القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch64 | TMCTM

 Ch64 | TMCTM



انتهى هذا الفصل الدراسي بسرعة ——-


وبينما تاو شي يجلس مجددًا في قاعة الامتحان في مدرسة 

وينهوا الثانوية الأولى، 

شعر أنه أكثر ثباتًا مقارنة بامتحانات منتصف الفصل، 

فقلبه هادئ ويداه ثابتتان


في اليوم التالي للامتحان ، 

أعاده يانغ تشنغمينغ إلى منزل جده


كانت الجدة قد أعدّت مائدة خاصة من الأطباق، 

واجتمع أفراد العائلة للاحتفال بانتهاء الامتحانات وبداية عطلة الشتاء


صدرت النتائج في اليوم الثالث بعد الامتحان


تقدم تاو شي من المركز الثاني والأربعين إلى الحادي 

والعشرين في الامتحانات النهائية


وباستثناء لين تشينهي الذي لا يُهزم في المرتبة الأولى، 

فقد كان هذا الإنجاز كفيلًا بأن يُشعل حماس طلاب الصف بأكمله


فبعد كل شيء، طالب انتقل منذ نصف عام فقط من 

مقاطعة تشينغشوي أوشك على دخول قائمة العشرين الأوائل! 

فلو مُنح وقتًا أطول قليلًا ، ألن يصبح ندًّا للين تشينهي؟


كان تاو شي راضيًا تمامًا عن هذه النتيجة، 

لكنه لم يكن قد احتفل بها بعد مع لين تشينهي، 

إذ أُخذ مجددًا إلى منزل جديه من قبل يانغ تشنغمينغ



وهناك، كانت الجدة قد أعدّت مائدة أكبر للاحتفال بتقدمه الكبير، 

كما قدّم له الكبار الثلاثة هدايا بمناسبة انتهاء الامتحانات


لم يُبدِ تاو شي الكثير من التواضع، بل قبلها جميعًا، 

وبات ليلته في منزل جديه


كان يفهم أن أقاربه يحاولون بناء منزل له، 

وأن المشاعر تتجسد أحيانًا في وجبة، في خضار مطبوخة، 

في طبق صغير… رمل يتراكم ليصنع برج


——————


في اليوم التالي ، 

عاد تاو شي إلى منزل لين تشينهي حاملًا معه الكثير من الهدايا


وبخصوص إقامته مع لين تشينهي، لم يقل الكبار شيئًا ، 

ويبدو أن يانغ تشنغمينغ كان قد أخبرهم مسبقًا ، 

لكنه لا يعرف بأي طريقة تحدث إليهم


عندما عاد إلى المنزل ، كان لين تشينهي قد عاد لتوه من 

زيارة لوو تشنغيين في المصحة


سأله تاو شي وهو جالس على السجادة ويمسك بصندوق هدايا :

“ هل حال خالة لوو تحسّن ؟”


ناول لين تشينهي المقص الموجود على طاولة القهوة لتاو شي وقال :

“ أفضل ، ستخرج من المستشفى غدًا ”


تنفّس تاو شي الصعداء وهو يأخذ المقص ليقطع به 

الشريط حول علبة الهدية، 

لكنه سمع فجأة لين تشينهي يقول:

“ أمي تريد أن تراك غدًا ”


قال تاو شي وهو يضع المقص وينظر إليه :

“ طبعًا ، كنت أنوي زيارة والدتك أيضًا ”


كان لين تشينهي يبدو هادئًا ، لكن تاو شي لمح ترددًا خفيًا في عينيه


اقترب منه ، وأسند ذقنه على ركبته، ثم مال برأسه قليلًا وسأله :

“ هل هناك ما يقلقك ؟”


نظر لين تشينهي في عينيه ، وبلطف مسح بإبهامه طرف رموش تاو شي وهمس:

“ لا شيء .”


شعر تاو شي بحكة خفيفة عند طرف عينيه، 

فرمش بعينيه بسرعة ، ولمست طرف رموشه أصابع لين 

تشينهي، التي انسحبت سريعًا


في الحقيقة، كان يعلم ما يقلق لين تشينهي


فالأمر لا يقتصر على زيارة لوو تشنغيين، 

بل كان يريد أيضًا أن يؤكد شكًا داخله… ويقول لها شيئ



————————


في اليوم التالي ، 

اشترى تاو شي بعض الهدايا المناسبة للزيارة ، 

وتبع لين تشينهي إلى الفيلا التي تقيم فيها لوو تشنغيين ، 

نفس الفيلا التي كان يعيش فيها لين تشينهي مع يانغ داولي من قبل


الديكور الداخلي للفيلا مفعمًا بالأجواء الفنية ، 

لكنه بدا موحشًا في الوقت نفسه


وأول ما وقعت عليه عين تاو شي كان لوحة زيتية معلقة 

على جدار غرفة المعيشة، 

تظهر فيها فتاة شابة ترتدي فستانًا أبيض، 

جالسة في حقل من الزهور البنفسجية، 

تبتسم بعينين بريئتين ومليئتين بالعاطفة


عرف تاو شي أن تلك كانت صورة ذاتية رسمتها والدته فانغ سوي


جاءت الممرضة المسؤولة عن رعاية لوو تشنغيين من الطابق العلوي وقالت لتاو شي:

“ السيدة استيقظت للتو ، تفضل بالصعود .”


قال لين تشينهي لتاو شي:

“ سأنتظرك في غرفة المعيشة .”

كان يعلم أن لوو تشنغيين ترغب بالتحدث مع تاو شي على انفراد


أومأ تاو شي، وما إن همّ بالذهاب حتى أمسك لين تشينهي بمعصمه وقال له:

“ إذا لم تكن بخير ، يمكنك أن تناديني .”


وافق تاو شي، وتبع الممرضة إلى الطابق الثاني


وخلال صعوده ، لاحظ أن آثار فانغ سوي لم تقتصر على 

اللوحة في غرفة المعيشة، 

بل كانت حاضرة في أرجاء الفيلا كلها: صور فوتوغرافية، 

ولوحات زيتية، وتذكارات من حياتها


حين فُتح باب الغرفة ، شمّ تاو شي رائحة دواء خفيفة قبل 

حتى أن يخطو إلى الداخل


لم تكن الستائر المعتمة قد فُتحت، 

ولم يكن في الغرفة سوى مصباح أرضي مضاء في أحد الزوايا


في ذلك الضوء الخافت، رأى تاو شي لوو تشنغيين مستندة إلى السرير ، 

بالكاد تعرّف عليها، فقد كانت شاحبة وضعيفة إلى حد لم 

يكن يتوقعه من تلك العازفة الأنيقة


كانت لوو تشنغيين تبدو واهنة للغاية ، 

وجهها الشاحب يفصح عن اعتلال واضح ، 

وعيناها الباهتتان لمعا فيهما شيء من الحيوية عندما رأته، 

وبصعوبة رسمت على وجهها ابتسامة خفيفة وقالت:

“ تاو شي، تعال واجلس .”


حيّاها تاو شي بأدب ، وجلس على الكرسي بجانب سريرها


لم تقل لوو تشنغيين شيئًا آخر ، 

بل اكتفت بالنظر إليه بهدوء ،  

نظرة بدت خاوية لكنها تحوي الكثير


شعر تاو شي بالحرج من نظراتها، 

وهمّ بأن يقول شيئًا لكسر الصمت، 

لكن فجأة رأى لوو تشنغيين تذرف الدموع بصمت وألم


ارتبك، وناولها منديلًا، لكنها لم تأخذه، 

بل غطّت وجهها بيديها واستمرت بالبكاء، 

وكأن دموعها لا نهاية لها


وبعد وقت طويل فقط، قالت بصوت خافت:

“ أنا آسفة… لم أتعافَى تمامًا بعد . 

أحيانًا لا أستطيع التحكم في مشاعري .”


طمأنها تاو شي قائلاً إنه لا بأس، 

كان يعلم أن حالتها النفسية صعبة، 

لكنه لم يعرف كيف يواسيها


وبعد أن هدأت قليلاً، 

رفعت لوو تشنغيين رأسها ونظرت إليه من جديد، 

وبعد أن أطالت النظر، ابتسمت وقالت:

“ أنت حقًا تشبه آ-سوي "


تابع تاو شي كلماتها بحذر ، ثم سألها:

“ كيف كانت والدتي ؟”


ظل نظر لوو تشنغيين مثبتًا على وجهه، 

وكأنها من خلاله ترى شخصًا من زمن بعيد


بدأت تتحدث ببطء وتقطع، 

معظم حديثها كان عن الأيام التي قضتها مع فانغ سوي أثناء 

نشأتهما معًا


بدا أن تلك الأوقات كانت سعيدة ، 

فابتسامة خفيفة لم تفارق وجه لوو تشنغيين وهي تسرد الذكريات


أنصت تاو شي بإمعان، 

وشيئًا فشيئًا تأكد من شكوكه—لوو تشنغيين كانت تحب 

فانغ سوي، بنفس الطريقة التي يحب بها هو لين تشينهي


لكن عندما بدأت تتحدث عن حمل فانغ سوي

انهارت مشاعرها فجأة مجددًا، 

وغطت وجهها بيديها وأجهشت بالبكاء


الدموع سالت من بين أصابعها كأنه اعتراف ثقيل ، 

اعتراف نُطقَ أخيرًا بعد سنين من الصمت


حاول تاو شي مواساتها على استحياء، 

إلا أن لوو تشنغيين أمسكت بيده فجأة بإحكام، 

كما لو أنها شخص يغرق وتمسك بلوح نجاة، 

وبدأت تكرر بصوت مرتجف :

“ أنا آسفة ، آسفة جدًا…”


قال تاو شي وهو يعقد حاجبيه من الألم، إذ كانت قبضتها تؤلمه:

“ خالة لوو، أنتِ لستِ مدينة لي بشيء .”


لكنها هزّت رأسها بالنفي بعنف ، واستمرت تمسك يده بقوة ، 

وتبكي وتقول بغير ترابط :

“ لا، أنا مدينة لـ آ-سوي، أنا من خذلتها، وخذلت ابنها… 

كان خطأي… 

تاو شي، أنا آسفة، آسفة…”


نظر تاو شي إلى هذه المرأة الغارقة في الألم وتأنيب الضمير، 

وشعر بانقباض في قلبه


وعندما هدأت قليلاً، 

حاول أن يغيّر الموضوع ليخفف عنها، 

لكن لوو تشنغيين رفعت رأسها مجددًا، 

وقد لمع ضوء في عينيها المبللتين بالدموع، 

كما لو أنها وجدت أخيرًا طريقًا للخلاص


قالت بحماس مرتجف :

“ تاو شي سأعوّضك ! 

سأعوّضك عن كل السنوات العشرة الماضية… 

يمكنك أن تعتبرني والدتك ، هل تقبل ؟ أرجوك ، هل تقبل ؟”


نظرت إليه بتوسُّل يكاد ينكسر، كأن رفضه لها سيهوي بها في الهاوية مجددًا


لم يبقَى في قلب تاو شي سوى تنهيدة طويلة


بالنسبة للوو تشنغيين، فإن الخلاص الوحيد من ألمها 

وذنبها هو طفل فانغ سوي


كان ذلك الطفل يومًا يانغ داولي ، أما الآن فقد أصبح هو


هزّ رأسه، ولم يوافق، 

لكنه حاول أن يتحدث معها بلطف قدر استطاعته:

“ خالة لوو أعلم أنكِ تشعرين بالذنب تجاهي بسبب أمي…”

توقف للحظة ثم تابع:

“ لكن ما أنتِ مدينة له ليس أنا ، فأنا لست ابنك .”


بدت لوو تشنغيين غير مستوعبة لما قاله ، فأسرعت تقول برجاء:

“ لا يهم، سأعاملك كما لو كنتَ ابني فعلًا . 

طفل آ-سوي هو طفلي أيضًا !”


ثم وكأن فكرة خطرت ببالها ، شدّت على يد تاو شي أكثر وقالت برجاء يائس:

“ تاو شي انتقل للعيش هنا ، 

يمكنك أن تسكن مع تشينهي، اعتبره أخاك، 

نحن جميعًا عائلتك، هو سيعتني بك، وأنا أيضًا، أرجوك…”


نظر تاو شي إلى المرأة الشاحبة والمريضة أمامه، 

وشعر بغصة مفاجئة من الحزن


لم يُجب على سؤال لوو تشنغيين، بل همس بهدوء :

“ خالة لوو … ماذا يعني تشينهي بالنسبة لك ؟”


حدّقت لوو تشنغيين فيه بارتباك، 

كما لو أنها لم تفهم ما يعنيه


أخذ تاو شي نفسًا عميقًا، تردد للحظة ، 

لكنه قال ما يريد قوله لها :

“ تشينهي هو ابنك حقًا ، تمامًا كما أنني ابن والدتي . 

هو ليس استمرارًا لمشاعرك تجاه أمي ، ولا بديل تعوضينه بي. 

لم أكن أنا من تحتاجين لتعويضه خلال السنوات العشر 

الماضية ، بل تشينهي، هل تفهمين ؟”


حدق في لوو تشنغيين، لكنها صمتت تحت نظرته، 

ويدها التي كانت تمسك يده اهتزّت فجأة وسحبت نفسها 

كأنها لمست شيئًا مؤلمًا



عرف تاو شي أن لوو تشنغيين تتجنب هذا السؤال، 

فمسك يدها الباردة بلطف، 

ومدّ إليها دفء يده، ونظر في عينيها وقال بنبرة أبطأ :

“ أنتِ أفضل صديقة لأمي ، وأمي في السماء لا تريد أن 

تراكي تعيشين بالذنب لأجلها طوال حياتك . 

كانت تود أن تعيشي حياة سعيدة ، وتكوّني عائلة سعيدة ، 

كما كنتِ تفعلين عندما كنتِ معها .”


سمعت لوو تشنغيين هذه الكلمات، فاختنق حلقها بشدة، 

وأنزلت رأسها إلى الأسفل، 

وبدأت الدموع تتساقط على اللحاف قطرةً قطرة


تمتمت بخنقة: “ لكن لا أستطيع…”


{ لا أستطيع أن أتحرر من اليأس ، 

إلا من خلال العيش في الندم يومًا بعد يوم }


تنهد تاو شي بهدوء :

“ الأم لوو "


رفعت لوو تشنغيين رأسها فجأة، كانت عيناها مغبشتين، 

رفعت عينيها ببطء، 

ورأت المراهق أمامها يبتسم ابتسامة خفيفة وهو يقول:

“ شكرًا لأنك قبلتِ أن تكوني أمي ، 

فقط أتمنى أن يكون لدي أم صحية وسعيدة مع تشينهي، أليس كذلك ؟”


أسقط المصباح الأرضي ضوءًا أصفر دافئًا يُضيء ركن السرير برقة، 

وبعد بكاء طويل من لوو تشنغيين، سمع تاو شي جوابها 

أخيرًا: “ نعم .”


ظل ممسكًا بيد لوو تشنغيين حتى غفَت مجددًا ، ثم خرج من الغرفة


——————


وقف تاو شي وحيدًا في الممر، 

مستندًا على الحائط، ينظر إلى صورة فانغ سوي على الجدار


نشأ لين تشينهي في بيئة مليئة بذكريات فانغ سوي في كل مكان


{ في مواجهة أم قلبها وعيونها مليئة بطفل آخرى 

هل كان يكره فانغ سوي وطفلها ؟ 


لكن في النهاية ، انتهى به الأمر مع الطفل الحقيقي لفانغ سوي بالخطأ …. }


لم يستطع أن يحدد ما الذي كان يشعر به في قلبه، 

لكنه تذكر ما قاله له الرجل العجوز عند كشك الزلابية في ذلك اليوم


……..



في تلك الليلة تحت مظلة كشك الزلابية ، 

استغل تاو شي غياب لين تشينهي الذي خرج لشراء الشواء، 

وسأل الرجل العجوز عن حادثة هروب لين تشينهي من 

المنزل وهو في السادسة من عمره، ويبدو أن الرجل وثق به 

وأخبره بكل شيء …..


قبل أكثر من عشر سنوات في المساء ،


طفل وسيم يتجول بالقرب من كشك السيد سون ، 

وكان يبدو تائهاً وجائعًا ، 

فرحب به وجلسه على كرسي خشبي بسيط وطبخ له وعاءً من الزلابية ليأكل


كان الطفل واضحًا جوعه، لكنه أكل ببطء، 

وكان ينظر عبر التقاطع أثناء الأكل، 

كما لو أنه ينتظر شخصًا ما



لم يكن لدى العجوز سون ما يشغله، 

فجلس واضعًا ساقًا فوق الأخرى، 

وسأل الطفل عن سبب خروجه وحده، 

وإن كان قد تشاجر مع والديه


هزّ الطفل رأسه،

وبدأ يحتسي الحساء رشفةً رشفة دون أن ينطق بكلمة


كان العجوز سون قد رأى كثيرًا من الأطفال الذين يتشاجرون 

مع ذويهم ويهددون بالهرب من المنزل، 

ومعظمهم لا يبتعد أكثر من ميلين حتى يعود من تلقاء 

نفسه باكيًا، لذا حاول إقناعه قائلًا :


“ الأب والأم يوبّخانك أحيانًا أو يضربانك ، 

لكن هذا كله من أجل مصلحتك . 

ففي النهاية، أنت أحبّ الناس إليهم .”


صمت الطفل قليلًا ، ثم قال بنبرة هادئة جدًا :

“ أمي لا تحبني .”


حين نطق بذلك ، كانت ملامحه جادة ومليئة بالحزن ، 

فلم يستطع العجوز سون إلا أن يصاب بالذهول ، 

قائلًا :


“ وأي أم هذه التي لا تحب ولدها ؟ 

يا صغيري، لا تفكّر بهذه الطريقة . 

أمك لا تعرف أين أنت الآن، لا بد أنها قلقة عليك جدًا .”


لكن الطفل لم يعاود الحديث ، 

وأخذ العجوز سون يتردد : هل يتّصل بالشرطة ؟ 

وما إن همّ بذلك ، حتى رأى ابنة أخيه تهرع إليه بوجهٍ قلق. 

وما إن وقع بصرها على الطفل وهو يأكل الزلابية على 

الطاولة الخشبية، حتى تنفست الصعداء، وأسرعت لتعانقه 

وتبكي وهي تمسح دموعها


اتضح أن ابنة أخ العجوز سون تعمل مربية لدى إحدى 

العائلات في مبنى سكني تابع للجامعة ، 

وهذا الطفل هو ابن تلك العائلة . 

فلم يستطع العجوز سون كتم فضوله وسألها عمّا جرى .


ربما لأنها كانت تخفي في صدرها همومًا منذ زمن، 

فما إن وجدت فرصة للحديث حتى انطلقت في سرد القصة 

لما يقارب العشرين دقيقة ———-


قالت إن والدة هذا الطفل عازفة بيانو ، 

وكانت لا تحتمل العيش في فيلا رسميين جدًا ، 

فقررت العودة مع طفلها إلى مبنى الأساتذة الجامعيين ، 

وهو المبنى الذي نشأت فيه في طفولتها ، 

واستأجرت ابنة أخ العجوز سون، التي تسكن بالجوار، لتعمل كمربية لهما


كان مبنى الأساتذة قديم ، وفي ظهر ذلك اليوم ، عندما 

خرجت المربية لشراء بعض الحاجيات، 

اشتعلت النيران في أحد الأسلاك الكهربائية في الطابق 

السفلي، وامتد الحريق بسرعة إلى الأعلى


لحسن الحظ، كان معظم السكان في المنزل خلال النهار، 

فأُجلي المبنى بسرعة


وعندما عادت المربية ، كانت سيارات الإطفاء والإسعاف قد وصلت للتو


فأخذت تبحث بقلق عن السيدة وطفلها، 

وسمعت من الجيران أن السيدة نزلت حاملة طفلها، 

لكن أغمي عليها بسبب الهلع


وسرعان ما عثر عليها فاقدة للوعي في سيارة الإسعاف، 

تمسك بلوحة فنية في يدها، 

وإلى جانبها طفل صغير كان يبكي بينما ممرضة تحاول تهدئته


شعرت المربية حينها ببعض الراحة ، 

لكنها سرعان ما تملّكها الذعر حين أدركت أن ذلك الطفل 

لم يكن ابن السيدة، بل طفلًا يُدعى “لي لي” اعتاد القدوم للعب معهم


وقفز قلبها إلى حلقها، 

ولم يكن لديها وقت لتطرح الأسئلة، 

فأسرعت لإبلاغ رجال الإطفاء أن هناك صبي لم يُعثر عليه بعد في الطابق الرابع


وبالفعل، نزل أحد رجال الإطفاء وهو يحتضن طفلًا صغيرًا، 

كان وجهه مغطًى بالسواد والرماد


وكان الطفل يبكي ويصرخ :

“ أمي وأخي ما زالوا فوق، أرجوكم أنقذوا أمي !”


أبعدت المربية بوجهها ، فلم تستطع كتم دموعها التي انسابت فورًا


“ لقد كان نائمًا وحده في الغرفة ، فاستيقظ بسبب الدخان . 

خرج يبحث عن والدته ، وهو يظن أن أمه وأخاه محبوسان 

في الغرفة ، فبدأ يطرق الباب بيأس وينادي على أمه… 

كيف له أن يعلم أنها قد نزلت بالفعل وهي تحمل طفلًا ليس ابنها ، 

وتحمل معها لوحة لا نفع لها ، لكنها نسيت ابنها الحقيقي !”


لم تجرؤ ابنة أخ العجوز سون على قول هذا أمام الطفل مجددًا، 

فاقتربت وهمست إلى عمها بعينين محمرّتين :


“ لا أفهم بماذا كانت تفكر ، تعامل طفلها بجفاء ، 

وتعامل ابن غيرها كأنه كنز . 

سمعت أنها تعاني من اكتئاب ، لكن حتى لو كانت مريضة نفسيًا ، 

وحتى إن لم يكن ابنها معها منذ فترة طويلة ، 

فهذا لا يبرر أن تعامل طفلها هكذا !”


استمع العجوز سون وقد بدت على وجهه تعابير معقدة ، 

ثم تنهد بصوت خافت


لم يكن بإمكانه أن يُفتي في شؤون الناس ، 

فكل بيت وله أسراره


التفت إلى الطفل الجالس في الزاوية ، 

وهو لا يزال يحتضن الوعاء بين يديه ويحتسي الحساء، فاقترب منه وسأله:


“ هل تريد أن تأكل المزيد ؟ 

الجدّ سيحضر لك زلابية أخرى .”


هزّ الطفل رأسه وقال بأدب :

“ شكرًا ، يا جد لا حاجة .”


انحنى العجوز سون قليلًا ، وربّت على رأسه ، 

ثم فكّر للحظة وقال له بلطف:


“ الناس ينسون أشياء حين يمرضون ، وأمك مريضة ، 

وربما تنساك أحيانًا… لكن ذلك لا يعني أنها لا تحبك .”


أنزل الطفل رموشه الطويلة دون أن يردّ


كان العجوز سون يعلم أن حجّته هذه ضعيفة ، 

فالأم لم تنسَى ابن غيرها


ومن المؤلم أن يرى الطفل بهذه الحال ، ففكر قليلًا ، ثم أردف قائلًا:


“ وأيضاً ، إلى جانب أمك، سيكون هناك الكثير من الناس في 

هذا العالم سيحبونك أيضًا .”


رفع الطفل عينيه إليه ونظر إليه بجدية وسأله :

“ هل سيحبونني أكثر من الجميع ، 

مثلما تحب أمي ' ديدي' أكثر شيء ؟”


كان واضحًا أنه شدّد على كلمة “ أكثر شيء”،

وكأنه يتوق لهذا بشدة


مثل جميع الأطفال، يريد دائمًا الأفضل، الأكبر، والأكثر


تجمّد العجوز سون قليلًا، 

وفهم أن هذا “ديدي” لا بد أنه الطفل الذي أنقذته الأم 

وحملته، فسأله دون تفكير :


“ لأن أمك تحب ديدي ، هل تكرهه ؟”


كانت ابنة أخيه ترمقه بنظرات متوسلة من الجانب وكأنها 

تستنكر عليه طرح سؤال بهذه القسوة


لكن الطفل ظل صامتًا للحظة ، ثم هزّ رأسه ببطء وقال:

“ ديدي يجعل أمي سعيدة ، لذا تحبه أكثر شيء ”


تضاربت المشاعر في قلب العجوز سون، وتنهد 


ثم حمل الطفل من على الكرسي، 

ورفعه عاليًا فوق رأسه، 

وابتسم وهو يمازحه بنبرة مبالغ فيها:


“ لا بأس يا صديقي الصغير ، في المستقبل ، سيكون هناك 

أيضًا أناس في هذا العالم سيحبونك أكثر ، وأكثر ، وأكثر !”


تألقت عينا الطفل ، اللتان تشبهان الكهرمان، وسأل بصوت خافت :

“ متى سيحدث ذلك ؟”


قال العجوز سون مبتسمًا :

“ حين تكبر ، سيظهر شخص كهذا ”


كان لديه أحفاد بنفسه، ويحب اللعب مع الأطفال عادة


لكن ابنة أخيه، الواقفة إلى جانبه، لم تستطع إلا أن تعترض قائلة:

“ عمي، لا تقل مثل هذا الكلام ، لا يزال صغيرًا .”


ولكن الطفل بدا مسرورًا بكلام العجوز سون


وأخيرًا، شاهد العجوز سون ابنة أخيه وهي تأخذ الطفل بيده وتغادر


بعد ذلك، انتقلوا عائلة الطفل من مبنى الأساتذة الجامعيين، 

ولم تعد ابنة أخ العجوز تعمل مربية لدى السيدة، 

لكنها كانت، كلما جاءت لزيارته، تذكر الطفل الجميل ذاك أحيانًا، 

وتعرب عن قلقها من أن يتعرض للظلم في منزله


ما لم يكن العجوز سون يتوقعه، 

هو أن الطفل عاد بعد ذلك يسلك نفس الطريق، 

ويأتي ليأكل وعاءً من الزلابية


لم يعد يطرح تلك الأسئلة الطفولية، ولم يعد يأتي وحده، 

بل كان أحيانًا يأخذ معه وعاءين من الزلابية


في تلك اللحظة ، احمرّت عينا تاو شي بعد أن استمع إلى العجوز سون


لطالما كان يشعر، ولو بحدسٍ باهت، أن لوو تشنغيين كانت 

تُعلي من شأن يانغ داولي أكثر من اللازم، 


وأن تعاملها مع لين تشينهي كان باردًا ومجردًا من المشاعر، 

لكنه لم يتصور أبدًا أن لين تشينهي قد عانى هذا الشكل من 

المعاملة منذ أن كان صغيرًا يعيش معها


كان يعلم أن لوو تشنغيين مريضة، لكنه مع ذلك لم يستطع أن يفهم


ولا تجرأ حتى على تخيل أنه، لو كان قد نشأ بجوار لين 

تشينهي منذ الصغر، هل كان سيأخذ بالكامل الحبَ الأمومي 

الذي كان من المفترض أن يكون من حق لين تشينهي؟


{ وفي ظل تدليل تلك العائلة وأقاربها لي 

هل كنت سأُصبح فعلاً مثل يانغ داولي ؟ }


تاو شي لم يجرؤ على التفكير في هذه الأسئلة


ضرب خده بكف يده ، وضبط تعابير وجهه ، 

ثم نزل الدرج بمزاج مختلط


وعلى الدرج، رأى لين تشينهي جالسًا في غرفة المعيشة ينتظره


وما إن سمع خطواته، حتى رفع رأسه ونظر إليه، 

مبتسمًا له ابتسامة في غاية الرقة


في تلك اللحظة، خُيّل لتاو شي أنه رأى ذلك الطفل الذي 

ظلّ ينتظر أمّه عند عربة الزلابية قبل سنوات طويلة


فجأة، شعر بحرقة في أنفه، 

فتقدّم بسرعة نحو لين تشينهي، وأمسك بيده، وقبض عليها بقوة


استشعر لين تشينهي اضطراب مشاعر تاو شي

فمال برأسه قليلًا، ونظر في عينيه وسأله بهدوء :


“ ما بك؟ هل قالت لك أمي شيئ ؟”


لكن تاو شي لم يجب، 

فقط أسند جبينه إلى كتف لين تشينهي، 

وفرك رقبته بلطف، ثم سأل سؤالًا غريبًا:

“ هل تعرف من أكون ؟”


تفاجأ لين تشينهي من السؤال الغريب ، 

وردّ عليه بعفوية دون تفكير :

“ أنت تاو شي ”


هزّ تاو شي رأسه


ظنّ لين تشينهي أن تاو شي يداعبه بدلال، فابتسم وقال:

“ أنت حبيبي ”


لم يستطع تاو شي كبح سعادته ، 

فوقف على أطراف أصابعه ، 

واقترب من أذن لين تشينهي، ثم قال بصوت خافت وجاد:


“ أيها الصديق الصغير لين تشينهي، أنا الشخص الذي يحبك 

أكثر، وأكثر، وأكثر من أي شخص في هذا العالم .”


بعد أن أنهى تاو شي كلامه، لم يردّ لين تشينهي مباشرةً ، 

بل ظلّ يحدّق فيه، وكأنه مسحور


عينا الكهرمان انعكست فيهما صورة تاو شي


و كأن بركة ساكنة تعكس القمر


مدّ تاو شي إصبعه وخز خصره برقة ، وسأله :

“ هل تشعر بالفخر…؟”


لكنه لم يُكمل سؤاله ، إذ باغته لين تشينهي بقبلة مفاجئة


و تلاقت شفاههما وألسنتهما، 


بدأت القبلة رقيقة ومليئة بالحب، 

ثم سرعان ما تحوّلت إلى حارّة مشتعلة


لكن الذي كان يُقبّل بدا وكأنه يفعل ذلك بخشوع، 


مثل رجل تائه في الصحراء لعدة أيام ، 

و أخيرًا وصل إلى بحيرة الهلال ، يشرب منها بلهفة


رد بعدها بصوت عميق :

“ أنا فخور جدًا ”


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي