Ch15 | DSYOM
[ قصتك يا سيدي ، كفيلةٌ بأن تُعيد السمع للصم ]
في خيال وين دي ، كانت البيئة المناسبة للعباقرة في الرياضيات ،
إلى جانب السبورة المليئة بالمعادلات ومكتب العمل
المكدس بالمسودات ، هو جهاز حاسوب خارق يعمل على إجراء الحسابات
أما الآن، فبيان تشنغ كان يرتدي بدلة رمادية بنقوش ماسية،
جالسًا بجانب قدرٍ مملوء بزيت الفلفل الحار،
وأمامه صف من الصلصات،
وملامح وجهه بالكاد ظاهرة وسط البخار المتصاعد
حدّق وين دي بالمشهد أمامه، وشعر دائمًا أن الطبقتين لا تنسجمان معًا
مطاعم الهوت بوت مكان كلاسيكي للتجمعات
الضوضاء والبهجة تملأ المكان،
لكن طاولتهما وحدها صامتة بشكل غريب
بيان تشنغ كان مركزًا على الأكل، بينما وين دي ينظر إلى
الزيت الأحمر بقلق
بعد أن أضاف النادل بعض المرق الصافي ،
التفت بيان تشنغ أخيرًا ولاحظ عدم الانسجام
نظر إلى وين دي، الذي كان يختص عادةً بكعك الأرز اللزج
بالسكر البني وقطع العجين المقلية، وسأله:
“ ألا تأكل الطعام الحار ؟”
لم يعرف وين دي للحظة إن كان نظره ضعيفًا أو أنه بطيء الفهم :
“ نعم ؟”
وضع بيان تشنغ عيدان الطعام جانبًا :
“ إذًا فهذا المكان ليس خيارًا جيدًا ”
وين دي:
“ أنت صاحب عيد الميلاد ، ما دمت تحبه فهو يكفي .
كيف هو الطعم ؟”
بيان تشنغ :
“ عادي . مرق الحساء مالحٌ أكثر من اللازم ،
التوابل غير متوازنة ، لحم الضأن ليس طازج ،
وصلصة الغمس لا تناسب طعم اللحم .”
وين دي: “… حسنًا ، لن نأتي هنا مجدداً .”
كان تقديم وجبة لا تناسب ذوق الطرف الآخر محرج ،
مثل إهدائه هدية غير مناسبة
لكن ، في الظروف العادية ، عندما يدعوك شخص لتناول
الطعام ويدفع الفاتورة ، فإنك عادةً تقول شيئًا لطيف ،
وتجد شيئًا يستحق المدح ، وتلقي مجاملة
في عقله ، دوّى جرس إنذار يصم الآذان :{ هناك خطبٌ ما، اهرب }
وكان حدسه دائمًا صائبًا ، خاصةً في المواقف السيئة
لكن للأسف، عندما يسيطر ' عقل الحب ' على الرأس ،
لا يبقى أحد في كامل وعيه
هزّ رأسه وأغلق صوت الإنذار
دفع الهدية نحوه ، آملًا أن يخفف من جمود الجو :
“ عثرتُ عليها مصادفة على الإنترنت” { بعد تصفحٍ دام ساعتين } “ وفكرتُ أنها مثيرة للاهتمام، فاشتريتها.
عيد ميلاد سعيد !
حتى لو كان متأخرًا بيوم .”
شكره بيان تشنغ باختصار ، وفتح التغليف ،
ثم حدق بتعبير غير مصدّق ،
وكأن ما يراه أمامه لا ينبغي أن يوجد في هذا العالم :
“لماذا مكتوب عليه هذه العبارة ؟ "
“ هاه ؟” شعر أنه من غير اللائق أن يشكك في قدرات البروفيسور على الفهم ،
لكنه مع ذلك أشار إلى النص الإنجليزي على الكوب وقال:
“ ألستَ تُدرّس الهندسة المعقدة ؟
وهذا الكوب أيضًا له علاقة بشكل هندسي…"
أعاد بيان تشنغ الكوب إلى العلبة : “ علم الهندسة المعقّدة يدرس الأسطحَ المعقّدة
الهندسة المعقدة تدرس السطوح والمتشعبات المعقدة. أما شريط موبيوس فهو متشعب لا-اتجاهي وينتمي إلى مجال الطوبولوجيا ... ،
كان يجب أن يُكتب عليه ' صباح الخير أيها الطوبولوجي ' ”
{ على الرغم من التناقض بين الصورة والنص،
إلا أن الهدية كانت مختارة بعناية }
وبعد أن صحّح بيان تشنغ المعلومة ،
شعر وين دي بشيء من الإحراج : “ حقًّا…”
بيان تشنغ: “ المُصنّع يفتقر إلى أبسط المعلومات الأساسية .
يمكن العثور على هذه المفاهيم بسهولة عبر بحث سريع على الإنترنت .”
رفع وين دي يده ولمس أنفه بخجل وقال: “ أنا من كتبها "
صمت بيان تشنغ للحظة : “ فهمت .”
{ وباحتساب المرة السابقة التي أخطأت فيها ،
هذه المرة الثانية التي أفشل فيها ؛
لقد أهديت عالم رياضيات كوب يحوي خطأ رياضي ،
وكلما سيراه البروفيسور في الصباح ،
سيتذكّر أنني ' وين دي 'ى ليس من النوع الذي يتحرّى المعلومة قبل كتابتها .. }
شعر وين دي بزيادة إحراجه
معظم الناس عندما يتلقّون هدية قد لا تعجبهم،
فإنهم على الأقل يقولون “شكرًا”.
لكنه لم يرَى أحد من قبل يشير إلى أخطاء منطقية في هدية ،
وهذا جعله يبدو متفاخرًا ومُظهرًا لعلمه ،
دفع وين دي ثمن الوجبة ، لكنه لم يشعر بالشبع
فصاحب عيد الميلاد لم تعجبه النكهة ، وأُحبط بسبب الهدية
{ كيف تحوّل الموعد الأول إلى هذه الكآبة ؟ }
فكّر وين دي وهو يضع فوق الموقف عشرات الطبقات من الأعذار ،
وقرّر أن يُلقي اللوم على قدر الهوت بوت : كان مالحًا جدًا،
ولحم الضأن لم يكن طازجًا،
وهذا ما أفسد أجواء اللقاء
قال: “ بروفيسور هل لديك وقت بعد ذلك؟
ما رأيك أن نشاهد فيلمًا ؟”
كانت خطة الموعد الكاملة : طالما تناولا الطعام، فالأفضل
أن يتبعا ذلك بمشاهدة فيلم.
أجواء السينما عادةً تكون جيدة، وربما لا تفتح المجال لمحادثات محبطة
سأل بيان تشنغ : “ ما الذي سنشاهده؟”
{ هل وافق بهذه السرعة ؟ } قلب وين دي الذي كان
كأنقاض مهدّمة ، عاد للحياة قليلًا
أخرج هاتفه ، ولاحظ أن الأفلام الجديدة المعروضة ليست جذابة ،
لكن هناك سينما خاصة قريبة يمكنهما فيها اختيار أي فيلم عند الطلب
فإذا كانت الأفلام الجديدة غير مشوقة ، فالأفلام الكلاسيكية
القديمة ستكون خيارًا جيدًا ، وجودتها مضمونة
فتح قائمة الأفلام الموصى بها،
ووجد أنها تضم كلاسيكيات محلية وعالمية،
ثم قال: “ بروفيسور هل تحب أفلام الغموض؟
ما رأيك بفيلم Knives Out؟”
بيان تشنغ: “ شاهدته .”
: “ حقًّا ؟” انتعش وين دي، ظانًا أنه وجد أخيرًا موضوعًا
مشتركًا : “ أنا أحب هذا الفيلم ! ما رأيك به بروفيسور؟”
: “ ليس جيدًا…”
بدأت صفارات الإنذار تدوي مجددًا ،
وهذه المرة لم يستطع إسكاتها مهما حاول ،
قال وين دي: " لماذا ؟ كان الأمر مثيرًا ، والحبكة متماسكة !"
بيان تشنغ: " لا يجوز لبطل فيلمٍ بوليسي أن يكذب ، فهذا
الإعداد سهل جدًا وكسول .
القاتل وطريقة ارتكاب الجريمة مبتذلان تمامًا ،
وتصرفات الشخصيات غير منطقية على الإطلاق"
شعر وين دي فجأة بإحساس ' ديجا فو '— شعورٌ مألوف
وكأنه سمع أحد ينتقد شيئًا يحبه من قبل
وبينما يحاول التذكر ، سأل: " وأي جزء لم يكن منطقيًا ؟"
بيان تشنغ: " المحقق رأى الدم فورًا وعرف أن البطلة
ستتقيأ إذا كذبت ، ومع ذلك لم يكلف نفسه عناء سؤالها
عن مصدر الدم ،
وترك المشتبه به ينجو بإجابة مبهمة .
لو كان قد حقق بدقة ، وبالنظر إلى التناقضات في تقرير
فحص الدم ، لكان بإمكانه كشف الحقيقة فورًا .
لكنه اختار أن يتصرف بغموض ، وموت الضحية الثانية كان
بنسبة ثمانين بالمئة بسببه .
بل إن أحدهم أخبره أنه سمع نباح كلاب في الليل ،
وهذا كان ينبغي أن يجعله يدرك أن رانسوم قد عاد ،
ومع ذلك تأخر طويلًا في حل القضية .
مدة الفيلم كانت ساعتين فقط بفضل غبائه "
قال وين دي وهو يشعر أن دماغه يحترق: "هل ستظل
تلاحق الثغرات الصغيرة ؟
إن لم يضع فيلم الغموض بعض الخيوط المضللة فكيف سيُصنع ؟
إذا أردت أن تكون صارمًا لهذه الدرجة ، فأي كتاب يخلو من الثغرات ؟
من منظور شامل: الإيقاع، التمثيل، الرموز الاجتماعية…"
قاطعه بيان تشنغ: " كشف الطبيعة البشرية والسخرية من
الواقع غالبًا يكونان غطاءً لضعف القدرة على التحليل المنطقي "
صدرت صرخة خفيفة من عيدان الطعام في يد وين دي وهي تكاد تنكسر: " أنت لا ترضى عن أي فيلم جيد، أليس كذلك ؟"
بيان تشنغ: " فقط إذا كانت فيه ثغرات في بعض الأساسيات
المنطقية ، مثل فيلم الأرض المتجولة".
هتف وين دي: " وماذا به الأرض المتجولة الآن ؟!"
بيان تشنغ: " الأرض ليست جسمًا صلبًا مطلقًا ، لذا فإن
الأرض المتجولة أمر مستحيل التنفيذ .
كما أن بيانات المحركات خاطئة ؛ تلك القدرة لا يمكنها
تحريك الأرض أصلًا .
كان عليهم اختيار 'خطة الحياة الرقمية' منذ البداية.
لم أفهم ما الذي كان الفيلم يناقشه "
كاد وين دي أن يكسر عيدان الطعام نصفين
{ هل هذا إنسان ؟ إنه مجرد متحامل يفتش عن العيوب ! }
قال غاضبًا: " هذه تضحية ضرورية من أجل الحكاية الرومانسية الكبرى!
أراهن أنك حتى ستار تريك لا تستطيع مشاهدته "
بيان تشنغ: "وبالحديث عن ستار تريك…"
: " حسنًا، حسنًا"، قاطعه وين دي رافعًا يده ،
{ لا أريد أن يدع هذا المهووس يفسد حبي للأفلام } :
" لنترك الغموض والخيال العلمي إذن. ماذا عن فيلم رومانسي؟
أم أنك أيضًا لا تعجبك أفلام مثل ذهب مع الرياح ؟"
بيان تشنغ: " لا مشكلة عندي مع الفيلم ، لكن لدي الكثير
من المشاكل مع الرواية الأصلية"
: " وماذا بها الرواية الأصلية؟!"
بيان تشنغ: " انحيازاتها التاريخية كانت شديدة للغاية ،
وصوّرت مزارع الجنوب كجنة حيث يستطيع العبيد أن
يغنّوا ويضحكوا عند عودتهم إلى منازلهم بعد يوم عمل شاق ،
وظهرت عائلة البطلة بمظهر العائلة الكريمة ،
بينما جرى تصوير جنود الشمال على أنهم منحطون وفاسدون .
حتى إن ميتشل كتبت أن منظمة كو كلوكس كلان جمعية
خيرية ونادٍ للفروسية ، متجاهلة تمامًا ما قامت به من
ترهيب وعنف ضد الأمريكيين من أصل إفريقي في فترة إعادة الإعمار "
وين دي : " إذا أخذتَ تدقق في الأعمال الكلاسيكية بحثًا عن
الانحياز السياسي ، فستتحول الأدبيات إلى صحراء قاحلة !
أنت تحمل اسمًا كلاسيكيًّا ، ومع ذلك تزدري الكلاسيكيات هكذا !"
بيان تشينغ: " يوجد الكثير من الكُتّاب الذين يستطيعون
الحفاظ على منطق متماسك، ويملكون حسًّا نقديًّا قويًّا،
و يكتبون شيئًا أصيلًا ."
حدّق فيه وين دي: " مثل مَن؟ قل لي."
{ أليس هذا جدالًا فقط؟
أليس هذا مجرد تعنّت؟
من لا يُحسن التعنّت!
وبمثل هذا المستوى من التعنّت ، لا أصدّق أن كاتبًا واحدًا
يمكن أن ينجو من تحت يديه }
: " روبرت فوروارد "
وين دي { … لم اسمع به قط }
كلما فكّر في الأمر ، شعر بانسداد أكثر في صدره
لم يجد منفذًا لإحباطه ، فألقى نظرة على كوب الماء الذي في يده
{ لا عجب أن سونغ يوتشي قد رشقه بالماء من قبل ،
فأيّ مأدبة يمكن أن يخرج منها هذا الرجل بسلام ؟ }
أبعد كوب الماء عنه قليلًا ~~
سأله : "هل سبق لك أن دخلتَ في علاقة عاطفية ؟"
: " لا "
وين دي : " كنتُ أظن ذلك ،، هذا مضرّ بصحة الآخرين "
وكأنه لاحظ ضيق وين دي ، تنهد بيان تشنغ وقال :
" لقد سألتني عن رأيي في الفيلم ، فأبديته، والآن أنت مستاء."
وين دي بغضب: " لقد أخبرتك أنني أحب هذا الفيلم ، ألم
يكن بإمكانك أن تكون أكثر لطفًا في كلماتك؟"
: " إذا كنتَ تريد إيجاد أرضية مشتركة فقط، فلا داعي لأن
تسأل إن كنتُ أحببته أم لا، فقط قل لي أن أوافقك ."
فرك وين دي صدغيه : " أليس هذا من أبسط قواعد اللياقة الاجتماعية ؟
كما حين يأتي الأقارب بأطفالهم في رأس السنة — حتى لو
لم يكن الطفل جميلاً على الإطلاق، فلا بد أن تقول أمام والديه إنه لطيف "
بيان تشنغ : " ولماذا أفعل هذا ؟"
وين دي { معجزة …..إنها معجزة أن هذا الرجل عاش كل هذه المدة ! }
" حسنًا يااه …" أخذ نفسًا عميقًا ببطء : " أنت وسيم وذكي،
لا بد أن الجميع أغرقوك بالمديح والدلال منذ طفولتك ،
وأيًّا كان ما تقوله ، كانوا يتسامحون معك ."
بيان تشنغ : " لقد أسأت الفهم ،،،
لقد تسامحوا معي، لكن الأمر لا علاقة له بتلك الصفات ،
بل يرجع أساسًا إلى خلفيتي العائلية ."
حدّق وين دي في عيدان الطعام في يده { لو كنّا في مطعم
غربي وبيدي سكين وشوكة ، لغرستهما بالفعل في حلقه }
: "بروفيسور ، سأطلب منك خدمة ."
: " ما هي؟"
دفع له وين دي شرائح لحم الضأن قائلًا: " توقف عن الكلام ."
: " ألم نكن نتحدث عن مشاهدة فيلم ؟"
: " لم أعد أريد مشاهدته !"
يتبع
الكوب عليه صورة شريط موبيوس (Mobius strip) وهو
شكل مشهور في الطوبولوجيا،
لأنه سطح له وجه واحد وحدّ واحد فقط .
وين دي كتب عليه جملة مرتبطة بالهندسة ،
تلخبط بين الهندسة المعقدة والطوبولوجيا
تعليقات: (0) إضافة تعليق