الفصل مئتان وواحد وعشرين : لقاء مع ملك الأشباح؛ الاختباء في قصر ولي العهد -١-.
هذه المرة، لم تكن ابتسامة هوا تشينغ زائفة ، بل على العكس، كان أكثر إشراقًا.
أصيب غوشي بالذهول، ورفع يده مشيرًا إليه وهو يرتجف:
"أنت... أنت أنت، أأنت هو؟ ذلك الطفل؟! أنت ذلك الطفل؟؟؟"
كان إصبعه وصوته يرتجفان، بينما ظل هوا تشينغ مبتسمًا بمرح من دون أن ينطق بكلمة، لكن ملامحه كانت تقول بوضوح: صحيح، أنا نجم الوحدة بعينه، ذاك الذي كاد أن يحرق جبل تايسانغ بأكمله!
"...."
التفت غوشي ليطالب ولي العهد قائلًا:
"سموك ، ما الذي يحدث هنا؟ هلا شرحت لي قليلاً؟"
فتح شي ليان كفّيه وابتسم ابتسامة محرجة، ثم قال:
"إنه... كما ترى تمامًا."
اندهش غوشي تمامًا، وصفع ظهر يده اليمنى براحة كفه اليسرى مرارًا وتكرارًا قبل أن يتمكن من الكلام أخيرًا:
"أرأيت؟ أرأيت أرأيت أرأيت؟ ألم أقل لك؟ ألم أقل لك إن ملوك الأشباح العظام لا ينبغي استفزازهم بهذه السهولة؟ لقد ظل يلاحقك منذ كان صغيرًا، يا له من إصرار مرعب! كم مضى؟ ثمانمئة عام؟ ثمانمئة عام كاملة! يلاحقك منذ ثمانمئة عام! مخيف، شديد الرعب! إن توقعاتي صائبة تمامًا!"
توسل شي ليان:
"سيدي، أرجوك، دعنا من هذا الحديث، لا تذكره ثانية..."
وفكّر في نفسه: لم ترى بعد التماثيل الإلهية التي تملأ كهف العشرة آلاف إله. لو رأيتها، لظننتَ أن هوا تشينغ وحش مسعور من طوفان، شبح مجنون هائج، وكنتَ ستحملني تحت ذراعك وتهرب بي بعيدًا.
لكن غوشي لم يستفق بعد من صدمته وقال:
"لا، إنه مخيف جدًا على هذا النحو، يا لها من هوس عميق ومكيدة بالغة! سموك ، عليك أن تكون حذرًا للغاية، فقد تُستغل بسهولة في وضع كهذا. حذارِ أن يخدعك!"
فقال شي ليان:
"سان لانغ لا يفعل ذلك."
وأضاف هوا تشينغ ببرود:
"سيدي الحكيم يبالغ في التفكير. قد أخدع أيّ أحد، إلا سموه."
مال غوشي إلى الأمام ليجادله:
"أيها الشاب الماكر، لا تظن أنني لا أراك على حقيقتك! أليس الأمر أنك تستغل جهل صاحب السمو في هذه الأمور؟! هيا، أخبرني الآن، وجهاً لوجه، كيف تُعطى القوة الروحية؟ كم طريقة لها؟ وكيف نقلتها إليه؟ ماذا قلت له؟"
"..." فبدأ شي ليان يصرخ بأصوات عشوائية ليتدارك الموقف:
"هاهاهاها! حسنًا حسنًا! دع الأمر! لا يهم كيف انتقلت، المهم أنها انتقلت، أليس كذلك؟! هاهاها، كله واحد، كله واحد!"
ولو استمر النقاش أكثر، لبدأ يخفق كالبطة تُسلق حية.
ثم اعتدل فجأة وقال بجدية:
"فلنترك هذا، ولننتقل إلى الأمر المهم. لقد حبسنا هنا ولم يُقدم على أي فعل بعد، فما الذي يخطط له؟"
قال هوا تشينغ :
"على الأرجح، يُفكّر في نصب لغز جديد لك."
تساءل شي ليان:
"وكيف سيفعل ذلك؟"
أجاب غوشي:
"من الصعب تحديد ذلك، فكل شيء ممكن. لكن سموك ، لا تُغيّر الموضوع! أنصحك ألا تدع الأهواء تضللك، أو تنخدع بالكلام المعسول. أقول إنه..."
لكن فجأة قال هوا تشينغ بنبرة مظلمة:
"غاغا ، لقد جاء أحدهم."
قال غوشي ساخرًا:
"لا تظن أنك تستطيع خداعي. لستُ ساذجًا كصاحب السمو..."
إلا أن شي ليان قاطعه قائلًا:
"آه، سيدي ، إنه لا يكذب عليك، لقد جاء شخص فعلًا. لنختبئ بسرعة!"
قفز هو وهوا تشينغ بخفة، وارتفعا إلى العارضة الخشبية في سقف القاعة واختفيا عن الأنظار، فيما تبعهما غوشي مذعورًا.
بعد لحظات، دوّت من الخارج أصوات خطوات مضطربة. ركل أحدهم الباب بعنف، واقتحم وهو يضحك بوحشية:
"واهاهاهاهاها! عالم السماء هذا لا شيء! ألم ينهار في النهاية تحت قدمي هذا الجد العظيم؟!"
"...."
"...."
"...."
وما إن سمع الثلاثة هذا الصوت، حتى خيّم عليهم الصمت التام.
دخل رجل يرتدي ثوبًا أخضر متمايلًا بخطواته المتعجرفة. ومن يكون إن لم يكن شي رونغ، الذي لم يروه منذ أيام؟
اتضح أن جون وو لم يكتفي بحبس جميع المسؤولين السماويين، بل أطلق أيضًا سراح الوحوش والشياطين. أن تتمكن تلك المخلوقات من التسكع والفوضى في شوارع العاصمة السماوية بكل حرية، فهذا أقرب إلى انهيار للعقل والمنطق، أمر بالغ الغرابة!
حتى غوشي لم يكن يتوقع أن يكون الداخل هو شي رونغ، فتصلب في مكانه. فأشار شي رونغ نحوه صارخًا:
"أيها الغوشي اللعين! أيها العجوز الملعون، العجوز الذي لا يموت! هاهاها ! أتذكر كيف ازدرَيتني ورفضت أن تأخذني تلميذًا عندك؟ ما رأيك الآن؟! لك صفعة على وجهك! هذه كارما! تستحق هذه النهاية!"
ومن خلفه أطلت رأس صغيرة بخجل، كان غوزي. ربما كانت هذه أول مرة يدخل فيها إلى بناء مهيب كهذا، فبدت عيناه متسعتين، تجولان في كل زاوية، وكأنه يرغب بلمس تلك الجدران المرصعة باليشم سرًا، لكنه لا يجرؤ.
كان شي رونغ فخورًا بنفسه وقال مزهوًا:
"أيها الابن العزيز، أنظر! هذا هو عالم السماء، وقد صار الآن مملكة أبيك!"
انبهر غوزي وقال:
"حقًا يا أبي؟ هذا المكان ضخم جدًا..."
أجاب شي رونغ بصوت عالٍ:
"بالطبع! وإن لم تصدقني، فشاهد بنفسك: تِف تِف تِف! أبصق حيثما أشاء، فمَن يجرؤ على منعي؟!"
غوشي: "...".
تردّدغوزي لحظة، ثم قال بخفوت:
"أبي، هذا ليس جيدًا، البصق على الأرض. المكان هنا جميل ونظيف، ستوسخه..."
فتوقف شي رونغ مشدوهًا.
لم يستطع غوشي أن يتمالك نفسه أكثر، فانفجر قائلًا:
"أنظر إلى نفسك! كيف تُربي الأطفال؟ كم عمرك الآن وما زلت لا تعرف كيف تكون قدوة حسنة؟ حتى الأطفال أكثر نضجًا منك!"
تلقى شي رونغ التوبيخ من الجانبين، فاشتعل غضبًا بدلًا من الإحراج، وقفز صارخًا:
"أيها العجوز اللعين، ما الذي تعرفه أنت؟! تتظاهر بأنك شيخ حكيم، لكني لن أسمح لكما أن تؤدباني! وأنتَ أيها الصغير، كيف تجرؤ أن تخاطب أباك هكذا، يا عاقّ!"
تألم غوزي من التوبيخ، فصمت مظلومًا. وبعد أن انتهى شي رونغ من صراخه، مسح خجلًا البقعة التي بصق فيها بقدمه متظاهرًا كأن شيئًا لم يحدث، ثم أخذ يسبّ ويشتم وهو يجرّ غوزي خارجًا. وقبل أن يغادر، كتب على الجدار الأبرز في قصر لينغ وين بخط كبير:
"ملك الأشباح الأول في العوالم الثلاثة، الشبح الأخضر شي رونغ، مرّ من هنا".
وبعد مغادرة شي رونغ، سقطت من كمّ شي ليان دمية داروما زرقاء كان قد خبأها. تدحرجت على الأرض أمام الجدار حيث كُتبت تلك الكلمات وبقعة البصاق الممسوحة، وبدأت تدور بجنون كما لو كانت تغلي غضبًا. قفز شي ليان وهوا تشينغ من مكان اختبائهما، فانحنى شي ليان ليلتقط الدمية مجددًا.
هز غوشي رأسه قائلًا:
"إن الأمير شياو جينغ... مئة عام تمر عليه كاليوم الواحد، ذوقه رديء للغاية، لا أصدق أنه لم يتحسن قيد أنملة."
ألقى هوا تشينغ نظرة على الحائط، ثم لم يكلف نفسه حتى إظهار أي اشمئزاز، واكتفى بكلمة واحدة:
"قبيح."
وافقه غوشي هذه المرة، وأدخل يديه في كمّيه قائلًا:
"قبيح للغاية. طوال هذه السنين، لم أرى شيئًا أشد قبحًا إلا تلك الأبيات المشؤومة التي خُطّت على أبواب وكر المقامرين في مدينة الأشباح. ذاك الخط كان أكثر قبحًا بعشر مرات من هذا! لم أرى ما يفوقه بشاعة."
هوا تشينغ : "..........."
أما شي ليان فحاول جاهدًا أن يضحك الأمر قائلًا:
"هاهاهاهاها، يا سيدي، لقد رأيتُ تلك الأبيات التي تتحدث عنها، وظننتها مكتوبة بشكل لا بأس به؟ فيها أسلوب مميز، أعجبتني في الحقيقة."
نظر غوشي إليه مستغربًا:
"سموك ، كيف تقول هذا؟ لقد تلقيت تعليم الخط على أيدي أعظم الأساتذة، كيف لا تميز بين الجمال والقبح؟! ذاك الخط هو الأسوأ في العوالم الثلاثة، لا يستطيع حتى أفضل المعلمين إنقاذه. فما الذي أعجبك فيه إذن؟ أفسد ذوقك إلى هذا الحد؟"
شي ليان:
"هاهاهاهاهاهاهاهاها سيدي، أرجوك لا تقل شيئًا أكثر!!!"
وفجأة قال هوا تشينغ ببرود:
"غاغا ، إن جون وو بدأ بالتحرك. على الأغلب سيتوجه للبحث عنك. إنه في طريقه الآن إلى قصر شيان لي."
ارتعد غوشي وقال:
"ماذا! إذن يجب على صاحب السمو أن يسرع بالعودة! وأنت أيها المطر القرمزي الذي يبحث عن الزهرة ، عليك أن تخفي نفسك جيدًا، فلا بدّ ألا يكتشف أنك مع ولي العهد. أما أصدقائي الثلاثة، فأجساد أرواحهم الجبلية لا تزال محتجزة داخل حدود جبل تونغ لو، وهم يحاولون التحرر. مهما كان ما سنفعله، فستكون فرص النجاح أكبر بعد أن يتحرروا. تذكّر، لا تقدم على عمل متهور!"
بطبيعة الحال، كان شي ليان مدركًا لهذا. وبعد أن ودّع غوشي، غادر مع هوا تشينغ قصر لينغ وين مسرعين متخفيين، يتسللان بخفة متجنبين الحراس والشياطين. ولم يبقى سوى أربعة شوارع تفصلهم عن قصر شيان لي، حين تكلم هوا تشينغ ثانية:
"غاغا ، لم يعد يفصل بينه وبين قصر شيان لي سوى شارع واحد."
شهق شي ليان: "!"
ولمس الفراشة الفضية المراقِبة، فإذا بمشهد يتراءى أمام عينيه. بالفعل، كان جون وو يسير بخطوات هادئة، يد خلف ظهره، ولم تبقى سوى مئة خطوة فقط ليصل إلى بوابات قصر شيان لي.
ما العمل الآن؟؟
ألن يعني هذا أنهم سيصلون بعده أو يصطدمون به وجهًا لوجه؟! والأسوأ أن الحراس عند بوابات قصر شيان لي ما زالوا متحجرين بسحر هوا تشينغ !
وفجأة، انفتحت أبواب القصر الإلهي خلف جون وو، وخرجت منه شخصية خاطبته:
"جلالتك ."
توقف جون وو في خطاه ونظر للخلف.
"سيدة المطر؟ ما الأمر؟"
إن من أوقفه لم تكن سوى سيدة المطر. ولعل ذلك بسبب تعليماته السابقة بألا يقترب أحد من مقرها، لذا لم يكن هنالك شياطين أو وحوش قرب المكان سوى الحراس.
قالت بأدب:
"جلالتك ، نسيت أن أسلّمك شيئًا. أيمكن أن أتجرأ وأطلب من جلالتك أن يدخل للحظة؟"
أومأ جون وو برأسه قائلًا:
"حسنًا."
وبالفعل، استدار عائدًا. زفر شي ليان بارتياح عميق.
"الشكر للالهة الى وجود سيدة المطر!"
وعزم في قلبه أنه عند عودته، سيحرق لها ثمانية عشر عودًا من البخور الطوال شكرًا!
انتهزا هذه الفرصة، واندفعا عبر الشوارع الأربعة بسرعة البرق، وعادا إلى قصر شيان لي قبل وصول جون وو. وما إن دخلا من البوابات حتى لوّح هوا تشينغ بيده وأزال السحر عن الحراس. أصابهم الارتباك لبرهة، لكنهم لم يلاحظوا شيئًا غريبًا.
ركض شي ليان إلى غرفه الداخلية، وقبل أن يتمكن من التنفس بارتياح، تغيّر وجهه فجأة، إذ أعلن الحراس عند البوابات عن وصول جون وو.
لقد جاء بهذه السرعة! يبدو أن سيدة المطر لم تستطع أن توقفه طويلًا.
تبادل الاثنان نظرات حذرة دون كلام، فاختبأ هوا تشينغ خلف الستائر، بينما قفز شي ليان إلى السرير متظاهرًا بالنوم، وظهره مواجه للغرفة. بالكاد شد الغطاء على جسده، حتى دخل جون وو.
اقترب ببطء من الطاولة، وظل صامتًا للحظة قبل أن يتحدث:
"شيان لي ، هل تستريح؟"
لم يُجب شي ليان. بدا أن جون وو جلس عند الطاولة، ووضع شيئًا كان بيده على سطحها، ثم صب لنفسه كوبًا من الشاي.
قال بلطف:
"شيان لي ، لقد أبقيتك هنا لمصلحتك. هناك الكثير من الأمور التي، لو أنك استمعت إليّ، لكان مآلها أفضل بكثير."
ظل شي ليان مستلقيًا بظهره نحوه دون أن يتحرك. فلولا أنه تذكّر كلام غوشي، لكان قلبه الآن يضجّ كالأمواج المتلاطمة، ولا يدري أي وجهٍ يُظهر أمام جون وو، الذي لا يزال يتحدث بهذه النبرة الرقيقة.
لكن في اللحظة التالية، سمع خلفه صوت جون وو يتباطأ وهو يقول:
"لكن، ليس فقط أنك تسللت للخارج للهو، بل جلبت معك أيضًا شخصًا وأخفيته في حجرتك. يبدو أنك لم تعد تُصغي إليّ أبدًا."
يتبع...
تعليقات: (0) إضافة تعليق