Ch87 ffb
أشجار الصفصاف الخضراء المحيطة بروضة الأطفال تتدلّى
أغصانها اللينة في الهواء ،
تهتزّ مع النسيم بخفةٍ تشبه الخيوط الحريرية المتمايلة ،
أوصل يو شولانغ الطفل تيانتيان إلى باب الروضة ،
وظلّ واقفًا يراقبه حتى دخل مع المعلّمة ،
وقبل أن يغيب عن نظره ، أطلّ الصغير من الباب ، ولوّح
بيده وهو يصيح بصوتٍ رنان:
“ وداعًا عممممي ! ”
حينها فقط، شعر يو شولانغ أنّه أتمّ بنجاح جميع طقوس
الدخول إلى الروضة ، وبدأ تيانتيان يومه الجديد بسعادة وحماس
لم يجرؤ يو شولانغ على البقاء طويلًا خارج البوابة ،
فذاكرته ما زالت تحتفظ بتجربة محرجة حين أحاطت به
الأمهات والجدّات اللواتي كنّ يُوصلن أطفالهنّ،
وسألن عن حاله ، وما إن أجاب بصراحة أنه “ غير متزوّج ”
حتى انهالت عليه ثلاثة أو أربعة عروض للزواج في يومٍ واحد
على طول الطريق ، كانت أشجار الصفصاف تتمايل
كالأمواج الخضراء ، تتلامس مع كتفيه كأنها تودّعه ،
وتترك عليه هديّتها الصغيرة — زغب الصفصاف الأبيض المتطاير
يو شولانغ يرتدي اليوم سترة خفيفة سوداء ،
فبدى الزغب الأبيض الملتصق بقماشه أكثر وضوحًا ،
وبينما يسير وينفضها عن كتفيه بخفّة ، دخل صدفةً إلى صيدلية قريبة
بعض الأدوية المنزلية قد انتهت صلاحيتها ، ومنذ أن صار
تيانتيان يعيش معه ، صار يو شولانغ لا يترك شيئ للصدفة ،
ويحرص على استبدال أي دواء منتهي فورًا ،
ذكر أسماء الأدوية للصيدلانية ، وبينما الأخيرة تبحث عنها،
تسلّل فضوله المهني القديم ، فاتجه نحو الرفوف يتفقّد المنتجات
شراب زهور العسلة قد طُرح حديثًا في السوق وحقق رواجًا جيد ،
والتقرير المالي للربع الأول وصل بالفعل إلى مكتب هوانغ تشيمين ،
ويبدو من ملامح سروره في الأيام الأخيرة أن الأرباح فاقت التوقّعات ،
سقوط برج شركة فان العملاق أثّر بطبيعة الحال
في فين فنغ للاستثمار —- وقد تمّ استدعاء فان شياو للتحقيق ،
بينما تولّى العجوز شو تشونغ الإدارة بالنيابة —- أُرسلت
الحسابات إلى الجهات المختصّة للتدقيق ، ولم يُكتشف
فيها أي تلاعب ، لكن توقف تدفّق التمويل أجبر الشركة على
تجميد مشروعين جديدين —-
لحسن الحظ كان تمويل مشروع زهرة العسلة قد أُنجز
مبكرًا ، فلم يتأثر كثيرًا ——-
ومع أن العجوز شو تشونغ لم يُحب فان شياو ، إلا أنه اعترف
بنجاح الخطة التسويقية التي وضعها الأخير ،
واستمرّ في تنفيذها حرفيًا ، فجاءت النتائج على قدر التوقّعات ——
طرد يو شولانغ الأفكار المتشابكة من رأسه ،
وأخذ علبة من منتج منافس للمشروع الجديد ،
وقبل أن يتفحص تركيبها ، سمع خلف الرفّ حركة خفيفة
خلف الستارة التي تفصل المخزن ——
توقع أنه زبون أخر ، فلم يرفع رأسه
الصيدلية صغيرة ، لا يتجاوز عدد العاملين فيها ثلاثة
أشخاص ، ومع ذلك هرع الجميع فجأة نحو الباب —-
حتى الفتاة التي كانت تُحضّر له الدواء انساب المعطف
الأبيض في الهواء وهي مسرعة إلى الخارج
تداخلت أصوات الفتيات بنغمة متحمّسة ،
تتحدث إحداهن قائلة : “ فان غااا جئت ؟”
وأخرى تسأله : “ حرّان ؟ عطشان ؟”
لكن مقابل حماسهن — جاء الجواب هادئ ، ثابت ،
وبصوت منخفض عميق يحمل ابتسامة خفيفة
: “ الجو اليوم ليس حارًا ، لا حاجة للماء ،
جئت فقط لأجمع بيانات المبيعات ،
سأسجّل الأرقام وأرحل "
كان ذلك الصوت البارد الرزين —-
الذي كاد يو شولانغ ينساه — صوت فان شياو
من خلف رفّ الأدوية صدر صوت خافت ، فالتفت فان شاو
نحو مصدر الصوت ،
ولم يرَى سوى صفوف مرتبة من العلب ،
ولمحة من قماش داكن بين الفواصل
استدار ونزع خوذته ، ومسح شعره القصير بحركة اعتيادية ،
وصوته يحمل لمحة دافئة من البعد والاتزان
قال بهدوء :
“ كيف مبيعات الأصناف الجديدة التي أُضيفت هذا الأسبوع ؟
وهل استفدتم من المعلومات التي أخذتوها في التدريب الأخير ؟”
تجاوبت أصوات الفتيات متقاطعةً بالحماس ،
وبين ثنايا صوتهم المرح يمكن تمييز خربشة قلم يدوّن
الملاحظات في فترات الصمت القصيرة
ولم تكد تمرّ ثلاث دقائق حتى أُغلق الدفتر ،
وأعلن فان شاو انتهاء الحديث ،
أخرج من جيبه كمية من الحلوى الملوّنة ،
ولوّح بها مبتسمًا:
“ أحدهم أعطاني هذه … تفضلوا ، أرد لكم الجميل "
وفي جوٍّ من الضحكات والامتنان ، ارتفع ستار الباب مرة
أخرى ثم سقط ، متأرجحًا لثلاث أو أربع مرات ثم عاد الهدوء
عندها فقط ، تذكّرت الفتاة التي كانت تُحضّر الدواء الزبون
الوسيم الذي ينتظر عند الرفّ
نادته مسرعة :
“ سيدي ! سيدي !”
بعد عدة نداءات ، عاد الزبون الوسيم إلى وعيه ،،
أسرعت تمدّ إليه الدواء قائلة بابتسامة مرتبكة :
“ عذرًا على التأخير ، هذا دواؤك .”
نظر يو شولانغ إلى الستارة التي ما تزال تتحرك قليلًا ،
ثم أومأ برفق ، ووضع في يدها العلبة التي كان يمسكها وقد
انبعجت أطرافها من الضغط :
“ احسبي هذه أيضًا ، سأدفعها مع الفاتورة .”
تجاوز الرفّ متجهًا نحو صندوق الدفع ، وقدّم هويته بدلاً من بطاقة الدفع ،
ذكّرته الموظفة ، فاستبدلها
وخلال انبعاث الصوت المألوف للطابعة وهي تعمل
زِزّ… زِزّ…،
امتزجت به فجأةٍ نغمةٌ رقيقة لاصطدام خرزٍ بلاستيكي ببعضه
ارتفع ستار الباب مجدداً ، ودخل مع نسيم أيار خيال طويل القامة
فان شياو : “ نسيت أن آخذ المفاتيح—”
بمجرد أن سمع الصوت ، التفت يو شولانغ غريزيًا ،
فالتقت عيناهما
لم يعد يفصلهما رفوف ولا ظلّ ، فقط مواجهة صريحة
الوجه نفسه ، بتقاطيعه الحادّة المهيبة التي تمنح إحساسًا بالهيمنة
لكن قصة الشعر القصيرة أضافت إليه لمحة من العناد الجامح
لكنّ العينين ظلّتا كما هما، عميقة لطيفة ،
والابتسامة الخفيفة على الشفاه توزّن حدّة ملامحه ،
فلا هي زائدة في المودة ، ولا متكلفة في البرود
استمرّت الطابعة في عملها ، وكأن الزمن انكمش فجأة
وابتلع المسافة بين الماضي والحاضر
في هذه اللحظة ، خُيّل ليو شولانغ أنه عاد إلى مايو قبل عامين ،
إلى تلك السيارة التي انخفض زجاج نافذتها ببطء ،
والنسيم الدافئ المنبعث منها يغمر وجهه ، وذلك الرجل ،
فان شياو —- يبتسم بعينين لطيفة … يدخل حياته بلا استئذان
وخزٌ خفيف في القلب
الصيدلية صغيرة ، والمسافة بين الصندوق والباب لا تتجاوز
خطوتين أو ثلاث
رأى يو شولانغ على وجه فان شياو تدرّج المشاعر :
من الصدمة إلى السعادة إلى الحرج المضطرب
انتهى طنين الطابعة أخيرًا ، ومدّت الموظفة كيس الدواء في
اللحظة نفسها التي مدّ أحدهم مفتاح لفان شياو
تسلّم يو شولانغ الكيس، بينما احتاج فان شياو إلى يتم ندائه مرتين ثم مدّ يده أيضاً
وبعد أن شكرها بصوت خافت ، تقدّم يو شولانغ نحو الباب
بضع خطواتٍ فقط فصلت بينهما — بين نسيم عابر وزغبِ
الصفصاف المتطاير — حتى صار في مواجهة فان شياو مباشرةً
رفع رأسه قليلًا ، وأومأ بابتسامة مهذبة ،
كما يفعل دائمًا مع أيّ غريب تتقاطع معه النظرات ،
ثم قال بنبرة ودودة هادئة :
“ مرحبًا "
لكنّ حين مرّ بجانبه ، حرص بكلّ ما أوتي من حذر أن يتجنّب
فان شياو الذي كان يسدّ نصف الباب بجسده الطويل
رفع إحدى ساقيه ليخطو خارج العتبة ،
و أشعة الشمس في الخارج تخترق عينيه حين فُوجئ
بقبضة قوية تمسك بمعصمه
عبس بحاجبيه والتفت إلى فان شياو :
“ هل هناك ما تحتاجه ؟”
صمت فان شياو لحظة ، ثم حرّر قبضته ببطء ،
وأخرج من جيبه بطاقة أنيقة ، مدّها أمام يو شولانغ وقال
بصوت متماسك خالٍ من الانفعال :
“ أنا فان شياو … مندوب أدوية شركة كانغدا للأدوية ،
إذا كان لديك أي استفسارات بشأن شراء أو استخدام
منتجات شركتنا ،
يمكنك التواصل معي مباشرةً ، و سأقوم بالرد في أقرب وقت ممكن "
أنزل يو شولانغ نظره إلى البطاقة التي امتدّت أمامه —
[ فان شياو ، المندوب الطبي الميداني لشركة كانغدا
للأدوية المحدودة ]
مندوب طبي : وظيفة متواضعة ، يقوم بالترويج للأدوية في
الصيدليات والمستشفيات ، بلا راتب ثابت ولا مزايا ،
تعتمد على العمولة فقط — أدنى درجات السلم في هذه المهنة
رفع يو شولانغ بصره قليلاً ، فرأى قميص العمل الرخيص،
والحذاء البالي ، صورة بعيدة كلّ البعد عن الرجل الذي كان
يضع أزرار أكمام الماسية تساوي أكثر مو عشرة ألاف يوان
فقط ساعته القديمة على معصمه بقيت شاهدة ،
تركت على بشرته السمراء أثراً أفتح من لون جلده ،
كأنه أثر عن حياةٍ مضت ،
أبعد يو شولانغ نظره ، ولم يمدّ يده لأخذ البطاقة :
“ أنا لا أستخدم أدوية كانغدا، فلا داعي للاحتفاظ ببطاقتك "
ثم خطا بقدمه الأخرى خارج الباب ،،
وأضاف بنبرةٍ ثابتة لا تحتمل الجدل :
“ أدوية كانغدا أسعارها مرتفعة وفعاليتها ضعيفة ،
لم أخترها في الماضي ، ولن أختارها في المستقبل .”
وبعد أن أنهى كلامه ، استدار ومضى دون أن يلتفت ،
تاركًا خلفه الباب يتأرجح ببطء والستارة تتماوج بينه وبين
فان شياو ، تخفي ملامحه خلف نسيج خفيف لا يبوح بشيء
لم يدرِي كم سار على الطريق ، تحيطه ظلال الصفصاف المتراقصة ،
حتى سمع هدير دراجة نارية يقترب من خلفه ،
متجاوزًا محطة الحافلات التي قد فات موعدها ——
ارتفع الصوت تدريجيًا ، أقرب فأقرب ، حتى توقف تمامًا إلى جانبه
على جانب الطريق المظلّل بالأشجار ،
الدراجة النارية ليست جديدة ولا بالية ،
وزيّ العمل ليس فاخرًا ،
لكنّ القامة الطويلة المتناسقة لصاحبها أضفت على
المشهد جاذبية متمرّدة لا تخطئها العين
أسند فان شياو إحدى ساقيه إلى الأرض ، ورفع خوذته
واضعًا إياها في ذراعه ،
ثم مال بجسده قليلًا نحو شولانغ ، وعيناه تلمعان تحت
شمس مايو المتكسّرة بين الأغصان
تدلّت أغصان الصفصاف فوق وجهه ، داعبت وجنته ،
فابتسم دون أن يبعدها
رفع يده ببطء نحو شولانغ
وحين تراجع متجنّبًا لمسته ،
مدّ فان شياو أصابعه بثبات والتقط عن سترته السوداء زغبَ
صفصاف أبيض صغير ،
سحب فان شياو يده ببطء ، وقال بصوتٍ رقيق كنسيم
يلامس الصفصاف :
“ لا تخف مدير يو جئت فقط لأخبرك أنه حتى وإن كنا نعيش
في المدينة نفسها ، فلن أعود لأزعجك بعد الآن
عش حياتك بسلام ، واعتبر أنّنا لم نلتقِ اليوم أبداً .”
ثم وضع الخوذة على رأسه ، وأدار محرّك الدراجة
في هديرها العميق ، التفت للخلف ونظر إلى شولانغ:
“ لكن ، إن حدث يومًا وتردّدتَ قليلاً ، فاعلم أنّني حاضر في
أيّ وقت "
لفّ معصمه ، فازداد هدير الدراجة علوًّا ،
وانطلقت نحو الأمام ، تُثير خلفها زوبعة صغيرة من زغب
الصفصاف المتساقط على الطريق
⸻
منذ أن أصبح تيانتيان في حياته ، نادر دخّن يو شولانغ ،
يسكن في شقة صغيرة قريبة من معهد الأبحاث ،
في أطراف المدينة ، ضمن بناية قديمة ، ولهذا كانت
الإيجارات زهيدة
غرفةٌ وصالة ، وشرفة ضيّقة ، لا أكثر
لكنّها كانت كافية لهما
لكن منظر الشرفة ليس جميل ،
جدار رمادي وبضعة أسلاك ، لا شجر ولا عشب ،
فقط شيء بسيط من السماء يمكن رؤيته ،
وفي هذه الليلة ، علّق القمر صدفة في هذه المساحة الضيقة ،
تنساب أنواره الفضية لتختلط بدخان السيجارة الأبيض المتصاعد ببطء ،
تيانتيان قد نام ، بينما اتكأ يو شولانغ على سور الشرفة ،
يدخّن بصمت ، سيجارةً تلو الأخرى
وحين احترقت نصف الثانية ، رفع هاتفه أخيرًا ،
وبحث عن تلك الفضيحة الطبية الكبرى التي هزّت الدولة
المجاورة قبل عام ….
أدى البحث بالكلمة المفتاحية إلى ظهور العديد من المقالات ،
فاختار إحداها تبدو أكثر تفصيلاً وفتحها
جوهر القضية تمحور حول تزوير الأدوية وبيعها،
لكنّ خيوطها كانت متشابكة ومعقّدة
فقد مضى على وقوعها أكثر من عشرين سنة ،
ومات كثيرٌ من الشهود والمشاركين ،
حتى لم يبقَى سوى الأب — والد فان شياو — الذي أُدين
حينها وحُكم عليه بالسجن المؤبّد
أما أبناء عائلة فان الثلاثة :
فالثاني ، فان يو ، سُجن ثلاث سنوات ؛
والأكبر ، فان بو ، بسبب تعويضاته السخية ورضا الشركة
المتضرّرة ، حُكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ ،
انزلق إبهام يو شولانغ على الشاشة إلى الأسفل ،
حتى وضل نهاية المقال —
لكنّه لم يجد أيّ معلومات لفان شياو ——
يتبع
لقيت صور حلوه لشجرة الصفصاف وماقدرت اتجاهل :
من اول نفسي اشوف السيجاره التايلنديه ، لقيت صورة لها امس من الدراما :
وبعدها ؟ طببببببعاً كملت وجمعت مقاطع هيهيهيهيهييهي :
تعليقات: (0) إضافة تعليق