Ch27 | DJPWNK
قبل أن يأخذ رجال الأمن ما هاو ، أمسك جيانغ شو بيده بلا رحمة ،
وأعاد مفصل رسغه المخلوع إلى مكانه ، ثم قال ببرود:
“ إذا شعرت بعدم الراحة لاحقًا ، رش عليه قليلًا من دواء ‘يوننان بايياو’ ”
أما المرضى في صالة الانتظار ،
فلم يكونوا يعلمون ما جرى داخل غرفة الفحص ؛
كل ما عرفوه أن رجلاً غاضبًا اقتحم الغرفة فجأة ،
ثم بعد فترة قصيرة ، جاء رجال الأمن وأخذوه معهم
بدأ البعض يتكهن أن الأمر ربما كان شجارًا طبيًا،
وقلقوا من أن يُحضر نقالة فجأة لنقل طبيب مضرج بالدماء
لكنهم انتظروا طويلًا ، ولم يُنقل أي طبيب
في نهاية الدوام، أنهى الأطباء مناوباتهم في العيادات الخارجية
خلع جيانغ شو معطفه الأبيض وخرج من المكتب،
ليصادف شين فانغ يو في العيادة المقابلة
قال شين فانغ يو مبادرًا :
“ ألن تشكرني ؟”
لم يتحدثا منذ شجارهما السابق ،
وكانا يتعاملان مع بعضهما وكأن الآخر غير موجود
استمر التوتر بينهما حتى اليوم ،
لكن هذه المرة… نظر جيانغ شو إليه
: “ شكرًا .”
ولأن شين فانغ يو لم يقاطعه هذه المرة ،
نُطقت تلك الـ”شكرًا” أخيرًا بشكل كامل
بدت الدهشة على وجه شين فانغ يو وقال:
“ هل أصابك ذلك الوغد في رأسك ؟
كيف أسمع مثل هذه الكلمات تخرج من فمك ؟”
رد جيانغ شو :
“ إذًا أسترجعها ”
: “ لااا، لا تفعل—”
رمقه جيانغ شو بنظرة ، فتابع شين فانغ يو بنبرة ممازحة:
“ حسنًا ، أعلم أنك بخير ، لكن هل يمكنك التوقف عن التحديق بي هكذا ؟
تلك النظرة تجعلني أشعر أنك على وشك أن تفتحني بمشرط .”
أدار جيانغ شو بصره بعيدًا ،
لكن شين فانغ يو تمتم وكأنه يتحدث إلى نفسه:
“ من الجيد أنك لم تُصب ...”
ثم بدا وكأنه غرق في ذكريات ما، وضحك بسخرية:
“ تلك المعارك التي خضناها في الماضي لم تذهب سدى ،
فقد أصبحت قادرًا على حماية نفسك .”
لمعت عينا جيانغ شو فجأة
كلمات شين فانغ يو أعادت إلى ذهنه بعض الذكريات القديمة
فهو كان طالبًا مجتهدًا ولم يخض شجارات قط
وكان قد تعلم التايكواندو في طفولته ، لكن في الجامعة ،
كانت جامعة الطب قد فرضت على طلابها مادة “ القتال
القريب” كمادة إجبارية ،
بحجة أن الأطباء يجب أن يعرفوا كيف يحمون أنفسهم
وكما هو معروف ، المواد الإجبارية تُحتسب ضمن المعدل
العام ، وتؤثر على التقدير الكلي
نظرًا للعدد الكبير من طلاب الطب ،
كانت جامعة A الطبية تُجري الدروس وفقًا لنظام الصفوف الثابتة ،
بمقاعد وأوقات محددة ، ولم تكن تسمح للطلاب باختيار
جداولهم بأنفسهم
ولهذا، وُضع جيانغ شو وشين فانغ يو في نفس صف مادة القتال القريب
تحولت تلك الحصة إلى ساحة معركة جديدة بين الاثنين
كانت نتائج المادة تعتمد على أداء الطالب في سلسلة من
اختبارات الحركات الفردية ،
واختبار اللياقة البدنية ،
وفي النهاية مباراة قتال فردي
ومن أجل تحقيق العدالة ، كان معلم التربية البدنية يُحدد
الخصوم بناءً على مجموع درجاتهم في الاختبارات السابقة،
بحيث يُقابل المركز الأول الثاني ، والثالث يُقابل الرابع ، وهكذا…
بهذا الشكل ، تُقلّص الفجوة بين قدرات المتنافسين قدر الإمكان ،
وكان الفائز يحصل على ثلاث درجات إضافية
وبمحض المصادفة ، حصل شين فانغ يو و جيانغ شو على
نفس الدرجة في التقييمات السابقة ،
فوُضِعا في مواجهة مباشرة
في ذلك الوقت ، لم يدرك المعلم مدى سوء هذا القرار
وبينما اشتدت المنافسة بينهما ،
خشي المعلم أن يتفاقم الأمر وينتهي الأمر بأحدهما في العيادة ،
فأوقف المباراة وأعطى كلًّا منهما درجة إضافية ونصف
لكن الاثنين لم يقتنعا ، وأصرّا على إعادة المنافسة ،
فاضطر المعلم أن يُخصّص من وقته نهاية كل أسبوع
ليحكم بينهما بنفسه ،
إلا أن أيًّا من تلك المواجهات لم تُسفر عن نتيجة نهائية
وفي النهاية ، سئم المعلم من الدروس الإضافية في عطلة
نهاية الأسبوع، فحاول توعيتهم قائلًا: “ الصداقة أولًا ، ثم التنافس .”
لكنّ ردّهما كان متزامنًا :
“ لا توجد بيننا صداقة ”
كاد معلم التربية البدنية المخضرم أن يفقد أعصابه
وفي نهاية المطاف ، احتاج الأمر إلى ثلاث درجات إضافية
ليتم إغلاق هذا الملف
ويُقال إن المعلم قد ذهب إلى إدارة الجامعة يشكو باكيًا
ويصر على أنه لن يدرّس هذه المادة في الفصل التالي إذا كانا ضمن طلابه
ألقى جيانغ شو نظرة على شين فانغ يو
وأدرك فجأة أن أغلب المعارك التي خاضها طوال تلك
السنوات كانت مع هذا الرجل
وربما كان هناك تفاهم ضمني، فعندما لاحظ شين فانغ يو نظرة جيانغ شو، ابتسم وقال:
“ تذكرت لما كنا في الجامعة ، وكيف كدنا أن نُصيب
المعلم بارتفاع ضغط الدم بسبب تلك الحصة .
لماذا كنت معقدًا بهذا الشكل وقتها ؟”
فردّ عليه جيانغ شو بنظرة فارغة :
“ وكأنك لم تكن معقدًا ؟”
ضحك شين فانغ يو :
“ لا زلت أذكر فصلًا دراسيًا كان فيه اثنا عشر مقررًا رئيسي ،
وكلها تتضمن تجارب مخبرية .
سهرت طوال شهر الامتحانات دون نوم ،
أراجع حتى لم أعد أتحمل ، فذهبت إليك وقلت : ‘هل
يمكنك أن تتوقف عن مضايقتي قليلًا لننام ؟’ ….”
وبدا وكأنه يستمتع باسترجاع الموقف
" ثم نظرت إليّ بتلك النظرة ' "
قال ذلك وهو يغيّر ملامحه إلى تعبير مديون ومُتهكّم ،
ثم قلّد ملامح جيانغ شو بتفاصيلها : وضع يديه في جيبيه،
تظاهر بأنه يدفع نظارات غير موجودة على أنفه، وقلّد نبرته ببرود:
" ' حسنًا، إذًا ستكون في المركز الثاني ' "
نظر إليه جيانغ شو وهو يؤدي المشهد ،
واعترف داخليًّا أن الأداء يحمل شيئًا من جوهر شخصيته القديمة فعلًا
شين فانغ يو: " أنت تبتسم يا جيانغ شو …. " أشار إليه وكأنه
أمسك بذيله الصغير : " ربما لأنك نادرًا تبتسم ،
والنادر ثمين ، لذا أحب أن أراك تبتسم "
أنزل جيانغ شو نظره نحو الكمامة التي تغطي نصف وجهه ،
لكن شين فانغ يو ضحك وكأنه فهم ما كان يدور في ذهنه :
" أعرف أنك تبتسم حتى لو كنت ترتدي الكمامة " بثقة :
" توجد ضحكة في عينيك "
في الواقع لم تكن الضحكة في عينيه فقط ،
بل حتى الشامة الصغيرة تحتها بدت وكأنها تنبض بالحياة
عندما يبتسم جيانغ شو
أدار جيانغ شو وجهه بعيدًا ، متجنبًا نظرات شين فانغ يو
ثم وضع يديه في جيبيه وقال بخفة :
" سأذهب أولًا "
————-
لم يعد إلى مكتبه ، بل اتجه مباشرةً نحو المختبر
لم يكن جيانغ شو قد دخل المختبر منذ أيام ؛
فهو الآن نائب رئيس قسم،
ما يعادل أستاذًا مشاركًا في مجال التدريس،
وكان يشرف على عدد من طلاب الدراسات العليا،
لذا لم يكن مضطرًا للقيام بمعظم التجارب بنفسه
وفوق ذلك، وبسبب حمله، كان قلقًا من تأثير بعض المواد
الكيميائية المسببة للتشوهات الجنينية على الجنين،
لذا اكتفى بالاستماع إلى تقارير طلابه وتقديم التوجيهات العامة لهم
وبعد أن تابع تجارب طلابه،
وعلّم أحدهم كيفية التقاط صورة باستخدام مجهر الليزر
غادر المختبر بعد الساعة التاسعة مساءً
تذكّر جيانغ شو أنه في الماضي ، عندما كان طبيبًا مساعدًا ،
كان يبقى في المختبر حتى الساعة الثانية أو الثالثة فجرًا
في ذلك الوقت ، لم يكن لديه مختبر خاص به
بل كان يعمل ضمن مجموعة المشاريع البحثية التابعة للمشرفة كوي
وكان المختبر يكون شبه خالٍ في تلك الساعات المتأخرة،
فلا يبقى فيه سوى هو وشين فانغ يو
أحدهما في الطرف الجنوبي ،
والآخر في الطرف الشمالي من المختبر ،
يعملان كلٌّ على طاولته الخاصة
كان التعب ينهكهما لدرجة أنهما لا يملكان الطاقة حتى للجدال ،
فيخرجان معًا تحت ضوء القمر صامتين ،
وذهنيهما لا يزال مشغولًا بمحاولة فك عقدة بحثية ما
تسلل الماء الدافئ إلى جسد جيانغ شو وهو يتكئ داخل
حوض الاستحمام ويغمض عينيه، وفي لحظة نادرة، لم
يشغل ذهنه بالعمل
كان الجو العام مشبعًا بالخمول ،
والطفل الذي ينمو بداخله مستهلكًا طاقته باستمرار ،
مما كان يشتت انتباهه بين الحين والآخر ،
ويعيد إلى سطح ذاكرته أشياءً كان قد ظن أنها طواها النسيان
على سبيل المثال ، في طريق عودته من المختبر إلى السكن
الجامعي ،
كان يمر بجانب محل يبيع كعكة بوزاي ،
وهي حلوى تقليدية من قوانغدونغ نادرة الوجود في المدينة A ولم يسبق لجيانغ شو أن تذوّقها قط
كلما رأى صورة الكعكات الصغيرة الملوّنة التي تشبه البلورات على لافتة المحل ،
شعر برغبة ملحة في تناولها
لكنّ المتجر كان يغلق أبوابه في العاشرة مساءً،
ويفتح في الثامنة صباحًا،
لذا لم تتح له الفرصة يومًا لشرائها
لاحقًا، وبعد أن أصبح بإمكانه مغادرة العمل قبل العاشرة،
كان قد اشترى شقّة بالفعل ولم يعد يمر بتلك الطريق في تنقله، فلم يزر المتجر أبدًا
والطبيب جيانغ المعروف بكفاءته لا يمكن أن يتكبد عناء
الانعطاف عن طريقه فقط لإرضاء شهيته،
لذا وعلى مرّ السنوات، لم يتذوّق ولو قطعة واحدة من كعكة بوزاي
في الحقيقة، لم يكن جيانغ شو يومًا من أولئك الذين
يبالغون في الاهتمام بالطعام والشراب
حتى النودلز الفورية التي يأكلها كانت من نفس النوع دائمًا
لذا ، نسي تمامًا أنه كان يرغب في تذوق تلك الحلوى يومًا ما
لكن شرود أفكاره الليلة جعل جيانغ شو، الذي كان يرتدي
روب الاستحمام ويجلس أمام علبة نودلز،
يعبث بها بشوكة صغيرة، ثم شعر فجأة بعدم ارتياح
تلك الرغبة القديمة التي نسيها منذ زمن تغلغلت فجأة في ذهنه ،
كأنها فطريات تنتشر في الظلام
لقد أراد حقًا أن يأكلها
هذا الشعور الغريب والمزعج لم يبدأ إلا بعد أن أصبح حاملًا
صارت تنتابه رغبات عشوائية في تناول أشياء محددة دون سبب واضح،
كأن يشتهي ليمونة حامضة،
أو التوفو الذي تنبعث منه رائحة شهية على بعد أميال،
أو حتى الفطائر المخبوزة التي كان يعدّها المعلم لو بجانب المستشفى،
والمصنوعة أحيانًا على يد ابنه الذي كان يساعده
لكن جيانغ شو كان دائمًا ما يكبت تلك الرغبات
حتى اليوم
تذكّر فجأة أنه، قبل وقت ليس ببعيد، وبعد أن ودّع يو شين، أجرى مكالمة مع والدته
كان صوتها لطيفًا وهي تقول له:
'" شياو شو… أمك تعرف أنك مشغول بعملك،
لكن قد حان الوقت لتُكمل طريقك،
وأنت لا تريد الذهاب لمواعيد تعارف عمياء…"
ثم تنهدت:
" لكن أمك خائفة من أن تبقى وحيد .
تأكل وتنام بشكل غير منتظم ، كنت دائمًا منشغلًا منذ صغرك ،
لا تعتني بجسدك، وتسهر كثيرًا من أجل الدراسة.
أمك تتمنى أن يكون بجانبك شخص ما، يساعدك، يذكّرك،
وتتشاركان في العناية ببعضكما… حتى أطمئن
على مر السنين ،
كنّا أنا ووالدك نشعر بالرعب كلما قرأنا خبرًا عن طبيب أو
أستاذ جامعي مات فجأة…
كنا نخاف أن يصيبك مكروه يومًا ولا يكون هناك أحد
بجانبك ليتصل بالإسعاف "
حدّق جيانغ شو في قائمة جهات الاتصال على هاتفه،
وصوت والدته يتردد في أذنه مرارًا
وبعد فترة طويلة ،
انخفض نظره بهدوء نحو أسفل بطنه ،
ولمس برفق مكان الحمل لأول مرة
ثم رفع هاتفه ، وضغط على رقم مألوف —-
: “ ألو ”
ردّ الطرف الآخر بصوت بدا فيه بعض الدهشة :
“ جيانغ شو ؟”
توقف صوته لثانية كما لو أنه ينظر إلى الساعة ،
ثم سأل:
“ هل هناك خطب ما ؟”
جيانغ شو : “ ما كتبته في الملاحظة…
هل ما زال سارٍ المفعول ؟”
: “ هاه؟”
: “ مجمع يويفنغ، المبنى 3، الوحدة 4، الشقة 1202 .. "
رفع جيانغ شو عينيه ونظر إلى الساعة بجانب طاولة الطعام :
“ اشترِ كعكة بوزاي من المحل الذي يقع على طريق المختبر ،
وأحضرها لي قبل الساعة العاشرة والنصف ”
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق