Ch59
سقطت أولى ثلوج الشتاء
في فناء قصر تشانغنينغ،
بدأت أزهار شجر البرقوق بالتفتح
يحمل الهواء البارد عطر البرقوق العذب،
معلنًا عن نهاية عام مضطرب،
مما يجعل المرء يتنهد على مرور الزمن دون أن يشعر
في الفناء ، وقفت فتاة نحيلة ،
متدثرة بمعطف من فرو الثعلب الأبيض،
ترفع رأسها نحو عناقيد الأزهار الوردية المتفتحة على الأغصان
بجانبها وقف نمر كبير ،
لم يكمل عامه الأول بعد،
يفرك رأسه بلطف بيدها،
بينما بقيت عيناه الحادتان متيقظتين،
تحرسان محيطها بحذر
بعد قرابة نصف شهر من التعافي ،
لم تعد عضلات مورونغ يان متيبسة ،
وأصبحت قادرة على المشي لفترات قصيرة دون مساعدة
لكن الوزن الذي فقدته لم يعد بعد،
مما جعل جسدها لا يزال رقيق وضعيف كغصن صفصاف
يترنح في مهب الرياح
داعبت رأس النمر الكبير المغطى بالفراء برفق،
بينما تتأمل الثلج المتراكم تدريجيًا على الأرض،
ولم تستطع منع موجة الحزن التي اجتاحتها
: “ لطالما جلب الشتاء أجمل وأقسى ذكرياتي "
{ ركوب الخيل مع آ-تشين وسط الثلوج ،
الرومانسية داخل العربة بين تساقط الثلج ،
واحتضان بعضنا البعض في الحقول البيضاء،
وهمساتنا التي تلاشت مع أنفاس الشتاء …. }
: " لكن، فقدان آ-تشين…
حدث أيضًا في يوم مثل هذا ...”
سقط غطاء رأسها ،
لكنها لم تكترث،
بل أنزلت بصرها إلى بضع بتلات متساقطة على الأرض ،
حيث امتزج الوردي الزاهي بالثلج ،
قبل أن تدوسه الأقدام ليغدو متسخًا ، متعفنًا تدريجيًا
: “ يوي إير ، يوي إير "
قطع صوت مألوف شرودها ،
فاستدارت لترى شقيقها الحبيب يسرع نحوها بعد مغادرته
قاعة البلاط الإمبراطوري
“ يوي إير هل تحسّنت حالتك ؟”
بعد دخول العاصمة ،
تولى مورونغ كان ، بصفته الجنرال الذي لا يُهزم،
منصب الأمير يو الأكبر ،
مثبتًا أقدامه في البلاط مع مجموعة من الجنرالات الشباب المتحمسين
رغم انشغاله، لم يغفل عن زيارته اليومية لشقيقته،
حاملًا معه نفس القلق كل مرة
عندما طرح سؤاله ، كان مورونغ كان يراقب مورونغ يان عن كثب،
وعيناه ممتلئتان بالقلق،
خائف من سماع أي إجابة غير سارة
أزاحت بتلة عن كتفها،
وأجابت بنبرة هادئة وعينين منخفضتين :
“ أنا بخير، أخي، لا تقلق .”
رغم سماع هذه الكلمات ،
لا مورونغ مان عابس ،
وهو يدور حول شقيقته كما لو أنه يحاول التأكد بعينيه
من أنها لم تُصب بأي أذى
بعد صمت ، سألها : “ يوي إير ، بعد شهر سيحلّ العام
الجديد .
هل… ترغبين في العودة إلى مقر الأمير ،
أم تفضلين البقاء في قصر تشانغنينغ؟”
رفعت مورونغ يان رأسها ونظرت إلى شقيقها القلق ،
كما لو أنها تذكرت شيئ فجأة :
“ بما أنك ذكرت مقر الأمير ، فأنا بالفعل بحاجة للذهاب إلى
هناك .” خيّم الظلام على نظرتها
: “ حقًا؟ ستعودين؟”
لم يكن مورونغ كان يتوقع مثل هذه الإجابة،
فتابع بحماس : “ إذًا سأطلب من الخدم تنظيف فنائك عندما أعود .
عندما تأتين خلال الأيام القادمة ،
سيكون كل شيء جاهز …”
لم يُنهي كلامه حتى رفعت مورونغ يان يدها وقاطعته :
“ يمكننا المغادرة الآن ، لا حاجة للانتظار بضعة أيام أخرى.
ولا داعي لترتيب الفناء ، أنا لا أحتاج إلى ذلك .”
أثار كلامها حيرةً في نفسه ، لكنه لم يجادلها،
بل امتثل لرغبتها وساعدها في الصعود إلى العربة متجهين
نحو مقر الأمير يو
رغم أن جسدها لم يتعافى تمامًا ،
لم تطلب مورونغ يان من السائق التوقف عند المدخل
الجانبي الأقرب لفنائها أو لفناء شقيقها ،
بل اختارت النزول عند المدخل الرئيسي لمقر الأمير يو،
وقادت النمر هو إير ببطء نحو القاعة الرئيسية
في الداخل ،
كانت ليو غيفي، محظية الأمير يو ، تجلس مع ابنها مورونغ
فو ، يتبادلان أطراف الحديث أثناء احتسائهما الشاي برفقة
مورونغ وين
لم ترسل مورونغ يان أحد ليُعلن قدومها،
بل دخلت مباشرةً وجلست بهدوء على مقعد الشرف
الفارغ،
بينما استلقى هو إير مطيعًا عند قدميها
بصفتها الابنة الشرعية الوحيدة للأمير يو ،
والأميرة تشونغ ون التي منحها الراحل الإمبراطور لقبها شخصيًا ،
كانت مكانتها في البلاط أعلى من أي شخص موجود في القاعة
علاوة على ذلك، فإن الإمبراطور الجديد، مورونغ وان،
كان قد أمر الجميع بمعاملتها كأخته الكبرى،
وإظهار الاحترام والطاعة لها
نظر مورونغ وين إلى شقيقته غير الشقيقة بارتباك ،
وهو يبتلع ريقه بصعوبة : “ أختي…”
بدا لها جالسة بلا تعبير ،
وإلى جوارها وحش مفترس مستلقٍ بهدوء ،
شعر بشيء من التوتر وهو يسأل :
“ لمَ لم تخبرينا مسبقًا بعودتك إلى المنزل ؟”
مالت مورونغ يان برأسها قليلًا ،
متحدثةً بنبرة خفيفة :
“ هل عليّ أخذ إذن من الأخ آ-وين للعودة إلى منزلي؟”
تصبب العرق على جبين مورونغ وين، ولوّح بيديه بسرعة :
“ لا، لا، بالطبع ليس الأمر كذلك .
لقد فوجئت فحسب، هذا كل شيء .”
رفعت مورونغ يان زاوية شفتيها قليلًا ،
ولم يكن في عينيها سوى السخرية : “ الآن بعد أن تعافت
هذه الأميرة وعادت إلى القصر ،
لماذا يبدو أن الأخ آ-وين ليس سعيد برؤيتي؟”
لم تنتظر الرجل المتلعثم ليرد ،
بل واصلت قائلة : “ جلالة الإمبراطور ، عندما رأى تعافيَّ ،
كان سعيد جدًا لدرجة أنه منحني كامل السلطة للتعامل مع
عقوبة ولي العهد المعزول .”
عند سماع ذلك ، عبس مورونغ وين وسأل بتردد :
“ في هذه الحالة…
ماذا تنوي الأخت أن تفعل بـ… ولي العهد المعزول ؟”
يان : “ كيف يجب أن تتصرف هذه الأميرة حيال الأمر…؟”
نقرت بأصابعها بلطف على الطاولة الخشبية المصنوعة من
خشب الماهوجني، متظاهرةً بالتفكير بينما تراقب رد فعل
الرجل أمامها :
“ ولي العهد المعزول خطط للتمرد واغتصاب العرش .
مثل هذه الجريمة الشنيعة تستوجب عقوبة الإعدام بطبيعة الحال .”
اتسعت عينا مورونغ وين رعبًا : “ لا، لا، لا، هذا لا يمكن أن يكون .
كيف يمكن إعدام صاحب السمو ولي العهد؟
أختي الصغرى ، عليك التفكير جيدًا في الأمر .”
سكبت مورونغ يان الماء في إبريق الشاي لتسخينه،
ثم ابتسمت بسخرية ،
ووجهها يكسوه الظلام : “ ولي العهد المعزول ارتكب أفعالًا
شنيعة ، وكاد أن يودي بحياتي ،
ومع ذلك ، لا يزال الأخ آ-وين يختار التوسل من أجله ؟”
بدا أن درجة الحرارة في الغرفة انخفضت بضع درجات
مورونغ وين : “ ولي العهد من سلالة الإمبراطورة ، ولد شرعيًا ،
وحتى لو كانت أساليبه متطرفة بعض الشيء ،
فإن العرش من حقه.”
وقف الرجل بقلق ، آملًا في الحصول على رد فعل من
شقيقته غير المبالية،
لكن مورونغ يان لم ترفع عينيها حتى،
وظلت تحدق فقط في أصابعها
بعد فترة طويلة ، رفعت مورونغ يان رأسها،
وكأنها تذكرت شيئ مسليًا ، وضحكت قائلة :
“ إذًا هذا هو سبب مساعدة الأخ آ-وين لولي العهد المعزول هاه؟”
وجهها ممتلئ بسخرية لا لبس فيها ،
: “ لمجرد أنه شرعي المولد ، يحق له فعل ما يشاء؟
يا للسخافة .
أنت بنفسك لست سوى ابن محظية ،
سذاجة الأخ آ-وين توسّع آفاقي حقًا "
مورونغ وين : “ هذا… أنا…”
يان : “ كيف أقنعك ولي العهد المعزول في ذلك اليوم،
وجعلك تكشف عن مكاني طواعية وتسحب الحراس من
برج كانغيوي؟”
تحدثت مورونغ يان بنبرة تبدو غير مبالية ،
لكنها تحدق في الرجل بحدة ،
مما جعله يشعر بعدم الارتياح ،
يان : “ هل قال لك ولي العهد المعزول أنه يريد التحدث إلى شقيقتك ؟
أم أنه أخبرك مباشرة أنه يريد قتلي ؟”
أراد مورونغ وين أن يدافع عن نفسه،
لكن فجأة، رفع النمر المستلقي على الأرض رأسه
هو إر الذي لطالما احتقر مورونغ وين وابنه ،
حدّق فيه بتركيز ،
وكأنه مفترس يراقب فريسة شهية ،
كاشفًا عن أسنانه الحادة اللامعة
شعر الرجل الجبان بقشعريرة تسري في عموده الفقري ،
وارتعشت ساقاه ،
ولم يستطع منع نفسه من التلعثم ،
: “ أنا… أنا… لم أكن أعتقد حقًا أنه كان يريد قتلك في ذلك
الوقت…”
: “ ماذا !”
اتكأ مورونغ كان على إطار الباب ،
وقد سمع اعتراف مورونغ وين بشكل غير مباشر بفعلته ،
فاتسعت عيناه في صدمة : “ إذن كان أنت !
كيف تجرؤ…!”
خلال الأيام التي كانت فيها مورونغ يان فاقدة للوعي،
قضى كل لحظة وهو يعيد التفكير مرارًا وتكرارًا،
باحثًا في كل التفاصيل لكنه لم يستطع أبدًا معرفة كيف
تمكن ولي العهد المعزول من الاقتراب من شقيقته
واليوم ، لدهشة الجميع ،
لم يكن الجاني الرئيسي جاسوس في الجيش
أو أحد المتمردين ،
بل كان هذا الأخ غير الشقيق ،
الذي يقضي أيامه في الكسل والثرثرة عن الأدب المنحط
انفجر غضب كان بشدة ، وتخلى عن لطفه المعتاد ،
تقدم وأمسك بمورونغ وين المرتجف بالكامل من ياقة رداءه ،
وصرخ : “ هل فقدت عقلك… كيف تجرؤ؟
بأي حق؟
من منحك الجرأة…
كيف يمكنك معاملة يوي إير بهذه الطريقة ؟”
راقبته مورونغ يان ببرود بينما صبت لنفسها بعض الشاي ببطء ،
قائلةً بسخرية : “ أخي لا تكن منفعلًا هكذا .
الأخ آ-وين يرفض دائمًا إظهار أي شعور بالدونية أمامنا ،
ولكن من كان ليظن ؟
في هذا القصر الملكي ، هو أكثر من يهتم بفرق الشرعية
وعدمها .”
لطالما لعب دور الأخ الأكبر ، رافضًا الاعتراف بوضعه كابن محظية
ولكن بعدما كبر ، قمعه شقيقه الأصغر ،
الذي حصل على لقب ' الجنرال الذي لا يُهزم ' لشجاعته
ومهارته في القتال،
ولم يكن ذلك مجرد فارق بسيط ،
ولحماية غروره الهش ، بدأ في التعريف عن نفسه كعالم ،
واصفًا أولئك المحاربين الذين ماتوا في المعركة من أجل
الوطن بـ ' البرابرة الحمقى '
والآن ، بولاء أعمى لولي العهد المعزول لمجرد أنه ابن
الإمبراطورة ،
يظن نفسه يسير في طريق الصواب ،
يحلم بإنجازات عظيمة كالتنين لكنه يفتقر إلى الحسم ،
عالق بين الجانبين
حتى العلماء الكونفوشيوسيين المتشددين ليسوا مزعجين
بقدر ما هو عليه
التفكير في ذلك مضحك حقًا
بعد أن ارتشفت جرعة من الشاي ،
وجدته مرًّا بشكل لا يُحتمل ،
فعبست وسكبته بلا مبالاة على الأرض
ثم نظرت ببرود إلى المحظية ليو ومورونغ فو، اللذين ظلا
صامتين كالفئران ووجهيهما شاحبين طوال الوقت،
ثم نهضت بهدوء
وأثناء مرورها بجانب شقيقها غير الشقيق،
قالت بصوت هادئ : “ الأخ آ-وين، ازدرائي لك ينبع فقط من
ضعفك وحماقتك،
ولا علاقة له بكونك شرعيًا أو لا.”
دون أن تلقي عليه نظرة واحدة،
أو حتى أن يطرف لها جفن تجاه الرجل الذي كادت قبضات
مورونغ كان تخنقه،
خرجت مع نمرها الضخم بجانبها،
دون أن تنظر خلفها ولو مرة واحدة
و خلفها ، تردد صوت اللكمات تصطدم بالجسد،
تتخلله أنين مورونغ وين المتألم،
لكن الفتاة لم تهتم ، فقط نادت سائقها للعودة إلى قصر تشانغنينغ
أرخَت ظهرها الذي كان مستقيمًا من قبل،
وقرصت أنفها بتعب،
ثم استندت على باب العربة، تشعر بالاشمئزاز
كانت تعلم جيدًا أن شقيقها لن يتسامح مع هذا بعد الآن
بالنسبة لشقيق غير شقيق كاد أن يتسبب في موتها بشكل
غير مباشر بتجاوزه للحدود،
فإن ما تبقى من العاطفة والاحترام الأخوي المزعوم قد تلاشى تمامًا
توأمها المفرط في حمايتها لن يترك مورونغ وين بسهولة
وإن لم يُبرح ضربًا في القصر ،
فلن يكون الأمر كما لو أن شقيقه الأكبر وزملاءه ذوي الطبع
الحاد لم يسبق لهم أن لفّوا شخص في كيس وضربوه في زقاق من قبل
علاوة على ذلك ،
بالنظر إلى أفعال مورونغ وين الحمقاء هذه المرة ،
فمن الممكن : طرده من القصر الملكي ،
أو شطب اسمه من السجلات الأسرية ،
أو حتى إعدامه باعتباره متواطئ مع ولي العهد المعزول —
حتى لو كان الأمير يو يحظى بمودة تجاهه ،
فلن يستطيع قول شيء عندما يكون الأمر متعلقًا بجريمة التمرد ———
ولكن رغم ذلك ، لم تشعر مورونغ يان بفرحة الإيقاع
بالخائن في القصر
ظل تعبيرها بلا تغيير، وقلبها لا يزال فارغ
وكأن هو إير شعر بتوهان سيدته ،
مدّ يديه الأماميتين ولعق كف مورونغ يان كنوع من المواساة
حكّ لسانه الخشن بشرتها الناعمة ،
مسبِّبًا بعض الألم،
لكن مورونغ يان لم تهتم،
واكتفت بربت رأسه بلطف
: “ أين تعتقد أن سيدتك يمكن أن تكون ؟” سألت ،
ناظرةً إلى الوحش أمامها الذي لا يستطيع التحدث بلغة
البشر ، لكنه وفيّ لها ،
“ أنا أشتاق إليها… أشتاق إليها كثيرًا "
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق