القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch54 | رواية سيف بارد على ازهار الخوخ

 Ch54



استيقظ لين روفي في اليوم التالي مع صداع ثقيل نتيجة السُكر و بالكاد فتح عينيه حتى شعر وكأن رأسه ينقسم إلى نصفين غطى رأسه بيده وهو يتأوه بصوت منخفض وظل طريح الفراش لفترة طويلة غير قادر على النهوض.

تنهد غو شواندو من جانبه وقال: “شياو جيو ، شياو جيو ، إذا لم تستمع لكلامي ستعاني.” 


مع ذلك جلس بجانبه ووضع رأس لين روفي في حضنه وبدأ بلطف بتدليك صدغيه المؤلمين.

كان الضغط يُشعر لين روفي بالنعاس وبدأ يشتكي بصوت خافت من شدة الألم في رأسه.

قال غو شواندو بنبرة هادئة: “قلت لك إن النبيذ قوي ، لكنك لم تصدقني.”

تذمر لين روفي: “هذا لأن نبيذك كان عطريًا جدًا لم أستطع مقاومته.”

ضحك غو شواندو وقال: “والآن أصبحت المشكلة مشكلتي؟”

ظل غو شواندو يدلك رأسه لبعض الوقت مما خفف من التورم والألم بشكل كبير بعدها نهض لين روفي ببطء من الفراش ونادى فو هوا لأنه كان يشعر بالجوع.

عندما لاحظت فو هوا تأخر سيدها في الاستيقاظ كانت قلقة ولكن عندما سمعت أوامره تنفست الصعداء لكنها لاحظت رائحة الكحول التي لم تتبدد بعد في الغرفة وسألته عن سبب شربه.

أجاب لين روفي: “لم أستطع النوم بالأمس لذلك شربت قليلًا.”

قالت فو هوا بقلق: “لكن عليك أن تشرب أقل ، يا سيدي ما زلت تسعل وهذا النبيذ حار وجاف وقد يُثبط تأثير الدواء.”

هز لين روفي رأسه موافقًا وقال إنه يفهم ولكنه ظل مستلقيًا بلا حراك نادمًا على الكأس الزائد الذي شربه الليلة الماضية لكنه فكر لاحقًا أنه إذا أخرج غو شواندو قنينة النبيذ مرة أخرى فمن المحتمل أنه سيطلب منه صب نصف كأس آخر.

الإنسان ، دائمًا ما يعيش في تناقض.

أحضرت فو هوا الطعام وحساءًا مخصصًا للتخفيف من آثار السُكر وبعد أن انتهى لين روفي من تناول طعامه طلبت من يو روي إحضار الدواء المغلي.

نظر لين روفي إلى الدواء متجهمًا لكنه وتحت أعين خادميه الصارمة لم يكن أمامه خيار سوى أن يضغط أنفه ويشرب الدواء دفعة واحدة تمتم لنفسه أنه لم يكن يعلم ما إذا كان هذا الدواء فعالًا حتى لو شربه كل يوم كانت فو هوا ويو روي تبتسمان بصمت على الجانب.

بعد غسل سريع وترتيب بسيط قرروا أخيرًا مغادرة قرية عائلة فو.

لكنهم عندما وصلوا إلى الباب مع عربتهم وجدوا فو شوي ومعه عدد كبير من أفراد عائلته يقفون هناك بانتظارهم عندما رآه، أسرع بتحيته قائلاً: “لين غونغزي…”

لم يكن لدى لين روفي أي انطباع جيد عن فو شوي أومأ برأسه ببرود دون اهتمام.

كان الطقس حارًا ولم يعرف لين روفي كم من الوقت قضى فو شوي منتظرًا هناك إذ كان رأسه مغطى بالعرق الغزير سأل فو شوي بقلق: “لين غونغزي ، هل رأيت أخي؟”

رد لين روفي: “لا.”

قال فو شوي: “بالأمس طلب مني السيف وسمعت من الخدم أنه ذهب إلى غرفتك ، لم أره يخرج مرة أخرى.”

أجاب لين روفي ببرود: “غادر مستخدمًا سيفه.”

صُدم فو شوي وقال: “غادر؟ كيف غادر؟” 

تابع بتوتر: “عندما علمنا بعودته أعددنا مأدبة لاستقباله بشكل لائق كيف يغادر هكذا؟”

تساءل لين روفي ببرود: “لماذا غادر ، هل تسألني أنا؟”

ابتسم فو شوي بتوتر وقال: “رغم أن أخي غاضب مني إلا أننا في النهاية عائلة إذا كان هناك خطأ طالما أنه يذكره يمكننا تغييره.”

قال لين روفي بلا اكتراث: “أنا لست أخاك ، لماذا تتحدث معي عن هذا الأمر؟” 

وأظهر بعض الضيق وهو يلمح لفو هوا بعينيه.

فهمت فو هوا الإشارة ورفعت سوطها بقوة ، مما أصدر صوتًا حادًا لكن فو شوي تقدم فجأة وأوقف العربة بجسده

وهو يصرخ: “لين غونغزي، أرجوك أنقذ عائلتنا بدون أخي لن نستطيع البقاء من أجل شيوخ وأطفال هذا البيت أرجوك أخبرني أين هو أخي! إنقاذ حياة واحدة أعظم من بناء سبع طبقات من الباغودا لين غونغزي نحن عائلة فو عشرات الأشخاص نتوسل إليك!”

ركع فو شوي وبدأ بالبكاء ، ومعه مجموعة من الشيوخ والأطفال خلفه مما خلق مشهدًا مؤثرًا.

فهم لين روفي الآن أخيرًا سبب مغادرة فو يو بصمت إذا علمت عائلته بالأمر فلن يستطيع المغادرة أبدًا.

لكن فو يو كان فردًا من عائلة فو وربما شعر بأنه مضطر لإبداء الاحترام للعائلة أما لين روفي فلا علاقة له بهم ولم يكن ليدع فو شوي يفرض عليه شيئًا.

فجأة شعر فو شوي بقشعريرة تسري في جسده، وشيء ما يتساقط على كتفيه عندما نظر أدرك أن لين روفي قد سحب سيفه وقام بقص شعره الذي كان قريبًا من فروة رأسه.

نظر فو شوي برعب إلى لين روفي الذي قال ببرود: “هذه المرة تحذير فقط إذا تجرأت على التحدث بكلمة أخرى فالمرة القادمة سيكون عنقك هو الذي يتضرر.”

تحول وجه فو شوي إلى شاحب وسقط أرضًا مذعورًا من شدة البرود في كلمات لين روفي أما البقية فقد أصيبوا بالخوف الشديد وتراجعوا.

وبدون تغيير في تعابيره أشار لين روفي بيده وفورًا رفعت فو هوا سوطها وأطلقت العربة بسرعة تاركةً خلفها أفراد عائلة فو مذهولين وممتقعي الوجوه.



لم يدرك لين روفي السبب وراء تصرف عائلة فو تجاههم بهذه الطريقة إلا بعد أن غادرت العربة أراضيهم فقد تبيّن أن المحاصيل الخضراء المورقة التي غطت الأراضي سابقًا قد ذبلت تمامًا بين ليلة وضحاها بدون تشكيل جمع الروح ومع غياب فو يو كمركز لهذا التشكيل لم تستطع المحاصيل أن تصمد حتى ليوم واحد وهكذا عادت قرية عائلة فو لتصبح أرضًا ملحية قاحلة لا تنبت فيها الأعشاب ولكن هذه المرة لم يكن أحد يعلم كم من السنوات سيمر قبل أن يظهر شخص آخر مثل فو يو.

لا، ربما لن يظهر أبدًا فكر لين روفي ليس فقط في قرية عائلة فو بل في العالم بأسره قد لا يجدون شخصًا آخر مثل فو يو.

ربما أدركت يو روي أن مزاجه لم يكن جيدًا فبدأت تتحدث عفويًا عن المكان التالي الذي سيزورونه قائلة إن البلد الذي سيذهبون إليه كان مذهلًا جدًا حيث يعج بالمعابد في كل مكان.

سألها لين روفي عرضًا: “معابد؟ هل يؤمنون بالبوذية؟”

ردت يو روي: “لا، لا يؤمنون ببوذا بل يؤمنون بحاكم السماء.”

كان اسم “حاكم السماء” مألوفًا في جميع القارات وقد قرأ لين روفي الكثير من القصص عنه في الكتب ولكن معظم تلك القصص كانت تحمل لمسة من الأساطير مثل قطع التنين وغيرها لم تبدُ تلك الحكايات حقيقية تمامًا.

قالت يو روي: “يجب أن يكون السيد قد سمع باسم هذا البلد.”

سأل لين روفي: “ما اسمه؟”

أجابت يو روي: “داجينغ.”

داجينغ. بالفعل سمع لين روفي عن هذا البلد ولكنه لم يكن يعرف الكثير عنه في الوقت الحالي كانت قارة ياوغوانغ مقسمة إلى أربع مدن ورغم وجود بعض الاحتكاكات البسيطة إلا أنه قيل إنه لم تحدث أي حروب كبيرة منذ سنوات عديدة وكان أغلب ممارسي فنون الخلود يبتعدون عن النزاعات الدنيوية إذ لم يعد بإمكانهم الحصول على مكاسب تُذكر منها.

فالمقارنة بين المال والسلطة والمصالح الشخصية الطريق الوحيد الذي يمكن أن يسلكوه هو طريق الحياة الأبدية فبعد كل شيء، يعيش البشر لعشرات السنوات فقط ومهما بلغت قوتهم في النهاية سيكون مصيرهم القبور.

بالطبع هناك بعض الممارسين الذين لم يتمكنوا من رفع مستوى زراعتهم فيتم توظيفهم من قبل الدولة وفي أوقات الحرب، يلعب هؤلاء دورًا حاسمًا فالممارس ذو المستوى الخامس مثلًا يستطيع بطلقة واحدة من سيفه أن يقتل مئة شخص. وبالتالي كان وجودهم سلاحًا قويًا في ميدان المعركة.

لكن هؤلاء الممارسين الذين تورطوا في الأمور الدنيوية غالبًا ما كانت زراعتهم ليست عالية جدًا والممارسون من المستوى الخامس كانوا نادرين بالفعل.

تحركت العربة للأمام وتغير المشهد المحيط تدريجيًا فبعد مغادرة الأرض القاحلة لعائلة فو عادت النباتات المورقة والمحاصيل إلى الظهور على جانبي الطريق وبدأت المنازل تتحول إلى منازل من الطوب العادي وبعد عشرة أيام أخرى من السفر ظهر أمامهم مشهد مدينة مزدهرة.

على طول الطريق أرسل لين روفي رسالة إلى كونلون يصف فيها بالتفصيل ما مر به لكنه تعمد تجاهل المخاطر التي واجهها مكتفيًا بذكر بعض الأمور المثيرة للاهتمام جاءت الرسالة من كونلون بسرعة تحمل النصائح المعتادة التي تكرر طلبه بالاهتمام بسلامته وأنه إذا واجه شخصًا أقوى منه فعليه الهرب أولًا ابتسم لين روفي عند قراءته للرسالة في قاموس إخوته الكبار لم يكن هناك شيء اسمه “الهروب” لكن عندما يتعلق الأمر به أرادوا نقش هذه الكلمة في عقله خوفًا عليه من الأذى.



في أول يوم له في داجينغ فهم ما قصدته يو روي عندما قالت إن هذا المكان مذهل كل ثلاث خطوات كان يجد معبدًا صغيرًا وكل خمس خطوات يظهر معبد كبير المعابد كانت في كل مكان مكرسة لحاكم السماء امتلأت المعابد بالبخور مما أظهر مدى تفاني سكان داجينغ في عبادتهم.

تساءل لين روفي عن سبب احترام أهل داجينغ لحاكم السماء بهذه الطريقة فسأل أحد الباعة الجانبيين بينما كان يشتري شيئًا.

عندما سمع البائع السؤال استعاد نشاطه وقال: “ضيفي ، أنت جديد في داجينغ أليس كذلك؟”

أومأ لين روفي برأسه: “نعم.”

رد البائع: “لا عجب من عاشوا في داجينغ لفترة لا يسألون هذا السؤال.” 

ثم بدأ يشرح بحركات يديه سبب احترام داجينغ لحاكم السماء.

بالعودة ب الزمن إلى مئات السنين الماضية عندما لم يكن التشكيل الذي يحمي القارة قد أُنشئ بعد كان شياطين قارة بوئي يغزون الأراضي باستمرار وقد شقوا فراغًا في السماء فوق أراضي داجينغ محدثين بوابة مباشرة معظم سكان داجينغ كانوا بشرًا عاديين ولو نجح الشياطين في غزوهم لكانت المجازر مروعة.

لكن بالنسبة لأولئك الذين صعدوا في طريق الخلود لم يكن البشر أكثر من نمل داجينغ حاولت بكل جهدها لكنها لم تستطع استدعاء سوى مئة ممارس فقط من جميع أنحاء البلاد لكنهم لم يتمكنوا من مواجهة الشياطين.

وفي الوقت الذي كانت فيه داجينغ على وشك السقوط ظهر حاكم السماء بسيفه…


“تروي الأساطير أن الحاكم السماوي قد بلغ بالفعل المستوى العاشر من الزراعة وكان قاب قوسين أو أدنى من الصعود في غضون أيام قليلة لم يتوقع أحد أنه سيهتم بأمور تافهة كهذه.” 

قال البائع بحماسة وكأنه كان شاهدًا على تلك المعركة العظيمة، “حين غضب الحاكم السماوي دُفنت ملايين الجثث السيف الحاد في يده وحده قطع رؤوس الملايين من الشياطين وفي النهاية أغلق المدخل المفتوح أما داجينغ فلم يتجاوز عدد قتلاها عشرة آلاف وهذا يُعد نعمة في ظل تلك الكارثة وما حدث لاحقًا لابد أنك تعرفه أيضًا.”

تساءل لين روفي: “إذن هل وضع الحاكم السماوي تشكيلًا لحماية القارة بأكملها؟”

أجاب البائع بحماس: “نعم نعم، كان على وشك المغادرة لكنه ظل يهتم بالعالم يا له من شخص! حقًا يستحق لقب الحاكم السماوي!”

كان لين روفي قد قرأ عن تلك المعركة في الكتب إلا أن الوصف بدا مبالغًا فيه لدرجة جعلته غير مقتنع تمامًا فهزيمة عشرات الآلاف من الشياطين بقوة شخص واحد أمر يصعب تصديقه ومع مرور الزمن أصبح معظم من يقرأ تلك القصة يشعر بأنها تحمل شيئًا من المبالغة ولم يكن لين روفي استثناءً.

لكن تلك المعابد المزدحمة والقرابين الكثيرة في أراضي داجينغ أكدت له أن المعركة الكبرى كانت حقيقية وإلا، لما كان أهل داجينغ ممتنين لهذه الدرجة ولما استمر إشعال البخور لمدة مائة عام دون انقطاع.

بعدما تناول طعامه توجه لين روفي إلى معبد قريب حيث وجد تمثالًا للحاكم السماوي داخل المعبد.


كان التمثال يرتدي زيًا أحمر ويحمل سيفًا وعلى الرغم من قدمه ، فإن هالته الروحية وأناقة ملامحه كانت لا تزال واضحة أمام التمثال وُضعت أوعية البخور وكان الناس من حوله يقدمون القرابين مما أضاف حيوية للمشهد.

أثناء تأمل لين روفي في التمثال اصطدم به طفل كان يركض لم يكترث للأمر بل مد يده لدعم الطفل ونصحه بتوخي الحذر نظر الطفل إلى لين روفي معتذرًا ثم حاول الركض بعيدًا لكنه لم يخطُ سوى خطوات قليلة قبل أن يُقبض عليه من ياقة ثوبه.

صرخ الطفل محتجًا وهو يحاول الإفلات: “لماذا تمسكني؟!”

التفت لين روفي نحو مصدر الصوت ليتفاجأ بوجه مألوف قال بدهشة: “لماذا السيد الراهب هنا؟”

كان من أمسك بالطفل الراهب الذي التقى به لين روفي صدفةً في جبال شيليانغ ظل الراهب بنفس الهدوء واللطف مبتسمًا: “ربما لأن لي نصيبًا من القدر معك ، أيها المحسن.”

صرخ الطفل غاضبًا: “أيها الراهب العفن! دعني وشأني!” 

وحين أدرك أن الراهب يعرف لين روفي زاد من مقاومته بل حاول عض يد الراهب لكن الراهب رفع يده قليلاً وأمسك بالطفل من ياقة ثوبه قائلًا: “العض عادة سيئة.” 

ثم التفت إلى لين روفي وسأله: “هل فقدت شيئًا ، أيها المحسن؟”

أدرك لين روفي فجأة ما يقصده تفحص جيبه ليجد أن كيس نقوده قد اختفى بالفعل كانت مهارة الطفل مذهلة إذ لم يشعر على الإطلاق بأنه سُرق.

عندما انكشف أمره أخرج الطفل الكيس على مضض لكنه ظل ينظر إلى الراهب بغضب قائلاً: “أنت راهب سيئ!”

ضحك الراهب بلطف: “أنت السارق هنا ، فكيف أكون أنا الراهب السيئ؟”

جادل الطفل قائلاً: “إنه ابن أحد النبلاء ولن يموت إن فقد كيسه أما أنا إن لم أسرق شيئًا فسأُقتل حيًا!” 

بدا كلامه مبررًا: “لقد ساعدته ، لكنك بهذا حكمت علي بالموت أخبرني ألا يجعل هذا منك راهبًا سيئًا؟!”

ذهل الراهب من منطقه وقال متفكرًا: “إذا قلت الأمر بهذا الشكل ، فإنك تملك وجهة نظر.”

هتف الطفل منتصرًا: “أليس كذلك؟”

لكن الراهب أجاب بجدية: “حسنًا ماذا لو قتلت الشخص الذي يريد قتلك؟ عندها لن تضطر إلى السرقة أو الموت ما رأيك؟”

ارتبك الطفل وتراجع قليلاً شعر أن كلمات الراهب رغم لطفها تحمل شيئًا غريبًا ومخيفًا تمتم مترددًا: “لا داعي لكل هذا العناء فقط أعطني بعض المال لأعود وأسلمه القتل أمر مزعج…”


من كان يظن أن الراهب سيهز رأسه ويقول متنهّدًا: “لا إزعاج، لا إزعاج ، القتل أسهل بكثير من كسب المال.” 

وبينما قال ذلك أخرج حقيبته المرقعة من جيبه هزّها قليلًا فسقطت منها ثلاث عملات فقط ولم يكن بها شيء آخر.

ارتعب الطفل من كلمات الراهب وصرخ: “أنت مجنون!” 

ثم استدار وهرب بخطوات تعكس بؤس حاله.

لم يستطع لين روفي كتمان ابتسامته وهو يقول: “هذا طفل صغير لماذا تخيفه بهذا الشكل؟”

لكن الراهب أجاب بجدية: “هو منطقي وأنا منطقي كيف تقول إنني أخيفه؟” 

وما إن انتهى من حديثه حتى سمع لين روفي صوت قرقرة صادرة من معدة الراهب.

ضحكت يو روي قائلة: “السيد الراهب كم مضى عليك دون أن تأكل؟!”

تنهد الراهب وأجاب: “أنا في وضع مادي مُحرج جدًا.”


قال له لين روفي مبتسمًا: “تصادف أننا ذاهبون لتناول الطعام لماذا لا تنضم إلينا ؟”

رفض الراهب بلطف: “لا أقبل مكافأة بلا عمل كيف يكون ذلك مناسبًا؟”

رد لين روفي: “كيف تقول إنك لا تستحق؟ لقد ساعدتني للتو في استعادة حقيبتي.”

هزّ الراهب رأسه موافقًا: “معك حق إذن سأقبل عرض المحسن.”

وهكذا، انطلق الجميع إلى الخارج وخلال الطريق سأل لين روفي الراهب عن اسمه فأجاب بأنه يُدعى شوان تشينغ من معبد نان ين وأنه كان يتنقل في رحلة وصادف أن الأسرة الإمبراطورية في داجينغ واجهت أمرًا ما فاستدعته للمساعدة.

سأل لين روفي بفضول: “إذن يا سيد شوان تشينغ ، هل يمنعك ذلك من تناول اللحم؟”

أجاب شوان تشينغ: “نعم الرهبان يسهل إطعامهم يكفي أن يشتري المحسن لهذا الراهب رغيفين من الخبز على البخار.”

لكن لين روفي لم يكن ليسمح بذلك أمسك بذراع شوان تشينغ بقوة وأخذه إلى مطعم جيد حيث طلب له مجموعة من الأطباق النباتية خصيصًا.

كان واضحًا أن شوان تشينغ لم يأكل منذ مدة طويلة فما إن وصلت الأطباق حتى انهمك بتناول الطعام بجدية تامة متجاهلًا الحديث مع لين روفي.

أما لين روفي الذي لم تكن شهيته جيدة بطبيعته فاكتفى بتناول بعض الأطباق ثم توقف أخذ يتأمل شوان تشينغ وهو يلتهم وعاءً كبيرًا من الأرز وعدة أطباق نباتية حتى انتهى أخيرًا وظهرت على وجهه علامات الرضا.

سأل لين روفي مبتسمًا: “ أين ستقيم الليلة؟”

أجاب شوان تشينغ: “سأبيت في المعبد.” 

ثم ضم يديه معًا وانحنى قليلًا قائلًا: “عليّ شكر الحاكم السماوي فلولا بناء أتباعه الكثير من المعابد، لاضطررت للنوم تحت السماء واستخدام الأرض كفراش.”

ضحك لين روفي وقال: “إن كنت تؤمن بالحاكم السماوي فلماذا تنحني لي؟ على أي حال ذكرت أن الأسرة الإمبراطورية في داجينغ استدعتك أليس كذلك؟”

أجاب شوان تشينغ: “صحيح هل ينوي لين غونغزي التوجه إلى الأسرة الإمبراطورية أيضًا؟”

أومأ لين روفي: “لدي دعوة يجب أن أوصلها ويبدو أن طريقنا واحد لماذا لا تأتي برفقتي؟”

تردد شوان تشينغ قليلاً ثم قال: “هل سيُسبب ذلك أي إزعاج للمحسن؟”

أجاب لين روفي: “أي إزعاج؟ إنه نفس الطريق.”

وهكذا وافق شوان تشينغ على العرض.

ومع ذلك حين دعا لين روفي شوان تشينغ للإقامة معه في نفس النزل رفض الراهب بإصرار قال إنه يمكنه البقاء في المعبد ولا يريد أن يُثقل على لين روفي رأى لين روفي مدى إصراره، فلم يُصرّ أكثر.

قبل مغادرته اتفق الاثنان على الالتقاء صباح اليوم التالي للسفر معًا نحو العاصمة الإمبراطورية لداجينغ مدينة دنغشياو.



إذا كانوا يستقلون عربة فسيتطلب وصولهم إلى دنغشياو حوالي أربعة أو خمسة أيام بشرط ألا يواجهوا أي حوادث على الطريق.

كانت يو روي تجلس بجوار لين روفي تلوّح بمروحة حريرية لتلطيف الجو ابتسمت وقالت إن هذا الراهب شخصية مثيرة للاهتمام.

نظر لين روفي إليها ثم إلى فو هوا، تنهد وسأل ما إذا كان “المصير” قد قرر الاستقرار في عائلتهم.

نظرت إليه يو روي بحدة وقالت: “أيها السيد الصغير كيف تمازحني بهذه الطريقة؟ إنه راهب!”

أجاب لين روفي بجدية: “أليس وسيمًا؟”

ردت يو روي وهي تعض شفتيها: “وسيم ، بالطبع هو وسيم… لكنه راهب!”

قال لين روفي: “أليس هناك خيار ترك الرهبنة والعودة إلى الحياة العادية؟” 

وبينما قال ذلك بدأ يضحك، “يو روي لماذا تبدين متوترة؟ كنت أمزح فقط.”

ردت يو روي بتذمر: “هذا لا يصح ، ماذا لو أخذت الأمر على محمل الجد ورفض الراهب ترك الرهبنة؟ ماذا ستفعل حينها؟”

ربت لين روفي على صدره وقال مبتسمًا: “لا بأس سأربط الراهب وأعيده إليك.”

ضحكت يو روي وفو هوا بصوت عالٍ كانتا تعلمان أن لين روفي يمزح ولم تأخذا كلماته بجدية لكن غو شواندو الذي كان يقف بجانبه عبس قليلًا وعندما عاد لين روفي إلى غرفته سأله عن سبب تعبيره هذا.

أجاب غو شواندو: “أخشى أنك لن تتمكن من هزيمته.”

سأل لين روفي: “هل هو قوي إلى هذا الحد؟”

رد غو شواندو: “ليس فقط هو بل جميع من في معبد نان ين وحوش متخفية إذا واجهته الآن فمن المؤكد أنك لن تكون خصمًا له.”

أظهر لين روفي نظرة تفكير عميق.

بعد أن غادر شوان تشينغ المطعم توجه ببطء نحو المعبد حيث سيبيت كانت السماء مظلمة والمارة أصبحوا أقل على الطريق وعندما مرّ بجانب زقاق سمع صوت صرخات أطفال حادة مختلطة بتوسلات للرحمة وأصوات تأنيب قاسية.

توقف شوان تشينغ للحظة ثم دخل إلى الزقاق.

كان الزقاق مظلمًا ومزدحمًا بالأشياء المتناثرة وفي الزاوية تجمع عدد من الأطفال متكورين على أنفسهم بينما يضربهم عدد من الرجال البالغين بعصي خشبية

صاح أحد الرجال بغضب: “أيها الفاشلون! هل هذا هو كل ما جمعتموه اليوم؟ تخلصوا من أفكاركم الصغيرة! ألا تريدون العيش؟!” وبينما كان يرفع العصا ليضرب أحد الأطفال

سمع فجأة صوتًا هادئًا يقول: “أميتابها بوذا.”

التفت الرجل ورأى راهبًا وسيمًا يرتدي رداءً قديمًا وعيناه نصف مغمضتين كان يتمتم بصوت لطيف: “لماذا يقوم المحسنان بالتنمر على مجموعة من الأطفال؟”



“ليس من شأنك! ارحل قبل أن أجعلك عبرة!” 

صاح الرجل وهو ينظر إلى الراهب النحيل بنظرة مليئة بالغطرسة بصق على الأرض ولوّح بالعصا في يده قائلاً: “اغرب عن وجهي!”

لكن الراهب بقي في مكانه ثابتًا دون أن يتحرك.

اشتد غضب الرجل وقال بنبرة غاضبة: “هل لا تفهم لغة البشر؟!” 

كان الرجل زعيم العصابة في هذه المنطقة وتحت سيطرته مجموعة من الأطفال السارقين معظم هؤلاء الأطفال كانوا أيتامًا بلا معيل مما جعلهم فريسة سهلة للتلاعب.

قال الراهب بهدوء وهو يضم كفيه معًا: “أميتابها بوذا كسب المال حقًا ليس أمرًا سهلًا.”

ثم همس لنفسه: “لكن القتل أسهل بكثير.” 

وبمجرد أن قال ذلك استدار وبدأ بالخروج من الزقاق.

ظن الرجال أن الراهب قد خاف وبينما كانوا يستعدون للضحك عليه سمعوا فجأة صوتًا حادًا يقطع الهواء بالقرب من آذانهم وقبل أن يتمكنوا من فهم ما يحدث شعروا ببرودة غريبة على أعناقهم وبعد لحظات قصيرة انقلبت رؤيتهم رأسًا على عقب.

من خلفهم تردد صدى صوت أجساد ثقيلة ترتطم بالأرض تلاه صرخات الأطفال المذعورة.

الراهب الذي لم يلتفت إلى الوراء، تلا بصوت هادئ: “أميتابها بوذا”، وبدت ملامح الحزن ترتسم على وجهه وهو يمسك بحذر بالكيس الصغير داخل كمه يعد القطع النقدية الثلاث التي كانت كل ما يملك.



في صباح اليوم التالي التقى لين روفي بالراهب شوان تشينغ عند مدخل النزل كان يعلم أن الراهب ربما لا يملك المال لشراء طعام ، لذا حرص على تعبئة مجموعة من المعجنات له.

تسلم شوان تشينغ المعجنات بسعادة فتحها وأخذ قطعة وأكلها بجدية وبينما كان يُظهر علامات الرضا سمع صوتًا يناديه من الجانب: “يا راهب!”

استدار شوان تشينغ ليرى الطفل الذي حاول سرقة كيس لين روفي في اليوم السابق كانت عينا الطفل تلمعان بشدة وهو يقول: “أيها الراهب ، هل يمكنني تعلم الفنون القتالية منك؟”

تفاجأ شوان تشينغ وأشار إلى نفسه: “أنا؟”

أومأ الطفل برأسه بحماس: “لقد رأيت كل شيء الليلة الماضية! أريد أن أتعلم كيف أقتل مثلك!”

سأل شوان تشينغ: “ولماذا تريد أن تتعلم القتل؟”

رد الطفل بجدية: “بالطبع لكسب المال ، الكثير من المال.”

عند سماع كلمة “المال” بدت على وجه شوان تشينغ ملامح الكآبة لوّح بيده وقال: “لا، لا، اذهب وابحث عن شخص آخر.” ثم أسرع بالصعود إلى العربة.

لم يكن لين روفي متأكدًا لكنه شعر وكأن هناك شيئًا بائسًا ينعكس في ظهر شوان تشينغ وهو يبتعد.










-


لدى المؤلف شيء ليقوله:

غو شواندو: كم سيكون لطيفا لو لم تكن ثملا.

لين روفي: إذا لم أكن ثملا......

غو شواندو:؟

لين روفي: ثم أخشى أن يتم إغلاق الفصل السابق.

غو شواندو: ..........

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي