القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

ch27 tgcf

 الفصل السابع و العشرين: تسكع هواليان ؛ليلة السقوط في حفرة المذنبين -٤-.


"كي مو، ما الذي يحدث؟" سألت المعلمة بلغة بان يوي عندما هبطت.

في لحظة تحدثت، شعر شي ليان أن صوتها كان مختلفًا جدًا عما كان يتوقع. على الرغم من أنه لا يزال باردًا، إلا أن صوتها كان هادئًا، كصوت طفلة متذمرة، وليس بصوت ذو طابع قوي. لولا سمعه الحسّاس، لم يكن بإمكانه سماعها بوضوح.

"ما الذي يحدث؟! الجميع مات!!" صاح كي مو.

"كيف ماتوا جميعًا؟" سألت المعلمة .

"أليس لأنك دفعتهم جميعًا وحبستهم في هذه الجحيم الملعونة؟!"

"من هنا؟ يوجد شخص آخر" قالت المعلمة .

في قاع الحفرة يجب أن يكون هناك شخصان آخران، لكن سان لانغ لم يكن لديه نبض أو تنفس، لذلك لم تشعر المعلمة بوجوده. ونظرًا للفوضى التي كانت على أعلى الأسوار في وقت سابق، لم يتمكن أحد من تتبع من سقط ومن هرب، لذلك اعتقدت أن هناك فقط شي ليان.

"هم من قتلوا جميع جنودي، هل أنت سعيدة الآن؟ أصبح كل من كنتِ ترغبين في قتلهم ميتين أخيرًا!"

ظلت المعلمة صامتة، وفجأة اشعلت برقة صغيرة، وأضاءت فتاة صغيرة ملتفة بثياب سوداء تحمل فانوسًا صغيرًا في يدها.

الفتاة بدت عمرها خمسة عشر أو ستة عشر عامًا، عيناها مظلمتان، ليست بجمال مطلق، ولكنها مكتئبة فقط. كان جبينها وخديها مليئين بالكدمات، وكانت واضحة ومميزة تحت الضوء. تحمل فانوسًا صغيرًا في يدها، وكانت ترتجف بيدها، مما جعل اللهب يتذبذب.

لو لم يكن قد تم تأكيد هويتها مسبقًا، لم يكن أحد سيعتقد أن هذه الفتاة الصغيرة الباهتة هي معلمة بان يوي.

اللهب في يدها أضاء نفسها ومحيطها. كانت الأرض بجانب قدميها مكدسة بجثث جنود بان يوي بالدروع.

لم يستطع شي ليان منع نفسه من إلقاء نظرة جانبية.

فانوس الفتاة كان صغيرًا جدًا ولم يضيء الحفرة بأكملها، لذلك لا يزالون غارقين في الظلام. ولكن باستخدام الضوء الباهت، كان شي ليان قادرًا على رؤية بوضوح بأن الشخص المجاور له يرتدي اللون الأحمر. 

لم يكن واضحًا بالكامل، ولم يكن متأكدًا، لكنه قادرًا على التمييز إلى حد ما ما هو قريب منه. بالفعل كان سان لانغ أطول منه، لكن الآن، ربما يبدو أطول مما كان عليه سابقًا.

حرك شي ليان عينيه لأعلى، ثم توقف عند العنق، ثم استمر في الصعود ليتوقف عند ذقن جميل الشكل.

الملامح العلوية لسان لانغ لا تزال مختبئة في الظلام، ولكن شي ليان اعتقد أن الجزء السفلي مختلف تمامًا عن السابق. لا يزال وسيمًا، لكن الخطوط أصبحت أكثر وضوحًا. شعر بأنه يُراقب، فمال سان لانغ رأسه قليلاً، وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه.

ربما أراد أن يحصل على نظرة أفضل، ويقترب أكثر، فدون أن يدرك ذلك، اقترب شي ليان خطوة أخرى منه.

فجأة، صرخ كي مو من بعيد ، يبدو أنه في حالة صدمة بعد أن رأى المأساة الدموية أمامه. فاستعاد شي ليان سريعًا تركيزه ونظر نحو الجهة الاخرى ، ورأى كي مو يمسك برأسه بيديه، وعلى الرغم من صراخ الجنرال، لا تزال تعبير المعلمة جامدًا ، وأومأت برأسها فقط.

"جيد."

في منتصف الحزن، جعلت تلك الكلمة كي مو يغضب مرة أخرى.

"جيد؟ ماذا تعنين؟ ماذا تعنين بذلك؟!"

"جيد يعني أننا أخيرًا تحررنا"، أجابت المعلمة .

ثم التفتت إلى شي ليان الذي لا يزال ملتفًا بالظلام. "أنت من قتلهم؟"

"هذا... كان حادثًا"، أجاب شي ليان.

"أنت تكذب علينا بوجهك!"، صاح كي مو.

رد شي ليان بجرأة، "الحياة مليئة بالحوادث!"

أطلقت بان يوي عليه نظرة، لكن تعبيرها كان غامضًا. "من أنت؟"

كانت كلماتها بلهجة الهان التي تتكلمها بطلاقة، ولم تكن تسأل بطريقة استفهامية.

* لهجة الهان هي لهجة شعب يونغ ان

"أنا مسؤول سماوي. وهذا هو... صديقي"، أجاب شي ليان.

لم يستطع كي مو فهم كلامهما، لكنه كان يدرك أنهما ليسا في حالة قتال، فطالب بقوة، "ماذا تقولون؟"

نظرت المعلمة إلى شي ليان، ثم نظرت بعينيها إلى سان لانغ للحظة قبل أن تعود سريعًا إلى النظر بعيدًا. ثم قالت: "لم يأتِ أبدًا مسؤولون سماويون لزيارتنا من قبل. اعتقدت أنكم قد تركتم هذا المكان منذ زمن."

كان شي ليان يظن أنه سيضطر لمحاربة معلمة بان يوي، لكنه فوجئ بأنها مفقودة الروح لهذه الدرجة؛ فقد فقدت إرادة المعركة تمامًا.

وأكملت: "هل ترغبان في المغادرة؟"

"بالطبع نرغب، ولكن هناك نظام قوي موضوع في هذا الحفرة، لذا لا يمكننا المغادرة"، أجاب شي ليان.

عند سماعها لذلك، سارت المعلمة نحو إحدى الجدران، رفعت يده ورسمت شيئًا. ثم التفت وقالت: "هكذا. ألغيت النظام. يمكنكما المغادرة الآن."

كان الأمر سهلاً جدًا! حقًا، لم يكن لدى شي ليان أدنى فكرة عما يجب أن يقوله الآن.

فجأة، نادا صوتًا من الأعلى: "هيي! هل هناك أحد؟ إن لم يكن، سأغادر!"

كان صوت فو ياو.

سمع شي ليان صوتًا من سان لانغ بجواره، فالتفت على الفور ليجد ظل رجل يطالع الحفرة.

صاح شي ليان: "فو ياو! هناك أشخاص هنا! أنا هنا في الأسفل!"

بعد أن صاح شي ليان، رفع يديه وهو يلوح بالأيدي، ورد عليه فو ياو من فوق: "أنت حقاً هناك في الأسفل؟ ماذا هناك إلى جانبك؟"

"إنه... مكان مليء بالأشياء... لماذا لا تنزل وترى بنفسك؟" قال شي ليان.

اعتقد فو ياو ربما نفس الشيء، فأطلق كرة نارية ضخمة نحو الحفرة. في لحظة، أنارت كل الحفرة بسطوع كأنه النهار، ورأى شي ليان أخيرًا بوضوح نوع المكان الذي كان يقف فيه.

كان من حوله جبالًا من الجثث المتراكمة بالدماء؛ جثث جنود بان يوي المكدّسة ببعضها فوق بعض، ووجوه وأطراف مسودة، والدم الداكن يلطخ الدروع اللامعة.

المكان التي كان يقف فيها شي ليان كانت النقطة الوحيدة في الحفرة التي لم تحتوي على جثة.

كل ذلك حدث في لمحة بصر، في الظلام، بعد أن قفز سان لانغ في الحفرة.

المرة الأولى التي التفت فيها شي ليان لينظر إلى الشاب المجاور له مرة أخرى.

في السابق، في الظلام، اعتقد أن سان لانغ يبدو أطول، وكان مميزًا بملامح مختلفة. ولكن الآن، تحت ضوء النيران الساطع، الشخص الواقف بجواره كان هو نفس الشباب الوسيم الذي كان يعرفه. 

عندما رأى شي ليان أنه التفت، ابسم سان لانغ. نظر شي ليان إلى أسفل ليفحص معصميه وحذائه، وكان كليهما كما كانا من قبل، لا يوجد شيء يمكن أن يسبب أي صوت رنين.

وفي هذه اللحظة، سمع شي ليان صوتًا مكتومًا، كان صوت فو ياو وهو يقفز إلى الأسفل.

"أليس من واجبك حماية التجار؟" سأل شي ليان.

بمجرد دخول فو ياو الحفرة، لم يعتاد بعد على رائحة الدم، و هز يده لتدفق الهواء. أجاب بلا اكتراث: "انتظرنا لأكثر من ست ساعات ولم يكن هناك أي علامة عليك، لذا افترضنا أنه حدث شيء ما. رسمت دائرة لهم للانتظار فيها، وجئت للتحقق بنفسي."

عبس شي ليان. "الدائرة لن تدوم طويلًا. بمجرد رحيلك، ماذا لو تركوا الدائرة بفكرة أنك تركتهم وراءك؟"

هز فو ياو كتفيه. "لا يمكن لثمانية خيول أن توقف رجلاً يريد بجد أن يبحث عن الموت. لا يمكنني إيقاف الناس العنيدة، لذلك لا شيء... ماذا عن هؤلاء الاثنين هناك؟ من هم؟"

كان فو ياو متوترًا، جاهزًا للدفاع ضد الغريبين الاثنين، لكنه اكتشف قريبًا بدهشة أن كي مو كان مصابًا بجروح شديدة على الأرض، وعلى وشك السقوط، وأن معلمة بان يوي كانت تحني رأسها وصامتة.

"ذلك الشخص هو الجنرال من بان يوي، والآخرى هي معلمة بان يوي. في الوقت الحالي، هما..."

قفز كي مو فجأة قبل أن ينتهي شي ليان من الكلام.

كان قد اضطجع على الأرض يجمع قوته، وأخيرًا استطاع الوقوف بصراخ، يستهدف معلمة بان يوي بقبضتيه. محارب ضخم يهاجم فتاة صغيرة؛ في الماضي، لم يكن شي ليان سيسمح بمثل هذا السلوك أمامه.

 ولكن لدى كي مو أسباب كافية لكي يكره معلمة بان يوي ، وهي قادرة على الدفاع عن نفسها. وعلى الرغم من ذلك، لم تفعل ذلك وسمحت لنفسها بأن تُلقى بجسدها كأنها لا تعني شيئًا.

صاح كي مو في وجه معلمة بان يوي ، "أين ثعابينك؟ هيا! اجعليها تلدغني حتى الموت! امنحيني هذا التحرر!"

أجابت معلمة بان يوي بحزن، "كي مو، ثعابيني لم تعد تستجيب لي."

"فلماذا لم يقوموا بقتلك؟" سخر كي مو.

"...أنا آسفة، كي مو"، اعتذرت المعلمة بهدوء.

"هل تكرهينا حقًا بهذا القدر؟"

هزت معلمة بان يوي رأسها، وزاد غضب كي مو.

"أنتِ ستكوني سبب موتي! إذا كنت لا تكرهينا، لماذا خذلتنا؟ أنتِ جاسوس بلا أمانة، مثل ذلك الخنزير القذر، الخائن!!"

راقب فو ياو كي مو وهو يضرب بقوة، وكانت الضربات كلها في اتجاه واحد، ولم يستطع أن يمنع نفسه من التعبير عن عدم الارتياح "ماذا يقولون؟ أليس من المفترض أن نمنعهم؟"

لم يعد شي ليان يمكنه الاستمرار في المشاهدة، واندفع ليوقف كي مو. "جنرال! جنرال! لماذا لا تخبرنا من هو هذا الخائن من يونغ آن، سنـ ..."

فجأة، أمسكت معلمة بان يوي معصمه.

كانت القبضة قوية ومفاجئة، انخفض قلب شي ليان، يعتقد أنها ستهاجمه، لكن عندما نظر إليها من جديد، وجد معلمة بان يوي على الأرض، وكان هناك كدمة صغيرة عند زاوية فمها، رفعت رأسها وتراقبه بانتباه. 

لم تنطق بكلمة واحدة، لكن عينيها الداكنتين كانتا مليئتين بالحماس والحيوية.

هذا الوجه يتداخل مع ذكرى بعيدة. بعد لحظة من التوقف، قال شي ليان بصوت سريع، "أنتِ؟"

قالت المعلمة وصوتها يرتجف، "جنرال هوا؟"

هذا السؤال المتبادل أثار دهشة الجميع في الحفرة.

هرع فو ياو إلى الأمام وأسقط كي مو بلكمة، ثم سأل بحدة، "هل تعرفون بعضكما؟"

لم يجيب أحد منهما. ثم اقترب شي ليان، أمسك كتفي المعلمة ، وفحص وجهها.

في البداية، كانا يقفان بعيدًا جدًا عن بعضهما ولم يكن بإمكانه رؤية وجهها بوضوح. وبالإضافة إلى ذلك، مرت أكثر من مئتي عام، ونمت هذه الفتاة خلال ذلك الوقت، لذلك لم يتعرف عليها من البداية. ولكن عندما نظر إليها بعناية، أدرك أنها هي نفس الوجه من ذكرياته.

لم يستطع شي ليان أن يتكلم لبعض الوقت، واستغرق الأمر وقتًا قبل أن يتنهد قائلًا، "بان يوي؟"

 المعلمة ردت بسرعة وأمسكت بأكمامه، ووجهها الكئيب اشتعل فجأة بالحماس. "أنا هي! جنرال هوا، هل تتذكرني؟"

"بالطبع أتذكرك. لكن..." نظر شي ليان إليها لحظة وتنهد "لكن ما الذي فعلتيه بنفسك؟"

عند سماع كلماته، امتلأت عينيها فجأة بالألم.

"أنا آسفة، كابتن ... لقد أخطأت"، همست.

في تلك اللحظة، كان هناك "جنرال" هذا و "كابتن" تلك، مما جعل الأمر واضحًا تمامًا للمتفرجين.

فو ياو كان في حالة صدمة "كابتن؟ جنرال؟ أنت؟ كيف حدث هذا؟ إذًا قبر الجنرال هو...؟" سأل بأندفاع.

"نعم، قبري"، أجاب شي ليان.

"ألم تقل أنك جئت فقط لجمع الخردة قبل مئتي عام؟؟؟" سأل فو ياو.

"هذه... قصة طويلة. كانت هذه الخطة الأصلية. حينها قررت عدم التورط في الشرق لبعض الوقت بسبب بعض الأسباب، وقررت الابتعاد عن الأنظار لفترة. كنت قد خططت لعبور جبل شينغ والتوجه جنوبًا لبدء حياة جديدة لتجميع الخردة . لذا أخذت بوصلتي وتوجهت جنوبًا."

لكلما سار، زاد حزنه وتساؤله؛ كيف أن المناظر الطبيعية تختلف؟ ينبغي أن تكون هناك أشجار وخضرة ومدن وحشود، فكيف يتحول المكان إلى قاحل؟

مع ذلك على الرغم من الشكوك ، استمر شي ليان بالسير بعناد؛ سار وسار حتى وصل إلى صحراء غوبي. نفخت نسمة الرياح  وأطاحت بكمية من الرمال في وجه شي ليان قبل أن يدرك أخيراً أن بوصلته تعطلت.

كانت البوصلة توجهه الى الطريق الخطأ طوال الرحلة!

وحيث لم يكن هناك أي شيء يمكن فعله بشأن ذلك، قرر أن يستغل الفرصة لزيارة مناظر الصحراء، واستمر في المشي. لكنه غيَّر اتجاهه قليلاً وسار نحو الشمال الغربي، ووصل أخيراً إلى الحدود حيث استقر بالقرب من مملكة بان يوي.

"في البداية، كنت مجرد أجمع الخردة في المنطقة"، قال شي ليان. "ولكن الحدود كانت مضطربة، وكثيرًا ما كان هناك نزاعات، وكان هناك جنود فارين غالبًا، لذلك قام الجيش بتجنيد أي شخص لتعويض العدد."

" فقاموا بتجنيدك الى الجيش بالقوة؟" سأل سان لانغ.

"نعم"، أجاب شي ليان. "ولكن القيام بأي شيء كان أو لم يكن معناه تقريبًا نفس الشيء بالنسبة لي. وبعد أن قمت بطرد بعض اللصوص عدة مرات، تم ترقيتي بطريقة عفوية إلى رتبة الكابتن. وكان الناس يحترموني وكانوا يطلقون عليّ لقب الجنرال أيضًا."

"لماذا نادتك باسم جنرال هوا؟" سأل فو ياو. "اسمك ليس هوا."

شي ليان رفع يده وقال نافيًا : "لا تقلق بشأن ذلك. اخترت اسمًا وهميًا عشوائيًا في ذلك الوقت. أعتقد أنه كان 'هوا شي'."

عند سماع الاسم، تغير تعبير وجه سان لانغ قليلاً، و ارتعشت شفتيه. ولكن شي ليان لم ينتبه لذلك واستمر في الحديث.

"مع حدود تعصف بها المعارك، ظهر الكثير من الأيتام. عندما كنت أجد فرصة، كنت ألعب معهم أحيانًا. وكان أحدهم تدعى بان يوي."

عندما تظهر اللصوص، كان شي ليان بالتأكيد الجندي الأكثر شجاعة، ولم يجرؤ أحد على منع طريقه، ولم يجرؤ أحد أن يقف بجواره. ولكن عندما لا يكون هناك لصوص، كان الأمر كأن أي شخص يمكنه أن يأمره.

في ذات يوم ، قرر شي ليان الجلوس بجانب جدار لإشعال نار المخيم، واستخدم خوذته الخاصة لطهي بعض الطعام. وبينما كان يطهو، تنبعث رائحة الطعام التي جذبت عددًا من الجنود المتضايقين الذين جاءوا ليقوموا بركل ما كان يطهوه. 

شي ليان ألتقط خوذته بقلب مكسور، لكن عندما التفت للوراء، رآى طفلة صغيرة مشوهة ومتسخة تجلس خلفه، تلتقط الأشياء التي سقطت على الأرض بيديها، دون أن تهتم بدرجة حرارتها، وتحاول أن تملأ فمها بها.

تعجب شي ليان من هذا المنظر. "لا تفعلي ذلك! انتظري، يا طفلة!"

كما كان متوقعًا، ابتلعت الطفلة الصغيرة بعض القطع التي قامت بالتقاطها، ثم عانت من نوبة تقيؤ وبكت بشدة. صُدم شي ليان جدًا حتى أمسك بها بالطريقة العكسية وركض بها حتى خرج كل ما أكلته. بعد انتهاء ذلك، انحنى ونظف مكان جلوسهما.

"هل أنتِ بخير، يا طفلة... أنا آسف جدًا. ولكن لا تخبري والديك عن ذلك أبدًا، وفي المرة القادمة، لا تلتقطي أي شيء آخر من الأرض لتأكليه... انتظري، ماذا تفعلين الآن!"

وجه تلك الطفلة كان مغطى بالدموع، ولكنها ما زالت تحاول الحصول على الطعام من الأرض وتناوله؛ كانت ما زالت ترغب في الأكل. عندما أمسك بها شي ليان، أدرك أن بطن هذه الطفلة كان يلتصق بأضلاعها من شدة الجوع.

في حالة جوع الناس إلى هذا الحد، يمكن تناول أي شيء. حتى لو كان مقززًا لدرجة البكاء، إلا أنها ستأكله.

شي ليان لم يكن لديه خيار آخر سوى أن يعود ويحضر لها ما تبقى من طعامه. وبعد ذلك، كان يمكنه رؤية هذه الطفلة غالبًا تترصد له في الظلال بالقرب منه.

في ذكرياته، كانت الفتاة الصغيرة بان يوي دائمًا حزينة؛ جسدها ووجهها مليئة بالكدمات، وعندما تنظر إليه، ستحدق به بتلك النظرة من أسفل. 

لأنها كانت معزولة عن أطفال مملكة بان يوي ، فلم يكن هناك سوى صبي من يونغ ان يعيش على الحدود ويهتم بها أحيانًا؛ لذا كانت تقضي أيامها تتبعهما.

كانت هذه الطفلة قليلة الكلام، لكنها كانت تجيد لغة الهان؛ لذا لم يعرف شي ليان من أين جاءت. ولكنها كانت طفلة بلا مأوى عشوائية، لذا اتخذها عشوائيًا تحت رعايته. 

عندما كان لديه وقت فراغ، كان يعلمها أحيانًا الأغاني، وأحيانًا يتصارع معها، وأحيانًا يعرض لها حركته الشهيرة"تحطيم الصخور على الصدر"، وغيرها، وكانوا يفهمون بعضهم البعض تمامًا.

هز شي ليان رأسه. "كنت أعتقد أن "بان يوي" في لقب المعلم يشير إلى البلاد. لم أكن أدرك أنه في الواقع اسمها."

"وبعد ذلك ماذا حدث؟" سأل فو ياو.

"و بعد ذلك ... إنها تقريبًا نفس ما كتبه النصب التذكاري"، قال شي ليان.

بعد بعض الصمت، تحدث سان لانغ: "قال النصب التذكاري إنك متوفى."

بالنسبة للنصب التذكاري، شعر شي ليان بالإحباط.

أليست النصب التذكاري عادةً يكون مدحًا وتضخيمًا للأعمال الحسنة لتمجيد الراحل؟ بغض النظر عن ذكر التنازلات السابقة، لماذا يجب أن يسجل بجديّة الطريقة المحرجة التي مات بها؟!

أثناء اختبائهم من عاصفة الرمال وهو يقرأ هذا الجزء، لم يتمكن من مواجهة النص مباشرة. لو لم يكن سان لانغ يفهم كتابة البان يوي وكان يراقبه، كان سيدعي أن هذا الجزء غير موجود على الإطلاق. 

هل هو غباء أن يكتب مثل هذا الشيء ويطلب من الآخرين الذين يلجؤون للمأوى في النصب التذكاري خاصته أن لا يضحكوا وينتقدوه؟ إنه يشعر بالإحباط حقًا.

جبين شي ليان بدأ يحمر من كثرة الفرك "أوه، هذا... بالطبع لم أمت... قد قمت بتزييف وفاتي."

كانت على وجه فو ياو علامات الارتباك والشك. شرح شي ليان بنفسه قائلاً: "تعرضت للدهس بشدة ولم أتمكن من النهوض، لذلك لم يكن هناك خيار آخر سوى تزييف وفاتي."

في الواقع، لم يستطع شي ليان تذكر بالضبط كيف "توفي"، أو لماذا اندلعت تلك المعركة في المقام الأول؛ الشيء الوحيد الذي يتذكره هو أنها كانت بسبب شجار تافه. 

لم يكن حريصًا على القتال، ولم تكن النصر أو الهزيمة له ذو قيمة، ولكن في تلك اللحظة لم يكن يملك أي رتبة، ولم يكن أحد مستعدًا للاستماع إليه. وبينما كان الجميع مشغولين في المعركة وغارقين في غضبهم، قاموا بقطعه بسيوفهم من كلا الجانبين.

قال فو ياو متسائلا : "ربما يكون السبب في ذلك أن وجودك في وسط المعركة أثار استياء الجانبين، أليس كذلك؟ وإلا، لماذا يقوم الناس بمهاجمتك عند رؤيتهم لك؟ وكنت تعلم بأن هناك العديد ممن يكرهونك، فلماذا لم تتجنبهم؟ لماذا كان عليك الاندفاع نحوهم؟ أنا متأكد أنه كان بإمكانك تجنبهم إذا أردت ذلك."



يتبع…

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي