Ch103 بانغوان
سألَه شيا تشياو ذات مرة :
“ هل يوجد شيء لا تستطيع التخلّي عنه ؟”
في الماضي ، كان وين شي يظن أن ما لا يستطيع التخلّي عنه
هو روحه ،، لكن لاحقًا ، بعدما استعاد بعض الذكريات
المبعثرة ، أدرك أن ما لم يستطع تركه هو المكان الذي
تحوّلت فيه روحه إلى قفص للحماية
والآن أخيرًا فهم — : أنه كان في الحقيقة ينتظر عودة شخص ما
غلى إبريقًا من الشاي العطِر مستخدمًا الثلج المتساقط
حديثًا على قمة الجبل، وظل ينتظر عودة تشين بوداو
لكن ما تلقّاه بدلًا من ذلك لم يكن سوى الذبول المفاجئ
لـ داجاو وشياوجاو
كان ينتظر أن يقول له ذلك الشخص : ' جئتُ من أجل الشاي '
لكن ما سمعه بدلًا من ذلك كان: “ وين شي لا تلتفت للخلف”،
وسط المصفوفة العظمى للختم الممتلئة بضباب دموي لا ينتهي
في ذلك اليوم ، هو أول يوم من الشهر الثاني عشر القمري عيد ميلاده
أما بعد ذلك اليوم ، فقد صار بداية ونهاية حياة
كل شيء يمكن إرجاعه إلى هذا الشخص الواقف أمامه
وين شي { هذا اللعين كان ينبغي أن يدفع ثمن كل الشرور التي ارتكبها ؛ حتى عشرة آلاف موت لم تكن لتكفيه !!
ومع ذلك ، ها هو قد عاش بخير طوال الألف عام الماضية
لأي سبب ؟ }
: “ ما الذي منحك الحق…”
ومن خلال رؤية تشانغ دايوي الضبابية ، رأى شفتي وين شي
تتحركان قليلًا وهو يتمتم بهذه الكلمات بهدوء
لم يعرف تشانغ دايوي لماذا ، لكن بالمقارنة مع الشخص
الذي كان يغلي غضبًا قبل لحظة — ذلك الذي قبض على
حياة تشانغ دايوي بيديه ، و يحقق معه بقسوة— فإن وين
شي الحالي جعله يشعر بخوف أكبر
فهذا الهدوء المفاجئ بدأ يُشعره بالقشعريرة حتى أطراف شعره
هذا النوع من السكون كان أشبه بطبقة جليد ، طافية في الأعلى ، رقيقة ومسطحة
يمكنك أن ترى المياه من تحتها تغلي بجنون ، لكن في
الوقت نفسه ، مستحيلة اللمس
وكأن الطرف الآخر قد حسم أمره بالفعل بشأن شيء ما،
ومهما فعلت فلن تقدر أن تغيّر قراره
وهذا الإحساس أفظع من أي شيء آخر
حينها فقط بدأ تشانغ دايوي بالذعر حقًا، لكن وين شي لم يعد ينظر إليه
أنزل بعينيه ، واستخرج خيط دمية من أصابعه
وووووش—
شقّ الخيط العاصفة وسقط على جسد تشانغ دايوي
لكن على عكس الخيوط السابقة التي جلبت له عذابًا محضًا ، كان هذا الخيط باردًا وهادئاً
بدأ من الجانب الأيمن لعنقه ، وانحدر مائلًا ليطوّق أسفل إبطه الأيسر ، قرب مكان قلبه
وبحسب الأساطير ، كلما استدعى السلف وين شي خيط الدمى ،
لم يكن يهتم بكيفية ربط الخيط ،
فبمجرد أن يكون هو المتحكم بتلك الخيوط التي تبدو عادية ،
فإنها تصبح امتدادًا لروحه ،
لكن الأمر هذه المرة لم يكن كذلك
أي شخص يفهم فن الدمى سيدرك من النظرة الأولى أن
نقطتي بداية ونهاية هذا الخيط قد اختيرت بدقة متناهية
فالمكانان اللذان تجاوزهُما كانا كلاهما من فتحات الروح ،
والخيط قد وُضع بإحكام متقن ، دون أن يخطئ حتى بمقدار مليمتر واحد
“ أنت—”
لم يستطع أقدم أسلاف عائلة تشانغ أن يتحرك على الإطلاق ،
وعيناه تتبعت حركة الخيط وهو يلتف حوله ،
وعندما تكلم ، كان صوته قد بدأ بالفعل يرتجف ،
لم يسعفه أن يُخرج سوى كلمة واحدة ، ثم لامسه الخيط الثاني ببرود ،
وبعد أن التفّ حول معصمه الأيسر ، امتدّ نحو جبينه
هذا أيضًا من منافذ الروح
قال بقلق:
“ ما الذي تفعله ؟ ما الذي تنوي بالضبط—”
وصل الخيط الثالث —-
واستمر في الالتفاف حول المنافذ ——
اعتادوا الأجيال اللاحقة أن يبنون تقييمهم لقوة سيّد الدمى
على عدد الدمى الأسطورية التي يمكن لذلك السيّد أن
يسيطر عليها في الوقت نفسه ،
وكأنّ الدمى هي الغاية القصوى من فن الدمى بأسره
إلى درجة أن قِلّة قليلة فقط تذكّروا أن أكثر تقنيات الدمى
قسوة لم يكن لها أي علاقة بالدمى نفسها
با تقنية تستخدم الخيوط فقط ، و اسمها التقطيع
لم يكن التقطيع المعتاد للكائنات النجسة أو الوحوش الغريبة —
بل تقطيع الروح ———
ولأن الكائنات الحيّة تدخل دورة التناسخ كأرواحها ، فالروح
هي الأساس لكل شيء ، الأصل والمنبع
أمّا تقطيع الروح فيعني القضاء الكامل والنهائي على
كل فرصة لشخص ما أن يحيا من جديد
و يُطلق عليها أيضًا: مجزرة الروح
هذه التقنية لا تُطفئ الروح وتتركها لتتلاشى في التراب ، بل تُكبّلها في عالم البشر بأكثر أشكالها تحطماً ،
وتجبر الروح على المشاهدة من كل زاوية بينما العالم
يمضي بلا توقف من دونها ،
بينما سائر الكائنات الأخرى يتابعون حياتهم كما يجب وهي
وحدها لا تستطيع
والسبب في أن أحفاد الأجيال اللاحقة لم يتذكّروا هذه
التقنية تحديدًا ، هو أنها قاسية إلى حدّ تم تصنيفها كـ تقنية محرّمة ،
ربما يوُجد أشخاص يعرفونها ، لكن لم يجرؤ أحد على استخدامها
كان وين شي أحد هؤلاء
واليوم… هي أول مرّة له
استقرّت خيوط الدمى في أماكنها ، واحدة تلو الأخرى ،
على جسد تشانغ دايوي —— خفيفة كأنها سيوف مقصلة
ابتلع كبير عائلة تشانغ ريقه مرارًا وتكرارًا ، وفمه يتقيّح دمًا
عيناه مثبتتين على وين شي، وقد انتقل من المقاومة
ومحاولة تبرير نفسه، إلى الارتجاف من رأسه حتى قدميه كمنخلٍ يُهزّ بعنف…
وعندما سقط عليه الخيط الثامن ، لم يعد يحتمل ، وانهار تمامًا
و قال بعينين جاحظتين من محجريهما :
“ لا يمكنك— لا يمكنك أن تتصرّف هكذا ،
لا يمكنك فعل هذا النوع من الأمور !
لا يمكنك—”
مجزرة الروح تتطلّب اثني عشر خيط من خيوط الدمى
وبينما تشانغ دايوي يفقد توازنه ، كان وين شي يثبت الخيط التاسع في مكانه
صرخ :
“ لقد قرأت عنها من قبل ، أعلم ماهذه !
إنها تقنية مجزرة الروح المحرّمة ، بل من أعظم المحرّمات !”
الخيط العاشر —-
: “ أنا ما زال عليّ سخط السماوات — لم يتبدّد سخط السماوات عني تمامًا بعد!
كان من المفترض أن أدخل دورة التناسخ لأواصل سداد ديوني!
عليّ أن أسدّد ديون عدّة أجيال بعد ، لا يمكنك…
لا يمكنك أن تمزّقني إلى أشلاء هنا ،،
هذا محرّم عظيم ، انتهاك لقانون السماء ! أنت—”
شعر تشانغ دايوي أن الشخص الصامت ذو الوجه
البارد أمامه —- قد جنّ تمامًا ، ولم يعرف كيف يوقفه
العاصفة الهوجاء تحوّلت إلى دوّامة رياح عنيفة ، ولم يبقَى
في داخلها سواه هو و وين شي
لم يستطع أن يرى أحد آخر غير وين شي
يسمع ضجيج باهت آتٍ من خارج العاصفة
كثيرون بدا أنهم يحاولون الاقتراب ، لكن لم يستطع أحد الوصول
بدأ تشانغ دايوي يهذي بلا ترابط :
“ انظر إليّ ، انظر إلى سخط السماوات الذي يلازمني ...
هذا ما يحدث حين تعاند النظام الطبيعي وتغيّر المصير ،
حين ترتكب أمرًا محرّمًا إلى أقصى حد !
أنت يجب أن تعلم هذا أفضل من أي أحد آخر !
تقطيع الروح أكثر قسوة حتى من تغيير القدر ،،
ستنال عقابًا أعظم مما نلتُه أنا ، ستكون أشد بؤسًا ،،
ستواجه الارتداد — عشرة أضعاف ، مئة ضعف …. أنت—”
وبالنهاية ، ارتفع صوته إلى صرخة حادة مفزعة
و وسط صرخاته ، أخيرًا التفت وين شي إليه
بشرته شاحبة للغاية ، وعيناه المحمرّتان بدت الأن قرمزية كالدم
أما تعابيره، فبقيت بلا أي أثر للمشاعر
وبينما يلفّ الخيط الحادي عشر حول تشانغ دايوي، أجاب أخيرًا:
“ وماذا في ذلك "
{ فما أهمية إن كان هناك ارتداد ؟
وما أهمية إن كان عليّ أن أتعذّب ؟
أي عاقبة مقبولة ؛ لم أعد أهتم }
في هذه اللحظة ، كل حواسه وعقله كأنه فراغ بلا حدود
يعيش الهستيريا نفسها التي شعر بها في ذلك الحين داخل
المصفوفة العظيمة للختم
لكن هذه المرة ، لم يظهر عليه شيء سوى الجمود
ربما كان قد جنّ أكثر من أي وقت مضى
لم يعد يهمّ إن جاء الخراب الذي سينزله بالآخر كنصرٍ باهظ الثمن ، مقابل أضعاف الأذى الذي سيرتدّ عليه
{ في أسوأ الأحوال… سيكون سخط السماء
وفي أسوأ الأحوال ، عليّ أن تحمّل سخط السماء مرّة واحدة فقط
حتى تشين بوداو تحمّله من قبل ، فلماذا لا أقدر ؟ }
وبالتناغم التام مع مشاعر سيّد الدمى ، ارتفع الإعصار فجأة إلى مستويات جديدة ،
مغطّيًا كل الأصوات البعيدة ،
بما في ذلك صوت هذا السلف الأكبر لعشيرة تشانغ —
الذي بدا وكأنه ممثل في فيلم صامت وهو يصرخ بأعلى
صوته داخل دوّامة الرياح
لقد حسم أمره —-
وقبل لحظة سقوط الخيط الأخير ، وقبل اكتمال المحرّم الأعظم ، اخترقت يدٌ العاصفة ، والتفّت حول خيط الدمى،
وجذبته إلى الخلف
ثم اشتدّت الأصابع الباردة على أصابع وين شي
كانت اليد باردة جدًا ، إلى درجة أنها لم تحمل حرارة جسدٍ حي، بل أشبه بفروع شجرة ذابلة طويلة ونحيلة…
وفي اللحظة التي شعر فيها وين شي بتلك اليد تحتضن يده ،
استقرت عواطفه المشتتة أخيرًا
: “ وين شي ...”
ظهر صوت شيه وون خافت للغاية ، هادئ إلى حدّ لم يستخدمه من قبل
اقترب من خلفه ، بدا وكأنه يهمس عند أذن وين شي
مكرّرًا بلا توقف ، كأنها ترنيمة تهدئة
: “ وين شي…
الانتقام لا يُطلب بهذه الطريقة ... كن مطيعًا .”
عند سماع صوته ، عضّ وين شي شفتيه الشاحبتين بشدّة
كل المشاعر التي ظلّ يكبتها تحت طبقة الجليد الرقيق
اندفعت فجأة إلى السطح ، ولم يعد يستطيع قمعها
كان الأمر أشبه بلحظات طفولته ، حين كان يعود إلى الجبل مثقلًا بالجروح بعد معركة في القفص
لا تزال عيناه حمراء ، مثبتتان بعناد على مكان في المسافة ،
و قال بإصرار خافت : “ فليكن محرّمًا ،، لا يهمّني ”
: “ لكنني أنا هنا… ويهمّني "
رغم أن شيه وون الذي اخترق جدار الرياح أخيرًا ، كان واقفًا
خلف وين شي بوضوح ، إلا أنه بدا وكأنه يعرف تمامًا التعبير
المرسوم على وجهه، وردّة فعله
رفع يده الأخرى ، وغطّى بها عيني وين شي المحترقة
ظلّت عينا وين شي مفتوحتين في الظلام
وبعد لحظة طويلة ، أغمضهما ببطء
شعر شيه وون برطوبة ساخنة تتسرب على كفّه ،
ورأى حنجرة وين شي تتحرّك وهو يبتلع ،
و بصوت مبحوح قال :
“… القدر ليس عادلًا "
في هذه اللحظة ، اعتصر الألم قلب شيه وون من أجل وين شي
كان يعلم أن وين شي يعرف جيّدًا القوانين السماوية التي تحكم العالم ،
ويفهم أن البركات والمصائب المتشابكة لا يمكن مقارنتها بهذه البساطة ،
فكل ما كُتب للمرء سيعود إليه عاجلًا أم آجلًا ،
لم يكن يقصد حقيقةً ما قاله — كان مجرد طريقة للتنفيس بعد طول كبت ، لا أكثر
لكن هذا بالضبط ما جعل قلب شيه وون يعتصر ألمًا من
أجل وين شي— لأنه يعرف أنّها مجرد طريقة للتنفيس
وبعد فترة صمت أخرى طويلة ، بدأ الجدار العاصف
المجنون الذي بالكاد تمكّن شيه وون من اختراقه بالانحسار ببطء
وبدأت الأصوات المحيطة تتسرّب من جديد ، صاخبة ومشوّشة
ظنّ تشانغ دايوي أنه قد نال فرصة للنجاة ، فاغتنمها محاولًا
التملّص من خيوط الدمى الملتفّة حول جسده وهو يؤكّد:
“ لا أحد يستطيع تمزيق الروح ، لا أحد على الإطلاق ،
حتى القوانين السماوية لم تُلغِي طريقي إلى دورة التناسخ ،
فكيف بإنسانٍ عادي… لا أحد يستطيع ، لا أحد—”
وبينما يهزّ رأسه بتخبّط ويكرر كلماته بجنون ، تكلّم شيه وون فجأة:
“ يوجد اعتقاد يقول : إن الطلب من ثمانية عشر راهبًا تلاوة
التراتيل ليلًا ونهارًا على شخص عند وفاته ، وبصدقٍ في النية
وإخلاص في الدعاء ، فستُطبع على الروح الراحلة بعض تلك البركات ….” ( Ch94 )
قد تؤثر التراتيل سطحيًّا ، فتجلب لصاحبها مكافأة كارمية أو اثنتين ،
وقد يكون تأثيرها عميق ، فيضمن لصاحبها حياة مديدة مليئة بالسلام ،
لكن الأمر لا يقتصر على ذلك
تابع شيه وون ببرود ، وهو يحدّق في تشانغ دايوي بعينين خالية من أي تعبير : “ فالتأثير لا يلزم أن يكون طيبًا ، والمرتّلون لا يلزم أن يكونوا رهبانًا ….”
لطالما كان من النوع الذي يترك حديثه مع الآخرين للقدر
هناك أشخاص لم يكن حتى يكلّف نفسه بتوبيخهم ، ولم
يقل لهم يومًا كلمةً أكثر مما ينبغي
وهذا الشخص لعائلة تشانغ كان واحدًا منهم
ولهذا بدا تصرّفه غريبًا هذه اللحظة
ربما كان السبب تلك الدموع التي بلّلت كفّه ،
أو لعلّ كل من يقفون وراءه ، أو ربما تراكم كل الأحداث
السابقة التي قادته إلى هذه اللحظة
ارتبك تشانغ دايوي للحظة ، لكن سرعان ما أدرك ما كان يوحي به شيه وون
: “ ماذا تقصد —”
ألقى نظرة على محيطه
من خلف جدار الرياح الذي بدأ يضعف تدريجيًّا ، استطاع
تمييز الحشود الكثيفة المكوّنة من عائلات البانغوان المختلفة
: “ هل تنوي أن تجعل كل هؤلاء يتلون عليّ الدعاء في وقتٍ واحد ، مترجّين أن أتلقّى العقاب والقصاص في حياتي القادمة ؟”
كان صوته أشبه بمنفاخ حديد ، وضحكته خشنة منفّرة للأذن
“ لن ينفع ، الأمر بلا جدوى… لقد مرّ ألف عام ،،،
حتى لو رتلوا بلا توقف ، ليلًا ونهارًا ، هل يمكنهم أن يوازنوا
كل الكلمات الطيّبة والبركات التي منحها الناس لي طوال ألف سنة ؟”
على غير المتوقّع رد شيه وون مجدداً : “ لن تكون متوازنة ،،،
ما يقولونه الآن سيكون بلا وزن ”
فوجئ تشانغ دايوي ،، لم يستطع يومًا أن يفهم ما يدور في
ذهن الرجل الواقف أمامه ؛ وكأن بينهما هوّة لا تُجسر تمتدّ
من السماء إلى الأرض ،،
كان هذا هو الحال في الماضي، وظل كذلك في الحاضر
لكن ذلك لم يهمّه الان و كل ما أراده يومًا هو أن يعيش
إن لم تنجح هذه الحياة ، فهناك حياة أخرى
كانت مطالبه في غاية البساطة — لم يهتم لأي شيء آخر
وفضلًا عن ذلك، لم يكن بوسع هؤلاء الواقفَين أمامه أن
يفعلوا شيئًا حيال تلك المطالب، مهما أوتوا من قدرات استثنائية
كانوا عاجزين عن منعه
وهذه الحقيقة وحدها كانت كافية لأن تبعث في نفسه النشوة
و على وشك أن ينفجر ضاحكًا حينها سمع شيه وون يتابع :
“ لا تزال تحمل آثار سخط السماء لم تتلاشى بعد ،،
ومجزرة قرية ليو وحدها رفعت عدد الذين أنت مدين لهم إلى حدّ مهول ،،
ما يقوله الآخرون قد لا يكون له وزن… لكن الأمر يختلف
بالنسبة لأولئك الذين تدين لهم ...
إنك مَدين لهم بذلك .”
ظلّ تشانغ دايوي يحدّق به
تابع شيه وون بهدوء :
“ لم يسبق أن علّمتك شيئ ، لذا لست متأكد إن كنت قد سمعت بمبدأ معيّن من قبل ….”
توقّف لحظة —- لم يتابع
ارتجفت شفتا تشانغ دايوي ، وفي النهاية لم يستطع منع نفسه من السؤال:
“ أي مبدأ ؟”
: “ مهما تعدّدت مرات تناسخك ، ومهما تغيّر العالم من
حولك ، فإن أولئك الذين تدين لهم سيبقون دائمًا بالقرب منك .
لا مفرّ، ولا مهرب…
حتى تتمّ تصفية الحساب بينك وبينهم .”
تجمّد جسد تشانغ دايوي
وفي هذه اللحظة شعر فعليًّا بقشعريرة تزحف أسفل عموده الفقري ،
فنظر لا شعوريًا إلى الظلال المكتظّة خارج دوامة الرياح ،
خطر بباله كم من الأشخاص احتكّ بهم خلال حياته ؛
ربما كان بعضهم من سكّان قرية ليو قبل ألف عام ،
ممن ظُلِموا ظلمًا فادحًا وتملكهم السخط ،
لكن سرعان ما أقنع نفسه بالعكس
“ وما المشكلة إن كانوا قريبين ؟
حتى لو كنت مدينًا لبعضهم ، فلن يعرفوا ذلك .
بعد كل تلك الدورات من التناسخ ، من الذي سيتذكر بعد ؟”
وما إن أنهى جملته ، حتى اخترق جدار الرياح صوت امرأة مبحوح قليلًا :
“ أنا أتذكر ”
تلاشت الدماء من وجه تشانغ دايوي في لحظة
صرخ مذعورًا : “ من ؟!”
وبسبب الغبار المتطاير في الهواء لم يستطع أن يرى ملامح
الشخص الواقف خارج الدوامة، كما لم يتعرّف على الصوت في الحال
: “ أنا ...” عاد الصوت نفسه ليرتفع مجددًا ، وهذه المرة نطقت باسمها ببطء :
“ تشانغ بيلينغ "
تجمّد جسد تشانغ دايوي كله ، وكأن دلوًا مليئًا بالجليد صُبّ فوق رأسه
رد فورًا : “ مستحيل ،، مستحيل ! أنتم تسخرون مني،
جميعكم تسخرون مني .
كيف يمكن أن تكوني من قرية ليو ؟
كيف يمكن أن تتذكّري كل ذلك ؟!”
حتى وين شي نفسه تفاجأ من الأمر ، فأمسك اليد التي تغطي عينيه
وأدار رأسه ليلقي نظرة على شيه وون، ثم اتجهت نظرته إلى اتجاه ظلّها
تلاشت دوامة الرياح تمامًا ، كاشفةً عن هيئة الشخص —
لقد كانت فعلًا تشانغ بيلينغ
كان شعرها مبعثرًا ، وبشرتها شاحبة ، وتحت عينيها هالات
خضراء مزرقة باهتة
ورغم أنّها بدت منهكة ، إلا أنّ عينيها في غاية الصفاء والبريق
بدت كما كانت تمامًا في قفص طريق وانغتشوان
ومع ذلك كان يلوح فيها شيء مختلف قليلًا
حدّقت تشانغ بيلينغ في تشانغ دايوي، وحين تكلّمت كان
صوتها الثقيل ليس عاليًا جدًّا ، لكن كل كلمة خرجت واضحة وصارمة :
“ هل تتذكّر تشانغ وان؟ هي من ساعدتني على استعادة
ذكريات الماضي، ولهذا أنا الآن أتذكّر كل شيء .
أتذكّر كم كان المطر غزيرًا تلك الليلة في قرية ليو ،،
وأتذكّر نباح كلاب القرية بجنون بعد أن ضرب البرق ،،
وأتذكّر كيف فتحت عيناي على ضجيج الجبل وهو ينهار علينا…
لكنني لم أعد أرى شيئًا بعد ذلك…”
{ آووه …. يا لبساطتنا ؛ لم يكن لدينا حتى وقت لنشعر بالكراهية قبل أن نُرسل لطريقنا }
منذ زمن طويل لم تذق نومًا كاملًا طوال الليل
فمنذ أن استعادت تلك الأحداث من الماضي ، وهي تجد
نفسها تكافح وسط المطر المنهمر وقرية الجبل كل ليلة
تقريبًا في أحلامها
لكنها لم تندم على تذكر أي من ذلك
كانت دائمًا تؤمن أن هذا ربما كان لمسة من القدر، وهبة من السماء
وبالصدفة ، انتهى بها الأمر لتكون هي من يتذكر الماضي
{ وفي هذه الحالة ، سأكون أنا من يطالب بالخاتمة نيابةً عن
جميع أولئك القرويين }
تشانغ بيلينغ: “ لقد بحثت في الأمر من قبل ،،
ويُقال إنه حين تحمل علامات سخط السماء ، فإن
الأشخاص الذين تدين لهم يصبحون بمثابة نسخة أخرى من
القوانين السماوية ،، وكل ما يقولونه سيتحقق في النهاية ،
واحد تلو الآخر .
لذا ، وباسم الأرواح الثلاثمائة التي رحلت من قرية ليو
أطالبك بسداد الدين لكل من ظلمتهم —”
وما إن نُطقت تلك الكلمات المهيبة بصوت عالٍ ، حتى
انهمرت قوة ساحقة على رئيس عائلة تشانغ ، نُقشت كل
كلمة في روحه مثل نصل مشبع بلغة نبوئية من القوانين السماوية
: “ لترجع إليك كل الذنوب الكارمية التي ارتكبتها ….
لتحيط بك كل الآلام والمعاناة التي ألحقتها بالآخرين ليلاً ونهارًا للأبد ،،
كل واحد من أولئك الثلاثمائة حياة التي قُطعت في قرية ليو ستُعوّض بحياتك ،،
إذا لم تكن حياة واحدة كافية ، فلتكن حياة أو اثنتان أو ثلاث أو عشر
وكل يوم يظل فيه دينك غير مسدد ، هو يوم آخر لا يمكنك
فيه دخول دورة التناسخ — يوم آخر لا يمكنك فيه بلوغ التحرر !”
لم تكن أوامرها طويلة جدًا ، لكنها استنزفت كل قوتها تقريبًا
وبحلول الوقت الذي أنهت فيه تشانغ بيلينغ حديثها، كانت عيناها حمراء تمامًا
تتنفس بصعوبة ، وشفتيها مشدودة ، ومر وقت طويل حتى
تنهدت تنهيدة طويلة ،، و قالت في اتجاه تشانغ دايوي:
“حتى ألف عام على الأرجح لن تكفيك لتسديد كل ذلك…”
في تلك اللحظة ، بدا أن العالم كله قد تجمّد
ثم بدأ كل شيء ينهار من حولهم
السماء تتداعى ، والأرض غاصت ، والجبال والأنهار تتشقق
القفص الذي صنعه رئيس عائلة تشانغ تحطم كليًا إلى قطع،
رافقته صرخاته الموجوعة والمجنونة ، بينما روحه تتعرض
لنوع آخر من الذبح ، لا يؤدي إلى ردّة فعل ارتدادية
كل ما شكّل القصة من ألف عام مضت اندفع خارجًا بينما
روح تشانغ دايوي تتمزق إلى أشلاء ،
عاكسًا مشاهد لا حصر لها من الماضي مثل شظايا مرآة محطمة
مئات من نسل البانغوان شاهدوا المشاهد تمر أمامهم
كفانوس دوّار من الصور
وللمرة الأولى ، لمحوا الحقيقة من كل تلك السنين الماضية
مشهد لـ خالد يسكن الجبال ؛ بين المواقد وهي تتوهج بلهيب أحمر ؛
و الحجارة البيضاء مغطاة بالطحالب الخضراء
..
وقف هذا الجيل الجديد في دائرة واسعة ، وقد عجزوا عن النطق لفترة طويلة جدًا
لم يتضح من الذي تحرك أولًا ، لكن أحدهم استدار نحو شيه وون — جمع كفيه معًا ، وانحنى بعمق
وبعده مباشرةً ، استدار الجميع نحوه وأدوا الانحناءة العميقة ذاتها ،
رمز أقصى درجات احترام التلميذ لمعلّمه
لقد استخدموا الأشياء التي علّمهم إياها ذات يوم ؛
ورددوا الكلمات التي كتبها في النصوص القديمة ؛
وفعلوا كل ما فعله هو ذات مرة دون أن يهتموا بمرور الزمن المستمر ،
لقد كانوا مدينين له بهذه الانحناءة ،
لقد جاءت هذه الانحناءة بعد ألف عام ، لكن … لم تُنسَى
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق