القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch46 بانغوان

 Ch46 بانغوان



كما وُجدت بعض آثار الحبر الخفيفة على ظهر الورقة


قلَب وين شي الورقة فرأى لطخة كبيرة من الحبر


كان الشاب من عائلة شين —- شين مانشينغ، قد كتب على 

الأرجح ردّاً على تعليق السيد لي دفاعاً عن نفسه ، 

لكن لسبب ما تم شطبه


احتوت تلك البقعة على درجات متفاوتة من السواد


وعندما وُجّهت الورقة إلى مصدر ضوء ، يُمكن بالكاد تمييز الكلمات الأولى —


: “ كنتُ…” قال شيا تشياو وهو يدير الورقة بطرق مختلفة 

وبعد عدة محاولات أضاف : “ لقد حاولتُ جهدي ، لكنني 

حقاً لا أستطيع قراءة البقية . 

لم أتعرف إلا على هاتين الكلمتين فقط .”


{ لكن… ماذا جاء بعد ' كنتُ ' ؟

كنتُ لا أنسخ ؟ 

كنتُ لن أغيّر ؟ أم كنتُ مخطئاً ؟ }


بعد أن شطب تلك الكلمات ، كتب شين مانشينغ جملة 

جديدة على الهامش لتكون إجابته الأخيرة للسيد لي

كتب : [ مفهوم معلم ] 


حدّق شيا تشياو بالورقة بوجه جاد للغاية، متأرجحاً بين 

التأمل والارتباك ... قال: “ أنا مشوَّش للغاية الآن . 

أشعر وكأننا على وشك اكتشاف أمر مهم ، ومع ذلك ما زلت ضائع قليلاً ...”

ثم تمتم ووجهه متجعد: “ دعني أفهم الأمر جيداً… 

هذا الشاب الصغير من عائلة شين—هل تعمّد تقليد خط جون-غا؟”


كانت مزاح الأطفال في كثير من الأحيان صعب الفهم؛ 

يصعب حتى التمييز إن كان بريئ أم خبيث


حين كان شيا تشياو صغير ، كان هناك فتى عبر الشارع 

يتلعثم في كلامه ، فبدأ كثير من الأطفال بتقليده ، 

حتى أصيب سبعة أو ثمانية منهم فعلاً بالتلعثم

و نالوا ضرباً شديداً من آبائهم ، ولم تعد لغتهم إلى طبيعتها إلا بعد فترة طويلة


كان من الصعب تحديد نوايا أولئك الأطفال في الأصل 

—هل كان بعضهم يراها مسلية ، بينما آخرون يسخرون منه بجدية ؟


شيا تشياو: “ إن كان القصد هو السخرية من جون-غا 

فهذا سيكون قاسياً حقاً . 

لكن في الوقت نفسه، الشاب الصغير أجاب بطاعة قائلاً إنه فهم ...” ظل يشعر أن شين مانشينغ خليط محيِّر من 

التناقضات : “ ولا نعرف إن كان قد غيّر خطه لاحقاً أم لا—”


شيه وون: “ من الواضح جداً أنه إما لم يغيّره ،  

أو أنه فات الأوان لتغييره .”


كانت نبرته حاسمة لا تحتمل الجدل

فأصيب شيا تشياو بالذهول والارتباك الشديد: “ كيف عرفت ذلك ؟”


أشار شيه وون إلى الصندوق قائلاً : “ جميع الواجبات هنا. 

هل فسّرت ترتيبها بشكل معكوس ؟”


توقف شيا تشياو لحظة ، ثم احمرّ وجهه فجأة


فقد أدرك أنه ارتكب خطأً بدائياً فادحاً —


كانت الأوراق داخل الصندوق مكدّسة ورقة فوق الأخرى ، 

مما يعني أن الأقدم في الأسفل


بعبارة أخرى ، حتى بعد أن أمره السيد لي بالتوقف عن نسخ خط آ جون ، 

لم يطرأ تغيير كبير على خط شين مانشينغ


و يوماً بعد يوم ، ملأ صندوقاً كاملاً بواجبات كُتبت على 

أساس ' نسخ خط آ جون '


وفي المقابل ، لم يعلّق السيد لي على الأمر مجدداً منذ تلك اللحظة


كانت ملاحظته الوحيدة هي بقعة حبر


ربما بلغ به اليأس مداه مع هذا الشاب الصغير ، أو لعلّه قرر 

ببساطة أن يتوقف عن الاهتمام


{ لا عجب أن شيه وون قال ذلك 


فبعد الاستمرار على هذا النحو لفترة طويلة ، صار من 

المستحيل تقريباً على شين مانشينغ أن يغيّر خطه حتى لو أراد


ومهما كانت دوافع التقليد في البداية ، فإن الخط الذي 

نسخه قد صار تدريجياً خطّه الخاص }


شيا تشياو ببطء: “ إذن من المحتمل جداً أن يكون شين 

مانشينغ وجون-غا يمتلكان الخط نفسه ؟”


وين شي: “ لن يختلف كثيراً .”


اتسعت عينا شيا تشياو دهشة : “ إن كان الأمر كذلك…”


أصبحت يومياته فجأة ذات معنى مزدوج 


فهي بخط كلٍّ من شين مانشينغ وجون-غا في آن واحد


{ فلو كان شين مانشينغ هو الكاتب حقاً، فالأمر مفهوم 


لكن ماذا لو كتب آ جون جزءاً منها ؟ 

أو ماذا لو… كتبها كلها ؟ }


في السابق لم يستنتج وين شي أبداً إلى أن الشاب الصغير 

شين مانشينغ كان شرير ، لمجرد وجود ذلك السرير في 

غرفته أو تلك اليوميات


فشين مانشينغ لم يرغب أن ينام جون في سرير بسيط للخدم ، فشارك نصف سريره معه —

وكان وين شي يعتقد دوماً أن مثل هذا الطفل لن يقوم بطيّ 

أخته الكبرى داخل أريكة لمجرد أنها صاخبة وتحب الضحك


أما اليوميات فقد ذكرت آ جون باستمرار— فشين مانيي 

كانت غالباً تجبر جون-غا على اللعب معها في أوقات غير مناسبة ، ولهذا كانت مزعجة


والسيد لي كان يوبّخ جون-غا باستمرار على كتابته ، ولهذا كان قاسياً


بالنسبة لوين شي، هذا ما جعل اليوميات متنافرة وغريبة—

لأن العلل والنتائج التي تبرر كل شخص وكل حادثة فيها لم 

يكن لها علاقة تُذكر بالشاب الصغير


وفوق ذلك —- ، فقد تناقضت محتويات اليوميات مراراً وتكراراً


ففي أحد المواضع كتب : [ لو أنها أجبرت الفتيات على اللعب معها بالملابس فقط هذا شيء ، لكنها غالبًا تسحب جون-غا أيضًا ” وفي مكان آخر كتب : [ إلا أن شين مانيي ما زالت تجبرني على لعب ' عروس حقيقية ، عروس مزيفة '  ]


( ch33+34 )


في البداية كان وين شي يظن أن كاتب اليوميات ببساطة 

ليس في كامل قواه العقلية


فقد كانت مشبعة بطاقة جنونية مكبوتة ، مما جعلها غير 

مترابطة إلى حد كبير


لكن الآن بعدما جُمعت كل النقاط معاً، صار الخط الذي 

تشكّل بينها فجأة مشرقاً واضحاً


فإن كان آ جون هو من يكتب اليوميات ؛ وإن كان قد استعان 

بهوية الشاب الصغير ليشكو من معاناته الخاصة ؛ 

وإن كان ' جون-غا ' الذي يُذكر باستمرار و ' أنا ' يشيران 

أحياناً إلى الشخص نفسه ، فإن كل شيء يبدو منطقياً 


باستثناء مشكلة واحدة فقط…


كان آ جون في العمر نفسه تقريباً مع شين مانشينغ، 

وكلاهما أصغر بقليل من شين مانيي


فلماذا يستطيع آ جون أن يفعل ما لم يستطع شين مانشينغ فعله ؟


غرق وين شي في تفكير عميق

ولوهلة شعر أنه على وشك الإمساك بخيط مهم ، لكن قبل 

أن يثبّت الفكرة ، قاطعه صوت السيد لي وهو يشق جلده


قلم السيد لي مغموس تماماً في دم قديم


وبينما يستعد لمواجهة تكرار أحرف ' شين ' مجدداً ، أوقف وين شي رأس القلم


: “ تمهّل ….” حدّق وين شي في محجري عينيه الفارغين 

وسأله : “ هل قلت شيئاً بعينه ؟ أو فعلتَ شيئاً غير معتاد ؟”


وإلا، فلماذا كتب ' الشاب الصغير ' في اليوميات عبارة [ اكتشفني السيد لي ] وكان في عجلة لقتله؟


تجمّد السيد لي فجأة 

سال الدم من رأس القلم على الورقة وذاب في بركة حمراء صدئة


وبعد فترة طويلة، قبض على معصمه وكتب بقوة ثلاث كلمات 


[ تعال ابحث عني ]


قال شيا تشياو بذهول : “ أأنتَ لست هنا؟”


وما إن نطق بذلك حتى أدرك فجأة أن هذا ليس سوى ' شبح السيد لي ' الذي يعود في منتصف الليل


تماماً مثل ' شين مانيي داخل الأريكة ' ، 


فالسيد لي الحقيقي ما زال محبوس في ركنٍ ما 


لا يرى ضوءاً ولا سماء


سارع شيا تشياو بالسؤال: “ إذن أين أنت ؟”


شيه وون: “ لن تحصل على جواب لذلك .” ثم أغلق الصندوق ونهض مستقيماً


التقط دفتر التدريبات من على الطاولة وطواه إلى شريط 

طويل ثم أشار نحو الباب قائلاً لوين شي: “ هيا بنا نبحث عنه "


كانوا يعرفون تماماً طبيعة وجود السيد لي


يمكنك أن تسأله الكثير ، وفي حال تعاونه كان دائماً يحاول 

أن يزوّدك بالإجابة


لكن مكان موته كان محرّماً —-


تماماً مثل شين مانيي في وقت سابق — لم ترغب في رؤيته ، 

ولم يكن بالإمكان ذكره


وبالفعل رأى شيا تشياو السيد لي يقبض على قلمه دون أن ينطق بكلمة


وبعد ثانية انكسر رأس القلم بصوت طقطقة


وفجأة تدفّق الدم بغزارة ، و غطّى سطح المكتب بأكمله في لمح البصر


أدار شيا تشياو رأسه فوجد أن الغا قد غادر الغرفة منذ زمن 

مع الرئيس شيه يتبعه


لم يتبقَّ في الغرفة سواه هو و ' الشبحان ' 


فحدّقوا ببعضهم للحظات ، ثم اندفع شيا تشياو نحو الباب؛ 

لم يجد حتى وقت للصراخ ——


لكن شين مانيي والسيد لي سبقاه و سرعان ما اندفعا إلى الخارج أسرع منه


في الممر ، حرّك وين شي خيوط الدمى مرة واحدة

و وبعد أن انتهى أدرك أنه جذب خيطاً أكثر مما ينبغي —


شين مانيي والسيد لي دميتين خفيفتين في الأساس ، فظهرا فوراً أمامه


أما الدمية الثالثة…


فقد ارتطمت به من الخلف واضطرّ إلى وضع يد بلطف على كتفه لتثبته

ثم، بين الضحك والبكاء، قال: “ تشُدّ بقوة هكذا—هل 

نسيت أن هناك شخصاً آخر مربوطاً بخيطك ؟”


{ بالفعل … نسيت }


لكن هل سيعترف وين شي بذلك ؟

مطلقاً —- 


أنكر ببرود قائلاً بصوت منخفض: “ كان عندي شيء لأقوله ! ”


أومأ شيه وون — ثم ترك كتفه وتقمّص هيئة المستمع الوقور : “ أياً يكن ما لا تستطيع قوله على بُعد ثلاث أو 

خمس خطوات ، فقلْه الآن ~~~ ”


“…”


لم يجد وين شي شيئاً يقوله ، فقرّر الاستسلام كلياً

أدار رأسه نحو السيد لي وقال: “ البحث على غير هدى مضيعة للوقت ، لذا…”

نقر على الخيط المتصل بالسيد لي وخفَض بصره : “ أعتذر .”


و بيد تتحكم بالخيط والأخرى قابضة على كتف السيد لي، 

دفع وين شي الدمية ليخطو خطوة في كل اتجاه من الاتجاهات الأربعة


وبدهشة تامة —- ، أطاع السيد لي توجيه وين شي


لكنه تردد قليلاً حين واجه الشرق ، وكأن في داخله اعتراضاً 

طفيفاً على ذلك الاتجاه


أراد التراجع ، لكن طريق الرجوع قد مُنع بواسطة وين شي


فعل وين شي العكس تماماً : دفع السيد لي نحو الاتجاه 

الذي يخشاه أكثر

و قال بهدوء : “ تابع السير ، لا تتوقف .”


وبينما شيا تشياو يلحق بهم ، فوجئ برؤية الغا وهو يسير 

ممسكاً بخيوطه ويعدّل اتجاهه وفقاً لردود فعل السيد لي


بدا الأمر تماماً كما لو أنه يستخدم تطبيق ملاحة للبحث عن 

الطريق الصحيح وهو يدير بوصلة التطبيق


قال مذهولاً : “ هل هذا مسموح ؟؟؟”


كان شيا تشياو عاجزاً عن الكلام، لكنه ظل مطيعاً يتبع وين شي وشيه وون


بدأ يتفحص ما حولهم في كل مكان يمرون به، 

من السقف حتى أطراف السجادة، 

ولم يترك الزجاج أو الجدران دون تفتيش


قال له شيه وون بهدوء : “ لا حاجة إلى فحص كل شيء .”


سأل شيا تشياو بصوت خافت : “ إذن أين عليّ أن أبحث ؟”


أجاب وين شي دون أن يلتفت خلفه: “ أماكن فيها عوارض خشبية ، 

أماكن يمكن ربط حبل بها ، أماكن فيها ماء .” 


كان هدفه محدداً بوضوح ، ولم تنخفض نظرته قط إلى الأسفل ، فاستطاع أن يمسح المكان بسرعة فائقة


: “ الحمامات ، العوارض ، العتبات القريبة من النوافذ ، 

أو—” لكن في منتصف حديثه توقف فجأة وصمت


سأله شيا تشياو: “ ما الأمر ؟”


وبعد ثانية ، أدرك سبب توقف غا 


فقد كان السيد لي، حين اقترب من باب الحديقة الخلفية، 

قد ارتجف فجأة من شدة الخوف وحاول بجنون التراجع


ولولا عيون وين شي الحادة ويداه السريعتان، لما استطاع 

أن يلف خيطاً آخر حول السيد لي في الوقت المناسب ليثبّته


{ الحديقة الخلفية ؟ }

عبس وين شي حاجبيه


فتح الباب بحسم وأشعل ضوء الحديقة الخارجية


وما إن خطا إلى الخارج حتى استقبله رائحة احتراق قوية


الحديقة غارقة بالزهور ، وكما وصفت شين مانيي 


كان هناك حديقة واسعة من اللون الأصفر الفاتح متجمّعة 

حول أرجوحة معلّقة


بدت تلك الزهور وكأنها آذان أرانب منتصبة ، أو أربطة طويلة لشرائط


وبلا مقدمات ، تذكّر وين شي أن بقعة كبيرة من هذه الزهور 

كانت موجودة أيضاً عند سفح جبل سونغيون، 

إلا أنها هناك كانت بيضاء نقية كثلج قمة الجبل

و أكثر حيوية ونشاطاً من الثلج


تذكّر أن اسمها كان ' السيكلامين ' — وتُعرف أيضاً باسم ' قدوم الخالد ' 


صرخت شين مانيي: “ زهور آذان الأرنب!” واندفعت نحوها





لقد مرّ وقت طويل جداً منذ أن رأت هذه الحديقة الخلفية ، 


لكن ما إن وضعت قدمها حتى سحبت قدمها سريعاً وكأنها لُسعت بنار


جلست بجوار الباب وتوقفت عن الكلام


ورغم أن الحديقة مليئة بالألوان الزاهية الزاخرة ، 

إلا أن هالة غير مفهومة من الموت بدت وكأنها تتخللها


نسيم خفيف يهبّ بوضوح عبر الحديقة، لأن الأرجوحة تتأرجح برفق


لكن الأزهار الصفراء الفاتحة والكروم الطويلة ظلّت ساكنة ، 

لم تصدر عنها أدنى حركة


فحص وين شي ما حولهم


باستثناء الأرجوحة وعريش العنب ، لم يكن هناك في 

الحديقة ما هو أعلى من قامة إنسان


حتى الأرجوحة لم تكن مناسبة فعلاً إن أراد أحد أن يعلّق السيد لي بها


ومع ذلك ، كان السيد لي قد بلغ به الرعب مداه


لا يعرف هل يغطي عنقه أم عينيه أولاً


وفي النهاية احتضن رأسه بذراعيه وهرب إلى زاوية من الحديقة


كل خطوة يخطوها وين شي إلى الأمام كانت تزيد من ذعره


وسط تلك الأجواء القلقة المليئة بالتوتر ، عاد صوت الأنين والصرير


تردّد صداه في ظلام الليل الموحش ، وكأن حبلاً من القنّب 

مربوط بعارضة خشبية غير متينة ، يحمل وزناً ثقيلاً يتأرجح 

ذهاباً وإياباً


السيد لي تكوّر بجوار الحائط و رفع رأسه ونظر مرة أخرى 

إلى الأعلى ، وكأنه يحدّق في حبل غير موجود


كان شيه وون بجواره تماماً


راقب السيد لي للحظة ، بعينيه المائلتين نحو الأسفل، 

ثم رفع رأسه هو أيضاً


 اعتقد وين شي أن شيه وون قد اكتشف شيئ ، فالتفت إليه، 

لكنه أدرك أن شيه وون كان ينظر إلى القمر



كان القمر بدراً على الأفق


لم تكن حوافه واضحة على نحو خاص ، وقد حُجب ضوءه 

بطبقة من الضباب


بدا القمر ميتاً تماماً مثل الأزهار المتجمدة في الحديقة الخلفية ، 

وكأن شيء أضافه إلى السماء صانع فاشل غير بارع—أو ثقب واسع مفتوح


حدّق وين شي في ذلك ' الثقب ' لعدة ثوانٍ ثم تبدلت ملامح وجهه فجأة


خطر بباله مكان


مكان فيه عارضة خشبية يمكن ربط حبل القنّب بها ؛ 

و لا يتطلب من القاتل أن يكون طويلاً أو قوي البنية ؛ 

و من السهل للغاية أن يُقتل إنسان شنقاً هناك —


قال: “ إنه بئر ”


وبينما يتحدث، عبر الحديقة الخلفية بخطوات سريعة


ولم يكن بعيداً عن الأرجوحة حتى —— و عثر على بئر


البئر قد تُرك مهملاً منذ زمن طويل


العارضة الأفقية التي تستند فوقه انكسرت إلى نصفين 

وتناثرت قطعها على الأرض


كما وُضعت صخرة مسطّحة تسد فوهته ، 

وقد أخفتها فوضى الأعشاب البرية المتشابكة ، 

بحيث من المستحيل ملاحظته ما لم تبحث بدقة


جثا وين شي على ركبته ومد يده ليرفع الحجر ، 

فاندفعت إلى أنفه رائحة تعفّن خانقة


تأخر شيا تشياو نصف خطوة عن شين وون، وأسرع للحاق بهما، 

لكن سرعان ما غُلب على أمره برائحة العفن ، 

فترنّح وسقط بجانب البئر ثم كتم أنفاسه ومد رأسه 

ليتفحص الداخل بوجه شاحب خالٍ من الدم—


لم يكن البئر جافاً تماماً


فقد تجمّعت بعض بقايا الماء في قاعه ، وهناك بالضبط 

كان المعلّم القصير النحيل


جالساً في قاع البئر ، وحبل قنّب متعفن ملتف حول عنقه


وجهه المتورّم ، الشاحب بسبب الماء ، فقد ملامحه الأصلية ، رأسه مرفوع نحو السماء


أما شعره فطفا في الماء مثل نباتات مائية ، مندمج مع 

الطحالب على جدران البئر


كان من المستحيل أن يرقد بسلام وهو يحدق إلى أعلى على هذا النحو


من يدري كم من الوقت جلس هناك ينتظر قبل أن يأتي أحد ليجده


أسند وين شي يديه على حافة البئر ولم ينطق بكلمة لوقت طويل


حاجباه عابسان ، ونظرته المنخفضة عميقة ومظلمة ، 

مسلّطة مباشرةً نحو قاع البئر


وبعد لحظة طويلة ، دفعه أحدهم بخفة في مؤخرة رأسه بأصابعه 


استدار وين شي فرأى الشخص الواقف خلفه


أمال شين وون رأسه وقال: “ أنا هنا لأكون درعاً ، حتى لا يرى شيئ ،،،

يمكنك أن ترشده للخروج الآن .”


لقد استخدم كلمة ' تُرشد ' —— كلمة بسيطة للغاية ، 

لكن هذا الاختيار وحده ميّزه عن كثيرين ، كثيرين غيره —-


تغير بريق عيني وين شي قليلاً وهو يتأمل شين وون


للحظة خاطفة بدا وكأنه يريد أن يقول شيئ ، 

لكنه اكتفى في النهاية بإصدار همهمة إقرار خافتة

ثم أتجهت نظرته إلى البئر


أرسل خيط دميته وثبّت الخيط حول الشخص الذي يشبه 

القطن في أسفل البئر


قال دون أن يلتفت : “ احميه بإحكام .”


شين وون : “ حسناً .”


وُضع الجسد برفق على الأرض ، محجوباً وسط الأعشاب 

البرية المتشابكة وأحراش الأزهار والأوراق


من بعيد لم يكن شيء مرئياً على الإطلاق ، 

لكن بسبب ارتباطه بخيط الدمية ، كان وين شي لا يزال 

يشعر بأن السيد لي يرتجف وهو يتكور بجوار باب الحديقة الخلفية


لو كان شخصاً آخر ذا طبع أكثر اضطراباً ، لكانت طاقته 

المليئة بالحنق قد قلبت ساحة الفناء الخلفي رأساً على عقب


لكن الدخان الأسود لم يكن سوى تيار لا ينقطع يتدفّق من 

جسد السيد لي، هائجاً بلا صوت، 

تماماً مثل المياه المتساقطة من محجري عينيه


قال شيا تشياو بهدوء: “ غا .. يبدو أنّ هناك شيئاً آخر في البئر .”


ألقى وين شي نظرة إلى الأسفل—وبالفعل ، لمح شيئاً يلمع 

باللونين الأحمر والأخضر تحت ضوء القمر ، 

وكأنه يحمل آثار الصدأ


ذلك الجسم مستقر في الوحل أسفل البئر


صندوق نحاسي صغير 


ورغم أن جدرانه الصندوق رقيقة ، إلا أنه كان مُحكماً جيداً ؛ 

ربما لأن الصدأ أغلقه بإحكام ، أو لأن الوحل قد طمسه


وبعد أن انتشله ون شي بالقوة وفتحه ، اكتشف أن محتوياته لم تتضرر كثيراً


احتوى الصندوق على رزمة من الرسائل


تصفحها وين شي بسرعة


بيانات المرسل والمستقبل مكتوبة بانتظام على الأظرف ، 

وعليها طوابع بريدية وأختام توقيع


الرسائل تلقّاها السيد لي —- وجميعها من شخص واحد تُدعى شو يارونغ


لكن الأمر كان معكوساً بالنسبة للرسالة الموضوعة في أعلى الكومة


كان السيد لي هو المرسِل ، وشو يارونغ هي المستقبِل


و طابع بريدي على الظرف ، لكن لسبب مجهول أُعيدت الرسالة إليه


من الواضح أن هذا الصندوق كان صندوق البريد الشخصي للسيد لي


إلا أنه لم يكن مفهوماً لماذا غُمر الصندوق في قاع البئر معه


{ ربما اكتشف السيد لي الحقيقة وراء اختفاء شين مانيي ، 

فإما أنه فعل شيئاً أو كان يستعد لفعله ، ثم خطّط لمغادرة 

منزل عائلة شين حاملاً معه صندوق رسائله ؟ }


غريزة وين شي أخبرته أن هذه الرسائل لابد أن تحتوي على معلومات مهمة

وإلا، فلماذا يخالف السيد لي طبعه ويكتب له [ تعال وابحث عني ] ؟


التقط وين شي الرسالة التي لم يتمكّن السيد لي من إرسالها وفتحها أولاً


غطّت الورقةَ كتابةٌ أنيقة تقليدية بخط المعلّم


بخلاف الحروف المشوّهة لحرف ' شين ' 

كان واضح من النظرة الأولى أنه قد درّب نفسه على هذا 

الخط منذ صغره ، إذ كان مشبعاً بهالة علمية رصينة



[ زوجتي يارونغ، 

نلتقي من جديد عبر هذه الرسالة ….


ذكرتِ في رسالتك الأخيرة أنّك أصبتِ بنزلة برد استمرت 

معظم الشهر . 

أقلقني ذلك إلى حد أنني ظهرت لي قرحتان على جانب لساني . 

ربما تكونين قد تحسّنتِ حين تصلك هذه الرسالة ، لكن إن 

لم تظهر أي علامات واضحة على التحسن ، فعليك أن 

تذهبي إلى الطبيب زينغ في نانفِـنغ. 

دعيه يفحصك ويكتب لك وصفة دواء . 

لا تؤجّلي الأمر أو تزداد حالتك سوءاً بالاعتماد على بعض 

ممارسي الطب التقليدي الجهلة .


ما زلت غير قادر على العودة هذا الشهر . 

سيد العائلة شين وزوجته لم يعودا بعد ، ورسائلنا إليهما لا تلقى أي رد ، لذا لا أستطيع المغادرة حقاً. 

التاسع عشر هو ذكرى وفاة تساي-جي 

( الأخت تساي ' المربية ) 

وهو يقترب سريعاً ... 

لا أستطيع ببساطة أن أهجر هذا المنزل المليء بالأطفال الصغار . 

كما تعلمين ، فقد أخبرتك من قبل—في اليوم الذي رحلت 

فيه تساي-جي أصيبت مانيي بمرض من شدّة الصدمة . 

ولم تتحسن حالتها كثيراً خلال هذه السنوات ؛ 

وأخشى أن تُصاب بنوبة مجدداً في التاسع عشر .


في المرة السابقة ، طلبتِ مني أن أُرسل صورة فوتوغرافية مع الرسالة . 

قبل أيام قصصت شعري وذهبت خصيصاً إلى الاستوديو 

لألتقط صورة شخصية جادة ، وقد أرفقتها مع هذه الرسالة . 

ربما أبدو أكبر سناً ، على الأقل مقارنة بالعام الماضي ….

لن أُرسل صورة لي مع الآخرين . 


آخر صورة جماعية لنا في بيت عائلة شين التُقطت عندما 

كانت تساي-جي لا تزال معنا . 

كنت أنوي تحميض نسخة وإرسالها إليك كي تتعرّفي إليهم ، 

لكن تلك الصورة لم تشمل الجميع ،،

السيد وسيدة عائلة شين لم يكونا حاضرين ، 

والطباخة الجدة دو لا تزال تؤمن أن الصور تقصّر العمر أو تسلب الروح ، فرفضت الدخول في إطار الصورة .



وبالحديث عن الجدة دو … عندما رأت أننا مصرّون على 

التقاط الصورة ، أوقدت لنا بلطف ' شموع الخلود '

لكل واحد منا، رمزاً للسعادة وطول العمر . 

وكانت تزور الشموع باستمرار لتتلو بعض الآيات المقدسة 

أو تضيف الزيت إلى اللهب ، قائلة إنه علينا حماية أرواحنا وأعمارنا . 

لكن بعد فترة قصيرة ، انتهى الأمر بتساي-جي مشنوقة . 

وما زالت شمعتها الأبدية مشتعلة حتى الآن ….


الجدة دو لم تزلها أبداً . 

عندما مررت بتلك الغرفة الصغيرة سابقاً ، شعرتُ بالحزن الشديد .


و عندما كنت أرفق الصورة سابقاً 

جاء ابن تساي جي—آ جون—ليسلم واجبه المدرسي

لذا اضطررت إلى وضع الفرشاة جانباً لبعض الوقت فجفّ الحبر قليلاً ... 

أرجو أن تتساهلي مع الحبر الجاف لبقية هذه الرسالة 


أما عن آ جون… فيُقال إن تساي-جي كانت في الأصل آنسة 

من عائلة مرموقة

لكن بعد فترة عانت عائلتها من انتكاسة مالية شديدة ؛ 

بعضهم مات ، والبعض رحل ، وصار البقاء مسألة صعبة ، 

وهكذا جاءت إلى عائلة شين ،

ليس غريباً أن تكون مكتئبة ومظلمة المزاج على الدوام .


كان ينبغي لآ جون هذا أن يعيش حياة شاب من أسرة ثرية، 

ومع ذلك، ها هو الآن لم يبدأ تعلّم الحروف إلا في هذا العمر 

وبمشقة يمكنه أن يقرأ مقالة كاملة . 

عندما أفكر في الأمر أحياناً ، أجد أن حياته أيضاً مؤسفة إلى حد ما ،،


إلا أنني لا أستطيع القول إنني أحب طباعه كثيراً ؛ فهو ضيّق 

الأفق أكثر مما ينبغي ... ]



بعد ذلك، كتب السيد لي قليلاً عن تجاربه اليومية


كلها أمور تافهة ، ولم يكن لها علاقة كبيرة بعائلة شين


مرّ وين شي سريعاً على بقية الرسالة حتى وصل إلى نهايتها، 

حيث وقعت عيناه على التوقيع


دوّن السيد لي تاريخ الرسالة—5 مايو 1918 


يتبع





  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي