القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch13 | DSYOM

 Ch13 | DSYOM



[ لمع البرق فملأ عينيه بوميضٍ كاللهب ]


الكاميرا قد ثُبّتت من قِبل بيان تشنغ قبل مغادرته المنزل 


لم تحتاج إلى أسلاك ولا حفر ؛ 

كل ما في الأمر تثبيت اللوح المعدني الممغنط على الحائط، 

وتركيب القاعدة، وهكذا تكتمل العملية


الكاميرا لا تسجّل إلا عند وجود حركة ، 

وتكفي مدة شحن واحد لتشغيلها نحو نصف شهر


ويمكن مشاهدة التسجيلات مباشرةً من خلال تطبيق على الهاتف


اختبر بيان تشنغ وضوح الصورة ، وكان راضياً للغاية


وبعد أن أتمّ التثبيت ، انطلق إلى موعده


كان سونغ يوتشي يحب هدوء مقصف الموظفين ومقاعده الخالية ، 

وغالباً يطلب منه أن يصطحبه إلى هناك ليتناول وجبات مجانية ،

وفي كل مرة كان هذا يُثير غضب بيان تشنغ ، ومع ذلك لم 

يغيّر سونغ يوتشي عادته هذه


وقف بيان تشنغ عند مدخل المقصف خمس دقائق، 

مستغرقاً في التفكير في البحث الذي أنجزه الليلة الماضية

ولوّح سونغ يوتشي بيده وسط الزحام، 

تماماً كما يفعل رجل مسنّ في محطة قطار من القرن 

الماضي وهو يرفع لافتةً بانتظار عودة مسافر


ناداه عدة مرات، لكن بيان تشنغ لم يسمع


كان سونغ يوتشي يعرف جيداً هذه العادة لدى صديقه، 

فاندفع على مضض وسط الحشود وربّت على كتفه


كان صديق طفولته يتمتع برؤية 5.3، ومع ذلك لا يراه غالباً

قال ممازحاً :

“ الإله E !”


أخيراً انتبه بيان تشنغ لوجوده ، وقال عابساً :

“ لا تنادني بهذا الاسم .”


كان اسم بيان تشنغ الإنجليزي هو ' إيثان ' وبعد فوزه 

بالميدالية الذهبية في الأولمبياد الدولي للرياضيات، 

غيّر سونغ يوتشي اسمه إلى ' إله E ' 

بل إنه وضع صورة إيثان في إطار على حافة طاولة الامتحان 

ليشعل لها البخور ~

وفي كل مرة يناديه فيها بهذا اللقب ، كان بيان تشنغ يشعر 

وكأنه حُشر في صندوق خشبي صغير


قال سونغ يوتشي معاتباً :

“ العينان في الأمام حتى تتعرف على الناس . أنا واقف على 

هذا القرب ، ومع ذلك لا تراني ؟”


بيان تشنغ :

“ أنا مصاب بعمى الوجوه .”


فقال سونغ يوتشي متنهداً:

“ أظنك بعدما أصبحت أستاذاً مشاركاً ، لم تعد تهتم بنا 

نحن أبناء الطبقة الكادحة . 

كيف يمكن أن يكون الفارق بين الناس بهذا الحجم ؟”


كانت العائلتان صديقتين منذ زمن بعيد؛ 

فآباؤهما كانوا زملاء في قسم الهندسة المدنية بجامعة T


سونغ يوتشي يصغره بعام واحد فقط ، وقد كبرا  معاً ، 

يرتديان 'سراويل الطفولة المفتوحة من الخلف' ، 

( سراويل التدرب على الحمام )

وذهبا إلى الروضة تباعاً ، 

لكن ما إن دخلا المدرسة الابتدائية ، تخطّى بيان تشنغ 

مرحلتين دراسية وتخرج 


وفي رمشة عين أخرى ، كانت الميدالية الذهبية قد ضمنت له القبول الجامعي


وبحلول الوقت الذي خطا فيه سونغ يوتشي بوابة المدرسة 

الثانوية التابعة للجامعة ، كان بيان تشنغ يدرس بالفعل 

المتشعبات الرياضية في الجامعة المجاورة


حين مدّد دراسته للدكتوراه وكان يكابد في موسم التوظيف 

الخريفي ، كان بيان تشينغ قد أصبح أستاذًا مشاركًا منذ 

سنوات، بل وبدأ في استقطاب طلابه


وحين كانا يتناولان الطعام معًا، كان بيان تشينغ لا يزال 

يأخذه إلى كافتيريا الأساتذة والموظفين لتناول البوفيه، 

بينما يجلس سونغ يوتشي أمام خمس أطباق ملأها وهو يغلي بالغيظ والغيرة


لكن بيان تشينغ كان بارعًا في الضغط على جراحه:

“ هل وجدتَ عملًا بعد ؟”


تبدّل طعم لحم الخنزير على الطريقة البكينـيّة في فم 

سونغ يوتشي ، وكلما مضغ أكثر ، 

ازداد الطعم حموضة :

“ لا، البحث عن عمل هذا العام صعب جدًا .”


كان الوضع العام سيئًا بالفعل 


بيان تشنغ :

“ حتى طالب دكتوراه من جامعة T في الهندسة يقلق بشأن التوظيف؟ 

هل وصل سوق العمل إلى هذا السوء فعلًا ؟”


تنهد سونغ يوتشي ووضع عيدانه جانبًا:

“ الأمر في الأساس بسبب انحراف مجال البحث… تقنية 

التحليل الطيفي التي نطوّرها في مجموعتنا الآن أكثر دقة 

من الطرق القديمة ، لكنها أيضًا أغلى بكثير ، 

مما يجعل تسويقها صعبًا للغاية . 

التقنية القديمة دقتها كافية بالفعل ، فلماذا قد يرغب 

الناس في استبدال كامل أجهزتهم وعملياتهم ؟ 

أتدري أين تصبح تقنيتنا ضرورية تمامًا ؟”


لم يردّ بيان تشنغ —— ففي مجالات العلوم والهندسة، 

التخصصات المختلفة كأنها جبال تفصل بينها، 

وحتى داخل التخصص الواحد قد تتباين مجالات البحث 

كثيرًا ،،، لم يشأ التخمين ولا بذل جهد في ذلك


تابع سونغ يوتشي:

“ في البيئات القصوى… مثل أعماق البحار ، أو القمر ، 

أو المريخ . 

هذه الأسواق صغيرة جدًا ، ومع ذلك علينا أن نتنافس مع 

مجموعات أخرى على الموارد . 

في الواقع، مركبة تيان وين-1 استخدمت تقنية مشابهة 

لتحليل التركيب المادي على سطح المريخ عبر التحليل الطيفي . 

لو أمكننا استخدام هذه البيانات لكان أمرًا رائعًا ، 

لكن المشروع اختطفته جامعة جياوتونغ؛ أستاذهم البروفيسور لديه علاقات أفضل .”


وحين ذكر أستاذه المشرف عليه ، ازداد وجه سونغ يوتشي حنقًا


فالتعامل مع مشرف أكاديمي صعب أمر شائع الحدوث ، 

وكمعظم طلاب الدكتوراه ، 

كان يحمل في قلبه استياءً من أستاذه الذي يملك سلطة تقرير مصيره الأكاديمي


بيان تشنغ :

“ أليس لأستاذك شركة ؟ ألم يوفر لكم فرص عمل ؟”


ردّ سونغ يوتشي بمرارة :

“ لا تذكرني بذلك . 

شركته قائمة منذ خمس سنوات ، لكن مشاريعه متقطعة، 

ولا أحد يعلم متى ستنهار . 

أما مسألة توفير وظائف لنا، فأحمد الإله إن لم يضع العراقيل في طريقنا . 

مرة حصلت على عرض من مختبر على مستوى المقاطعة ، 

لكن المسؤول هناك كانت له مصالح متعارضة معه ، 

فألمح إليّ بشكل غير مباشر أنه لا يريدني أن أذهب .”


بيان تشنغ :

“ وماذا عن المؤسسات الحكومية ؟ 

ألم يكن العم يريدك أن تنضم إلى الأكاديمية الأولى لعلوم الفضاء ؟”


الأكاديمية الأولى لعلوم الفضاء هي مؤسسة بحثية تركز على 

تكنولوجيا صواريخ النقل ، 

وتؤثر في مستقبل رحلات الفضاء المأهولة ، 

وتُعد واحدة من أفضل خيارات التوظيف لخريجي مجال الطاقة الحرارية ،


قال سونغ يوتشي وهو يزمّ شفتيه:

“ الكثير من العمل الإضافي والسفر في مهمّات عمل . 

أحد الزملاء الكبار ذهب هناك من قبل ، وقضى مئتي يوم في 

السنة على متن الطائرات . 

لم يكن لديه أي حياة شخصية على الإطلاق ، 

والراتب ليس بذلك الارتفاع . 

لقد حذّرني من الذهاب ما لم أكن شغوفًا بذلك. 

هل أبدو لك كشخص يحمل همَّ العالم على عاتقه ؟”


ألقى بيان تشنغ عليه نظرة وقال :

“ بل هم من لم يرغبوا بك أليس كذلك؟”


اختنق سونغ يوتشي قليلًا ، وكافح للحظة حتى يبتلع لقمته ، 

ثم قال بمرارة:

“ أول سؤال طرحوه عليّ كان لماذا لم أحصل حتى على 

منحة الدولة الوطنية ، لقد كان ذلك ضربة قاسية .”


بيان تشنغ:

“ إنه قرار حكيم . 

لو وظّفوك، من يدري إن كنت ستُسهم في جهود البلاد الفضائية أم ستعيقها "


انكمشت العلبة في يد سونغ يوتشي فجأة وأصدرت صوتًا حادًّا


فكل محادثة مع بيان تشنغ كانت اختبارًا لإنسانيته ، 

وكان يعتمد على صبره العجيب ليكبح رغبته العارمة في ضربه


سأله بيان تشنغ، دون أن ينتبه إلى بروز العروق على يده:

“ وماذا عن المعاهد الأخرى؟ 

ألم تذكر شيئًا عن 7062 من قبل؟”


المعهد 706 متخصّص في أبحاث وتطوير الطائرات المقاتلة ، 

وهو المكان الذي وُلدت فيه طائرة J-20


وبالنسبة لشاب شغوف مثل سونغ يوتشي، فقد كان ذلك قمّة الروعة والإبهار


سونغ يوتشي :

“ على ما يبدو قسم الموارد البشرية لديهم ليس رحيمًا. 

في معرض التوظيف، كان طابور جناحهم الأطول على 

الإطلاق ، وعندما جاء دوري أخيرًا ، ألقى موظف الموارد 

البشرية نظرة واحدة على سيرتي الذاتية ورفضني ، 

بحجّة أن تخصصي لا يناسبهم . 

وبصراحة، في مجالنا هذا ، كم من الأشخاص يجدون 

وظائف تطابق تخصصهم فعلًا ؟ 

إنهم صارمون للغاية في انتقائهم .”


وعلى الرغم من أنّ بيان تشنغ لم يخض عملية توظيف 

الخريف بشكل رسمي، إلا أنّه كان يفهم الوضع:

“ في النهاية لا أحد يرغب في تدريب شخص من الصفر. 

عندما يوظّفون حملة الدكتوراه ، فإنهم يأملون أن يتمكّنوا 

من المساهمة مباشرةً .”


سونغ يوتشي:

“ كما أنني تقدّمت إلى معهد الفيزياء الهندسية ، 

لكنهم أوضحوا صراحة أنهم يريدون فقط طلاب شعبة ' تشيان' …”

 ثم أوضح بعد توقف: “ شعبة تشيان هو شعبة 

ميكانيكا تشيان شيوي سن، 

وجميعهم قُبلوا عبر مسابقات الفيزياء .”


بيان تشنغ:

“أعلم ذلك.”


تنهد سونغ يوتشي طويلًا:

“ حقًا لا توجد أي فرصة لطلاب الدكتوراه من المجموعات 

الصغيرة والمتخصصة مثلنا للبقاء . 

المجموعة الكبيرة المجاورة لنا في الطاقة الجديدة حصلت 

على العروض بسهولة…”


بيان تشنغ:

“ تخصصي هو المجال المتخصّص حقًا . 

قلّة قليلة في البلاد يدرسون نظرية بحتة في الهندسة 

الجبرية ، وهي أضعف حتى مقارنة بالهندسة التفاضلية .”


{ اللعنة ! هذا الرجل يتحدث وكأنه لا يشعر بالألم! }

“ هل أنت مثلي ؟ 

أنت باحث شاب متميّز من الخارج، وفي غضون سنوات 

قليلة قد تصبح حتى يانغتسي…”


وفي المجال الأكاديمي للعلوم والهندسة ، يحتاج الباحث 

إلى ' قبعة ' على رأسه


وترجد عدة مستويات من هذه ' القبعات ' 

تبدأ بـ الشباب الأربعة الصغار : الشاب المتميّز ، 

الشاب المتفوّق ، 

عالم شباب نهر اليانغتسي ، 

والشاب المتميّز من الخارج ، 

ثم تأتي مستويات أعلى مثل عالم نهر اليانغتسي، وجيقينغ، 

وأعلى مرتبة هي شرف عظيم — أكاديمي في الأكاديمية 

الصينية للعلوم أو الأكاديمية الصينية للهندسة


عادةً يبدأ البروفيسورات الشباب بالسعي وراء جوائز ' الشباب الأربعة الصغار ' 

ثم يترقّون تدريجيًا ، كما لو كانوا يرفعون مستوياتهم في لعبة فيديو


مع لقب ' عالم تشانغجيانغ 'يمكن للشخص أن يدخل 

الجامعات في جميع أنحاء البلاد دون أي عوائق


حتى لو قرر أن يأخذ الأمور بسهولة، 

فإن حياته ستكون ميسّرة، ولن يقلق أبدًا بشأن الطعام أو الشراب


سونغ يوتشي:

“ لو كنتُ تلميذك ، لكان الأمر رائعًا . 

عندها لكنتُ دلّلتك وتملّقتك حتى ترضى تمامًا .”


الترقّي يعتمد أيضًا على التوجيه الأكاديمي


على سبيل المثال، في المجموعة المجاورة لمجموعة سونغ 

يوتشي، حصل الرئيس الكبير على لقب عالم تشانغجيانغ، 

وفي العام التالي أصبح الرئيس الصغير عالِم شباب ممتاز


العام الماضي، بعد وفاة أحد الأكاديميين، شغل الرئيس 

الكبير المنصب وأصبح أكاديميًا، بينما ترقّى الرئيس الصغير 

إلى عالم تشانغجيانغ


لذا ، لم يكن طلاب مجموعتهم يقلقون بشأن العثور على وظائف


أحد الكبار عندهم، رغم أن إنجازاته كانت عادية جدًا، 

حصل على منصب في جامعة من جامعات 211، 

وكل ذلك بفضل دعم الرئيس الكبير له بقوة 


كان سونغ يوتشي يغلي من الغيرة


قال وهو ينظر إلى بيان تشنغ بترقّب :

“ ما رأيك أن أنتقل إلى قسم الرياضيات ؟ 

سأنتظر نجاحك ، ووقتها سنستفيد جميعًا .”



ردّ بيان تشنغ بلا تردد:

“ لا تفعل . 

مستواك في الرياضيات لا يصل حتى إلى مستوى طلاب 

الثانوية الذين يدخلون بالترشيح .”


انهرست العلبة في يد سونغ يوتشي تمامًا


لم يستوعب كيف يمكن لشخص أن يكون بلا قلب إلى هذا الحد ، 

غير متعاطف مع صديق طفولته الذي تأخّر في إنهاء الدكتوراه ،

قال وهو يضغط أسنانه:

“ ألن يضرك لو قلت كلمة مواساة ؟”


نظر إليه بيان تشنغ بصمت


وبعد لحظة، أخذ نفسًا عميقًا وقال فجأة:

“ لقد فهمت الآن "


{ منذ متى كان هذا الرجل يستمع لكلامي ؟! 

أن يتحول حيوان بارد الدم إلى دافئ فجأة… } كان صعبًا 

على سونغ يوتشي أن يصدّق


لكن بيان تشنغ تابع كلامه ، وصوته يفيض بحماس الاكتشاف:

“ هناك تقابل قياسي بين مجموعة المقاطع غير المنعدمة 

على حزمة فوق متشعب ديلينغ–مومفورد التوروسي العام Y 

وبين مجموعة أصناف التماثل للبنى اللوغاريتمية المتوافقة 

مع البنية GTC.”


تجمّد سونغ يوتشي لثانية، وكاد يقفز من مكانه:

“ اللعنة ! هل أنتَ أصلًا تسمع ما أقوله ؟!”


أضاف بيان تشنغ بحماس :

“ هذا يوفّر طريقة جديدة للتعامل مع البنية اللوغاريتمية 

لمتشدّد ديلينغ–مومفورد ،، 

وبهذا تُبسط عملية بناء البنية اللوغاريتمية، 

وتظهر أدوات جديدة لدراسة مشكلات التفردات ذات الصلة .”


كاد سونغ يوتشي يطحن أسنانه حتى تتفتت:

“ ما كان عليّ أن أسكب ماءً ، كان يجب أن أسكب زيتًا مغليًا 

على دماغك… أيها الجاهل !”


لكن بيان تشنغ، الغارق في نشوة ترتيب أفكاره، تجاهله تمامًا


فوضع سونغ يوتشي يده على صدغيه وقال:

“ هل أنا مضروب على راسي ؟ 

لماذا أفتح حديثًا معك أصلًا ؟”


ابتسم بيان تشنغ :

“ لأنني الوحيد الذي يدعمك لتصبح ممثلًا .”


 { هذا الـ بيان تشنغ !!! … دائمًا يقطع الحديث فجأة، 

ثم يعود فجأة } نظر إليه سونغ يوتشي ببرود، 

بعيني سمكة ميتة


نعم، الجميع أرادوا له أن يتجه إلى البحث الأكاديمي، 

لكن هذا الشخص وحده هو من كان مستعدًا لأن يصغي 

إلى أحلامه غير الواقعية، رغم أنه لم يكن يعرف إن كان 

يصغي إليها بجدية فعلًا


سونغ يوتشي:

“ ولماذا تدعمني إذن ؟ 

لقد بلغتُ الثامنة والعشرين من عمري ، 

وإذا لم أقم بظهوري الأول (الديبويت) في هذا العمر ، 

فذلك في عالم التمثيل يعادل كوني نصف مدفون في التراب .”


أجابه بيان تشنغ ببرود قاطع:

“ أنت لا تصلح للأوساط الأكاديمية ؛ حتى لو حاولت ، فلن 

تحقق إنجازًا يُذكر . 

من الأفضل أن تعتمد على شكلك .”


عاد الإحساس برغبة سكب الزيت المغلي إلى صدر سونغ 

يوتشي فقال وهو يضغط على أسنانه :

“ أنا صديقك الوحيد… أتدري لماذا ؟”


كان يريد من الآخر أن يتأمل في نفسه ، لكن بيان تشنغ رد ببساطة:

“ ولماذا أحتاج إلى كل هذا العدد من الأصدقاء ؟”


{ … هاه؟؟! } كاد سونغ يوتشي يجنّ { هل عليَّ أن أرحل إذن ؟! }


تابع بيان تشنغ :

“ عليّ أن أوجّه الطلاب ، وأتقدّم بطلبات للمشاريع ، 

وأكتب أبحاث ، وأتعامل مع كومة من المهام الإدارية التي لا 

أعلم حتى لماذا وُجدت . 

وحتى لو كان عندي ضعف الوقت الحالي ، فلن يكفيني . 

أما تكوين الأصدقاء ؟ فهذا يحتاج إلى تواصل ، ورعاية ، 

بل وأحيانًا يجب أن تخرج للأكل معهم لتوطيد العلاقة… 

وهذا كله مضيعة للطاقة .”


قال له سونغ يوتشي:

“الأفضل أن تتحوّل إلى نبات ؛ لا تحتاج أن تأكل ، 

يكفيك القيام بالتمثيل الضوئي .”


لكن بيان تشنغ لم يعتبر ذلك سخرية على الإطلاق، بل قال جادًا:

“ لو صار الجميع نباتات ، لكان هذا المجتمع أكثر هدوءًا .”


صرخ سونغ يوتشي:

“ الللععععننننة ! أليست معاملتك لطلابك جيدة ؟ 

ذلك الباحث ما بعد الدكتوراه الذي جندته سابقًا ، والذي 

ترقّى إلى باحث مساعد ، سعيتَ أنت بنفسك وطلبتَ 

معروفًا من الناس . 

لم أكن أتخيل أنك تطلب معروف !”


فردّ بيان تشنغ بلا تردد:

“ لم يكن ذلك طلب معروف ، بل كان يُسمّى تبادل مصالح .”


قال سونغ يوتشي مستنكرًا:

“ وما الذي حصلت عليه مقابل ذلك؟ 

تأليف مشترك في الأبحاث؟ ألستُ أنا أيضًا طالبًا لديك؟ 

لماذا لا تعاملني بالمثل ؟”


قال بيان تشنغ:

“ كيف يمكن أن يكون الأمر نفسه ؟ 

إنهم مستقبل الرياضيات ، البراعم الجديدة التي تشقّ 

طريقها خارج التراب في هذا الحقل العظيم .”


سونغ يوتشي:

“ وماذا عني أنا ؟ ما الذي أُمثّله ؟”


ألقى عليه بيان تشنغ نظرة عابرة وقال:

“ الهيكل الخارجي الذي تخلّصت منه حشرة الزيز ، يجف 

ببطء على شجرة دلبٍ في خريف بعيد .”


سونغ يوتشي ببرود:

“ ستموت وحيدًا . 

وبعد عشرة أيام من موتك ، سيشمّ جيرانك رائحة جثتك 

المتعفّنة ، فيستدعون الشرطة ، وعندما يكسرون الباب، 

سيجدون جثتك نصف مأكولة بعدما نَهَشَتها قطة .”


فكّر بيان تشنغ قليلًا ، ثم قال بهدوء :

“ يبدو ذلك كطريقة مثالية للموت .”


أخذ سونغ يوتشي نفسًا عميقًا وهو يبحث بعينيه عن أي 

سلاح هجومي يمكن أن يهشّم به رأس هذا الرجل


في كل مرة ينتهي فيها من حديث معه، 

يشعر أن قلبه وكبده ومعدته ورئتَيه وكليتَيه كلها قد تهشّمت


{ من ذا الذي يطيق صحبة شخص كهذا ؟! }


فجأة تذكّر روحًا مسكينة من قبل خمس سنوات ، 

فابتسم ابتسامة خبيثة وسأله :

“ هل حققت أي تقدّم مع ذلك الصديق القديم ؟”


توقفت يد بيان تشنغ التي كانت ترفع الطعام في منتصف الطريق


شعر سونغ يوتشي برضا غامر لرؤيته تلك الدهشة 

المرسومة على وجهه


: “ ماذا ؟ ألم يتفاعل بعد أن سكبتُ الماء عليك ؟”


بيان تشنغ:

“ لقد أعطاني رقم هاتفه .”


رفع سونغ يوتشي حاجبه وقال:

“ أليس هذا تقدّمًا كبيرًا ؟ وماذا حدث بعد ذلك ؟”


أجاب الآخر بجفاء:

“ لم يحدث شيء .”


: “ لم يحدث شيء ؟!” عاد الصداع يضرب رأس سونغ يوتشي : “ ولماذا ؟”


بيان تشنغ:

“ ذلك الرقم كان خاطئ .”


تنهد سونغ يوتشي بحدة وقال:

“ ألم يكن قد أرسل لك بريدًا إلكترونيًا من قبل؟ 

فقط ابحث عن البريد وتواصل معه واطلب الرقم 

الصحيح… الأمر سهل للغاية !”


سكت بيان تشنغ طويلًا ، ثم قال أخيرًا:

“ أوه "

{ إذن كان هناك حل بسيط هكذا }


: “ يا إلهي…” رفع سونغ يوتشي عينيه إلى السماء : 

“ حتى هذا الأمر لم يخطر ببالك؟ 

أيعقل أن معدل ذكائك فعلًا 180؟”


تجاهله بيان تشنغ

نهض حاملًا صينيته، ومشى نحو المنضدة، 

ألقى بقايا الطعام في سلة النفايات المخصّصة للمطبخ، 

ثم رمى المنديل بكل عناية في سلة النفايات غير القابلة لإعادة التدوير


تبعه سونغ يوتشي وهو يهز رأسه : { يا إلهي …

إنني أتعامل مع فضلات الطعام 


هذا الرجل لا يملك في ذهنه أي مفهوم عن ' المبادرة بالاتصال '

دماغه ذكي ، لكنه قرأ كل تلك الكتب بلا جدوى ،

مهاراته الاجتماعية لا تتجاوز ' ثلاث سنوات صمت وثلاث سنوات غضب ' 

إن تكلّم جملة واحدة جعل الناس غاضبين لثلاث سنوات أخرى !!


أي روح مسكينة في المستقبل ستضطر لتحمّل هذا الغباء العاطفي ؟ }


هز سونغ يوتشي رأسه وتنهد

وضع يديه في جيبيه ، 

ولحق بذلك المتعجرف عديم الذوق داخل الحرم الجامعي


وفجأة ، اندفع أمامهما شاب يلهث من التعب ، 

وقف بثبات أمامهما ، تعلوه لمحة من الأدب والشكوى ، 

وسأله بصوت متهدّج :


“ بروفيسور … لماذا لم تأتِي لتطالبني بدَينك ؟”

 

يتبع


1. عالم تشانغجيانغ (Changjiang Scholar): لقب أكاديمي رفيع المستوى في الصين، يُمنح للباحثين البارزين كنوع من التكريم والدعم البحثي.

2. جامعة 211: إشارة إلى مشروع حكومي صيني لدعم 100 جامعة رئيسية في القرن الحادي والعشرين (ومن هنا جاءت التسمية 211)، وهي جامعات متميزة.

3. الأكاديمي (Academician): لقب يمنحه الأكاديمية الصينية للعلوم أو الأكاديمية الصينية للهندسة، ويُعتبر من أعلى المراتب الأكاديمية.

4. الديبويت (Debut): مصطلح شائع في عالم الفن، يعني الظهور الأول الرسمي للفنان (ممثل/مغنٍّ).

5. تبادل المصالح: يقصد به هنا العلاقة الأكاديمية المبنية على المنفعة المشتركة (مثل نشر الأبحاث المشتركة أو الدعم المتبادل للحصول على الترقيات).


6. الدلب (Sycamore tree): شجرة ضخمة معمّرة، غالبًا تُذكر في الأدب الصيني رمزًا للزمن والخريف.

7. IQ 180: يُقصد به أن معدل ذكاء بيان تشنغ يُفترض أنه عبقري، لكن سلوكه الاجتماعي يثبت عكس ذلك.

8. النفايات غير القابلة لإعادة التدوير: يظهر هنا مدى دقة بيان تشنغ في تفاصيل صغيرة كفرز القمامة، مقابل عجزه عن أبسط مهارات التواصل الإنساني.

9. “ثلاث سنوات صمت، وثلاث سنوات غضب”: تعبير ساخر يُستخدم لوصف شخص نادر الكلام، لكن كل كلمة ينطق بها تستفزّ الآخرين لدرجة أنهم يتذكّرونها بغضب طويل الأمد.



  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي