القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

ch190 tgcf

 الفصل مئة وتسعين : قلب مخترق بمئة سيف؛ شبح وحشي يتجسد.


تحذير: يحتوي الفصل على مشاهد عنف.







لماذا كانوا جميعًا يحدقون به على هذا النحو؟


فجأة، سمع شي ليان همسًا يتردد من أحد الجوانب:

"إنه يشبهه كثيرًا..."


"ليس مجرد شبه... إنه نفس الشخص!"


"هل يمكن أن يكون حقًا هو؟"


سأله أحدهم بجرأة:

"أأنت... ذلك الأمير؟"


وبفعل العادة، كاد شي ليان أن يجيب: "لست أنا..." لكن قبل أن يُكمل، أدرك فجأة أن الحرير الأبيض الذي كان يلف به وجهه قد انفكّ. والأسوأ أن القيود التي تكبله الآن كانت من نفس ذلك الحرير الأبيض. وهكذا انكشف وجهه كليًا أمام عيون الحشد المجتمع تحته.


شعر وكأن قلبه معلّق بخيط رفيع مهدد بالقطع، لكنه تماسَك وواجه تلك النظرات بلا تردد. لم يكن متأكدًا إن كان يتوهم، لكنه بدا وكأنه يرى في أعينهم شيئًا من الشك. ومع ذلك، ولعلّ الخطر المحدق بهم جميعًا قد غطّى على مشاعر الكراهية أو الغضب التي كان يخشى أن يراها، فلم يظهر في عيونهم سوى الارتباك. غير أن اللحظة التالية جلبت صدمة جديدة؛ إذ دوّى عواء مرعب من خارج المعبد.


التفت شي ليان بسرعة، ليجد أن مصدر الصوت هم المصابون بمرض الوجوه الذين كان قد طرحهم أرضًا في وقت سابق. لكنهم الآن وقفوا مجددًا على أقدامهم، وعددهم ازداد. كانوا يمسكون أيدي بعضهم ويدورون حول معبد ولي العهد، يصرخون بنغمات غريبة، وكأنهم يؤدون طقسًا شيطانيًا أو يرقصون بجنون ككائنات مسعورة.


ارتجف الحشد في الداخل والتحم بعضهم ببعض من شدة الخوف. أخذ طفل صغير يصرخ باكيًا، فسارعت والدته إلى ضمّه، بينما غطى والده عينيه وأذنيه. وجوه الجميع كانت ممتلئة بالرعب والذعر.


"ما العمل؟ ما العمل؟"


"هل سيتمكنون من اقتحام المعبد؟"


"حتى لو لم يقتحموا، ألسنا قريبين جدًا منهم؟ ألا يُحتمل أن نصاب نحن أيضًا؟! ماذا لو انتقلت إلينا العدوى؟!"


شدّ شي ليان على قيوده محاولًا أن يفكها، لكن دون جدوى. فقد بدا أن الحرير الأبيض قد تم التلاعب به وأُضيفت إليه قوة روحية تمنع أي تحرر.


انتفخت عروقه من شدة المقاومة، وصرخ بكل قوته:

"أيها الأبيض عديم الوجه!"


لم يأت أي رد، بل شعر فجأة بيد باردة جدًا تمسح رأسه. تجمد مكانه وقفزت قشعريرة في جسده بأكمله. وعندما التفت ببطء ليرى ما يحدث، أصيب بالشلل من الرعب.


لم يكن من المستغرب أن الحاضرين كانوا يحدقون فيه بغرابة؛ فوجهه مكشوف أمامهم،والأبيض عديم الوجه يجلس خلفه مباشرة في الظلام.


في مواجهة هذه الشخصية الغريبة ذات الثوب الأبيض، لم يجرؤ أحد من الحاضرين حتى على التنفس بصوت عالٍ، فضلاً عن الحركة. وكأنهم كانوا يخشون أن يثيروا غضبه بأبسط تصرف. أما الأبيض عديم الوجه فلم يعرهم أي اهتمام، بل مد يده ليساعد شي ليان على الجلوس.


جلس شي ليان فوق المذبح، مكبلاً بالحرير الأبيض، أشبه بتمثال حيّ. لم يكن قادرًا إلا على تحريك عينيه ورقبته، بينما بقي جسده كله مقيدًا.


ورغم أن المنظر كان يبعث على الخوف، إلا أن الأصوات والعواء بالخارج كان أكثر رعبًا. فسرعان ما عاد الناس إلى النظر ناحية المصابين بالخارج، أجسادهم المشوهة، وصرخاتهم التي تشبه طقوسًا شيطانية.


تمتم أحدهم بصوت مرتجف:

"...سمعت أن العدوى تنتقل بسرعة مخيفة بين سكان الحي الواحد! ونحن بهذا القرب... سنُصاب لا محالة!"


بمجرد أن طرأت هذه الفكرة على عقولهم، غرق المعبد بأجواء من اليأس.


قال أحد الرجال: "لماذا لا يخرج بعضنا ليقاتل هؤلاء الممسوخين، ونفتح طريقًا للآخرين للهرب؟"


لكن الحقيقة أن حتى لو نجح بعضهم في قتل عدد منهم، فإن أولئك الذين سيخرجون سيكونون عرضة للإصابة مباشرة. وهذا معناه التضحية المؤكدة بالنفس لإنقاذ الآخرين. ومع هكذا مصير واضح، لم يجرؤ أحد على التطوع.


لو كان الأمر بيد شي ليان، لما تردد لحظة في الخروج. لكنه الآن كان مكبلاً بالأبيض عديم الوجه. وحتى إن استطاع أن يسقط سبعة أو ثمانية دفعة واحدة، فهناك سبعة عشر أو ثمانية عشر آخرون، ولا شك أن واحدًا منهم على الأقل سيتمكن من اقتحام معبد ولي العهد. أما التفكير في قتل الأبيض عديم الوجه، فذلك ضرب من الجنون.


ومع ذلك، كان لا بد من شخص يرفع معنوياتهم. أخذ شي ليان نفسًا عميقًا، وجمع شتات نفسه، ثم قال بهدوء وحزم:

"أيها الجميع، لا تفعلوا شيئًا متهورًا! لن ينتشر المرض بهذه السرعة. ما زال لدينا وقت للتفكير في حل."


لكن مجرد القول إن العدوى "لن تنتشر بسرعة" لم يكن كافيًا ليبعث الطمأنينة في قلوبهم.


والمفاجأة أن من كسر أجواء اليأس لم يكن سوى الأبيض عديم الوجه. إذ قال بصوت بارد وواثق:

"هناك طريقة للتخلص من مرض الوجوه وعلاجه."


بمجرد أن خرجت هذه الكلمات من فمه، ارتفعت رؤوس الجميع دفعة واحدة. صاحوا بدهشة:

"يمكن علاجه؟! كيف؟!"


شعر قلب شي ليان وكأنه توقف عن الخفقان.


تابع الأبيض عديم الوجه ببطء، وكأنه يستمتع:

"ولماذا لا تسألون سموه؟ فهو يعرف الطريقة."


فجأة، انصبت كل العيون على شي ليان. حدقات حادة مليئة بالترقب طوقت جسده. ارتدّ غريزيًا للخلف، لكنه اصطدم بالأبيض عديم الوجه الذي دفعه للأمام.


ارتفعت أصوات مترددة مليئة بالأمل: "سموك، هل تعرف حقًا؟"

وصاح أحدهم بحماس: "لقد سمعت من قبل أنه يعرف الطريقة!"


لكن البعض تساءل بريبة: "إن كان يعرف، فلماذا لم يُوقف انتشار المرض في العاصمة؟! إلا إذا كان يعرف لكنه أخفى الأمر!"


"أيها الأمير، قل لنا بسرعة!"


هتف شي ليان بحزم: "أنا لا أعرف!"


لكن الأبيض عديم الوجه قال بثقة: "أنت تكذب."


امتلأ قلب شي ليان بالغضب، أراد أن يصرخ، أن ينكر، لكنه تردد؛ كان يخشى أن يندفع الأبيض عديم الوجه ليكشف المزيد من الحقائق المخيفة. بل في داخله، كان يعرف أن النتيجة واحدة سواء أنكر أو اعترف؛ لأن الأبيض عديم الوجه لن يتردد في فضح الأمر.


وبعد صراع داخلي طويل، قال بصوت مكسور:

"لا... لا جدوى. الأمر بلا فائدة!"


ساد الصمت للحظة، ثم بدأت الجموع تهمس في قلق:

"ماذا يعني بلا فائدة؟ كيف نعرف إن لم يخبرنا؟"


بدأ العرق البارد يتصبب من جبين شيه ليان. فكر بيأس:

"لا أستطيع قول الحقيقة...! إن انكشف الأمر، فسينتهي كل شيء!"


عندها، فقد أحد الحاضرين صبره، وقف صارخًا:

"نحن بالفعل على أبواب الموت! ما الذي تخفيه بعد؟ هل تريدنا أن ننتظر ونموت كالخراف؟!"


عندها تحدث الأبيض عديم الوجه بصوت رقيق:

"إذن، دعوني أنا أخبركم."


صرخ شي ليان بانفعال: "اصمت!"


لكن صرخته لم تُجدِ نفعًا. تجاهله الأبيض عديم الوجه تمامًا، وأكمل:

"هل تعلمون مَن كان أقل عرضة للإصابة في العاصمة؟"


تبادل الناس النظرات بقلق، وسألوا:

"مَن؟"


ابتسم الأبيض عديم الوجه ابتسامة باهتة وأجاب:

"الجنود."


ارتجف قلب شي ليان بشدة.


وتابع الأبيض عديم الوجه بهدوء:

"أتدرون لماذا الجنود؟ لأنهم قاموا بفعلٍ لم يفعله المواطنون العاديون. ولهذا أصيب العامة، بينما لم يُصب الجنود."


حبس الجميع أنفاسهم، واقتربوا بأعين مترقبة:

"وما هو ذلك الفعل؟"


اندفع شي ليان يائسًا ليوقفه، لكن محاولته لم تكن أكثر من جهد ضائع. دفعه الأبيض عديم الوجه بضحكة قصيرة، ثم قال ببرود:

"تسألون ما هو ذلك الفعل؟ إنه... القتل."


في تلك اللحظة، تجمد قلب شي ليان فوق المذبح ككتلة جليد، وعمّ الشعور بالبرد عظامه.


بعد الصدمة الأولى، أخذ الناس يرددون بذهول:

"...القتل؟ يجب أن نقتل لنصبح محصنين؟ يجب أن نقتل كي نُشفى؟"


صرخ أحدهم: "هذا لا بد أن يكون كذبًا!"


لكنها لم تكن كذبة. لم تكن كذبة أبدًا!


لقد كانت الحقيقة المطلقة. شي ليان هو نفسه قد تحقق منها. اليد التي تلطخت بالدماء، اليد التي أزهقت روحًا، هي وحدها التي لم تصبها عدوى مرض الوجوه.


لم يكن أحد يتوقع أن تكون هذه هي الإجابة. ذُهلوا جميعًا، ثم بدأوا يثرثرون فيما بينهم.


"كيف يمكن أن يكون هذا صحيحًا؟"


"كنت دائمًا أستغرب منذ البداية، لكنني حقًا لم أسمع عن أي جندي أُصيب بمرض الوجوه! أخشى أن تكون الحقيقة هكذا فعلًا!"


"إنها الحقيقة!"


"لكن... أليس معنى ذلك أنه لتجنب العدوى علينا أن نقتل شخصًا؟"


"ومن نقتل؟"


الشخص الذي طرح السؤال قوبل بتوبيخ فوري:

"ماذا تعني بمن نقتل؟! لا تقل لي أنك تفكر فعلًا بالقتل؟!"


ابتلع الرجل كلماته ولم يجرؤ على الاستمرار. لكن العيون المئة التي كان يملؤها قبل قليل الخوف البحت، بدأت تتغير. بعضها صار يلمع بالفضول، وبعضها بالريبة.


وهذا بالضبط ما كان يخشاه شي ليان. ما إن يُكشف سر العلاج، حتى تكون النتيجة المحتومة: أن يبدأ الناس بقتل بعضهم.


ولهذا السبب أخفى الأمر في قلبه منذ أن عرف الحقيقة. أجل، بمجرد أن يقتل المرء يصبح محصنًا، وربما يتمكن معظم الناس من كبح أنفسهم، لكن لا بد أن يكون هناك من يائس بما يكفي ليُقدم على ذلك. ومتى سقطت أول قطرة دم لهذا السبب، سيتبعها ثانية، وثالثة... وسرعان ما يعمّ الفوضى العالم. وإذا كانت النتيجة كذلك، فمن الأفضل أن يُكتم السر وألا يُفصح عنه مطلقًا.


ابتسم شي ليان ابتسامة حزينة وقال:

"الآن تفهمون لماذا قلت إن هذه الطريقة بلا جدوى."


ساد الصمت بين الحشود. زفر شي ليان ثم قال بلطف:

"رجاءً، لا تفقدوا هدوءكم ولا تقدموا على تصرف متهور، وإلا فستقعون مباشرة في فخ هذا الكائن."


بين الجمع، كانت هناك امرأة من أسرة نبيلة تحمل طفلها بين ذراعيها. انفجرت بالبكاء قائلة:

"كيف وصل بنا الحال إلى هذا؟ لماذا نحن بالذات؟ لم نرتكب أي خطأ!"


فقاطعها أحد الحاضرين بغضب:

"بكاء بكاء بكاء، ألا تجيدين سوى البكاء؟ أظن أن الجميع هنا لم يرتكب خطأ! أتعلمين؟ لستِ الوحيدة المنكوبة!"


صرخت الزوجة بحدة:

"ماذا؟ حتى البكاء لا يُسمح لنا به؟"


ردّ الرجل بازدراء:

"وما فائدة بكائك إن صار إزعاجًا للجميع؟ الأفضل أن تصمتي!"


لم يكن أحد يتخيل أن جدالًا كهذا قد يندلع بسبب أمر تافه. لكن في حالة التوتر الشديد هذه، كانت شرارة صغيرة تكفي لتفجر النار.


سارع شي ليان إلى تهدئتهم:

"توقفوا! لا تتشاجروا! ابقوا هادئين! وحده الهدوء سيجلب الحل!"


لكن كلما حاول تهدئتهم، ازداد اضطرابهم.

"نبقى هادئين؟ كيف يمكن أن نبقى هادئين في وضع كهذا؟! إن كنت هادئًا فعلًا، فأرنا الحل! ماذا لديك؟!"


"... " صمت شي ليان عاجزًا. أي حل يمكن أن يوجد أصلًا؟ لم يكن هناك أي حل!


حاول جاهدًا أن ينبش في عقله عن فكرة، حتى شعر أن رأسه سينفجر، لكن لم يستطع التوصل إلى مخرج واحد لهذا المأزق!


فجأة، شعر بأصابع تضغط على وجنته. يد أمسكت بوجهه وأجبرته على الالتفات نحو الحشود أسفل المذبح. اتسعت عيناه من الدهشة.


وانطلق صوت بارد من خلفه:

"من نقتل؟ عند رؤية هذا الوجه... ألا تعرفون من الذي يجب قتله؟"


"...."


عندها تجمد كل شيء، حتى النيران الشبحية التي كانت تحوم فوقهم توقفت في مكانها.


واصل الأبيض عديم الوجه بنبرة هادئة:

"أما نسيتم؟ إنه إله. وهذا يعني..."


وقبل أن يسمع شي ليان بقية الجملة، اجتاح صدره برد قاتل.


أخفض بصره مذهولًا، ليجد رأس سيف أسود قاتم يخترق بطنه ويخرج من الجهة الأخرى.


كان السيف طويلًا نحيفًا، لونه قاتم كاليَشم الأسود، وحافته تعكس الضوء في خط فضي لامع. باردًا وخطيرًا كليلة شتاء متجمدة. بلا شك، كان سيفًا نفيسًا ونادرًا، من النوع الذي كان شي ليان يحلم به، ويستحيل أن يفرط فيه لو امتلكه.


حدق به غير قادر على تحويل عينيه عنه، إلى أن انسحب النصل ببطء من جسده واختفى مجددًا.


أكمل الأبيض عديم الوجه ببرود:

"...إن جسده خالد."


وقبل أن يستوعب أحد، قذف الأبيض عديم الوجه السيف نحوهم. دوى صوت ارتطامه بالأرض "طَنين!" وهو يغرس نفسه مائلًا أمام عشرات العيون المذهولة، بينما أخذت هالته الجليدية الثقيلة تنتشر ببطء.


اندفع الدم في حلق شي ليان، وقفزت كرة النار الشبحية نحوه محاولة أن تغطي جرحه.


اختنق بالدم وتأوه:

"أنت... أنت!"


كانت الأضواء ترقص أمام عينيه، وفجأة، هبت كرة النار الشبحية بغضب نحو الأبيض عديم الوجه. لكن الأخير قبض عليها بيده الباردة بسهولة وأمسكها أسيرًا.


وقال بابتسامة ساخرة:

"انظروا جيدًا."


وفي اللحظة التالية، أمسك شي ليان من وجهه وأجبره على النظر إليه مباشرة.

"ماذا عني؟ ألستَ أنت من أعلن أنك ستُنقذ الناس؟"


قال شي ليان مترددًا: "لكني... أنا..."


لم يتخيل قط أن يُجبر على إنقاذ الناس بهذه الطريقة!


أسفل المذبح، كان بعض الناس قد انهاروا بالبكاء من هول المشهد الدموي، بينما ظل آخرون يحدقون بجرأة مترددة.


"...هل... حقًا لن يموت؟!"


"إنه صحيح... انظروا، الدم قليل جدًا... إنه حي! ما زال يتنفس كما كان!"


اختنق شي ليان بسعال دموي عنيف.


عندها صاح أحدهم: "إذن، حتى لو قتلناه... فلن يموت؟!"


هتف آخر بحماسة: "هذا رائع!"


لكن صرخ فيه أحدهم: "رائع؟! ما الرائع في هذا؟!"


تمتم الأول بخجل: "بما أنه لا يموت... أليس هذا يعني أننا وجدنا الحل؟"


تردد صوت آخر: "لكن... أن نطعنه هكذا، هذا..."


ردّ أحدهم: "لكنه إله! حتى إن طُعن، لن يموت! أما نحن، فإن أصابنا المرض، فمصيرنا الهلاك المحتم!"


وبينما كان الصراع يتفاقم، قال الأبيض عديم الوجه بسخرية:

"الناس بانتظارك لتنقذهم. تفضل، تقدّم."


اشتعلت النار في عيني شي ليان:

"الطريقة الوحيدة لإنقاذ الناس هي بالقضاء على وحش مشوّه مثلك!"


ابتسم عديم الوجه الأبيض بازدراء:

"ما الأمر يا سموك؟ ألم تقل بنفسك إنك لن تموت أبدًا؟ لا تقل إنك تخاف الآن؟ بما أنك لن تموت، فلتضحِّ بنفسك وتُعفهم من عذابهم. أليس هذا أمرًا مبهجًا؟"


بصق شي ليان بغضب:

"هل كان هذا مخططك منذ البداية؟! أتظن أن كل البشر مرضى مثلك؟!"


وكما قال، لم تكن وجوه الناس في الأسفل مفعمة بالفرح كمن رأى الأمل، بل بالتردد والتضارب. لم يتفقوا على رأي واحد، لكن في الوقت نفسه، لم يجرؤ أحد على مد يده إلى السيف الأسود.


وكأن الأبيض عديم الوجه قرأ أفكارهم، انفجر ضاحكًا، ثم هز رأسه بأسى وقال:

"طفل أحمق... غبي."


أدار شي ليان رأسه بعيدًا، رافضًا أن يلمسه، وصاح بحدة:

"اغرب عن وجهي!"


قال الأبيض عديم الوجه بشيء من الشفقة: "أتظنون أنهم لا يريدون فعلها؟ أنتم مخطئون، الأمر ليس أنهم لا يريدون، بل فقط لأن أحدًا لا يود أن يكون الأول، هذا كل شيء."


"آآآآه!"


انطلق صراخ مؤلم من أسفل المذبح. كانت المرأة ذات الهيئة النبيلة قد صاحت: "طفلي! طفلي!" كان الطفل بين ذراعيها يبكي بمرارة، وعلى ذراعه الممتلئة بدأت بقع داكنة خشنة بالظهور. على الفور ابتعد من حولهم، تاركين فراغًا حول العائلة.


"سيء! الطفل أُصيب!!!"


امتلأت عينا الوالدين بالفراغ واليأس. تبادلا نظرة ثم نهضا دفعة واحدة، وتقدما نحو المذبح، وأمسكا بالسيف الأسود المغروس في الأرض، ووضعاه بين يدي طفلهما. وبتكشيرة ألمٍ تقدما به نحو شي ليان.


"...!"


كان النصل الأسود حادًّا للغاية؛ فما إن دوّى الألم القاسي في بطن شي ليان حتى كان الزوجان قد انتزعا السيف من جسده وأسقطاه أرضًا بصوت ارتطامٍ عالٍ، وهما يعتذران بلا توقف: "آسفان... طفلنا ما يزال صغيرًا، لم يكن أمامنا... أي طريق آخر. آسفان، آسفان، آسفان..."


حاول الوالدان التكفير عن فعلهما بوجوه شاحبة، فانحنيا مراتٍ عديدة أمام شي ليان قبل أن يعودا إلى الحشد حاملَين طفلهما. كان الدم قد غمر حلقه، وكاد أن يتقيأ، لكنه سمع ضحكة مكتومة من الأبيض عديم الوجه إلى جواره.


ابتلع الدم قسرًا وقال بغيظ: "ممَّ تضحك؟ أتظن أنك حققت مرادك؟! كل هذا بسببك!"


ازداد وهج النار الشبحية في يد ذلك الكائن. ثم قال بهدوء: "البشر لا يكشفون عن حقيقتهم إلا إذا أُجبروا."


الآن وُجد بين المئة شخص واحدٌ لم يعد يخشى داء الوجه. ومع رؤية البقع السوداء وهي تتلاشى شيئًا فشيئًا عن ذراع الطفل، ابتلع الواقفون ريقهم في صمت.


مضى وقت ثقيل، ثم تقدّم شاب من بين الصفوف. بوجهٍ سميك ويدين متشابكتين، انحنى مرارًا أمام المذبح وهو يتوسل: "آسف. لا أريد أن أفعل هذا. حقًا لا أريد... لكن ليس أمامي سبيل آخر. لقد تزوجتُ مؤخرًا، وأمي وزوجتي ما زالتا تنتظرانني في البيت..."


تقطعت كلماته فلم يستطع المواصلة. أغلق عينيه، ورفع السيف، ثم غرسه نحو شي ليان.


لكن لأن عينيه كانتا مغمضتين انحرف السيف وأصاب جانب شي ليان. وما إن فتح عينيه وأدرك أن الضربة لم تكن قاتلة، حتى انتزعه في فزع، وبيدين مرتجفتين طعنه مرة أخرى!


عضّ شي ليان على أسنانه كي لا يُصدر صوتًا، لكنه لم يخرج منه إلا أنين ضعيف بعد الطعنتين المتتاليتين. تسلّل خط من الدم الطازج من زاوية شفتيه.


صحيح أنه لن يموت. لكن هذا لا يعني أنه لا يشعر بالألم.

صوت تمزق اللحم تحت المعدن، احتكاك العظام، كل ذلك جعله يهذي، يتمنى الموت للخلاص من العذاب. في هذا لم يكن يختلف عن أي بشري.


بعد أن أنهى الرجل فعلته تراجع، وهذه المرة بلا أي انحناء. كان على وجهه مزيج غريب من الندم والارتياح، يصعب تمييز أيهما أعمق. ومع عودته إلى الحشد عاد الصمت يخيم.


ولم يطل الأمر حتى بدا أن بعض الناس يهمّون بالقيام متمسكين بأعذارهم الخاصة، لكن صوتًا ارتفع قاطعًا:


"لم أعد أتحمل."


التفت الحشد ناحية الصوت، ورفع شي ليان رأسه أيضًا. المتكلم كان مؤدي العروض القوي.


وبّخهم قائلاً: "أتطيعون هذا الوحش في كل ما يقول؟ برأيي أنه يهذي هراءً. وحتى لو كان كلامه صحيحًا، فإن حقيقة أنه لا يموت لا تجعل هذا أقل من جريمة قتل!"


قال له الواقفون من حوله: "يا رجل، افق، الجميع هنا على وشك الموت!"


فأجاب: "ألست أنا أيضًا هنا؟ ألن أموت مثلهم؟ لكن هل طعنتُ أحدًا؟"


أخرس هذا الرد بعضهم، لكن آخر سرعان ما صاح متهمًا: "أمثالك لا أهل لهم ولا أولاد، أليس كذلك؟ كلٌ يبحث عن نفسه، أما نحن فلدينا عائلات نعيلها، كيف نقارن بك؟"


أشار مؤدي العروض إلى الزوجين اللذين كانا أول من صعد وقال: "صحيح أنني بلا زوجة ولا ولد. لكن لو كان عندي، حتى ولو مت، لما سمحت لابني أن يراني أستعمل هذه الطريقة، فضلًا عن أن أمسك يده وأعلمه ذلك! لو نشأ ابنك مجرمًا فاللوم على والديه. إن كنتم متحمسين هكذا، فدعوا أبناءكم يغرسون السيف فيكم أنتم!"


صرخت الأم بوجه متألم: "لا تلعن ابني! إن أردت فالعنني أنا!"


غضب الزوج وقال: "هل جننت؟ تريد أن يقتل ابني أبويه؟ هذا انحراف أخلاقي!"


ربما لم يفهم مؤدي العروض معنى "الأخلاق" فردّ بازدراء: "القتل هو القتل! لكن لو تركت ابنك يطعنك فهذا شجاعة. ولمَ لا تذهبون وتغرسون السيف في ذاك الكائن الغريب ذي القناع؟"


ما إن قيل هذا حتى انفجر الأبيض عديم الوجه ضاحكًا. فاضت وجوه الناس بالذعر والغضب؛ الخوف موجَّه إلى الوحش، والغضب إلى مؤدي العروض.


خفضوا أصواتهم يوبخونه: "أنت..! اصمت!"


ماذا لو أغضبوا ذلك الوحش؟


أدرك مؤدي العروض الأمر وقال ساخرًا: "آه، إذن لا تجرؤون على لمس الشرير الكبير، وتكتفون بطعن آخرين؟"


لم يحتمل أحد الإهانة أكثر فقال متحديًا: "ظننت أن هذا الرجل الذي يثرثر طويلًا ربما يكون مميزًا، لكن أنظروا إليه الآن، وجهه شاحب بلا دم، أراهن أنه لن يعيش أكثر من يومين، لهذا يتبجح بيننا بلا مبالاة. إن كنت نزيهًا هكذا، فلِمَ لا تضحّي بنفسك لتفيدنا؟"


صحح مؤدي العروض: "لا أريد أن أضحّي بنفسي، كما لا يريد غيري. من يريد؟ هل أنت؟ هل أنت؟ لكن على الأقل، لن أطعن أحدًا!"


فقال آخر: "لكنه مختلف."


"وكيف ذلك؟"


"إنه إله! وقد قال بنفسه إنه يريد إنقاذ الناس. ثم... إنه لا يموت!"


كان مؤدي العروض على وشك الرد، لكن شي ليان لم يستطع الصمت أكثر. سعل بصوت ضعيف ونادى: "يا صديقي! أيها الرجل!"


فتح فمه، لكن بسبب الطعنات السابقة كان صوته واهيًا باهتًا. استدار الرجل سريعًا، وامتلأ صوت شي ليان بالامتنان: "شكرًا لك! لكن... لا بأس."


لو واصل الرجل كلامه فقد يتعرض للضرب. تذكّر شي ليان أن إصابات الرجل الداخلية كلها كانت نتيجة مبارزتهما في الماضي. شعر بالذنب فأضاف: "شكرًا لك! جروحك السابقة من تحطيم الصخور... هل شُفيت؟"


قال الرجل القوي بفخر: "هاه؟ ماذا تقول؟ كيف أُصاب؟ تحطيم الصخور مهارتي الأساسية!"


حتى في مثل هذا الموقف، كان رفضه الاعتراف بالضعف شبيهًا بمن يتقيأ دمًا ثم يقول "أنا بخير تمامًا." أراد شي ليان أن يضحك.


فجأة أشار أحدهم إلى مؤدي العروض وصاح: "إنه ينتشر! المرض ينتشر!"


تجمد شي ليان، وكذلك الرجل. وضع يده على وجهه، فوجد بالفعل بروزًا غير متساوٍ. ابتعد من حوله على الفور. فتح شي ليان فمه ليناديه، لكن... ليناديه إلى ماذا؟ ليُطعن هو الآخر؟ توقفت الكلمات في حلقه.


في لحظة التردد، مسح الرجل وجهه مرات، ثم اندفع خارج المعبد. ناداه شي ليان: "إلى أين تذهب؟ عُد! إن لم تُعالج سيتفاقم المرض!"


لكن الرجل أسرع أكثر وهتف: "لن أعود! قلت لن أفعلها، ولن أفعل..."


وسرعان ما اختفى. الغرائب المشوهة حول المعبد بدت كأنها أدركت أنه صار واحدًا منهم، فلم تعترض طريقه. واصل شي ليان مناداته، إلى أن غاب أثره عن الأنظار.


تمتم الناس أسفل المذبح: "انتهى، لقد رحل!"


"ذلك الأحمق! المرض سينتشر أينما ذهب، لقد فات الأوان! لقد أُصيب بالفعل!"


"هو... لا يكون قد نزل من الجبل ليقتل، أليس كذلك؟"


ومع ذلك، فإن كلمات الرجل القوي قبل مغادرته كبحت الناس داخل المعبد. مضى وقت ولم يجرؤ أحد على التقدّم لالتقاط السيف. تجمّد الموقف مؤقتًا.


لم يعرف شي ليان إن كان ما يشعر به فرحًا، أم ترددًا، أم خوفًا، لكن الأهم أنه لم يعرف ما ينبغي أن يفعله بعد ذلك. وبينما كان يحاول أن يستجمع أفكاره، نهض شخص وقال: "هل يمكنني أن أقول شيئًا؟"


كان رجلًا في منتصف العمر. رفع شي ليان نظره ورأى أن ملامحه مألوفة قليلًا، لكنه لم يتذكر أين التقيا من قبل. وبينما يحاول التذكّر، أعلن الرجل: "بصراحة، لقد حاول سرقتي من قبل!"


"...."


إنه ذلك الرجل!!!


صُدم الحشد.

"سرقة؟"


"أليس أميرًا؟ أليس إلهًا؟ كيف يرتكب السرقة؟"


أكد الرجل: "إنها الحقيقة المطلقة."


سأله أحدهم: "وماذا تريد أن تقول بالضبط؟"


"لا شيء آخر. أردت فقط أن أذكّر الجميع أنه حاول أن يسرق!" ثم جلس الرجل ثانية بعد أن قال كلماته.


ساد الصمت الكئيب أرجاء المعبد مجددًا. جملة واحدة فقط زرعت بذرة ظلام في قلوب الناس.


سرقة...


وفجأة، جاء عويل آخر من تحت المذبح.

صرخ أحدهم: "ساقي، ساقي! أشعر... بشيء غريب!"


مرة أخرى؟!


ولدهشتهم، لم يكن شخصًا واحدًا فقط. بل صرخ آخر في نفس الوقت: "أنا أيضًا! ظهري! أرجوكم، ساعدوني وانظروا إلى ظهري!"


لم يجرؤ أحد على الاقتراب منهما، فاضطر الاثنان إلى فحص نفسيهما. رفع أحدهما بنطاله، بينما خلع الآخر قميصه. وما إن تبيّن للجميع حال جسديهما حتى علت الصرخات في أرجاء المكان.


لقد ظهرت وجوه كاملة الملامح على جسديهما!


"كيف نمت بهذه السرعة؟!"


"ألم تنسوا؟ لقد قضينا وقتًا طويلًا هنا بالفعل!"


"لكن كيف لم يلحظوا؟!"


"لقد ظهرت في مكان غير واضح، وكان مجرد حكة بسيطة. كيف لي أن أعرف أنها ستتحول إلى هذا!"


"انتهى الأمر، انتهى... ربما بدأت تنمو على أجسادنا أيضًا."


"بسرعة! ليفحص كل واحد منا جسده!"


عمّت الفوضى داخل معبد ولي العهد. تعالت الصرخات في الأرجاء بعد الفحص. وكما هو متوقع! كان بالفعل هناك عدد كبير من الناس قد ظهرت على أجسادهم وجوه صغيرة مكتملة الملامح، لكنهم لم يلاحظوها من قبل. والآن بعدما نظروا، اكتشفوا أن تلك الوجوه مكتملة تمامًا، بعيون وأنوف وأفواه!


وكأن الكائنات المشوهة خارج المعبد قد أدركت الموقف، فبدأت ترقص بجنون أكبر، متشابكة الأيدي. لكن في الداخل انتشر جو خانق من الرعب الكثيف في كل اتجاه. كان قلب شي ليان يخفق بجنون كأنه سيخترق صدره.


حسبما يتذكر، فإن داء الوجه يحتاج وقتًا لينتشر، فلماذا يتفشى بهذه السرعة الآن؟

الأبيض عديم الوجه ! لا بد أنه هو السبب!


التفت شي ليان فجأة إلى ذلك المتفرج البارد العينين الذي أشعل كل هذا. وقبل أن ينطق، قفز شخص آخر من مكانه.


وهو يلهث بعينين حمراوين صاح: "أنت... أنت إله، أمير، ومع ذلك تجرؤ على السرقة؟"


تجمد شي ليان، غير فاهم لماذا أعاد الرجل ذكر ذلك الموقف تحديدًا، وقال مرتبكًا: "أنا..."


قاطعه الرجل بحدة: "نحن نصلي لك، فماذا فعلت؟ سرقت! وماذا جلبت لنا؟ وباء!"


هو جلب الوباء؟!


ارتسمت الدهشة على وجه شي ليان: "أنا...؟ ليس أنا! لقد كنت فقط..."


لكن صبر الناس قد بلغ حدّه الأقصى.


بعيون محمرة، التفّ المئة شخص حوله. أمسك أقربهم بالسيف الأسود المغروس في الأرض. انقطع نفس شي ليان.


قبض الرجل على السيف بيد مرتجفة وهو يتمتم: "أنت... يجب أن تطلب الغفران، أليس كذلك؟ يجب أن تكفّر عن خطاياك، أليس كذلك؟"


أطلق النصل الأسود هالة مخيفة، وبلغ خوف شي ليان ذروته.


كانوا كثيرين. لو طعنه كل واحد منهم، ماذا سيتبقى منه في النهاية؟

إلى جانب فكرة تحوّله إلى جسد مثقوب بآلاف الطعنات لا يميّزه شيء عن كومة لحم، كان هناك ما يخيفه أكثر: إحساس داخلي أنه إن سمح لهم بفعل ما يريدون، فإن شيئًا في قلبه لن يعود كما كان أبدًا.


لم يستطع الاحتمال، فصرخ: "أنقـ..."


لكن قبل أن تخرج عبارة "أنقذوني" من حنجرته، كان ذلك النصل الأسود نفسه قد غُرس في جسده من جديد. اتسعت عيناه رعبًا.


ثم سُحب السيف بخشونة. وتقدم آخر فورًا ليطعن في نفس الموضع تقريبًا. وأخيرًا تحرر الصوت المحبوس في حنجرة شي ليان، فخرجت صرخة مروّعة اخترقت كيانه كله.


كانت الصرخة حادة إلى حد أن من حوله اقشعرّت جلودهم. بعضهم أغلق عينيه وأدار وجهه بعيدًا.

"...لا تدعوه يصرخ! لنُنهِ الأمر بسرعة!"


شعر شي ليان بأحدهم يكتم فمه ويقيّد يديه وقدميه.

قال آخر: "أمسكوا به جيدًا ولا تدعوه يسقط. ولا تطعنوا في مكان غير قاتل، فالطعنة غير القاتلة لا تُحتسب!"


"قفوا في صف واحد! لا تتجاوزوا الدور! قلت لكم أنا أولًا!"


"أي الأماكن قاتلة؟ من أين لي أن أعرف؟"


"أينما كان، صوبوا إلى القلب أو الحلق أو البطن!"


"إن لم تكونوا واثقين أنكم أصبتم موضعًا قاتلًا، فاطعُنوه مرة أخرى!"


"لا! لو حصل أحدكم على دور إضافي، فأين سيطعن الباقون؟"


تبدّدت التردّدات الأولى، وصار الأمر عاديًا. ومع مرور الوقت صارت حركاتهم أكثر سلاسة. غدوًا ورواحًا بلا توقف، كان السيف يخترق جسد شي ليان. عيناه مفتوحتان على اتساعهما، والدموع الثقيلة تنهمر على وجهه. وفي أعماق قلبه، كان صوت يصرخ ويعوي بلا توقف:


أنقذوني.

أنقذوني، أنقذوني، أنقذوني.

أنقذوني، أنقذوني، أنقذوني، أنقذوني، أنقذوني، أنقذوني، أنقذوني...!!!


إنه مؤلم، مؤلم، مؤلم... مؤلم، مؤلم، مؤلم... مؤلم جدًا، مؤلم جدًا، مؤلم جدًا، مؤلم جدًا... مؤلم، مؤلم، مؤلم، مؤلم... مؤلم! مؤلم! مؤلم!!!


لماذا لا أستطيع أن أموت؟!

لماذا لا أستطيع أن أموت؟!!!


أراد أن يصرخ بأبشع صوت، لكن لم يجد كلمة واحدة في حلقه، ربما كان قد تمزق بالفعل. أراد أن يجنّ من الألم. وكأنه يعاني كل عذاب عاشته روحه في حيوات كثيرة، وأنه بعد الآن لن يعرف ألمًا آخر غير هذا. 


لم يعد يرى شيئًا، غرق العالم في ظلام دامس، سوى كرة من النار القريبة تحترق بشراسة، يزداد ضوءها سطوعًا وقوة. لكنها، وهي في كف الأبيض عديم الوجه، لم تستطع أن تتحرر.


لم يعد يسمع صرخاته الممزقة للقلب، بل سمع صرخة أخرى مروعة، بدت وكأنها انطلقت من تلك النار الملتهبة. لم تصدر منه، لكن الألم الذي حملته كان ذاته ألمه، وكأنه هو من أطلقها.


في النهاية، لم يستطع الحفاظ على عقله. تمتمت شفتاه، وتحطّم وعيه تمامًا. وفي اللحظة نفسها انفجر معبد ولي العهد بانفجار هائل، وانفجرت موجة من اللهب المشتعل في كل اتجاه.


" آآآآآآهههههههههه "


تعالت صرخات عالية ومنخفضة معًا. زمجرت النار العاتية، والتهمت كل شيء، ولم تدع مجالًا للهرب. تراقصت النار الشبحية بوضوح. وفي لحظة واحدة، احترقت مئة نفس كانت داخل معبد ولي العهد حتى لم يتبقَّ منها سوى عظام سوداء متفحمة!


وعندما هدأت النيران تدريجيًا، كانت كرة النار الشبحية الصغيرة قد اختفت. وحل مكانها هيكل غامض لشاب.


ركع الشاب أمام المذبح الأسود المتفحم، وانحنى بعمق، قابضًا رأسه بكلتا يديه، يصرخ صرخة مليئة بألم يفوق الوصف.


لم يجرؤ على النظر إلى ما تبقى فوق المذبح، لأن ما وُجد هناك لم يعد يشبه بشرًا.


العظام والجماجم متناثرة في أرجاء المعبد. أما الأبيض عديم الوجه، فقد انفجر ضاحكًا بجنون وهو يستدير ويغادر المكان. ولم تتوقف النيران الغاضبة عند حدود المعبد، بل حتى الكائنات المشوهة الراقصة خارجه تحولت إلى جثث يابسة ورماد. وكأن عديم الوجه لم ير شيئًا، مشى وسط البقايا المتفحمة وكأنها غبار لا يُرى.


اهتزت الغابة كلها، لا، الجبل كله ارتجف وصرخ في عذاب!


صعدت ظلال سوداء لا تُحصى إلى السماء، كانت أرواحًا مذعورة تهرب من أرض باتت بلا حياة. بعثرتها الرياح العاتية في كل اتجاه. وفوق المعبد، تكاثفت طبقة ضخمة من الغيوم السوداء، تهدر باضطراب، وتدور ببطء، لتشبه عينًا شيطانية هائلة.


هكذا وُلد كائن خبيث جديد، وهكذا تجلّت علامة ظهور شبح متوحش!








يتبع...

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي