Ch54 | DJPWNK
عاد شين فانغ يو من محاضرته في جامعة A الطبية ،
وبدلًا من التوجه إلى المكتب ،
ذهب أولًا إلى غرفة العمليات
نظر إلى ساعته : “ ألم يخرج جيانغ شو بعد ؟
لقد مرّت ساعات .”
قال الطبيب الذي كان يتحدث وهو يهز رأسه: “ الوضع
معقد كما كان متوقع ،
ليست عملية سهلة ...
الطبيب جيانغ على الأرجح كان يعلم ذلك ، لذا لم يجدول سوى هذه العملية اليوم …..”
ألقى نظرة عبر النافذة : “ لا أعلم كم ستستغرق .”
شين فانغ يو: “ هل تناول شيئًا ؟”
أجابه الطبيب: “ لا، لقد قام بنفسه بكل العمل على النقائل.
إذا تشتت تركيزك قليلًا ، فلن تتمكن من استئصال الورم بالكامل ،
ولا يمكن استبدال الجراح ، لذا لا يمكن التوقف إطلاقًا .”
عبس شين فانغ يو بحاجبيه قليلًا عند سماعه هذا
ذهب إلى غرفة تبديل الملابس ليغير ثيابه ،
ثم أخذ عبوة حليب من صالة الاستراحة ،
وعقّم سطحها بسرعة ، وأدخل القشة فيها
وحين دخل غرفة العمليات ، كان جيانغ شو يجري عملية
استئصال ورم كوشينبور
—— إزالة الورم الأساسي قد انتهت —— ،
لكن آن وي لم يكن في عجلة من أمره للمغادرة ،،،
أومأ برأسه نحو شين فانغ يو عند رؤيته ،
لكن جيانغ شو لم يلحظ وصوله
التف شين فانغ يو من خلف جيانغ ،
وأشار بعينيه للممرض بجانبه ،
ثم انحنى قليلًا ورفع كمامة جيانغ شو برفق ،
وأدخل القشة في فمه
العمليات الجراحية الطويلة عادةً تستهلك الكثير من الطاقة ،
وغالبًا يقوم المساعدون أو الممرضات بهذه الطريقة
لتغذية الجراح الرئيسي ،
استمر جيانغ شو في تحريك يديه ،
وفتح فمه دون وعي ليمسك بالقشة
راقب شين فانغ يو تفاحة آدم تتحرك وهو يبتلع الحليب ،
حتى أوشكت العبوة على النفاذ ،
عندها سحبها وأعاد تثبيت كمامته بيده من الخلف
أراد الممرض بجانبه أن يقول شيئ ،
لكن شين فانغ يو أشار له بالصمت ،
ثم استدار وغادر حاملًا عبوة الحليب الفارغة ،
تاركًا الممرض يحدّق في ظهره مذهول ،
كان يرتدي قبعة جراحية ، وكمامته مرفوعة عاليًا ،
لذا لم يدقق الممرض النظر في وجهه قبل قليل ،
وظنّ أنه مجرد الممرض الذي يأتي عادةً لتزويد الطبيب
بالغذاء أثناء العمل ،
لكن ما إن أشار إليه شين فانغ يو —- حتى تعرّف عليه
{ لقد كان الطبيب شين فانغ يو بنفسه !!
اللعنة…
أليس الطبيب شين والطبيب جيانغ عدوَّين لدودين ؟ }
نظر نحو جيانغ شو بصدمة ،
ليكتشف أن الأخير كان مركزًا بالكامل على المشرط ،
ولم ينتبه لمن جاء
: “ امسح العرق " تحدث جيانغ شو فجأة ——
: “ آآآه، حاضر.” أسرع الممرض يمسح العرق عن جانب
جبهته، متجاهلًا الدهشة التي شعر بها منذ لحظات
بعد أن أنهى مسح العرق ، وجد لنفسه تبريرًا منطقيًا لما رآه—
{ ربما كانت الممرضة المناوبة مشغولة فطلبت من
الطبيب شين المساعدة ؟
والطبيب شين شخص متعاون ، لا يمانع المساعدة حتى لو كانت بسيطة }
ثم تذكّر أنه لم يلقِ نظرة حتى على جيانغ شو وقتها ،
ومن المحتمل أنه لم يكن يعلم أن الجراح الذي يعمل هو جيانغ شو
اقتنع بهذا التفسير ، نظر الممرض الشاب إلى جيانغ شو وأومأ بثقة
……
بعد ساعتين تقريبًا ،
خرج جيانغ شو من غرفة العمليات وعلى وجهه ملامح الإرهاق ،
لكن ما إن رأى شين فانغ يو حتى انزاح التعب عن عينيه
شين فانغ : “ كيف كانت النتيجة ؟”
جيانغ شو : “ كانت جيدة ،، أعتقد… أن لديها أملًا ”
وضع شين فانغ يو يديه على كتفيه ،
وبدأ يضغط بقوة لتدليكه،
ولم ينسَى أن يذكّره: “ الأفضل أن تقول هذا لي أنا فقط ، لا للمريضة .”
شعور الراحة في عضلاته المتعبة خفّف كثيرًا من توتر
أعصاب جيانغ شو،
وبكلمات شين فانغ التفت إليه بنظرة قصيرة ثم التفت :
“ نعم، أعلم "
أومأ شين فانغ يو —- وحرك يده نحو منتصف ظهره
ليستمر بالتدليك حتى عنقِه ،
لكن جيانغ شو رفع يده ليمنعه
وألقى عليه نظرة ذات معنى: “ لا تلمس عنقي مجدداً .”
: “ هل تخشى ألا أتحكم في الضغط على الجيب السباتي؟”
قال شين فانغ يو، ثم تذكر شيئًا وابتسم بخفة مازحًا :
“ أم أنك لا تزال حساسًا للدغدغة؟”
وحين لم يرد جيانغ —- مال شين فانغ إلى الأمام ونفخ هواءً
على مؤخرة عنقه ،
فانتفض جيانغ شو واقفًا ، وحدّق فيه بغضب واضح
رفع شين فانغ يو يديه بسرعة فوق رأسه واعتذر فورًا : “ كنت مخطئًا .”
ثم، وتحت نظرة جيانغ شو غير اللطيفة ، قال بطاعة :
“… لن أجرؤ في المرة القادمة ! ”
—————————
تعافت رين مياو بعد العملية بسرعة ،
وبدأ إدراج برنامج العلاج الإشعاعي ضمن الخطة
وقبل أن يأخذ جيانغ شو استراحة ، ذهب لزيارتها في الجناح ،
لكنه لم يتوقع أن يصطدم بشين فانغ يو عند باب الغرفة
الغرفة مكوّنة من ثلاث أسرّة ،
مع ستائر قماشية تفصل بين كل سريرين
السرير الأقرب للباب كان فارغ ،
لكن الستارة الفاصلة بينه وبين السرير الأوسط كانت مسدلة
كانت رين مياو نائمة على السرير في أعمق الغرفة ،
وكان جيانغ شو على وشك أن يسألها عن حالها ،
حين جاءه دفع مفاجئ من الخلف
أحاطه شين فانغ يو بذراعيه،
ورفع يده ليمنع الكلمات التي كان على وشك قولها،
مشيرًا له بإيماءة صامتة أن يصمت
تجمّد جيانغ شو حين سقط ظهره في هذا الحضن الدافئ،
وهمَّ بالدفاع عن نفسه،
لكن شين فانغ يو هدّده بصوت خافت :
“ إذا تحركت… سَألمس عنقك، مفهوم ؟”
جيانغ شو: “……”
لم يفهم ما الذي يفعله شين فانغ يو اليوم ،
لكن بعد لحظة سمع صوتًا صادرًا من خلف الستارة القماشية
كانت نسمة هواء من النافذة تحرّك الستارة البيضاء ،
وظلال شخصين تنعكس عليها
لم يستطع جيانغ شو رؤية من هما ،
لكن بدا واضحًا من الصوت أنهما فتاتان تتحدثان
قالت الفتاة الأكثر حيوية :
“ للتو اكتشفت إن اسمك رين مياو ، يا للصدفة !
أنا اسمي رين هان ، ألا ترين أن أسماءنا مثل أسماء الأخوات ؟”
ردّ الصوت الأهدأ والألطف :
“ صدفة فعلًا… ويبدو أننا في نفس العمر تقريبًا .”
: “ صحيح، ما بك أنتِ؟” سألت رين هان، لكنها لم تنتظر
الجواب وبدأت هي بالحديث عن حالها:
“ أنا لم أتوقع أن أمرض ، لكن بالصدفة اكتشفت أن عندي
ورم ليفي أو شيء من هذا القبيل
الطبيب قال إن سبب النزيف الشديد وقت الدورة الشهرية
هو هذا الورم ،
وحتى اكتشفوا إني مصابة بفقر دم!
أخافتني النتيجة جدًا ،
أول مرة أمرّ بمشكلة خطيرة هكذا…
وبعد فترة لدي عملية ...” بدا صوتها متوترًا حقًا،
وكأنها تبحث عن بعض المواساة من خلال الدردشة :
“ أنتِ أجريتِ العملية بالفعل ؟”
نظرت رن مياو إليها ، وعينيها اللطيفتين فيهما لمعة امتزجت بالغيْرة الخفيفة :
“ أجل… لكن يبدو أن حالتي… خطيرة جدًا ،
ووالدَي لا يخبراني ما هو مرضي ،
ويقولان دائمًا… إنه ليس أمرًا خطيرًا .”
: “ هاه؟”
تنهدت رين مياو بخفوت :
“ منذ أن كنت صغيرة ، كانا يتحكمان بي كثيرًا ،
لا يسمحان لي بالجلوس على الكمبيوتر أكثر من ساعة ،
ويصادران رواياتي ،
ويجبراني على التدرب على البيانو .
لكن بعد أن مرضت ، صارا يسألانني إن كان هناك أي شيء
أريد فعله ، وقالا إنهما لن يقيّداني بعد الآن ….”
ارتسم على وجه رين مياو ابتسامة حزينة خفيفة :
“ أعتقد… أنه ربما لأن وقتي لم يعد طويلًا .”
ردّت رين هان بسرعة :
“ كيف تقولين هذا ؟
أنتِ تبدين بخير وصحتك جيدة الآن .
ربما أنتِ تفكرين كثيرًا فقط ،
ووالداكِ في الغالب قلقان عليكِ لا أكثر ….” ثم أضافت بنبرة متأثرة:
“ أنا أغار منك ، عائلتك كلهم يزورونك إذا مرضتِ ،
ووالداكِ دائمًا بجانبك ،
على عكسي أنا… أنا على وشك إجراء عملية ،
ووالداي حتى ليس لديهم وقت لزيارتي ،
قالوا أنهم لن يزوروني إلا يوم العملية .”
كانت قد رغبت في الحديث مع رين مياو من قبل،
لكن والدي الأخيرة كانا دائمًا بجانبها، فلم تجد فرصة،
إلا حين جاء أقارب رين مياو لزيارتها، وخرج والداها
لتوديعهم، عندها فقط استطاعت التحدث إليها
سألت رين مياو وهي تنظر إلى شعر رين هان الأخضر ووشومها بشيء من الغيرة :
“ ألا يهتم بكِ والداكِ ؟”
هزّت رين هان رأسها وفي ملامحها بعض الغُصّة :
“ هم مشغولون جدًا ،
دائمًا منشغلون بالاستثمار وكسب المال …”
وبدأت تحكي لها …
كانت دائمًا وحيدة ؛ المربية تهتم بها من الناحية المعيشية فقط ،
لكنها لا تمنحها أي دفء أو اهتمام
ومهما فعلت— سواء صبغت شعرها بألوان غريبة
أو قامت بتصرفات أكثر تمردًا —كان والداها يظلان غير مبالين
تعمّدت أن تتغيب عن المدرسة ، ولا تدرس ،
وتترك درجاتها تنخفض ،
حتى يتصل المعلم بوالديها ،
لكن أمها اكتفت بالاتصال بها قائلة إنه إن لم يعجبها
التعليم في الصين فسوف يرسلونها للخارج ،
ثم انشغل والداها أكثر لجمع مصاريف دراستها في الخارج
لم تعد تعرف ماذا تقول…
هي كانت تعرف أن والديها يحبّانها،
لكنها كانت تريد فقط قليلًا من الاهتمام
وفي إحدى الليالي ، وأثناء تصفحها للإنترنت ،
صادفت منشورًا لجمعية حقوق المرأة
شعرت أنها بحاجة للمساعدة ، لكن وضعها لا ينطبق على
الشروط المذكورة : ليست فقيرة ، ولا مصابة بمرض خطير .
كانت فقط تريد شخص يرافقها
وبأمل ضئيل ، اختارت من بين أعضاء الجمعية شخص بدا
طيبًا ويدعى ' يان هوا '
واخترعت مرضًا خطيرًا يبدو جادًّا ،
وأرسلت لهم بريد إلكتروني
لم تتوقع أن يان هوا ستتواصل معها بسرعة
وبصحبة يان هوا ، شعرت أخيرًا ببعض الاهتمام ،
لكن يان هوا أيضًا مشغولة بعملها وبمساعدة أشخاص
آخرين يحتاجون العون أكثر منها
فقالت رين مياو فجأة :
“ إذًا دعيني أنا أعتني بكِ موافقة ؟”
رين هان: “ هاه؟”
: “ صحيح أنني قد لا أستطيع الاعتناء بكِ لوقت طويل…”
نظرت إليها رين مياو بجدية : “ لكن أعدكِ أنني سأهتم بكِ
كل يوم ما دمت على قيد الحياة .”
شعرت رين هان بدفء في قلبها ،
وتحركت بخفة في مكانها :
“ قلت لكِ إنكِ لن تموتي !”
عضّت رين مياو شفتيها :
“ في الحقيقة ، أنا قرأت خلسةً محادثة بين أمي وخالتي يومًا…
لم أقرأ سوى بضع جمل ، ولم أرَى اسم مرضي ،
لكنهما ذكرتا العلاج الكيميائي ،
وأنا شاهدت في المسلسلات…
أن السرطان وحده هو الذي يحتاج للعلاج الكيميائي .”
ردّت رين هان بلا وعي:
“ حقًا ؟”
لكنها ما إن أنهت كلامها حتى أدركت أن مثل هذا الكلام لا يحتمل الشك ،
فارتسمت على وجهها ملامح إحراج وقالت:
“ آسفة…”
ابتسمت رين مياو :
“ لا بأس ، أنا سعيدة أنني تعرفت عليكِ وأتحدث معكِ ….”
ثم نظرت من النافذة إلى الغيوم البيضاء ،
وبدا عليها شيء من العجز :
“ الجميع يكون حذرًا جدًا عندما يتحدث معي .”
رين هان:
“ لا بأس يا رين مياو ، سمعت أن السرطان لا يؤدي
بالضرورة إلى الموت .”
رين مياو :
“ لكن نسبة الوفاة فيه عالية .”
ردّت رين هان بحماس:
“ وما الخوف من نسبة وفاة عالية !
طالما النسبة ليست 100%، قد تكونين أنتِ المحظوظة !” ثم أكملت
بصوت عالٍ مطمئن : “ كوني واثقة ، أنتِ رائعة ،
والإله لن يدعكِ تموتين !”
وأثناء قولها ذلك ، مدّت يدها إلى شعرها
اتسعت عينا رين مياو وهي ترى رين هان تنتزع خصلة من
شعرها الأخضر بسهولة
قالت رين هان بابتسامة:
“ إنه شعر مستعار ، لدي الكثير من الباروكات مثل هذا ...”
ثم أمسكت خصلة من شعر رين مياو الأسود الطويل الذي
ينسدل على كتفيها وتابعت :
“ سمعت أن العلاج الكيميائي يجعل الشعر يتساقط ،
وعندما يحين ذلك الوقت سأعطيكِ واحدة من باروكاتي.
عندي جميع الألوان ، وأجمل من هذا اللون حتى ...”
وأضافت بحماس:
“ هكذا لن تحتاجي حتى إلى ارتداء قبعة عندما يتساقط شعرك ، وهذا مريح جدًا .
عندي أيضًا الكثير من أزياء الكوسبلاي التي تناسبها ...”
رأت ملامح الارتباك على وجه رين مياو ، سألت :
“ هل تعرفين ما هو الكوسبلاي؟”
هزّت رين مياو رأسها
أخرجت رين هان هاتفها وفتحت ألبوم الصور لتريها :
“ هذا هو …
هذه كلها شخصيات أنمي ، يمكننا التنكر بها،
وهذا ما يُسمى بالكوسبلاي.
أنتِ جميلة جدًا، تشبهين شخصيات الأنمي، لذا ستبدين رائعة.
سألتقط لكِ الصور أيضًا، هل عندكِ أي قصص مصورة مفضلة؟”
أجابت رين مياو:
“ أمي… لا تسمح لي بقراءتها .”
فقالت رين هان :
“ ربما ستسمح لكِ الآن . أنتِ ستكونين أفضل صديقة لي،
ومن الآن فصاعدًا يمكنكِ فعل ما تريدين، وأنا سأكون معكِ دائمًا .”
رين مياو بدهشة :
“ حقًا ؟”
رين هان : “ نعم! إن لم تصدقيني فلنعقد وعدًا .”
الستارة البيضاء تتمايل برفق ،
وضوء الشمس المائل ينعكس عليها ليظهر ظلال الفتاتين
المتداخلتين وهما تعقدان وعد الخنصر ،
تتخلله ضحكات قصيرة وجميلة
ابتعد جيانغ شو عن حضن شين فانغ يو وهو يعبس بحاجبيه ،
ثم استدار ليخرج من الغرفة
تبعه شين فانغ يو :
“ لن تلقي نظرة ؟”
جيانغ شو:
“ لننتظر حتى ينتهيا من الحديث ...”
لم يرغب في مقاطعتهما ، ثم سأل: “ رين هان لم تُجرِ عمليتها بعد ؟”
شين فانغ يو :
“ لا، سأجريها غدًا . كنت ذاهبًا الآن لأطمئن عليها .
بدّلت مناوبتي في العيادة المقررة بعد غد،
لذا سأعود معك إلى مدينة B بعد العملية غدًا ليلًا .”
ناول جيانغ تذكرة قطار فائق السرعة وسأل :
“ سنعود في الليلة التالية ، أليس كذلك ؟”
أومأ جيانغ شو
فالإجازة محدودة ، ولديه عمليات متتالية ،
ولا يستطيع أخذ راحة طويلة ؛ يوم واحد كان كافي
———————
على متن القطار السريع ،
الأشجار تمر مسرعة خلف النافذة
اتكأ جيانغ شو على مقعده يقرأ شيئ ،
لكن شين فانغ يو ألقى عليه نظرة وأغلق شاشة جيانغ دون تردد
“ نم.”
اعترض جيانغ شو:
“ الوقت ما زال مبكرًا .”
قال شين فانغ يو بمعنى أعمق :
“ نم الآن ، فقد لا تستطيع النوم ليلًا .”
توقف جيانغ شو قليلًا ،
لكنه في النهاية وضع جهازه جانبًا وأغمض عينيه ….
…
ربما كان الأمر بسبب شعوره ببعض التوتر ،
أو لأن هناك ما يشغل باله ،
لكن جيانغ شو وجد صعوبة في النوم
وبعد وقت طويل بدأ يشعر بالنعاس قليلًا ،
وما إن غرق في عالم حلم داكن وحلو حتى اخترق أذنه فجأة
صوت حاد ومزعج
صوت طفل لم يتجاوز بضعة أشهر قد بدأ في البكاء بصوت عالٍ
وكأنه يريد أن يقلب القطار رأسًا على عقب
التفت الجميع من حوله باستغراب،
بينما بدت الأم التي تحمله في حضنها محرجة،
وابتسمت ابتسامة مريرة مليئة بالاعتذار
لكن الصغير لم يشعر بأي ذنب،
واستمر في البكاء بأعلى صوته،
ولا أحد يعرف ما الذي أغضبه
ورغم أن جيانغ شو معتاد على سماع مثل هذه الأصوات في قسمه الطبي،
فإن أعصابه بدت شديدة الحساسية في هذه اللحظة،
حتى أن صرخات الطفل المدوية سببت له صداعًا خفيفًا
أغمض عينيه محاولًا استعادة ذلك النعاس القليل،
لكن الطفل وكأنه يعانده، رفع صوته أكثر
قالت امرأة مسنة تجلس خلف الأم بنبرة متذمرة :
“ أنت تدلّلين الطفل… ربما لا تشعرين أن صوته مزعج ،
لكننا نشعر بذلك .”
أنزلت الأم عينيها وقالت معتذرة :
“ أنا أحاول تهدئته ، لكن لا أعرف لماذا يبكي هكذا…
أنا آسفة .”
رأت المرأة المسنة اعتذارها الصادق ، فلم تجد ما تقوله ،
فاكتفت بالعبوس والتمتمة :
“ كيف تربين طفلًا هكذا ؟”
احمرّت عينا الأم من كلماتها،
وبدأت تربت على ظهر طفلها بسرعة،
لكن بكاءه كان غير منطقي،
فهي قد أطعمته للتو ، وهو ليس مصابًا بالبرد ،
ومع ذلك لم يتوقف عن الصراخ
فجأة، وقف شين فانغ يو وتوجه نحو الأم قائلًا :
“ هل يمكنني المحاولة ؟”
: “ هاه ؟” نظرت الأم إليه بدهشة
ألقى شين فانغ يو نظرة سريعة على جيانغ ثم قال للأم:
“ أنا طبيب توليد .”
كان الطفل يصرخ بأعلى صوته،
فنظرت المرأة إلى شين فانغ ثم إلى الطفل في حضنها بتردد
قالت المرأة العجوز التي بدت منزعجة :
“ دعيه يجرب ، هو في العربة ولن يذهب إلى أي مكان على أي حال .
وفوق ذلك، الشاب لا يبدو شخصًا سيئًا .”
قالت أخرى لتطمئن الأم:
“ يمكنكِ أن تدعيه يحاول ، لسنا في المحطة الآن ،
لذا لا داعي للقلق من أن يأخذ الطفل بعيدًا ،
والجميع هنا يراقب . ثم إنه لا يبدو شخص سيئ .”
قالت الأم بتردد شديد:
“ إذًا… شكرًا جزيلاً .”
أفلتت الأم الطفل بحذر بالغ ،
فانحنى شين فانغ ، ممسكًا رقبته بيد ،
ومؤخرته باليد الأخرى ، ثم أخذه إلى حضنه
كان الطفل في عمر ستة أو سبعة أشهر تقريبًا،
ممتلئ الخدين والجسد،
ممما جعل حمله سهلًا على شين فانغ يو
ترك الصغير يلف ذراعيه الممتلئتين حول عنقه،
وقد كشفت أكمامه المطوية قليلًا عن خطوط عضلاته الواضحة
بدأ يهزه برفق وبإيقاع ثابت ،
واضعًا إياه على صدره ، وهو يهمهم بصوت منخفض
بعد قليل — ، بدأ الطفل يهدأ — ،
فتوقف شين فانغ عن الهز ،
وحمله إلى نافذة في منطقة وصل العربات
كانت المشاهد بالخارج تمر مسرعة ،
ومعها صوت أبيض منخفض وثابت
بدا أن الطفل انشغل بمشاهدة المنظر ،
فظل يحدق فيه قليلًا
بقي شين فانغ يو هادئ ، يربت على ظهره بين حين وآخر
وعندما أوشك الطفل على البكاء مجددًا ،
أسند رأسه برفق إلى جانب عنقه ،
وسرعان ما بدأ يسمع صوت أنفاس منتظمة تنبعث من صدره
إيقاع نبضات القلب وأنفاس الشخص البالغ… كان أفضل ما يجعل الطفل ينام
ظل ممسكًا به قليلًا حتى تأكد تمامًا من نومه ،
ثم أعاده بلطف إلى والدته
قالت المرأة المسنّة بصوت منخفض تمدحه :
“ ليس سيئًا على طبيب توليد… لديك مهارة حقيقية .”
وأظهرت الأم نظرة امتنان واضحة
ابتسم شين فانغ يو وجلس بجانب جيانغ شو
ولما رأى أن جيانغ ما زال يعبس بحاجبيه، سأله :
“ الصوت اختفى… لكنك لا تزال غير قادر على النوم ؟”
أجاب جيانغ شو بهمهمة ، وفتح نصف عينيه لينظر إليه:
“ هل نام الطفل ؟”
قال شين فانغ يو مبتسمًا : “ بالتأكيد ،
لا يوجد طفل لا أستطيع أن أجعله ينام بمجرد أن أحمله .”
وبما أن أطباء النساء والتوليد لا تكون لديهم وظيفة جانبية
كـ “منوّمي أطفال محترفين”، سأل جيانغ شو:
“ ومَن أيضًا سبق أن أنمتَه ؟”
أجابه: “ ابن أخي الأكبر "
: “ أخ أكبر ؟”
: “ نعم ”
تفاجأ جيانغ شو قليلًا: “ ألستَ ابن وحيدًا ؟”
لقد وُلد في فترة كانت فيها سياسة تحديد النسل صارمة،
ومعظم زملاء جيانغ شو وأصدقائه كانوا أبناء وحيدين
قال شين فانغ يو مغيرًا الموضوع : “ أرأيت ؟ أنت لا تهتم بي على الإطلاق .
على كل حال، لدي خبرة ، ما رأيك أن أجعلك أنت تنام ؟”
دحرج جيانغ شو عينيه
: “ لنجرب ، ألا تجرؤ ؟”
لكن جيانغ شو، الذي سبق أن وقع في هذا الفخ من قبل،
رأى بسهولة مناورات شين فانغ يو الاستفزازية، فقال:
“ لا تحاول استفزازي .”
: “ إذًا، هل ستقع في الفخ أم لا ؟”
أغلق جيانغ شو عينيه وتجاهل إزعاج الطبيب شين
—-
بعد نصف ساعة ،
فتح جيانغ شو عينيه مجددًا ،
ليكتشف أنه أصبح أكثر يقظة من قبل ،
وألقى نظرة على المشهد الخارجي المظلم خلف النافذة
التقط شين فانغ يو ملامحه وقال: “ ماذا ؟
ما زلت لا تستطيع النوم، صحيح ؟”
ثم مد ذراعه قائلًا : “ قلت لك أن تجرب ”
خفق صدغ جيانغ شو من الصداع قليلًا
“… لا بأس” { لنجرب فقط }
و بوجه خالٍ من أي تعبير ،
أمال جيانغ رأسه ليتكئ على صدر شين فانغ
: “ أنت—”
انخفضت ذراعا شين فانغ يو فجأة بثقل رأس جيانغ شو
وتوقف عن الكلام وكأن أحدهم ضغط زر الإيقاف المؤقت
جيانغ شو: “ مجرد تجربة "
كان صدره دافئ ، وأصيب شين فانغ بذهول للحظة حتى
استعاد وعيه تدريجيًا ،
فرفع حاجز المقعد بحذر
ثم رفع يده بتوتر ،
وأحاط بها جيانغ ، يربت برفق على ظهره
قال جيانغ شو بعينين مغمضتين: “ نبض قلبك عالٍ جدًا "
ابتلع شين فانغ وقال: “ إذًا… ابتعد قليلًا ؟
ربما أذنك ملتصقة بمنطقة سماع صوت القلب .”
تحرك جيانغ شو قليلًا للأعلى ،
وأسند رأسه على جانب عنق شين فانغ ،
لتلامس أطراف شعره الناعمة فكّ شين فانغ يو بخفة
شعر الأخير وكأن نارًا اشتعلت في صدره وامتدت إلى جانب عنقه ،
والآن بدأت تتسرب إلى ما فوق العنق
قال جيانغ شو — وكأنه يضع تشخيصًا بناءً على نبضات
القلب التي سمعها قبل قليل:
“ هل لديك تسرع في ضربات القلب ؟”
و أضاف نصيحة طبية : “ اذهب وافحص تخطيط قلبك
عندما تجد وقت .”
رد شين فانغ يو باختصار : “ أمم… حسنًا ، ربما الجو حار قليلًا .”
لم يتحدث جيانغ شو بعد ذلك ،
لكن عقل شين فانغ يو كان فوضويًا تمامًا
لمسة صدره وعنقه ذكّرته فجأة بتلك الأحلام المبعثرة التي
كان يحاول نسيانها
أخذ نفسًا عميقًا وألقى نظرة إلى جيانغ شو
في هذه اللحظة ، لم يكن الرجل أمامه وهمًا ،
بل كان يتكئ على ذراعيه بملامح هادئة بلا حذر
بدا متعبًا قليلًا ، لكنه يحمل جاذبية غامضة لا يمكن تفسيرها
أنفاسه الدافئة تنساب على عنق شين فانغ يو
الذي بدأ يتحول تدريجيًا إلى اللون الأحمر
ولو أن جيانغ شو فتح عينيه حينها ،
ربما كان سيرى العرق الخفيف على صدغيه ونظراته المرتبكة
منذ ذلك الوقت الذي دخل فيه دون طرق الباب وأحرج جيانغ شو — كان يحاول كبح نفسه عن استرجاع تلك
الذكريات المربكة ،
حتى وإن لم يتعمد الابتعاد عنه …
لم يكن يريد أن يزعجه مجددًا بمثل هذه الأمور
كان يظن أنه أصبح محصّنًا ضد الجاذبية غير المبررة التي يملكها جيانغ شو
لكن يبدو أن تلك الأفكار المكبوتة قد عادت الآن بقوة أكبر
في هذه اللحظة ، وجد شين فانغ نفسه يعجب قليلًا
بـ ' ليو شياهوي '
لأنه كان قادرًا على معانقة شخص من الجنس الآخر دون أي إزعاج
{ جيانغ شو فقط يتكئ عليّ و أيضًا ذكر ،
فكيف يمكن أن تراودني كل هذه الأفكار الفوضوية ؟!!!! }
( قصة ليو شياهوي : أثناء سفره الطويل ،
لجأ إلى نُزل خارج العاصمة في ليلة قارسة البرد ،
فجاءت امرأة تبحث عن مأوى
خشي أن تتجمد حتى الموت ، فسمح لها بالجلوس بين
ذراعيه وغطاها بثيابه ،
ولم يحدث أي شيء بينهما طوال الليل )
شين فانغ لم يكن شخصًا غزليًا في حياته ،
وجيانغ شو لم يحاول أبدًا مغازلته من قبل
لم يفهم كيف لرجل مستقيم مثله منذ سنوات ——
أن تمتلئ رأسه الآن بكل هذه الأفكار تجاه جيانغ شو
{ ربما كان جيانغ شو محقًا ،
يجب عليّ حقًا الذهاب إلى المستشفى وإجراء فحص ،
لكن ليس للقلب ! بل لقسم أمراض الذكورة !!!! }
…
جيانغ شو لم يكن يعلم بالطبع الكم الهائل من التقلبات
التي تدور في عقل شين فانغ
كان شين فانغ يو يرتدي ملابس خفيفة ، وجسده دافئ قليلاً،
لكنه بالدفء المناسب ليُسند عليه رأسه للنوم
لسبب ما، شعر بأن تنفس شين فانغ ثقيل قليلاً،
لكن الصوت كان مهدئًا لدرجة أنه جعله يغفو بسرعة
وفي نصف نومه ، استنشق جيانغ شو رائحة خفيفة من
خشب الصنوبر تنبعث من جسد شين فانغ ،
تتلوها حلاوة لطيفة تشبه صباح اليوم التالي بعد جلسة
مريحة طويلة ، تمنح شعورًا بالراحة والسكينة
تساءل إن كانت هذه هي الرائحة التي يعتمد عليها شين
فانغ يو لتهدئة الطفل الصغير للنوم
شين فانغ يو يحب استخدام العطور ،
كما يحب إشعال البخور في المنزل ،
لكن لأن الروائح التي يستخدمها خفيفة جدًا ،
كان جيانغ شو يعاني من التهاب الأنف التحسسي ولم يكن يلاحظ أي رائحة
لكن اليوم شعر بها { ربما .. لأنني قريب جدًا }
احتضنت الرائحة الناعمة جسده ،
الأنفاس الشابة لشين فانغ كأنها أجراس رياح زرقاء تتفتح
على العشب بعد أول مطر ،
والزهور تترنح برقة حين تهب النسائم
أدرك جيانغ شو في هذيانه … { لاااا … هذه ليست المرة
الأولى التي أشم فيها رائحة شين فانغ …
في المرة السابقة بدت الرائحة أقوى ،
وسط جو جامح وغامض ، ممزوج برائحة نبيذ ثقيلة .. }
لم يجد الوقت ليغوص في تلك الأفكار ،
إذ سرعان ما غاص في حلم مظلم ،
تفتحت فيه أجراس الرياح الزرقاء ،
تتمايل وتتساقط مع الرياح ،
ثم تحولت أخيرًا إلى زي مدرسة أزرق لفتى …..
شعر جيانغ شو بشيء مألوف في ذلك المشهد …..
يتبع
( زي مدرسة أزرق لفتى = شين فانغ )
تعليقات: (0) إضافة تعليق