Ch8
بعد عودتها من برج كانغيوي،
حبست مينغ تشين نفسها في غرفتها لمدة خمسة أيام
كاملة دون أن تخرج
في كل مرة كان أحدهم يبحث عنها،
لم يكن يسمع سوى صوتها الضعيف من خلف الباب المغلق بإحكام
هذا التصرف غير المعتاد أثار قلق الإخوة والأخوات
الصغار في معسكر حراس الظل
بمجرد أن أنهت سونغ شو تشينغ مهمتها وعادت إلى المعسكر،
دُفعت من الجميع للذهاب ورؤية عن مينغ تشين
“ تشين تشين أنا سونغ شو تشينغ "
طرقت الباب بصبر ، ثم تابعت بنبرة لطيفة :
“ افتحي الباب "
ساد صمت للحظات
ثم أضافت سونغ شو تشينغ،
بصوت لا يخلو من التهديد الصريح:
“ مينغ تشين ، إما أن تفتحي الباب وتسمحي لي بالدخول ،
أو سأدخل بطريقتي الخاصة ،
وبعدها انتظري حتى أشدّ أذنيك !”
“…”
بعد لحظة تردد، انفتح الباب ببطء،
وظهرت مينغ تشين،
تقبض على كُمّها بتوتر،
ثم تمتمت بصوت خافت:
“لقد وعدتِيني ألّا تشدي أذني عندما نكبر .”
دخلت سونغ شو تشينغ مباشرة إلى الداخل،
ثم ألقت بنفسها على كرسي بارتياح،
متفحصة أختها الصغيرة بتمعن
عينا مينغ تشين، التي كانت عادة مشرقة ومليئة
بالحيوية ، غائمتين بالحزن
كان وجهها شاحب ، وهالتها هزيلة،
وجسدها مُنحني قليلًا
وكأنه يحمل ثقل العالم فوق كتفيه
بدت كأنها تحتاج لمن يحتضنها
سألت سونغ شو تشينغ بقلق ، وهي تعبس بحاجبيها ،
تراقب حالتها المزرية : “ ما الذي حدث؟”
: “… لا شيء "
جلست مينغ تشين على حافة السرير،
متجنبةً النظر إلى سونغ شو تشينغ
سونغ شو تشينغ لم تكن بحاجة إلى سماع المزيد :
“ من الذي جعلكِ تشعرين بالظلم؟”
بمجرد عودتها،
سمعت عن التغيير الغريب في سلوك مينغ تشين
لم تكن فقط قد حبست نفسها في غرفتها وظهرت وكأنها مريضة،
بل حتى عندما حاول الإخوة والأخوات الصغار إغرائها
بأطعمتها المفضلة، رفضت الخروج تمامًا
إحدى الأخوات الصغيرات همست بهدوء في أذن سونغ شو تشينغ،
تخبرها بأنها رأت مينغ تشين تجلس في زاوية غرفتها،
تحضّر الدواء لحبيبها المريض بمرض عضال،
بينما تذرف الدموع وتتنهد بحزن
في البداية، لم تأخذ سونغ شو تشينغ هذا الكلام على محمل الجد
لكن عندما رأت حالتها الآن، بدأت تصدق الأمر بالفعل
قالت سونغ شو تشينغ بلطف :
“ الجميع في المعسكر قلقون عليكِ ….”
، ناظرة إليها بعينين مليئتين بالشفقة :
“ حتى معلمنا أصبح قلق بعد أن سمع بما يجري معكِ.”
عند ذكر اسم هي جينغشو،
دفنت مينغ تشين وجهها في البطانية،
تتمتم بكلمات غير واضحة
لم تفهم سونغ شو تشينغ ما تمتمت به،
فمالت للأمام قليلًا لتسمعها بشكل أوضح :
“ ماذا قلتِ ؟”
فجأة، جلست مينغ تشين مستقيمة،
وضربت لوح السرير بقبضتها،
ثم صاحت بصوت مرتفع:
“ المعلم مزعج !
أكره المعلم أكثر من أي شيء آخر !”
برمت شفتيها،
وكأنها طفلة صغيرة تشعر بالظلم
سونغ شو تشينغ تجمدت في مكانها، مصدومة
مينغ تشين كانت دائمًا الطالبة المثالية، المطيعة،
والأقرب إلى قلب معلمهم
{ كيف يمكن لها أن تقول مثل هذا الكلام ؟
هل هذه هي مرحلة التمرد المتأخرة ؟ }
ندمت سونغ شو تشينغ على عدم قراءة المزيد من الكتب
حول تربية الأطفال في حياتها
مدت يدها بلطف،
وربتت على رأس مينغ تشين بحنان،
ثم قالت بنبرة مشجعة:
“فتاتي الجيدة ، قولي لأختك الكبيرة كيف ظلمكِ معلمنا .”
رفعت مينغ تشين نظرها إلى سونغ شو تشينغ،
وكأنها ترى طوق النجاة
بدأت تسرد عليها كل ما حدث بينها وبين المعلم تلك الليلة، بكل تفاصيله
بعد أن استمعت سونغ شو تشينغ للقصة،
صمتت للحظة ، تفكر بعمق، ثم سألت، بصوت متحير:
“ كيف تعرّفتِ على الأميرة تشونغ ون؟”
أخبرتها مينغ تشين كيف أنها كانت مطاردة من قبل جنود
ولي العهد في العاصمة ،
وكيف اضطرت للجوء إلى برج عالي ،
وهناك أنقذتها الأميرة تشونغ ون
قالت سونغ شو تشينغ ، وهي تومأ برأسها ببطء،
رغم أن سرد مينغ تشين كان عشوائي ومشتت بعض الشيء :
“ إذن هذه الأميرة تشونغ ون شخص رحيم وعادل أيضًا.”
راقبت مينغ تشين، التي لا تزال متجهمة رغم حديثها،
ثم ابتسمت سونغ شو تشينغ بخبث وقالت:
“هل تعلمين لماذا لا يسمح لكِ المعلم بمقابلة الأميرة؟”
هزت مينغ تشين رأسها بإحباط،
وهي تضغط على شفتيها في إحباط واضح
عدلت سونغ شو تشينغ خصلات شعرها،
ثم جلست باستقامة، وسألتها بجدية:
“ماذا تعرفين عن الأميرة تشونغ ون؟”
أمالت مينغ تشين رأسها قليلًا، مفكرة، ثم أجابت:
“ الأميرة تشونغ ون هي مورونغ يان،
تبلغ من العمر 28 عام ،
إنها الابنة الشرعية لشقيق الإمبراطور الحالي، الأمير يو
أما شقيقها الأكبر ، فهو الجنرال مورونغ كان ،
المعروف بلقب ’الجنرال الذي لا يُهزم‘.”
سونغ شو تشينغ استمعت باهتمام ،
وأومأت رأسها كما لو أنها تشجعها على المتابعة
“ في السنة الخامسة عشرة من يونغتاي،
وُلدت في المنطقة الشمالية ،
وأُعطي اسمها شخصيًا من قبل الإمبراطور الراحل .”
تابعت مينغ تشين كلامها ،
صوتها ثابت كما لو كانت تتلو نص محفوظ :
“ في السنة التاسعة من شونتيان،
انتقلت مع والدتها،
قرينة الأمير يو إلى العاصمة.
وعندما بلغت الثامنة والعشرين ،
خلال تجمع شعري في مهرجان الربيع،
ألّفت قصيدة عن الفاوانيا لترمز إلى الازدهار ،
ونالت استحسانًا كبير ،
مما جعلها تُمنح لقب الأميرة تشونغ ون.
وبعدها،
خُطبت للماركيز تشانغ بينغ بمرسوم من الإمبراطور .”
عند هذه النقطة ، توقفت للحظة ، ثم تابعت :
“ في شتاء السنة الحادية عشرة من شونتيان ،
توفيت والدتها ، قرينة الأمير ، فالتزمت الحداد لمدة
ثلاث سنوات في الضريح الإمبراطوري .
وفي خريف السنة الرابعة عشرة من شونتيان،
خلال رحلة صيد ملكية ، تعرضت لهجوم من قتلة ،
وتمكنت من قتل ثلاثة منهم ،
لكنها فقدت ساقها اليمنى في المقابل .
كافأها الإمبراطور بقصر تشانغنينغ لحمايته ،
لكن خطوبتها أُلغيت بسبب ’نقص الأراضي‘.”
شعرت مينغ تشين بجفاف في حلقها ،
لكنها استمرت بسرعة متزايدة :
“ في السنة السادسة عشرة من شونتيان،
بدأ ولي العهد بتولي الشؤون الإدارية بدلاً عن الإمبراطور .
وتحت ذريعة تعافيها من إصابتها ،
أمر ببناء برج كانغيوي كوسيلة للسيطرة على الأمير يو
وسجن الأميرة داخله حتى يومنا هذا .”
لعقت شفتيها الجافتين ، ثم تنهدت بعمق
قالت سونغ شو تشينغ، وهي تومأ برأسها برضا :
“ قد تكونين بطيئة ، لكنكِ تحفظين الكتاب جيدًا .”
ثم أضافت ، وقد بدا وجهها أكثر جدية:
“ قبل أيام
أرسل ولي العهد شخص لقتل الأمير الثامن في تشيونغتشو
والآن لم يتبقى من ورثة العرش سوى الأمير الخامس ،
الذي يعاني من المرض في العاصمة ،
والأمير الحادي عشر ، الذي لا يتجاوز التاسعة من عمره .
و يبدو أن العرش بات في متناول ولي العهد "
أخذت نفسًا عميقًا ، ثم نظرت إلى مينغ تشين :
“ الآن ، معظم رجال البلاط بدأوا يكوّنون أفكار معارضة .
وبالنسبة لنا ، كحراس ظل ،
فإن كل ما يمكننا فعله هو حماية الإمبراطور وبقية الأمراء ،
و مراقبة الوضع ، وفهم هذه المبادئ .
هل تفهمين؟”
أومأت مينغ تشين برأسها،
لكن بعينين فارغتين، لم تكن متأكدة تمامًا مما فهمته
فهمت المبادئ ،
لكن ما علاقتها بعدم قدرتها على رؤية الأميرة ؟
عندما لاحظت سونغ شو تشينغ حيرتها الواضحة ،
تنهدت ببطء ، ثم شرحت بصبر :
“ الشخص الوحيد الذي يخشاه ولي العهد ،
الذي أصبح يسيطر على معظم رجال البلاط ،
هو الأمير يو —- القائد العسكري والجنرال القوي في الشمال .
حتى ينجح ولي العهد في قتل الأمير يو أو تحييد قواته ،
لن يتصرف بتهور .
فالأمير يو ، الذي يحرس الحدود ويحمي البلاد ،
يتمتع بمكانة عظيمة بين الجنود .”
أخذت كأس ماء،
وارتشفت منه بهدوء،
ثم تابعت :
“ إذا وُجدت أي شبهة بأن لدينا علاقة بالأمير يو ،
فإن معسكر حراس الظل ،
الذي كان دائمًا حذرًا ومتخفي ،
سيبدو وكأنه يعلن لولي العهد : ’ مرحبًا ، كيف حالك؟
الأمير يو قد انحاز بوضوح إلى جانبنا!’
وإذا شعر ولي العهد بالتهديد ،
فلن يكون ذلك جيدًا للإمبراطور ،
أو لمعسكر حراس الظل ،
و سيكون سيئًا أيضًا للأميرة تشونغ ون التي تُحتجز كرهينة .”
رأت ملامح مينغ تشين تزداد شحوبًا
لم تتوقع أن يكون الوضع بهذا التعقيد …
كانت تعتقد أنها مجرد مسألة منعها من رؤية شخص معين
لكن الأمر اتضح أنه متشابك مع السياسة ، والقوة ،
والمؤامرات الإمبراطورية
تمتمت مينغ تشين بصوت منخفض،
وكأنها تحاول إقناع نفسها :
“ إذن ، هذا هو السبب .
المعلم ليس مزعجًا بعد كل شيء…”
سونغ شو تشينغ :
“ المعلم مزعج في الأوقات العادية ، هذا صحيح ….”
قالت وهي تتكئ إلى الوراء ،
مسترخية بعد حديثها الطويل :
“ لكن هذه المرة ،
هو فقط قلق من إشعال فتيل الفوضى .”
ثم، وهي تتأمل في كلمات مينغ تشين،
ابتسمت ابتسامة خفيفة، وقالت :
“ لكن بعد سماعكِ تتحدثين ،
أعتقد أن الأميرة تشونغ ون شخص يستحق أن نتواصل معه .”
نظرت مينغ تشين إلى أختها الكبيرة بارتباك ، وقالت:
“ لكن ألم تقولي إنه لا يجب أن نسمح لولي العهد
بالاشتباه في وجود أي صلة بين معسكر حراس الظل
والأمير يو؟
ألا يعني ذلك أن التواصل مع الأميرة سيجلب لها الخطر ؟”
رمقتها سونغ شو تشينغ بنظرة ازدراء ،
وقالت بلا مبالاة :
“ عدم إثارة الشبهات شيء ،
لكن لا يزال علينا إنشاء قنوات اتصال .”
{ الأمير يو قد يكون بعيد ،
لكنه لا يزال يشكّل تهديدًا لولي العهد ،
الذي يشبه الكلب المسعور
إذا تمكنا من استغلال الفرصة لإقامة علاقة جيدة مع
الأميرة تشونغ ون،
فقد يكون ذلك مفيدًا للوضع المستقبلي
علاوة على ذلك … }
بينما كانت سونغ شو تشينغ تنظر إلى الفتاة الحمقاء
الواقفة أمامها ، خطرت لها فكرة
{ يبدو أن للأميرة تشونغ ون مكانة خاصة في قلب تشين تشين }
رمشت سونغ شو تشينغ بعينيها بـ مكر :
“ أما بالنسبة لسلامة الأميرة ،،
هل أنتِ حقًا سهلة الاكتشاف لهذه الدرجة ؟
ألم تكوني أنتِ من أقسمت على حمايتها ؟”
هتفت مينغ تشين بحماس ، وهي تومأ برأسها بقوة :
“ بالطبع لن يتم اكتشافي ! وسأحمي الأميرة !”
في نطاق 20 تشانغ (حوالي 66 مترًا أو 216 قدمًا)،
كانت على دراية بكل التحركات،
وكانت ماهرة في التخفي دون أن تفشل أبدًا
لم يُهزمها أحد في القتال من قبل،
وكانت واثقة تمامًا من أنها لن تسمح لأي ضرر بالاقتراب من الأميرة
سونغ شو تشينغ بلا مبالاة : “ بالطبع أعلم أنكِ ستفعلين ذلك ...”
، وهي تستمع إلى ثرثرة مينغ تشين التي لا تنتهي ،
بينما عقلها غارق في التفكير العميق
{ في الواقع، من منظور معين ،
الأميرة تشونغ ون هي الشخص الأكثر أمانًا في العاصمة بأكملها
لقد حققت سريًا في مقر إقامة ولي العهد ،
ووجدت أن جميع النساء اللاتي أُرسلن إلى القصر
يحملن شبهًا بنسبة 60 إلى 70 بالمائة من صورة الأميرة تشونغ ون
إضافةً إلى الشائعات والهمسات المتداولة في الخفاء ،
أصبح لديّ الآن الصورة الكاملة تقريبًا …
لكن … }
مينغ تشين فجأة خفضت رأسها بحزن ،
وقالت بصوت مكتوم :
“ آخر مرة ، طلبت مني الرحيل…
أخشى أنها لا تريد رؤيتي مجددًا .”
راقبت سونغ شو تشينغ أختها الصغرى،
التي ترسم دوائر مكتئبة بأصابعها على لوح السرير،
ثم قالت بنبرة اطمئنان :
“ كان ذلك مجرد سوء تفاهم .
لقد كانت غاضبة ومحبطة عندما قالت ذلك .
فقط قولي لها ما في قلبك ،
ولن تغضب منكِ بعد الآن .”
بعد أن فكرت مينغ تشين في كلماتها ،
أومأت بحماس،
ثم نهضت فجأة، متجهة بسرعة نحو الباب
أمسكت بها سونغ شو تشينغ على الفور :
“ أنتِ اذهبي واستحمي أولًا …..”
وهي تنظر إلى مينغ تشين التي كانت بحالة يرثى لها،
غير مرتبة ومنفعلة :
“ انسِي الأميرة الآن ،
إذا تجرأتِ على اقتحام غرفتي بهذا الشكل الكريه ،
فسأركلك خارجًا قبل حتى أن تنطقي بكلمة !”
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق