القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch116 بانغوان

 Ch116 بانغوان



هكذا هي الدنيا —- : كما أنّ الحلاوة تتبع المرارة ، 

فإنّ كل ما يزدهر لا بد أن يذبل في النهاية ،

عاد جبل سونغيون وفيلا آل شين إلى حالتهما السابقة ، 

لكن الأمر كان مختلفًا بالنسبة إلى مقرّ عائلة تشانغ الرئيسي—


منذ أن انهار المقرّ بين ليلة وضحاها قبل فترة ، 

لم يغب حي عائلة تشانغ عن أخبار نينغتشو المحلية ،


في البداية ، قيل إن سبب الانهيار مجهول ، فأثار موجة من 

النقاش والتكهّنات


ثم أُرجع السبب إلى انفجار غاز ، لكن الخبر سرعان ما طُمر 

تحت فيض الأخبار اليومية ،

وكأنّ الجميع فجأة قد نسي الحادثة


لم يخطر ببال أحد إلا حين يمرّ بالمكان—فقد كان جزء بارز 

من المباني التقليدية ، مثل ندبة قبيحة لا تليق بالمشهد ،


قال دا دونغ: “ لان-جي ما الذي تنوين فعله بشأن الأنقاض ؟”


الامرأة تقف بجوار النافذة ، تسند مرفقها على حافتها ،

حدّقت صامتة في بلاط الأرضية ، 

شاردة الذهن وهي تعبث بأظافرها الطويلة ذات اللون الأخضر الداكن ،


: “ لان-جي ؟” ناداها دا دونغ مجدداً ، ولما لم تُجِب لوّح 

بيده أمام عينيها : “ لان-جي !”


: “ هاه ؟!” انتفضت تشانغ لان من شرودها : “ ماذا هناك ؟”


دا دونغ : “ كنت أسألك عن الأنقاض ،،، 

تلك الأشياء ملقاة هناك منذ أيام ، ولا يمكننا تركها على هذا الحال . 

هل نعيد بناء المكان ، أم نزيل الركام ونشيّد شيئًا جديدًا ؟”


رفعت تشانغ لان بصرها


الأنقاض خلف المبنى الذي تقيم فيه مباشرةً


من هذه النافذة ، اعتادت أن ترى حديقة صخرية ، وبركة أسماك ، وغابة خيزران صناعية ، 

و زاوية من فناء رئيس العائلة والجرس الصغير المعلّق تحت سقفه ،

أما الآن فقد اختفى كل ذلك ؛ ولم يبقَ سوى الحطام والركام


كان المنظر كئيب ، لكن المشكلة الأهم أنه مشوّه للعين—

فكل من يراه يتذكّر ما جرى لعائلة تشانغ


حتى العشائر الأخرى وأبناء الفروع الجانبية لعائلة تشانغ 

شعروا بالحرج عند ذكره

فكيف يكون الحال مع تشانغ لان نفسها ؟


هذه النافذة تطلّ مباشرة من مسكنها ، ولا يمكنها تجنّب 

النظر إليه حتى لو أرادت


نظر دا دونغ خلسة إلى تعابير وجهها { سيّدتي ليست بخير على ما يبدو }


والحقيقة أنّ لا أحد من عائلة تشانغ في حال جيّد مؤخرًا


بسبب رئيس العائلة و سلفهم تشانغ دايوي ، وصلت سمعة العائلة إلى الحضيض


في الماضي كان الغرباء يسعون بمختلف الطرق لينسبوا 

أنفسهم إلى آل تشانغ ، 

أما الآن فحتى بعض أبناء العائلة الأساسية باتوا يشعرون 

بالحرج عند التصريح بانتمائهم إليه ،


و يزيد الطين بلّة أنّ تشانغ يالين لم يتعافى بعد ، 

والدّمية التي كانت ترافق الرئيس اختفت أيضًا ، 

وبات الشعور السائد أنّ عائلة تشانغ آيلة للانهيار ،


أولئك الذين اعتادوا التجمّع حولها منادين “ لان-جي ، لان-جي ”، تفرّقوا وغابوا


وحده دا دونغ لم يتغيّر كثيرًا ؛ قلّ تبجّحه قليلًا ، لكن بقي على طبيعته


صار هو وهاوزي من أكثر الزائرين للمقرّ الرئيسي ، 

وبدأت صداقة حقيقية تنشأ بينهم وبين تشانغ لان ،


ولأنهما صديقاها ، ظلّ دا دونغ يذكّرها بضرورة إزالة 

الأنقاض حتى لا تشعر بالضيق كلما وقع بصرها عليها


والحقيقة أنّه لم يكن صعبًا على تشانغ لان أن تعيد المبنى 

المهدّم إلى حالته السابقة ؛ ربما ثلاثة إلى خمسة أيام عمل فقط


لكنها لم ترغب في ذلك ، ولم يقترح دا دونغ هذا الخيار أصلًا 


بل أخرج هاتفه وعرض عليها صورة قائلاً : “ هاوزي وأنا 

وجدنا هذه الصورة قبل أيام ، 

بركة كبيرة مثل هذه ستكون رائعة — نزرع فيها زهور زنابق ماء ، 

ونضع بعض أسماك الكوي الملوّنة ، أليست أنيقة ؟ راقية !”


لكن غايته الحقيقية كانت أن يعيد شيئًا من الحياة إلى هذا 

المكان الكئيب ، وإن لم يقل ذلك صراحة


اتكأت تشانغ لان على إطار النافذة    

وبعد أن حدّقت طويلًا في الأنقاض ، قالت فجأة: 

“ لم أكن أنوي فعل أي شيء بها "


ارتبك دا دونغ: “هاه؟”


: “ لنتركها هكذا ،،، إنها جيدة كما هي "


دا دونغ: “???”


لو لم يكن جبانًا لمدّ يده يتحسس جبينها ليتأكد إن كانت 

مصابة بالحمى { من أين أتت بهذا الهراء ؟ }

“ ذلك الركام من الحجارة والبلاط ؟ لا فائدة منه ، وهو قبيح . لماذا تتركينه ؟”


تشانغ لان : “ للمتعة البصرية طبعًا ! ”


: “ متعة بصرية؟ متعة من؟”


: “ متعتي أنا ...” أزاحت تشانغ لان ذراعها عن النافذة 

واعتدلت واقفة ، أنزلت عينيها ، وأهدابها الطويلة الكثيفة 

تظلّل عينيها ، وهي تمسح الغبار غير المرئي عن ردائها : 

“ كي أستمرّ في النظر إليه "


بالنسبة لعائلة تشانغ، تغيّر كل شيء في غمضة عين


بالنسبة لها ، كان الأمر سقوطًا من مكانة رفيعة مليئة 

بالنفوذ مباشرةً إلى القاع


لم يكن السقوط موجعًا بقدر ما كان مثقلًا بالغبار


حينما واجهت المتاعب في الماضي ، كان أخاها يالين دائمًا إلى جانبها


أمّا هذه المرّة ، فلم يكن معها أحد


بطبيعة الحال أصبحت رئيسة العائلة الجديدة ؛ 

تلي ذلك مهمّة تنظيف ما تبقّى من الفوضى ، 

ثم انتظار استيقاظ تشانغ يالين ،


لقد احتاجت إلى أن تبقى تلك الأطلال خلف نافذتها لوقت 

طويل—شاهدًا على صعود هذا المكان وسقوطه


احتاجت إليها لتذكّرها، يومًا بعد يوم، ألّا تحيد عن الطريق


احتاجت إليها لتذكّرها بسبب وجود لقب البانغوان


ولماذا استمرّ حتى يومنا هذا


ما زالت تتذكّر أوّل مرّة أخرجت فيها تعويذة ، وأوّل مرّة لفّ 

تشانغ يالين خيوط الدمى حول أصابعه


لم يفعلوا ذلك لأنهم وُلدوا في عائلة معيّنة ، بل فعلوه 

بسبب تاريخ البانغوان كما دوّنته النصوص


ذلك التاريخ بيّن أنّ كل الكائنات الحيّة تعاني ، 

وأنّ من تثقلهم الروابط الدنيوية سينحاصرون ويُقيّدون ،

وهنا كان الأصل ، حيث بدأ كل شيء ،


: “ شياو هـا…” التفتت تشانغ لان وبدأت تنادي أحد ، لكنها توقفت فجأة


: “ شياو مَن ؟” التفت دا دونغ أيضًا وألقى نظرة من حوله


لم يرَى أحد


تشانغ لان : “ شياو هاي … دمية يالين ، الخبير في العرافة . 

لكنه رحل الآن .”


: “ آووه … ” لم يعرف دا دونغ ماذا يقول : “… سيعود 

حينما يتعافى يالين-غا ،

أنت تعلمين كيف هم الدمى—دومًا مرتبطين بأسيادهم "


وبينما يتحدّث ، بدأت تشانغ لان تبحث في بعض الأدراج 

حتى وجدت عدّة عملات نحاسية


بدأت ترتّبها على الطاولة


: “ لقد ظللت أراقبه وهو يفعل ذلك لوقت طويل ،،

سأجرّب أنا أيضًا .” 


: “ ماذا تحاولين استكشافه ؟”


: “ تاريخ "


: “ تاريخ ماذا ؟” سأل دا دونغ باستغراب


وبينما تشانغ لان تصفّ العملات ، قلّبت بين صفحات كتاب 

العرافة وقالت: “ جنازة "


في اليوم الأوّل من ' بايلو ' —— رفعوا عائلة تشانغ اللافتات 

الجنائزية البيضاء ، وأُقيمت قاعة العزاء


( منتصف سبتمبر )


كُتبت ثلاثة أحرف على اللوح التذكاري [ تشانغ تشنغتشو ] 



ارتدت تشانغ لان الكتان الأبيض و جلست على ركبتيها أمام 

اللوح وأرسلت الوداع لمن كان من المفترض أن يكون جدّها بحق


لقد قضت هي وتشانغ يالين أكثر من ثلاثين سنة يناديان 

رجلاً آخر بصفة ' جدّ ' 


أمّا الرجل الذي كان ينبغي أن يجيب ندائهما ، فقد استُبدل 

منذ البداية ، ولم يسمع أيًّا من تلك النداءات


في اليوم الثالث من فترة الحداد ، وصلوا بقية العائلات : 

عائلة لوو من يونفو ، 

وعائلة يانغ من وينان ، 

وعائلة لين من تشانغلي ، 

وعائلة وو من سوتشو ،

واحد تلو الآخر ، أشعلوا البخور له—من رؤساء العائلات 

المنتمين لجيل تشانغ تشنغتشو، إلى الصغار الذين اعتادوا مخالطة آل تشانغ


أثار الأمر استغراب تشانغ لان في البداية


فعائلة تشانغ لم تعد كما كانت ، ولم تكن تتوقع حضور جميع العائلات 


لكن سرعان ما زال تعجّبها ؛ فأولئك الذين استمرّوا في ذات 

الطريق جيلًا بعد جيل لا بد أن تنشأ بينهم روابط أعمق ، 

إلى جانب الروابط الدنيوية المعتادة


حدّق العجوز لوو في الصورة أمام القاعة وهو يقدّم البخور

و قال لتشانغ لان: “ استخدام صورة من شبابه… فكرة مدروسة .”


في أيام شبابه ، كان تشانغ تشنغتشو يبدو وكأنه يبتسم بعينيه دائمًا


تابع : “ كان الأمر أشبه بأن والدك صُبّ من ذات القالب—وخاصةً في عينيه … ”، ثم التفت إلى تشانغ لان : 

“ أنت ويالين أشبه بأمّكما أكثر .

كنت أمزح مع جدّك يومًا أنه ببساطة لا يملك عيني رئيس عائلة ، 

فتلك العينان لم يكن لهما أن تفرضا الهيبة حين يكبر…


كان سيكون جد عطوف ، مهيب ولكن لطيف  ، 

ودودًا مع الأجيال الأصغر ، و يحمل طفلًا على ذراع، 

ويقود آخر بيده ؛ 

يأخذهم إلى أسواق الزهور والطيور ، أو إلى البرك للصيد ، 

ثم يتفاخر بمرح أمام أصدقائه القدامى عن أبنائه وأحفاده الموهوبين …

لكن للأسف ، حين كبرنا تغيّر هو… 

ونسيتُ النكات التي كنت أقولها له…” هزّ العجوز لوو رأسه 

وغرس عود البخور في المبخرة


انحنت تشانغ لان إلى الأمام وسجدت


وما إن اعتدلت حتى سمعت العجوز يتابع : “ آ-لان يوجد سبب آخر جئنا من أجله اليوم…”


———



في هذا المساء ، انساب ضباب الخريف فوق الجبل


بعد أن أنهى وين شي حمّامه الطبي الأخير ، بدّل أرديته وقرّر 

القيام برحلة عودة إلى فيلا آل شين


لقد قضى هو وتشين بوداو عدّة أيام في جبل سونغيون


فالجبل كان موطنًا لكثير من الأعشاب الطبية ، ويموج 

بطاقة روحية وفيرة، و… نعم، الكثير من الأعشاب الطبية 

والطاقة الروحية الوفيرة ! ——-


ثمة أسباب أخرى أيضًا، لو قيلت جهرًا لربما اختنق قائلها 

بخيوط دمية على الفور ، لذا من الأفضل عدم ذكرها


وكان بقاؤهما في الجبل أيضًا من أجل شيا تشياو ، وبو نينغ ، والبقية


وإلا لامتلأت الفيلا ببعض الأرواح الحاقدة التي تحمل أسماء لاو ماو، ودا جاو، وشياو جاو


أمّا سبب عودتهم الآن إلى منزل آل شين ، فهو أن اليوم كان 

الثالث من الشهر الثامن القمري—عيد ميلاد بو نينغ، 

وكذلك عيد ميلاد تشو شو


بطبيعة الحال أعياد الميلاد مناسبة خاصة ، لكن ما لا يعرفه 

معظم الناس أنّ شيئًا آخر يحدث في أعياد الميلاد


فالروح غالبًا تكون مضطربة في لحظات معيّنة من حياة الإنسان —- الأشهر الثلاثة الأولى في الرحم ، و عند الولادة ، 

وفي كل عيد ميلاد ، وفقًا لدورة ' اثني عشر عامًا ' —-


وعلى الرغم من أنّ هذا لا يؤثّر في أغلب البشر ، إلّا أنّ تشو شو وبو نينغ كانا مختلفين


فروحهما بطبيعتها غير مستقرة ، وقد انقسمت إلى شطرين


إضافةً إلى ذلك ، إنهاك روحهما من عدة نواحي —  بسبب محاصرتها في وعاء واحد 

—- وهذا ، بحد ذاته ، دعوة للمشاكل


شعر تشين بوداو ووين شي بالقلق ، فقرّرا العودة إلى فيلا آل شين لبضعة أيام لمراقبة الوضع عن كثب


وقبل مغادرتهما جبل سونغيون، وصلتهما رسالة من شيا 

تشياو تُخبرهما أن عائلة تشانغ قد أقاموا قاعة عزاء لتشانغ تشنغتشو الذي مات ميتة ظالمة


وكان كلّ من تشانغ بيلينغ وتشو شو قد ذهبا لتقديم التعازي


لكن حينما ألقى تشين بوداو تعويذة بلمحة من يده ،  

اكتشفا أن مقرّ عائلة تشانغ الرئيسي كان خاليًا في هذه اللحظة ، 

لم يكن المعزّون في قاعة العزاء ، بل في جبل بايتسوي، على بُعد ألف لي


تجعّد جبين وين شي : “ جبل بايتسوي؟

ماذا يفعلون هناك ؟”


لقد جعل تشين بوداو مؤخرًا يقارن موقع ذاك الممر الجبلي المجهول على خريطة الزمن الحالية —-

 فاكتشفا أن الممر 

الذي فيه التشكيل وسط البحيرة يقع في جبل بايتسوي


كان حساسًا جدًّا حيال ذلك المكان، لذا ما إن سمع 

بوجودهم هناك حتى انتابه الحذر، وارتسم على وجهه امتعاض وغضب واضح


مدّ تشن بوداو يده ليلمس خدّ وين شي بخفة : “ لا حاجة للتهويل بعد ...” ثم فتح بوابة مصفوفة : “ لنتحقق أولًا "


في الآونة الأخيرة ، صار وين شي حسّاسًا تجاه أصابع تشين بوداو


هذه اللمسة الوجيزة كانت كافية لتسكين فروه المنتفش ، 

فلم ينبس ببنت شفة وهو يُسحب إلى داخل البوابة


وما إن خرجا منها حتى وجدا نفسيهما في غابة الخيزران


أزاح وين شي الضباب الكثيف ونظر فرأى مجموعة من 

الناس حول البحيرة—المعزّين الذين كان ينبغي أن يؤدّوا 

طقوسهم في مقرّ آل تشانغ


و على الفور ، شدّ خيوطه حول أصابعه


ومع أنّ تلك الخيوط الطويلة كانت على وشك الانقضاض في 

الهواء ، و قادر على تحطيم المعدن كما لو أنه طين ، 

إلّا أنّه لاحظ أنّ أيدي الحاضرين جميعًا كانت ممدودة ،

بدا وكأنّهم يعصرون أطراف أصابعهم ليُسقطوا شيئًا على الأرض


احتاج وين شي إلى لحظة ليستوعب —- : كان ذلك دمًا…

كانوا يُقطّرون دماءهم فوق أحجار المصفوفة 


فأقوى الروابط ما صيغ بالدم


في الماضي حين لطّخ تشين بوداو الأحجار بدمه ، أصبحت 

المصفوفة العظيمة مرتبطة بحياته ارتباطًا وثيقًا ، 

وصار هو مركزها ،


أمّا الآن ، فقد عاد هؤلاء خفيةً إلى هذا المكان ليضيفوا 

دماءهم إلى الأحجار


كان ذلك أشبه بتوقيع عهد مكتوب

ومنذ هذه اللحظة ، لن تقع جميع الروابط الدنيوية 

المتشابكة على عاتق رجل واحد — بل ستُقسم على الأجيال 

التالية — كلّ نسلٍ مسجّل على الفروع المتشابكة في لوحة سجلّ الأسماء —


وفي هذه اللحظة ، أطلقت المصفوفة المخبّأة في قاع 

البحيرة أزيز ، 

اهتزت الجبال والجداول ، 

فزعت الطيور إلى السماء ، وصوت أجنحتها يخترق الرياح


بعيدًا عن أعين الجميع ، لمع بهدوء لوحة سجلّ الأسماء 

التي يحفظها كلّ نسل عن ظهر قلب


ومن نهاية كل سطر ، اندفعت الأضواء عبر كل اسم ، 

وكل فرع ، حتى تتدفّق نحو الأصل


تمامًا مثل الأنهار التي لا حصر لها التي تتدفق نحو البحر —- 


لأول مرة منذ ألف عام ، أصبح الأشخاص الموجودون على 

هذه اللوحة الجدارية متصلين حقًا


حين تدفّق الضوء عبر الأسماء الأولى في الاوحة ، 

اهتزت بركة تجديد الروح في جبل سونغيون ، 

تموّجت المياه على جدران الحجر ، 

فتطايرت قطرات قليلة في الهواء ، 

ثم عاد كل شيء إلى الهدوء من جديد ،



فجأة ، لمس وين شي مؤخرة عنقه — أصابعه ابتلت قليلًا ،

لقد مرّت نسمة خفيفة ، هزّت أوراق الخيزران وأسقطت 

قطرات ندى باردة لامست جلده بحدة


رفع بصره نحو الأوراق المتمايلة فوق رأسه ، ثم فحص الأرجاء المحيطة


كان يراوده إحساس بأنه قد سمع شيئًا للتو


بدا أن تشين بوداو شعر بذلك أيضًا ، 

فقد ثبت نظره على مكان ما في أعماق غابة الخيزران البعيدة


بدأ وين شي يسأل : “ هل سمعتَ للتو —” ، وفي اللحظة 

نفسها انبعث نداء من المتجمعين حول البحيرة


التفت وين شي إلى مصدر الصوت تمامًا في الوقت الذي انهار فيه تشو شو


و قبل أن يتمكن أحد من استيعاب ما يجري ، كان وين شي 

وتشين بوداو قد وصلا بالفعل مركز التجمع ، ممسكَين 

بالشخص الذي انهار للتو


اندفعت تشانغ بيلينغ نحوه في فزع : “ شياو شو !!”

وارتجف صوتها وهي تناديه


أرادت أن تربّت على وجهه لتوقظه ، لكنها ترددت خوفًا من 

أن تزيد الأمر سوءًا 


: “ شياو شو؟؟”


مهما نادت اسمه مرارًا ، لم يُبدِ تشو شو أي استجابة


ولكن لم يبدو وكأنه يتألم ؛ بل بدا أشبه بمن غفا فجأة


لكن بشرته شاحبة ، وجبهته دافئة بشكل مثير للقلق


سألت تشانغ بيلينغ في جزع ، تنظر إلى وين شي وتشين بوداو : “ ما الذي أصابه ؟”


مدّ تشين بوداو أصابعه على منتصف جبهة تشو شو

وبعد لحظة قال: “ لا تقلقي . إنه أمر جيد "


بالطبع من الصعب على تشانغ بيلينغ أن ترى الخير في 

فقدان شخص لوعيه فجأة ، لكن بما أن القائل هو تشين 

بوداو فقد وجدت نفسها تهدأ بلا وعي


و لم يضيعوا مزيدًا من الوقت ، ولم يتجهوا إلى فيلا شين 

كما خططوا


بل أسرعوا وأعادوا تشو شو مباشرةً إلى جبل سونغيون


وخلال الطريق ، لم تستطع تشانغ بيلينغ كبح أسئلتها المتكررة


وأخيرًا أدركت ما قصده تشين بوداو—


تشو شو وبو نينغ كانا يتشاركان روحًا واحدة مقسومة 

نصفين داخل جسد واحد


ولحسن الحظ، كان بينهما انسجام، لذا لم تكن هناك نفرة 

عنيفة أو خطر فوري بأن يبتلع نصفٌ الآخر


لكن رغم ذلك ، فإنهما كانا ينهكان بعضهما تدريجيًا


وكلما طال بقاؤهما معًا ، كان الضرر أشد


في الظروف الطبيعية ، لم يكن هناك حل سوى انتزاع الروح الغريبة


لكن تشو شو وبو نينغ كانا حالة خاصة


فقد كانا في الأصل روحًا واحدة ، مصدرهما واحد


ولو انتُزِع بو نينغ هكذا ، لكان ذلك شبيهًا بتمزيق روح حيّة إلى شطرين


وتشو شو لن يحتمل ذلك بجسده الواهن


ولذا لم يكن أمامهم سوى انتظار لحظة تصبح فيها روحهما 

معًا في حالة عدم استقرار…


ومثل هذه اللحظة هي الآن بالذات 


لم يكن هناك خطب ما؛ لقد كان الأمر ببساطة أنه قد حان الوقت


أغمض وين شي عينيه مركزًا ، فرأى شخصين بجوار جسد تشو شو


هيئة تشو شو أوضح قليلًا ، بينما بدت هيئة بو نينغ شاحبة شفافة إلى حد يكاد يجعله غير مرئي


ربما الآخرون لن يفهموا ، لكن وين شي أدرك في لحظة ما الذي جرى—


في حالات التعايش ، الروحان عادة تتعرضان للضرر ذاته


لكن طبع بو نينغ اللطيف والمهذب جعله غير قادر على أن 

يكون كوقواقٍ يطرد فراخ الطائر من عشها


لم يكن بإمكانه أيضًا أن يترك تشو شو يتحمّل أي جزء من الضرر


فاحتفظ بكل شيء داخل نصفه من الروح ، تاركًا صاحب 

الجسد الأصلي سالمًا تمامًا


سألت تشانغ بيلينغ : “ إذًا… إذًا ماذا سيحدث بعد أن يغادر 

بو نينغ-لاوزو جسد شياو شو ؟”


وين شي : “ سيُنشأ له جسد جديد "


ارتبكت تشانغ بيلينغ، وبلا وعي نظرت إلى خيط الدمية الملتف حول أصابع وين شي : “ تقصد دمية؟

لكن… ، الدمى ليست كالبشر المستقلين ،

ستظل خاضعة لسيطرة سيّد الدمى .” 


لم يخطر ببالها أن الرجلين أمامها قد يخلقان وعاءً لشخص 

آخر ثم يسيطران عليه


بدا لها أنّ ذلك لا يشبههما أبدًا


وضع تشين بوداو ذراعه على كتف وين شي وقال لتشانغ بيلينغ: “ ألستم جميعًا تدعونه لاوزو؟

أنتِ تقللين من شأن هذا اللاوزو ،، حتى أنا أشعر ببعض الخوف منه .”

و من زاوية عينه ، التفت وين شي نحوه بتعبير يصرخ ' ما الذي تهذي به بحق السماء '



لكن تشين بوداو تظاهر وكأنه لم يرى شيء ، 

و عيناه تشكلت على شكل هلالين مبتسماً ، 

وواصل كلامه: “ إنه قادر حقًا على خلق دمية مستقلة كالبشر . 

يكفي أن تنظري إلى شيا تشياو "

{ الشخص بين ذراعي الآن —  يملك روحي بالكامل ..

لقد بلغ ذروة مهارته ، واستحق بحق أن يُدعى سيّد فن الدمى }


و عند ذكر شيا تشياو — استرخت تشانغ بيلينغ أخيرًا تمامًا

{ حتى لو فشل كل شيء آخر ، فهؤلاء الأسلاف كانوا أبرع 

وأعلم مئة مرة من سائرهم ، و سيجدون حتمًا وسيلة }


تراجعت تشانغ بيلينغ بحذر كي لا تعيقهم : “ إذاً لن أؤخر 

الأمر أكثر ... لاوزو هل ستنشئ الوعاء الآن ؟”


و بشكل غير متوقع ، هز وين شي رأسه 

حدّق في تشو شو —- وكلما رمش، كانت الصورتان تومضان أمام عينيه


ركّز انتباهه على الهيئة الشاحبة جدًا ، وأجاب بصوت خافت : “ عليه أن يدخل بركة تجديد الروح أولًا "


فالضرر الذي أُنزِل بالروح حين يتحمل شخص واحد 

استنزاف شخصين كان فادحًا


وفي حالته الراهنة ، لم يكن بو نينغ قويًا بما يكفي ليحافظ على وعاء جديد


عليه أن يقضي بعض الوقت في بركة تجديد الروح ليستعيد 

عافيته ويصير مستقرًا بما يكفي ليعود إلى هذا العالم من جديد


لكن الخيال الباهت لم يبدو متذمّرًا

بل اكتفى بأن ابتسم لوين شي ، ثم ضم كفيه بانحناءة اعتذار تمامًا كما كان يفعل أيام شبابه حين كان يثير غضب أحدهم 


التفت بو نينغ جانبًا و وقف وجهًا لوجه أمام تشو شو وسط بُعد شاسع من البياض الضبابي ، 

كأنهما الشخص نفسه منعكسًا في مرآة


الفارق الوحيد كان في طول الشعر—أحدهما قصير ، 

والآخر طويل


جانب يُشبه 'شمسًا دافئة تنير السماء ' ؛ ( معنى اسم تشو شو )


وجانب يغمره ضوء قمر المنعكس على الجبال المعتمة ،


عبث تشو شو برأسه : “ أأنت حقًا راحل؟”


أومأ بو نينغ


تشو شو: “ لقد اعتدت على مشاركة الجسد معك. 

لن يكون سيئًا أن نستمر هكذا. يمكنك أن تظهر بين الحين 

والآخر—وتقول للناس: هذا هو بو نينغ-لاوزو ! تخيّل كم سيكون الأمر مهيبًا !”


ضحك بو نينغ : “ مم، لعلها التجربة الوحيدة من نوعها في هذا العالم ،، أن تلتقي بنسخة أخرى

 متجسدة منك أنت ذاتك ”


: “ بالضبط ! لا وجود لموقف آخر مثل وضعنا، فلم لا تبقى؟ 

يمكننا أن نتناوب على السيطرة ، وحين نستريح نستطيع 

حتى أن نتحدث . إنه مثالي .”


بو نينغ بلطف: “ أنت لا تزال مراهقًا الآن . أمامك سنوات 

طويلة قادمة—ولا يمكنك أن تقضي بقية عمرك متقاسمًا 

جسدك مع شخص آخر .”


عبس تشو شو، ثم خطرت له فكرة فسأل: “هل قررت أمس أنك سترحل ؟ 

شعرت بشيء غريب وأنا نائم .”


أنزل بو نينغ برأسه : “ الأحلام المتكررة علامة على روح مضطربة ،، إنه وقت مناسب للرحيل .”


: “ إذًا لمَ انتظرت حتى اليوم؟”


: “ بعد تفكير ، وجدت أنّ الأفضل أن أنتظر حتى تصحو ،

كان عليّ أن أشكرك ، وأقول لك وداعًا .”


ابتسم وهو ينظر إلى النسخة المجسدة منه بعد ألف عام


كانت نظرته تجمع بين من ينظر إلى شقيق توأم ، وبين 

صديق أصغر منه بكثير 


وبعد لحظة طويلة ، اجتاح الهواء أكمامه العريضة وهو ينحني بعمق ، 

ويداه متشابكتان أمامه و قال بصدق : “شكرًا لأنك تحملت 

وجودي معك طوال هذا الوقت .”


تشو شو : “ متى ستعود إذًا ؟”


ألقى بو نينغ نظرة إلى الفراغ الممتد خلفه ، كحقل من الثلج


لقد التقط همسًا خافتًا من حديث الشيدي رجل الثلج ومعلمه قبل قليل ، فعاد بنظره إلى تشو شو وقال: 

“ في الشتاء القادم ، على الأرجح .”


{ سأعود إلى جانب إخوتي التلاميذ ، الذين لم أرهم منذ أكثر من ألف عام ،

و في أعماق الشتاء القادم ؛ بعد أن تتجمد مياه بركة تجديد 

الروح ، وتكسو أزهار البرقوق البيضاء التلال }



يتبع


الفصل من ترجمة : Jiyan

تدقيق : Erenyibo 


بالنسبة لـ ( دورة 12 سنة ) المذكورة هنا : 

فالروح غالبًا تكون مضطربة في لحظات معيّنة من حياة الإنسان —- الأشهر الثلاثة الأولى في الرحم ، و عند الولادة ، 

وفي كل عيد ميلاد ، وفقًا لدورة ' اثني عشر عامًا ' —-


قد شرحتها في رواية ghg 

ناسية شرحي بالضبط بس بحاول ابسطّها 


في الثقافة الصينية ، كل شخص عنده برج حيواني حسب سنة ميلاده (من دورة الأبراج الـ 12: فأر، ثور، نمر… إلخ)

لما تدور الدورة كاملة وترجع لنفس برجك (يعني كل 12 سنة مرة )، 

يسمّى هذا العام بـ بِن مِينغ نيان 本命年


يقولون هذي السنة تكون سنة منحوسة ولازم احد يهديك

احد يهديك ! احد يحبك الأهل او الزوج شيء احمر 

ملابس/ اسورة أياً كان المهم احمر وتلبسه لسنه كامله عشن تبعد الحظ الي مو كويس


الاحمر لون عندهم يجلب الحظ وحماية وطاقة ايجابية 

عشان كذا يلبسونه في الزفاف اصلاً

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي