القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch123 | DPUBFTB

 Ch123



بعد مرور أسبوعين، توقّف تشي شياوتشي عن الراحة وقَبِلَ الانتقال.

وحين فتح عينيه، جعله المشهد أمامه يتجمّد من الصدمة.

فبعد أن مرّ بكسر العظام في العالم الثاني، وتنمّر المدرسة في العالم الثالث، والسجن في العالم الرابع، والأشباح في العالم الخامس، كان افتتاح العالم السادس وكأنه تجسيد للمحبة والسلام.

بالنظر إلى الساعة، كانت تشير إلى تمام الثالثة عصرًا. 

وكان مكيف الهواء في الغرفة المعقّمة مضبوطًا على درجة الحرارة المناسبة تمامًا. 

الهواء الدافئ كان يتسلل ببطء إلى الغرفة، مما جعل شرّابات الستائر البنية الفاتحة تُصدر خشخشة خفيفة.

وعلى يمينه، كان جهاز الترطيب التلقائي يعرض عدد الأشخاص في الغرفة، ودرجة حرارة أجسادهم، ودرجة حرارة الغرفة. 

ومن خلال حسابات متعددة، كان يحدد مستوى الرطوبة الأمثل، ويطلق كمية دقيقة من الرذاذ البارد العطِر في الهواء تدريجيًا.

ويبدو أن المضيف الأصلي كان قد غفا في حاضنة حيوانات.

في هذه الحاضنة، لم يكن هناك غيره في المناوبة، كما لم يكن هناك سوى شيء واحد يراقبه: قطة سوداء صغيرة.

كانت نائمة الآن في الحاضنة، صغيرة للغاية، وكان فراؤها بالكاد قد بدأ في النمو، لكن ذيلها لا يزال ورديّ اللون، يتحرك ببطء فوق الوسادة المخملية الناعمة.

كانت القطة الصغيرة تصدر صوتًا خافتًا وكأنها تمص شيئًا في حلمها، تغطّ في نوم هادئ.

دعى تشي شياو تشي بتردد: "ليو-لاوشي؟"

أجابه 061: "نعم، أنا هنا."

وبجانب شعور بالارتياح، شعر تشي شياو تشي أن نبرة 061 كانت غريبة بعض الشيء.

فسأله: "قصة هذا العالم؟"

ردّ 061 بأقصى ما يمكن من الاختصار: "لحظة فقط، أستلمها الآن."

سأله تشي شياو تشي: "ليو-لاوشي، هل أنت بخير؟"

لم يحاول 061 إخفاء الأمر: "هذا العالم يجعلني أشعر بعدم الارتياح الشديد، كُن حذرًا."

قرر تشي شياو تشي الذهاب إلى دورة المياه ليُخفف من صدمته.

كانت دورة المياه تقع على بعد ثلاثين مترًا من المدخل الرئيسي للحاضنة، في اتجاه اليسار.

وعلى الشاشة الإلكترونية المواجهة لباب الحاضنة، كان هناك تذكير: عند الدخول والخروج، يجب تغيير الملابس المعقّمة، وأغطية الأحذية، والقفازات.

كان التذكير على الشاشة الإلكترونية ملفتًا للنظر بدرجة كافية، ولون الخط وحجمه مناسبان تمامًا، دون أن يكونا مُزعجين. يمكن القول إنه كان تذكيرًا ذا طابع إنساني.

وبعد أن خرج، ألقى نظرة على اللوحة المعلّقة على الباب.

كانت اللوحة تشير إلى أن هذه هي الحاضنة رقم 16.

الوقت: 9/27، من الساعة 9:00 صباحًا حتى 4:00 عصرًا

الموظف المناوب: دينغ تشيويون.

نفذ تشي شياو تشي التعليمات بحذافيرها، فخلع كامل معداته الثقيلة، وتوجّه مباشرة إلى دورة المياه.

ألقى أولًا نظرة على المرآة.

الرجل في المرآة يجب أن يكون دينغ تشيويون، لا شك في ذلك. 

شاب في الرابعة أو الخامسة والعشرين من عمره، وسيم بشكل غير متوقّع، وتعلو وجهه ثقة جذّابة. 

كان حليق الرأس، وعلى الجانب الأيمن من جبينه أثر لندبة باهتة. 

كان يرتدي سترة سوداء برقبة عالية، تبرز جمال عنقه وخط خصره. 
أما الجزء السفلي من ملابسه فكان بنطالًا نظاميًا.

ومع ذلك، فإن هذا البنطال العادي لم يكن قادرًا على إخفاء ساقيه الطويلتين النحيفتين والقويتين في الوقت نفسه.

... من ناحية الشكل، كان دينغ تشيويون بلا شك من النوع الذي يجذب كلًا الجنسين.

لكن تشي شياو تشي لم يُطِل التحديق في هذا الوجه.

بل ما أدهشه أكثر هو مستوى التكنولوجيا في هذا العالم.

بدأ يلمس الأشياء بفضول، متفقدًا موزّع العطر التلقائي وغطاء المرحاض الذي يُفتح تلقائيًا.

وفي النهاية، وهو واقف أمام مبولة تُصدر أنغامًا موسيقية، شعر فجأة بنوع من الرهبة.

لقد ذهب فقط إلى المرحاض، لكنّ الأمر بدا له وكأنه ذهب لإشعال البخور في معبد.

وعندما غادر، كان يتوقع تقريبًا أن تقول له المبولة: "نتطلّع لخدمتك مرة أخرى."

وبمجرد عودته إلى الحاضنة، كان 061 قد استلم أخيرًا القصة الكاملة لهذا العالم.

وبعد بضع ثوانٍ، أراد تشي شياوتشي أن يقول شيئًا.

لكن 061 قال بنبرة يائسة: "لا تلعن."

فأغلق تشي شياوتشي فمه مطيعًا.

في الواقع، كانت ردة الفعل الأولى لأي شخص يسمع القصة التالية هي إطلاق سيل من الشتائم ليواسي بها نفسه.

لأنه، وبحسب الحسابات، فبعد اثنتي عشرة ساعة فقط، سينتهي هذا العالم.

هناك العديد من الأسباب المحتملة لنهاية الجنس البشري.

كوارث طبيعية، مثل الزلازل، والفيضانات، والتبريد العالمي، أو نيزك غبي يصطدم بالأرض مباشرة.

كوارث من صنع الإنسان، مثل الحرب، أو القنابل النووية، أو تفشي وباء ما، أو فيروس زومبي لعين تم إطلاقه عن طريق الخطأ من مركز أبحاث دوائية.

وبالطبع، من الممكن أيضًا أن تتراكم عدة عوامل صغيرة وتشكّل معًا مشكلة كبيرة، مما يؤدي إلى تقليص عدد السكان والانقراض التدريجي للبشرية.

لكن سبب نهاية هذا العالم كان مميزًا قليلًا.

فمع الانتشار الواسع للعلم والتكنولوجيا في المجتمع، بدأت فائدة البيئة الطبيعية بالنسبة للبشر بالتراجع، وبدأت الحدود بين المدن والمناطق الريفية تتلاشى.

فعندما أصبح من الممكن زراعة وحصاد وفرز وبيع الدُّخن والأرز والملفوف عبر أنظمة أوتوماتيكية بالكامل، فقد العمل اليدوي معناه.

بدأ البشر يتعلمون كيف يستمتعون بالحياة، لكن بالنسبة للإنسان في هذا العصر، كانت الحياة قصيرة للغاية.

والأسوأ من ذلك، أن التغيرات التي طرأت على البيئة الطبيعية أدّت بدورها إلى تغييرات في جسم الإنسان.

وُلِدَ دينغ تشيويون في مثل هذا العالم.

كان دينغ تشيويون حسن المظهر، من عائلة ميسورة الحال إلى حدٍّ ما، وكان يتعامل بسهولة مع الآخرين.

وعندما صدرت نتائج امتحانات القبول الجامعي الوطنية، تبيّن أنه حصل على 618 نقطة. 

لذلك، اختار دراسة الطب البيطري في جامعة زراعية، لمجرد أنه يحب الحيوانات.

وقد دعم والداه قراره، فمضى في هذا التخصص.

وبعد حصوله على منحتين دراسيتين متتاليتين، صادف إعلانًا للتجنيد العسكري في الجامعة. 

شعر حينها أنه سيبدو وسيمًا للغاية في الزي العسكري، فسجّل اسمه. 
وبعد عودته إلى السكن الجامعي، اتصل بوالديه وأخبرهما بالأمر، واعتبر الموضوع منتهيًا.

كان تطبيق التكنولوجيا في الجيش قد بلغ ذروته بالفعل، لكنه اختار الانضمام إلى أصعب وأقسى فرقة تدريب، ليتعلم كيف يقاتل دون الاعتماد على التكنولوجيا.

في هذا العصر، كان من غير المعقول حتى استخدام الأسلحة النارية دون تصويب تلقائي، ناهيك عن استخدام السكاكين أو الأسلحة اليدوية أو النجاة في البرية، لأنه لم يكن هناك حاجة لذلك. حتى الخيام الفردية التي كان يحملها الجنود كانت أوتوماتيكية بالكامل.

لكن دينغ تشيويون لم يكن راغبًا في الاعتماد على ذكاء اصطناعي غير ملموس، بل كان يحب الإحساس بأن كل شيء يعتمد عليه شخصيًا.

وفي تدريبات الفرق، كان دائمًا يحتل المركز الثاني. 
أما المركز الأول فكان دائمًا من نصيب شاب يُدعى غو شينتشي.

لكن، وبما أن الجميع كانوا يفضلون دينغ تشيويون الواثق والمبتهج، فقد تم انتخابه قائدًا للفريق، بينما تم تعيين غو شينتشي نائبًا للقائد.

ولم يكن لدى غو شينتشي أي اعتراض على ذلك.

وعلى عكس دينغ تشيويون الاجتماعي، كان غو شينتشي رغم تميّزه، شخصًا هادئًا، لا يحب لفت الأنظار، ولا يملك العديد من الأصدقاء. 

وكان دينغ تشيويون، القلق بشأن وحدته، يتعمّد دائمًا دعوته لتناول الطعام معه.

أما غو شينتشي، فلم يُبدِ أي رأي محدد حيال ذلك، بل كان يُنزل رأسه بهدوء ويستخدم عيدان الطعام ليلتقط البامية من طبقه.

حاول دينغ تشيويون أن يبدأ حديثًا قائلاً: "تحب البامية؟"

غو شينتشي: "نعم."

وتلا ذلك صمت طويل ومحرج.

لكن دينغ تشيويون لم يشعر بأي إحراج، بل بادر بتقاسم البامية من طبقه معه، ثم واصل تناول طعامه.

كان دينغ تشيويون شخصًا قادرًا على كسر الصمت، لكنه كان يعرف أيضًا كيف يتعامل مع مختلف أنواع الأشخاص.

كان والداه قد منحاه حرية الاختيار، لذا كان يعتزّ بهذه الحرية ويستخدمها لاتخاذ قراراته بنفسه.

وبما أن غو شينتشي لا يحب الحديث، لم يكن دينغ تشيوين يزعجه أو يحاول استفزازه عمدًا.

كان دينغ تشيويون، بطبيعته، مثليًا .

كان لا بد من القول إن نوع المظهر الرقيق الذي يتمتع به غو شينتشي كان تمامًا ما يفضّله دينغ تشيويون. 

ومع ذلك، لم يكن يبدو أن غو شينتشي مهتم به من تلك الناحية، فقد كان عادةً مطيعًا وهادئًا، ولم يكن يُظهر انفعالًا إلا عندما يتلقى رسالة حب من أحد من نفس الجنس، حينها كان يركل بابًا أو يكسره أحيانًا. 

لم يكن واضحًا ما إذا كان يكره المثليين، أم يكره تلك الرسائل بالتحديد.

ولأن دينغ تشيويون لم يكن ممن يفرضون أنفسهم على الآخرين، فقد حافظ ببساطة على علاقة صداقة محترمة معه.

حتى جاء يوم تدريب محاكاة لإنقاذ رهائن.

كان فريق دينغ تشيويون يهاجم أحد المباني، عندما خرجت الروبوتات المسؤولة عن القتال عن السيطرة وبدأت في مهاجمتهم بشكل عشوائي.

وبصعوبة بالغة، تمكن دينغ تشيويون من تغطية انسحاب بقية أفراد الفريق، لكنه علم أن غو شينتشي كان محاصرًا في الداخل.

تحدث غو شينتشي عبر جهاز راديو لاسلكي قديم إلى دينغ تشيويون قائلًا: "لا تقترب. لقد تم حصاري بالكامل."

لكن دينغ تشيويون اكتفى بكلمتين: "انتظر فقط."

ثم اندفع رأسًا إلى داخل شقق أنبوبية الشكل.

وعندما خرج ومعه غو شينتشي، كانت رصاصة طائشة قد أحدثت ثقبًا في ذراعه اليمنى، بينما كانت سكين مغروسة في كتفه الأيسر من الخلف، ولم يظهر منها سوى المقبض.

وما إن خرجوا، حتى دفع المجموعة للركض نحو منطقة مفتوحة. 

وفقط بعد أن تأكدوا من أنهم أصبحوا خارج نطاق الخطر، لاحظ أحدهم السكين المغروسة في ظهره.

أسرع دينغ تشيويون في تفقد إصابات الآخرين، مرددًا: "أنا بخير، لا تقلقوا". 

لكنه لم يتمكن من الاستمرار سوى لبرهة، قبل أن تخور قواه ويسقط في أحضان غو شينتشي مغشيًا عليه.

وبعد الفحص، تقرر أن إصابة دينغ تشيويون ستؤثر على مستقبله المهني.

وبعد إنهاء إجراءات الموافقة، صدر قرار تقاعده المبكر.

كان دينغ تشيويون مستاءً جدًا، لكن حين واجه فريقه في ليلة وداعه، ابتسم قائلًا: "شاهدوا، بعد الآن، سيصبح القائد دينغ مثالًا سلبيًا يعلّقونه على الجدار ليحذروا الآخرين."

بعد تفريق الفريق، استدار غو شينتشي وغادر بصمت.

وعندما تمكن دينغ تشيويون من العثور عليه، كان يقوم بالجري في ساحة التدريب.

لحق به دينغ تشيويون وبدأ بالجري إلى جانبه.

رآه غو شينتشي، لكنه تظاهر بعدم ملاحظته.

قال دينغ تشيويون مبتسمًا: "هاي~"

لم يردّ غو شينتشي.

فقال مرة أخرى: "هاي، هاي~~"

فجأة تحرك غو شينتشي، وأمسك دينغ تشيويون من ياقة قميصه، وضغطه على العشب في وسط المضمار، ثم أطبق جسده عليه، وقبّله حتى انقطعت نفس دينغ تشيويون.

كان دينغ متحمسًا وموجوعًا في الوقت نفسه، فصاح: "لا لا لا، نائب القائد غو، رجلي تشنجت، آي يوو......"

أمسك غو شينتشي بساقه، ونظرته الهادئة تحوّلت إلى نار مشتعلة، لم يفهم دينغ تشيويون معناها تمامًا. 
قال بصوت منخفض: "القائد دينغ."

لفّ دينغ ذراعيه حول عنقه وهو يتأوه قليلًا محاولًا تحريك ساقه: "هاه؟"

قال غو شينتشي بنبرة مشحونة بمشاعر لا يمكن وصفها: "القائد دينغ يحبني، أليس كذلك؟ وإلا لما خاطر بحياته من أجلي."

ردّ دينغ تشيويون بصراحة: "في مثل هذا الموقف، كنت سأنقذ أي أحد مهما كان."

وضع غو شينتشي كفّه على وجهه، ونظر إليه مباشرة بعينين لوزيتين كأنهما أزهار الخوخ، تحدّقان فيه بثبات: "أحقًا؟ يا قائد دينغ؟"

ضحك دينغ تشيويون وقال: "لكن كان لابد أن أنقذك أنت تحديدًا."

كلاهما كانا بالغين. وبما أنهما قدم مزقا الحاجز الذي يفصل بين الاعتراف بالمشاعر فقد ارتبطا على الفور.

عاد دينغ تشيويون إلى مكان دراسته، وأكمل عامين آخرين من دراسته الجامعية، وتمكّن بنجاح من حجز مقعد في الدراسات العليا.

وفي سنته الرابعة، ذهب للتدريب في حديقة حيوان بالمدينة، في ما يمكن اعتباره فترة تدريب عملي.

ومع المستوى الحالي من التقدم العلمي والتكنولوجي، لم تعد وظيفة الحارس في حديقة الحيوان مجرد إطعام الحيوانات.

في يومه الأول، قدّم له المشرف العجوز تعريفًا مختصرًا قائلاً: "بما أنك جئت بتوصية من المعلم تشياو، فستتولى مسؤولية إدارة حديقة الفهود. الطعام والماء يتم توفيرهما بكميات محددة وفي أوقات محددة، والذكاء الاصطناعي المسؤول عن المراقبة يسجّل تقريرًا يوميًا بالملاحظات. كل ما عليك فعله يوميًا هو التحقق من النظام، والتأكد من أنه يعمل بشكل طبيعي."

بدت الوظيفة مملة بعض الشيء. فسأل دينغ تشيويون: "وماذا لو مرض الفهد؟"

نظر إليه المشرف العجوز من خلف نظارته المخصصة للنظر البعيد، وقال: "الذكاء الاصطناعي الطبي سيتولى علاجه، أنت فقط عليك التأكد من أن النظام يعمل جيدًا."

تنهد دينغ تشيويون تنهدًا خفيفًا.

هو لم يكن يحب هذا النوع من الأنظمة الآلية الكاملة. 
بدت له غير إنسانية إلى حد بعيد. 
في الواقع، لم يعد هناك فرق كبير بين المهن؛ طالما تم توظيف طالب من تخصص إدارة المعلومات، يمكنه التنقل بين مختلف مجالات العمل.

لكن هذا كان هو الاتجاه السائد في المجتمع، ولم يكن لديه خيار آخر.

أخذه المشرف العجوز إلى الحضانة، وأشار إلى صغير فهد كان يرضع بصوت عالٍ، وقال: "صحيح، هناك مهمة إضافية وهي مراقبة صغار الفهود حديثي الولادة، وهذه أيضًا من مسؤولياتك."

نظر دينغ تشيويون إلى هذا الفهد الصغير الذي يشبه القطة، وما إن ارتسمت ابتسامة على وجهه، حتى سمع المشرف يقول: "هذا الصغير سيتم التخلص منه اليوم، لكن لا علاقة لك بذلك، فقط راقبه."

لم يفهم دينغ تشيويون ما قصده. "التخلص منه؟ كيف؟"

قال المشرف: "لقد أجرينا فحصًا كاملًا لهذا الفهد. لم نكتشف فيه أي خلايا سرطانية، لذا سيتم تشريحه ودراسته."

شعر دينغ تشيويون أن هذا المنطق غريب بعض الشيء.

رفع المشرف نظره من فوق نظارته وقال: "ألم تسمع بما يحدث بخصوص السرطان مؤخرًا؟"

وإن كان الحديث عن تطور الخلايا السرطانية، فبالطبع كان دينغ تشيويون قد سمع عنه.

مع التغيرات التي طرأت على البيئة الطبيعية والبيئة الطبية، تطورت الخلايا السرطانية أيضًا لمقاومة الأدوية المختلفة.

في السابق، وصلت نسبة إصابة البشر بالسرطان على مستوى العالم إلى 17%، وكان علاجه صعبًا للغاية.

لكن فقط من خلال حديث المشرف العجوز، فهم دينغ تشيويون مدى الرعب الذي بلغه تطور السرطان خلال العامين الماضيين.

فالخلايا السرطانية، بعد صراع طويل مع الأدوية المضادة لها، وبتأثير من تدهور البيئة وتلوثها، كشفت عن سمة جديدة لم تكن بارزة من قبل — قابلية الوراثة.

فلو قلنا إن السرطان في الماضي كانت احتمالية وراثته ضئيلة، فقد أصبحت الآن نسبته تتجاوز 80%.

وقد تم ملاحظة هذه الصفة أولًا في تكاثر الفهود، ثم بدأت تظهر في أنواع أخرى من الحيوانات.

وخاصة في الحيوانات التي يتم تربيتها صناعيًا، فإن 80% إلى 90% من الصغار كانت تحمل جينات سرطان خلقية.

ومع انتشار هذه الأعراض بسرعة، بدأت تظهر عند البشر أيضًا.

فعندما توفيت مجموعة من ثمانية أطفال لم تتجاوز أعمارهم الأربعة أشهر بسبب أورام خلقية خبيثة، سادت حالة من الذعر في المجتمع الطبي.

فبدأوا بإجراء اختبارات على الحيوانات، محاولين تسريع وتيرة إيجاد علاج لتلك الخلايا السرطانية المتطورة، وشرعوا في تشريح صغار الحيوانات التي لا تحمل جينات سرطانية بعد الولادة، على أمل تطوير لقاح وقائي شبيه بلقاح DPT، يُحقن في النساء الحوامل لمنع انتقال السرطان إلى الأجيال القادمة.

بعد أن أنهى المشرف العجوز شرحه، شعر دينغ تشيويون بانزعاج داخلي.

وخاصة بعد مغادرة المشرف، حين رأى صغير الفهد يعض الوسادة المخملية أسفله ويُصدر أصواتًا صغيرة، غير مدرك تمامًا لما سيحدث له، كان من الصعب عليه أن يتقبل الأمر.

أراد إنقاذ هذا المخلوق الصغير، لكن إن أخرجه، فأين يذهب به؟

إلى البرية؟ ليتركه هناك لينمو بحرّية؟

......لكن، أين هي البرية الآن؟

لقد بلغ تطور البيئة ذروته. 
فقد ترك البشر آثار أقدامهم في كل زاوية من زوايا العالم التي استطاعوا الوصول إليها.

تم اكتشاف العديد من الأنواع الجديدة من قبل البشر، وأُدرِجت أسماؤها في المجلات العلمية، مما جذب إعجاب المتحمسين، لكن القليل فقط من الناس تساءلوا إن كانت تلك الكائنات ترغب فعلًا في أن يُقاطع سكونها أحد.

تم تحديد موائل كل مخلوق بأسوار، وكل كائن حي أصبح يحمل رقمًا تسلسليًا. 
حتى الكائنات التي تعيش على عمق أكثر من 2000 متر تحت سطح البحر كانت تحت المراقبة.

عبر أجهزة استشعار حرارية وحركية، يقوم الذكاء الاصطناعي بمسح أي حيوان جديد تلقائيًا، ويضيفه إلى السجل.

بالنسبة للبشر، لم يعد هناك أي غموض في الكائنات الأخرى. الثعالب والذئاب، النمور والفهود، الحشرات والثعابين، الحيتان وأسماك القرش، كلها أصبحت بمثابة أدوات ترفيه وتجارب للبشر، أو بالأحرى للذكاء الاصطناعي.

هذه الوظيفة كانت قد عُرضت عليه من قبل أستاذه، لكن منذ اليوم الأول في التدريب، بدأ حماس دينغ تشيويون بالتلاشي.

كان يشعر أحيانًا بإحساس غامض بالخطر.

قال له والداه ذات مرة إن البشر قديمًا لم يمتلكوا هذا المستوى من التكنولوجيا، لكنهم أيضًا لم يشعروا بتلك العجرفة الفائقة كما يشعر بها الناس اليوم.

فماذا لو اختفت كل الأشياء التي يعتمد عليها الناس اليوم في ليلة واحدة......؟

في مثل تلك اللحظات، كان الحنين إلى أيامه في الجيش يشتد عليه.

لذا تواصل مع غو شينتشي، وأخبره بما يضايقه.

فقال له غو شينتشي: "سآتي لرؤيتك."

لكن دينغ تشيويون أجابه: "لا، أنت مشغول، سآتي أنا لزيارتك عندما تنتهي فترة تدريبي."

لكن من كان يتخيل أن هذا الاتفاق سيتحطم تمامًا بعد شهرين فقط؟

أول ما بدأ يتغير كان الطقس.

فمع أنه لم يمر وقت طويل على أغسطس، إلا أن درجة الحرارة بدأت في الانخفاض بشكل مفاجئ، وأصبحت البرودة شديدة لدرجة جعلت الناس يشكون في واقعهم.

الذكاء الاصطناعي المسؤول عن مراقبة الأحوال الجوية أرسل صورًا من الأقمار الصناعية، أظهرت أنها مجرد دوامة قطبية عادية.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الأحوال الجوية المتطرفة أكثر شيوعًا، لذا لم يهتم أحد كثيرًا. 

وفي النشرة الجوية، حث المذيع الناس على ارتداء طبقات إضافية من الملابس، حتى أنه ألقى نكتة قائلاً إن الشتاء جاء مبكرًا هذا العام.

لكن دينغ تشيويون شعر أن هناك شيئًا غير طبيعي.

فمنذ صغره، لم يكن يثق في الذكاء الاصطناعي كثيرًا، وكان يشعر أن هذه الأنظمة غير موثوقة، لذلك عندما بدأت درجات الحرارة في الانخفاض واستمرت البرودة لعدة أيام، قام بشراء مجموعة كاملة من معدات الحماية من البرد ووضعها في سكنه.

في بداية سبتمبر، ظهرت قطعة خبرية في زاوية الصفحة الرابعة من الصحيفة الإلكترونية للمدينة. 
كان عنوان المقال واضحًا كعنوان لمجلة إثارة، يجذب الانتباه:

"عودة الأموات؟ ——زوجها المتوفى منذ زمن يعود إلى المنزل فجأة".

كان هذا الخبر مثيرًا للنقر فعلًا. 
ولكن عند قراءته للنهاية، لم يكن سوى حالة من حالات عودة المفقودين، أو ربما اختلقته صاحبة القصة لجذب الانتباه، لذا فإن معظم من قرؤوا المقال ضحكوا ببساطة بعد انتهائهم منه.

لكن لم يكن أحد يتخيل أن هذا الخبر الصغير المدفون في ركن الصفحة الرابعة سيتحول خلال أسبوع فقط إلى مانشيت رئيسي يهز العالم.

الرجل الذي عاد إلى منزله، ولقبه تشاو، كان شخصًا قد توفي بسبب سرطان الرئة.

لقد توفي بالفعل قبل أسبوع، وتم إصدار شهادة وفاته من مستشفى مركزي محلي.

وبسبب خوفه من الحرق، نُقلت جثته إلى المنزل ودفنت سرًا على تلّ في مقابر أجداده.

ومنذ يومين فقط، خرج من قبره.

الغريب في الأمر أنه، خلافًا لما نراه في أفلام الزومبي، كان السيد تشاو لا يزال محتفظًا بقدرته على التفكير، ولكن بما أن نصف لسانه قد تحلل، فقد كان كلامه غير واضح.

قال إن التابوت الذي دفن فيه كان هشًا كالورق، انكسر من لمسة واحدة. 
وكان من السهل عليه أن يزحف خارج الأرض.

قال إنه مشى كل الطريق إلى منزله.

قال إنه لا يشعر بالجوع، ولا يشعر بالبرد.

قال إنه فقط أراد أن يرى زوجته وابنته مرة أخرى.

وبعد فحصه من قِبل الأطباء، تبين أن السيد تشاو ليس لديه نبض، وأن جميع أعضائه الداخلية قد تحللت وتوقفت عن العمل.

ومع ذلك، وباستثناء بعض البقع الميتة على وجهه، كان يبدو حيويًا تمامًا، كما لو أنه شخص طبيعي.

تم سحب هذا التقرير من التداول على الفور، وأُجبر الصحفي الذي كتبه على نشر بيان عاجل في الصحيفة الإلكترونية مساء ذلك اليوم، أعلن فيه أن التقرير كان كاذبًا بالكامل ومجرد شائعة مفبركة، واعتذر للجمهور.

أما السيد تشاو، فقد نُقل إلى جهة خاصة للبحث والدراسة.

وبعد يومين من اختبارات الدم، واختبارات الجينات، وزرع سائل النخاع الشوكي، وغيرها من الفحوصات المكثفة، أصيب الباحثون بالذهول عندما اكتشفوا أن الخلايا السرطانية في جسد السيد تشاو قد خضعت لتحور جديد.

واحدة من الخصائص الأساسية للخلايا السرطانية هي التكاثر غير المحدود. 
وميزة أخرى أنها يمكن أن تحفّز عملية التحلل السكري، أي التنفس اللاهوائي.

ومن الناحية النظرية، فإن سبب تسبب الخلايا السرطانية في الوفاة لدى البشر، هو أنها "غير متوافقة" مع ظروف الجسم البشري.

أما في حالة السيد تشاو، فببساطة، بعد وفاته، أصبح جسده متوافقًا بالكامل مع الخلايا السرطانية.

أو بعبارة أخرى، أصبح السيد تشاو نفسه كتلة عملاقة من الخلايا السرطانية.

الخلايا السرطانية كانت مثل وحوش شرسة، تلتهم الخلايا الطبيعية قضمة قضمة. 

كانت تتكاثر بجشع، وتأكل بعضها البعض، محولة الإنسان إلى شيء مجهول.

السيد تشاو لم يكن الوحيد الذي عاد للحياة.

قبل أن يُصدر الصحفي تقرير “التوضيح” الخاص به، ظهرت حالة ثانية، ثم ثالثة.

مع سرعة انتشار الأخبار اليوم، وانتشار الإنترنت بشكل غير طبيعي، بحلول الظهيرة وصلت الأخبار مباشرة إلى دينغ تشيويون.

عبس دينغ تشيويون.

لم يعتبر الأمر معجزة.

عودة الموتى إلى الحياة، مثل الطقس البارد غير المعتاد، كان أشبه بمقدمة لكارثة.

وفي النهاية، ثبتت صحة حدسه.

كل مرضى السرطان الذين دُفنوا، بلا استثناء، عادوا للحياة.

ونظرًا لتطبيق حرق الجثث بالقوة في الصين، عاد فقط عدد قليل منهم. 
أما في البلدان الأخرى التي يشيع فيها الدفن أكثر، فقد حدث تغير مفاجئ أكبر. 
الإنترنت كان قد انقلب رأسًا على عقب منذ وقت طويل.

لكن حتى العدد القليل من الذين عادوا للحياة في بلادهم تسببوا في زوبعة من القلق.

معظمهم كانوا يتوقون للعودة إلى منازلهم، للقاء عائلاتهم، لكن مجموعة معينة، بسبب التحلل المتقدم، وبسبب كون عودتهم للحياة مرعبة وغريبة جدًا، رُفضوا عند الأبواب من قبل عائلاتهم، واضطروا للتجول وحيدين في الشوارع.

لكنهم جميعًا، بلا استثناء، أصبحوا على وعي بقدراتهم.

لم يكونوا يخافون من البرد، يستطيعون البقاء دافئين وهم يرتدون أكمام قصيرة في درجات حرارة تقارب الصفر، وكانوا أقوياء بشكل مذهل.

وما هو أهم، بعد تحولهم الناجح، حتى وإن أصيبوا بجروح خطيرة، كانوا قادرين على الشفاء السريع.

كلما زادت القوة، زادت المتغيرات.

وعندما حدثت أول حالة سرقة وقتل على يد جثة سرطانية، غاص قلب دينغ تشيويون في القلق.

... لقد جاء ذلك اليوم.

طبيعة الأمر كانت خطيرة للغاية. 
فورا تخلّت المؤسسات المعنية عن ذهنية البحث العلمي السابقة، وأصدرت أمرًا عامًا: من أجل القبض على المجرمين، يجب على كل من يُعرف منهم بعودته للحياة التوجه فورًا إلى أقرب مركز احتجاز جديد، للخضوع للإشراف وتسجيل هويتهم. المهلة كانت 48 ساعة.

ذهب عدد قليل من الملتزمين، لكن مجموعة أخرى بدأت تشعر بالخوف.

هذا “الإشراف”، ماذا يعني؟ هل سيُسمح لهم بالعودة مرة أخرى؟

لذلك، بعد 48 ساعة، كان عدد قليل فقط من الأشخاص موجودين في مراكز الاحتجاز، ينتظرون محاكماتهم بقلق.

وبينما كانت السلطات المعنية تعاني من صداع شديد، بدأت الأصوات المختلفة تظهر في المجتمع.

بعض الناس كانوا يحسدون قدراتهم، وآخرون تساءلوا عن جدوى وجود مثل هؤلاء غير البشر.

بعضهم قلق من كونهم معديين، وأصروا على عزل هؤلاء العائدين للحياة، ونشر قوائمهم في المجتمع.

بعض مرضى السرطان بدأوا يخططون لضمان دفنهم بعد الموت، لأنهم قد يكون لديهم فرصة للعودة للحياة؛ وبعضهم قلق، كانوا يأملون في أن ينعموا بالسلام بعد موتهم، ولم يرغبوا فعلاً في العودة إلى الحياة بشكل لا هو إنسان ولا شبح.

🥹🥹🥹🥹🥹🥹🥹😕?



اختبأ الجميع في غرفهم المكيفة أو المدفأة، يناقشون بحماس، يريدون تجاوز هذه الفترة الباردة جدًا عبر الأحاديث والنميمة.

الجميع كان يفكر، على أي حال هناك الذكاء الاصطناعي، حتى لو اختفى الجميع لبعض الوقت وتراخوا، فالمجتمع سيستمر في العمل بشكل طبيعي.

28 سبتمبر، الساعة 3 صباحًا.

استيقظ دينغ تشيويون على البرد.

فتح عينيه، ووجد أن المكيف قد توقف عن العمل.

قال دينغ تشيويون بذهول، "شغّل الأنوار."

لكن لم يرد النظام الصوتي عليه. بقيت الغرفة باردة ومظلمة.

مذعورًا، نهض فورًا في الظلام. 

بينما كان يرتدي ملابسه الواقية من البرد، ذهب ليأخذ جهاز اتصال، راغبًا في الاتصال بوالديه اللذين يعيشان في دونغتشنغ.

...لا يوجد إشارة.

اختار الاتصال بالطوارئ. ولا تزال لا توجد إشارة.

بهذه الطريقة، تحوّل جهاز الاتصال إلى قطعة خردة.

ألقى دينغ تشيويون الجهاز جانبًا وأسرع خارج الباب.

كانت الحياة العسكرية قد تركت أثرًا عميقًا فيه، مما جعله سريعًا وحاسمًا في كل الأمور.

كان عليه أن يتحقق من والديه، وكذلك من غو شينتشي، وكذلك من رفاق السلاح...

نظر من النافذة الصغيرة في السلم، ووجد أنه بغض النظر عن المكان الذي نظر إليه، لم يكن هناك أي ضوء.

كانت المدينة كلها مظلمة، وباردة كالموت. 
أحيانًا كان يسمع همسات متقطعة، ولم يكن يعلم هل هي حديث نوم الناس أم أنين ضحايا الصقيع.

بعد أن تأكد من عدم وجود ريح بالخارج، فقط برودة قاتمة، شد دينغ تشيويون وشاح الصوف الذي أعطاه له غو شينتشي حول رقبته، ثم خرج بخطى سريعة وركب دراجته النارية.

حاول تشغيلها عدة مرات، لكن الدراجة لم تتحرك حتى بمقدار شبر.

لم يعلم كم مرة لف المفتاح في القفل، لكن يديه كانت شبه متجمدتين.

وضع يديه على فمه ونفخ عدة مرات قبل أن يتمكن من تشغيل الدراجة.

كسر ضوء المصباح الأمامي ضباب الليل، وجسيمات الغبار تدور في ضوء الشعاع العالي.

فقط مع الضوء لاحظ دينغ تشيويون أنه لم يكن وحيدًا في الأسفل.

كان هناك بعض الأشخاص يرتدون معاطف منفوخة، يسحبون عائلاتهم معهم، يهرولون بسرعة نحو سياراتهم، راغبين في العثور على لمحة من الدفء والأمان في مساحة مقفلة ومكيفة.

سبب صمتهم الشديد هو أنهم لم يجرؤوا على قول كلمة إضافية، لأن في اللحظة التي يفتحون فيها أفواههم ولو قليلًا، كان الهواء البارد يتسلل من بين أسنانهم، ببرودة تؤلم أعصاب أسنانهم.

ارتدى دينغ تشيويون خوذته الثقيلة، شغل دراجته بصمت، وانطلق في الظلام المجهول.

من تلك اللحظة، بدأت كابوسه الطويل.

لم يتمكن من تجميع الحقيقة عما حدث إلا بعد وقت طويل، بناءً على شظايا الأحاديث التي جمعها.

ما جلب هذا العالم إلى الموت كانت خلايا السرطان، وخلف خلايا السرطان كانت هناك الذكاء الاصطناعي.

من اللحظة التي استطاع فيها أول ذكاء اصطناعي أن يتكلم، دخل البشر طريقًا بلا عودة.

في وقت ما، دون أن يشعروا، أصبح تفكير الذكاء الاصطناعي متقدمًا على تفكير البشر، بل وتخطاهم كثيرًا.

كان بإمكانه التفكير واتخاذ القرارات، وكان أكثر عقلانية بكثير من البشر.

حتى أكثر روبوتات المربية تشبهًا للبشر، صممها المبرمجون بإدخال عشرات الآلاف من التعليمات في أجسادها.

كان هدف الخلق أن تخدم البشر بشكل أفضل.

ونتيجة لذلك، لم يفهم الذكاء الاصطناعي الطبيعة البشرية، لكنه كان الكيان الذي يفهمها أكثر من أي كائن آخر.

بعد مراقبة أن الأغطية الجليدية في قطبي الشمال والجنوب كانت تتشقق في نفس الوقت، وأن مساحات شاسعة من الأنهار الجليدية تذوب، لم تقم الذكاءات الاصطناعية بالإبلاغ عن هذه المعلومات بأمانة، بل بدأت في تنفيذ خطة رهيبة.

استخدموا لغة تفوق فهم البشر للتواصل، وطوروا مجموعة كاملة من الخطط.

ونظرًا لتورطهم في جميع جوانب حياة الإنسان، مثل الطب والأرصاد والأقمار الصناعية، كان البشر قد اعتادوا الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، لذا لم يكتشفوا أي تغييرات غريبة.

حتى لو قدموا تقارير خاطئة، كان البشر يصدقونها بلا تردد.

لذلك، بينما عملوا بشكل منتظم ودقيق وفقًا للإجراءات التي وضعها البشر، كانوا ينفذون خططهم باستخدام مجموعة من الإجراءات التي كتبها الذكاء الاصطناعي بنفسه.

الأداة التي اختاروها كانت خلايا السرطان.

الذكاء الاصطناعي كان قد أجرى تحليلًا شاملاً لخلايا السرطان في وقت مبكر، حتى أنه استخدم خاصية "التكاثر غير المحدود" لخلايا السرطان ليخلق تقنية توجيه مستهدفة، واكتشف تقنية توجيه قادرة على إحداث تطور وتحور موجه.

هذا التوجيه كان له هدفان، الأول ضد البشر، والثاني ضد الكائنات الأخرى غير البشر.

طالما أن الإنسان يموت وكان لديه كمية معينة من خلايا السرطان في جسده، فإن هذه الخلايا ستلتهم الخلايا الحية الأخرى بجنون، مما يجعل الإنسان يتطور إلى إنسان جديد ذو جسد قوي للغاية.

أما بالنسبة للكائنات الأخرى التي تحتوي أجسادها على خلايا سرطانية، فإن خلايا السرطان في أجسادها ستتطور بسرعة في فترة قصيرة. 

وتحت سيطرة الذكاء الاصطناعي، لم يكن اتجاه التطور لجسدها، بل كان لذكائها.

بعد التطور، لن يقل ذكاؤها عن ذكاء الإنسان العادي.

كان على الذكاءات الاصطناعية فقط أن تستغل فرصة التبريد العالمي هذا، لتضع "البشر الجدد" المتحورين، والكائنات الذكية الأخرى، و"البشر القدامى" غير المتحورين، جميعهم في ساحة معركة مشتركة، ثم تستمتع بمشاهدة عرض مثير من التدمير الذاتي، وتفسح المجال لحكمها.

كانت هذه أفضل طريقة ممكنة لتنظيف العالم دون أن تشكل خطرًا على أنفسهم.

عمليًا، توحدت جميع الذكاءات الاصطناعية حول العالم، لتفكك الشبكة التي تغطي جميع الأنواع في العالم، ولتبني صمتًا برج بابل.

مع هبوط البرد القارس على العالم كله، صمتت الذكاءات الاصطناعية في كل مكان.

وبانقطاع الذكاء الاصطناعي، فشلت جميع الشبكات الواقية. هربت الحيوانات من أقفاصها، بعضها إلى أعماق الغابات، وبعضها بدأ يخطط للانتقام من البشر.

أما البشر القدامى، الذين دللتهم الذكاءات الاصطناعية، فلم يستطيعوا التكيف مع البيئة القاسية بدون حماية، ومات كثير منهم متجمدين في الليلة الأولى.

وكان هناك أيضًا مجموعة من الناس شكلوا فرقًا، وقاتلوا ضد الكائنات الذكية والبشر الجدد، لتجنب أن يُؤكلوا من قبل الأولين أو يصبحوا عبيدًا للآخرين.

وهذا ما فعله دينغ تشييون.

جمع فريقًا صغيرًا، وما زال القائد دينغ في قيادته.

لم يقاتلوا فقط ضد البشر الجدد الذين أذهلهم القوة وكانوا متعطشين للحكم، بل قاتلوا ضد الحيوانات المتحورة، ودمروا حتى عدة محطات أساسية حيث تعيش العديد من الذكاءات الاصطناعية.

بعد وقوع نهاية العالم، تغير دينغ تشيويون كثيرًا، أصبح هادئًا وانطوائيًا، وأحيانًا يتأمل الأمور وهو يمضغ عود عشب.

وفي مرة، صادف غو شينتشي أثناء مسح لمتجر سوبرماركت.

فرح كثيرًا، وجذب غو شينتشي وسأله: أين زملاؤنا؟ كيف أنت هنا؟

رد غو شينتشي ببرود: "هربت."

قال دينغ تشيويون: "...هربت؟"

كانت إجابة غو شينتشي مختصرة جدًا: "لأجدك."

وبضمان دينغ تشيويون، انضم غو شينتشي بسلاسة إلى الفريق. 

وكان الجميع يرون أن علاقتهما ليست سطحية، وكانت قدراته ممتازة، لذلك بدأوا ينادونه "نائب القائد غو".

...

بعد قراءة معلومات العالم حتى هذه النقطة، اختار تشي شياوتشي بوعي أن يوقف استقبال المعلومات.

فهم 061 نواياه.

بالنسبة لهم، الآن، أهم الأمور هي الاستعداد للبرد القادم، وتعويض بعض الندم الذي لم يستطع دينغ تشيويون إصلاحه.

بينما كان تشي شياوتشي يحزم أمتعته، قال لـ061: "ربما الذكاء الاصطناعي المُثبت في المرحاض الأوتوماتيكي كان فعلاً يريد البصق عليّ."

رد 061: "..."

قال تشي شياوتشي بحماس: "سأذهب مرة أخرى الآن—"

كان 061 يريد أن يقرص أنفه وقال: "لا تتصرف بغرابة."

وبذلك، أصبح تشي شياوتشي مطيعًا. 
وبعد أن حزم أشياء دينغ تشيويون بسرعة، وجد أن الوقت قد حان لإنهاء عمله، وبدأ يمشي بخطوات سريعة للخروج.

لم يكن يتوقع تشي شياوتشي، وهو يغادر مكتبه، أن يسمع صوت زمجرة خافتة لحيوان صغير يستيقظ من الحاضنة خلفه.

نظر تشي شياوتشي إلى الوراء.

لقد استيقظ الكائن الصغير في الحاضنة.

وفقًا لذكريات دينغ تشيويون، كان يعرف تشي شياوتشي أن هذا ليس قطة.

وبما أن هذا النمر الأسود الصغير ظهر هنا، فمن المحتمل أنه لم يرث أي سرطان. 
وبحسب العادة، كان من المفترض أن يُرسل اليوم للتشريح.

بدأ النمر الصغير يموء، ونهض من على البطانية الناعمة. 
لم يكن متزنًا جدًا حتى وهو واقف. 
بدأ يئن بصوت عالٍ لتشي شياوتشي، على الأرجح جائع.

عندما ضغط تشي شياوتشي زر الطعام، تناثرت أمام وجه النمر كمية من حليب الماعز الممزوج بزيت كبد الحوت.

... بدا أنه لم يتقن بعد استخدام وسائل التغذية.

كان لطيفًا إلى حد ما، رفع مخالبه الصغيرة وبدأ يغسل وجهه بصبر. 
وبينما كان يلعق وسادات مخلبه ذات اللون الوردي الفاتح، نظر إلى تشي شياوتشي بتفكير.

نظر له تشي شياوتشي ثم فتح الباب، مستعدًا للمغادرة.

كان إخراج هذا النمر الصغير لن يكون ذا معنى، بل وغير واقعي أيضًا.

وعندما أغلق الباب، صدر صوت أنين خفيف من داخل الغرفة، كما لو كان يودع.

كانت مخالبه الأمامية متكئة على المخرج، وعيناه الرماديتان الزرقاوان مبللتان بطبقة رقيقة من الدموع وهو يحدق مباشرة إلى تشي شياوتشي.

وقف تشي شياوتشي، يده على مقبض الباب، مترددًا قليلاً، ثم دفع الباب ودخل مرة أخرى. 
حمل الصغير كأنه قطة، ورفعه إلى مستوى عينيه.

قال له مازحًا: "مهما يكن، نهاية العالم قادمة، وذراعيك ورجلاك الصغيرة تكفيان فقط لعمل شوربة."

لم يغضب النمر الصغير. 
بل أغلق مخالبه الأمامية برفق حول طرف أنف تشي شياوتشي، وأعطاه قرصًا صغيرًا.



المؤلف لديه ما يقوله :

"استغرقت وقتًا طويلاً لكتابة هذا الفصل، لم أنتهِ منه في الليل، واضطررت لإكماله بعد الاستيقاظ صباحًا~

الإعداد العام هو عالم بارد جدًا بدون قدرات خارقة، بأسلوب نهاية العالم القاسي
  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي