Ch61
لم يلتقِ لين روفي وغو شواندو منذ زمن بعيد وعندما التقت نظراتهما أخيرًا حملت أعينهما معاني جديدة ومختلفة لكن وجود الحشد الكبير منع لين روفي من التحدث كثيرًا مع غو شواندو فاقتصر الأمر على تبادل النظرات قبل أن يُحوِّل انتباهه إلى الأميرة الثالثة التي كانت تبكي بحرقة في أحضان باي جيانغلون
أُزيح الظل الذي كان يلتف حول جسد الأميرة الثالثة واستعادت وعيها لكنها فور أن أفاقت انفجرت بالبكاء في حضن والدها لو كان أحد غيرها في هذا الموقف لكان التوبيخ أول ما يصدر عن باي جيانغلون لكنه، أمام أميرته المحبوبة عجز عن التوبيخ
الكلمات التي حشدها على طرف لسانه تراجعت واستبدلها بمسح رأسها ومواساتها بصوت خافت حتى هدأت أخيرًا.
وقف باي تيانروي وشوان تشينغ على الجانب يراقبان بصمت دون أن يجرؤا على مقاطعة هذا المشهد.
عندما توقفت الأميرة الثالثة عن البكاءأخرج باي جيانغلون منديلًا ومسح دموعها بعناية قائلاً: “ماو ماو ، لا مزيد من البكاء الآن كل شيء بخير. قولي لي بسرعة ماذا حدث؟”
استمع لين روفي لهذا الحديث من الجانب ولم يستطع منع نفسه من الابتسام. داخله كان يفكر أن باي جيانغلون منحاز تمامًا فهو بالنسبة للآخرين “الأب” لكنه في عيون الأميرة الثالثة أصبح “بابا”.
كانت الأميرة الثالثة ما تزال متوترة من كثرة البكاء عيناها وأنفها احمرا ، ووجهها الرقيق بدا مليئًا بالأسى تذكر لين روفي ما قاله شوان تشينغ سابقًا عن أن الأميرة الثالثة تشبه والدتها كثيرًا لذا، لم يكن غريبًا أن باي جيانغلون لم يتمكن من نسيانها أبدًا.
قالت الأميرة وهي تفرك عينيها بصوت متقطع: “أنا… لا أتذكر جيدًا ذلك اليوم تشاجرت مع إخوتي وكنت مستاءة فذهبت إلى الحديقة الإمبراطورية لأكون وحدي.”
سألها باي جيانغلون: “وماذا حدث بعد ذلك؟”
ردت بصوت خافت: “جلست لبعض الوقت مع وصيفاتي تحت شجرة البرقوق التي كانت المفضلة لدى والدت أحب التحدث إلى الشجرة عندما يشغلني شيء وبينما كنت أتحدث، هبَّت ريح قوية جدًا لم أستطع حتى فتح عيني، وبعدها… لا أعرف ماذا حدث.”
كانت ملامحها حائرة ، وكأنها أرنب صغير بريء تعرض لمحنة قاسية.
تابع باي جيانغلون بسؤال آخر: “لماذا تشاجرت مع إخوتك؟”
ابتسمت الأميرة ابتسامة خافتة وقالت: “لقد أردت الخروج لرؤية الأنوار لكن إخوتي قالوا إن ذلك غير آمن للفتيات.”
واصل سؤاله: “وهذا فقط؟”
ترددت الأميرة قليلًا قبل أن تهمس بصوت متهدج: “قالوا إنني… لقيطة.”
فجأة تغيرت ملامح باي جيانغلون بشكل مخيف وقال غاضبًا: “من قال ذلك؟ أخوك الثاني أم السادس؟”
همست الأميرة بصوت مرتعش: “الأمير الثاني قالها أولًا.”
ثم نظرت إلى والدها بعيون ممتلئة بالدموع وسألته: “أبي هل أنا حقًا لست ابنة المحظية مي؟ هل أنا حقًا…؟”
قاطعها باي جيانغلون وصوته ممتلئ بالغضب: “لا تقولي هذه الكلمة أبدًا!”
كان الغضب يسيطر عليه لدرجة أن عينيه تحولتا إلى اللون الأحمر. “أحسنتم ، يا أبنائي الأعزاء!”
في عالم الإمبراطورية كانت مسألة النسب ذات أهمية قصوى، وكلمة “لقيطة” تحمل وزنًا ثقيلًا يكاد يقتل الروح من ملامح باي جيانغلون بدا واضحًا أن الأميرين لن يسلما من العقاب.
سألها باي جيانغلون مرة أخرى، وكأنه أدرك شيئًا: “هذه ليست المرة الأولى التي يقولون ذلك ، أليس كذلك؟”
هزت الأميرة رأسها في شرود وابتسمت ابتسامة ضعيفة: “قالوها… مرات كثيرة لكنني كنت أعتبرها غيرة من حبك لي، لذا لم أعرها اهتمامًا، إلى أن…”
قاطعه والدها: “إلى أن ماذا؟”
لم ترد الأميرة بل ألقت بنفسها في أحضان والدها وبدأت بالبكاء مجددًااستمر باي جيانغلون في تهدئتها بحنان، ثم سألها: “عندما كنتِ فاقدة للوعي هل شعرتِ بشيء ما؟”
مسحت الأميرة دموعها، ونظرت حولها بتردد عندما وقعت عيناها على شوان تشينغ توقفت للحظة لكنها سرعان ما حولت نظرها
ثم همست: “شعرت بشيء ما، لكنه غامض… لا أستطيع وصفه.”
ترددت قليلًا، ثم أضافت بخوف: “أبي هل حدث شيء في القصر أثناء غيبوبتي؟”
رد باي جيانغلون دون إخفاء: “شقيقاك الثاني والسادس كانا على وشك الموت خنقًا.”
شحب وجه الأميرة تمامًا وقالت بذعر: “هل… هل لهذا علاقة بي؟”
لم يرد والدها مباشرة بل اكتفى بمسح شعرها الطويل وسألها عن تفاصيل ما شعرت به أثناء الغيبوبة بدأت الأميرة تتحدث بصوت خافت
“في البداية كنت غائبة عن الوعي لكن شعرت وكأنني أسحب إلى مستنقع أسود لم أستطع التحرك حتى سمعت صوتًا…”
سألها والدها بقلق: “صوت؟ صوت من؟”
هزت رأسها وقالت: “صوت رجل لم أسمعه من قبل.”
ازدادت حدة ملامح باي جيانغلون فسأل: “وماذا قال؟”
ردت: “سألني… لماذا كنت حزينة…”
واصل باي جيانغلون الإصغاء بينما قالت الأميرة بصعوبة: “أخبرته عن شجاري مع إخوتي بعدها لا أتذكر بوضوح شعرت وكأنني أطير أو أرى وجوهًا كثيرة كانت الأمور غامضة ومشوشة.”
حاول باي جيانغلن معرفة المزيد لكن إجابات الأميرة ظلت غامضة ومبهمة بدت مرهقة ما جعل شوان تشينغ يتدخل قائلاً: “جلالتك لقد عاد ظل الأميرة للتو إلى مكانه تحتاج الآن للراحة لما لا تعود غدًا لمزيد من الأسئلة؟”
كان هذا الاقتراح مناسبًا تمامًا لباي جيانغلون ، فهناك بعض الحوارات التي لا يجب أن يسمعها الآخرون أومأ برأسه وأمر الأميرة بالراحة جيدًا ثم غادر الغرفة بهدوء.
بعد مغادرة القصر التفت باي جينغلون نحو شوان تشينغ ليسأله عن مكان الظل أشار شوان تشينغ إلى لين روفي موضحًا أن الظل قد خُتم داخل نية سيف غونغزي لين مما يعني أن باي جينغلون ليس بحاجة للقلق.
هز باي جينغلون رأسه بامتنان عميق ثم قدّم شكره الصادق لشوان تشينغ. ابتسم الأخير ولوّح بيده بتواضع قائلاً: “مولاي يتصرف بلباقة زائدة هذا أمر بسيط ولا يستحق كل هذا الاهتمام”.
تبادل الحاضرون بعض الكلمات قبل أن يتفرقوا
كان باي جينغلون قد أصرّ في البداية على بقاء الاثنين في القصر لكن شوان تشينغ أصرّ على رفض العرض وفي نهاية المطاف لم يجد باي جينغلون خيارًا سوى تجهيز عربة لإعادتهما إلى النزل.
أما الأمير فلم ينطق بكلمة منذ مدة طويلة، واكتفى بالجلوس داخل العربة مغلقًا عينيه ضحك شوان تشينغ وأطلق دعابة قائلاً: “لماذا صمت الأمير فجأة اليوم؟”
رد باي تيانروي بسخرية: “مشاهدة مشهد الحب الطبيعي بين الأب وابنه كانت مزعجة للغاية”.
ابتسم شوان تشينغ وقال: “أظن أنك تشعر بالغيرة أخوك لديه مجموعة من الأطفال وأنت لا تستطيع حتى العثور على زوجة”.
توهّجت نظرات باي تيانروي غضبًا وقال: “لا أستطيع العثور على واحدة؟ بل لا أرغب بذلك!”
ثم التفت نحو لين روفي بابتسامة وسأله عن عمره وما إذا كان متزوجًا.
تنهد شوان تشينغ بنبرة استهجان وقال: “انس الأمر غونغزي لين قد بلغ سن الرشد للتو وأنت تكبره بعقد كامل من الزمن مما يجعلك بمنزلة عمّه ألا تشعر بالخجل؟”
اشتعلت الغضب في وجه باي تيانروي الذي بصق كلماته بغيظ.
لم تمضِ فترة طويلة حتى وصلت العربة إلى مدخل النزل نزل لين روفي أولاً لكن باي تيانروي أمسك بشوان تشينغ موضحًا أنه يريد التحدث معه على انفراد بقيا في العربة بينما تنهد شوان تشينغ وسأله عما يريد مناقشته.
مدّ باي تيانروي يده وأسدَل ستارة العربة مما أدى إلى تعتيم الضوء في الداخل وتلاشي ملامح وجهيهما
بصوت منخفض قال باي تيانروي: “أخبرني هل تعتقد أن الأمر كان ليصبح أفضل أم أسوأ لو أن أخي لم يمرّ بتلك الحادثة قبل سنوات؟”
ردّ شوان تشينغ: “بالنسبة لباي جينغلون نفسه ربما كان ذلك للأفضل”.
عاد باي تيانروي ليسأل: “وماذا عن داجينغ؟”
ابتسم شوان تشينغ وأجاب: “أليس الأمير يعلم الإجابة بالفعل في قلبه؟”
زمجر باي تيانروي قائلاً: “مشكلة معقدة”.
تنهد شوان تشينغ وقال: “سأتركك الآن”.
ابتسم باي تيانروي ساخراً: “أيها الراهب لماذا أنت مستعجل لهذه الدرجة؟ بالأمس رافقت لين غونغزي طوال الليل تشرب معه أما الآن فلا تودّ أن تبقى معي ولو للحظات؟”
أجاب شوان تشينغ بتنهيدة: “الوضع مختلف”.
رفع باي تيانروي حاجبيه وسأل: “وكيف هو مختلف؟”
قال شوان تشينغ: “لين غونغزي صديق لهذا الراهب”.
سأل باي تيانروي: “وماذا عني؟”
أجاب شوان تشينغ: “مجرد عابر سبيل”.
تغيّرت ملامح باي تيانروي بشكل حاد فور سماعه هذه الكلمات أمسك بياقة شوان تشينغ وتمتم بغيظ: “أيها الراهب تقول إنني مجرد عابر سبيل؟”
نظر شوان تشينغ إليه بهدوء وعيناه لم تحمل سوى البرود بدا وكأن نظراته تسقط من علٍ، مليئة بجلال الآلهة التي ترى البشر مجرد كائنات هامشية.
استمر الاثنان بالتحديق في بعضهما لفترة طويلة حتى أطلق باي تيانروي سراحه فجأة وعاد إلى طبيعته المستهترة
ضحك بسخرية وقال: “انسَ الأمر لماذا أتجادل مع راهب فقير؟”
ثم ركل شوان تشينغ خارج العربة وعاد إلى القصر وحده.
وقف شوان تشينغ أمام النزل لبعض الوقت محدقًا في اتجاه القصر بقي على حاله حتى عاد كل من فو هوا ويو روي اللذان رأياه عند المدخل فحيّياه ردّ بابتسامة ثم دخل النزل.
في تلك الليلة اجتاحت داجينغ عاصفة مطرية.
لكل موسم طابعه الخاص في المطر أمطار الصيف كانت غاضبة وعنيفة تهطل فجأة بزخات كثيفة دون أي فرصة للاستعداد لتترك بصمتها بسرعة قبل أن تختفي.
عاد لين روفي إلى غرفته في النزل وما إن دخل حتى ظهر غو شواندو فجأة.
ابتسم لين روفي وقال: “لم أرك منذ فترة، أيها المعلم ”.
ركز غو شواندو نظراته على لين روفي ثم أشار إلى جرحين واضحين عند زاويتي فمه
عبس قليلاً وقال: “ما الذي حدث لفمك؟”
ضحك لين روفي بلا مبالاة وأجاب: “مجرد إصابة صغيرة”
ثم روى كيف أصيب بهذا الجرح باختصار.
مع وصفه الموجز تغيرت ملامح غو شواندو بشكل واضح انتقل تعبيره من غضب شديد إلى إحراج
ثم تصنّع اللامبالاة قائلاً بنبرة جافة: “آه هكذا إذن”.
لاحظ لين روفي تعابيره بدقة، وقرر ممازحته بتظاهر البراءة سأل: “هل هذا الظل يعود للمعلم ؟ كيف ظهر ظلك في داجينغ وأجبر الأميرة الثالثة على القيام بأفعال سيئة؟”
تمتم غو شواندو: “… قد يكون هذا مجرد سوء فهم”.
ردّ لين روفي بتساؤل: “سوء فهم؟”
أوضح غو شواندو: “هذا الظل لا يملك إرادة مستقلة اندماجه مع الأميرة الثالثة كان حادثًا رغم أن الأميرة الثالثة قللت من أهمية الأمر فإنها في الواقع تحمل نواياها الخاصة وإذا سألها والدها فلا شك أنها ستلقي اللوم على قوى خارجية”.
سأل لين روفي: “وهل سيصدقها والدها؟”
ابتسم غو شواندو وردّ: “هل تصدقها أنت؟”
تأمل لين روفي قليلاً وأجاب: “خمسون بالمئة”.
“إذاً، هل سيصدق والدها بنسبة ستين في المئة؟”
قال غو شواندو، “الذين يصبحون أباطرة هم دائمًا عباقرة في الطفولة ليس من السهل خداعهم.”
ثم جلس بجانب لين روفي مائلًا رأسه ليتفحص الجرح على زاوية فم لين روفي لم يكن الجرح كبيرًا، فقط احمرار وتورم طفيف لكن على شفتيه الفاتحتين كان بارزًا بشكل خاص. كلما استمر في النظر إليه شعر غو شواندو بعدم الراحة أكثر
تمالك نفسه للحظة لكنه في النهاية لم يستطع مقاومة مد أصبعه الكبير وضغطه برفق على زاوية فم لين روفي كانت أطراف أصابعه باردة جدًا ولم يكن هناك ألم عند الضغط ولكن لين روفي لا إراديًا أطلق أنينًا خفيفًا.
سحب غو شواندو يده بسرعة وسأل: “هل يؤلمك؟”
“لا، لا يؤلم.” هز لين روفي رأسه.
“حقًا لا يؤلم؟” بدا غو شواندو غير مصدق.
“كان مؤلمًا قليلاً عندما دخل داخلًا لم أستطع تحمله.”
واكمل لين روفي دون أن يدرك ما هو الخطأ في كلامه “بعد كل شيء، هو كبير وصلب…”
توردت أذنا غو شواندو بشدة.
تساءل لين روفي بفضول: “أيها الكبير، لماذا تصبح أذناك حمراء؟”
أجاب غو شواندو بهدوء: “لا، لقد أخطأت في رؤيته.”
“حقًا؟” أشار لين روفي بشك: “لقد رأيته بوضوح.”
دافع غو شواندو: “قلت لك لقد أخطأت في رؤيته.”
قال لين روفي: “أنا…”
بالكاد نطق بالكلمات عندما اقترب وجه غو شواندو منه قبل أن يتمكن من رد الفعل شعر بشيء رطب يغطي زاوية فمه عندما أدرك ما هو، تجمد جسده كله في مكانه: “أيها المعلم…”
لم يكتفِ غو شواندو بعد ولعق زاوية شفتيه قائلاً: “هل أكلت سكرًا يا شياو جيو؟”
أجاب لين روفي: “نعم، تناولت بعضًا.”
كان هناك الكثير من الحلويات والمعجنات في العربة وعندما غادر القصر للتو، تناول قليلًا منها.
“إنه حلو.”
قال غو شواندو وهو يغمض عينيه قليلاً ويبتسم ابتسامة جميلة، “حلو بشكل خاص.”
لمح لين روفي زاوية فمه وقال بصوت منخفض: “هل يوجد فتات سكر؟”
“لا.” رد غو شواندو: “أعني أن شياو جيو أكثر حلاوة من تلك السكريات.”
اتسعت عينا لين روفي لم يستطع فهم كيف يمكن لغو شواندو أن يقول مثل هذه الكلمات بكل صراحة والأسوأ من ذلك أنه لم يشعر بأي شيء غريب حيال تلك الكلمات.
بينما كان ينظر إلى تعبير غو شواندو المبتسم احمر خجلاً على خديه وأدار نظره بعيدًا عنه.
“ بدأ الوقت يتأخر سأذهب للراحة أولًا.”
قال لين روفي “أيها المعلم… يجب أن ترتاح أيضًا.”
“حسنًا.” وافق غو شواندو بابتسامة.
غسل لين روفي وجهه وذهب إلى سريره كان متعبًا على ما يبدو وبعد أن أراح ذهنه من همومه استسلم للنوم براحة.
استمع غو شواندو إلى صوت المطر الخارج من النافذة وتنهد بهدوء في قلبه نهض وسار نحو النافذة ثم اختفى من الغرفة في ومضة من حركته.
كان المطر غزيرًا قليلًا تناثر الماء على الحواف ثم انساب عبر المزاريب قبل أن يتجمع في مجرى صغير على الأرض
بعد حلول الليل كانت معابد الحاكم السماوي مضاءة ببعض المصابيح الزيتية لم تكن شديدة الإضاءة ولكنها كانت كافية لرؤية الأشياء
هذه المعابد هي الأجمل والأعظم في داجينغ المخصصة للحاكم السماوي ولكن للأسف
منذ بضعة أيام تسببت عاصفة رعدية مفاجئة في اندلاع حريق دمر معظم المعابد ومن المحتمل أن يستغرق الأمر أيامًا لإعادتها إلى حالتها الأصلية.
توقف خطوات غو شواندو عند حافة المعبد. نظر إلى تمثال الحاكم السماوي داخل المعبد كان التمثال حيويًا وحقيقيًا لدرجة أنه لا بد أنه جاء من يد فنان ماهر فقد كان يحمل الكثير من التشابه مع الحاكم السماوي
دخل غو شواندو إلى داخل المعبد وارتقى نحو التمثال ومن خلال الضوء الخافت ، بدأ يراقب التمثال بعناية.
“الحاكم السماوي.” نطق بهذه الكلمات بصوت منخفض.
لم يُجب أحد وكانت أصوات المطر المتناثرة بين السماء والأرض تغطي كل شيء
رفع يده محاولًا لمس التمثال لكن إصبعه مرّ عبره في اللحظة التي حاول فيها لمسه
في حالة الجسد الروحي من الصعب لمس الأشياء الخارجية علاوة على ذلك كان التمثال من تماثيل الآلهة التي يعتمد الأمل على البخور فيها
تنهد غو شواندو قليلاً في قلبه وكان على وشك الاستسلام عندما سمع فجأة خطوات خفيفة قادمة من خلفه التفت ليشاهد، وإذا به يرى الراهب شوان تشينغ الذي كان ينبغي أن يكون مرتاحًا في الفندق قد ظهر فجأة أمام المعبد.
في المطر كان يحمل مظلة ورقية قديمة مهترئة كان المطر يتناثر على كتفيه مما أضاف ظلاً داكنًا إلى رداءه الرمادي لكن مظهر شوان تشينغ لم يكن مزريًا كان لا يزال هادئًا ورقيقًا متمسكًا بمعتقداته توقفت خطواته أيضًا أمام التمثال ليقف بجانب غو شواندو.
“الحاكم السماوي.” ابتسم شوان تشينغ، “مر وقت طويل.”
إذا لم يكن يعلم أنه لا يستطيع أن يراه لكان غو شواندو قد ظن أن الراهب كان يحييه رد عليه ببساطة “مر وقت طويل.”
قال شوان تشينغ: “إنها تمطر بغزارة اليوم وللأسف انهار المعبد قبل عدة أيام لذا ما زلت مضطراً لأن تبتل.” أخرج من كمّه منشفة يدوية وبدأ يمسح المطر الذي تناثر على وجه تمثال الحاكم السماوي.
عقد غو شواندو ذراعيه على صدره وراقب شوان تشينغ بصمت.
“لقد مر وقت طويل مجرد لمحة ومرت عدة مئات من السنين.”
بدأ شوان تشينغ، “العديد من الأشياء اختفت، إذا مررت بعائلة هي تذكر أن تذهب لرؤية شجرة الجوز الحديدية الذهبية لعائلة هي بعد كل شيء زرعها أنتم في ذلك الوقت… والآن أصبحت شجرة كبيرة وأزهرت.”
وأثناء قوله هذا، تساقطت بعض قطرات المطر من السقف المتهدم على جانبه وللصدفةً سقطت على تمثال الحاكم السماوي مثل دمعتين من الكريستال.
صمت شوان تشينغ لفترة طويلة ثم رفع المظلة عن الأرض وعلقها في الهواء مباشرة لم يستخدم المظلة لنفسه بل رفعها إلى رأس التمثال.
“متى ستعود؟”
كان كما لو أنه يسأل شخصًا ما وأيضًا كما لو أنه يتحدث إلى نفسه همس شوان تشينغ بهذه الكلمات وكان نظره يخترق جسد غو شواندو.
أجاب غو شواندو: “قريبًا.”
“عد قريبًا.” قال شوان تشينغ، “الجميع يفتقدك.”
“حسنًا.” ابتسم غو شواندو، “بالطبع… سأعود قريبًا.”
لم يتوقف المطر تمامًا حتى ساعات الصباح الباكر.
عندما استيقظ حارس المعبد كان المعبد قد خلا من الحياة
تمدد وأخذ قطعة قماش عازمًا على تجفيف تمثال الحاكم السماوي المبلل أولاً ولكن عندما اقترب من التمثال فرك رأسه وقال “غريب”.
كان تمثال الحاكم السماوي نظيفًا تمامًا لم تكن هناك أي بقع ماء على الرأس كأن شخصًا ما قام بتجفيفه بعناية.
أمطرت بالأمس ولكن اليوم كان مشرقًا دخلت أشعة الشمس الدافئة من النافذة في الصباح الباكر وسقطت على وجه لين روفي فتح عينيه ببطء، ورآى غو شواندو جالسًا على حافة السرير كان يضع يده على ذقنه ويأخذ قيلولة مما أعطاه إحساسًا بالهدوء.
جلس لين روفي من السرير وأدى تحركه الطفيف إلى إيقاظ غو شواندو تنهد قليلاً وقال: “شياو جيو صباح الخير.”
“صباح الخير.” عندما أنهى لين روفي تحيته لاحظ شيئًا مختلفًا مد يده وأشار إلى الأرض، “هل أصبح لديك ظل الآن، يا معلم؟”
أجاب غو شواندو، “أليس هذا لأن شياو جيو ساعدني في استعادته؟”
من قبل لم يكن لغو شواندو ظل لكن لين روفي لم يتفاجأ حينها ، فغو شواندو لم يكن يمتلك جسدًا ماديًا ومع ذلك كان وجود الظل الآن غريبًا بعض الشيء.
“هل يمكن للآخرين رؤية المعلم؟” سأل لين روفي بسرعة.
هز غو شواندو رأسه: “لا.”
سأل لين روفي: “إذن… ماذا يجب أن نفعله حتى يراه الآخرون؟”
أجاب غو شواندو: “هناك أشياء أخرى أكثر أهمية يجب استعادتها.”
أومأ لين روفي قائلاً: “لقد استعدنا عينًا وظلًا.” ثم نظر إلى غو شواندو وأضاف: “يبدو أن هناك الكثير من الأشياء المفقودة.”
ابتسم غو شواندو لكلماته “أنت.”
لم يكن لين روفي يعرف ما إذا كان هذا بسبب عودة غو شواندو لكن مزاجه أصبح أفضل بكثير وأكل بعض الطعام أكثر من المعتاد لكن من كان يدري أن الخادمات عندما رأين مظهره بدلاً من أن يكن سعيدات بدت عليهن الحزن والمشاعر المكتئبة.
فكر لين روفي قليلاً وفهم ما كان يشغل بال الخادمات—منذ عودة غو شواندو عادت مشكلته في التحدث مع نفسه هذه المرة لم يكن الأمر مقتصرًا على كلمات قليلة ، بل كان شديدًا لدرجة أنه تحدث طوال الصباح.
وبينما كان يفكر في هذا سارع لين روفي بإرسال رسالة إلى وان ياو شرح له حالته الأخيرة بلطف وأوضح أنه ليس مصابًا بالهستيريا وأوصى وان ياو بعدم وصف الأدوية لخادماته مرة أخرى كان يخشى إذا شرب الأدوية مجددًا سيصبح غبيًا فعلًا.
أما بالنسبة لشوان تشينغ فقد توجه مجددًا إلى القصر
في البداية كان لين روفي يعتقد أن الأمر لم يعد يعنيه لكن من كان يعلم أن شوان تشينغ أصر على أخذ لين روفي معه وقال إنه كان يخشى أن يشعر لين روفي بالملل إذا ظل في الفندق بمفرده.
كان الرب يعلم أن لين روفي لم يشعر بالملل أبدًا بما أنه كان مشغولًا في أمور القصر لم يتمكن من إنهاء جولاته في مدينة دينغشياو يا للأسف.
لكن شوان تشينغ أصر على أن يأخذه وجذب لين روفي إلى العربة لم يستطع لين روفي مقاومته واضطر للاستسلام والذهاب معهم إلى وجهتهم.
في تلك الأثناء تم العثور على الجاني الذي تسبب في معاناة الأمراء ولم يكن هناك تشديد كبير على الأمن كما كان في الأيام السابقة
كانت الأجواء في القصر لا تزال متوترة شعر لين روفي أن الأمر كان غريبًا وعندما لاحظ شوان تشينغ أنه لم يفهم ، تنهد وقال له ليفهم.
قال: “إذا كنت أنت الإمبراطورة وكنت تعرفين أن الإمبراطور قد اكتشف القاتل لكنك لا تعرف من هو القاتل ، هل ستوافق؟”
همس لين روفي “يبدو أنني لن أوافق.”
“تمامًا، تمامًا!”
قال شوان تشينغ هز رأسه وتنهد، “أمور العائلة الإمبراطورية حقًا معقدة.”
بدا وكأنه لا يريد التورط أيضًا لكنه في الحقيقة لم يستطع الهروب من الأمر ربما لهذا السبب كان يصر على أخذ لين روفي معه حتى لا يشعر بالملل بمفرده.
في ذلك اليوم عندما وصلوا إلى القصر لم يجدوا باي تيانروي سأل لين روفي هذا السؤال عرضًا وأجاب شوان تشينغ بشكل عابر ، لكن جواب الأخير جعل لين روفي يتوقف في مكانه إذ لم يتوقع تلك الإجابة.
قال شوان تشينغ بنبرة هادئة: “ربما تركته إحدى الفتيات ، فغضب وقرر أن يصبح راهبًا في لحظة يأس.”
في البداية، ظن لين روفي أن شوان تشينغ كان يمزح.
تم العثور على القاتل وعادت الحياة إلى القصر كما كانت لكن الأجواء كانت مختلفة قليلاً من بعيد، كان يمكن رؤية العديد من الخادمات الملكيات وهن يرتدين ملابس فاخرة يتنقلن بين الجنبات وهو مشهد ممتع للنظر.
وصل لين روفي وشوان تشينغ إلى الحديقة الإمبراطورية حيث كان من المفترض أن يلتقيا بالإمبراطور
ولكن بدلاً من الإمبراطور وجدوا الأميرة الثالثة جالسة بمفردها في الجناح تتناول العنب البنفسجي البارد كانت تبدو شاحبة ومتعبة ، وعلامات الإرهاق واضحة على وجهها مما جعلها تبدو في حالة من الحزن.
لكن لين روفي الذي اعتاد على رؤية الجمال لم يتغير تعبيره لقد رأى جمالًا أكبر بكثير وعلى رأسهم غو شواندو الذي لم يكن لديه مثيل تابع السير وراء شوان تشينغ وجلس على الجهة المقابلة للأميرة الثالثة.
“صباح الخير ، معلم شوان تشينغ.” ابتسمت الأميرة الثالثة بحرارة وسلّمت عليه.
“صباح الخير ، الأميرة الثالثة.”
رد شوان تشينغ ثم سألها: “لماذا لم أرى جلالة الإمبراطور؟”
أجابت الأميرة، “جلالة الإمبراطور قد ذهبت معه الإمبراطورة.” وأضافت، “هل تعتقد أن والدي سيغضب مني؟”
رد شوان تشينغ بثقة: “بالطبع ، لن يغضب.”
وضعت الأميرة الثالثة ذقنها على يديها وقالت بلا اكتراث: “لو كنت أعلم ، لكان يجب أن أكون أكثر قسوة.”
ثم ضاقت عينيها وأردفت: “ألا تعتقد ذلك ، معلم شوان تشينغ؟”
لم يتفاجأ شوان تشينغ بتغير سلوك الأميرة وواصل ترديد “اميتابها بوذا” بهدوء بينما بدأ لين روفي يدرك الآن أن هذه الأميرة الثالثة تخفي خلف ابتسامتها شيئًا مختلفًا تمامًا عما يظهر.
للاسف الامبراطور يدخل في قائمة اسوأ اب يعني يفرق بين عياله ومو مهتم فيهم وكل شوية مطلع حرته عليهم يحق لهم مايطيقوه ليش جابهم اذا همه الاميرة بس والمشكلة ليتها تستاهل ثعلبة مو ارنب
ردحذفاخخخ على قلبي الي مبسوط برجع غو شواندو وبخصوص طلع الحاكم السماوي صدق حسيييت 😭😭
ردحذف