Extra29
عنوان الفصل: اكسترا شوي مينغ: وانينغ عظيم بحق.
تشو وانينغ، مو ران، قصر تاوباو.
حينما طفت هذه الأسماء الثلاثة في ذهن شوي مينغ معًا، ذكّرته بأحداث من الماضي لم يكن قادرًا على احتمال تذكّرها—ففي السابق، أخبره تاشيان جون أن تشو وانينغ قد نام مع مو ران في قصر تاوباو، أمام عينيه بالضبظ، وبينهم ستارة واحدة فقط.
وكانت الصدمة النفسية التي خلّفها هذا في روحه عظيمة إلى درجة لا تُحتمل.
لو استطاع العودة بالزمن إلى الوراء، لكان قد صرخ بكل ما أوتي من قوة قبل أن يتمكن تاشيان جون من نطق كلمته الأولى: “توقّف! أستطيع أن أتخيّل ما حدث مسبقًا!"
لكن لا يمكن للمرء أن يعود إلى الماضي، ولا بد من مواجهة الحاضر.
ولأجل إخضاع كائن اللفافة، اضطر شوي مينغ إلى أن يطلب من الشيخ تشين شيو يوان أن يكتب رسالة إلى معلمه وابن عمه، ويدعوهما باحترام للخروج من العزلة من أجل تقديم العون.
ثم بدأوا في الانتظار.
كان جبل نانبينغ يقع على ضفاف بحيرة الغرب، وهو الجبل الأقرب إلى قصر تاوباو. وحتى إن لم يسلك أحدهم طريق السيف، وسار على الأقدام خلال الحاجز المختبئ بين السحاب، فلن تستغرق الرحلة أكثر من ساعتين إلى أربع ساعات.
لكن لسببٍ ما، وبعد إرسال الرسالة والانتظار حتى الفجر، لم يصل أي رد من تشو وانينغ.
كان مي هانشوي ذا بصيرة حادّة، فأدرك السبب خلف هذا. نظر إلى الشمس التي بدأت ترتفع، ثم نهض وقال للحشد: “عليكم جميعًا أن تذهبوا للراحة قليلًا. أخشى أننا لن نسمع شيئًا عنهم هذا الصباح.”
كان تلامذة قصر تاوباو قد سهروا طوال الليل. وعند سماعهم لكلماته، لم يتأمّلوا كثيرًا في مغزاها، بل أومؤوا برؤوسهم بتعب، وتثاءبوا، وتفرّقوا على أمل الحصول على قيلولة تعيد إليهم نشاطهم.
وحده شوي مينغ عقد حاجبيه ونظر إليه قائلاً: “لماذا لا ننتظر أكثر؟ شيزون سيصل قريبًا، إنه لا ينام لوقت متأخر أبدًا.”
ابتسم مي هانشوي ابتسامة خفيفة وقال: “ما زال هناك الكثير ممّا لا تفهمه عن معلمك.”
“هراء! هل تعتقد أنك تعرفه أكثر مني؟ هل تراهن على ذلك؟”
“أوه؟” بدا أن عناد شوي مينغ قد أثار حماسة مي هانشوي، فقال وهو يلوّح كما لو أنه يلاعب عصفورًا: “على ماذا نراهن؟ أذكر أنك لم تأخذ معك الكثير من المال حين رحلت، فما الذي ستضعه على المحك؟”
“ومن قال إني لم آخذ شيئًا؟ فقط انتظر…” قال شوي مينغ من بين أسنانه، وبدأ يُفتّش في كيس نقوده.
لم يكن مفلسًا تمامًا، لكنه لم يمضِ وقت طويل على تولّيه منصب قائد الطائفة. وعلى الرغم من أنه بذل جهده ليبدو قويًا أمام الآخرين، إلا أن خبرته ما زالت محدودة. وكان الشيخ شوانجي قلقًا من أن يُبذر أمواله، أو أن تُغويه امرأة مثل هوا رُوي، لذا تولّى الشيوخ مسؤولية الإشراف الصارم على ماله. وهكذا، لم يكن يُسمح لشوي مينغ سوى بالحصول على بعض مصروف الجيب كل شهر من الشيخ شوانجي.
وفي هذا الشهر بالتحديد، وللعار، كان قد أنفق أغلب مدّخراته على محاولة مواعدة جيانغ شي.
ومع ذلك، تجرّأ جيانغ شي على احتقاره! كانت تلك النظرة التي رمقه بها عندما كان في هيئة 'روو يينغ' بحد ذاتها سخرية من فقره!
ناهيك عن تاريخه مع تاشيان جون، والمواعيد العمياء الأخرى التي يمكن وصفها بالكارثية… شوي زي مينغ، فخر جيله، قد تم امتصاص كل فلس منه من قِبل تلك النسوة العابثات حتى اضطر لتقنين عدد القشّات في كوخه المصنوع من القش.
لكن، من أجل الدفاع عن سمعة تشو وانينغ، ومهما كانت الظروف قاسية، ومهما بلغ به التعب، لا بد لقائد الطائفة شوي أن يراهن!
وإن لزم الأمر، فليقلّل عدد القش إلى النصف!
وهكذا، وقف مي هانشوي يراقب شوي مينغ وهو يُخرج من كل جيب وزاوية حفنة متناثرة من العملات النحاسية، لم يتجاوز عددها الإجمالي الخمسين قطعة على الأرجح. صفعها شوي مينغ على الطاولة وكأنها كنز قيم، فتدحرجت قطعتان صغيرتان على الأرض.
مي هانشوي: “……”
“أُراهن على أن شيزون سيصل مباشرة بعد الإفطار!” قال شوي مينغ بحزم لا يتزحزح.
“وإن لم يأتِ؟”
“يمكنك أهذ نقودي!”
نظر مي هانشوي إلى تلك الكومة البائسة من العملات النحاسية، ثم أدار رأسه وابتسم قائلًا: “سمعت أن تشو-زونغشي قال ذات مرة إنه إن راهنت، فارهنْ بما هو ثمين. ما رأيك أن نضع المال جانبًا، ونراهن على أمر آخر؟”
“أي أمر آخر؟”
“أن تجري عاريًا في الشوارع، وتبيع مهاراتك في بيت للمتعة.”
شوي مينغ: “؟؟!!”
رفع مي هانشوي الأكبر حاجبيه وقال: “ما هذا الهراء؟”
ثم غطّى مي هانشوي فمه بيده، ولوّح بيديه مبتسمًا: “لم أكن جادًا، كنت فقط أمازحه.”
“دعني أفكر أكثر…” عقد مي هانشوي ذراعيه، وقطّب جبينه بتأمل. “ما رأيك بأن نجعل الخاسر يتنكر بملابس نسائية حسب تعليمات الفائز؟”
عبس شوي مينغ باستياء. “انتظر لحظة، مي هانشوي، هل سبق لي أن أجبرتك على ارتداء ملابس نسائية؟ لماذا لا يمكنك تجاوز هذه النقطة؟”
هذه المرة، مي هانشوي ومي هانشوي الأكبر رمقاه بنظرة غامضة يصعب فهمها، حتى إن شعر شوي مينغ بقشعريرة تسري في ظهره. تمتم قائلًا: “ما بكم؟ كنت أمزح، لم أفعل ذلك فعلًا. أنا… أنا دائمًا مستقيم، لم أتنمّر قط على الضعفاء…”
“بالطبع.” قال مي هانشوي بابتسامة، “أنت الأفضل.”
شوي مينغ: “…”
لماذا يشعر أن هناك كارثة وشيكة…؟
…
واتضح أن حدس شوي مينغ كان دقيقًا بالفعل أحيانًا.
انتظر شوي مينغ بأمل، حتى تلاشى الأمل، وغرق في اليأس. حتى جاء وقت العصر، وأخيرًا سمع نداء أحد التلامذة خارج القصر: “تشو-زونغشي، ومو-زونغشي قد وصلا—!”
كان شعر تشو وانينغ مربوطًا بتاج من اليشم، ورداؤه الأبيض يرفرف في الهواء. كالعادة، كان وقاره نقيًا ومتسامٍ، باردًا وبعيدًا، يفيض بهالة سماوية. ومع ذلك، كانت عيناه محمرتين قليلًا بشكل غير متوقع، وجبهته مشدودة بتجاعيد خفيفة من الغضب. أما مو ران، فكان يقف بجانبه بخطوة إلى الخلف، وتعلو وجهه ملامح من الحرج وكأنّه يحاول كتم ضحكته.
اتضح أن تشو وانينغ كان قد سمع في الليلة الماضية صوت طائر الروح الذي أرسله قصر تاوباو وهو يصرخ خارجًا. وبما أنه خشي أن يكون هناك طارئ، أراد أن يخرج ليتفقد الأمر. لكن الليلة الماضية كانت من نصيب تاشيان جون، وطبعه أنه لا يهتم بأمور الآخرين. وقد بلغ الأمر ذروته، فكيف له أن يتوقف؟ حاول تشو وانينغ مرارًا مقاطعته، وفي البداية كان تاشيان جون يماطله بعبارات مثل: 'اقتربنا'، أو 'سنخرج ما إن ننتهي'.
لكن مو ران كان وغدًا كاذبًا دنيئًا. كل ما قاله عن 'اقتربنا' 'ما إن ننتهي' لم يكن هناك انتهاء أصلًا! طائر ما يون كان يصرخ بكل طاقته خارجًا؛ بينما الطائر الصغير الخاص بتاشيان جون لم يُبدِ أدنى علامات التعب.
وأخيرًا، أصر تشو وانينغ على الخروج، فقام تاشيان جون – في نوبة غضب – بربطه إلى عمود، بل وأعطاه أدوية غريبة غير شرعية لكسر مقاومته. وهكذا، تحوّلت ليلة الربيع إلى ليل طويل مليء باللذّة والنعومة، وحتى عندما عاد تاشيان جون إلى طبيعته في وقت لاحق من الليل، لم يتمكّن مو-زونغشي، حين رأى تشو وانينغ في تلك الحال، من التوقف.
ولذا، لم يستفق تشو وانينغ من دوخته إلا في عصر اليوم التالي، ليجد إخطارًا من قصر تاوباو أن كائن اللفافة يسبب الفوضى في لين آن.
وكان هذا التأخير، بطبيعة الحال، سببه تاشيان جون. غير أن مو-زونغشي وتاشيان جون هما شخص واحد. وإن أردنا تتبع أصل المشكلة، فهي تعود إلى مو ران نفسه. ولهذا السبب، لم ينبس تشو وانينغ بكلمة واحدة طوال طريق النزول من الجبل، وكأنه يعامل مو ران كتمثال.
“تشو-زونغشي، مو-زونغشي!”
“تحياتنا لتشو-زونغشي، مو-زونغشي!”
كان تشو وانينغ يعلم تمامًا سبب وتفاصيل الفوضى التي أحدثتها روح اللفافة. وعندما دخل قاعة الاستقبال ورأى شوي مينغ، أراد أن يوبّخه على طيشه وسخفه. لكن مكانة شوي مينغ الآن لم تعد كالسابق، وكان لا بد من حفظ ماء وجهه.
لذا، اكتفى تشو وانينغ بأن عبس قليلًا وقال: “كيف تورّطت في هذا المأزق؟”
كان شوي مينغ في البداية على وشك الشكوى، لكن ما إن رأى تشو وانينغ حتى تلاشت كل همومه، وأسرع يقول: “شيزون، اللفافة قلدتني، لم أفعل شيئًا متعمدًا…”
تدخل مو ران بنظرة حادة: “شوي مينغ، منذ وداعنا في بلدة ووتشانغ، أنت… لماذا واصلت اللعب مع اللفافة كل هذا الوقت؟”
“ماذا تعني؟”
أراد مو ران أن يرفع عينيه نحو السماء غيظًا، لكنه تذكر أن هذا 'سر' بين أخوين. لذا حرّك شفتيه دون صوت خلف ظهر تشو وانينغ، قائلاً بالإيماء: “يا غبي! تركض خلف شهواتك هكذا، هل هذا تصرّف يليق بقائد طائفة مثل جيانغ شي؟”
لكن شوي مينغ لم يفهم: “ألا يمكنك رفع صوتك قليلًا؟ هل حلقك يؤلمك؟”
مو ران: “…..”
اللعنة عليه… غبي فعلاً!!!
ولكن إن أدبر عن شوي مينغ، فلن تُحلّ هذه الفوضى أبدًا، لذا ربما من الأفضل أن يساعدوه. لكن—
“ماذا؟! تريد من شيزون أن يتنكر بزيّ امرأة؟!”
قال شوي مينغ بارتباك: “أنا لا أريد ذلك أيضًا، أو، في الواقع، يمكننا أن نجعل جيانغ شي غيويي يكتب وصفة، ويقول فيها إن هذا الشخص… هذا الشخص هو…”
ألقى نظرة خاطفة على الملامح الصارمة والمتجمدة لتشو وانينغ. لم يكن ليستطيع أن يقول عبارة 'هذا الشخص امرأة' حتى لو مات.
بدا مو ران وكأن السماء تنهار. كيف له أن يسمح لتشو وانينغ أن يظهر أمام الناس بتلك الهيئة الجميلة؟ هذا جنون!
لكن كان لا بد من إيجاد حل لهذه الحالة. نظر إلى شوي مينغ، وتماسك بصعوبة، وكأنه غير قادر على النطق بما يريد قوله. وبعد صمت طويل، قال أخيرًا، بأسف: “لماذا لا أكون أنا بدلًا عنه.”
رفع شوي مينغ نظره، في حيرة تامة.
مو ران: “سأواجه روح اللفافة بدلاً عنه.”
“أنت؟ تريد أن تتنكر كامرأة؟”
“ولِمَ لا؟”
شوي مينغ: “هل بدأت تختلط عليك الأمور؟”
ارتبك مو ران، وشعر ببعض الأذى. التفت إلى تشو وانينغ قائلًا: “شيزون، شوي مينغ قال إنني لست وسيمًا.”
كان في نبرته مسحة من الخجل.
علم تشو وانينغ أنه يخاطب نفسه، مغيرًا نبرته إلى ما يشبه الدلال. فلم يعره اهتمامًا، بل شرب كأسًا من الشاي الذي صبه الشيخ تشين للتو، ثم رفع بصره وقال: “لماذا يجب أن يتنكر أحد؟ أليس هناك حل جاهز بالفعل؟”
لم يفهم أحد ما يقصده.
أدار تشو وانينغ وجهه قليلًا نحو مو ران وقال بلا مبالاة: “كيس تشيانيكون خاصتك. أخرِجه.”
كانت هذه المرة الأولى التي يخاطبه فيها تشو وانينغ منذ نزولهم من الجبل؛ فلم يستطع مو ران أن يخفي فرحته. لكن ملامح تشو وانينغ كانت غريبة، ولم يقل شيئًا لطيفًا، مما جعله يشعر بخيبة أمل. للحظة، شعر وكأنه ربّ منزل يتلقى تأنيبًا من محظيته المدللة، بينما يمدّ يده ليسحب محفظته. لم يعرف إن كان عليه أن يشعر بالسعادة أم بالحزن.
كيس التشيانيكون كان بمثابة خزينة المزارع بالكامل. لقد طلب تشو وانينغ خزانة مو وي يو بأكملها، ولم يقل حتى كلمة طيبة. ولكن مهما بلغ استياء مو وي يو، لم يكن أمامه إلا أن يسلّمه إياها.
لماذا تصرّف بتلك الوحشية الليلة الماضية؟
كانت حلقة من الناس تراقب تشو وانينغ وهو يفتش في كيس مو ران، محاولة لمعرفة ما هو هذا 'الحل الجاهز' الذي يقصده.
كان الجميع يظن أن هؤلاء الزونغشي فقدوا صوابهم. كانت فكرة جيانغ شي عن التنكر هي كتابة وصفة طبية؛ لم يكن لديهم أدنى فكرة عمّا يمكن أن يُخرجه تشو وانينغ. هل سيستدعي عشرة آلهة ليلية لرفع لافتة خلفه، مكتوب عليها مثلًا: 'يوهينغ من السماء الليل، الخالد تشو وانينغ قد دخل المشهد'؟
بينما كان الجميع غارقين في خيالهم، سمعوا تشو وانينغ يقطّب حاجبيه كسيفين ويقول بضيق: “كيس تشيانيكون هذا كارثة. ما الذي تضعه هنا بحق السماء؟”
“……”
فرك مو ران جانب أنفه بإحراج. لقد كان نظيفًا ومرتبًا في السابق. كان يرتّب حقيبته بدقة شديدة. ولكن منذ أن توحدت روحه بالكامل مع جسده، تغيرت شخصيته كل ثلاثة أيام، وكان الصراع الخفي بين الشخصيتين ينعكس في كيس التشيانيكون. على سبيل المثال، عندما يكون في هيئة تاشيان جون، يُدخل سرًّا بعض بذور الفلفل الحار، آمِلًا أن يزرع الفلفل في جبل نانبينغ، لكن عندما يعود إلى هيئة مو-زونغشي، يتخلّص من كل تلك البذور.
وعندما يعود تاشيان جون، يغضب بطبيعة الحال. يشعر بأن حياته تعيسة، ولن يسمح لنفسه الأخرى أن تنعم بالسعادة، فيبعثر محتويات الكيس، ويُحطّم كل التمائم التي جمعها مو-زونغشي، أو ينزل إلى المدينة ليرهن أغراضه ليشتري لنفسه ثيابًا فاخرة.
فكيف لهذا الكيس ألا يكون فوضويًا؟
كل شيء مختلط، وصعب العثور على ما هو مطلوب. أسقط تشو وانينغ بعض الأغراض التي كانت تحجب رؤيته على الطاولة؛ ومن شدة الفضول، اقترب شوي مينغ ليرى.
“سجلات الآلهة والشياطين.”
قال مو ران موضحًا: “هذا كتابي، أردت أن أتعرف أكثر على تاريخ الآلهة والشياطين القدماء.”
“أوه… ليس سيئًا.” واصل شوي مينغ القراءة: “مجموعة السماء الليلية.”
قال مو ران: “هذا الكتاب يحتوي على تواريخ العديد من المزارعين. لكل من سلفنا سمعة وتحديات خاصة واجهها، وكان لهم طموحات وهواجس. إنهم كنجوم في السماء، كل منهم يضيء عتمة الليل بطريقته. إنه كتاب ممتع للغاية.”
“لا أصدق أنك تطورت لهذا الحد.” بدا شوي مينغ مندهشًا. “كتاب تلو الآخر.”
ابتسم مو ران وقال: “كل هذا بفضل تعليم شيزون.”
انتقل شوي مينغ إلى الكتاب التالي.
“العناية بالخنازير بعد الولادة.”
تجمّدت ابتسامة مو ران على وجهه.
أخيرًا، قال بحزم وهو يلوّح بيده: “هذا اشتراه تاشيان جون. لا علاقة لي به.”
شوي مينغ: “…"
لم يكن تشو وانينغ منتبهًا في البداية. لكن عندما سمع ذلك، رفع عينيه وسأل: “ولماذا اشترى هذا؟ لا نملك مثل هذا الحيوان في منزلنا.”
قال مو ران: “أنا… هو… الأمر كالتالي. في أحد المرات نزل إلى البلدة وهو متنكر، ورأى أن الناس هناك ينظمون عرضًا للمواشي. وفي ذلك الحين، شعر بثقة غريبة، وذهب ليشارك. وكانت النتيجة أنه لم يستطع التفوق على الطبيب البيطري وانغ في القرية، فغضب، واشترى هذا الكتاب… إن درس جيدًا، سيفوز بالتأكيد في العام المقبل، وسيعوّض عار هذه السنة…”
كلما تكلم أكثر، بدا الأمر أكثر سخافة. وعندما سمع ضحكة مكبوتة من أحد تلاميذ قصر تاوباو، أغلق فمه بحرج، ونظر إلى تشو وانينغ بتردد.
قال تشو وانينغ، بعدم تصديق: “لماذا بحق السماء تشارك في… عرض مواشي؟”
“كانت… كانت هناك جوائز.” احمرّ وجه مو ران قليلًا، وخفض رأسه وهمس: “أظن… أنه لو فاز، كان سيفكر في شراء أرقى الثياب لك من متجر فِي يُون تشاي.”
قال تشو وانينغ بصمت: “فِي يُون تشاي يقع قرب قاعة جيانغ دونغ. تلك هوا روي أرسلت سابقًا من يُحضِر ثمانية صناديق كاملة من الثياب والإكسسوارات، وقد أحرقتها كلها دون أن تقول شيئًا. والآن تريد أن تذهب وتشتري منها بنفسك؟”
“هذا مختلف.” قال مو ران فورًا، “تلك الفتاة تنظر إليك نظرة غير سليمة. من الأفضل ألا تظن أنني لا أراها. انظر إلى نوعية الأشياء التي أرسلتها: رداء خارجي، تاج، وثياب داخلية تُلبس على البشرة مباشرة…” كلما تكلّم، ازدادت حدة وجهه. “من الأفضل لها ألا تتوهم لحظة أن شيزون سيرتدي ما أحضرته!”
“……”
وأثناء إنصاته لذلك الكلام، لم يُعرف ما إن كانت عينا تشو وانينغ تبديان العجز أم الحرج، لكن تلك العينين السوداوين، العميقتين، ما لبثتا أن لانت حدتهما. وأخيرًا، عضّ على شفتيه، وسأل فجأة: “مو ران، اليوم، هل أنت من حياتك السابقة، أم من هذه الحياة؟”
“بالطبع أنا من هذه الحياة.” أُصيب مو ران بقليل من الذهول. “شيزون، لمَ تسأل؟”
قال تشو وانينغ: “انظر إلى حالك الآن.” وأخيرًا بدت في عينيه لمحة ابتسامة. “بمَ تختلف عن نفسك في حياتك السابقة؟”
لطالما كان جماله باردًا، مشحونًا بالجليد، وكانت تعابيره دقيقة، لا يلحظها الناس. لكن بالنسبة لمو ران، حتى لو ظهرت تجعيدة بسيطة بين حاجبيه، فذلك يكفيه ليشعر وكأن الريح أو الثلج أو المطر قد حلّ. وما إن رأى أنه لم يعد غاضبًا، حتى خفّض رموشه الطويلة، وأسدل بصره، وابتسم بخفوت، وتعمقت غمازتاه.
وكأن تشو وانينغ كان على وشك أن يقول شيئًا آخر، لكن بدا له أن ما قاله لتوه كان محرجًا، فحوّل وجهه، ورفض الاستمرار بالكلام.
لكن هذا التجاهل لا يشبه ذاك الذي حدث في طريقهم إلى هنا. لم يسع مو ران سوى أن ضحك، ووقف إلى جانبه بهدوء مثل تلميذ صالح.
وأخيرًا، عثر تشو وانينغ على ما يبحث عنه في كيس التشيانيكون—
“كيس الوهم.”
كانت يده الطويلة، النحيلة، والمتناسقة، تمسك بشريط الكيس. قال تشو وانينغ: “هذه الأكياس كانت تُباع مع اللفافة، وتسمح للمستخدم بتغيير مظهره في أعين الآخرين بناءً على مظهره الأصلي، دون الحاجة لتغيير الثياب أو الهيئة فعليًا.”
جميع من في قصر تاوباو: “…"
توقف تشو وانينغ للحظة، ثم قال أخيرًا، بصوت مفعم بالذهول: “ولم يخطر ذلك على بال أحد؟”
هزّ صنّاع لفافة تهدئة الروح وكيس الوهم رؤوسهم بإجماع. لا يُعرف من أول من قال عبارة 'يركب حمارًا ليبحث عن حصان'، لكن 'يركب حمارًا ليبحث عن الحمار ذاته' لا تنطبق إلا على هؤلاء المزارعين من قصر تاوباو.
وهكذا، حُلّت قضية التنكر أخيرًا، وتنفس الجميع الصعداء. واقترب موعد العشاء، فقرروا أن يتوجهوا إلى قاعة الطعام لملء بطونهم، ثم انتظار ظهور كائن اللفافة مجددًا مساءً.
وبينما غادر الجميع واحدًا تلو الآخر، اقترب مي هانشوي من أذن شوي مينغ وهمس: “شوي زيمينغ.”
فجأة أصبح شوي مينغ في قمة التأهب: “ماذا؟!”
قال مي هانشوي مبتسمًا بهدوء: “سأخبرك بسر.”
وكان حدس شوي مينغ يخبره دائمًا أنه من الأفضل عدم الإصغاء إلى أسرار مي هانشوي. لكن فضوله تغلّب عليه، فقال: “م-ما هو؟”
قال مي هانشوي بلطف: “فقط… تلك الطريقة التي ذكرها تشو-زونغشي… في الواقع، كنت قد فكرت بها من قبل.”
حدّق شوي مينغ فيه مذهولًا، ثم التفت إليه: “إذًا لماذا لم تقلها في وقتها؟”
قال مي هانشوي مبتسمًا: “ألستَ من كان عليه أن يتنكر في البداية؟ لم أخبره، لأنني أردت أن أجعل الأمر صعبًا عليه قليلًا، وأمنحك لحظة مرح.”
كان شوي مينغ على وشك أن يوبّخه، لكن فجأة جفّ حلقه، ولم يستطع النطق.
ضحك مي هانشوي: “ألن تشكرني؟”
“أشكرك على ماذا! وماذا عن بعد أن رحل جيانغ شي! لماذا لم تقل شيئًا وقتها!”
“أوه، بعد أن غادر…” توقف مي هانشوي للحظة، وامتلأت عيناه الزجاجيتان بشيء من الشجن، ثم رفع طرف إصبعه إلى شفتيه وابتسم: “لم أخبرك وقتها، لأني أردت أن أجعل الأمر صعبًا عليك هذه المرة، وأمنح نفسي لحظة مرح.”
شوي مينغ: “؟!"
“بالمناسبة، أُذكّرك أنك خسرت الرهان. تذكر وعدك. سأكون بانتظارك.”
“في أحلامك!!!” صرخ شوي مينغ: “تُبا لانتظارك! تريدني أن أتنكر كامرأة لأجلك؟!! في حياتي القادمة فقط! انسَ هذا الوهم!!!”
ارتفع صوته فأثار ذلك نظرات مستغربة من الحاضرين. وما لم يكن معروفًا من قبل، بات الآن على مسامع الجميع. وبدأت الهمسات تدور: “هاه؟! زعيم الطائفة شوي سيتنكر؟”
“يبدو أنه لن يفعلها، وسيضطر لسحب كلامه.”
“السيد مي مسكين، فاز بالرهان ومع ذلك يُشتم.”
“ما أتعس حظه…”
بدأ وجه شوي مينغ يكتسي بالأخضر وسط تلك الهمسات التي تطير من كل جهة. أما مي هانشوي فبقي صامتًا للحظة، ثم ابتسم وقال: “أأنت غير راغب إلى هذه الدرجة؟”
“تبًا لك!”
“وقح.” ابتسم مي هانشوي مجددًا، ونكز مي هانشوي الأكبر بمرفقه وقال: “غاغا انظر إليه. أليس ممتعًا؟”
نظر مي هانشوي الأكبر إلى شوي مينغ الذي انتفخ مثل سمكة منفخة، وقال ببرود: “ليس ممتعًا. ولا تجعله يتنكر.”
مي هانشوي: “لماذا؟ إنه وسيم بما يكفي.”
شوي مينغ: “أنت—! أنت—!”
مي هانشوي الأكبر: “وسيم بما يكفي ليحرق عينيّ.”
كان شوي مينغ على وشك الانفجار!
كان مي هانشوي الأكبر أسوأ حتى من مي هانشوي! الأول قال إنه وسيم، والثاني قال إنه يحرق العيون!!!
انتفض شوي مينغ غيظًا، وصرخ دون اكتراث للعواقب: “مي هانشوي! توقف حالًا! عد إلى هنا! من اللعين الذي يبدو قبيحًا إلى درجة حرق العيون؟ هل رأيتني أتنكر من قبل، هاه؟ تظن أنني لا أجرؤ!! إن كنت رجلًا، لنتحدى من منا الأفضل!”
ابتسم مي هانشوي: “آه، إذًا أنت حقًا تريد—”
لكن قبل أن يُكمل، قاطعه مي هانشوي الأكبر وسحب ذراعه ليوقف هراءه، ثم التفت إلى شوي مينغ وقال: “لا. بناءً على ما قلت توًّا، فالأفضل أن تترك مسألة التنكر لحياتك القادمة.”
“تبًا لذلك!” صرخ شوي مينغ، مشيرًا إلى مي هانشوي الأكبر، ورفع حاجبيه الوسيمين، وراح يوبخه: “متى قلت إنني سأفعلها في حياتي القادمة؟”
رفع مي هانشوي حاجبيه بدوره: “قلت ذلك بنفسك. في هذه الحياة، من الأفضل أن تركّز على كونك زعيم طائفة جيد. لا تكن مومسًا.”
تلعثم شوي مينغ: “ك… كيف تجرؤ… أنت تجرؤ… أنت قلت إني…”
“نعم. أجرؤ.” قالها مي هانشوي ببرود، وهو يرمش بعينيه التركوازيّتين كمن يسخر أو يعبث به. “الأمر محسوم إذًا. أنت مدين لنا برهان.”
“سأنتظرك في حياتنا القادمة، الزعيم شوي."
ظل شوي مينغ واقفًا مذهولًا لفترة طويلة. وما إن استدار مي هانشوي، حتى صرخ: “من الذي مدين لك! ماذا قلت عني؟! مي هانشوي! لا تجرؤ على المغادرة! سأقتلك بحق الجحيم! آآآآه!! قف مكانك!!!”
تعليقات: (0) إضافة تعليق