خافت مبحوح :
“ تعالَ إلى هنا "
انحنى فان شياو نحوه ، فبدأ يو شولانغ يربط الزرين
واحدًا تلو الآخر بأصابعه الرشيقة
وفي أثناء ذلك، لامست أنامله عن غير قصد التمثال الصغير
ذو اللون الأخضر الغامق المعلّق في عنق فان شياو
شعر ببرودة مفاجئة عند أطراف أصابعه ؛ سطحه خشن
مدبب ، وحوافه حادّة النحت وليست ناعمة أبداً
: “ تمّ الأمر "
قالها يو شولانغ ، ثم ربّت بخفّة على ياقة فان شياو ،
حركة ودّية أقرب إلى تصرف بين صديقين ،
وكأنه يحاول أن يبدّد ما علق في الهواء من تلميحٍ غامض
اعتدل فان شياو ببطء في مقعده ، وتلاشت ابتسامته شيئًا
فشيئًا ، لكن نبرته بقيت متصنّعة خفيفة وهو يسأل:
“ إذًا حبيبتك التي تتحدث عنها… كانت رجلًا ؟”
لم يكن يو شولانغ من الذين يدخنون داخل السيارة ،
فاكتفى ببقاء السيجارة غير مشتعلة بين أصابعه ،
ثم اعترف ببساطة :
“ نعم . كنتُ قد سبّبت لك سوء فهم من قبل "
قال فان شياو بابتسامة صغيرة :
“ لا بأس ، أفهم ذلك "
ردّ يو شولانغ:
“ سأعرّفكما على بعض يومًا ما "
ارتسمت على شفتي فان شياو و عيناه السوداء ابتسامة
مشرقة جذّابة ، وقال ممازحًا:
“ حسناً ، أتطلع لذلك .
لكن بعد أن يلتئم جرحي أولًا ، فأنا لا أريد أن يسألني حبيبك
كيف أصبتُ بوجهي ،
ولا أظن أنه من اللائق أن أقول له أنني تلقّيتُ ضربة لأنني
كنت أعاكس رجله !”
كان يو شولانغ في مزاجٍ جيد ، فلم يبالِ بتعليق فان شياو
الوقح ، واكتفى بابتسامة وهو يقول :
“ انزل الآن ، ستتأخر عن العمل .”
فتح فان شياو الباب بيده السليمة ونزل ،
لكنه عاد وانحنى من جديد نحو المقعد ،
اقترب حتى صارت أنفاسه قريبة من وجه شولانغ،
وقال بصوتٍ منخفضٍ عميق :
“ฉันแทบรอไม่ไหวที่จะดีกับคุณ.”
" لا أطيق الانتظار لمضاجعتك "
تجمّد يو شولانغ لثانية ، حاجباه ارتفعا قليلاً :
“ ماذا قلت؟”
ابتسم فان شياو وقال بهدوء :
“ أتمنى لك يومًا سعيدًا "
ثم وقف مستقيماً يراقب السيارة وهي تبتعد ببطء عن الموقف
وبمجرد أن غابت عن ناظريه ، أخرج هاتفه بيده اليسرى
السريعة وضغط بضعة أرقام
: “ تشن تشن .. مرّ وقت طويل… فلنلتقِ الليلة "
وافق لو تشن على الموعد
———-
وعندما خطا إلى داخل حانة ' كونغي ' التي يغمرها الضوء الخيالي ،
شعر أنّ الأرضية تحت قدميه تتماوج—ليس بسبب مؤثرات الـ3D الواقعية ،
بل من شدّة الحماس والتوتر اللذين يفيض بهما صدره ،
لقد تواصل فان شياو معه مجددًا ، بعد أن اختفى قرابة شهر كامل
وربما لم يكن ' اختفى ' هو التعبير الدقيق ،
لقد تلقّى لو تشن منه هدايا باهظة بين الحين والآخر ،
من بينها حقيبة فاخرة من أحدث الإصدارات ،
لم تكن متاحة حتى لأكثر الناس نفوذًا في دوائرهم الضيّقة ،
حين حملها وتجوّل بها في الأماكن العامة ، شعر للمرة
الأولى أنّه رفع رأسه بفخر
وبمنطق العلاقات المعتاد ، بعد أن تُهدى تلك الهدايا ،
من الطبيعي أن يتبعها اتصالات - عشاء ، موعد غرامي ، ثم،
بطبيعة الحال، ممارسة الجنس معًا
لكن هذه المرة مختلفة —لو تشن تسلّم الهدايا حتى امتلأت
يداه ، ولم يتلقَّى من فان شياو مكالمة واحدة حتى
الاسم [ فان ] المكتوب على بطاقات الهدايا ، بدأ يظن
أحيانًا أنه محض وهم من نسج خياله
ولأنّ فان شياو لم يتصل ، كان هو من يضطر في كل مرة إلى الاتصال
و يخبر نفسه مرارًا وتكرارًا أنّها ليست لهفة ، بل ' مجاملة ' لا أكثر
كان يتم قبول الاتصالات أحيانًا و يتبادلان بضع كلمات خفيفة ،
ثم سرعان ما يُغلق الخط بحجة اجتماع أو رحلة عمل طارئة ،
وفي أغلب الأوقات ، لا يتلقى منه سوى رسالة قصيرة — :
كلمات دافئة ، ناعمة ، توهمه بالعناية والاهتمام ،
لكنها تنتهي دون أي متابعة بعدها ،
لو تشن قد رأى الكثير من القذارة في أوساطهم ؛
أولئك الذين لا يدعون إلى عشاء إلا و أيديهم تطوف على
الفخذين في أول الفرصة
وسط هذا العالم المليء بالابتذال ، بدا فان شياو — بثروته
وسخائه وضبطه لنفسه — وكأنه رجل نبيل يعلو على الجميع
واليوم ، حين تلقّى دعوة منه على غير عادة ، غمره شعور
مزدوج من الدهشة والفرح ،
فاختلق عذرًا سريعًا واعتذر ليو شولانغ عن الموعد الذي
قد رتّبه مسبقًا ،
مشى لو تشن في الممر المضيء بألوان النجوم ، حتى وصل
إلى مقعده المعتاد ،
وهناك ، في زاوية الضوء والظل ، رأى الرجل الطويل الوسيم جالسًا ينتظره
وفي هذه اللحظة ، كان فان شياو يجيب على سؤال مساعده بابتسامة واثقة :
“ بالطبع سيأتي ، من اعتاد أن يُعلّق بين الأمل والانتظار ،
لا يملك سوى أن يطير إليك ما إن تُحرّك له إصبعك "
وما إن انتهى من كلامه حتى وضع يده السليمة بخفة على
كتف لو تشن ، في حركة لطف طبيعية
سأله لو تشن بابتسامة: “ عن ماذا كنت تتحدث ؟”
أجابه فان شياو وهو يقوده إلى الجلوس ، صوته العميق
يحمل نغمة خفية من الدفء :
“ كنت أقول إنني في كل مرة أراك فيها ، أشعر وكأنّ الدنيا
أشرقت أمامي من جديد "
سمع لو تشن في حياته الكثير من كلمات الغزل والمجاملات الفارغة ،
لكنه لم يستطع مقاومة أثر هذه الجملة البسيطة ،
أنزل عينيه ، وارتسمت على وجهه ابتسامة فيها مزيج من
الخجل والرقة — كان يعرف أن هذا هو التعبير الذي يجعله أكثر جاذبية
لكن قبل أن يتمكّن من ضبط ملامحه لتبدو مثالية ،
وقعت عيناه على يد فان شياو المصابة ، ثم رفع عينيه
سريعًا ، وفي الضوء المتقطّع لمح جرحًا عند زاوية شفتي الرجل
سأل بدهشة : “ ما الذي حدث ؟ كيف أصبت نفسك ؟”
ابتسم فان شياو بهدوء :
“ حاولت أن أتصرف كزير نساء ، فانتهى بي الأمر مضروبًا "
تجمّد لو تشن للحظة ، ثم ضربه بخفة على ذراعه وهو يتدلّل :
“ كلام فارغ!”
شرب فان شياو جرعة من النبيذ ، وقال بهدوء :
“ صدقني أو لا تصدق ، الأمر كما قلت "
وحين رأى لو تشن أنه لا ينوي الخوض في التفاصيل ،
غيّر الموضوع بلباقة :
“ يبدو أنك مشغول هذه الأيام يا سيد فان ؟”
أجاب وهو ينظر إلى كأسه :
“ مشغول… ولست مشغول "
ثم رفع عينيه نحوه ، نظرته عميقة كبحرٍ داكن ،
غامرة كأنها تجرّه إلى الأعماق ،
شعر لو تشن بانقباض غريب في صدره ،
حدس يخبره بأن شيئ ما على وشك الحدوث ،
{ هل سيعترف لي فان شياو أخيرًا ؟ }
غمره السرور ، وهزّ الكأس في يده ، فتراقص السائل الوردي
بداخله عاكسًا بريق الضوء — كما لو أن قلبه هو الذي
يخفق ويتلألأ في هذه اللحظة
لا يدري لماذا ، لكن لو تشن فجأة تذكّر يو شولانغ
قبل ثلاث سنوات ، حين كان يُلاحقه بلا جدوى ، وعندما
وافق يو شولانغ أخيرًا أن ' يجربا ' الارتباط ، كان يشعر
بالسعادة نفسها التي تغمره الآن
بل ربّما، في ذلك الحين، كان أكثر سعادة بقليل
أنهى لو تشن كأسه دفعة واحدة ، ثم ابتسم وسأل بنبرة مازحة :
“ وما معنى أنك مشغول ، ولست مشغول في الوقت نفسه ؟”
شفتا فان شياو جميلة ، فتحها قليلًا ليرد ثم أغلقها من جديد ،
وأخيرًا قال ، بنغمة تحمل شيئًا من السخرية الذاتية :
“ مشغول… لأنني أتظاهر بأنني مشغول "
: “ تتظاهر؟” تساءل لو تشن بعد لحظة تفكير :
“ ألأنك لا تريد أن تراني ؟”
ضحك فان شياو بمرارة :
“ كيف يمكن ذلك ؟ فقط… يبدو أنك أنت من لا تملك وقتًا لرؤيتي ”
: “ بل عندي وقت ” أجاب لو تشن بسرعة ،
ثم شعر أن كلامه بدا مباشِرًا أكثر من اللازم ،
فعدّل عبارته مبتسمًا :
“ أقصد أنني مشغول فعلًا ، لكن إن دعاني السيد فان ،
فسأجد بالتأكيد وقتًا لأراك .”
لكن فان شياو لم يرد إلا بابتسامة باهتة فيها شيء من الأسى
ربّت على كتف لو تشن مرتين وقال بنبرة تخفي ألماً خفيفًا :
“ اطلب شيئ آخر تشربه ، سأذهب إلى دورة المياه وأعود "
بقي لو تشن في مكانه بعد أن غادر ، لا يفهم تمامًا ما الذي حدث ،
يملأ كأسه في صمت بينما يدور في صدره خليط من الارتباك والقلق ،
وفجأة ، جاءه صوت خافت من زاوية الأريكة ،
بنغمة صينية مكسّرة لكنها واضحة :
“ في الحقيقة ، السيد فان لديه نزعة تملكّية … شديدة ”
ارتجف لو تشن من المفاجأة ،
ثم التفت نحو مصدر الصوت ——
رأى مساعد فان شياو في الظل ، يكاد يخفيه الظلام —
وفجأة ، فهم كل شيء ——
{ لقد حان وقت الانفصال ….
الانفصال عن… يو شولانغ }
يتبع
✒️ زاوية الكاتبة :
المجنون فان على وشك البدء في ملاحقة شخص معين …
تعليقات: (0) إضافة تعليق