القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

ch175 tgcf

 الفصل مئة وخمسة وسبعين : كهف العشرة آلاف إله؛ وجوه العشرة آلاف إله تنكشف -١-.






بما أنه رأى أن الأمر يؤلمه كثيرًا، فكّر شي ليان قليلًا، وفي النهاية اختار أن يسلك طريق التهدئة.


قال:

"في الحقيقة، الأمر ليس بذلك السوء..."


قهقه مو تشينغ باستهزاء:

"كنت أعلم أنني محق! هل استمتعت؟ هل كان الأمر ممتعًا بالنسبة لك وأنت تراني أمثّل؟ هاه؟؟؟"


الآن وقد صاروا صرحاء مع بعضهم، بدأ مو تشينغ يفرغ ما في صدره بمرارة حقيقية. وعلى الجانب الآخر، كان نان فنغ—لا، بل فنغ شين—يشعر بالحرج منذ البداية، لكنه لم يعد قادرًا على احتمال كلمات مو تشينغ.


فقال غاضبًا:

"راقب لهجتك!"


كان وجه مو تشينغ شاحبًا وطبعه حساسًا، فحين اندفعت الدماء إلى وجهه بدا الأمر واضحًا، حتى أن ملامحه كلها اضطربت. استدار بعصبية وهتف:

"أي لهجة؟ لا تنسَ أنك أنت أيضًا أضحوكة! لستُ مثلك، واسع الصدر، تبقى تسلية للآخرين كل هذه المدة من دون شكوى!"


قال شي ليان:

"لم أكن أحاول مشاهدة سقوطكما في الحماقة."


وأضاف فنغ شين:

"كُفّ عن الظن بأن الناس أضيق أفقًا مثلك. حتى عندما تسببت فعلتك القذرة في زجّك في سجن السماء، حاول سموه مساعدتك..."


ضحك مو تشينغ بسخرية:

"هاه! شكرًا جزيلًا. لكن وصولي إلى سجن السماء كان بفضل ابنك! ماذا؟! تريد القتال؟! لستَ خائفًا من إنجاب ابن، لكنك خائف من الكلام عنه؟؟"


اشتعلت نيران الغضب في صدر فنغ شين وكاد أن ينقضّ عليه بسبب ذكر ابنه، لكن لسوء الحظ كانوا جميعًا مكورين في كرات من خيوط العنكبوت، غير قادرين على الحركة، فلم يملكوا سوى التراشق بالكلام والشتم، ضاربين بالأدب والهيبة عرض الحائط.


رأى شي ليان وجه فنغ شين وقد احمرّ من الغضب، وخشي أنه إذا استثار أكثر سيبدأ بعادته في سبّ الشوارع كما يفعل مسؤول عسكري . فبدأ يتلوى قليلًا، ثم تدحرج مرات حتى وصل إلى جانب مو تشينغ.


"مو تشينغ، مو تشينغ؟ هل يمكنك أن تدير نفسك قليلًا؟"


توقف مو تشينغ عن الصراخ، وأخذ نفسًا وقال:

"ماذا تريد؟"


أجاب شي ليان:

"فنغ شين بعيد جدًا، لا أستطيع التدحرج إليه. لكن بما أن هذه الخيوط يمكن تمزيقها بالأسنان، أردت أن أحاول تحرير يديك."


حدّق مو تشينغ فيه للحظة، وفجأة تجمّد وجهه، باردًا كسمكة ميتة تحدق في السماء:

"لا حاجة."


قال شي ليان عاجزًا:

"أريد حقًا أن أساعد."


رد مو تشينغ ببرود:

"سموك تملك جسدًا أثمن من الذهب، لا يمكنني أن أكلّف عظمتك بمثل هذا."


فانفجر فنغ شين ساخطًا:

"ما هذا بحق السماء! لماذا تتحدث بسخرية في وقت كهذا؟؟ إنه يساعدك ويحاول إنقاذك، فهل هو مدين لك بشيء، هاه؟؟"


رفع مو تشينغ رأسه صارخًا:

"ومن طلب مساعدته أصلًا؟ شي ليان! لماذا يجب أن تظهر دائمًا في مثل هذه اللحظات؟؟"


تفاجأ شي ليان قليلًا، وتذكر فجأة أن مو تشينغ سأله ذات السؤال منذ زمن بعيد. كيف أجابه حينها؟ لم يتذكر.


"وهل هناك خطأ في الظهور في أوقات كهذه؟"


عاد مو تشينغ واستلقى:

"على أي حال، لا أحتاج مساعدتك."


سأل شي ليان:

"لماذا؟ أحيانًا لا بد للمرء أن يستعين بغيره كي ينجو."


قاطعه فنغ شين:

"دعه وشأنه. إنه فقط متبجّح، ويظن أن قبول المساعدة سيجعله يفقد ماء وجهه."


كان مو تشينغ وفنغ شين على وشك خنق بعضهما بالكلام، بينما كانت فراشة الروح الفضية تدور ببطء حول شي ليان، تنشر نورها الفضي الخافت في هدوء. فذكّرته بشيء، فغيّر الموضوع سريعًا.


"كفاكما جدالًا. سيكون الأمر مضحكة إن رآكما الآخرون على هذه الحال. سيأتي من يخرجنا قريبًا."


قهقه مو تشينغ بسخرية:

"لا أحد في السماء ولا الأرض سيستجيب في هذا المكان الجحيمي، من الذي سيأتي لإنقاذنا؟ إلا إذا كان..."


وقطع جملته فجأة حين خطر على باله شخص.


أما فنغ شين فسأل مباشرة:

"هل جاء ' زهرة المطر القرمزي ' معك؟


ارتاب مو تشينغ:

"أتثق به إلى هذا الحد؟ متأكد أنه سيأتي؟"


قال شي ليان بثقة:

"سيأتي."


رغم أن هوا تشينغ كان يتصرف بغرابة طوال الطريق، بل وشكّ شي ليان في أوقات أنه قد لا يكون هوا تشينغ الحقيقي، إلا أن حدسه كان يقول إن ذلك مستحيل.


سأل مو تشينغ:

"حتى لو جاء، كيف سيعثر على هذا الكهف؟"


اقترح فنغ شين:

"لماذا لا نصرخ أكثر؟ كلما كثر الناس علت الأصوات."


قال شي ليان:

"لا داعي. علينا فقط أن نجلس وننتظر. لا، بل أن نستلقي وننتظر. لأن بيني وبين هوا تشينغ خيطًا أحمر..."


وقبل أن يُكمل، لاحظ وجهي فنغ شين ومو تشينغ يتشنجان، وكأن دودة دخلت في آذانهما.


"...ما الأمر معكما؟" سأل شي ليان. "لا تفهما الأمر خطأ. الخيط الأحمر الذي أعنيه ليس شيئًا سطحيًا مثل 'خيط القدر الأحمر'، إنه أداة روحية. مجرد أداة روحية."


عندها فقط توقف التشنج في ملامحهما.


قال فنغ شين:

"آه، فهمت."


أما مو تشينغ فسأل بريبة:

"وأي أداة روحية هذه؟ ما عملها؟"


أجاب شي ليان:

"إنها مفيدة جدًا. إنها خيط أحمر مربوط بأيدينا مع اتصال غير مرئي بيننا. يمكن استخدامه ليعثر أحدنا على الآخر، وطالما أحدنا يتنفس، فلن ينقطع الخيط أبدًا..."


لكن قبل أن يُكمل، لم يطيقا الاستماع أكثر وصرخا معًا:

"وكيف يختلف هذا عن 'خيط القدر الأحمر'؟! إنه نفس الشيء تمامًا!"


تحيّر شي ليان:

"لا، لا أظن ذلك... إنه مختلف!"


صاح مو تشينغ:

"فكر قليلًا بنفسك! ما الفرق؟ إنه هو هو!"


فكر شي ليان قليلًا، واكتشف أنه حقًا متشابه جدًا. كلما تأمل أكثر، بدا أنه مطابق تقريبًا. وبينما كان على وشك أن يتوقف عن التفكير في الأمر، جاء صوت من أعلى:


"غاغا ؟ هل أنت بالأسفل؟"


بمجرد أن سمع ذلك الصوت، شعر شي ليان بالارتياح ورفع رأسه على الفور.


"سان لانغ! أنا هنا بالأسفل!" ثم التفت إلى الاثنين الآخرين في الحفرة وقال: "أرأيتما؟ قلت لكما إنه سيأتي."


وعندما رأيا ابتسامة سعادته، ارتسمت على وجهي فنغ شين ومو تشينغ تعابير معقدة. لم يُطل هوا تشينغ برأسه من الحافة، لكن صوته العاجز وصلهم:


"غاغا ، قلت لك لا تندفع وحدك. والآن ماذا نفعل؟"


دهش شي ليان من نبرته، وتراجع فرحه قليلًا.

"هاه؟ هل هذه الخيوط عسيرة على التعامل؟ حتى إي-مينغ لا يستطيع قطعها؟"


ظن أنه سمع هوا تشينغ يتمتم:

"الصعب ليس هذا الحرير..." لكنه لم يكن متأكدًا.


وبعد لحظة، قال هوا تشينغ بهدوء:

"إي-مينغ ليس في حالة جيدة الآن."


استغرب شي ليان، ألم يكن إي-مينغ قويًا وحيويًا آخر مرة؟ كيف أصبح في حالة سيئة الآن؟


قال مو تشينغ بازدراء:

"لا داعي لتسأله أكثر. كيف لسيف إي-مينغ أن يكون في حالة سيئة؟ إنه يبحث عن عذر ليتقاعس عن المساعدة."


قال شي ليان:

"لا تقل ذلك."


فقد بدا له أن إي-مينغ ربما كان يُؤدَّب، وأن هوا تشينغ لم يسمح له بالظهور. وبينما كان يفكر في هذا، انقضّ ظل أسود من الأعلى، وفي اللحظة التالية هبطت شخصية بملابس حمراء بهدوء بجانب شي ليان، وانحنى ليمسك بيده.


رفع شي ليان بصره وهتف مذعورًا:

"سان لانغ، لماذا قفزت إلى الأسفل أيضًا؟ احذر من هذه الخيوط!"


وكما توقّع، اندفعت الخيوط البيضاء في قاع الحفرة لمهاجمته. لكن هوا تشينغ لم يلتفت حتى. لوّح بيده بخفة، فشكلت مئات الفراشات الفضية درعًا من الأجنحة على ظهره، وبدأت تخوض معركة شرسة مع تلك الخيوط. مزّق هوا تشينغ الحرير الذي قيّد شي ليان، ثم طوّقه بذراعه اليسرى، بينما نشر بيمناه مظلته الحمراء.


وقال:

"لنذهب!"


كان واضحًا أنه لم ينوي إنقاذ الاثنين الآخرين، فصُعقا تمامًا وهتفَا:

"هل نسيتما شيئًا؟؟"


قبل أن يتكلم شي ليان، التفت هوا تشينغ وقال:

"آه، صحيح."


وفجأة طار فانغ شين، المغلف بإحكام، وسقط في يده. قدّم هوا تشينغ السيف إلى شي ليان:

"غاغا ، سيفك."


"...."


أكان هذا هو الشيء المنسي؟؟


صرخ الاثنان معًا:

"هيييي!!!"


لكن هوا تشينغ ضم شي ليان بقوة أكبر، ولوّح بيمناه ليُفتح المظلة الحمراء:

"غاغا ، تمسك بي جيدًا!"


وبدأت المظلة بالتحليق صعودًا، حاملة الاثنين معها. احتضن شي ليان هوا تشينغ بإحكام كما طُلب منه، وما إن ارتفعا قرابة ستة أمتار حتى ارتفعت صرخات الاثنين الآخرين، فلم يعرف شي ليان إن كان عليه ان يضحك أم يبكي.


قال مبتسمًا:

"لن أنساكم!"


ثم أطلق رويي من يده اليمنى. فالتفت الضمادة البيضاء حول الكرتين الكبيرتين عدة مرات، وسحبتهما معًا للخارج.


وفي منتصف الطريق، صاح فنغ شين:

"انتظر! انتظر! نسيت شيئًا!"


سأله شي ليان من الأعلى:

"ماذا هناك؟"


هتف فنغ شين:

"سيفي! سقط في الركن!"


نظر شي ليان إلى الأسفل، وبالفعل، كان مقبض سيف ظاهرًا في زاوية تلك الخيوط البيضاء. فمدّ رويي مرة أخرى والتف حول السيف أيضًا، وسحبه معهم.


وأخيرًا، خرج الأربعة جميعًا إلى السطح.


قذف رويي الكرتين السميكتين (المكبلتين) على الأرض، ثم عاد على الفور ليلتف حول معصم شي ليان، مرتجفًا قليلًا، وكأنه مذعور من ذلك الحرير الأبيض الشبيه به، لكنه أشد عدوانية وخبثًا. هدّأه شي ليان برفق بينما كان يقطع خيوط العنكبوت عن الاثنين باستخدام فانغ شين. وما إن تمكن فنغ شين ومو تشينغ من الحركة حتى قفزا على أقدامهما، وشرعا يمزقان باقي الخيوط. سلّم شي ليان السيف الذي جلبه رويي لفنغ شين، لكنه حين خفَض بصره أصابه الذهول.


قال بدهشة:

"هذا... هونغ جينغ؟ نان فنغ، هل أصلح جنرالك السيف؟"


كان تعليقًا عابرًا، لكنه ما إن تفوّه به أدرك كم بدا سيئًا. ففنغ شين ومو تشينغ ما زالا على هيئة "نان فنغ" و"فو ياو"، وقد نسي شي ليان عن غير قصد أن هويتهما قد كُشفت بالفعل، وظل يسير مع تمثيليتهما بشكل لا واعٍ. بينما كانت نيته حسنة، إلا أن أثرها لم يكن جيدًا، فسقط الاثنان في صمت غريب.


لم يستطع فنغ شين إخفاء تعابيره، وارتسم الحرج على وجهه. فتحوّل إلى هيئته الحقيقية وأخذ السيف.


وقال:

"...نعم، تم إصلاحه. فهناك الكثير من الأشباح في جبل تونغ لو، لذا استخدامه لإصدار اللمعان يسهل الأمور بعض الشيء."


ألقى شي ليان نظرة خاطفة على الجاني الحقيقي الذي حطم هونغ جينغ بجواره، وسعل بخفة:

"آسف على العناء."


ففي النهاية، لم يكن إصلاح سيف تحطّم إلى شظايا بالأمر السهل.


تحوّل مو تشينغ هو الآخر إلى هيئته الحقيقية، وأزاح ما تبقى من خيوط العنكبوت عن جسده.

"من الجيد أنه أُصلح. فالكثير من الوحوش والشياطين بارعة في التنكر، وإذا لم يكن المرء بارعًا في استخدام عقله، فلن ينجو من خداعها إلا باستخدام هونغ جينغ."


غضب فنغ شين:

"مَن تقصد بالذي بلا عقل وتتحدث عنه بهذه السخرية المبطنة؟ تظن أني لا أفهمك؟"


ها قد بدأ شجارهما مجددًا. هزّ شي ليان رأسه، ثم استدار نحو هوا تشينغ :

"سان لانغ، اندفعت بسرعة شديدة قبل قليل، آسف لتركك خلفي."


أعاد هوا تشينغ المظلة إلى مكانها وأجاب:

"لا تقلق. ما دام غاغا لا يركض بعيدًا مرة أخرى."


ابتسم شي ليان، لكن وقبل أن يتكلم، لمح مو تشينغ يرمق هوا تشينغ بنظرة غريبة، وقد توقف بصره عليه وبدت ملامحه غامضة.


فقال شي ليان بدلًا من ذلك:

"مو تشينغ؟ ما الأمر معك؟"


انتبه مو تشينغ على الفور عند سماع السؤال، وألقى عليه نظرة سريعة:

"لا شيء. لم أرى ' زهرة المطر القرمزي 'هكذا من قبل، فاستغربت لا أكثر."


لم يقتنع شي ليان تمامًا بهذا التفسير. صحيح أن هذه المرة الأولى التي يرى فيها مو تشينغ مظهر هوا تشينغ الحقيقي، لكن ليس أنه لم يره من قبل في هيئة فتى في السادسة عشرة أو السابعة عشرة. ولم تكن الهيئتان مختلفتين كثيرًا. فلماذا تلك النظرة إذن؟


خرج الأربعة من الكهف، وبعد خطوات قليلة فقط، تفاجأ فنغ شين:

"...ما هذا المكان؟"


وتجمد مو تشينغ بدوره:

"ما الذي يجري؟"


بما أنهم كانوا عالقين أسفل حفرة العنكبوت قبل قليل، لم تتح لهم الفرصة لمعاينة الوضع في الخارج. لذا عندما خرجوا، صُدموا برؤية أنه تحت هذا الجبل الثلجي الشاهق، وُجد مكان غامض آخر، مهيب وعجيب، ممتلئ بكهوف لا حصر لها، في كل منها تماثيل إلهية متباينة.


قال شي ليان:

"هذا كهف العشرة آلاف إله."


تفحّص مو تشينغ المكان وهمس:

"من يدري كم سنة وكم جهد ودم بُذل لبناء شيء كهذا. إنه حقًا... حقًا..."


بدت الكلمات تعجز عنه. لكن شي ليان فهم شعوره. ففي النهاية، الكهوف الحجرية تُبنى للتعبّد وتكريم الآلهة. وحتى والداه قد شيّدا له كهوفًا في الماضي. فأي مسؤول سماوي لن يُذهل أمام كهف ضخم كهذا مخصص للعشرة آلاف إله؟ لو عُبدت صورة أحدهم في مكان كهذا، فستزداد قوته الإلهية أضعافًا.


قال فنغ شين في حيرة:

"أي إله يُعبد في هذا الكهف؟ ولماذا جميع الوجوه مغطاة؟"


أجاب شي ليان:

"طبيعي أن يكون الغرض منع المارين بعدنا من رؤيتها."


قال مو تشينغ:

"غريب. كان يمكنهم ببساطة تحطيم رؤوس التماثيل، فلماذا كل هذا العناء؟ وإذا أراد المرء حقًا رؤيتها، فحجاب رقيق كهذا لن يمنع شيئًا."


ثم مد يده نحو أقرب تمثال ليزيل الحجاب عن وجهه. لكن قبل أن يتمكن شي ليان من منعه، انطلقت ومضة باردة، وارتفع طرف نصل فضي ليتوقف عند أصابعه.


هذا القصد القاتل المفاجئ جعل الهواء بين الأربعة متوترًا على الفور.


هتف فنغ شين بدهشة:

"ماذا تفعل؟"


لكن حتى مع حد السيف أمامه، لم يبدُ مو تشينغ خائفًا على الإطلاق.

"يبدو أن سيفك بخير تمامًا، فلماذا قلت إنه ليس في حالة جيدة؟"


كان هوا تشينغ يقف خلفه، فقال ببرود متكاسل:

"ألم يُعلّمك أحد ألا تعبث بأشياء الناس في أراضيهم؟"


رد مو تشينغ:

"ليست أرضك، فلمَ تتقمص دور العادل؟"


قال هوا تشينغ بهدوء:

"فقط لا أريد إثارة مشاكل لا لزوم لها. فنحن في جبل تونغ لو، ومن يدري ما قد يحدث إن أزيح الحجاب."


سخر مو تشينغ:

"لا أصدق أن يأتي يوم يُخشى فيه زهرة المطر القرمزي من إثارة المتاعب."


ثم حرّك يده إلى أسفل، محاولًا لمس رداء التمثال مرة أخرى. لكن السيف إي-مينغ تبعه وأشار نحوه مجددًا.


قال مو تشينغ:

"هذه المرة أردت فقط تحسس مادة الحجر، لا إزالة الحجاب. فلماذا يمنعني زهرة المطر القرمزي مجددًا؟"


ابتسم هوا تشينغ ابتسامة مصطنعة:

"أمنعك من إثارة المشاكل."


تدخل شي ليان سريعًا ووقف بينهما:

"توقفا، توقفا. لسنا مضطرين لمعرفة أي إله يُعبد هنا. لا ينبغي أن نمكث طويلًا، فلنرحل أولًا. لا تنسوا، ما زالت لدينا مهمة ننجزها."


ثبت هوا تشينغ بصره على يد مو تشينغ:

"بما أن غاغا قال ذلك، فليبعد يده، وسأتغاضى."


توسل شي ليان:

"مو تشينغ، تراجع، حسنا؟"


رمقه مو تشينغ بحدة:

"هل جننت؟ لماذا لا يتراجع هو أولًا؟ ماذا لو تراجعت أنا ولم يفعل هو؟"


وبين مسؤول سماوي وشبح، كان طبيعيًا أن يقف فنغ شين في صف السماوي.

"في أسوأ الأحوال، سنتفق أن يتراجع كلاكما في الوقت نفسه."


لكن هوا تشينغ لم يُبد أي نية للتراجع.

"تحلم."


ولما رأى شي ليان أن الطرفين لن يتنازلا، وضع يده على ذراع مو تشينغ وقال برفق:

"مو تشينغ، اترك الأمر. فأنت الذي بدأت أولًا، لذا يجدر بك أن تتوقف أولًا، أليس كذلك؟ اعتبرها مجاملة لي. أعدك، إن تراجعت، فسان لانغ سيلتزم بوعده."


ورغم أن مو تشينغ لم يكن راضيًا، لكنه بعد لحظة من الجمود تراجع ببطء عن يده، فعادوا جميعًا إلى الطريق. وأخيرًا انفرج التوتر، وزفر شي ليان الصعداء. وبالصدفة، وصلوا إلى مفترق آخر في الطريق، فالتفت إلى هوا تشينغ :


"برأيك أي طريق نسلك هذه المرة؟"


اختار هوا تشينغ طريقًا على ما يبدو بعشوائية:

"إذن، هذا الطريق."


كان فنغ شين ومو تشينغ يسيران خلفهما، وبدآ يتشاجران من جديد. وبين جدالهما، سأل مو تشينغ:

"كيف اخترتما؟ ولماذا هذا الطريق؟"


التفت الاثنان في المقدمة وقالا:

"عشوائي."


قطّب فنغ شين حاجبيه:

"كيف تختاران بعشوائية؟ لا ينبغي أن نسير عميانًا، فقد نسقط في حفرة أخرى."


ابتسم هوا تشينغ :

"حتى لو سقطنا في حفرة، لدي طرق لإخراج سموه. أنتما حران في اتباعنا أو الذهاب وحدكما. لكن بصراحة، لا أرغب في إنقاذكما مرة أخرى."


"أنتَ—!"


لكن هكذا كان أسلوب كلام هوا تشينغ . مهما بدا صوته مؤدبًا وابتسامته لا تفارق وجهه، ظل الأمر مصطنعًا. وكلما ابتسم ابتسامة زائفة أكثر، زاد غضب الآخرين. حتى أن فنغ شين مدّ سهمًا على قوسه.


لكن شي ليان، وهو يعلم أنه لن يطلق السهم حقًا، قال:

"آسف يا فنغ شين. لكن في وضعنا الحالي، لا فرق أي طريق اخترنا."


ضحك هوا تشينغ عاليًا:

"أوه، لقد أخفتني. يبدو أن عليّ الابتعاد عنك قليلًا."


رمق شي ليان بعينيه ثم ابتعد قليلًا فعلًا. علم شي ليان أنه يريد فقط ترك الاثنين خلفه، فابتسم وهز رأسه وهمّ باللحاق به، لكن فجأة مدّ مو تشينغ يده وأوقفه. رفع شي ليان رأسه بدهشة:


"مو تشينغ؟ ما الأمر؟"


ومع ذلك، وعلى غير المتوقع، لم يُجب مو تشينغ. بل أمسك بشي ليان وركض به مباشرة نحو الطريق الآخر، صارخًا:


"الآن!"


في الأمام، لاحظ هوا تشينغ أيضًا أن هناك شيئًا خطأ، فالتفت لينظر خلفه. ولكن، كان فنغ شين قد ضرب الجدار الحجري بالفعل، فتهاوت الصخور مدويّةً وسدت الطريق. وسريعًا اندفع الاثنان للأمام وفي لمح البصر، ألصقا خمسين ورقة تعويذة تقريبًا على الصخور. وهكذا، صار هوا تشينغ في جهة، وهم الثلاثة في الجهة الأخرى، يفصل بينهم هذا الركام.


اتضح أن الاثنين لم يكونا يتشاجران خلفهم سابقًا، بل كانا يتناقشان سرًا في كيفية تنفيذ هذا الهجوم المفاجئ! تجمد شي ليان مذهولًا.


"ما الذي تفعلانه؟"


حاول أن يتخلص من قبضة مو تشينغ وأراد أن يطمئن على هوا تشينغ المحجوب خلف الصخور، لكن فنغ شين عرقله. ومعًا، أمسك كلٌّ من فنغ شين ومو تشينغ بذراع من ذراعيه وبدآ بسحبه بعيدًا وهما يركضان.


هتف فنغ شين: "لنبتعد بسرعة! تلك التعويذات لن تصمد طويلًا!"


وبّخه مو تشينغ: "وما حاجتك أن تسأل ما الذي نفعله؟ ألا ترى كم هو غريب؟"


سأل شي ليان: "كيف يكون غريبًا؟"


قال مو تشينغ بانفعال: "أظنك غدوتَ أحمق حقًا. الغرابة واضحة عليه تمامًا، لكنك الأعمى الوحيد هنا!"


زمجر فنغ شين: "توقف عن الكلام واركض!!! اللعنة، أظن أن فراشات الأرواح الحاقدة قد لحقت بنا!"


صرخ مو تشينغ: "اغلق مداخل الكهوف!"


وبينما كان يركض، ظل فنغ شين يضرب الصخور، لتنهار صخور عملاقة وتسد الكثير من مداخل الكهوف. أما الاثنان فواصلا سحب شي ليان عبر الممر الطويل الملتوي تحت الأرض، حتى شعر بالدُّوار من كثرة المنعطفات.


صرخ: "توقفا! توقفا!"


بعد أن ركضا مسافة طويلة، توقف الاثنان أخيرًا ليلتقطا أنفاسهما.


وانتهز شي ليان هذه الاستراحة وقال: "لا، أقصد، لماذا سحبتماني فجأة بعيدًا؟ هل لاحظتما شيئًا؟"


ظل فنغ شين يضع يديه على ركبتيه ليسند نفسه، يتنفس بشدة. وقال: "دعه يخبرك مجددًا."


اعتدل مو تشينغ واقفًا، واستدار نحو شي ليان وقال: "الأمر واضح جدًا، كيف لم تلاحظ؟ تلك اللؤلؤة! هل ما زلت تتذكر تلك اللؤلؤة؟"


سأل شي ليان: "أي لؤلؤة؟"


نطق مو تشينغ كل كلمة بوضوح: "تلك الأقراط من لؤلؤ المرجان الأحمر التي كانت جزءًا من زي 'المحارب الذي يُرضي الآلهة' في طقوس 'شانغيوان السماوية'. تلك اللؤلؤة التي فقدتها!"


"...."


أخذ شي ليان وقتًا طويلًا وهو يحاول التذكر، لكنه لم يستطع، فمسك شحمة أذنه بحيرة: "هل كانت أقراطي حينها من لؤلؤ المرجان الأحمر؟ وهل فقدت واحدة؟"


ارتعشت زوايا شفتي مو تشينغ وقال بغضب: "لقد اتهمتماني ظلمًا بأنني سرقت تلك اللؤلؤة، كيف يمكنك ألا تتذكر شيئًا كهذا؟"


تمتم شي ليان: "لقد مر ثمانمائة عام بعد كل شيء..." لكن فنغ شين قاطعه بعنف:


"توقف عن اختلاق الأكاذيب، لم يظلمك أحد، بل أنت من توهمت ذلك بنفسك!"


لوّح شي ليان بيده: "كفى شجارًا، كفى شجارًا. لكن لماذا تتحدثان فجأة عن تلك اللؤلؤة الآن؟"


هتف مو تشينغ: "لأن تلك اللؤلؤة قد عُثر عليها! ألم تر تلك الخرزة الحمراء المربوطة في شعر هوا تشينغ ؟"


اتسعت عينا شي ليان: "أتقول إن..."


أجاب مو تشينغ بيقين: "نعم!"


"...."


وهذا ما فسّر تلك النظرة الغريبة في عيني مو تشينغ عندما رأى هوا تشينغ في وقت سابق.


سأل شي ليان: "لكن لماذا تكون لديه تلك اللؤلؤة؟ هل أنت واثق أنك لم تخطئ في تذكرك؟"


قاطعه مو تشينغ: "لقد بحثت عن تلك اللؤلؤة عامًا كاملًا، ولم أتوقف يومًا عن البحث. أي شخص قد يخطئ في التذكر إلا أنا!"


شبك شي ليان ذراعيه داخل كمّيه، وتأمل وهو يقطّب حاجبيه: "ما زلت أعتقد أنك قد تكون مخطئًا. لا سبب لوجود تلك اللؤلؤة في يديه. أليست لآلئ المرجان الحمراء الفاخرة متشابهة إلى حد كبير؟ ثم إن سان لانغ دائمًا ما يحب جمع الكنوز النادرة. لديه حتى تحف عمرها آلاف السنين."


أومأ مو تشينغ: "حسنًا، جيد جدًا. تظن أنني مخطئ؟ حسنًا. إذن انظر إلى هذا."


كان يقف بجانب تمثال إلهي، وفيما يتحدث، جذب الغطاء الحريري الذي يغطي وجه التمثال.


"لماذا لا تنظر بنفسك إلى ما هذا؟ بالتأكيد لن تقول إنني مخطئ هنا أيضًا!"


في اللحظة التي أزيل فيها الغطاء وألقى شي ليان نظرة، انكمشت حدقتاه فورًا.


وجه التمثال لم يكن مشوهًا أو مخيفًا. بل كان وجه شاب مبتسم، مفعم بالحيوية، حاجباه لطيفان وودودان. ولكن عندما رآه شي ليان، شعر بقشعريرة فورية تجري في عموده الفقري، وشعر جسده كله ينتصب.


كيف لا يكون الأمر صادمًا؟ ذاك الوجه كان نسخة طبق الأصل من وجه شي ليان نفسه!


النظر إلى هذا التمثال عن قرب كان أشبه بالنظر إلى المرآة، حتى أن تلك الابتسامة الودودة بدت مزعجة ومرعبة الآن. لم يستطع شي ليان منع نفسه من القشعريرة.


قال بصعوبة: "هذا..."


قال مو تشينغ ببرود: "ما زلت ستقول إنني مخطئ؟"


وبجهد كبير، تلعثم شي ليان: "...لماذا يوجد أحد تماثيلي الإلهية هنا؟"


لكن مو تشينغ قال: "أحد؟ ليس واحدًا فقط. انظر جيدًا."


ثم جذب الأغطية عن وجوه عدة تماثيل أخرى. كلها بلا شك تحمل وجه شي ليان!


"هذا بالتأكيد كهف لعشرة آلاف إله،" قال مو تشينغ. "لكن في الحقيقة، الإله الوحيد الذي يُعبد هنا هو واحد فقط!"


وكان كله هو!


من حولهم، كان وجهه في كل مكان. شعر شي ليان وكأنه غرق في حلم غامض وغريب. داخ وفقد اتزانه لوقت طويل، حتى أدرك فجأة شيئًا.


"انتظر. مو تشينغ. لم تُتح لك فرصة رؤية وجوه هذه التماثيل في وقت سابق، صحيح؟ كنت ستزيل الأغطية، لكنه منعك."


تمتم مو تشينغ بازدراء: "لست بحاجة إلى رؤية وجوه التماثيل لأعرف أن المنحوت هو أنت."


سأل شي ليان: "وكيف عرفت؟"


كور مو تشينغ كل الأغطية الحريرية في كرة ورماها جانبًا، وعروقه تنتفخ قليلًا: "كيف عرفت؟ لأن كل ملابسك، وحُليّك، وأغراضك اليومية كانت من مسؤوليتي حينها. كنت أغسلها، وأصلحها لك. لا يوجد شيء في خزانة ملابسك ليس فريدًا تحت السماء. وهذه التماثيل مفصلة جدًا، كل شيء فيها موجود بالضبط كما هو! بالطبع عرفت أن الوجه يخصك عندما رأيت الملابس!"


"... " رفع شي ليان يده ليغطي جبهته، وبدأ يفكر بكل تصرفات هوا تشينغ الغريبة طوال الطريق.


وبجانبه قال فنغ شين: "حقيقة أنه لم يسمح لنا برؤية التماثيل يثبت أنه كان يعرف تمامًا ما المريب فيها. كل ما قاله عن سقوطنا صدفة بعد الانهيار الثلجي ربما هراء. لا بد أنه يعرف تمامًا ما هذا المكان."


أضاف مو تشينغ: "ليس ذلك فقط. أراهن أنه هو من رمانا في تلك الحفرة المليئة بشِباك العناكب. لا بد أنه يريد قتلنا."


تساءل شي ليان: "ولكن... ما قصة هذه التماثيل؟"


بالتدقيق، كان كل تمثال منحوتًا بدقة بالغة، حتى أن التفاصيل وصلت إلى حد مرعب. كان من الواضح كم راقب النحّات موضوع تماثيله عن كثب. حتى أشهر نحّاتي شيان لي في ذلك الزمن لم يكونوا ليصلوا إلى هذا المستوى من الإتقان. بدا الأمر وكأن عقل النحّات كان ممتلئًا بهذا الشخص وحده، وعيناه لا ترى أحدًا سواه.


كانوا محاطين بالتماثيل التي تحمل وجهًا واحدًا، وارتجف فنغ شين بعنف.


"بصراحة... ما اللعنة... هذا مقزز... واقعي بشكل مرعب للغاية."


وفوق ذلك، بأعداد هائلة.


قال مو تشينغ: "أشك أن هذه التماثيل تُعد نوعًا من المكونات اللازمة لتعويذة شريرة؛ فلندمرها."


ثم مد يده ليقطع أحدها. وعاد عقل شي ليان إلى الحاضر على الفور وأوقفه.


"توقف!"


نظر إليه مو تشينغ. "هل أنت متأكد؟ هذه التعويذة الشريرة قد تكون موجّهة إليك."


فكّر شي ليان بالأمر، لكنه في النهاية قال: "دعنا لا نتصرف بتهور. أعتقد أن احتمال كونها تعويذة شريرة ضئيل جدًا."


قال فنغ شين: "أعتقد أنه احتمال كبير. بصراحة، اللعنة... ألا تخيفك هذه الأشياء عند النظر إليها؟"


حدّق مو تشينغ في شي ليان، الذي أعاد له النظرة. "وما أساس ادعائك؟"


قال شي ليان: "لا شيء. لكن هذه التماثيل الإلهية منحوتة بعناية فائقة، دقيقة جدًا. إن دمرناها قبل أن نعرف أي شيء، قد نندم لاحقًا."


ثم أضاف بعد توقف قصير: "سان لانغ... قد يكون كذب عليّ بشأن شيء ما، لكني أؤمن أنه ليس شيئًا سيضرني."


لم يصدق مو تشينغ أذنيه. "...هل سَحَرك بعين ما لدرجة أن عقلك تشوش؟ أعتقد حتى لو كتب كلمة (مريب) على وجهه فسوف تصبح فجأة أميًّا."


وأثناء حديثهما، بدا على فنغ شين أنه على وشك مواجهة عدو عظيم. "انتبهوا!"


توتر شي ليان ومو تشينغ معًا وسألا: "ما الأمر؟"


هتف فنغ شين: "تلك الشبكة العنكبوتية قادمة نحونا مجددًا!"


وبالفعل، أضاءت شعلة الكف جدران الكهف أمامهم، وعليها بقع واسعة من الحرير الأبيض الكثيف. شتم الثلاثة في قلوبهم "اللعنة"، واستعدوا لمواجهة أخرى. لكن بشكل غير متوقع، لم يكن هذا الحرير الأبيض عدائيًا مثل ذاك الذي في الحفرة سابقًا؛ لم يتحرك ولم يهاجم، ولم يبدُ مختلفًا عن وزغة عادية.


انتظر الثلاثة قليلاً، ثم قال شي ليان: "تبدو هذه الشبكات الحريرية غير حيّة."


سأل فنغ شين: "إن لم تكن حية، فما فائدتها إذن؟"


وبما أن شي ليان كان منزعجًا، تقدم ليدرسها قليلًا، وبعدها أكد: "أعتقد أنها تغطي شيئًا ما."


اقترب الثلاثة من الجدار الحجري. جرّب شي ليان سحبها ومزّق قطعة كبيرة من الحرير الأبيض. وكما كان متوقعًا، كان الحرير متينًا ولم يكن سهل التمزق، لكنه لم يكن مستحيلاً أيضًا.


كانت الأغطية على التماثيل تخفي وجوهها الحقيقية. فما الذي كان مخفيًا على الجدران الحجرية؟


انضم الآخران أيضًا إلى تمزيق تلك الشبكات الحريرية، كل منهما يهتم بمنطقة مختلفة. وبعد فترة قصيرة، كُشف جزء من الجدار الحجري بجانب شي ليان.


"إنها جدارية!"


على الجدار الحجري، ما كانت تلك الشبكات الحريرية تخفيه بإحكام كان لوحة جدارية ضخمة. غُطي سطح الجدار كله بخطوط وألوان وأشكال صغيرة. كانت مقسمة إلى مقاطع صغيرة، كل واحد بأسلوب مختلف؛ بعضها خشن وعنيف، وبعضها أنيق، وبعضها متقن، وبعضها غريب.


بعد أن درسها قليلاً، قال شي ليان: "...هو من رسمها."


كرر مو تشينغ: "هو؟ هوا تشينغ؟ هل أنت متأكد؟"


قال شي ليان بصوت خافت: "نعم. هناك كلمات هنا، وهذه الكلمات كُتبت بخطه."


وأشار إلى شكل صغير ملطخ باللون الأحمر الدموي على الجدار، وبجانبه مجموعة من الحروف الملتوية والفوضوية، غير المقروءة، كأنها كُتبت في حالة من الهذيان أو المعاناة الشديدة وكان الكاتب يتنفّس من خلالها. وبناءً على هذه الكلمات، استطاع شي ليان أن يخمّن أن هذا الشكل الصغير الأحمر الدموي كان هوا تشينغ نفسه، لكن لسبب ما، رسم نفسه قبيحًا ومشوّهًا.


ألقى فنغ شين نظرة عليه ولم يستطع منع نفسه من التعليق: "هذا الخط... قبيح جدًا لدرجة أنه أعماني. أجرؤ على القول إن حتى خطي أفضل منه."


والخط الذي هو أقبح من خط فنغ شين كان حقًا قبيحًا ميؤوسًا منه. غُمرت عينا شي ليان بكل تلك الألوان؛ كان هناك الكثير حتى إنه لم يعرف من أين يبدأ النظر، لكن ما إن تأكد أن هذا خط هوا تشينغ، كان الأمر كأنه اكتشاف كنز عظيم فجأة، وحتى أطراف أصابعه بدأت ترتجف قليلًا. في تلك اللحظة، بدا أن مو تشينغ اكتشف شيئًا ليس بعيدًا ونادى.


"...سموك ، تعال بسرعة. تعال وانظر!"


عندها فقط استعاد شي ليان وعيه. "ما الأمر؟"


كان فنغ شين ومو تشينغ قد أصيبا بالذهول، ولم يستطيعا سوى الإشارة إلى إحدى الرسومات على الجدار. كانت تلك الرسمة كبيرة نسبيًا، وفي مركزها برج حصن شاهق. تحته بحر من الناس يحيطون بمسرح متألق. كانت الخطوط بسيطة، لكن بعدد قليل من اللمسات، التقطت المشهد بدقة.


أشار مو تشينغ إلى مركز اللوحة، وقال بصوت مرتجف: "إذًا... هذا... أهو هو؟"


كان شي ليان يحدق أيضًا في تلك النقطة.


كانت اللوحة كلها بلا ألوان، وداخلها فقط شخصيتان ملونتان. في الأسفل كان هناك شكل صغير، أبيض نقي، وكأنه يشع. كان ينظر إلى السماء ويمد يديه، على وشك أن يمسك الشكل الآخر الساقط من برج الحصن.


وذلك الشكل الصغير كان أحمر دموي، أحمر دموي.


تمتم مو تشينغ: "...أهو هو؟ أهو هو؟ ذلك الطفل الصغير الذي سقط خلال موكب مهرجان شانغيوان السماوي؟ كيف يكون هو؟ لا أصدق هذا؟ زهرة المطر القرمزي؟ إنه هو؟؟؟"


صفعهم فنغ شين بجنون وأشار إلى الجانب. "هناك المزيد في الخلف!"


تقدم شي ليان ورأى في لوحة أخرى، كان هناك مزار صغير مهدم، وعلى المذبح تمثال إلهي، يشع بضوء أبيض خافت. كان يحمل سيفًا في يد، وفي الأخرى مظلة حمراء يقدمها للأسفل. وفي الأسفل كان هناك شكل صغير قبيح أحمر دموي، يحمل زهرة صغيرة ويقدمها للتمثال.


فجأة شعر شي ليان بصداع، ارتفعت يده إلى صدغه الذي صار يخفق، واستمر في النظر.


كانت اللوحة التالية تبدو وكأنها تصور ساحة معركة. مجموعات كبيرة من الجنود يشدّون دروعهم استعدادًا للهجوم، وفي السماء كان هناك شكل صغير أبيض، يحمل سيفًا طويلًا، مهيبًا ومجيدًا. وفي الأسفل، وسط صفوف الجنود المظلمة والكثيفة، كان هناك شكل صغير أحمر دموي، يرفع رأسه، يراقب ذلك الموجود في السماء.


كان شي ليان غارقًا في التفكير حين دوّى صوت فنغ شين غير المصدق:


"هذا الأحمر، إنه نفس الشخص، صحيح؟ كله هو؟؟؟ إنه هوا تشينغ؟ يا إلهي... لقد كان يتابعك طوال هذا الوقت؟!"


كان مو تشينغ يبدو أيضًا غير مصدّق. "ليس مجرد متابعة، بل مراقبة. مراقبة عن قرب شديد. عن قرب شديد جدًا. إنه في كل مكان! انظر، هذا هنا هو الشارع الرئيسي، وغابة بويو، ما هذا؟ تل بيزي؟ يا إلهي... أكان هو من نحت تلك التماثيل الإلهية؟!"


شعر فنغ شين بقشعريرة وهو يتصفح تلك الجداريات. "يا إلهي... من يكون بحق الجحيم؟ لقد كان يراقبك منذ ثمانمئة عام؟ وما زال حتى الآن؟ ما هذا بحق الجحيم! هل هو مسحور؟ ما الذي يريده بحق السماء؟ حتى العابدون الطبيعيون لن يفعلوا كل هذا، ما الذي يريده بحق الجحيم؟؟"


صرخ مو تشينغ: "لا بد أن هناك مؤامرة... لا بد أن هناك! لنواصل البحث، لا بد أن هناك دليلًا!"


كان شي ليان قد اهتز تمامًا. كان يحدق في ذلك الشكل الأحمر الدموي على الجدار، عاجزًا عن استيعاب الأمر. شعر أن هناك العديد من الذكريات التي لم تنسى ، لكنها لم تؤخذ على محمل الجد قط، كانت تقاتل لتندفع إلى عقله، تتدفق بسرعة جعلت أنفاسه بالكاد تواكبها. عندها سمع الاثنين الآخرين على الجانب الآخر يصرخان، فعاد إلى وعيه.


"ما الأمر الآن؟"


كان فنغ شين ومو تشينغ واقفين أمام جدار حجري، يبدوان وكأنهما شاهدا شيئًا فظيعًا. وعندما رأوه يقترب، استدار فنغ شين بسرعة ومنعه، دافعًا إياه بعيدًا.


"يا إلهي، لا تنظر!"


"؟ ماذا؟" كان شي ليان في حيرة. "ما كان ذلك؟ لماذا لا أستطيع النظر؟"


كان وجه مو تشينغ مظلمًا أيضًا وهو يهتف: "... توقف عن النظر. لا يوجد أي خير هنا، فلنخرج من هنا بأسرع وقت!"


أمسك كلاهما بذراعيه وبدآ بالركض مجددًا طول الطريق. كان شي ليان يتذمر وهو يُسحب.


"ما الذي تفعلانه؟ لم أنتهِ من النظر إلى تلك الجداريات!!"


صرخ فنغ شين بغضب وهو يركض: "لا حاجة للنظر بعد الآن! تلك الأشياء لا يجب أن تُرى! يا إلهي! لم أر شيئًا كهذا في حياتي كلها! مثل هذا الشخص!!!"


كان شي ليان مرتبكًا تمامًا. "ما الذي لم تراه من قبل؟ ما شأن سان لانغ؟"


وبّخه مو تشينغ: "ماذا تفعل، ما زلت تناديه بسان لانغ؟ توقف! يجب أن تبتعد عنه بأسرع ما يمكن! لا تقترب منه مجددًا في المستقبل أيضًا، إنه ليس طبيعيًا، إنه مجنون، إنه مهووس!!!"


لم يعد شي ليان قادرًا على الاستماع. "لماذا تلعنانه هكذا؟ لا أحد منا طبيعي حقًا، حسنًا؟"


صرخ فنغ شين: "توقف عن السؤال! أنت لا تفهم! إنه ليس مثلنا! إنه مجنون! تجاهك، هو، هو... هو..."


"تجاهي ماذا؟" طالب شي ليان. "رجاءً دعاني. دعاني أعود وأرى بنفسي، حسنًا؟"


أراد أحدهم العودة، والآخران كانا يشدانه. ظل الثلاثة عالقين في مأزق، وفجأة، جاء من أمامهم صوت بارد كالجليد.


"ألم أقل ألا تلمسوا الأشياء عشوائيًا في أرض الآخرين؟"


تجمّد الثلاثة وأداروا رؤوسهم لينظروا. كان هناك أمامهم شخصية ترتدي الأحمر. كان هوا تشينغ متكئًا على الجدار الحجري، يسد طريقهم، وهو يبتسم.


"وإلا، لا أستطيع أن أقول بالضبط ما الذي قد يحدث."


بينما كان وجهه مبتسمًا، لم يكن في عينه أي أثر للمرح، بل كانت مظلمة ومعكرة. كان يعانق ذراعه، بينما اليد الأخرى كانت تعبث بلا مبالاة بشيء صغير.


كانت تلك اللؤلؤة المرجانية الحمراء العميقة، المربوطة بتلك الخصلة الرقيقة من الشعر. وكان بريقها الأحمر الناعم ساطعًا وباهرًا مثل عقد القدر الأحمر بين أصابعه.








يتبع....

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي