Ch2 | Xia Fan Cai
تفاجأ تاو مينغتشو للحظة ——
كان طلب جينغ سي المتعلّق بتناول الطعام وهو يحدّق في وجهه غامضًا وغريب بعض الشيء،
لكن ما كان أغرب من ذلك هو أن هذا الحوار قد وقع فعلًا… بين رجلين بالغين
وقد بدا أثره جليًّا على المحيطين بهم،
إذ اتسعت أعين وأفواه كل من يانغ كينينغ وشو يي بدهشة
أما تاو مينغتشو، ذو الوجه الخالي من التعابير، فقد تجمّد بدوره للحظة
وبينما يحاول أن يجد ردًّا مناسبًا،
وصلت سكرتيرة جينغ سي لتُعلمه بموعد الاجتماع بعد الظهر
لم يُضِف جينغ سي أي توضيح إضافي لطلبه،
بل اكتفى بأن استدار إلى تاو مينغتشو وقال بلطف:
“ إذًا ؟ أراك غدًا ؟”
تنفّس تاو مينغتشو بعمق، ثم قال:
“… حسنًا .”
أومأ جينغ سي برأسه وغادر
⸻
بعد انتهاء هذه الحادثة الغريبة ،
عاد الجميع إلى مكاتبهم
ولم تُضِع يانغ كينينغ وشو يي أي وقت ،
إذ انقضّا على تاو مينغتشو بوابل من الأسئلة
يانغ كينينغ مفكّرةً بصوتٍ عالي:
“ بصراحة ، لولا أن السيد جينغ بدا متزنًا جدًا وهو يقول
ذلك، لظننت أنه تحرّش في مكان العمل .”
ظلّ تاو مينغتشو صامت
ثم قال شو يي وهو يشاركها الحديث:
“ شياو تاو !! لماذا طلب السيد جينغ تناول الطعام معك؟
هل تعرفه سابقاً ؟”
حدّقت يانغ كينينغ في تاو مينغتشو بانتباه، وقالت:
“ ولماذا سأل إن كان بإمكانه التحديق في وجهك أثناء الأكل ؟
لماذا أنت تحديدًا ؟
أعني، ملامحك قوية، وقد يُعد ذلك وسيمًا من زاوية معينة،
لكن السيد جينغ—”
وبينما تواصل تحليلاتها،
شعر تاو مينغتشو أن الحديث خرج عن مساره تمامًا،
فقطع كلامها بسرعة قائلًا :
“ كفى. ألقوا بتلك الأفكار جانبًا .”
فالمتسائل الحقيقي ، والأكثر حيرةً في هذا الموقف ،
لم يكن سوى تاو مينغتشو نفسه ، بطل هذا الحدث
أولًا، لا يعرف لماذا وقع عليه اختيار التحديق في الآونة الأخيرة،
وثانيًا، لا يدري ما الغرض من ' وجبة التحديق ' التي اقترحها جينغ سي
قال أخيرًا:
“ توقفوا عن التخمينات العشوائية وركّزوا على عملكم .
غدًا سنعرف كل شيء.
بالنسبة لي، أعتقد أنّ السيد جينغ يرغب في مناقشة أمرٍ متعلق بالعمل .”
⸻
ولكن، وهو جالس في مكتب جينغ سي عند الساعة 12:30 ظهرًا في اليوم التالي،
شعر تاو مينغتشو فجأة أن الأمور ليست بالبساطة التي ظنّها
جينغ سي:
“ لم أكن أعلم أيّ نوع من المأكولات تفضّله ،
لذا قررت بنفسي ….”
ثم أضاف بلطف:
“ إن لم يُناسبك الطعام ، أو شعرتَ أنّه لا يكفي ،
فقط أخبرني .
يمكنني التواصل مع مطاعم أخرى ،
ولن يتأخروا كثيرًا في التوصيل .”
تاو مينغتشو بابتسامة جافة بعدما هدأ قليلاً:
“ لا حاجة لذلك ، هذا يكفي ، حقًا يا سيد جينغ.
لا داعي لطلب المزيد .”
شعر تاو مينغتشو بدوار خفيف
لنضع الأمر بهذه الطريقة :
عدد صناديق الطعام المعبّأ على الطاولة يكفي على الأرجح
منذ ليلة رأس السنة الصينية وحتى اليوم السابع من العام
الجديد… بل وربما حتى مهرجان الفوانيس!
كان تاو مينغتشو يعرف المطعم الذي طُبع اسمه على كيس التوصيل
إنه مطعم خاص، وقد كانت العديد من زميلاته في العمل
يتحدثن عن رغبتهن في تناوله، لكنه باهظ الثمن بالنسبة لهن
لكن جينغ سي لم يفسّر بعد سبب هذا الغداء المشترك،
بل اكتفى بـ”هممم” قصيرة،
ثم أخذ أدوات الطعام ووضعها بلطف بجانب يد تاو مينغتشو، وقال وهو يحثّه بلين:
“ رائع، فلنأكل إذًا .”
رغم وجود العديد من الأسئلة التي أراد طرحها،
قرر تاو مينغتشو بعد تفكير قصير أن يومئ برأسه موافقًا،
وقد كانت خطته أن يتناول لقمتين قبل أن يبدأ بالكلام
كان ذهنه مشغول بالبط المشوي منذ لحظة دخوله المكتب
فاغتنم الفرصة بينما كانت اللفافة لا تزال شديدة السخونة،
وأعدّ منها لفافة صغيرة
رائحة الطعام شهية للغاية،
وبمجرد أن أخذ قضمة،
شعر وكأن الطعم اللذيذ يمكنه أن يذيب العظام
تغير تاو مينغتشو تمامًا منذ بدأ بالأكل
الجوع دفعه لالتهام لفافة تلو الأخرى من البط المشوي،
وكان تركيزه منصبًا بالكامل على الطعام
لكن سرعان ما تذكّر فجأة : يوجد شخص يجلس أمامه…
وذلك الشخص هو مديره
رفع تاو مينغتشو رأسه بسرعة،
وخفق قلبه للحظة — إذ إن عيدان جينغ سي لم تكن تتحرك
كل ما فعله هو أنه أسند ذقنه بيد ،
واستعمل الأخرى ليضرب بطرفي العيدان بلطف على حافة الطبق،
وكأنه في حالة تأمل، و يحدّق فيه بصمت
عندها فقط تذكّر تاو مينغتشو أن جينغ سي قد أخبره
بالأمس مسبقًا بأنه سيحدّق في وجهه أثناء تناوله الطعام
لكنه لم يتوقّع أن يكون جينغ سي بهذه الصراحة والوضوح
تلك النظرة التي كان يرمقه بها… وكأنه يرى من خلال روحه
لم يحرّك عيدانه قط رغم امتلاء الطاولة بأشهى المأكولات الصينية والمنشورية،
وكأنه يشبع فقط من النظر إلى وجه تاو مينغتشو
ولهذا، فمن الطبيعي أن يبدأ عقل تاو مينغتشو بالذهاب إلى أماكن غريبة
شعر تاو مينغتشو بجفاف في حلقه، فسأله:
“ ألن تأكل يا سيد جينغ ؟”
رمش جينغ سي سريعًا ، وكأنه استفاق من شرود مؤقتاً
ثم أجاب باختصار: “هممم.”
ولم يرفع عينيه عن وجه تاو مينغتشو
جينغ سي: “ لا بأس ، أنت كُل أولًا ،
أنا سأكتفي بمشاهدتك .”
تاو مينغتشو: “…”
لم يعد لدى تاو مينغتشو حتى القوة لرفع الملعقة
فببساطة ، أن يتصرف المرء على طبيعته يصبح أمرًا صعبًا حين يشعر بأنه مراقب
فقال بتردد:
“ أشعر بالحرج من الأكل وحدي…
البط المشوي يُؤكل وهو ساخن ،
لذا عليك أن تأكل أيضًا قبل أن يبرد .”
بدا أن جينغ سي تردد للحظة قبل أن يجيب:
“ حسنًا .”
ثم بدأ بإعداد لفافة من البط المشوي
راقب تاو مينغتشو جينغ سي وهو ينظر أولًا إلى لفافة البط في يده للحظة ، ثم انحنى وأخذ قضمة ، وبدأ يمضغها ببطء
أخيرًا، لم تعد عيناه عليه
فتنفس تاو مينغتشو الصعداء،
وأخذ لقمتين حماسيتين من لفافته
لكن ما إن رفع رأسه… حتى حبس أنفاسه
لأنه رأى جينغ سي يبتسم
كانت عينا جينغ سي مركّزتين على لفافة البط التي أعدها،
وتحديدًا على الجزء الذي قضمه،
وزاوية شفتيه ارتفعت بخفة
كان الانطباع الأول الذي كوّنه تاو مينغتشو عن جينغ سي
بعد محادثاتهم القصيرة أنه شخص لطيف،
لكنه يتمتع بنوع من المجاملة المتحفظة
مظهره وسيم، وعيناه جميلتان،
وابتسامته دائمًا ودودة ولطيفة. وعندما لا يبتسم، فإن ملامحه تميل للاسترخاء قليلاً
رجل مدهش ومثقف، هذا ما هو عليه
لكن الابتسامة التي يبتسمها الآن لم تكن تلك الابتسامة الرسمية الباردة المعتادة
عينا جينغ سي الآن تشعّان بالمشاعر ،
ورموشه تتحرك بخفة
كان هناك شعور جارف بالسعاده ،
وكأن مفاجأة حقيقية قد أثارت في داخله البهجة ،
وكان ذلك واضح تمامًا
{ أولًا ، يحدّق في وجهي أثناء تناوله الطعام ، ثم يضحك الآن ؟ }
شعر تاو مينغتشو بقشعريرة تزحف من قاع معدته
الشكوك التي لم تكن قوية من قبل بدأت تتعاظم بوضوح
بدأت أفكار مقلقة تتشكل في ذهن تاو مينغتشو،
وأحس أن ثمة أمرًا غير طبيعي بدأ يتكشّف ببطء
فنادى بخفة:
“ أممم ؟ سيد جينغ…؟”
اختفت الابتسامة عن وجه جينغ سي بسرعة وكأنه فُزع،
ورفع نظره ليقابل عيني تاو مينغتشو
ابتسم تاو مينغتشو ابتسامة جافة وقال:
“ كنت فقط أود أن أسأل ،
هل هناك… سبب معيّن لدعوتك لي لتناول الغداء معك ؟”
ظلّ جينغ سي صامتًا ، وكأنه مشغول بأفكار أخرى،
لكنه لم يُبعد نظره عن وجه تاو مينغتشو
وبعد لحظات ، قال جينغ سي فجأة :
“ ما نوع الطعام الذي تحب تناوله عادةً ؟”
انحرف الحديث إلى اتجاه غير متوقّع تمامًا
تجمد تاو مينغتشو في مكانه للحظة ،
ثم شدّ على فكه وقال متلعثمًا:
“ أنا… لست صعب الإرضاء .
أحب الطعام، لذا يمكنني أكل أي شيء .”
أومأ جينغ سي برأسه
ثم سمع تاو مينغتشو جينغ سي يسأل فجأة:
“ السيد تاو هل تود تناول الغداء معي كل يوم من الآن فصاعدًا ؟”
تاو مينغتشو، المعنيّ بالسؤال ، ظنّ لوهلة أنه سمع خطأ ...
“…ماذا ؟”
قال جينغ سي متأملاً للحظة ثم أضاف:
“ وأيضاً أمر آخر قد تحتاج أن تتأقلم معه ،
وهو نفسه كما اليوم ،
ربما أنظر في وجهك بين الحين والآخر ….”
ابتسم جينغ سي بابتسامة هادئة وتابع :
“ وبالطبع ، بما أنني أحتل وقت استراحتك المفترض ،
يمكنك أن تسألني عن أي شيء، وسأعوّضك.
وإذا كان الأمر ضمن استطاعتي، فسأبذل قصارى جهدي لتلبيته .
أتمنى حقًا أن توافق على طلبي .
وأدرك أن هذا قد يبدو غريبًا لك،
لكني أيضًا آمل ألا تسألني عن سبب تقديم هذا الطلب .”
ذكر هذا المشهد تاو مينغتشو بدمية ماتريوشكا التي لا تنتهي أجزاؤها،
فقد بدا وضعه الحالي مثل تلك الدمية المتداخلة
جينغ سي دعاَه لتناول الغداء ، بل وليمة بحجم حفلة ،
{ وهدف هذا الغداء هو دعوتي لتناول المزيد من الغداء في المستقبل ؟ }
حدسه أخبره أن في الأمر أكثر مما يبدو على السطح
أراد تاو مينغتشو الاستفسار أكثر ،
لكنه للأسف وجد جينغ سي قد سد عليه الطريق بما قاله للتو
تردد تاو مينغتشو للحظة
ثم قال بأدب محاولًا الرفض بلطف:
“ في الواقع، أنا… مستعد جدًا لتناول الطعام معك ،
لكن فنانين مثلي ليس لديهم جدول غداء ثابت ،
وأخشى أن لا يتناسب مع جدولك وقد يعرقل عملك .”
نظر إليه جينغ سي بتفكير وهمهم “ آووه "
لكن تاو مينغتشو سمع جينغ سي يقول
: “ أرجوك اطمئن ، سأراعي جدول عملك ،
ولا داعي لأن تقلق بشأن تعارض الأوقات .”
تاو مينغتشو “…؟”
عندما يشتري صاحب العمل غداءك يوميًا ويبذل جهدًا ليتوافق مع جدولك،
تشعر وكأنك تُطعَم بفطيرة عملاقة بملعقة ذهبية
بدأ تاو مينغتشو يشعر بعدم ارتياح قليلاً
وبما أن رفضه المهذب لم يؤثر ،
لم يجد سبباً غير إخبار جينغ سي ببعض الأمور السلبية عنه:
“ لكن هناك شيء يجب أن أخبرك به،
وهو أنني أتناول كميات كبيرة ،
ولا أحب التحدث أثناء الأكل ،
لذا قد تكون صُحبتِي مملة بعض الشيء…”
قاطع جينغ سي كلامه وهو يومأ رأسه
جينغ سي وهو يرمقُه بنظرة :
“ يمكنك أن تطمئن أنك لن تغادر مكتبي جائعًا أبدًا .
وإذا لم تشعر بالراحة في التحدث معي ،
فهذا أيضًا لا بأس به.
ليس علينا أن نتحدث .”
ذُهل تاو مينغتشو بشدة ، فقد بدا جينغ سي صادقًا جدًا
وربما كان تاو مينغتشو يتخيّل بعض الأمور ،
لكن تعبير وجه جينغ سي الآن… يمكن القول إنه بدا صادقًا حقًا
جينغ سي:
“ أنا فقط أريد أن أتناول الطعام معك كل يوم ،
هل هذا مقبول سيد تاو ؟”
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق