القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch14 | TMCTM

 Ch14 | TMCTM




بعد انتهاء حصة اللغة الإنجليزية صباح يوم الأحد،

مدّ تاو شي يده بلطف ونكز بها ذراع لين تشينهي

الذي كان يعبث بقلمه


لكن لين تشينهي تابع لمسه لشاشة هاتفه،

ولم يلتفت حتى، وقال ببرود:

“ ماذا هناك؟”


تاو شي سأله وهو ينظر إلى زجاجة الماء السوداء التي على طاولة لين تشينهي ،

وكان فيها نصفها فقط :

“ أنا ذاهب ' لأملأ الماء' ، هل تريد أن أحضر لك؟”


( فيه مكان في المدارس يوفّر برادات موية شرب لتعبئة القنينات )


قال لين تشينهي دون أن يرفع عينه:

“ لا حاجة .”


ردّ تاو شي بخفوت:

“ اوه…”


لكنه لم يذهب لإحضار الماء ،

بل أخرج من حقيبته إعلان مجعّد لنادي الفنون ،

ورفعه وهو يرمش بعينيه وكأنّه يعلن نتيجة قبوله في الجامعة ،

ثم همس بنبرة كمن يناقش والديه حول الكلية التي سيلتحق بها :

“ أخطط للذهاب إلى نادي الفنون اليوم .”


فقد كان لين تشينهي قد قال له الأسبوع الماضي

بأن بإمكانه الانضمام لنادي الفنون،

لذا أراد أن يخبره بأنه أخذ بنصيحته


لكن صوت لين تشينهي ظلّ باردًا كالثلج :

“ وما علاقتي ؟”


تاو شي:

“ اووه …” مجددًا،

ثم طوى الاعلان وأغلق فمه دون أن يضيف شيئ


منذ لقائه بـ لين تشينهي أمام محل الشاي بالحليب في ذلك اليوم،

كان يحاول جاهدًا أن يبادر بالحديث معه

كل صباح ، كان يسأله باجتهاد إن كان بحاجة لأن يملأ له الماء


{ لكن لين تشينهي كان دائمًا يرد ببرود ،

مثل هذا الرد الآن ،

حتى إنه لم يسمح لي بلمس زجاجة مائه حتى الآن


هل من الممكن أن لين تشينهي يظن أنني سأُسمّم ماءه ؟ }


ظلّ تاو شي يعاتب نفسه ويفكر طويلًا،

لكنه لم يستطع فهم ما الذي فعله في ذلك اليوم

ليجعله يعامله بهذه الطريقة


فكّر :

{ القمر أحيانًا يكون صافيًا ، وأحيانًا تحجبه الغيوم ،

ولذا، فإن مزاج لين تشينهي المتقلب بين الصفاء والبرود

يُعتبر طبيعيًّا أيضًا … }

هكذا حاول أن يُقنع نفسه


بعد انتهاء الحصة الأخيرة،

أسرع الطلاب بحمل حقائبهم والخروج من الفصل


رأى تاو شي لين تشينهي ويانغ داولي

يخرجان وهما يحملان نوتات موسيقية


تردد قليلًا في الفصل،

ثم ركض باتجاه مبنى تشيوشي


وهو يحمل الاعلان في يده،

تبع تاو شي العنوان لبعض الوقت،

حتى وجد أخيرًا المرسم الكبير الخاص بنادي الفنون

في الطابق الثاني


كان في الداخل نحو ثلاثين شخصًا،

غالبيتهم من الفتيات،

وقد بدأوا بالفعل بالرسم على ألواحهم


من الواضح أن الرسم لم يكن من مواهبه،

لذا شعر بالتوتر عند دخوله،

وكأنه اقتحم مساحة لا تخصه


كان يبحث عن الشخص المسؤول عن النادي،

لكنه صادف على الطريق الضيق اثنتين من ' المعارف '


قالت تشانغ مونغتونغ وهي تمسك بفرشاة رسم وتبتسم:

“ تاو شي أتيت إلى نادي الفنون أيضًا ؟ 

هل تبحث عن شينيون؟”

ثم رمقت جيانغ شينيون بنظرة ذات معنى


كانت جيانغ شينيون ترتدي مئزر وردي ،

رفعت رأسها ونظرت إلى تاو شي،

ثم حدّقت في تشانغ مونغتونغ بنظرة تحذير ،

لكن طرف شفتيها كان لا يزال يحمل ابتسامة


لم يستطع تاو شي إلا أن يعجب بهاتين الفتاتين قليلاً ،

وشعر أن براعته في التمثيل قد تكون جيدة لكنه لم يتوقع 

أن هناك من يفوقه قدرةً على التمثيل


لو لم يكن قد سمع حديثهما في محل الشاي بالحليب،

لكان صدق الآن أنهما ودودتان للغاية معه


ابتسم بخفة وقال:

“ سمعتُ من لين تشينهي أن هذا المكان جيد ، 

فجئتُ لألقي نظرة ،

لكن الآن… لم أعد مهتمًا كثيرًا .”


وبعد أن قال ذلك، استدار وغادر

دون أن يرى الوجوه الكالحة التي ارتسمت خلفه


لم يكن تاو شي ينوي الانضمام إلى نادي الفنون،

ووجد لنفسه عذرًا جيدًا :

{ لا أريد إنفاق المال على أدوات الرسم }


لكنه ما إن مشى بضع خطوات خارج الباب،

حتى أوقفته فتاة طويلة القامة قائلة:

“ لا ترحل، تاو ' شيو دي '

سيخسر نادينا موهبةً نادرة إن غادرت !”


توقف تاو شي مندهشًا،

الفتاة — التي لا يعرفها —

كانت طويلة ، تقل عنه قليلًا في الطول ،

وشعرها الطويل المجعد مربوط بشريط بنفسجي،

وعيناها اللامعتان مليئتان بالابتسام



قالت مبتسمة :

“ أنا تشياو ييتانغ رئيسة نادي الفنون، طالبة في الصف الثالث .

سمعتُ عنك من البدين الصغير بان يان ،

ولهذا كنتُ في انتظارك لتأتي إلى نادينا !”


شعر تاو شي بالحيرة ،

فهو لم يخبر بان يان أبدًا أنه يريد الانضمام إلى النادي،

لكنه أومأ قائلًا:

“ ' شيو جي ' لكن في الحقيقة …

لم أعد أرغب في الانضمام بعد الآن .”


قالت تشياو ييتانغ في دهشة وقلق:

“ لماذا ؟ ألست تحب الرسم ؟”


بدأ تاو شي يجد هذه الفتاة غريبة الأطوار أكثر فأكثر،

فقال لها بصراحة :

“ ليس لدي أدوات للرسم .”


لكنها تنفست الصعداء حين سمعت ذلك، وقالت دون تردد:

“ وهل هذا يُعد عائقًا ؟

رئيسة النادي ستمنحك طقم أدوات بنفسها !”


ثم أمسكت به وأدخلته إلى المرسم دون كثير من الاهتمام،

فحيّاها الطلبة في الداخل باحترام قائلين :

“ مرحبًا رئيسة النادي !”


نظروا بدهشة إلى تاو شي الذي دخل معها،

بينما نظرات جيانغ شينيون وتشانغ مونغتونغ

مليئة بالتعقيد


( ' تاو شيو دي ' أي “الطالب الأصغر تاو”، 

أسلوب مخاطبة لطيف من الطلاب الأكبر سنًا للأصغر 

' كوهاي '

' شيو جي' أي ' الأخت الكبرى سينباي  ' )


بحماس واضح ، أعطت تشياو ييتانغ لتاو شي لوح رسم 

جديد ومجموعة فرَش وألوان جديدة تمامًا


قالت إنّها من ممتلكات النادي العامة، ولم تترك له مجالًا للرفض


ثم دفعت به إلى لوح الرسم كما يُدفع الدجاج نحو الذبح،

وأجبرته على البدء بالرسم


وبعد أن تأكدت أنه استقر،

أوصت أحد الفتيان قائلة:

“ اعتنِ جيدًا بتاو شيو دي ”

ثم خرجت من المرسم وهي تُخرج هاتفها،

كما لو أنها تنوي الاتصال بشخص ما


قدّم الفتى نفسه : قو يانغ — طالب في الصف الثاني من قسم الفنون ،

وقال بنبرة فيها شيء من الحسد:

“ كيف تعرف رئيسة نادينا ؟ إنها متحمّسة جدًا تجاهك .”


فكّر تاو شي { أنا لا أعرفها أصلًا }

لكنه أجاب باختصار:

“ ربما زميلي في السكن، بان يان، أخبرها عني "


همس قو يانغ بتعجب:

“ بان يان؟ كيف لشخص مثله أن يكون على صلة بابنة المدير ؟ اييه هذا مستحيل …”


ظنّ أن تاو شي لا يريد الحديث أو أنه يكذب عمداً ،

فأدار ظهره وانشغل بالرسم ، متجاهلاً وجود تاو شي


ساد الهدوء في المرسم،

وبدأ تاو شي بالرسم أيضًا


كانت الأدوات التي زوّدته بها تشياو ييتانغ عالية الجودة حقًا،

وكانت هذه أول مرة يرسم فيها بطريقة رسم رسمية،

دون أن يضطر لاستعارة أدوات من أحد


وحين يكون منغمسًا في الرسم،

فهو يغرق بالكامل في ما يرسمه،

ولذلك لم يُدرك أن عددًا متزايدًا من الناس

بدأوا يقفون خلفه،

حتى رئيسة النادي نفسها جاءت تقف خلفه


كانت اللوحة تمثل قمرًا في ليلة ثلجية —

قمرًا جليديًا يشع بنور فضي

على قمم الجبال المكسوة بالثلج


ورغم أن الخطوط بسيطة للغاية،

إلا أن تناغم الألوان جعل الثلج ونور القمر

يبدوان وكأنهما يحكيان جمالًا متجمدًا لا يُطال


لم يشعر تاو شي بنظراتهم إلا حين أغلق قلمه


رفع رأسه فرأى تشياو ييتانغ تحدّق به بنظرات مشتعلة،

وكأنها تنظر إلى كنز حيّ أو كائن نادر من نوع ثمين


قالت بنبرة تهديد مازحة ، تخفي حماساً كبيرة :

“ شيو دي إن قلتَ لي إنك لم تتعلّم الرسم من قبل

فلن أدعك تغادر اليوم !”


تبادلت مجموعة من الطلبة الواقفين النظرات بتوتر ،

فلو أن هذا الوافد الجديد لم يتعلّم الرسم قط،

فماذا كانوا يدفعون ثمن دروس الرسم كل تلك السنوات ؟!


لكن تاو شي أومأ بهدوء وقال :

“ أرسم فقط عندما أشعر بالملل ، مجرد تسلية .”


قال أحدهم بصوت خافت:

“ اللعنة !”

{ يرسم ' للتسلية ' فقط ! }


لم يتمالك بعضهم أنفسهم من التمتمة بالشتائم،

ونظروا إلى تاو شي بعيون حامضة ومتجهمة،

ظانين أنه قريب للرئيسة أو له صلة سرية بها



لم يستطع تاو شي إلا أن يبتسم، متظاهرًا بسعادة حقيقية.

فحين قال لين تشينهي : “ لا حاجة لتصحيح السؤال الخاطئ ”،

شعر بنفس السعادة


لم تُبدِ تشياو ييتانغ أي دهشة 

فالرسم يشبه الموسيقى—

ربما لا تكفي مئة بالمئة من الاجتهاد ، أمام موهبة فطرية لدى البعض


حدّقت في اللوحة بتأنٍ،

ثم تنهدت قائلة:

“ تاو شي أسلوبك في الرسم يشبه لوحة رأيتها من قبل "


تجمد تاو شي قليلًا وسأل بسرعة:

“ لوحة من؟”

خطر في باله إن كانت تخص والدته فانغ سوي ——-


أجابت تشياو ييتانغ:

“ هي لصديق صديق لي… أو لعلها ليست لصديقه حتى ”

هزّت رأسها كأنها لا تود الحديث في الأمر، ثم قالت:

“ انسَ الأمر ، صديقي بخيل ومتكتّم ،

رأيتها لمحة فقط ولم أتبيّنها جيدًا .

ربما خُيّل لي فقط أن هناك شبه "


شعر تاو شي بخيبة أمل

فـفانغ سوي رحلت منذ سنوات،

ومن المستبعد أن تكون على صلة بمراهقين الآن


أما قو يانغ ، الذي كان يرسم بجانب تاو شي،

فقد اقتنع أخيرًا بعد وقت طويل 

و جذب تاو شي طالبًا منه إرشاده في لوحته،

ووافق تاو شي،

فانضم إليهما عدد من أعضاء النادي الآخرين


وقفت تشياو ييتانغ تنظر إلى هذا المشهد،

وهي في مزاج جيد

ثم أدارت وجهها تتفقد رسومات الآخرين،

فلمحت بالصدفة فتاتين،

لم تكونا ضمن المتفرجين سابقًا،

كانتا تنظران إلى تاو شي بعينين معقّدتين


ضيّقت عينيها قليلًا،

وما زالت تحتفظ بابتسامتها،

ثم غادرت المرسم بهدوء



نهاية نشاطات النادي كانت تعني أيضًا نهاية اليوم الدراسي


تخلّص تاو شي أخيرًا من الحشود المتحمسة،

وتناول عشاءه،

ثم عاد إلى السكن ليجد أن بان يان لم يذهب بعد إلى المنزل،

فبادره بالسؤال عن تشياو ييتانغ


ردّ بان يان بصوت مرتفع:

“ ماذا؟! أنا والإلهة تكلمنا مرتين فقط —

‘ شيو جي مرحبًا’ و’ شيو جي إلى اللقاء’—

كيف لي أن أقدّمها لأي شاب غريب ؟!”


الشاب الغريب : ”…!”


تابع بان يان وهو يضرب صدره :

“ هل تعلم أنها أصغر بنات المدير تشياو؟

طالبة فنون، وسنة ثالثة، وعبقرية أيضًا !

أمر غير عادل أن تتعرّف على آلهة مثلها بهذه السهولة !”


فكّر تاو شي قليلًا ،

لكنه لم يستطع فهم سبب معرفة تشياو ييتانغ به ،

فبعد ما فعلته جيانغ شينيون،

بات يشك كثيرًا في أي مودة مفاجئة تصدر عن الآخرين 


لكنه قال في نفسه:

{ لا بأس، على أي حال ، لن أراها إلا في يوم نشاط النادي }



في المساء، ذهب تاو شي إلى المدرسة،

ثم زار أكبر مكتبة في المدينة،

ووجد أخيرًا كتاب استماع شبه جديد مع شريط


عاد بعد ذلك إلى السكن ،

واستمر في الدراسة حتى منتصف الليل


في صباح يوم الاثنين،

وصل تاو شي إلى الفصل مبكرًا كعادته 

لم يكن هناك سوى هوانغ تشينغ وحدها ،

فحيّاها ،

لكن هوانغ تشينغ اكتفت بإيماءة باردة دون أن ترفع عينيها عن الكتاب


تساءل تاو شي { هل كل من يملكون درجات مرتفعة بهذه الصمت ؟ }

 بسخرية :

{ لو استطعت أن أستبدل صوتي بنتائج دراسية ممتازة 

عند ساحرة البحر ، لفعلت ذلك عن طيب خاطر }


جلس في مقعده وبدأ في حل أوراق التدريب،

ولم يمض وقت طويل حتى بدأ بعض الطلاب بالدخول


ثم فجأة، سمع ضوضاء قادمة من الصفوف الأمامية،

لم يهتم في البداية،

حتى سمع صوت فتاة تقول:


“ هل من الممكن أن يكون هناك من يسرق في فصلنا ؟”


توقّف تاو شي على الفور ،

لكنّه لم يرفع رأسه


جين جينغ : “ شينيون فكّري جيدًا ، 

هل حقًّا أضعتِ سماعاتك في المدرسة البارحة ؟”


ردّت جيانغ شينيون بقلق،

وصوتها يتزامن مع تقليب محتويات الدرج :

“ متأكدة . 

وضعت السماعات في الدرج قبل أن أذهب لنشاط نادي الفنون ،

وكنت أنوي أخذها بعد أن أنتهي من الرسم ،

لكن أمي اتصلت بي وألحّت عليّ بالعودة ،

فذهبت مباشرةً إلى المنزل .”


ثم قالت تشانغ مونغتونغ —- جارة شينيون في المقعد:

“ أنا رأيت شينيون تضع السماعات في الدرج بالأمس،

ثم ذهبنا سويًا إلى نادي الفنون ”


وأضافت تشن ياتشون:

“ سماعات شينيون غالية أليس كذلك؟

أهداها والدها إياها بمناسبة عيد ميلادها ، 

وجلبها لها من أمريكا .”


تاو شي لم يحتاج لسماع المزيد 

كان واثقًا تقريبًا أن الأمر كله فخّ ——

وكان متأكدًا أن السماعات موجودة في درجه حاليًا ——



ففي مدرسة وينهوا الأولى الثانوية ،

الحرية تُمنح للطلاب كما تمنح الرياح للهواء


ومن أجل حماية خصوصيتهم،

لا تُركّب كاميرات مراقبة داخل الفصول


أما الكاميرات المخصصة للبث المباشر ،

فلا تُفعّل إلا أثناء الدروس


وهذا يعني : لا يوجد أي دليل يمكنه تبرئة نفسه به 


بصراحة ،

لقد شهد مثل هذه الأساليب القديمة مرّات كثيرة في المرحلة الإعدادية


ففي تلك المدرسة المتهالكة في مقاطعة تشينغشوي،

كان الوضع فوضويًا بشكل سيء السمعة


إذا لم يكن أحدهم يطيقك،

كل ما عليه فعله هو إخفاء شيءٍ ما في درجك


وفي اليوم التالي،

حين يبدأ الاتهام،

يقف الفصل بأكمله ليُمسك بـ ' اللص '

وحينها يتم عزلك تمامًا إلى الأبد —-


لقد مرّ بهذا النوع من الإذلال ،

لكنه كان يحلّه بأسلوبه الخاص :

بالضرب ——


قتال بلا حساب ،

طالما كنت قاسيًا مع غيرك ومع نفسك ،

سيرتعبون منك 


حتى بدأ المعلمون يُفضّلونه بسبب علاماته ،

ومع سمعته السيئة ، لم يعد أحد يجرؤ على التنمّر عليه 


لكنه لم يكن يظن أنه سيواجه مثل هذا الأمر في مدرسة وينهوا الأولى


لقد ظنّ أن الجميع هنا بنفس الرقي الذي يظهر على السطح


ولم يكن يفهم —

{ لماذا تكرهني جيانغ شينيون إلى هذا الحد ؟ }


لكنه كان يعلم جيدًا أنه لا يستطيع استفزاز أحد في مدرسة وينهوا الأولى،

لأنه ببساطة: لن يدافع عنه أحد ——-


فهو ليس طالبًا رسميًا في هذه المدرسة ،

وما حدث يُعدّ أمرًا جللًا ،

و قد يؤدي إلى طرده نهائيًا ،

وقد يُلحق العار أيضًا بمدرسة تشينغشوي الأولى التي جاء منها 


بل قد يجعله يُقصى من عالم لين تشينهي بطريقة مخزية 


{ لين تشينهي… }


أدار تاو شي رأسه نحو المقعد المجاور دون وعي


ولحسن الحظ، لم يكن لين تشينهي قد وصل بعد،

فهو دائمًا ما يتأخر


لم يكن يرغب بأن يرى لين تشينهي هذا المشهد


قالت تشن ياتشون وكأنها تقترح أمرًا عاديًا:

“ ما رأيكم أن نفتّش الفصل قبل بدء الحصة ؟”


لكن تشانغ مونغتونغ سارعت بالتدخل ، 

وكأنها تتولى إدارة الموقف :

“ لا أعتقد أن ثمة حاجة لتفتيش الصف بأكمله .

ففي النهاية لم يبقَى بعد انتهاء الدوام أمس سوى قلّة قليلة ،

ومعظم الطلاب لديهم سماعات أصلًا ، ولا يحتاجون إلى سرقة غيرهم .”


 من هو الطالب الوحيد في الصف

الذي بقي في المدرسة يوم الأحد ؟


ومن الذي يفتقر إلى المال لاقتناء سماعات خاصة به؟


الإجابة كانت واضحة للجميع 


قالت جين جينغ بنبرة مترددة :

“ لا تفعلوا هذا… 

سيبدو الأمر محرجًا للغاية إن كان مجرد سوء فهم "


أما هوانغ تشينغ —- التي كانت صامتة طوال الوقت —- ،

وقفت فجأة وقالت بصوت يحمل شيئًا من الغضب المكبوت :

“ تفتيش أدراج الآخرين يُعدّ انتهاكًا للخصوصية !”


ضحكت تشن ياتشون باستخفاف :

“ آه صحيح! 

نسيت أننا لم نبحث في أمر أول من دخل الفصل صباح اليوم "


قالت ذلك وهي ترمق تاو شي، وكان المقصود واضح


صرخت هوانغ تشينغ: “ أنتِ…!”،

لكن كان واضحًا أنها لا تستطيع مجاراتهنّ


في هذه اللحظة — سمع تاو شي وقع خطوات تقترب من نهاية الصف نحوه ،


ثم سمع صوت جيانغ شينيون —

بنبرة خفيفة مغلفة بالادعاء :

“ تاو شي هل رأيت أحدًا يقترب من مقعدي يوم أمس؟”


توقف تاو شي عن الكتابة ،

ورفع رأسه ينظر إليها


كانت الفتاة تبدو جميلة بالفعل ،

تخفي نظراتها الخبيثة خلف وجهٍ رقيق متصنّع


قال بهدوء ، ونظرة ساخرة في عينيه:

“ أنا لست زميلك في المكتب فكيف لي أن أعلم ؟”


شحب وجه جيانغ شينيون للحظة،

ثم تدخلت تشانغ مونغتونغ من جديد ساخرة :

“ لكنك الوحيد الذي بقي في المدرسة بعد انتهاء الدوام،

أما الآخرون فكلهم عادوا إلى منازلهم .”


وصلت جين جينغ مسرعة ،

وألقت نظرة سريعة على تاو شي،

ثم تنهدت مترددة ، لا تدري إن كانت ستقول شيئًا أم لا


أما باقي الطلاب في الفصل ،

فقد جلسوا في أماكنهم ،

ينظرون إلى ما يجري بصمت ،

وبعضهم بدأ يكتب على هاتفه ،

من الواضح أنهم ينقلون الإشاعة —- 


قالت تشن ياتشون بنبرة تحمل تلميحًا واضحًا :

“ سمعتُ في المرة السابقة أن مشرف الصف أعطاك مفتاح 

الفصل حتى تتمكّن من الدراسة في عطلة نهاية الأسبوع، أليس كذلك ؟”


كان المعلم تشو تشيانغ قد أعطى تاو شي مفتاح الفصل بالفعل ، 

لكن تاو شي كان غالبًا يدرس في السكن أيام الأحد ونادرًا يستخدم المفتاح


قالت جيانغ شينيون وهي تعقد حاجبيها قليلًا وبصوت ناعم كأنها محرجة :

“ تاو شي … كما ترى .. هذه السماعات مهمة جدًا بالنسبة لي… 

أنا حقًا لا أريد أن أفقدها .”


رفع تاو شي رأسه لينظر إلى جيانغ شينيون

وكان على وشك أن يبتسم بسخرية ،

عندما فجأة اخترق الصمت صوتٌ بارد:


“ من الأفضل أن تفكري جيدًا … هل فقدتِ السماعات حقًا ؟”


استدار من في الصف الخلفي فورًا نحو باب الفصل الخلفي


أما تاو شي فلم يتحرك ، 

بل شعر أن قلبه قد هبط إلى القاع ،

وانهارت هدوءه وثباته في لحظة ——


شدّ على كفّيه حتى انغرست أظافره في راحته وبدأ يشعر بالألم


لم يجرؤ حتى على الالتفات لرؤية الشخص الذي اقترب ،

لكن حواسّه كانت شديدة التنبّه


سمع صوت الكرسي وهو يُسحب كالمعتاد ،

لكن صوت احتكاك المعدن بالأرض بدا أكثر حدة هذه المرة


لم يجرؤ تاو شي حتى على التنفس بعمق ،

وقد تلاشى تمامًا ذلك الهدوء الذي واجه به جيانغ شينيون قبل قليل


أنزل رأسه وأخفض نظره ،

مثل نَعامة تدفن رأسها في الرمال خجلًا


وفجأة —— طاخ 


ضُربت على الطاولة أمامه قنينة الماء السوداء المليئة ،

ثم دوّى الصوت البارد المعتاد 


: “ اذهب واملأ لي الماء "


ارتجف جسد تاو شي المتصلّب لا إراديًا


وبعد ثانيتين من الصمت ، 

وقف وهو يحمل القنينة بكلتا يديه ،

ثم توجّه إلى غرفة المياه


كانت أصابعه ترتجف قليلًا ،

ولم يستطع السيطرة عليها إلا بقبضته الشديدة على القنينة السوداء


الفصل صامت ،

حتى إنّه استطاع سماع كل حركة خلفه وهو في غرفة المياه


قطعت جين جينغ هذا الجو الخانق ،

وقالت محاولة التوضيح :

“ شينيون قالت إن سماعاتها سقطت في الفصل أمس، لكنها لم تجدها اليوم،

فسألت تاو شي إن كان قد رآها . ربما هناك سوء فهم .”


كانت جين جينغ قد خمّنت بالفعل أن جيانغ شينيون هي من دبّرت الأمر ،

لكن جيانغ شينيون تبقى صديقتها ،

فأرادت أن تمنحها مخرجًا يحفظ ماء الوجه


لكن لين تشينهي لم يردّ عليها


اتكأ إلى الخلف في كرسيه باسترخاء،

ووضع إحدى يديه على المكتب،

وأخذ ينقر الطاولة بإصبعه الطويلة النحيلة،

ثم رفع رأسه قليلًا ونظر إلى جيانغ شينيون

و صوته خاليًا من أي دفء :

“ سأسألك مجددًا… هل فقدتِها حقًا ؟”


شحب وجه جيانغ شينيون

وتراجعت خطوة إلى الوراء دون وعي


كان لين تشينهي جالسًا وينظر إليها بنظرة مرفوعة إلى أعلى،

وبالرغم من أن ملامحه هادئة، وعيناه تخلو من الانفعال،

إلا أنها شعرت بضغطٍ هائل،

كأن تلك النظرة الهادئة ستتحوّل إلى نصلٍ يخترقها إن هي 

فقط أومأت برأسها وقالت “ نعم”


من الواضح أن تشن ياتشون وتشانغ مونغتونغ لم تتوقعا ما حدث،

تبادلت كل منهما النظرات في ارتباك

وبدا الاضطراب واضحاً عليهما


كان وجه تشن ياتشون أشد شحوبًا،

وقد بدا أنها أخيرًا فهمت لماذا كانت عينا لين تشينهي مليئتين بالاشمئزاز

حين نظر إليها في محل الشاي بالحليب ذلك اليوم


شدّت جيانغ شينيون على يدها بقوة


لم تكن تدري لماذا جاء لين تشينهي باكرًا على غير العادة،

ولا لماذا أراد التدخل في هذا الموقف أصلًا،


لكنها كانت تعرف شيئًا واحدًا جيدًا — أنها لا تستطيع أن تُغضبه


لم تجرؤ على النظر مجددًا إلى عينيه ،

فأخفضت بصرها وقالت بصوت خافت :

“ أنا… ربما نسيتُها في المنزل . 

سأبحث عنها حين أعود مساءً .”


وسارعت تشانغ مونغتونغ لتُضيف :

“ صحيح ، ربما تذكّرتِ الأمر خطأ . 

من الممكن فعلًا أنكِ أخذتِ السماعات معكِ .”


لكن جيانغ شينيون توقفت فجأة ،

إذ دوّى صوت نقر الأصابع على الطاولة بصوتٍ أعلى ——-


تقلّص قلبها في صدرها،

ورفعت بصرها نحو لين تشينهي دون إرادة،

فرأته يرفع طرفي شفتيه بابتسامة خفيفة،

لكن صوته كان شديد البرودة:

“ إذن آمل أن تجديها "


حاولت جيانغ شينيون أن تُخفي الرعب الذي بدأ يجتاح قلبها،

وأجبرت وجهها على ابتسامة شاحبة،

وقالت بصوت خافت:

“ شكرًا… سأبحث عنها جيدًا عند عودتي "


لقد كانت تتوق لأن تغادر الفصل فورًا،

لكن لين تشينهي لم يسمح لها بعد


مدّ يده وسحب طاولته التي كانت مائلة قليلًا ،

وسواها بجانبه بهدوء ،

ثم رفع نظره نحوها ، وسأل ببطء :

“ وماذا بعد أن تجديها ؟”


كادت جيانغ شينيون أن تنفجر بالبكاء

كان لا يزال هناك بعض الطلاب في الفصل يراقبون المشهد بصمت،

ولم يسبق لها أن شعرت بهذا القدر من الإهانة من قبل،

ومع ذلك، ردّت بصوت مرتجف :

“ أنا… سأعتذر لتاو شي "


أما تشن ياتشون — التي كانت تحاول بكل جهد أن تُقلّل من وجودها،

فقد ظنّت أن التحقيق قد انتهى أخيرًا ،

لكنها فجأة رأت لين تشينهي يوجه إليها نظرة باردة وحادّة كالسيف


فهمت فورًا ما يعنيه ،

فقبضت على أصابعها وقالت بسرعة :

“ أنا… سأعتذر أيضًا لتاو شي.

في المرة الماضية كذبتُ عليه ليتأخر ، وكانت غلطتي .”


ولم تجرؤ تشانغ مونغتونغ حتى على التنفس ،

فسارعت إلى الاعتذار هي الأخرى


كانوا الثلاثة يحدّقن في لين تشينهي بقلق ،

ينتظرن منه أن يُنهي الموقف ،

وأخيرًا، سحب نظره عنهن كأنهن لم يكنّ موجودات من الأساس


أخرج كتابًا ضخمًا من حقيبته ،

وكان الغلاف يشير إلى مادة الاستماع باللغة الإنجليزية ،

ومعه شريط كاسيت جديد —-

انحنى ووضعه في درج مكتبه بهدوء 


في هذه اللحظة ،

غمزت جين جينغ بسرعة إلى جيانغ شينيون والبقيّة ،

فانتهزن الفرصة وهربن إلى مقاعدهن، 

وعرقٌ بارد يتصبّب من جباههن


أما جين جينغ ، فلم تذهب بعد ، 

ربتت على صدرها وتنهدت بارتياح،

وقالت منفعلة إلى لين تشينهي:

“ أخيرًا انتهى الأمر! 

لقد كدتُ أموت من الرعب قبل قليل !”


لقد كانت خائفة فعلًا —

خائفة من لين تشينهي نفسه


فهي كانت زميلته في الصف الإعدادي أيضًا،

لكنها لم تره يومًا بهذا الشكل


إلا أن لين تشينهي نظر إليها نظرة باردة وسألها بسخرية :

“ أحقًا انتهى الأمر ؟”


تجمّدت جين جينغ في مكانها


لقد شعرت أن نظرة لين تشينهي لها،

هي نفسها التي كان ينظر بها إلى جيانغ شينيون منذ لحظات ——


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي