Ch352 | GHG
عُلّقت الفوانيس الحمراء على الجدران الداخلية لممر القبر المنخفض،
تتأرجح يمينًا ويسارًا مع الرياح الحارة والرطبة التي تهب من الداخل
الضوء القرمزي الساطع تمايل ذهابًا وإيابًا على الجدران الرطبة مع حركة الفوانيس،
ليُسقط ظلالًا عديدة متفاوتة الطول على الجدار،
وكأنها مسرح خيال الظل
تلك الظلال تتحرك بجمود،
تمدّ رؤوسها وتُرهف آذانها لبعضها البعض،
وكأنها تتحدث
وقد تسببت بحركاتها وأصواتها الغامضة في إصدار تلك
الكلمات وخطوات الأقدام البعيدة والمبهمة التي سمعها
باي ليو قبل قليل
ومع تغيّر الضوء وتحرك مواقعها،
تمشي ببطء نحو حجرة القبر الرئيسية
وعند مدخل حجرة القبر الرئيسية،
وتحت إنارة الفوانيس، وقف ظلّان، أحدهما على اليسار
والآخر على اليمين،
ينحنون باحترام، وكأنهم يستقبلون الضيوف
عيونهما الداكنة فارغة،
ولكن في داخل وجهي الظلال، يوجد شيء يتحرك ويدور،
كما لو أنه يراقب الداخلين أو ظلهم
( يعني كل هذا يصير هو مجرد ظلال في الجدران وتتحرك وتبدأ تخرج من الجدار / اتخيلوا المشهد كأنه شاشة سينما )
فُتحت شفاه الظلال ببطء ،
وخرج الصوت الغريب الحاد مجددًا من الجدار:
“ ضيفان جاءا ليباركا لنا ،
تفضّلا بالدخول إلى القاعة الرئيسية !”
يوجد العديد من الظلال على الجدار ،
لكن لم يكن هناك أحد في ممر القبر،
سوى ضوء أحمر خافت يتمايل
وبين النور والظلمة،
واصلت الظلال تغيّر أشكالها وحركاتها،
تتحرك إلى الداخل،
وتصبح أكثر وضوحًا على الجدار
وبعد أن حثّت الظلالان الواقفتان عند المدخل الضيفين
مرتين، لم يتحرك باي ليو
صعدت أعينهم المبتسمة على شكل هلال ثم هبطت،
واختفت الابتسامات عن وجوههم،
ولم يبقَى سوى عينين حمراوين كفتحات تراقب باي ليو
وغاصت قدم الظل ، التي كانت واقفة على الجدار ، إلى
منتصفها،
ثم انحنت بطريقة غريبة نحو الأرض،
مقتربة أكثر فأكثر من حيث يقف باي ليو،
ثم حثّ الصوت من جديد وبنبرة أشد حِدّة:
“ أيها الضيفان، تفضّلا بالدخول .”
خفض باي ليو عينيه وسار إلى الداخل ،
و تبعه مو سيتشينغ عن قرب
انحنت الظلالان الواقفتان عند المدخل،
ووضهوا أيديهما أمام صدريهما،
وأمالا جسديهما،
ثم أدارا أنظارهما لمتابعة دخول باي ليو إلى الممر
ثم فُتح فم كل منهما على اتساعه في قوس هائل،
وصدح صوتهما:
“لقد وصل الضيوف المميزون ،
المضيف والضيوف يرحبون بالقادمين !”
وما إن دخل باي ليو إلى ممر القبر،
حتى توقفت جميع الظلال على جانبي الممر عن المشي والحديث
جمدت تلك الظلال،
وظلت تحدق صامتة بباي ليو ومو سيتشينغ،
و أعينها تعكس لمعان أحمر
تلك الظلال بأحجام وأشكال مختلفة،
من بينها امرأة بشعر مرفوع تحمل فتاة صغيرة بضفيرتين،
ورجل عجوز أحدب بعصاه ،
ورجل في منتصف العمر يرتدي سترة قصيرة
جميعهم وقفوا بصمت على الجدار،
يحدقون في باي ليو الذي يسير ببطء نحو الحجرة الرئيسية
شعر مو سيتشينغ بوخز في فروة رأسه،
فاقترب من باي ليو وهمس بصوت منخفض:
“ ما هؤلاء الظلال؟
ألم تقل إن الأحياء فقط هم من يُلقون بظلالهم في العالم السفلي ؟”
أجاب باي ليو بينما يتقدّم دون أن يلتفت:
“ صحيح أن الأحياء يستطيعون إسقاط الظلال في العالم
السفلي، لكنهم ليسوا الوحيدين .
فالظلّ في الأصل صورة تتشكل من اجتماع الأرواح الثلاثة
والأنفس السبعة للإنسان ،
وتنطبع بفعل الضوء على الأجسام المادية .
وجوهر الظلّ يشبه انعكاسنا في المرآة .
لهذا ، في كل من التقاليد الشعبية والطاوية ، يُقال إن
الأشباح لا تملك ظلًا ، ولا تنعكس في المرايا ،
لأن أرواحها وأنفسها غير مكتملة .
الأشياء ذات الشكل دون ظل تتحول إلى أرواح ،
والأشياء ذات الظل دون شكل تتحول إلى أنفُس ...”
ثم ألقى باي ليو نظرة على الظلال التي على الجدران
وتابع :
“ هذه الظلال على الأغلب هي أنفُس سكان قرية ينشان
الذين ماتوا واحتُجزوا هنا إلى الأبد دون أن يُبعثوا من جديد "
تلفّت مو سيتشينغ إلى الظلال من حوله،
وارتعش قائلاً:
“… إذًا هذه الظلال مجرّد أنفُس ؟
مقارنةً بأشباح جسر التضحيات الذين تحولوا إلى أرواح،
فهي ليست خطيرة، أليس كذلك؟”
أعاد باي ليو نظره إلى الأمام وقال:
“ تقول تعاليم الشعوذة الماوشانية إن الروح طيبة ،
بينما النفس شريرة؛
الروح ذكية ، والنفس جاهلة… إن وُجدت الروح ، وُجد الإنسان ؛
وإن اختفت ، لم يعد الشخص هو نفسه .
الأجساد المتحركة والظلال في هذا العالم،
كلها تتشكّل بفعل الأرواح .
ولا يقدر على التحكم في الأرواح سوى من يمتلكون الطاوية
الحقيقية .”
( ملاحظة: الطاوية هنا تعني المعرفة الروحية العميقة ،
أو المهارات الطقسية الرسمية في الشعوذة )
ابتلع مو سيتشينغ بصعوبة، وقال متوترًا:
“…ماذا تعني بهذا ؟”
فأجابه باي ليو ببساطة:
“ يعني أن الروح طيبة ، والنفس شريرة .
الروح ذكية، والنفس جاهلة .
طالما أن الروح ما تزال موجودة ، يمكننا أن نُطلق على
الشبح بأنه إنسان .
لكن بمجرد أن تتبدد الروح بالكامل ،
لن يبقى في الشبح أي ذرة من إنسانيته .
أقوى الأشباح في هذا العالم جميعها من النفوس ،
ولا يقدر على إخضاع النفوس إلا من يملك الطاوية الحقيقية .”
لم يتمالك مو سيتشينغ نفسه واشتكى:
“ لا تقل لي إن أشباح الجسر بالخارج تُعد طيبة وإنسانية ؟!”
رد باي ليو بهدوء:
“ مقارنةً بالنفوس؟ نعم، تُعتبر كذلك .”
ازداد الضوء الأحمر المنبعث من فوانيس ممر القبر سطوعًا شيئًا فشيئًا،
حتى لاحظ مو سيتشينغ أن الظلال على الجانبين بدأت تتحرك ببطء
عيونهم المشعة بالضوء الأحمر تحدق في باي ليو دون أن
يرمشون ، وخطواتهم بدت باهتة وغير حقيقية
أفواه الظلال متشققة على شكل شقوق حمراء متفاوتة
الطول، تتحدث همسًا فيما بينها
و صوتهم غير واضح،
وكأنهم يتحدثون من خلف جدار،
مليء بالأسرار والضجيج في نفس الوقت
لم يتمكن مو سيتشينغ من تمييز ما يقولونه،
لكنه شعر أن تلك الكلمات لم تكن مبشرة بالخير،
لأن النظرات التي رمقوه بها كانت مليئة بالحقد المكبوت
وفجأة، وبينما يراقب تلك الظلال،
شعر بقشعريرة في عنقه،
وعبس حاجبيه قائلاً دون تركيز:
“…هل أصبحت هذه الظلال أقصر فأقصر ؟”
شدّه باي ليو من ذراعه وجعله يمشي مباشرة خلفه وقال بصوت خافت:
“ انتبِه لمكان خطواتك .
هذه الأرواح محاصَرة داخل الجدار على هيئة ظلال.
ورغم أنها لا تهاجمنا الآن، يمكن لظلالها أن تلامس ظلالنا.
لكن… لا ينبغي لها أن تنفصل عن الجدار وتهاجمنا فعليًا .”
نظر مو سيتشينغ إلى الأرض دون وعي،
ليفاجأ بأن أقدام تلك الظلال قد انزلقت بالفعل تدريجيًا من
الجدار إلى الأرض ،
وتقترب شيئًا فشيئًا من ظله وظل باي ليو
( الظلال بدت تخرج من الجدار —- )
{ لا عجب أنني شعرت بأن الظلال تصبح أقصر ! }
وبدا أن الظلال على الجدار قد أدركت أن خطتها انكشفت،
فارتسمت ابتسامات عريضة على وجوهها— وجوه رجال
ونساء، كبار وصغار— شبه متطابقة ،
وفُتحت أفواههم الحمراء في آن واحد
ثم انطلقت ضحكات متداخلة بأصوات مختلفة من الجدار
ارتعب مو سيتشينغ بشدة،
وسارع بالسير خلف باي ليو بخط مستقيم،
محاولًا إبقاء ظله في المنتصف بعيدًا عن تلك الأرواح
رمق باي ليو ظلّ مو سيتشينغ بنظرة خاطفة من زاوية عينه
—{ ظل مو أصبح باهت جدًا ، بالكاد يُرى
عدم وجود ظل يعني أن روح مو سيتشينغ على وشك
الانفصال عن جسده ،
ولهذا لم يعد قادرًا على إسقاط ظل …
بمعنى أن مو سيتشينغ هذا هو الروح ،
أما ما تبقى في جسده… فلا حاجة للقول—إنها النفس
والنفس لا تحتوي على إنسانية ، بل على الشر فقط
بدأت الأمور تصبح مزعجة قليلًا …. }
فقط الشعوذة الطاوية الرسمية قادرة على إخضاع الأرواح،
لكن باي ليو ومو سيتشينغ لا يملكان سوى الشعوذة غير النظامية
( لأنه الكتاب اخذه يانغشو / الكتاب الي مع با ليو تعاويذ ماوشان شريرة )
لم يكن أمامهما سوى المضي قدمًا خطوة بخطوة… وانتظار ما سيحدث لاحقًا
تابع باي ليو طريقه إلى نهاية ممر القبر،
ثم دفع بابًا خشبيًا مزدوج ضيق بلون أحمر باهت
الظلال على الجدار تنظر إلى باي ليو بنظرات جشعة تقشعرّ لها الأبدان
تبادلت المديح فيما بينها وهي تدخل من الباب الخشبي وهي تضحك
قاد باي ليو مو سيتشينغ ودخلا من نفس الباب
وفور عبورهم،
تغيّر المشهد الداخلي للمقبرة الضيقة بشكل مفاجئ—
أصبح أكثر إشراقًا بكثير
ارتفع سقف القبر عدة أضعاف مقارنةً بما كان عليه،
حتى بدا وكأنه بطول طابقين أو ثلاثة
تزيين الحجرة الرئيسية في المقبرة مستلهم من صالة
استقبال قديمة في قصر تقليدي،
وأُضيئت في أرجائها الشموع الحمراء والبيضاء والفوانيس،
حتى غدت الإنارة ساطعة تكاد تعمي البصر
الظلال التي دخلت واحدة تلو الأخرى تتجوّل على الجدران،
والتي رُسمت عليها مشاهد عديدة من ولائم وضيوف يمرحون
أصواتهم—من ضحك وهمسات ومرح—تتماشى مع هذه الرسوم
بالتأكيد لولا أن تلك الظلال كانت تحدّق في باي ليو بوقاحة،
لكان صدق هذا المشهد الاحتفالي بكل صدق
في الجهة المقابلة للباب الخشبي،
وُضِعت سبعة طاولات مربعة ،
تكفي لثمانية أشخاص ، بنمط معيّن
غطى الغبار الكثيف سطح الطاولات،
لكن يمكن تمييز نمط الـ “با غوا” (ثمانية الترايغرامات) مرسومة عليها بصعوبة
و أرجل الطاولات مثبّتة بالأرض بواسطة مسامير ذهبية،
بحيث لا يمكن تحريكها
لكن ما أُحيط بهذه الطاولات لم يكن كراسي أو مقاعد… بل
توابيت قائمة بشكل رأسي
جميعها مفتوحة ، ولم يتبقَى سوى صناديق التوابيت الفارغة،
أُلقِيَت أغطية التوابيت بشكل فوضوي على الأرض—سبعة
واقفة وثمانية مستلقية،
ومربوطة جميعها بخيوط حمراء
داخلية التوابيت متعفنة بشدّة،
ولا تزال تقطر ماءً
و مرآة برونزية مثبته عند رأس كل تابوت —تمامًا كما في
تابوت العروس الذي رآه باي ليو سابقًا في المعبد
تقدّم باي ليو ، ودَار حول التوابيت ،
ثم انخفض جاثيًا يلمس الخط الأحمر على غطاء أحد التوابيت بعناية:
“ لا يوجد الكثير من الغبار على الطرف المكسور…
يبدو أنه تم تمزيقه حديثًا .
الجثث التي كانت بداخلها لم تبتعد كثيرًا .”
ثم نهض وأخذ يدور حول التوابيت واحد تلو الآخر وهو يتمتم:
“واحد، اثنان… ثلاثة وثلاثون.”
رفع باي ليو نظره، وقال:
“ يوجد فقط ثلاثة وثلاثون تابوت فارغ…
أي أن ستة عشر تابوت مفقود .”
ابتعد مو سيتشينغ عن التوابيت وقد بدا عليه الذعر،
فهو لم يرد الاقتراب منها إطلاقًا،
وسأل بتوتر:
“ وكيف عرفت أن هناك ستة عشر مفقود؟”
أشار باي ليو إلى الطاولات السبع التي تتسع لثمانية أشخاص:
“ يبدو أن هذه تشكيلة أساسها الرقم سبعة .
الزومبي التي تحركها الدمى الورقية ، وأشباح الجسر ،
والتوابيت التي رأيناها في المعبد كلها كانت سبعة .
حسب هذه القاعدة ،
ينبغي أن تقابل كل طاولة هنا سبعة توابيت أيضًا .”
ثم أشار إلى الأرض وتابع :
“ يمكنك أن ترى ذلك من الغبار .
في بعض الأماكن، الغبار ليس كثيف ،
وهناك آثار سحب وجر .
يبدو أن توابيت كانت موضوعة هناك في الأصل ،
من الواضح أن تلك التوابيت الستة عشر،
حملها الأشباح الذين التقيناهم في الطريق .”
تابع باي ليو مفكرًا:
“ لكن تلك الأشباح تشكّلت أساسًا بسبب صاحب القبر،
وكان يفترض أن تتبع أوامره فقط.
وهذا التشكيل أُعدّ قبل مئة عام .
فلماذا يسمح صاحب القبر لتلك الأشباح بأن تُخرج توابيت
العرائس من القبر بعد مئة عام…
وتدمّر التشكيل الذي بناه بعناء قبل قرن ؟”
أنزل باي ليو نظره وهو يمسح الغبار عن يديه ، وقال:
“ لقد كان على بُعد خطوة واحدة فقط من جمع طاقة الين
والتحوّل إلى جثة ين خارقة لا مثيل لها تنبعث من القبر
وتعود إلى هذا العالم… ومع ذلك توقف ؟”
يتبع
⸻
وفقًا للمعتقدات الطاوية ،
يتكوّن الإنسان من ثلاثة أرواح (魂 “هون”)
وسبعة أرواح/نفوس (魄 “بو”).
• الـ “هون” (魂) تمثّل الجانب الـيانغ من الروح،
وهو ما يشكّل الفكر والذكاء والوعي، وتنفصل هذه الروح
عن الجسد بعد الموت لتصعد إلى السماء.
• أما الـ “بو” (魄) فتمثّل الجانب الـيين،
وهي بمثابة الجسد اللامادي الذي يرتبط بالإحساس
والتجسيد الفيزيائي، وتعود بعد الموت إلى الأرض.
بالتالي، حين يُقال إن ' الظل هو أثر تجمع الثلاثة هون
والسبعة بو المطبوع على سطح بفعل الضوء '
فهذا يعني أن الظلال ليست مجرد ظواهر ضوئية ،
بل انعكاسٌ لحالة الروح والنفس .
⸻
من ملاحظات الكاتبة - مقتبسة من «ما لم يتحدث عنه المعلم»
الاقتباس:
“ في هذا العالم ، هناك من يُحرّك الجثث ويخطو بين
الظلال، ولا يتمكن من ذلك سوى أصحاب الروح الكاملة؛
ولا يمكن السيطرة على الأرواح إلا لمن سلكوا طريق الطاوية .”
المعنى :
العبارة مجازية وتصف أولئك الذين يمتلكون قدراتٍ تتجاوز
الإدراك العادي،
كتحريك الجسد بعد الموت (“تحريك الجثث”)
أو التعامل مع العوالم الروحية والغامضة (“المشي بين الظلال”).
الجزء الثاني يوضّح أن هذه القدرة لا تتوفّر إلا لمن سلكوا
طريق الطاوية ، أي من بلغوا قدرًا عاليًا من الاستنارة
والتناغم مع قوى الكون الروحية.
بمعنى آخر، لا يمكن التحكم بالأرواح (بو) والتعامل مع
العالم الخفي إلا لمن وصلوا إلى مراتب عليا من الفهم
الروحي الطاوي .
تعليقات: (0) إضافة تعليق