الفصل مئة وستة وسبعين : كهف العشرة آلاف إله؛ وجوه العشرة آلاف إله تنكشف -٢-.
لم تستطع تلك المئات من التعويذات المسحورة وأكوام الصخور الثقيلة أن توقفه على الإطلاق!
تحرك فنغ شين ومو تشينغ بسرعة؛ أطلق فنغ شين سهامه واحدًا تلو الآخر بينما لوّح مو تشينغ بسيفه، مرسلاً ضربة هوائية نحوه، ثم أمسك بشي ليان وركض. ثم استخدم فنغ شين نفس الحيلة وضرب الصخور بعشوائية وهو يصرخ:
"ما هذا اللعنة! كيف وجدنا بهذه السرعة؟"
صرخ مو تشينغ عائدًا: "وكيف لي أن أعرف؟؟ ...الخيط الأحمر! الخيط الأحمر! إصبعه ما زال مربوطًا بالخيط الأحمر!!"
حين أدرك الاثنان ذلك، استدارا معًا للإمساك بيد شي ليان.
وكأن شي ليان سيسمح لهما. فقد مد يده الأخرى وحمى اليد المربوطة بالعقدة الحمراء، وهتف: "لا يمكنكما!"
قال فنغ شين: "سموك ، إن كنت مربوطًا بهذا الخيط الأحمر، فسوف يجدنا. إن لم ترد أن يلحق بنا، فيجب أن يُفك!"
ومع ذلك، تمسك شي ليان بيده وقال: "حتى لو لحق بنا، لست خائفًا؟ أنا... أريد أن أسأله عن هذا مباشرة."
اتسعت عينا مو تشينغ. "ما زلت تريد التحدث معه؟ أعتقد أنه يجب أن يبتلعك تمامًا كي تدرك حقًا مدى قوته."
لكن شي ليان رد: "لكنني أعلم بالفعل أنه قوي. أنتما لا تخبراني بما كانت تلك الجدارية، ولا تسمحان لي بالاقتراب منه. لا يمكنكما إقناعي بشيء بهذه الطريقة."
قال مو تشينغ: "إنه ملك أشباح، وتصرفاته غير طبيعية. عادةً ما يبتعد الناس لمجرد هاتين النقطتين، من دون أن يحتاجوا إلى من يقنعهم بأي شيء!"
مد شي ليان إصبعين: "خياران: إما أن تسمحا لي بالعودة وسؤاله مباشرة ليشرح، أو أن تسمحا لي بالعودة لرؤية تلك الجدارية."
بدا أن فنغ شين ومو تشينغ تذكرا شيئًا مرعبًا، فارتعشت شفة أحدهما بينما لم تستطع حواجب الآخر أن تنعقد أكثر. ووقفا أمامه ليمنعاه، وهتفا في نفس الوقت: "لن نسمح بأي منهما!"
فرفع شي ليان كُمَّيه وقال: "بما أنكما قلتما لا، فلنحل الأمر بالقبضات! من أول؟ أم ستأتيان معًا؟"
استدار مو تشينغ نحو فنغ شين. "أنت أولاً!"
ثم تراجع إلى الجانب. بدا فنغ شين غير متأكد إن كان يستطيع الفوز ضد شي ليان، لكن من أجل إنقاذ شاب ضائع، سيبذل قصارى جهده، فقبض على قوسه.
"جيد جدًا! سموك ، سامح وقاحتي!"
ورد شي ليان أيضًا: "سام..."
لكن بشكل غير متوقع، قبل أن يُنهي التحية الافتتاحية، وُضع شيء ساخن على ظهره. وصاح أحدهم خلفه:
"ابقَ ساكنًا، لا تتكلم!"
وفجأة، تجمد جسده كله مثل لوح حديدي.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فلم يستطع صوته الخروج أيضًا!
خرج مو تشينغ من خلف شي ليان وقال لفنغ شين: "لنجرّه بعيدًا. هذه التعويذة يمكن أن تُعلقه مؤقتًا، لكنها لن تدوم طويلاً."
بُهِت فنغ شين قليلاً. "لماذا نصبّت له فخًا؟ ألم نتفق على واحد ضد واحد؟"
لم يكن شي ليان ليتخيل أن مو تشينغ سينقض كلمته على الفور أيضًا. لولا أنه يثق تمامًا بكلا تابعيه السابقين، لما كان قد خُدع بهذه السهولة.
قال مو تشينغ: "من لديه وقت لمبارزتك واحدًا لواحد الآن؟ إنه يفعل ذلك عمدًا. من السهل رؤية أنه يماطل ليمنح هوا تشينغ وقتًا للحاق بنا. ألا ترى حالته الآن؟ مغرم تمامًا! مهما أخبرته الآن، فلن يستوعب شيئًا. ربما حين يلتقون، لن يحتاج هوا تشينغ إلا لمجاملته بكلمات لطيفة قليلة وسيصدقه، تمامًا كمن فُتن بروح ثعلب."
فكر فنغ شين ووجد أن ما قاله مو تشينغ منطقي بعض الشيء. تنهد قائلاً: " سموك ، ليس لأننا نريد خداعك عمدًا، لكن ما يفعله تجاهك حقًا... غير لائق. لا أستطيع أن أنطق به! أرجوك، فقط تعال معنا."
قال مو تشينغ أيضًا: "لنذهب."
لم تكن كلمات مو تشينغ اقتراحًا أو رجاءً، بل أمرًا. ما لصقه على ظهر شي ليان سابقًا لا بد أنه كان تعويذة أمر، مرسومة بدمه. يمكن لتعويذة الأمر أن تجعل الهدف يطيع أوامر الساحر، لكنها في الحقيقة لا تحقق سوى الأوامر البسيطة مثل "لا تتكلم"، "امشِ"، "توقف"، "اركض"، وما إلى ذلك. كانت الأوامر المعقدة أصعب تنفيذًا، ولم تستطع التعويذة أيضًا تشويش العقل. وحدها الأشباح القوية مثل الديباج الخالد يمكنها فعل ذلك.
مشى الاثنان بسرعة وسحبا شي ليان معهما مجددًا، لكن فجأة أوقفهما كومة من الأنقاض تسد الطريق.
رأى فنغ شين أن الطريق مسدود وتساءل بصوت عالٍ: "لماذا هناك صخور هنا تسد الطريق؟ لا يمكننا التقدم أكثر؟"
قال مو تشينغ: "ألم تكن أنت من أسقط هذه الصخور؟ لماذا تسألني؟"
سأله فنغ شين: "أنت من كان يقود الطريق، لذا أنت من أخطأ. إن كنا مررنا من هنا من قبل، فلماذا عدنا من جديد؟"
رفض مو تشينغ أن يُسأل. "يا للسخرية؛ أنا لا أعرف الطرق هنا إطلاقًا، كيف لي أن أقود؟ ألم نكن نركض بلا اتجاه منذ قليل؟"
بدا أنهما على وشك الدخول في جدال آخر، فلوّح فنغ شين بيده.
"لا بأس، ليس لدي وقت أضيعه في الجدال معك. فلنحفر طريقنا!"
كان هوا تشينغ يطاردهم من الخلف، لذا لم يكن أمامهم سوى التقدم. التراجع لم يكن خيارًا، وإلا لاصطدموا به. كان من السهل سد الطرق، لكن الحفر خلالها كان أصعب بكثير. جعل الاثنان شي ليان يقف مطيعًا في الزاوية بينما كان فنغ شين يلكم الصخور بعشوائية، ومو تشينغ، وعرق جبينه يتفجر، يلوّح بسيفه ببراعة. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً قبل أن يُفتح الطريق. تدحرجت الأنقاض وغشى الغبار المكان. كانوا على وشك أن ينادوا شي ليان، لكن بشكل غير متوقع، بمجرد أن تلاشى الغبار، وقف أمامهم شخص بملابس حمراء. أضاءت عينا شي ليان فورًا. كان هوا تشينغ!
كانت عيناه باردتين، واقفًا ويداه خلف ظهره، صامتًا بلا كلمة.
تفجّر فنغ شين في الحال: "لماذا لا تذهب بعيدًا؟!"
كان حقًا التعريف الكامل للإصرار. لقد تُرك خلفهم في الغبار سابقًا، فكيف ظهر فجأة أمامهم في اللحظة التالية؟؟ ومن يدري كم من الوقت كان واقفًا هناك بصمت، ينتظرهم ليزيلوا العقبة بأنفسهم ويقدّموا أنفسهم له. أليس هذا إصرارًا مرعبًا وغريبًا؟
تراجع فنغ شين ومو تشينغ على الفور مسافة طويلة. لم ينظر هوا تشينغ إليهما. تحركت عيناه إلى الجانب، واتخذ خطوة في اتجاه شي ليان. أدرك فنغ شين ومو تشينغ أنه جاء من أجله، وقفزا فورًا إلى جانبه ليشكّلا حاجزًا أمامه.
صرخا معًا: "لا تقترب أكثر!"
كان وجه هوا تشينغ مظلمًا للغاية.
عادةً، لو قال أحد لزهرة المطر القرمزي ألا يقترب، لما اهتم أبدًا؛ بل كان من الأغرب لو لم يضحك ويقترب على أي حال. ومع ذلك، هذه المرة، بدا وكأنه متحفظ حقًا، ولم يجرؤ على التحرك بتهور، متوقفًا في خطوته.
بعد لحظة قصيرة، تكلم أخيرًا، كلماته بطيئة. "ماذا تعنيان بهذا."
من نبرته، بدا هادئًا إلى حد ما. لكن فنغ شين كان أكثر مباشرة بكثير.
"لم يعد عليك التظاهر، نحن نعلم أن هذا وكرُك القديم. لقد رأينا ما في تلك التماثيل الإلهية، وتلك الرسومات، لقد رأينا كل شيء!"
لم يكن هوا تشينغ يواجههما مباشرة، بل واقفًا بجانبهما. وعندما سمعهم، بدا أن يديه خلف ظهره قد ارتجفت، وانثنى إصبعان منها بتصلب.
"...."
أمال رأسه وسأل بخفوت: "هل رآه سموه أيضًا؟"
كان صوته منخفضًا جدًا، ورغم أنه بدا غير مبالٍ، إلا أنه كان متصدعًا قليلًا، وبوضوح غير طبيعي.
صرخ شي ليان داخليًا: "لا!"
في الحقيقة، لم ير الكثير حقًا، لكن شي ليان لم يستطع الحركة ولا الكلام في تلك اللحظة. لم يستطع سوى الاتكاء مطيعًا على الجدار الحجري في الزاوية، يبدو وكأنه يختبئ خلف الاثنين الآخرين، خائفًا من مواجهة هوا تشينغ ورافضًا التحدث إليه.
شد فنغ شين قوسه. "صحيح. لقد فهمنا الآن ما... نواياك. احترامًا لك كملك أشباح، إن كان لا يزال لديك بعض الكرامة، فلا تقترب من سموه مجددًا."
في تلك اللحظة، كانت مشاعر شي ليان مثل كوخ يحترق، ودخان أسود كثيف يتصاعد. كان هوا تشينغ يجب أن يلاحظ أن هناك شيئًا خطأ به، ولم يكن أمام شي ليان سوى أن يأمل أن يسأله هوا تشينغ.
لكن، بدا أن هوا تشينغ لم يكن في حالة عقلية تسمح له بملاحظة أي شيء، وقال ببرود فقط: "ألا أقترب منه؟ وبأي حق ومكانة لكما لتقولا ذلك لي؟"
من دون أن ينتظر ردهما، تلألأت عيناه بخطر. "لكنكما ذكرتماني أننا ما زال بيننا حساب غير منتهي !"
لحظة انتهت كلماته، انطلقت فراشات فضية لا تُحصى نحو الاثنين، تصرخ بصوت حاد.
في مواجهة هذا الهجوم الكاسح كالطوفان، لم يكن أمامهما سوى خيار واحد: الدرع الروحي.
صاح فنغ شين ومو تشينغ معاً:
"درع!"
صدّ الدرع الروحي سيل الفراشات، فانفجرت إلى شظايا فضية متلألئة في الهواء. لكنها سرعان ما أعادت تكوين نفسها لتتحول مجدداً إلى فراشات فضية جديدة، وهاجمت مرة أخرى بلا توقف. تراجعا إلى الوراء وهما يصدان، بينما كان هوا تشينغ يتقدم بخطوات ثابتة. عصف الريح المتولّد من هالته الروحية بشعره الأسود الطويل، فراح يتطاير بجنون. تحت ضوء الفراشات الساطع، انكشفت بالكامل شراسته وجنونه الكامن في عينيه.
كان الاكتفاء بالدفاع أمراً سلبياً جداً، فتبادل فنغ شين ومو تشينغ نظرة سريعة، واتفقا بصمت على الهجوم. تمسكا بالدرع الروحي وهجما مباشرة، كل منهما يلمع سلاحه الخاص. وهكذا اندلعت المعركة في هذا الممر الحجري الضيق. فنغ شين تصدى للفراشات الشبحيّة، بينما واجه مو تشينغ هوا تشينغ . رفع هوا تشينغ ذراعه، فظهر السيف إي-مينغ في يده اليسرى، مستعداً للضرب!
كانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها شي ليان إي-مينغ يقاتل بجدية. كان السيف طويلاً ونحيلاً، يتلألأ بضوء بارد قاتل، مهيباً ومليئاً بالشرور. أجل... لقد كان سيفاً شيطانياً بكل معنى الكلمة!
كانت المعركة مثيرة حقاً. واجه هوا تشينغ خصمين بمفرده، بينما كان شي ليان يراقب بلا رمشة عين، محتبس الأنفاس. وما هي إلا لحظات حتى نفض غبار طرف السيف، فاصطدم سيف مو تشينغ بالصخور وغُرس فيها. رغم أنه ظل متمسكاً بمقبضه، إلا أنه لم يستطع انتزاعه. وفي غمرة صدمته، كان هوا تشينغ قد سدّد لكمة إلى فكه، كادت تطير به في الهواء، حتى أفلت السيف أخيراً.
أما فنغ شين، فقد تحطمت رؤوس سهامه واحداً تلو الآخر تحت أجنحة الفراشات الفضية الحادة. ومع كثرتها الساحقة، لم يعد قادراً على مجاراتها!
بات النصر والهزيمة محسومين. إذ انطلقت خيوط بيضاء لا تُحصى من الزوايا، فالتفت حول الاثنين، مشكلة شرانق هائلة. وكلما حاولا التملص، اشتد القيد أكثر. مزّق مو تشينغ الخيوط وهو يصرخ:
"كنت أعلم أنك من رمانا في تلك الحفرة!"
هتف فنغ شين:
"هذه ليست خيوط عنكبوت! إنها...!"
عندها استوعب شي ليان أيضاً. كانت خيوط فراشات!
قبل أن تنبثق الفراشات من شرانقها، لا بد أن تمر بمرحلة غلاف حريري. هذا الخيط الأبيض الغريب لم يكن سوى من صنع هوا تشينغ ، ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بتلك الفراشات الشبحيّة!
ومع حسم القتال، سحب هوا تشينغ سيفه وقال باستهزاء:
"رميتكم في الحفرة لأُنقذكم من الكارثة. في النهاية، لولا صراخكما العالي الذي سبّب الانهيار الجليدي، لما كان هناك طريق لتدخلا 'كهف العشرة آلاف إله'. ألا يجدر بكما شكري لإنقاذ حياتكما التافهة؟"
كان مخطط هوا تشينغ الأصلي هو انتظار انتهاء الانهيار، ثم إخراج شي ليان بهدوء، تاركاً فنغ شين ومو تشينغ لمصيرهما. لكن، وبغير المتوقع، مزّقا الشرنقة وسببا ضوضاء، مما كشف أمرهما لشي ليان وأدى إلى هذه السلسلة من الأحداث. لو لم يحدث ذلك، لكان شي ليان خرج معه مباشرة دون أن يرى أي تمثال.
أما الآن، فقد انكشفت كل الأسرار تحت ضوء الشمس.
كان قلب شي ليان قلقاً، لكنه ظل جالساً في مكانه. نظرات هوا تشينغ ازدادت برودة، بينما كان يحدّق في مو تشينغ من علو. قال بنبرة خفيفة:
"يبدو أن الموهبة في فنون السيوف هي لي... لا لك."
كان حلق مو تشينغ مقيداً بعدة خيوط بيضاء، ووجهه يتلون بين الأزرق والأحمر من الاختناق، ورغوة تخرج من فمه. تمتم بصعوبة:
"أنت!... أنت...؟ فهمت، استوعبت..."
سأله فنغ شين وهو يعض على أسنانه:
"ماذا فهمت بحق السماء؟"
قال مو تشينغ بحقد:
"فهمت لماذا هذا الحقير يكرهني هكذا... ربما نفس السبب معك!"
–"أي سبب؟!" صاح فنغ شين.
أجاب مو تشينغ باحتقار:
"لأنه مجنون! هل نسيت ما ورد في الجدارية؟ إنه ذاك الجندي الشاب الذي أراد سموه ترقيته بعد عودتنا من تل بيزي. قال سموه حينها إن مهارته بالسيف جيدة، وأنه مناسب... كح، كح..."
قال فنغ شين بارتباك:
"وما علاقة ذلك بكرهه لك؟!"
لكن مو تشينغ صمت فجأة. فانطلقت لكمة هوا تشينغ لترتطم بوجهه. ابتسم هوا تشينغ ابتسامة باردة وقال:
"السبب... أنك طردتني من الجيش."
اتسعت عينا فنغ شين:
"ماذا بحق الجحيم؟! ولماذا طردته؟ هل أغضبك؟!"
أجاب مو تشينغ ووجهه ملطخ بالدماء:
"كل ما فعلته هو أنني أرسلته إلى بيته، فالحروب ليست بالأمر الجيد أصلاً! كيف لي أن أعلم أنه سيجن ويحمل الضغائن حتى الآن؟!"
وقبل أن ينهي كلامه، سدد له هوا تشينغ ضربة أخرى عنيفة شوهت وجهه. قال بابتسامة ساخرة:
"أتظن أنني لا أعرف السبب الحقيقي لطردي؟ هاه؟"
ومضت عينا مو تشينغ، فضحك هوا تشينغ بخبث:
"ألم يتضح بعد من هو القمامة عديمة الفائدة حقاً؟"
"...."
كأن السهم أصاب موضع الألم. بصق مو تشينغ دماً، وقال ببطء لاذع:
"الشكر للالهة انني طردتك. وإلا، لو بقِيتَ في الجيش واقتربت أكثر من سموه... ألم تكن ستقضِي يومك تحدّق به مليئاً بتلك الأفكار القذرة؟ مقزّز!"
انقبض قلب شي ليان بعنف. وعندما لفظ مو تشينغ كلمة 'مقزّز'، تجمدت قبضة هوا تشينغ في الهواء. ظهر بروز الأوردة على يده البيضاء، وراحت أصابعه تنقبض وتسترخي، ثم تعود وتنقبض.
وبعد لحظة قصيرة، قال ببرود:
"لن أجادلك في هذا الآن. فقط أجبني بصدق: هل ما كنتما تصرخان به قبل الانهيار صحيح؟"
اتسعت عينا مو تشينغ فجأة، ونظر إلى فنغ شين، الذي ردّ النظر مذهولاً. لم يعرف أيهما كيف يجيب.
قال هوا تشينغ بصرامة:
"صبري محدود. أجيباني خلال العدّ إلى ثلاثة. واحد! اثنان...!"
كان على وشك أن يفعلها فعلاً! وفي خضم الذعر، خطرت لمو تشينغ فكرة.
صرخ فجأة:
"سموك ! اهرب!!!"
وفور صدور الأمر، استجاب شي ليان على الفور. لكن قبل أن يخطو خطوتين، انطلقت خيوط بيضاء من الزوايا والتفت حوله بقوة، لتطرحه أرضاً.
بدا كأنه كان مذهولاً طيلة الوقت غير قادر على التدخل، ثم قرر أخيراً أن يفرّ، لكنه فشل. لكن الحقيقة أنه لم يفكر بالهرب مطلقاً!
كانت يداه وقدماه مقيدة بإحكام بخيوط الحرير البيضاء. تمدد على الأرض، شعره الأسود وأكمامه البيضاء مبعثرة، وقبعته متدحرجة إلى الجانب. استدار هوا تشينغ نحوه ببطء، وبعد وقفة قصيرة، اقترب منه. لم يخطُ سوى بضع خطوات حتى لم يتمالك فنغ شين نفسه وصاح:
"هوا تشينغ !!!"
توقف هوا تشينغ والتفت نحوه قليلاً.
قال فنغ شين متوسلاً بصوت مبحوح:
"دع... دع سموه يذهب! لقد عانى ما يكفي. لا تفعل به هذا..."
لكن هوا تشينغ لم يجب. وصل إلى جانب شي ليان، ثم مد ذراعيه، حاملاً جسده بين كفّيه، رافعاً إياه عن الأرض.
استند شي ليان على ذراعه، فرأى من خلفه ملامح فنغ شين ومو تشينغ المحبوسَين في الشرنقتين. بدا فنغ شين وكأنه يرى حملاً يُلقى بين أنياب نمر، فصرخ بجنون. أما مو تشينغ، فراح يعض خيوط الحرير بأسنانه عبثاً. لكن هوا تشينغ كان يعرف دهاليز 'كهف العشرة آلاف إله' كما يعرف كف يده، فانعطف في عدة ممرات، حتى اختفى صوتهما وملامحهما عن الأنظار.
يتبع...
تعليقات: (0) إضافة تعليق