الفصل مئة وثلاثة وثمانين : البطل يُهزَم أمام بنس واحد -١-.
عندما سمع شي ليان ذكر الدواء، التفت ونظر إلى داخل الكوخ حيث كان الملك والملكة يستريحان.
بعد لحظة قال:
"يمكنني أن أجد طرقاً أخرى للحصول على الدواء، لذا فقط خذه."
كان شي ليان مصمماً على إعطائه، بينما فنغ شين لم يفهم السبب، فشعر بالارتباك والغرابة في الوقت نفسه. هز كتفيه، ثم التقط تلك المروحة البالية من أوراق القصب، وأخذ يواصل تهوية النار لغلي الدواء.
"حسناً، سأحتفظ به لك الآن. متى ما أردته مجدداً، فقط أخبرني."
هز شي ليان رأسه:
"لن أطلبه مجدداً، افعل به ما تشاء."
بعد أن رهن هونغ جينغ، امتلأت جيوبهما قليلاً، وأخيراً تمكنا من الحصول على بعض الوجبات الجيدة. وبما أن مهارة الملكة في الطهي كانت "كارثية"، طلب منها شي ليان بلطف أن تعتني بالملك وألا تدخل المطبخ إطلاقاً، وتولى هو مهمة الطهي بنفسه. ورغم قلة خبرته، إلا أن طعامه كان صالحاً للأكل على الأقل، فأنقذهم من مشاكل المعدة.
في ذلك اليوم، وبعد شجاره مع والده الملك، شعر شي ليان بالندم، لكنه لم يعرف كيف يعتذر له، فبذل قصارى جهده في العناية به. كان المريض الذي يسعل الدم لا يجب أن يتعرض للبرد، لذا أضاف له مزيداً من الأغطية والمدافئ الصغيرة.
كان جنود يونغ آن يتشددون في مطاردة النبلاء الفارين من شيان لي، وسرعان ما شُددت الحراسة في هذه المدينة أيضاً. بالكاد استقروا فيها، حتى اضطروا للرحيل من جديد.
لم يعد شي ليان يحصي كم مدينة مرّ بها وهو يهرب مع والديه. وللأمانة، كان ما رآه على الطريق أكثر هدوءاً مما تخيل. وحدها العاصمة الملكية لشيان لي كانت مأساوية، أما باقي الأماكن فلم تتأثر كثيراً.
فبالنسبة لعامة الناس، الملك، ولي العهد، العاصمة، النبلاء... كلها أشياء بعيدة جداً عن حياتهم. تغيير الملك لم يحدث فرقاً ملموساً. خصوصاً أن الملك الجديد لم يكن طاغية، وحين اعتلى العرش لم يُصدر قوانين قاسية، فلم يتجاوز الأمر كونه موضوعاً جديداً لأحاديث ما بعد العشاء، دون أي شكاوى تُذكر.
سمع شي ليان بعض الناس يقولون:
"حين كان الملك يُدعى شي، زرعتُ هذه الأرض؛ والآن الملك يُدعى لانغ وما زلت أزرع نفس الأرض!"
كانوا على حق. لكن الغريب أن الموقف من ولي العهد المزعوم، الذي تحول من لا يُقهر إلى خاسرٍ في كل معركة، كان موحداً بشكل مدهش: الجميع ما إن يذكروه حتى يتقمصوا فجأة دور المواطنين الوطنيين لشيان لي . لم يستطع شي ليان أن يفهم ذلك، ولا أن يتقبله.
لكن في الحقيقة، لم يعد لديه طاقة للتفكير في هذه الأمور. فالأموال التي حصلا عليها من رهن هونغ جينغ لم تصمد سوى بضعة أشهر قبل أن تنفد تماماً.
فالمرض المصحوب بالسعال الدموي كان من الصعب علاجه، ناهيك عن أن الملك كان غارقاً في الكآبة والإحباط، مما استدعى صرف كميات كبيرة من الدواء لإبقائه على قيد الحياة بوضعٍ مقبول. ولو انقطع الدواء، لتدهورت حالته كثيراً.
لم يبقَ لدى شي ليان أي شيء آخر ليَرهنه، وفي أحد الأيام، وبعد أن جال في الشوارع طويلاً، ظل يفكر ويقلب الأمر حتى استدار أخيراً إلى فنغ شين وقال:
"لماذا لا... نجرب؟"
نظر إليه فنغ شين متردداً:
"إذن... لنجرّب؟"
لم تكن هذه المرة الأولى التي تراودهم فيها فكرة "التجربة"، لكنهم لم يحسموا أمرهم سابقاً. بل إنه في إحدى المرات، حين كانوا يتحدثون عنها، سمع الملك خطتهم فثار غضباً ورفض تماماً، وأقسم أنه إن فعل شي ليان شيئاً مخزياً من أجل المال فلن يشرب دواءه أبداً. لذلك، تراجعا عن الفكرة حينها.
لكن الآن وقد بلغوا هذا الضيق، لم يكن هناك حاجة لشرح الكثير؛ كلاهما فهم الآخر. أومأ شي ليان، وشدّ قطعة الحرير البيضاء حول وجهه بإحكام.
قال فنغ شين:
"سموك ، لا داعي لأن تفعل هذا. سأقوم به وحدي، وحتى إن سأل الملك، سيكون الأمر على ما يرام!"
ثم أخذ نفساً عميقاً، وحبسه قليلاً، قبل أن يصرخ فجأة في الشارع:
"يا أهل الشارع! لا تفوتوا الفرصة!"
قفز المارة فزعاً، ثم تجمعوا حوله يتساءلون:
"ما هذا الصراخ؟!"
"ماذا تفعلون؟"
"ماذا ستُروننا؟"
"أريد أن أرى تحطيم الصخور على الصدر!"
خلع فنغ شين القوس من ظهره وشدّه بفخر قائلاً:
"أنا... أنا لقبي 'رامي السهام الإلهي'؛ أستطيع إصابة الهدف من مسافة مئة قدم. سأُريكم مهارتي المتواضعة، وإن أعجبكم العرض، فهل ت-تتفضلون ببعض النقود؟"
كلمات مثل "رامي السهام الإلهي" و"المهارة المتواضعة" كانوا قد التقطوها من مراقبة لاعبي الشارع. ورغم أنهم أقسموا سابقاً ألا ينزلوا إلى هذا المستوى، إلا أنهم حفظوا جيداً كيف يفعل الآخرون.
تذمر الحشد:
"كفى ثرثرة! أرنا الآن!"
"نحن بانتظارك! أسرع!"
وضع فنغ شين سهماً على قوسه، ثم أشار إلى رجل في الحشد كان يأكل ثمرة، وقال:
"أيها العم، تفضل وضع هذه التفاحة على رأسك، وسأصيبها دون خطأ من مسافة ثلاثمئة خطوة!"
انكمش الرجل برقبته وتراجع داخل الحشد:
"لن أفعل!"
قال فنغ شين:
"لن أصيبك، لا تقلق! وإن أخطأتُ وأصبتك، سأدفع لك تعويضاً كما تشاء!"
صرخ الرجل:
"وهل أنا غبي؟ إن أصبتني، فلن ينفعني أي تعويض! إذا كنتَ تؤدي عرضاً، ألم تحضر مساعداً معك؟ أليس من المفترض أن تصوّب نحو الذي بجانبك؟!"
هتف الجميع من حوله:
"نعم، صحيح!"
قال شي ليان:
"سأفعل أنا."
ألقى أحدهم ثمرة نحوه، فالتقطها شي ليان مستعداً لوضعها على رأسه. لكن فنغ شين لم يكن ينوي أبداً إشراكه في هذا، فلم يسمح بذلك. ارتبك في تلك اللحظة، فخطف الثمرة والتهمها بنفسه، ثم وجه السهم نحو لافتة معلقة على مبنى مرتفع.
وصاح:
"سأصيب تلك!"
وأطلق السهم. وبما أنه بارع جداً في الرماية، أصاب الهدف بسهولة، فانفجر الجمهور بالتصفيق والضحك.
"يا للروعة! لديك الموهبة فعلاً!"
ضحكوا وتبادلوا التعليقات، بل إن بعضهم ألقى بضع عملات.
تدحرجت العملات الصغيرة على الأرض، فتقدم فنغ شين ليجمعها، وجلس شي ليان بجانبه يلتقطها بصمت، لكن قلبه كان يعتصره شعور بالخسارة.
في الماضي، كان فنغ شين خادماً لولي العهد؛ حتى الوزراء كانوا يحيونه باحترام، وبعضهم حاول مصادقته. أما الآن، وبعد أن عملوا في حمل الصخور والتراب مضطرين، ها هم اليوم يقفون تحت أعين العامة كقرود في عرض. مهارة الرماية التي كانت لتقتل الأعداء في ساحة المعركة، أصبحت وسيلة لتسلية الناس. مجرد التفكير في ذلك أشعره بالغثيان.
وفجأة دوى صوت امرأة حاد:
"من هذا الذي يطلق السهام في الشوارع؟!"
تسارعت دقات قلب شي ليان. وأشار الجميع فوراً إلى فنغ شين:
"إنه هو!"
ارتبك فنغ شين، وافترق الجمع لتدخل عدة نساء وهن يحملن السهم الذي أطلقه. أحطن به غاضبات.
صرخن:
"أيها الوغد! هل أنت من أطلق هذا؟ ما هذه الجرأة! تطلق سهاماً عشوائياً في وضح النهار، لقد خرّبت شاشتنا! أخبرنا، كيف ستدفع ثمن هذا؟"
"نعم! لقد أخفتَ الكثير من زبائننا!"
اتضح أن السهم كان قوياً لدرجة أنه اخترق إلى فناء مكان آخر. وبما أن فنغ شين لم يكن يجيد التعامل مع النساء، خاصة وهن يضعن طبقات كثيفة من مساحيق التجميل، فقد بدا مرتبكاً وأخذ يتراجع ملوحاً بيديه.
أسرع شي ليان ليقف أمامه:
"عذراً، عذراً. لم يكن يقصد ذلك. سنتدبر أمر التعويض..."
لكن النساء دفعنه بقسوة وصرخن:
"ومن تكون أنت؟ أنت..."
وبين شد وجذب، انزلقت قطعة القماش البيضاء التي تغطي وجه شي ليان، وما إن رأين وجهه حتى أضاءت أعينهن وتغيرت نبرتهن:
"آه، يا له من فتى وسيم!"
شي ليان: "؟؟؟"
صفقت إحداهن بعينين متألقتين وقالت:
"جيد جداً! القرار اتُخذ! أنتما معاً، صحيح؟ إذن سنأخذك أنت كتعويض!"
شي ليان: "؟؟؟"
قبل أن يستوعب ما يحدث، جُرّ فجأة بعيداً من قِبلهن حتى وصل إلى مبنى فخم بعض الشيء، حيث تعالت أصوات نساء متبرجات في الطوابق العليا، يثرثرن كالعصافير. عندها أدرك أنه اختُطف من قِبل صاحبات بيت دعارة!
وقف شعر جسده كله وقال مذعوراً:
"انتظرن! لا أملك نقوداً، حقاً لا أملك!"
قهقهن النساء:
"بالطبع لا تملك نقوداً، لهذا جلبناك لتكسبها بنفسك!"
شي ليان: "؟؟؟ عفواً، لكن... أنا رجل؟!"
رددن بازدراء:
"نعلم أنك رجل، لسنا عمياء!"
في تلك اللحظة، شق فنغ شين طريقه عبر الحشود واندفع صارخاً:
"اتركوه... اتركوه حالاً!"
كان الاثنان في حالة مزرية وهربا بكل قوتيهما. وبما أنهما كانا في موقع خاطئ، لم يجرؤا على القتال. لكن صاحبات بيت الدعارة صرخن واستدعَين ثلاثين مقاتلاً يطاردونهم في أرجاء المدينة. لم يسبق لهما التعرض لموقف كهذا، ومنذ ذلك اليوم، لم يجرؤا على الاقتراب من تلك المنطقة مجدداً.
مع ذلك، تأكدا أن العروض الجوالة وسيلة لكسب المال، فغيّرا موقعهما وبدآ من جديد. كانا وجهين جديدين فأثارا فضول السكان المحليين، كما أن فنغ شين رجل مستقيم المظهر، وسيم بعض الشيء. لذا في الأيام الأولى، حصلا على مبلغ جيد يكفي للطعام والدواء لنصف شهر. لكن كما يُقال: "الأيام الجميلة لا تدوم"، فلم يمض نصف شهر حتى طرق بابهم أحدهم.
في ذلك اليوم، وبعد أن أنهيا ترتيب أغراضهما، جاء بضعة رجال ضخام يبحثون عنهما. ارتعب شي ليان، خائفاً أن يكونوا جنود يونغ آن، وشد قبضته تحت كمّه استعداداً للهجوم.
قال بصوت منخفض:
"من أنتم؟"
قهقه زعيمهم بازدراء:
"أنتم تتسكعون في منطقتنا منذ أيام، ولا تعرفون من نكون؟"
كان شي ليان وفنغ شين في حيرة من أمرهما.
تحدث رجل آخر:
"لقد سرقتم الكثير من رزقنا، ألا ترون أنه من الوقاحة أن لا تفسروا موقفكم؟"
وأخيرًا، فهم الاثنان ما يحدث. اتضح أن هؤلاء كانوا مؤديي الشوارع المحليين الآخرين.
فكل عامل في هذا العالم ينتمي إلى نقابة أو جماعة، ولكل منهم منطقته الخاصة. وعندما جاء الاثنان وأخذوا جميع الزبائن منهم، ولم يتمكّن الآخرون من كسب المال، كان من الطبيعي أن يأتوا ليثيروا المشاكل. أمّا شي ليان وفنغ شين فكانا عديمي الخبرة في شؤون الدنيا، فكيف لهما أن يعرفا مثل هذه القوانين غير المكتوبة؟
فكّر شي ليان بمرارة: لو لم نكن في نهاية حبلنا، من كان سيرغب بسرقة مثل هذه المهنة؟
لكنه مع ذلك تحدث بلطف:
"الأمر ليس سرقة بالمعنى الحرفي، أليس كذلك؟ فالناس يذهبون لمشاهدة ما يعجبهم، ولم نُجبر أحدًا على حضور عرضنا... في الرماية."
لكن الطرف الآخر لم يستمع، وصاحوا بفظاظة:
"ليس سرقة؟! لم يربح أحد منا شيئًا في الأيام الماضية، أنتم من أخذ كل الزاد!"
طَق! قفز الجمع بفزع ونظروا، فإذا بفنغ شين قد أسقط قبضته على الحائط بجانبهم، تاركًا علامة ضخمة تتشقق منها الجدران.
قال ببرود:
"هل أنتم جادّون في البحث عن المشاكل؟"
كان رجال العصابة في البداية عازمين على افتعال شجار وإثبات قوتهم. لكن بعد أن رأوا قوة قبضته، تراجعت حماستهم إلى النصف. ومع ذلك، لم يرغبوا في ترك الأمر بسهولة، فغيّر الرجل القائد لهجته بعد أن تلعثم قليلًا:
"ما رأيكم أن نفعل هذا بالقواعد؟ لنُقم مسابقة مهارات. الفائز يبقى، والخاسر يجمع أغراضه ويرحل، ولن يقيم عروضًا هنا مجددًا!"
سماع كلمة مسابقة جعل فنغ شين أكثر ارتياحًا، بل وحتى سعيدًا. وكيف لا يكون سعيدًا؟ فكيف لمجرد بشر أن يتفوقوا عليهم؟ النصر مضمون.
تنفس شي ليان الصعداء وقال:
"أوافق. كيف تريدون أن نفعل هذا؟"
أعلن ذلك الرجل بصوت مرتفع:
"سنستخدم أفضل حيلة لدينا في العروض!"
وبينما كان يتحدث، أحضر رجلان آخران عدة ألواح حجرية طويلة ومستطيلة. ربت الرجل القائد على الألواح وقال:
"تحطيم الصخور على الصدر! ما رأيك؟ هل تجرؤ؟"
من مظهره الواثق، بدا أن هذه حقًا مهارته الأساسية. جلس شي ليان على الأرض وتفحّص اللوح الحجري، ثم رفع رأسه.
"هذا لن يكون مشكلة بالنسبة لي. لكن... هل سيكون مشكلة بالنسبة لكم حقًا؟"
كان اللوح صلبًا وحقيقيًا.
ضحك الرجل:
"بنيتك الهزيلة تلك، الأفضل أن تقلق على نفسك!"
جلس فنغ شين بجانبه:
"سموك ، هل تسمح لي أن أجرب؟"
لكن شي ليان هز رأسه:
"لا. لقد عملت بجد في الأيام الماضية، دعني أفعل هذا بنفسي هذه المرة." كان عليه أن يساهم بجهده أيضًا.
هكذا، استلقى شي ليان وذلك الرجل على الأرض، ووُضع لوح حجري على صدر كل منهما. أخذ فنغ شين مطرقة ضخمة وأدارها في يده، وكان على وشك إسقاطها عندما قال شيه ليان فجأة:
"انتظر."
ابتهج الآخرون:
"ما الأمر؟ هل تعترف بالهزيمة؟ ما زال الوقت مناسبًا للتراجع، وسنسمح لك بالرحيل!"
لكن شي ليان قال:
"لا. أريد إضافة لوح آخر."
صُدم الجمع:
"هل جننت؟؟؟"
فأوضح شي ليان بكسل:
"ألم تقل القاعدة إنها منافسة؟ إذا استعمل كل منا لوحًا واحدًا، فلن يكون هناك فرق في المهارة. فكيف يمكن اعتبارها منافسة؟"
بدأ مؤدو الشوارع يتبادلون النظرات، بعضهم اعتقد أنه مجنون، والبعض الآخر ظن أنه يضللهم. وبعد كثير من النقاش، أضافوا بالفعل لوحًا ثانيًا على صدره. لكن شي ليان طلب منهم أن يضيفوا ثالثًا!
الآن، تيقن الجميع أنه فقد صوابه، لكنهم وضعوا اللوح الثالث بعد تردد. وهكذا، أصبح على صدر شي ليان ثلاثة ألواح حجرية ثقيلة بشكل مخيف.
تحت أنظار الجميع، رفع فنغ شين المطرقة الضخمة، وضرب دون أن يرمش. تَحَطَّمَت الألواح الثلاثة إلى شظايا.
ارتفعت الهتافات من الجمهور، ونهض شي ليان بهدوء من الأرض، دون أي إصابة، وهو ينفض الغبار عن ردائه بهدوء. كان وجه القائد شاحبًا ومظلمًا.
فكّر شي ليان: الآن يجب أن يتراجع، أليس كذلك؟
كان يظن أن الطرف الآخر سيعترف بالهزيمة ويتوقف عن إزعاجهم. لكن بشكل غير متوقع، تغيرت تعابير الرجل عدة مرات، ثم عض على أسنانه قائلًا:
"أضيفوا لي لوحين آخرين! لا، بل ثلاثة!"
صرخ رجاله:
"أخي الكبير، لا تفعل! هذا الرجل يستخدم حيلًا شريرة، لا داعي لتقلده!"
"نعم، إنه يزوّرها بالتأكيد!"
صاح فنغ شين بغضب:
"ما هذا الهراء؟ أنتم من تفتقرون إلى المهارة، ثم تتهموننا بالخداع والشعوذة؟"
لكن القائد صرخ:
"الألواح والمطرقة لنا، كيف لا نعرف حقيقتها؟ هذا الولد يمتلك بعض المهارة، لكن تحطيم ثلاثة ألواح لا يُعد شيئًا! يمكنني تحطيم أربعة! طالما فزنا، فعليهم أن يرحلوا!"
حذره فنغ شين:
"هذا مستحيل! استسلم. لا تخاطر بحياتك من أجل هذا."
لكنه كان عنيدًا، وأجبرهم على وضع أربعة ألواح ثقيلة فوق صدره. قال متحديًا:
"فقط شاهدوا!"
أدرك شي ليان أن الأمور تزداد سوءًا، فتمتم:
"فنغ شين، هل يجب أن نوقف هذا؟ لا يمكن لبشر أن يتحملوا أربعة ألواح."
أجابه فنغ شين بصوت منخفض:
"لننتظر قليلًا؟ من المستحيل أن يطلب الموت بنفسه، بعد ضربتين أو ثلاث سيدرك عجزه ويتراجع."
قطّب شي ليان حاجبيه وأومأ. وبالفعل، الرجل الذي كان يحمل المطرقة ضرب اللوح بخفة أول مرة، فتغيّر وجه القائد فجأة. فتوقف المساعد عن الحركة.
لكن القائد صاح:
"أقوى! هل لم تأكل؟ ما هذه الضربة الضعيفة؟"
لم يجرؤ الرجل على التهاون، وفي المرة الثانية، استخدم كل قوته. دوي قوي! واحمرّ وجه القائد فجأة، كأنه يحبس دمًا غزيرًا.
أدرك شي ليان وفنغ شين أن الوضع خرج عن السيطرة، فهتفا:
"انتظر! لا تجهد نفسك!"
لكن القائد صاح:
"من قال أنني أُجهد نفسي؟ هذه مهارتي الخاصة! فقط شاهدوا، سأجعلكم تعترفون بهزيمتكم!"
وبوجه يائس، أنزل الرجل المطرقة مرة أخرى. وهذه المرة، انفجر القائد وهو يبصق فمًا مليئًا بالدم، مما أرعب المساعد الذي أسقط المطرقة من يده.
ركضت العصابة كلها نحوه:
"كفى! كفى يا أخي الكبير! إذا أراد هذان الوغدان التمسك بهذا المكان فليكن، حياتك أهم!"
انتفخت عروق جبينه وتدفق الدم من فمه، وهو يصرخ:
"لن أترك الأمر! لقد مرت أيام دون أن نأكل شيئًا. إن استمر هذا، ألن يكون موتًا لمصدر رزقنا؟! تابعوا! أرفض أن أصدق أنني لا أستطيع مجاراة هذا الولد الرقيق! هذه مهارتي الخاصة!"
لم يعد شي ليان قادرًا على الاحتمال، فتدخل قائلًا:
"كفى. إذا كان الأمر كذلك، فأنا أعلن هزيمتي. ابتداءً من الغد، لن نعود. هيا بنا، فنغ شين."
ثم استدار ليغادر. ارتفعت هتافات العصابة من ورائهم، ولحقه فنغ شين متسائلًا:
"سموك ، هل سنترك هذا المكان بهذه السهولة؟"
لقد وجدوا أخيرًا وسيلة لكسب المال، لكن عليهم الآن التخلي عنها. تنهد شي ليان:
"لا خيار آخر. تلك الجولات السابقة سببت له بالفعل إصابات داخلية خطيرة، أخشى أنه أصبح شبه عاجز. إذا واصلنا، فسيموت أحدهم. وعندها، لن نتمكن من البقاء هنا أيضًا."
حك فنغ شين رأسه وشتم:
"لقد كان يبحث عن الموت بنفسه!"
قال شي ليان بهدوء:
"الجميع يحاول كسب لقمة العيش."
شعر شي ليان ببعض الأسى. لو كان يعلم، لما طلب إضافة ثلاثة ألواح، ولكان اعترف بالهزيمة منذ البداية حتى لا يضطر الرجل إلى تحدي أربعة ألواح. حتى لو كان متهورًا وأحمق، إلا أن هناك جانبًا يستحق الاحترام فيه.
قال شي ليان:
"دعنا لا نتحدث أكثر. لسنا مضطرين للتسول هنا فقط، لا يجب أن نضع كل بيضنا في سلة واحدة."
لكن تلك الليلة، عندما عادوا إلى مخبئهم، أخبرتهم الملكة بحزن أن أعراض الملك تزداد سوءًا، وأنه ربما لم يعد قادرًا على تحمل الترحال بعد الآن، وأنه بحاجة إلى الراحة لبعض الوقت. وهذا يعني أنهم لا يستطيعون مغادرة هذه المدينة في الوقت الحالي.
فتش شي ليان الأرفف والصناديق مجددًا، لكنه لم يجد ما يمكن رهنه، فجلس بجوار الصندوق شارداً. كان فنغ شين يغلي الدواء، يدندن وهو يفعل ذلك. ومع مرور الوقت، أصبحت دندنته نشازًا بشكل متزايد. في البداية لم يهتم شي ليان، لكنه في النهاية لم يستطع تجاهله.
سأله:
"ما بك؟ هل أنت بمزاج جيد؟"
رفع فنغ شين رأسه:
"هاه؟ لا؟"
لم يصدّقه شي ليان:
"حقًا؟"
لاحظ في الأيام الماضية، منذ أن بدأوا بالعروض في الشوارع، أن فنغ شين يتصرف بغرابة. أحيانًا يبتسم كالأحمق دون سبب، وأحيانًا يبدو قلقًا فجأة. عندما كان مو تشينغ معهم، نادرًا ما كان يفترق عن فنغ شين. لكن بعد رحيله، كان فنغ شين يذهب أحيانًا لإيصال الطعام أو قضاء شؤون للملك والملكة، فيختفي لبعض الوقت. شعر شي ليان أنه لا بد وأنه صادف شيئًا، لكنه لم يملك طاقة ليسأل.
تأمل الدواء أمام فنغ شين صامتًا لبرهة، ثم سأله:
"هل هذه آخر جرعة؟"
قلّب فنغ شين في الحزم على الأرض وقال:
"نعم. إن لم نخرج غدًا..." ثم تذكر أن الملك داخل الكوخ ولا يمكن أن يسمعهم، فخفض صوته: "إن لم نخرج للتسول غدًا، فماذا سنفعل؟"
"...."
وبعد فترة طويلة، نهض شي ليان فجأة:
"ابقَ هنا للحراسة. سأذهب لأفكر في طريقة."
ارتبك فنغ شين:
"إلى أين تذهب؟ وأي طريقة يمكن أن تفكر بها؟"
غادر شي ليان دون أن ينظر خلفه:
"لا تهتم بي. ولا تتبعني."
يتبع...
تعليقات: (0) إضافة تعليق