الفصل مئتان وعشرة : فوضى في السماء؛ موجة شريرة تهزّ العوالم -٢-.
"مـ.. ما قصدك بمكافأتك ؟" سأل شي ليان.
فأجابه هوا تشينغ :
"برأيك أنت؟"
كان شي ليان يتخيل تماماً حاجبيه المرفوعين وابتسامته المنحرفة وهو يطرح هذا السؤال، فلم يعرف ماذا يمكن أن يقول.
تابع هوا تشينغ :
"وعلى ذكر ذلك، أليس غاغا مديناً لي بقدر كبير من القوة الروحية؟ ألست محقاً؟"
قال شي ليان بحذر:
"بلى."
سأله هوا تشينغ :
"وهل فكرت كيف ستسدد هذا الدين؟"
"...ليس بعد." أجاب شي ليان.
ضحك هوا تشينغ ضحكة خافتة، وقال:
"بما أنك لم تفكر بعد، فدعني أنا أحدد. بعد أن تنتهي هذه المسألة، وحين تحصل على عطلتك، يستطيع غاغا أن يأخذ وقته في سداد كل شيء لي. ما رأيك؟"
كان شي ليان يصد هجماته، وبين حين وآخر يختلس النظر إلى جون وو كأنه لصّ مذعور، ثم أجاب سريعاً:
"آه..اجل.. نعم، حسناً..."
وبعد أن ساقه خطوة بخطوة إلى هذا الاعتراف وحصل على ما يريد، بدا أن هوا تشينغ راضٍ تماماً، وتركه مؤقتاً. فقال بنبرة مرتاحة:
"والآن؟ من النادر أن يتصل بي غاغا عبر التواصل الروحي بنفسه، ما الأمر؟"
رمقه جون وو بنظرة صامتة.
فالسبب الذي سمح لأجله بهذا التواصل كان ببساطة ليبقي هوا تشينغ في مكانه، مطمئناً أن لا شيء يحدث، فيبقى في العالم السفلي دون أن يتحرك. وبالطبع، عرف شي ليان تماماً الجواب الذي كان جون وو ينتظره.
فقال ببطء:
"في الحقيقة، لا شيء مهم. فقط خشيت أنك ستقلق لغيابي الطويل."
سأل هوا تشينغ بدهشة:
"هم؟ ألم يقل غاغا بنفسه إنه لم يغب سوى أقل من ساعتين؟ فلماذا تقلق أن أقلق؟"
بدأ شي ليان يشعر بالدوار من هذا الدوران، خليط من القلق والابتسامة الخفيفة.
وفجأة قال هوا تشينغ :
"آه، فهمت."
انقبض قلب شي ليان:
"ماذا فهمت؟"
جاءه صوت ضحكة ناعمة من الطرف الآخر، ثم قال هوا تشينغ بتراخٍ:
"ربما أنت يا غاغا من افتقدني كثيراً لمجرد هذا الفراق القصير؟"
"...."
إن كان يستطيع سابقاً التملص بكلمات غامضة، فهذه الجملة كانت صريحة جداً، فلم يعد هناك مجال لإخفاء الحقيقة. وبرغم عيني جون وو الراصدة له، احمرّ وجه شي ليان.
وبعد لحظة، قال بخفوت:
"...أجل ."
أجاب هوا تشينغ بصوت ناعم:
"وأنا أيضاً. أرغب حقاً أن أطير إليك وأخطفك الآن."
امتلأ قلب شي ليان بدفء لطيف، لكن توتره ازداد في الوقت نفسه، وعيناه التقتا بعيني جون وو.
إن جاء هوا تشينغ فعلاً إلى العاصمة السماوية، فكيف سينتهي الأمر؟ كيف سيتعامل جون وو معه؟
كبح شي ليان مشاعره وقال بنبرة طبيعية قدر الإمكان:
"لا داعي. الوضع هنا في السماء فوضوي الآن. إن أتيت، سيجنّ الجميع. فقط انتظر قليلاً."
قال هوا تشينغ بكسل:
"مفهوم، غاغا . لن أصعد لإرعابهم. كما أنني أكره ذلك الضوء المبهج في العاصمة السماوية، ولا زلت أحرس الدائرة هنا. سأنتظر عودة غاغا بصبر."
لم يعلم شي ليان هل تنفس بارتياح أم برد خوف. فقال:
"حسناً، كن مطيعاً."
لكن هوا تشينغ أضاف:
"لكن، إن كنت سأكون مطيعاً، فلا بد أن يعود غاغا ومعه مكافأة. أريد جائزة."
قال شي ليان بسرعة:
"بالطبع، بالطبع."
ثم تبادلا بعض الكلمات العابرة، غامضة وملتبسة، بين أخذ ورد ووداع متكرر، حتى انتهى الاتصال أخيراً.
زفر شي ليان نفساً قصيراً، فقال جون وو:
"يبدو أن شيان لي عاش حياة مثيرة في العالم السفلي."
لم يعرف شي ليان كيف يرد. وبعد أن ربت جون وو على كتفه، استدار مغادراً قصر شيان لي ، لكن شي ليان ناداه من خلفه:
"جلالتك !"
توقف جون وو.
سأله شي ليان:
"من أنت حقاً؟ أأنت الإمبراطور؟ أم شيئ آخر؟"
كان تقبل الحقيقة صعباً عليه حتى حين شك بوجود صلة بين غوشي والأبيض عديم الوجه . أما إن كان جون وو نفسه متصلاً بذاك الكيان، فسيشعر وكأن عالمه كله سينقلب رأساً على عقب.
فجون وو هو أعظم مسؤول عسكري في العوالم الثلاثة، الذي كان يحترمه ويقتدي به!
لكن جون وو لم يجبه، وغادر متعمداً.
تُرك شي ليان وحده، فبدأ يفكر بخطط مضادة، بينما يجر جسده المرهق إلى الغرف الخلفية لقصر شيان لي .
ورغم أن القصر صار سجناً، إلا أنه كان سجناً جميلاً؛ ففي القاعة الخلفية حوض استحمام من اليشم الأبيض. وفي الأيام الأخيرة، خاض شي ليان معارك ضد الشبح الأبيض، ودخل الفرن، وزحف، تقلب، وقاتل، حتى أرهق جسده وروحه. وبما أنه لن يخرج في الوقت الراهن، فلا بأس أن يستحم ليستعيد نشاطه.
خلع ثيابه ونزل إلى المياه الدافئة، مسنداً جسده إلى حافة الحوض اليشمي الأبيض، يطوي ثيابه بلا وعي. وفجأة، انزلقت من كومة ردائه قطعتان صغيرتان، ارتطمتا بالحجر برنين واضح. نظر شي ليان عن قرب، فإذا بهما نردان صغيران لطيفان.
التقطهما ووضعهما في كفه، متذكراً كلمات هوا تشينغ :
"إن أردت رؤيتي، فلن يهم ما ترميه. سأظهر."
ومع ذلك، فمجرد أنه بادر بالاتصال الروحي مع هوا تشينغ كان أمراً غير طبيعي، ولعله لاحظ. لكن حتى لو أدرك هوا تشينغ أن هناك خللاً، فلن يستطيع الصعود، فالعاصمة السماوية الآن معزولة تماماً، تحت سيطرة جون وو.
وبرغم علمه التام، ومعرفته أنه حتى لو رمى رقمين ستة فلن يرى هوا تشينغ ، جرّب. تدحرج النرد على حافة حوض اليشم. وكعادته، كان حظه سيئاً؛ عينان. ولم يتحرك شيء، كما هو متوقع.
تنهد شي ليان واستدار، وكان على وشك أن يغمر وجهه وجسده بالكامل في المياه، لكن فجأة سمع صوتاً ينادي:
"غاغا ."
قفز شي ليان من المياه فوراً، فتطايرت حوله الرشقات. "سان لانغ؟"
هل استدعى هوا تشينغ فعلاً؟؟
لكن بعد أن مسح المكان بعينيه، لم يجد أي أثر لأي شخص. ومع ذلك، ذلك الصوت لم يكن وهماً ناتجاً عن التمني، بل كان حقيقياً. دق قلبه بشدة حين سمع صوتاً آخر ينادي:
" سموك !"
"...."
حينها فقط أدرك شي ليان أن الصوت قد خرج من فمه هو نفسه!
كان صوته، لكن في أجواء الحوض الواسع وضبابه والطرطشة حوله، لم يكن واضحاً. تجمد في مكانه للحظة، قبل أن يستوعب—إنها تعويذة تبديل الأرواح!
تفاجأ شي ليان وشعر بفرح غامر. "سيد الرياح!؟"
فخرج صوت آخر من بين شفتيه، متحمس جداً:
"نعم، أنا هو! هاهاها! مذهل، أليس كذلك؟ هذا السيد الرياح—لا، لقد عادت إلي قواي الروحية!!!"
سابقاً ذُكر أن تعويذة تبديل الأرواح لا تُستخدم عادة لأنها تستنزف القوى الروحية بسرعة هائلة. وهي أعجب وأندر من تعاويذ التواصل الروحي المعتادة، ولهذا لا تفكر الحواجز عادة في منعها. بعد أن فقد شي شينغ شوان قواه الروحية، كان الباب المؤدي لشي ليان مغلقاً من جهة واحدة. لكنه لم يتخيل أن يأتي هذا اليوم ويستفيد منها الآن.
سأل شي ليان:
"شينغ شوان، هذه التعويذة تستهلك الكثير من الطاقة، من أين حصلت على قواك؟"
لكنه سرعان ما خمّن الجواب بنفسه—من غيره؟
وبالفعل، أجاب شي شينغ شوان:
"القصة طويلة! أوه لا، ليست طويلة جداً. ذلك زهرة المطر القرمزي خاصتك أعطاني بعض الحلوى السوداء، لذيذة بشكل خارق! طاقتي الروحية انفجرت بعد أن أكلتها! صحيح أنها مؤقتة، لكنها تكفي لبعض الوقت. التواصل لن يكون مشكلة. فقط... الطعم سيء جداً، بَتفوي! بَتفوي!"
"...."
لم يستطع شي ليان إلا أن يتذكر حلوى جوهر الأشباح التي تناولها باي مينغ من قبل، لكن حلوى هوا تشينغ كانت بالتأكيد بجودة أعلى بكثير.
سأل شي ليان:
"من الذي ناداني بـ غاغا قبل قليل؟"
أجابه شي شينغ شوان:
"أنا!"
تنهّد شي ليان :
"ولماذا ناديتي هكذا؟ لقد اعتقدت للحظة أن..."
قال شي شينغ شوان:
"أعلم، كنت تظن أن زهرة المطر القرمزي قد جاء بنفسه، أليس كذلك؟"
تنحنح شي ليان بخفة، فأكمل شي شينغ شوان:
"هو من طلب مني أن أناديك هكذا. قال إنك إن سمعتني أناديك بـ غاغا ، ستعلم أنه قريب منك، وستشعر بالراحة."
وبالفعل، حين سمع غاغا سابقاً، وبرغم دهشته، شعر براحة وطمأنينة.
قال شي ليان:
"هل هو بجانبك الآن؟ وهل الأمور بخير في العاصمة الملكية؟ الأرواح الناقمة لم تتحرك فجأة، أليس كذلك؟"
أجابه شي شينغ شوان:
"كل شيء بخير هنا في العاصمة، وما زالت الأرواح الناقمة تُطهَّر. لكن، قبل قليل، حين كنت تتحدث مع زهرة المطر القرمزي، كان يضحك ويقهقه وهو يتكلم معك. وبعد أن انتهى الاتصال، انقلب وجهه فجأة مظلماً بشكل مرعب. ثم ناداني ليجرب هل أستطيع نقل روحي إليك. أوه صحيح، سموك ، عندي رسالة منه: 'سموك ، من فضلك ارتدِ ثيابك أولاً'. ظل يكررها علي، لا أدري لماذا، فحتى لو كنت عارياً فلن تُصاب بالبرد في السماء."
"...!" كاد شي ليان أن يغشى عليه، فأسرع، بسرعة البرق، والتقط رداءً ليغطي نفسه.
"ه-ه-ه-هو... سان لانغ يستطيع أن يرى؟؟؟"
"نعم." أجاب شي شينغ شوان ببساطة. "الأمر مرهق أن أظل أكرر له ما يحصل، لذا أنقل له مباشرة كل ما أراه وأسمعه. وهكذا يعرف كل ما تفعله وتقول. فقط، لا يستطيع أن يتحدث إليك أو يتحكم بجسدك مباشرة."
يا سيد الرياح المبجل، أنت منفتح أكثر من اللازم!!!
لو كان يعلم، لما استحم أصلاً! ظن أنه سيحتاج للتفكير أكثر قبل أن تحين فرصة كهذه!
قال شي شينغ شوان:
"لا بأس سموك ، لم أظن أنك ستُمانع أموراً كهذه. كلنا رجال هنا، ألم يرك هوا تشينغ من قبل؟ ثم إنني لم أرى الكثير على أي حال..."
كان منفتحاً حقاً أكثر من اللازم. رفع شي ليان يده وصفع جبينه، ثم ارتدى ثيابه بسرعة خاطفة، وأمسك بالنرد قبل أن يغادر القاعة، مغيراً الموضوع فوراً:
"سان لانغ، كيف اكتشفت أن هناك شيئاً غير طبيعي؟"
بعد لحظة صمت، أجاب شي شينغ شوان:
"زهرة المطر القرمزي قال إنه علم منذ اللحظة التي اتصلت به فيها. أوه، يريدني أن أخبرك: 'غاغا خجول جداً، لو لم يكن هناك أمر مهم، فكيف كنت ستبادر بترديد كلمة السر الخاصة بي؟'"
"...."
إذن هذا هو السبب بالفعل. ويبدو أن شي شينغ شوان كان ينقل الحديث بينهما.
قال:
"حسناً، حسناً، كفى مزاحاً، لندخل في الجد.سموك ، ما الذي يحدث بالضبط عندك؟ هل الإمبراطور ليس موجوداً؟"
أجاب شي ليان بمرارة:
"بل موجود، وبسببه بالذات صار كل هذا!"
وحين لخص له النقاط الأساسية فقط، اهتز شي شينغ شوان ذعراً.
"يا إلهي! يا إلهي! سموك ، ألست تهذي؟ إنه الإمبراطور! نحن نتحدث عن الإمبراطور!!!"
قال شي ليان:
"لم أعد واثقاً أنه هو بعد الآن. سان لانغ، ما رأيك أنت؟"
وبعد لحظة، أجاب شي شينغ شوان:
"زهرة المطر القرمزي لم يبدُ متفاجئاً، فقط قال: 'لست متفاجئاً. لم أكن أطيقه منذ زمن'."
عجز شي ليان عن الكلام وضحك اختناقاً:
"ألا تطيق أحداً؟"
كان السؤال موجهاً لهوا تشينغ . فردّ شي شينغ شوان:
"قال: 'باستثناءك، لا'. يا إلهي، هوا تشينغ تشو، هذا ليس لطيفاً! أنا واقف هنا، ألا تطيقني أيضاً؟؟ ما مشكلتي أنا؟"
"حسناً، حسناً، كلها مزحات. على أي حال، كل المسؤولين العسكريين هُزموا، وكل مسؤول سماوي محتجز في قصره. العاصمة السماوية كلها معزولة الآن، ولا سبيل للوصول إليها."
فقال شي شينغ شوان:
"زهرة المطر القرمزي قال إن هناك طريقة للصعود إلى السماء، لكن سنحتاج مساعدة شخص ما."
"من؟" سأل شي ليان، لكن بعد لحظة صرخ فجأة:
"مـن هو؟؟؟"
لم يكن هذا السؤال موجهاً لهوا تشينغ أو لشي شينغ شوان. بل لأن حركة غريبة صدرت من خلفه.
لقد جاء أحدهم!
يتبع...
تعليقات: (0) إضافة تعليق