Ch19 | ALFKR
أضفى تمثال بوذا هالة من الجلال والوقار ،،،
وأمام ذلك التمثال ، كان تشين وان يقلّب صفحات الكتب
البوذية بعناية لأجل سونغ تشينغمياو،
منهمكًا بعمله إلى حد أنّه لم يلحظ دخول الكاهن إلى القاعة
كان تشاو شينغهي قد سمع المرأة تنادي تشين وان بلطف
قائلة: “حبيبي”، فتبدّلت ملامحه قليلًا ،
وقد بدا عليه شيء من الغرابة
وما إن اقترب أكثر ، حتى رأى ملامح وجه المرأة بوضوح —
لم تكن سوى سونغ تشينغمياو، تلك التي كانت شهرتها ذات
يوم تهزّ مدينة هايش
{ اتّضح إذن أنّ هذين الاثنين ليسا حبيبين } ومع أن جيل
تشاو شينغهي لم يعد يعير تلك القصص الغابرة اهتمامًا،
وقد دُفنت تحت غبار السنين، بما تحويه من خرافة
وحقيقة، إلا أنّه تذكّرها على نحوٍ غامض من حديث سابق مع تان يومينغ
: ' يبدو أنّ تشين وان لم يكن من أبناء هايش ،
أمّه سونغ تشينغمياو جاءت من جنوبيّ الأنهار ،
وهو ما يفسّر لمحة الرقة والنُبل التي تحيط به
… كأنّه لوحة حبر لجبال ومياه ! '
لكن تشاو شينغهي لم يكن من وصفه بذلك ،
بل كلمات تشين زهاوتينغ
في تلك اللحظة ، كان من حوله يحيّون الكاهن ،
فرفع تشين وان رأسه أخيرًا
وما إن رأى الشخص الواقف خلف الكاهن، حتى تنهد
بصمت، مستعدًا لما سيأتي
قال : “ الكاهن ، السيد تشاو "
أومأ تشاو شينغهي برأسه إيماءة خفيفة
وقد تعرّف الكاهن عليهما في الحال: “ المحسنة سونغ،
المحسن تشين .”
سبق لسونغ تشينغمياو أن رأت تشاو شينغهي من بعيد في أحد الحفلات
والآن وقد رأته عن قرب، أشرق وجهها بالدهشة والفرح.
رمقت تشين وان بنظرة فيها مزيج من عدم التصديق والفخر
لم يخطر لها يومًا أن ابنها ، الذي يبدو بلا إنجازات ، يعرف
شخصًا بهذه المكانة
قالت بلهفة: “ حبيبي عرّفني عليه!”
وعند سماع تلك الكلمة مجددًا ، ارتفع حاجب تشاو شينغهي قليلًا
لكن تشين وان لم يكن يصغي لذلك ؛ كان تركيزه منصبًا على
سونغ تشينغمياو وهي تُرجع خصلة من شعرها خلف أذنها
ظاهريًا ، بدا تشين وان هادئًا ،
أما داخله فقد بدأ شيء كريه بالظهور والانكشاف ببطء —
شعور خافت بالخزي ، يرافقه ثقل خفي
كان يعرف سونغ تشينغمياو حق المعرفة ،
ويدرك تمامًا ما تعنيه تلك الحركة الصغيرة منها
وهذا بالضبط ما جعله يملك ألف سبب ، بل عشرة آلاف سبب ،
ليتجنب حدوث هذا اللقاء بينها وبين تشاو شينغهي
تشاو شينغهي ليس من صنف والده تشين بيشين ، الذي
تقتصر نواياه على المظاهر ،
ولا من نوع شي جياجيان، الذي يرتب لقاءات سرية خلف ظهر أسرته
تشاو شينغهي لم يكن من أولئك الرجال — لم يكن رجلاً
يمكن لسونغ تشينغمياو أن تخترقه أو تروّضه أو تستغله
أي حسابات قد تدور في رأس سونغ تشينغمياو ستكون
مثيرة للشفقة لا أكثر ،
سواء كانت تعوّل على نفسها أو تنوي استغلال تشين وان كأداة
سعادتها الطامعة ، وخلفيتها الوضيعة ، تجلّت بوضوح أمام تشاو شينغهي
تنهد تشين وان في نفسه ، ثم قدّم تعارفًا مختصر :
“ هذا السيد تشاو . وهذه والدتي .” لم تكن لديه أي نيّة لقول المزيد
تحدثت سونغ تشينغمياو بكثير من الكلمات،
لكن تشين وان لم يُصغِ لها حقًا
كان أكثر هدوءًا من المعتاد
وكانت تلك المرة الأولى التي يرى فيها تشاو شينغهي
الجانب البارد من تشين وان
لقد اعتاد على دفئه ورقّته ، أما الآن ، فقد بدت ابتسامته
المؤدبة غير صادقة ، كأنها متكلفة
لم يكن يعلم السبب بدقة ، لكنه شعر بأن تشين وان لم
يكن راغبًا في البقاء
فاحترم ذلك، ولم يطِل المقام
ألقى نظرة سريعة على مساعده ، ثم استدار وغادر
كان وقته في معبد ليانجينغ قد تجاوز ما خُطط له بكثير —
ولم يكن هناك داعٍ لإهداره أكثر
وبعد رحيله ، لمّا رأت سونغ تشينغمياو برود ابنها الواضح،
لم تخفِ استياءها، ولامته على افتقاره للفطنة الاجتماعية
قالت: “ أنت تعرف تشاو شينغهي. لماذا لم تخبرني ؟”
اختفت ابتسامة تشين وان الخافتة ، واستدار لينظر إليها
في عينيه كان شيء غريب ، عميق ، لا يُقرأ بسهولة — بدا كأنه تذكير ،
لكنه كان في الحقيقة تحذير … تحذير هادئ لكنه صارم لا
يقبل الجدل
وصوته، على هدوئه، حمل نبرة باردة أقرب إلى الصقيع :
“ نحن لا نعرف بعضنا حقًا . لا تبالغي في الأمر .”
شعرت سونغ تشينغمياو بقشعريرة غامضة تسري في
جسدها، وارتجف صوتها قليلاً وهي تهمس: “ ماذا تقصد ؟
لقد سلّم عليك ، أليس كذلك ؟”
في هايش — كم عدد الأشخاص الذين يمكنهم الادعاء بأن
تشاو شينغهي هو من يبدأ بالتحية ؟
أجاب تشين وان بلا مبالاة : “ لم يفعل .
لقد ردّ فقط من باب اللباقة . هو لا يعرف من أكون .”
كان ذلك ، بالطبع ، كذبة بيضاء أراد بها تهدئة والدته
صحيح أن العلاقة بينه وبين تشاو شينغهي لم تكن وطيدة،
لكنه كان يعرفه حق المعرفة
عبست سونغ تشينغمياو حاجبيها الرقيقين ،
وهمّت بأن تعترض ، لكن تشين وان سبقها بالكلام
و قال بهدوء: “ أمي "
كانت تلك أول مرة منذ وقت طويل يخاطبها بها بهذه الكلمة،
مما جعل سونغ تشينغمياو تُفاجأ
تعلقت عيناه السوداوان، العميقتان كهاوية ، بعينيها
ولما نظر إلى هذه الأم الجميلة الجشعة ، قال بصبر :
“ الجنّ والشياطين لا ينبغي لنا أن نستفزّهم .
لا بوذا، ولا الصلوات، ستنفع حينها. ألا توافقينني الرأي ؟”
كان بمقدور تشين وان أن يسعى لتلبية أيّ شيء ترغب به
سونغ تشينغمياو — سواء أكان مجوهرات، أو مالًا، أو مكانة اجتماعية
لكن تشاو شينغهي كان خطًا أحمر ——
صمتت سونغ تشينغمياو
رؤية ابنها بهذه الجدية غير المعتادة ،
وكأن أي نقاش إضافي قد يشعل خلافًا عظيمًا،
جعلها تتراجع على مضض
ومع ذلك، بدأت تخطّط من جديد في أعماقها
————————
في هذه الأثناء ،
سيارة تشاو شينغهي تعبر جسر اللؤلؤ ،
حينها تلقى مكالمة من مساعده
منذ حادثة إطلاق النار في إيطاليا قبل عامين ، اعتاد تشاو
شينغهي أن يؤمّن كل مسار يسلكه خارج مركز المدينة مسبقًا
ورغم أن الوضع الداخلي مستقر وآمن، إلا أن أعداءه كُثر
——- ومن خلال السماعة ، كان صوت تشين وان — رقيقًا
وصبور — يُسمع وهو يتحدث إلى والدته
و كل كلمة كانت واضحة لا تخطئها الأذن ،
تصل مباشرةً إلى مسامع تشاو شينغهي ———
كان يستمع بوجه خالٍ من التعبير ،
حتى فتح فمه أخيرًا ليخاطب نائب المدير العام ، المنتظر
على الجانب الآخر من مكالمة الفيديو :
“ ميزانية مشروع الرصيف…
ألا ترى أن الأرقام تبدو مشؤومة قليلًا ؟
ربما عليك إعادة صياغتها .”
نبرته المعتدلة للغاية جعلت نائب المدير العام يظن أن
أمامه مساحة للمفاوضة ،
فشرع في تقديم التبريرات ،
بينما كان تشاو شينغهي قد بدأ بالفعل في تجاهله
مرّت الأشجار واحدة تلو الأخرى عبر نافذة السيارة ،
وظلالها العابرة تنعكس على كتفيه ،
تضيف لمحة من العزلة إلى ملامحه
لطالما خطرت ببال تشاو شينغهي شتى الافتراضات حول دوافع تشين وان
والآن ، اتضحت الإجابة
——————
منذ لقائهما في معبد مازو ، توارى تشاو شينغهي عن الأنظار
لفترة طويلة — طويلة بما يكفي لتثير قلق تشين وان
لكن يبدو أن هذا اللقاء هذه المرة كان عالي السرّية ،
إلى درجة أن حتى تان يومينغ لم يذكر عنه شيئ
وبالطبع، لم تصل أخبار إلى تشين وان كذلك
وجاء لقاؤهما التالي بسبب تشين زهاوتينغ ———-
خلال الفعالية البحرية التي امتدت ليومين ، جمع تشين وان
عددًا لا بأس به من بطاقات العمل
وقد تبادل تشين زهاوتينغ معه معلومات الاتصال الشخصية ،
بل ودعاه لزيارة نادٍ للرماية افتتحه مؤخرًا
كان النادي يقع في شارع هولندا،
على مساحة تقارب الألف متر مربع في قلب حي الأعمال المركزي،
ويضم مرافق للرماية، والرمي بالقوس، وتسلق الصخور، والبلياردو، وغيرها
وصل تشين وان مبكرًا ، وأحضر معه هدية صغيرة
سأله تشين زهاوتينغ: “ هل جرّبت الرماية من قبل ؟”
أجاب تشين وان: “ لا "
كان تشين زهاوتينغ على وشك أن يعرض على تشين وان
تعليمه أساسيات الرماية ،
حين توقفت مركبة دفع رباعي أمام النادي
خرج منها ثلاثة أشخاص ——-
شين تسونغنيان بدا كعادته بملامح جامدة لا تُقرأ ،
بينما تشاو شينغهي منشغلًا بمكالمة هاتفية ،
وبينما مرّوا من أمام تشين و زهاوتينغ وقالا التحية
بدا وكأن تشاو شينغهي لم يسمع تحية تشين وان المهذبة —
أو لعله سمعها وتجاهلها عمدًا
أدى تان يومينغ دور السائق في هذه الرحلة ،
إذ لفّ مفاتيح سيارته بإصبعه وتقدّم نحوهما ،
مشيرًا إلى ظهر شين تسونغنيان وهو يبتعد قائلاً : “ هذا نصف نائم ….”
ثم أشار برأسه نحو ظهر تشاو شينغهي وأضاف :
“ وهذا وقح "
تشين زهاوتينغ وتشين وان : “……..”
كان النادي أنيقًا وعصريًّا، ومجهّزًا بأحدث التقنيات
أما نشاط اليوم فكان ' الرماية الليزرية ' باستخدام عشرة أهداف
احتوى ميدان الرماية على خمس عشرة آلة لأقراص الطين،
تتحرك فيها الأقراص بشكل غير متوقع،
ويُسمح للرماة بإطلاق النار من زوايا متعددة،
وتُحتسب النقاط حسب دقة الإصابة
أثناء اختيار المعدات ، ذكر أحدهم مشروع خليج بولي
فقد أصبح المشروع ، الذي يقوده تشاو شينغهي لبناء ميناء
جديد ، حديث مدينة هايش
سألت جيانغ يينغ تشاو شينغهي: “سمعت أنك تنوي إعادة مراجعة الميزانية ؟”
فأجاب تان يومينغ — الذي لا تفوته فرصة الحديث — نيابةً
عنه: “لا تعجبه الأرقام الحالية — يقول إنها تجلب النحس "
ساد الصمت لعدة ثوانٍ في القاعة
خلع تشاو شينغهي نظارة الحماية من الأشعة ، جرّبها ،
ثم صحّح بابتسامة هادئة : “ ذلك رأي الجد تشاو ماوتشنغ.
لقد تقدّم في السن ، والخرافات لا مفرّ منها مع الكِبر .”
بدا أن الحاضرين لم يقتنعوا تمامًا، إذ كان معروفًا أن كبير
عائلة مينغلونغ الجد تشاو ماوتشنغ لم يعد هو صاحب القرار الحقيقي منذ مدة
أردف تشاو شينغهي بجديةٍ ظاهرة : “ لا أحد منكم يريد
رحلة تدشين على طريقة التايتانيك، أليس كذلك؟”
وصمت الجميع فورًا ——
فالكثير من العائلات الحاضرة كانت تربطهم مصالح مباشرة
بصناعة الرحلات البحرية أو الشحن
وإذا أُنشئ ميناء خليج بولي بالفعل ، فإن 80٪ على الأقل
من سفن شحن هايش سترسو هناك
بفضل مياهه العميقة ، وحمايته من العواصف ،
وخطّه الساحلي الطويل ،
سيكون الميناء ذا طاقة استيعابية لا تُضاهى
قال أحد الحضور ' آنّه سيكون أول من يُجري تجربة إبحار عند افتتاح الميناء '
وردّ آخر بنبرة مازحة تنطوي على الجدية : “ مثل هذه
الفرص يجب أن تُنتزع بالمنافسة .
صداقتنا شيء، والعمل شيء آخر — هذا مشروع يستحق أن يُتصدّر العناوين .”
استمع تشين وان بصمت، وفي قلبه لمعة من الغيرة بدأت تطفو
لم يكن الأمر متعلّقًا بالطمع في ثرواتهم ؛ بل كان إعجابًا
يصعب تفسيره — إعجابًا برومانسية الموقف كله
كان تشين وان شخصًا واقعيًّا ،
لكنه حين يتعلق الأمر بتشاو شينغهي، لا يسعه إلا أن يغرق في خيالات شاعرية
أن يكون أول سفينة تبحر من ميناء تشاو شينغهي —
بدا ذلك جذابًا على نحو يصعب مقاومته
لكن، ومهما بذل من جهد،
فذلك الحلم لا يبدو قابلًا للتحقق، حتى بعد عقود
أما تشاو شينغهي، كرجل أعمال لا يخفي نزعاته،
فقد أومأ مبتسمًا وقال بودّ:
“ كل شيء قابل للتفاوض . من يدفع أكثر ، ينل .”
“…”
كان يرتدي زيًّا أبيض خاصًا بالرماية،
مما زاد من حضوره اللافت — عريض الكتفين ،
طويل القامة، يبرز بسهولة وسط الحشود
اختار بندقية ' فُويدوينغ ' خفيفة الوزن ،
ومن لحظة تصويبه إلى ضغط الزناد لم تمضِ سوى 0.3
ثانية، فأصاب قلب الهدف — حلقة العشر نقاط على بُعد عشرة أمتار
رنّ صوت الطلقة الحاد ، متبوعًا بدخان رقميٍ يحاكي الواقع،
ينبعث معه شعور بالجرأة والثقة المتحررة
في تلك اللحظة ، شعر تشين وان كما لو أن رصاصة اخترقت روحه
اقترب منه تشين زهاوتينغ وسأله: “ كيف الأمور ؟
هل استمتعت ؟”
كان تشين وان بارعًا في التعامل مع الأسلحة ،
رغم أنه لم يظهر ذلك أبدًا
بدأ تشين زهاوتينغ — بصفته صاحب ذوق رفيع —
في تقديم نماذج مختلفة من البنادق له،
وشرح له أساسيات التصويب والرماية بصبر
كان تشين وان يبدو رقيق الملامح ، ومهذبًا ،
من النوع الذي يخاله الناس لم يلمس سلاحًا من قبل ،
وبصفة تشين زهاوتينغ المضيف شعر بواجب أن يكرّس له مزيدًا من الوقت
لكن تشين وان ، الذي استمع بنصف انتباه بسبب الملل،
ابتسم وقال مطمئنًا :
“ لا تقلق عليّ ، سأتدرب وحدي .”
وقبل أن يبتعد تشين زهاوتينغ ناداه أحد الحضور ،
فاعتذر برفق وربّت على كتف تشين وان قائلاً :
“ إن احتجت شيئًا ، نادِني .”
حين أخذ تشين وان السلاح ، حرص ألا يلمس يد تشين زهاوتينغ
ثم أنزل رأسه نحو السلاح، يعبّئه بتركيز بالغ
وفجأة ، انتابه شعور غريب — و كأن أحدًا يحدّق فيه
رفع رأسه بسرعة ، وفي عينيه ذهول مرعب —
فوهة بندقية تشاو شينغهي كانت مصوّبة نحوه مباشرةً —-
يتبع
Erenyibo : هاه ؟ لحظة قلبي وقف ؟
رودي: الظاهر ناوي يرمي عليه سهم الحب ✨
تعليقات: (0) إضافة تعليق