Ch42 | IOWY
بيدين مرتجفتين ، ضغط يانغ شياولي على جرس الباب.
دموعه قد هدأت لتوها، لكنها عادت فجأة تتفجّر من عينيه بغزارة ،
كصنبور ماء تحطم ، تنهمر على خديه وتتساقط من ذقنه
الخوف الشديد كاد يسحقه ،
لم يكن قادرًا حتى على الوقوف مستقيمًا من شدة البكاء ،
بدا من شدة الأسى وكأن قلبه سيذوب
ولكن، بعد أن قرع الجرس، مرّت دقائق طويلة دون أن يُفتح الباب
وقف يانغ شياولي حائرًا، يكبت رغبته الشديدة في الهرب،
ثم رن الجرس مجددًا وسط شهقاته الخافتة
وهذه المرة ، بعد مرور بضع ثوانٍ ، انبعث من جرس الباب
المزود بكاميرا صوت بارد :
“ لقد أخطأت في الطابق ”
استنشق يانغ شياولي أنفاسه ، ورفع ذراعه ليمسح دموعه
عن وجهه ، ثم قال بصوت مبحوح مكسور :
“ لم… لم أخطئ ”
ردّ الصوت بجمود :
“ بل أخطأت ، أنا لا أعرفك ”
يانغ شياولي متوسّلًا :
“ لم أخطئ… أنت من دعاني إلى هنا ”
كان بيان شيانيانغ يحدّق في شاشة جرس الباب ،
يرى هيئة شابٍ مطأطئ الرأس
لكن صبره قد نفذ ، فانخفض صوته أكثر ، وصار أكثر برودة:
“ سأقولها للمرة الأخيرة… أنا لا أعرفك
وإن لم تذهب فورًا ، سأستدعي رجال الأمن .”
كان يانغ شياولي يريد بشدة أن يقول له: ' أنا نانا ' لكن
الصوت البارد جدًا الذي سمعه عند أذنيه كان قاسيًا لا يشبه
ذلك الصوت الذي اعتاد عليه عندما كان نانا
كان ذلك صوتًا غريبًا جافًا ، لا يحمل أدنى ذرة من المشاعر ،
ولم يتضمن حتى أدنى درجات اللياقة أو المجاملة
رغم أنه كان يشعر بأنه لا يستحق أن يعامَل بلطف ،
إلا أن الشعور الحقيقي كان مختلفًا تمامًا
كان يشعر بالظلم والخوف لدرجة أنه تمنى لو يتوقف عن التنفس ،
أو ربما لو يسجد أمام الباب ويركع ليرى ذلك الشخص هناك
كان يعلم أنه أخطأ ، وكان مستعدًا لأن يندم بصدق ،
ويبذل قصارى جهده ليكفر عن ذنبه
مهما كان الثمن ، طالما يمكنه نيل عفوه ،
فهو مستعد لفعل أي شيء، فقط ألا يكرهه
على الجانب الآخر من الباب ، كان بيان شيانیانغ ينظر إلى
الشاشة الصغيرة المعلقة على الجدار ببرود
و عندما رأى أن الشخص خارج الباب لا يتحرك ولا يعتزم المغادرة ،
تلاشى لديه أمل أن تُحل الأمور بهدوء ،
وقرر إنهاء مكالمة الفيديو وطلب الأمن
لكن فجأة ، سمع صوت ذلك الغريب وهو يبكي ويقول :
“ أنا نانا…”
كانت تلك الكلمات البسيطة كالصاعقة ،
فأذهلته وأربكت ذهنه ،
حتى كاد ينسى من هو وأين هو لبرهة
وعندما عاد إلى وعيه ، أصبح يحدق في شكل ذلك الشخص
على الشاشة ، وأصبحت قبضته على السماعة شديدة حتى
ابيضت مفاصل أصابعه، كما لو أنه يريد سحق شيء ما
قال ببرود :
“ هل هذه مزحة ؟”
استنشق يانغ شياولي أنفاسه ، وقال بصوت مرتجف :
“ ليست مزحة ، أنا… أنا نانا ، شقة 1501 في المبنى A،
أنت دعوتني لتناول العشاء ،
قلت ستعد لي… لنانا شريحة لحم .”
سأل بيان شيایانغ:
“ هل نانا من دعاك ؟”
رد يانغ شياولي:
“ أنا نانا…”
فسأله :
“ لماذا تقول إنك نانا ؟”
تلعثم يانغ شياولي:
“ لأنني نانا ”
بيان شيانیانغ بحزم :
“ نانا هي حبيبتي ، وأنت رجل .”
كان يحدق في الشاشة بنظرة ثابتة ، يبدو على وجهه هدوء ،
لكن عقله يكاد ينهار من التفكير
لقد دعا نانا إلى العشاء في منزله ، لكنه وجد رجلاً غريبًا
يبكي أمام بابه ويقول إنه نانا
{ ما هذا إلا مزحة ، أليس كذلك ؟
هل نانا تمزح معي ؟ فلماذا تفعل ذلك ؟ }
قال يانغ شياولي وهو يمسح دموعه، ويخفض حقيبته،
ويفتح سحاب حقيبته ليخرج فستانًا وباروكة:
“ أنا حقًا نانا "
نظر بيان شيانیانغ إلى الفستان والشعر الطويل في يديه،
كان الفستان هو نفس الفستان ذو الأكمام الطويلة والنقوش الذي ارتدته نانا في لقائهما السابق ،
وحتى الباروكة كانت مألوفة جدًا ،
فقد وضعتهما أمام عينيه حقيقة مرعبة ،
بغض النظر عن قدرته على تقبلها أم لا
قال يانغ شياولي وهو يتكلم معبرا عن ما يدور في ذهنه المشتت :
“ أنا جئت لأعتذر ، آسف لأنني خدعتك .
اسمي يانغ شياولي، ونانا هو اسمي عندما أرتدي ملابس النساء .
أنا شاب ، آسف لأنني خدعتك . رغم أنني شاب ، إلا أنني فعلاً نانا .
أخطأت حين استخدمت هذه الخدعة ، لكن لم أكن أمزح
معك .
أنا معجب بك ، معجب بك جدًا…”
و بينما يانغ شياولي يثرثر بتردد ،
فُتح باب الشقة ،
وظهر بيان شيایانغ مرتديًا لباس البيت في مدخل المنزل
المضاء بدفء، وهو ينظر إليه بنظرة باردة جداً
ببرود :
“ ماذا قلت ؟”
ارتجفت يد يانغ شياولي وهو يعيد وضع الباروكة والفستان في حقيبته، وصوته يرتعش ولا يُفهم،
“ أنا… أنا أفضل… أن أجثو على ركبتي لأقول لك…”
لم يتردد يانغ شياولي، وانحنى بركبتيه بقوة على الأرض الصلبة،
وبدأت دموعه تتدفق من جديد كالسيل،
“ آسف، أنا أحب ارتداء ملابس النساء ، أحب التزين وارتداء
الفساتين ، آسف لأنني قابلتك في فندق كايسبين،
آسف لأنني بعد لقائنا لم أخبرك بحقيقتي رغم وجود العديد
من الفرص ، آسف لأنني لم أكن شجاعًا لأخبرك إلا الآن…
أعلم أنني أخطأت، أنا آسف لك، يمكنك أن تغضب مني،
تضربني أو توبخني…”
نظر بيان شيانیانغ إلى الشخص الجاثي على الأرض بنظرة باردة ،
كان داخله كأنه عاصفة عاتية تهزّه حتى أصابه دوار شديد،
ولم يستطع الكلام لوقت طويل
ظل يانغ شياولي جاثيًا ولم يجرؤ على النهوض،
ممسكًا بدموعه التي أغرقت وجهه،
وعيونه المتورمة بالكاد كانت تفتح، مستمرًا في الاعتذار بلا توقف
قال:
“ أعلم أنني قاسي ، لكنني لست إنسانًا لا يُشفى ،
أنا معجب بك حقًا، معجب بك كثيرًا ،
أنا آسف لأنني لم أجرؤ على الاعتراف لك ولم أكن صريحًا معك،
آسف لأنني قلت إننا سنفترق عاجلاً أم آجلاً ،
آسف لأنني استهنت بمشاعرك تجاه نانا ،
آسف لأنني تسببت لك في هذه الذكريات السيئة…”
لم يكترث بيان شيانیانغ لكلامه، بل تقدم نحو يانغ شياولي وقال بصوت بارد:
“ مد يدك "
توقف يانغ شياولي للحظة ، ثم مد يده اليسرى التي على
جانب كفه شامة إلى الأعلى
أمسك بيان شيانیانغ معصمه وتفحصه بدقة، ثم رمى يده،
وقبض بإحكام على ذقن يانغ شياولي رافعًا وجهه، وقال
ببرودة كأن كلماته من جليد:
“ أنت تتنكر بزي امرأة وتخدعني، لا عجب أن رد فعلك كان
هكذا عندما قلت إنني أريد علاقة تنتهي بالزواج، لا عجب
أنني شعرت بشيء غريب عندما احتضنتك. أنت كاذب، وأنا
من خُدع، وكيف تجرؤ على البكاء ؟”
نظر يانغ شياولي إليه بعينيه المملوءتين بالدموع، وقال:
“ آسف، لقد أخطأت…”
بيان شيانیانغ:
“ كفى، اصمت، انهض واحزم أغراضك واغرب عن وجهي،
لا أريد أن أراك مجدداً .”
وبعد أن قال ذلك، ترك يده عن ذقنه،
واستدار وأغلق الباب بقوة خلفه،
ثم ألقى بوكيه الورد المغلف بعناية وصندوق المجوهرات
الأسود المخملي في سلة المهملات
ارتجف يانغ شياولي من صوت إغلاق الباب القوي، ولم يجرؤ على الكلام مرة أخرى،
فقد ذهب الرجل ولن يسمع شيئًا
فجلس على الأرض يرتب حقيبته ثم نهض وركب المصعد إلى الأسفل
في السابق، مهما حدث، لم يكن يختار الاتصال بيان لان لأنه لا يمكنه التحدث عبر الهاتف
لكنه الآن أراد الاتصال به بشدة
رن الهاتف مرتين فقط ثم رد الآخر بسرعة ، فانفجر يانغ شياولي بالبكاء :
“ مومو … إنه يكرهني بشدة ،
قال لي أن أغرب عن وجهه ،
وقال إنه لا يريد رؤيتي مرة أخرى…”
لقد بكى يانغ شياولي طوال ذلك اليوم أكثر من أي وقت
مضى في حياته كلها
قبل أن يعترف ، كان قلبه مليئًا بالخوف ،
وبعد الاعتراف لم يشعر بالراحة أو بالتحرر ،
بل ازدادت مخاوفه
لم يشعر أبدًا بهذا القدر من الخوف ،
ليس حتى عندما تلقى صفعة أبيه الغاضبة ،
لكن الآن سحقته المخاوف مرارًا وتكرارًا ،
فلم يكن أمامه سوى البكاء ليشعر ببعض الراحة
جلس يانغ شياولي على حافة حوض الزهور أسفل المبنى A،
ممسكًا بهاتفه ويتحدث مع يان لان بلا توقف
لم يعرف ما الذي قاله، ولا يستطيع أن يتذكّر، فقط كان يبكي باستمرار
وبينما هو يبكي،
تجمع الناس من السكان الذين خرجوا في نزهة بعد العشاء أو لتمشية كلابهم
" من هذا الصغير الذي يجلس على جانب الطريق ويبكي ؟"
" لا أعرف، لقد بكى لفترة طويلة، حتى من مبنى B أستطيع
سماعه يجهش بالبكاء، لكن لا أفهم كلمة مما يقول."
" ربما تعرض لخيبة حب؟
من قبل، فتاة من الطابق 12 في المبنى C تشاجرت مع
حبيبها وكانت تبكي بنفس الطريقة ."
كان يانغ شياولي يجلس ويدفن رأسه بين ركبتيه،
لا يعلم أن عدة أشخاص قد تجمعوا حوله،
بعضهم يمسك بكلب مربوط، ولم ينتبه حتى أن أحدهم
وضع بجانبه علبة مناديل ورقية
لا يُعرف كم مر من الوقت حتى بدأ المتفرجون يتفرقون الواحد تلو الآخر ،
وعندها أنهى يانغ شياولي المكالمة وهو يجهش بالبكاء ،
ثم لمح علبة المناديل التي لم يعرف متى ظهرت بجانبه،
فأخذ منها واحدة ليمسح بها أنفه
خرج بيان شيانيانغ من بوابة المبنى A بوجه بارد ،
مرتديًا ملابس رياضية سوداء أظهرت طوله وعرض كتفيه ،
وقبعة بيسبول سوداء تخفي وجهه مع كمامة سوداء تغطي
أغلب ملامحه
مشى بخطى واسعة دون أن ينظر يمينًا أو يسارًا ،
عابرًا أمام الظل البائس الجالس بجوار الحوض
استنشق يانغ شياولي رائحة عطر مألوفة ، فرفع رأسه بجزع،
وحدق في بيان شيانيانغ الذي مر أمامه ، وهمس :
" يانغ زاي أنا آسف…"
لكن الشخص الذي قد ابتعد عدة خطوات لم يتوقف ولم
يلتفت ، بل واصل السير دون أي تردد
نهض يانغ شياولي بسرعة وهو يحمل حقيبته ، وركض خلفه، قائلاً بصوت مرتجف:
" آسف، يانغ زاي
أنا حقًا أدركت خطئي ، وسأكفّر عنه بجدية ،
يمكنك أن تطلب مني أي شيء ."
لم يكن بيان شيانيانغ يتوقع أنه لم يغادر ،
بل بقي جالسًا تحت المبنى يبكي ،
وكان قد قرر مسبقًا تجاهله تمامًا ، لكن حين سمع كلامه ،
لم يستطع كتم غضبه ، فتوقف واستدار ، وقال بغضب :
" أي شيء ؟ حسنًا ، إذن أعد لي نانا ."
رد يانغ شياولي وعيناه دامعتان ، وهو يفتح سحاب حقيبته :
" إذا أردت رؤيتها ، سأحتاج بعض الوقت ."
: " كفى!" قالها بيان شيانيانغ وهو يكاد يشتعل غضبًا :
" لا أريد رؤيتها ، ولا أريد رؤيتك ،
خذ معك ذلك الفستان اللعين والباروكة وابتعد عني قدر ما تستطيع !"
كان الغضب يملأ صدره، غضب من كونه خُدع وسُخر منه،
حتى نبرته باتت حادة ومليئة بالعنف المكبوت
ولما رأى وجه يانغ شياولي المتورم من البكاء ، اشتعل الغضب بداخله أكثر
" لا تبكِي !"
ارتجف يانغ شياولي من الخوف ، ورد بصوت مرتجف :
" أنا… لم أعد أبكي "
: " لن أسامحك ... اعتذر كما تشاء ، اركع كما تريد ،
فأنت معتاد على التمثيل ، وحتى كلماتك لم أعد أصدق
منها حرفًا واحدًا . ارحل ، وخذ معك نانا ."
يانغ شياولي:
" سأرحل… سأكفّر عن ذنبي ثم أرحل "
رد بيان شيان يانغ بازدراء :
" لا فائدة ، فمهما فعلت لاحقًا ، لن يغيّر ذلك حقيقة أنك كاذب ."
: " أعلم… لكن لا بد أن أفعل شيئ ،
لا يمكنني أن أرحل هكذا فقط ..." مسح شياولي عينيه المنتفختين بقوة :
" أعلم أنك غاضب جدًّا . انتقم مني كما تشاء ،
أخبر الجميع في جامعتي أنني كاذب منحرف أحب ارتداء الفساتين ، لا بأس بذلك ."
عند هذه الكلمات ، لم يعد بيان شيانيانغ قادرًا على التحمل، فقال:
" أنا لم أقل إنك منحرف ، ولم أقل إنك مخطئ لأنك تحب
ارتداء الفساتين . أنا فقط وصفتك بالكاذب
فهل تشعر بالظلم ؟ إن لم تكن كاذبًا ، فماذا تكون ؟"
انخفض رأس يانغ شياولي وقال بهدوء :
" أنا كاذب… لم أنكر ذلك ، ولا أشعر بالظلم "
حدّق به بيانشيان يانغ وكأنه لا يفهمه :
" إذن لماذا تبكي ؟"
: " لأني خائف… خائف أن ترى فيّ كاذبًا فقط من الآن فصاعدًا ،
خائف أن تشعر بالقرف والغضب كلما تذكرتني ،
خائف أن تكرهني وتحتقرني…"
: " أليس من حقّي هذا !!!؟"
: " بلى… ولهذا أنا خائف ."
: " أنت تجرأت على التنكّر كامرأة وخداع مشاعر الناس ،
فهل بقي شيء تخاف منه ؟"
: "... لم أخدعك من ناحية المشاعر تمامًا…
لو لم يكن لديّ مشاعر اتجاهك ، لما ذهبت لحفلتك .
لقد أعجبت بك ، ولهذا
شعرت بالخوف… ولأنني معجب بك جداً ،
جئت أعترف لك بالحقيقة "
يتبع
الكاتبة قررت تخلص دموعنا في قصته مايستحق صدق 💔😭
ردحذف