Extra7
عنوان الفصل: الاحتمال الوحيد (محاكاة ساخرة) - الخاتمة
بعد محاولات عديدة لتغيير الأقدار، أدرك كلٌّ من شوي مينغ والتنين الصغير أخيرًا حقيقة واحدة:
مو ران قد لا يكون مثليًا، لكن في حياته الطويلة، لا بد أن يقابل شخصًا يُدعى تشو وانينغ ويقع في حبه.
“إذن، بدلًا من أن نستنزف أنفسنا في محاولة تعريف مو ران على الفتيات، ربما الأفضل أن نتخلص من تشو وانينغ نهائيًا”، لخص التنين الصغير مهمته باختصار.
“أو يمكننا ببساطة أن نجري عملية تغيير جنس لتشو واننينغ”، أضاف شوي مينغ.
“أو نغير جنس مو ران بدلاً من ذلك.”
“في النهاية، القدر له طريقته الغريبة في العبث. مهما أضفنا من شخصيات نسائية في القصة، سيعود مو ران دائمًا ليكون مع تشو وانينغ.”
أمام هذا الثنائي المزعج من موظفي عالم الزراعة، أصبحت تعابير وجه المدير جيانغ شي قاتمة. كان يدعم خده بيده بينما يقلّب بيده الأخرى كومة سميكة من تقارير المهام، يقرأ القوائم التفصيلية لعلاقات مو ران العاطفية مع الشخصيات النسائية. وبدون استثناء، كانت جميعها تنتهي بإجتماع مو ران بتشو وانينغ.
“كنت أظن أنها لعبة محاكاة رومانسية متعددة النهايات”، قال شوي مينغ بوجه مكفهرّ لم يكن أفضل حالًا من المدير جيانغ. “لم أتوقع أبدًا أنها لعبة RPG تقليدية بنهاية واحدة فقط. أيها المدير هل لعبت Chinese Paladin 1؟ لا أستطيع تذكر إن كان ذلك عام 1998 أو 2001، على أي حال، حتى تلك اللعبة القديمة على الكمبيوتر كان لديها نهاية سرية لشخصية لينغ يويو.”
ثم أكمل شوي مينغ، وهو يعض شفته السفلية بإحباط: “أعتقد أن حياة مو ران أسوأ من Chinese Paladin 1 لعام 1998. حتى أنه لا يمتلك تلك النهاية السرية."
وقف الشاب أمام مكتب المدير جيانغ مكتوف اليدين، لا يتوقف عن التعبير عن مظالمه، بينما ظل المدير جيانغ صامتًا، تتجول عيناه على التقارير التي تسرد الإخفاقات المتتالية. كلما مر الوقت، ازدادت عقدة حاجبيه إحكامًا.
“في الحقيقة، لا حاجة لتقييد أنفسنا بحياة مو ران الحالية فقط”، قال جيانغ شي أخيرًا، رافعًا جفونه النحيلة. “هل جربتم استكشاف خطوط زمنية أخرى من تجسداته؟”
“جربت ذلك”، رد شوي مينغ. “خط القصة في حقبة الجمهورية، وخط القصة في المستقبل… جربتها كلها. اقلب بضع صفحات للخلف لترى بنفسك.”
وبالفعل، في الجزء الأخير من التقرير، أُرفقت احتمالات جديدة لغزو الشخصيات النسائية في قصص التجسدات الأخرى.
“خط القصة في حقبة الجمهورية هو الأكثر إحباطًا”، تدخل التنين الصغير بمرارة. “قمنا بمحاكاة رحلة إلى حقبة الجمهورية، حيث كان مو ران الابن الشاب لعائلة ثرية. منذ صغره، رتب له والده خطبة مع ابنة عائلة بارزة محليًا، وكان من المقرر أن يتزوجها عند بلوغها السن القانونية.”
المدير جيانغ: “أوه؟ أليس هذا رائعًا؟”
لم يستطع التنين الصغير إلا أن يضحك بدموع: “ما الرائع في ذلك؟ قبل أن تبلغ تلك الفتاة السن القانونية، هرب مو ران من المنزل للانضمام إلى الحزب الوطني وأعلن أنه يريد الحرية، وليس زواجًا مرتبًا.”
“وماذا بعد؟”
"ثم جاءت الحروب، أولاً ضد قراصنة الوكو، ثم الحرب الأهلية. خلال الحرب الأهلية، أُرسل للتجسس على الفصيل المعارض.” تنهد شوي مينغ، متابعًا السرد ومساعدًا جيانغ شي في تقليب صفحات الكتاب السميك الخاص بالمهام إلى القسم المتعلق بعصر جمهورية الصين. “انظر هنا، إلى هذه الصورة. هذا الفتى ارتدى عباءة البراءة ببراعة شديدة، لا أثر لكونه أمير حرب، أليس كذلك؟ لذا، في البداية، كان كل شيء يسير على ما يرام.”
كان جيانغ شي قد خمن إلى حد كبير ما سيأتي بعد ذلك. لم يفاجأ على الإطلاق وهو يسأل ببرود: “إذن، كيف ظهر تشو وانينغ هذه المرة؟”
قال شوي مينغ بضيق وهو يلوّح بيده، "دعونا لا نتحدث عن ذلك. أصيب مو ران أثناء تسلله إلى الفرقة برصاصة ونزف بغزارة حتى فقد وعيه، وكان قائد فرقة العدو هو تشو وانينغ، حمل القائد تشو هذا الجاسوس القومي على ظهره عبر جبال الجثث وبحار الدماء ليصل بأمان إلى خندقهم."
أصبح الرئيس جيانغ عاجزًا عن الكلام.
تمتم التنين الصغير، "كاد تشو وانينغ أن يفقد حياته أثناء محاولته لإنقاذ مو ران."
تنهد جيانغ شي. "وعندما استيقظ موران إنشق عن القوميين وتوقف عن كونه جاسوسًا ثم كرّس نفسه ليقف بجانب تشو وانينغ."
لم يستعمل حتى كلمات استفهام، وكأنه كان يرى عبر السنين، ودخان الحروب وثنايا الزمن التي تركتها التجارب على وجهه، وكأنه رأى ذلك التحول الذي شهده مو ران حينها.
“نعم”، قال شوي مينغ مقلّبًا عينيه. “وقعا في الحب مجددًا. رفضا الزميلات الممتازات اللواتي حاولت المنظمة تزويجهما بهن. قاتلا جنبًا إلى جنب، استلقيا في نفس الخندق تحت السماء المليئة بالنجوم، يحملان أسلحتهما. تبادلا قلائد صنعاها من الرصاص، وبعد التحرير عاشا في نفس المنزل، وأصبحا اثنين من ‘العزّاب’ الذين أسروا قلوب الفتيات. كانا يصنعان الزلابية معًا، يركبان الدراجة أثناء تجولهما في الريف، يزوران استوديو التصوير لالتقاط صور ملونة، بل وحتى يشتريان كيسًا من سكر الشعير من المتجر ويتقاسمونه.”
سرد شوي مينغ هذه الذكريات القديمة بسرعة، لكنها رغم ذلك بدت في ذهن جيانغ شي وكأنها شهب تتساقط، تحمل معها مشاهد مشرقة من الماضي.
تخيل دخان البارود الأزرق يتصاعد بهدوء، والملابس الممزقة المتسخة وهي تشهد على المعارك.
في خندق مغمور بالطين والدم، كان شابان يستندان على بعضهما أثناء الحراسة الليلية. عيونهما الداكنة تشع كالنجوم التي تناثرت في السماء. وفي الأفق البعيد، كانت أنغام الهارمونيكا التي كان يعزفها أحد الجنود تنتشر ببطء في ضباب الليل.
تلك الليلة لم تشهد معركة. كان الصمت سيد المكان، مع بقايا خافتة من دخان المعركة السابقة الي كان يذوب في الضباب، شاهدًا على عبث الزمن.
“وفي النهاية، بلغا من العمر السبعين أو الثمانين”، قال شوي مينغ بصوت جاف. وعندما انتهت نبرته الرومانسية، عاد إلى إيقاعه المعتاد. “ثم حلت الكارثة التي بدأت في عام ستة وستين، ورغم ذلك، لم تستطع حتى تلك المحنة أن تفصل بين هذين الشيخين العنيدين.”
أنهى حكايته.
لكن عبق حبهما استمر حتى النهاية. وحتى الموت نفسه لم يستطع إغلاق فصل حياتهما.
صمت جيانغ شي طويلًا. وأخيرًا، وضع التقرير جانبًا وضغط على صدغيه بقلق.
كان يُقال أن الأزواج مثل الطيور التي تعيش على غصن واحد، تتفرق عند أول كارثة.
ولكن إذا كانت كارثة السنوات العشر لم تستطع تفريق هذين العاشقين، فما احتمالية إجبار مو ران على الزواج من فتاة لجعله 'مستقيمًا'؟
أو ربما لم يكن الأمر متعلقًا بكونه مثليًا أو لا. ربما كل ما في الأمر أن هناك شخصًا اسمه تشو وانينغ، شخصًا كان قدره أن يكون حاضرًا دائمًا في حياته، ولا يغيب أبدًا.
مع نهاية يوم العمل، غادر موظفو مكتب الزراعة واحدًا تلو الآخر، وعلى أنغام أغنية 'العودة إلى المنزل'، التي يحبها رئيس المكتب السابق لقصر الجنوب، انتهى اليوم.
بعضهم يقيم بشكل دائم في عالم الزراعة، قادرين على العودة إلى منازلهم بركوب سيوفهم بكل أريحية. أما البعض الآخر، فقد تكيف مع الحياة بين البشر العاديين، متعايشين مع مجتمع حديث لم يعد يؤمن كثيرًا بالأرواح أو الشياطين أو الخالدين. هؤلاء يجب عليهم إخفاء قدراتهم الخارقة، متجولين في الحافلات أو مترو الأنفاق، أو يقودون سياراتهم للاندماج في الحياة الليلية الناشئة.
قال جيانغ شي وهو يقف أمام النافذة الممتدة من الأرض إلى السقف، يراقب الزحام المتحرك أسفلها، دون أن يلتفت إلى شوي مينغ والتنين الصغير: “لا أعتقد أن هناك أي فائدة من البقاء هنا.”
ثم أضاف أخيرًا: “انسوا الأمر.”
شوي مينغ بدا مرتبكًا للحظة ورد مستفسرًا: “ماذا؟”
تقاطع ذراعا جيانغ شي وهو يلتفت نصف التفاتة لينظر إليه بوجه جانبي: “ما أعنيه هو أن مهمتك قد انتهت.”
على أي حال، مهما حاولوا وأعادوا التجربة، النتيجة ستظل كما هي.
لا فائدة من تكرار المحاولة حتى يجد عالم الزراعة نهجًا جديدًا.
“لنعد إلى المنزل.”
كانت هذه أول مرة يفشل فيها شوي مينغ في مهمة.
وعلى الرغم من أن كلماته كانت تشير إلى أن الخطأ لم يكن منه، إلا أن شعورًا بالانزعاج تسلل إلى قلبه عندم سمع قرار جيانغ شي.
بدا شوي مينغ يفرك السجادة بطرف حذائه دون وعي، تردد للحظة، ثم قال: “لدي سؤال آخر.”
في تلك اللحظة، استدار جيانغ شي تمامًا. اتكأ على الزجاج النظيف للنافذة، ورفع رموشه قليلاً قائلاً: “اسأل.”
أخذ شوي مينغ نفسًا عميقًا وقال: “رأيت طفولته في جهاز المحاكاة. أعتقد أنه في مثل عمري تقريبًا.”
“وماذا بعد؟”
“…لماذا لا نجده ونسأله إذا كان يرغب في المشاركة في التجربة؟”
صمت جيانغ شي للحظة قبل أن يسخر قائلاً: “التجارب الجينية خطيرة للغاية. في هذا العصر، هل ما زلت تعتقد أن عالم الزراعة يعج بالفوضى والجهل كما تعلمت في دروس التاريخ؟ …لن نستخدم أي شخص عشوائي لمثل هذه الأمور.”
“…”
قال جيانغ شي بلهجة صارمة، “حتى لو كان ذلك الشخص هو ‘جمال عظم الفراشة’ استيقظ، أيها الفتى. عصر البقاء للأقوى انتهى منذ زمن بعيد.”
تحت الضوء الأبيض البارد في مكتب المدير، بدا وجه شوي مينغ محمرًا قليلاً.
تمتم قائلاً: “لم أقصد ذلك… فقط… أنا فقط لا أعرف…”
بدأ جيانغ شي في ترتيب الأوراق، بينما ألقى نظرة خاطفة على المتدرب الجديد وهو يعمل. “أعلم أنك لم تقصد ذلك. لكن دعني أذكرك، بغض النظر عن من يكون والدك وبغض النظر عن مدى تفوقك في المدرسة، أو عدد المنح الدراسية التي حصلت عليها، أو كم مرة قامت والدتك بتلميع كأس الولد المثالي الذي يزين رفوف مكتبتك.”
ازداد احمرار وجه شوي مينغ، في البداية من الإحراج، ثم تحول إلى غضب.
“لا يهمني كيف أدّيت تحت إشراف المدير نانغونغ، أو عدد الطوابع التي ختمتها، أو عدد المشاريع التي وافقت عليها.”
تجاهل جيانغ شي غضب شوي مينغ تمامًا، وأغلق الأدراج على الأوراق. بأصابعه النحيفة، عدّل ربطة العنق الحريرية الخضراء الداكنة حول عنقه، ثم اختتم حديثه قائلاً: “لا يزال أمامك الكثير لتتعلمه هنا.”
اتجه المدير صاحب الشخصية المهيبة بخطوات طويلة نحو الباب، غير مكترث، وكأنه أنهى اللقاء.
ارتعش شوي مينغ من شدة الغضب، وأخيرًا فقد أعصابه وصرخ: “جيانغ شي!!!”
توقف جيانغ شي عند الباب للحظة، ثم التفت برأسه قليلاً ليطبع نظرة مقتضبة على الشاب. قال بصوت بارد: “تذكر أن تطفئ الأنوار.”
“…”
كانت الساعة قد تجاوزت السابعة مساءً.
وأُطفئت آخر أنوار مبنى مكتب الزراعة.
في الآونة الأخيرة، لم تكن هناك حروب أو مشاريع بناء عاجلة تتطلب العمل لساعات إضافية. كان لكل شخص منزل يعود إليه.
كان الأصدقاء يلتقون، والعشاق يخرجون في مواعيد رومانسية. الأزواج يحتضنون بعضهم على الأرائك، يتناولون الفشار بينما تتراقص أضواء الشاشة الزرقاء للتلفاز. شباب طويلو القامة، ممتلئو الحيوية، يرتدون المآزر لمساعدة والديهم في تحضير وجبة العشاء.
كان لكل شخص مكان ينتمي إليه.
ورغم أن جيانغ شي كان متهورًا، إلا أن كلماته لم تخلُ من الحقيقة. لم يكن هناك عصر مثالي، ولا زمان خالٍ من العيوب. ولكن بالمقارنة مع الماضي، كان الحاضر يحمل في طياته الكثير من التحسن. مرت سنوات طويلة منذ تلك الأزمنة المضطربة، حيث كان النظام ينهار ثم يُعاد بناؤه مرارًا وتكرارًا.
مرت سنوات كافية لتُنسى الأسماء والأحداث، ويطويها نهر الزمن. طويلة بما يكفي لتدور الأرواح بلا توقف، تعيش حياة تلو حياة، وتختبر الموت مرة بعد مرة.
طويلة لدرجة أننا لم نعد كما كنا، لا أنا ولا أنت.
ورغم ذلك، بقينا معًا.
الشباب يذبل، الأجساد تضعف، والحياة تخضع في النهاية لحكم الزمن. ولكن الأرواح التي تتشابك عبر الأقدار يُمنح لها جسد جديد، ليعيدها الزمن إلى أحبائها مرارًا وتكرارًا. تلك الرغبة الخالدة التي تقاوم الزمن وتنجو من دوائر الحياة والموت ستجد ملاذها في حضن من تحب، مرة بعد مرة، عبر أبدية لا تنتهي.
ارتباط أبدي… حياة بعد أخرى.
ودّع شوي مينغ التنين الصغير وغادر المبنى.
كانت السماء ملبّدة بالغيوم الثقيلة ذات اللون الرمادي الداكن، والثلج يتساقط برقة من سماء الليل، متناثرًا على عالم غارق في رفاهية مبالغ فيها.
لم يكن يحمل مظلة، لذا رفع ياقة معطفه، يمشي مسرعًا نحو أقرب محطة حافلات. كان يرى أنفاسه تتحول إلى ضباب يتبدد من حول وجهه.
وفي هذه المدينة المخبأة تحت السماء، كانت مصائر لا حصر لها تتشابك —
في مطعم 'زلابية السيد لي'، كان الرجل العجوز يعد مكاسبه اليومية بابتسامة رضا. بفضل أمانته، ازدهر عمله، وكان يخطط لشراء كتاب قديم عن تقنيات السيوف لطالما رغب في اقتنائه. كان يجد متعة غريبة في قراءة تلك الكتب الغامضة، رغم غرابتها، لكنها كانت ساحرة بطريقة لا يستطيع تفسيرها.
في مكان آخر، كانت الآنسة لو على وشك أن تبلغ السادسة والعشرين بعد بضع ساعات. حديثة التخرج بشهادة ماجستير في علوم الغابات، أوقفت سيارة أجرة لتحتفل بعيد ميلادها في أحد نوادي المدينة. لم تكن تعلم أن الحفلة التي نظمتها صديقتها المقربة ستجمعها بجار طفولتها الذي لم تره منذ سنوات، لتجد فيه حبًا قد كُتب لها منذ زمن بعيد.
وفي أضواء الكازينو الصاخبة، كانت السيدة تشين، صاحبة المكان، تجلس خلف مكتبها. أظافرها الزاهية اللون تلمع تحت الضوء، وهي تراقب الزبائن وهم يغامرون بثرواتهم. بالنسبة لها، المال كان أعظم اختراع على الإطلاق.
أما في متجر للعرائس، كانت فتاة شابة تحمل لقب 'يي' تجلس إلى جانب خطيبها. كانا يناقشان بحماس شديد مكان وضع لؤلؤة واحدة على ثوب الزفاف، وقد مضى على هذا النقاش نصف ساعة كاملة. بالنسبة لهما، بدا الأمر وكأنه القضية الأهم في العالم، وكأن كل مشاكلهما ستُحل بمجرد اتخاذ القرار بشأن هذه اللؤلؤة. يا لهما من ثنائي غارقين في الحب، حيث كانت لؤلؤة صغيرة هي أكبر همومهما. (يي وانغشي و نانغونغ سي 😔❤️🩹)
ألم يدرك أحد أن على بعد ثلاثة شوارع فقط، كان هناك شخصان يعيشان حياتهما بالكامل في هذا العصر—مو ران وتشو وانينغ؟
لم يكونا مجرد أوهام في جهاز محاكاة، ولا شخصيات في لعبة، ولا مهمة من مهام شوي مينغ.
كان واضحًا، بشكل لا يحتمل الشك، أنهما سيبقيان معًا في هذه الحياة.
لكن في هذه اللحظة تحديدًا، كانا يتشاجران حول أمر تافه. بدأ كل شيء عندما أراد مو ران مشاهدة فيلم رومانسي من بطولة الممثل الشهير شون فينغرو في السينما، بينما فضّل تشو وانينغ فيلم حركة للنجم القتالي الكبير تشين تسونغ مينغ.
“ألا يمكنك اختيار شيء أكثر رجولية وحماسًا؟” قال تشو وانينغ وهو يضيّق عينيه بنظرة حادة، موجهة لحبيبه الوسيم، الذي كان أطول منه بنصف رأس، ومع ذلك لم يفقد شيئًا من هيبته، لو لم تكن رموشه الطويلة، التي تتراقص تحت أضواء الشارع مثل بتلات الزهور، لكان يبدو أكثر شراسة.
قال مو ران بصوت خافت، محاولًا تبرير اختياره: “لكنني سمعت أنه فيلم رائع.”
ولكن تشو وانينغ قاطعه بغضب مكتوم: “لا أستطيع تحمل ذوقك الرديء بعد الآن.”
“…”
“كل مرة نذهب فيها للسينما، نختار إما أفلامًا كوميدية أو رومانسية سخيفة. والآن تريد مشاهدة فيلم بعنوان كلب الهاسكي ومعلمه القط الأبيض؟ هل فقدت عقلك؟ هذا فيلم رسوم متحركة، أليس كذلك؟ هل كتبوا على الملصق أنه ‘مناسب للأطفال دون سن الخامسة’؟”
تراجع مو ران قليلاً، محاولًا الدفاع عن الفيلم، لكنه ابتلع كلماته عندما رأى الغضب في عيني حبيبه.
تابع تشو وانينغ بنبرة أكثر حدة: “لقد قلت لك من قبل، أفلام مثل تليتابيز ضد فولدمورت وكابتن أمريكا ضد بالابالا تجاوزت كل حدودي. لم ولن أذهب معك لمشاهدة شيء كهذا مجددًا!”
كانت كلماته تتدفق كالسيل، وكأن هذا الغضب كان يتراكم منذ وقت طويل. أضاف بحدة: “أنا شرطي، مو ران. حتى لو خلعت الزي الرسمي بعد العمل، ما زلت شرطيًا. لا أستطيع السماح لك بتدمير عقلك بهذا الشكل… لماذا تنظر إلي بهذه الطريقة؟”
“…”
“هل تظن حقًا أن مجرد التحديق بي سيجعلني أوافق على مشاهدة كلب الهاسكي ومعلمه القط الأبيض؟ بالله عليك، أنت في العشرينيات من عمرك! تخيل نفسك تقف أمام شباك التذاكر وتقول، ‘تذكرتين من فضلك لفيلم كلب الهاسكي ومعلمه القط الأبيض.’ ألا تشعر بالخجل؟”
نظر مو ران إليه بعينين مظلمتين مليئتين بالأسى، وكأنه تعرض لظلم كبير. وأخيرًا قال بصوت منخفض: “زميلي أخبرني أنه ليس فيلم رسوم متحركة. ربما لا أعرف إن كان جيدًا، لكن أعدك، إنه فيلم رومانسي جاد…”
رد تشو وانينغ بغضب: “لا يوجد فيلم محترم يحمل اسمًا بهذا الغباء!”
استدار وتقدم بخطوات غاضبة، لكنه بعد خطوتين فقط لاحظ أن مو ران لم يتحرك من مكانه، بل كان يقف هناك محدقًا به بصمت، مما زاد من غضبه، فالتفت وقال بصوت عالٍ: “قلت لا!”
عض مو ران على شفتيه واستمر في التحديق بصمت.
لو كان المدير جيانغ شي، موجودًا وشاهد هذا المشهد، لكان بالتأكيد هز رأسه وقال في نفسه: “يا لهم من حمقى. كيف يمكن للناس في هذا العصر أن يكونوا بهذا الفراغ والسطحية؟ لماذا يحتاجون إلى مشاهدة الفيلم معًا؟ ألا يمكن لكل منهم شراء تذكرته ومشاهدة الفيلم الذي يريده؟ هل هم أطفال في المدرسة الابتدائية يمسكون بأيدي بعضهم أثناء الذهاب إلى الحمام؟”
—هذه الأفكار كانت بالتأكيد ستخطر ببال جيانغ شي، فهو دائمًا مدير بارد، حاد الذكاء، ومتغطرس.
في تلك اللحظة، كان تشو وانينغ يسير بصمت، يداه في جيوب معطفه الصوفي الأسود، متجاهلًا محاولات مو ران المتكررة للإمساك بيده.
“وانينغ…”
“…”
“حسنًا، تمهل قليلًا. دعنا نتحدث عن الأمر بهدوء…”
“…”
“أعدك، لن يكون أسوأ من تليتابيز ضد فولدمورت،” تمتم مو ران بخجل. ثم أضاف وكأنه يحدث نفسه: “وبصراحة، لم يكن تليتابيز ضد فولدمورت سيئًا كما تقول… أنا حتى متحمس لمشاهدة العملاقة هاجريد في العام المقبل…”
توقف تشو وانينغ فجأة، التفت إليه بصدمة وذهول، ثم قال بنبرة حادة: “ماذا قلت؟ لا، لا، انس الأمر.” هز رأسه وكأنه يحاول محو تلك الفكرة من ذهنه. ابتلع ريقه بصعوبة وقال: “لا تكرر ذلك. لم أسمع شيئًا.”
واصل مو ران التجهم بصمت.
تابع تشو وانينغ سيره بخطوات سريعة، ومعطفه يتطاير خلفه، وكأن الكلمات قد خانته تمامًا. حقًا، كلما ظن أنه وصل إلى قاع ذوق مو ران السيئ في الأفلام، يفاجئه بفكرة أسوأ.
ومع ذلك، تبع مو ران حبيبه ولم تفصل بينهما سوى خطوة واحدة.
تابعا السير لبعض الوقت بصمت، قبل أن يجمع مو ران شجاعته مرة أخرى ليحاول إقناع تشو وانينغ بطريقة مختلفة. “ما رأيك أن نحدد الفيلم بلعبة حجر-ورق-مقص؟ أو نسحب أعواد القش؟ أو نرمي النرد؟…”
تلاشى صوته فجأة عندما التقط شيء ما من زاوية عينه، وتولّدت فكرة في رأسه.
“تشو وانينغ!”
توقف أخيرًا احبيب تشو وانيغ الوسيم والطويل بجانب الطريق. تحت ضوء الشارع الخافت، أشار بيده نحو بائع على الجانب الآخر ينادي: “بطاطا مشوية… بطاطا مشوية ساخنة!”
“تشو وانينغ،” كرر مو ران بنبرة خافتة.
تجاهله تشو وانينغ، ولم يرد.
“الضابط تشو،” ناداه بابتسامة خفيفة، لمعت في عينيه لمسة من المرح.
كان يعرفه جيدًا. يعرف ما يحب تناوله، ويعرف كيف يلفت انتباهه. فقد قضيا معًا وقتًا طويلًا يكفي لفهم أدق تفاصيل بعضهما البعض.
وكما توقع، استدار تشو وانينغ برأسه، لكنه لم يلتفت بالكامل. ظهر نصف وجهه فقط، ويداه ما زالتا في جيوب معطفه الطويل. رفع ذقنه قليلًا وضيق عينيه ذات الرموش الكثيفة وهو ينظر نحو مو ران تحت ضوء الشارع.
ابتسم مو ران بخفة، خفض رأسه قليلاً وكأنه يفكر مليًا، ثم قال ببساطة: "هل تريد واحدة أم لا؟”
أضاف بابتسامة دافئة. “إنها بطاطا مشوية شتوية، المفضلة لديك. وهذه تبدو بطاطا بيضاء من الداخل، وتعلم أنها نادرة. لذا، تناول واحدة… ولا توقف عن الغضب.”
بدأت ملامح تشو وانينغ تلين أخيرًا. لم تعد متجمدة كالجليد في الشتاء القارس. وقف للحظة، ثم استدار نحوه بخدود منفوخة قليلًا، وسار بخطوات ثابتة نحو مو ران وهو يقول بنبرة هادئة، وكأنه لم يتأثر بالعرض مطلقًا: “لا أريد واحدة… أريد أربعًا.”
ضحك مو ران وقال بمزيج من المرح والاستغراب: “أربع؟ حسنًا، أربع إذن. لكن هل ستظل لديك مساحة للعشاء بعد كل هذا؟”
رد تشو وانينغ بثقة وهدوء: “لا تستخف بمعدتي. هذه مجرد مقبلات.”
ابتسم مو ران ابتسامة عريضة وقال: “حسنًا، استمتع بمقبلاتك إذًا. وبعدها نتناول العشاء… ثم نشاهد فيلم تشين تسونغ مينغ.”
أخذ تشو وانينغ البطاطا الساخنة، وتناول قضمة منها، محاولًا كبح الابتسامة التي تهدد بالظهور على طرف شفتيه. ثم قال بلا مبالاة، وكأنه يخفي رضاه: “أو ربما يمكننا مشاهدة كلب الهاسكي ومعلمه القط الأبيض.”
اتسعت عينا مو ران فجأة، وتوهجتا بالحماس. “حقًا؟!”
“امم. سأتحمل سخافاتك هذه المرة فقط.”
امتلأ صوت مو ران بسعادة غامرة، وكأنه قرص فوّار ذاب في الماء، ليملأ الأجواء بفقاعات الفرح التي حولت اللحظة إلى لحظة حالمة مفعمة بالدفء والعذوبة.
“أنت رائع جدًا! بالمناسبة، ماذا عن العملاقة هاجريد القادم؟”
“لا تفكر فيه أبدًا…”
على الرصيف المغطى بالثلوج، امتزجت آثار أقدامهما، تسير جنبًا إلى جنب، قريبة جدًا من بعضها البعض.
عند مفترق طرق، كان شوي مينغ جالسًا في الحافلة، يستمع إلى الموسيقى عبر سماعاته، يتأمل الحشد المزدحم خارج النافذة. انعكست أضواء النيون على عينيه بينما تثاءب بلا مبالاة.
لم ينتبه للشابين الذين كانا يسيران بجانب الرصيف، ويتجادلان بشغف عن فيلم بعنوان 'العملاقة هاجريد'.
أضاء الضوء الأخضر، وتحركت الحافلة.
مرّوا بجانب بعضهم، وشوي مينغ يهمهم لحنًا من سماعاته، رغم أن صوته كان خارج سيئًا. لكنه لم يهتم، فمن يجرؤ على حرمانه من متعة الغناء لمجرد أنه ليس مغنيًا بارعًا؟
كانت والدته قد أرسلت له رسالة تخبره أن والده عاد من رحلته، وأن عشاء الليلة سيشمل السمك المسلوق الحار والدجاج الحار، أطباقه المفضلة.
لا شيء يمكن أن يمنعه من الغناء الآن. لا نهاية العالم ولا فيضان. كان لديه هدف واحد وهو تناول السمك المسلوق أولاً.
رغم اختلافهم في الحياة، والوظائف، والأصول، والطرق، والهوايات، إلا أن بعض الأشياء لا تتغير. لم يستطع الزمن أو دورات التناسخ أن تغير حب شوي مينغ للسمك، أو ولع تشو وانينغ بالحلويات، أو شغف مو ران بفطائر الزيت الحمراء.
في النهاية، كل قصصهم كانت تؤدي إلى نفس الخاتمة.
إنها تسوية الكون العظيمة مع حياة البشر، مع محاولاتهم التي تبدو عبثية، كذبابة تحاول هز شجرة، أو رجل يطارد الشمس.
بعد كل تلك المحن والمصاعب؛ سيعودون دائمًا إلى أحضان من يحبون.
—نهاية الفصل الإضافي: “الاحتمال الوحيد”—
تعليقات: (0) إضافة تعليق