Ch73 ffb
{ لكن الآن…
هذا الرجل الصلب الذي لم يحنَ رأسه يومًا — يتوسّل إليّ ؟! }
شعر تشانغ تشن أن الأمر مضحك إلى حدّ الجنون
{ كل تلك الصعاب ،
وتلك الجبال التي واجهتها وحدي دون أن أشكي ،
والآن حين صار طريق المال أمامي مفتوح ،
يتوسّل مني أن أتراجع ؟ }
احمرّت عيناه ، و صوته يتحشرج من بين أسنانه :
“ يو شولانغ! الربيع أتى ! لم يعد الجو بارد !
وأنت الآن تطلب مني أن أرحل ؟!”
صرخته كانت أشبه بزئير وحشٍ جريح ،
وفي هيجانه العنيف اهتزّ السياج الحديدي فجأة ، فصرخ مذعورًا :
“ آه !”
تبدّل لون وجهه في لحظة ، شحب حتى الزرقة ،
وأصابعه تشبّثت بالحديد بقوةٍ حتى اسودّت أطرافه ،
وبدأ العرق البارد يتجمّع على جبينه ،
وسط شهقات الحاضرين ،
يو شولانغ وحده من أنزل رأسه وضحك بمرارة خافتة:
“ كنت أعلم أن ذلك لا فائدة منه ،
لكنك رفضت تصديقي "
استقرّ السياج بعد لحظة من الاهتزاز ، واتّضح أن الموقف
لم يكن أكثر من فزعٍ عابر ،
لكن تشانغ تشن ازداد اضطرابًا ، وصاح وهو يلهث:
“ يو شولانغ! هل حقًا تريد دفعي إلى الموت ؟! حسناً !
سأريك! سأموت أمامك إن كان هذا ما تريده !”
أطفأ يو شولانغ عقب السيجارة على الجدار الخشن ،
ثم لفّه في منديل ووضعه في جيبه ،
بعدها رفع عينيه نحو أخيه ، و عيناه قاتمة مثل الغيوم
الثقيلة المتراكمة خلفه
أمال رأسه قليلًا ، ونظر إلى أسفل المبنى الشاهق ثم تحدث
ببطء مخيف الهدوء :
“ تشانغ تشن هل تعرف ما الذي سيحدث إن قفزت من هنا ؟
ستسقط لعشر ثوانٍ تقريبًا في الهواء… ثم ترتطم بالأرض ”
لم يُضف أي وصف قاسي أو دموي ،
اكتفى بكلمات مباشرة ،
لكنها كفيلة بأن تخترق القلب كالسهم ،
" لن يكون أمراً جميلاً ”
أشعل سيجارة أخرى ، وسحب منها نفسًا طويلًا ،
خرج مع الزفير باردًا باهتًا كظله ، ثم قال:
“ أوه، صحيح… لقد وضعوا وسائد إنقاذ في الأسفل ..” أشار
بذقنه نحو الأسفل بنبرةٍ باردة :
“ يمكنك أن تسأل رجال الإطفاء هنا، هل تظن أن وسادة
يمكن أن تنقذك من هذا الارتفاع ؟”
ازدادت ملامح تشانغ تشن شحوبًا ،
حتى بدا وكأنه فقد الدم من وجهه :
“ تحاول تخويفي ؟!
تقول إن منظري سيكون قبيحًا إن سقطت ، وماذا بعد ؟
أتظن منظري سيكون أفضل إن لم أقفز ؟!
لو انكشف أمري في تلك القضية ، فلن أجد مكانًا أعيش فيه ،
لا في هذا المجال ولا في أي دائرة أخرى !
لا يمكنني الفرار !
أنا بحاجة إلى أن أكون نظيفًا تمامًا !”
ارتجّ جسده مجددًا ، والقدم المعلّقة في الهواء بدأت تتحرك بعنف لا إرادي:
“ هل تعرف كم تعبتُ خلال هذه السنوات ؟ كم عانيت ؟!
لم أواعد فتاة حتى ، أتدري لماذا ؟
لأنني لا أريد أن أُدخل أحدًا في هذا الجحيم معي ،
ولا أريد لأولادي أن يعيشوا البؤس الذي عشته !
لقد سئمت هذه الحياة اللعينة ! ”
شهق ثم صاح ، وصوته يتكسر بين الرجاء والغضب :
“ يو شولانغ أتوسل إليك ! أرجوك ، من أجل أمي — تلك التي
أنقذتك وربّتك ، أرجوك ساعدني مرة واحدة فقط !
إن كنت لا تبالي بأي رابطةٍ بيننا…
فليس أمامي اليوم إلا أن أقفز من هنا !”
بعد أن أنهى تشانغ تشن تهديده ، استدار شولانغ ، وأسند
مرفقيه إلى السور الحديدي
ناظرًا نحو الأفق البعيد الذي غطّته غيومٌ رمادية متراكمة ،
كأنه يرى في امتدادها وجهًا ناعم الملامح لا يملّ النظر إليه
قال بصوت هادئ ، أقرب إلى الهمس :
“ تشانغ تشن أنت لا تكفّ عن ذكر أمّنا…
لكن لو كانت ما تزال على قيد الحياة ، ما كانت لتوافق أبدًا
على ما تفعله الآن "
تباطأ نبرة صوته بشكل ملحوظ : " كان الجميع يصفون أمي
بالغبية ، لكنها كانت أرحم وأذكى امرأة في هذا العالم ،
أي أمرٍ معقد كان يتحوّل عندها إلى شيءٍ بسيط جدًا —
العائلة يجب أن يبقون معًا ، سعيدين و لا يفرّقهم شيء .”
التفت إليه ، وعيناه تقعان على أصابع أخيه المتشبثة بالسياج :
“ الآن سأقولها لك بوضوح ، لن أحقق ما تريده .”
وصوته ، على هدوئه ، كان كحدّ السكين :
“ وإن قررت القفز… فلن أوقفك .”
صُدم تشانغ تشن ، اتسعت عيناه ، لكن يو شولانغ استمر
بنبرةٍ ثابتة كأنه ينطق بالقدر :
“ لقد عاشت أمّنا وحيدة كل تلك السنين ، ربما آن أوان أن
تجد من يؤنسها ،
اذهب ، رافقها قليلًا ،
أما أنا ، فلا أملك مالًا كثيرًا ، لكنّي سأضمن أن يكون لك قبر إلى جوارها ،
وسأشتري المقبرة التي بجانبكما أيضًا… و حين يحين أجلي ،
سأجيء إليكما ،
وإن لامتني أمّنا، سأركع أمامها وأطلب الصفح ، ولتُعاقبني كما تشاء .”
أخذ نفسًا عميقًا من سيجارته التي انطفأت منذ زمن،
فلم يجد فيها سوى طعم الفراغ،
وقال بنغمة محبطة :
“ هيا ، قرّر بسرعة يا تشانغ تشن . الجميع هنا تعبوا .”
كلماته امتدّت في الهواء كصفعة باردة صافية ، ثم خيّم الصمت
ومن بين الواقفين في الخلف ، خرج صوت شخير خافت
: “ تسسسسك ،،، يجب أن أعترف
لقد أصبحت معجبًا جدًا بيو شولانغ "
كان المتحدث هو شي ليهوا —- نظر إلى الشخص الواقف بجانبه بزاوية جانبية وقال:
“ اتضح أنه ليس ذلك القديس الذي يتحدث عنه البعض…
الذي يُحب بلا حدود ، بلا كرامة .”
الرجل الذي يقف بجواره كان طويل القامة ، ساكنًا في الظل،
يراقب المشهد بصمت
الضوء الآتي من زاوية السطح لامس وجهه ،
فكشف ملامحه المتصلّبة دون أن يبوح بما يدور في داخله
ملامحه تتبدّل في لحظات — مرة قاتمة مليئة بالشرر ،
و مرة مشوبة ببريق غريب من الاعتزاز ،
كأنه يرى في الموقف ما يخصه شخصيًا ،
ما يستفز فيه شيئًا دفينًا ،
لم يكن من السهل قراءة ما يشعر به
إلى أن رمقه شي ليهوا بنظرة جانبية أخرى وقال ببرود لا يخلو من الصراحة :
“ بصراحة ؟ يو شولانغ يستحق أفضل من هذا "
كانت الجملة كخنجر صامت انغرس في صدر الرجل الواقف
إلى جواره — فان شياو
كان شي ليهوا لا يزال يحمل ضغينة منذ المرة التي تشاجر
فيها فان شياو معه،
فاختار أن يقول كلمته هذه أمامه
عندها فقط ، رفع فان شياو بصره عن يو شولانغ، موجّهًا
نظره الحادّة نحو شي ليهوا
قال بصوت خافت :
“ ما الذي قلتَه؟”
شعر شي ليهوا ببرودة تسري في جسده ، فابتسم بتوتّر ،
رافعًا كتفيه بتصنّع اللامبالاة :
“ اعتبر أني لم أقل شيئ "
لكن حين لم يتحرك فان شياو ، أضاف باستخفاف نصف خائف :
“ قلتُ إنّ شخصًا رائع مثله يجب أن يكون في يد رجل نبيل مثلك يا سيد فان ؟ أهذا مناسب ؟
لتدمّره ببطء أليس كذلك ؟”
عندها أبعد فان شياو نظره عنه، وأعاد بصره إلى يو شولانغ
فك فان مشدود ، وتفاحة حلقه ترتجف ،
يخفي اضطرابه خلف قناع من البرود ،
قال فان شياو بنبرة حادّة :
“ تشانغ تشن هذا… يريد أن يدمّر يو شولانغ "
ضحك شي ليهوا بخفّة ملتوية :
“ ألم تكن أنت من يحاول فعل الشيء نفسه ؟”
ارتجفت عينا فان شياو ، وكأن قلبه توقّف لحظة عن النبض
تراجع خطوة صغيرة للخلف ، وكأن الأرض قد فقدت ثباتها تحته
لكن شي ليهوا لم يصمت ، بل تابع كلامه بخبث هادئ :
“ يبدو أن حيلتك الأخيرة لم تنجح يا فان شياو "
صرخ فان شياو بحدة مضطربة :
“ لم أقل له أن يقفز !
هو تصرّف من تلقاء نفسه ذلك الأحمق !”
رفع شي ليهوا حاجبيه بدهشةٍ مصطنعة:
“حقًا ؟ ألم تخطط لذلك ؟ عجبًا…”
ثم هزّ رأسه بخفةٍ ساخرة، وقال بنبرة لاذعة:
“ لكن بعد أن استخدم حيلة الانتحار ولم ينجح ، أظن أن
مديرك يو لم يعد قابلًا للعودة إليك بعد الآن ”
في هذه اللحظة ، تجمّد جسد فان شياو تمامًا ——
الظلمة في عينيه ازدادت عمقًا ،
حتى بدت كبحرٍ مظلمٍ يتلاطم في صمتٍ مميت ،
وببطء ، رفع يده إلى جيبه ، يلمس هاتفه بإحكام ،
قابضًا عليه كمن يتمسّك بآخر خيطٍ للسيطرة على نفسه ….
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق