القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch51 بانغوان

Ch51 بانغوان


( الماضي )


كان وين شي شديد التعلّق في ذلك الوقت ——

لكنه لم يكن ليعترف بذلك بلسانه أبداً ، ولم يكن يزعج 

تشين بوداو أو يطالبه بشيء


لم يكن يحتاج إلى أن يُحمَل أو تُمسك يده ، بل تعلّقه يتمثل 

في أنّه يتبع تشين بوداو بصمت أينما ذهب ، 

و كأنّ الاطمئنان لا يتجسّد لديه إلا بوجوده في المكان نفسه  ،


ورغم أنّ تشين بوداو هو من منحه اسمه ، إلّا أنّه نادراً يناديه به

فقد كان يبتكر له ألقاباً دائماً


فإن انسحب وين شي صامتاً عابس الوجه، دعاه بـ “الصغير الصامت "

وإن تبعه ككرة من الثلج من مكان إلى آخر ، ناداه بـ “الذيل الصغير ”


الأطفال سريعو النسيان ، ما دام لم يُذكّروهم بما يحزنهم ، 

فإنهم يرمونه إلى نهاية الذاكرة


في البداية كان وين شي هكذا أيضاً —

فبعد أن جعله تشين بوداو ينقع يديه في الدواء لعدة أيام ، 

تلاشى الضباب الأسود عن يديه مجدداً ، 

وتمكّن من النوم بسلام طوال الليل ، 

و سرعان ما بدا الأمر وكأنّه ليس مهماً ،


لكن الحقيقة ،  أنّ البرد الذي أصابه تحسّن ، فاطمأن قلبه


لكن … لم يكن يعلم بالحقيقة —كان يظن أنّ بنيته تغيّرت ، 

وأنّ ما يختبئ داخله قد خفّ


ذلك العام ربما كان أخفّ الأعوام على قلبه


أحياناً كان ينزل مع طائر الدابنغ من الجبل للعب


لكن لعبه كان دائماً مقيداً هادئاً وصوته منخفض


أما الناس عند سفح الجبل فما زالوا يطلقون عليه “روح شريرة”


كان الأطفال إذا رأوه ، إما يرموا الحجارة من بعيد ، أو يهربوا 

كأنّ بقاءهم لحظة أطول سيجعله يسلخ جلودهم ويأكلهم


لذا لم يذهب وين شي يوماً إلى أماكن مزدحمة و اختار أن 

يقصد أماكن خالية من الناس : الأودية ، الغابات ، والجداول


ومع الوقت صار هذا طبعه


وربما لأنه لم يكن طفلاً مفعماً بالحيوية بالفطرة ، فقد كان 

يميل إلى الأشياء النابضة بالحياة


قمة جبل سونغيون باردة وقليلة الكائنات


فإذا نزل أدنى قليلاً ورأى عُشّ أرانب ، أو بعض السلاحف ، 

أو عدد من الأسماك ، جلس يراقبها وقتاً طويلاً


وفي الغابة ، كثيراً ما يصادف عجوزاً تجمع الأعشاب الطبية


بينه وبينها نوع من القرابة البعيدة


حين أخذه تشين بوداو أول مرة ليُعالج أسفل الجبل ، كان 

قد أقام عند تلك العجوز بعض الوقت


لم تعتنِ به طويلاً، لذا لم تكن العلاقة بينهما عميقة، 

لا سيما أنّ الأطفال لا يرسخ في ذاكرتهم الكثير


ومع ذلك ، كانت الوحيدة من بين أهل السفح التي عاملته 

بلطف كامل بلا تحفظ


و كلما رأته في الغابة ، حشرت في يديه طعاماً — إما ثمراً 

غسلته ، أو كعكاً صنعته في بيتها


كان الثمر غالباً لزجاً أكثر من اللازم ، والكعك جافاً ، ولم 

يكن أي منهما شهياً لطفل


لكن وين شي يجلس متربعاً على الأرض أمامها ، ويأكل حتى آخر لقمة


ولم تمض فترة حتى تعلّم أن يقدّم لها هدايا أيضاً


حين بدأ الشتاء يفسح الطريق للربيع في العام التالي ، انشغل أهل السفح بتقديم القرابين لأسلافهم ، 

واستقبال العام الجديد ، وطرد النحس ، والدعاء بالبركة



الضوضاء والاحتفالات تستمر لأيام


حرص وين شي على الابتعاد ، فلم ينزل إلا في المرات التي 

اصطحبه فيها تشين بوداو


وبعد أن هدأ كل ذلك الصخب ، عاد إلى البستان عند السفح ، لكنه لم يلتقِ تلك العجوز لعدة أيام متتالية


اضطرب قلبه ، فضمّ طائر الدابنغ بين ذراعيه ، وشد منقاره حتى لا يُصدر صوت ، 

ثم تسلّل إلى أطراف القرية


وهناك، بجوار أحد البيوت، رأى راية بيضاء للروح معلقة على 

عصا من الخيزران، وأوراق نقود ورقية مبعثرة على الأرض


أصدقاء العجوز وأقاربها يرتدون ثياب الحِداد


وسمع وين شي بخفوت أنّها قد رحلت


بعد أن احتفلت بالعام الجديد وتناولت وجبة طيبة ، غادرت 

في نومها بسلام ، دون مرض أو ألم ، 

وانتقلت من الدنيا عن شيخوخة هادئة



بما أنّ كثيراً من أطفال القرية كانوا صغاراً ، لم يفهموا معنى الموت بعد


كانوا يظنون أنّ الأمر لا يعدو كونه متعة في أن يكونوا وسط جمع من الناس


فبعد أن يسحبهم الكبار إلى الباب ويجعلونهم يسجدون 

وينحنون ، يبدأون بالركض واللعب مع بعضهم بعضاً


أما وين شي فقد كان يفهم


كان يعلم أنّه من هذا اليوم فصاعداً ، إن عاد إلى تلك الغابة

— مهما اختلف الفصل — فلن يلقَ هناك أحد يمد له ثمرة 

أو كعكة حلوة ، و يحمل سلة على ذراعه ، 

ويبتسم له بابتسامة عريضة



و في الليل ، رأى وين شي الحلم نفسه مجدداً


الحلم هذه المرة مدينة أشباح وجبال جثث وبحار دم كالعادة بالاضافة إلى —  تلك العجوز جامِعة الأعشاب


تتعثر بخطوات متثاقلة على ذلك الطريق الطويل الكئيب، 

ولم تلتفت مهما صرخ وين شي منادياً لها


مثل إبرة نافذة أو سيف حاد ، اخترق العويل الغريب جمجمته ، يحفر ويثقب عميقاً


ورغم أنّ رأسه كاد أن ينفجر ، لم يستطع أن يتخلّص منه


تقلّب وين شي طويلاً في صراعه مع تلك الأشياء في حلمه


وحين فتح عينيه أخيراً ، اكتشف أنّه لم يعد في سريره ، 

بل واقفاً أمام باب غرفة تشين بوداو


و الضباب الأسود الذي يكسو يديه قد تمدّد بجنون 

و على وشك أن يتسرّب إلى الداخل


تجمّد مكانه مشدوهاً مذعوراً للحظات طويلة ، 

ثم ارتجف من الخوف


بعدها استدار واندفع راكضاً مبتعداً


ومنذ تلك الحادثة ، لم يعُد يجرؤ على إغلاق عينيه ثانية


كان يعلم أنّ الدابنغ ذو الجناح الذهبي لا يخاف من الضباب الأسود


لذا بدلاً من العودة إلى غرفته ، مضى إلى حافة الجرف 

الحجري عند ساحة التدريب، وجلس هناك يربّت على رأس الطائر الزغب


وحين رأى أنّه ما زال مرحاً حيوياً كما المعتاد ، حتى وسط 

الضباب الأسود ، شعر بقليل من الطمأنينة


جلس هكذا وقتاً لا يدري طوله ، ثم سمع حفيف خلفه —


صوت رداء يلامس خفيفاً أغصان الصنوبر والثلج


كان يعرف أنّه تشين بوداو لكنه لزم الصمت ولم يلتفت


ما إن تذكّر كيف كان يقف أمام باب تشين بوداو في الليلة 

الماضية كشيطان، حتى غمره شعور غريب لا يمكن وصفه



في ذلك الوقت لم يفهم ما شعر به؛ لكنه أدرك لاحقاً أنّه 

خوف متأخّر… خوف من أن يفقد السيطرة يوماً ما ويؤذي 

الشخص الذي يخشى أن يؤذيه أكثر من أي أحد


رغم علمه باستحالة أن يُلحق الضرر بـ تشين بوداو ما دام 

الأخير يتحصّن ولو قليلاً


قال تشين بوداو وهو ينحني خلفه ، قابضاً على ذقنه براحته ليجبره على رفع رأسه :

" كيف سقط ذيلي الصغير هنا ؟ "


ولعلّ عيني وين شي كانت حمراء أكثر من اللازم ، فتفاجأ تشين بوداو للحظة


مسح الدموع المتدلية من ذقنه ثم أداره نحوه


مدّ وين شي يده وقال:

" تلك الأشياء ظهرت مجدداً "


أومأ تشين بوداو: " أستطيع أن أراها "


ظنّ وين شي أنّه سيسأله عمّا حدث ، لكنّه لم يقل سوى:

" هل تؤلمك؟ "


{ تؤلمني …


تؤلمني جداً جداً —ألم يحفر في رأسي وقلبي وجسدي ، 

ألم يمزق داخلي … روحي ، 

ولم أستطع التحرّر منه مهما حاولت …

لكن ربما …  لأنّني كنت مستيقظ لبعض الوقت 

لم يعد الألم يبدو قاسياً جداً }


و حين سأله تشين بوداو هذا السؤال 

هزّ رأسه و رد بصوت خافت : “ لا يؤلمني .”


كان تشين بوداو ما يزال منحنياً للأمام ، وبعد لحظة قال: “ صغير لهذا الحد ؛ وقد بدأتَ بالفعل تتعلم كيف تكذب على الناس .”


عبس وين شي بحاجبيه وأمال رأسه للخلف : “ وكيف عرفتَ أنني أكذب عليك ؟”


تشين بوداو: “ لأني أنا الشيفو خاصتك .”


جلس تشين بوداو على المقعد الحجري ، فألقى وين شي 

نظرة على الضباب الأسود الذي يحيط بيديه، ثم انسحب 

خفية إلى جانبٍ آخر قليلاً


كان يظن أنّ حركته دقيقة لن تُلاحظ ، لكن على الأرجح لم 

يغب شيء عن انتباه تشين بوداو


ظلّ الآخر صامتاً لوقت طويل ، ثم قال : “ دعني أُريك شيئ .”


ظلّ وين شي محافظاً على مسافة بينهما ، يحدّق بعينيه 

الواسعة المليئة بالفضول


مدّ تشين بوداو يده نحوه


يداً نظيفة دافئة ، أجمل يد رآها وين شي في حياته


وبعد أن حدّق فيها لحظة ، لم يستطع إلا أن يُخفي يديه 

الملطختين خلف ظهره


لكن ما إن فعل ، حتى رأى شيئاً يتسرّب ببطء من كفّ تشين بوداو النقية


ضباب أسود ، تماماً مثل ضبابه ، يتدفّق بلا انقطاع …


صُدم وين شي لدرجة أنّه نسي الكلام


شرح له تشين بوداو أنّ تلك السنة كانت مليئة بالحروب والكوارث الطبيعية

وقد جاب أماكن كثيرة ، وكل مكان تقريباً كان يحوي أقفاصاً 

تشكّلت من حقد وعذاب عشرات الآلاف من البشر


كان من شبه المستحيل تبديد كل ذلك السخط والطاقة 

الشريرة دفعة واحدة


لذا كان عليه أن يكبتها أولاً ، ثم يتعامل معها تدريجياً


قبض تشين بوداو أصابعه ، فاختفى الضباب الأسود بطاعة ، و لم يكن مخيف 


وقال: “ كما ترى ، أنا مثلك .”


في هذا اليوم ، أدرك وين شي أنّه ليس الوحيد في هذا 

العالم الذي يحمل مثل هذا الشيء

و أن تشين بوداو مثله 


ما كان ينبغي أن يكون عبئاً ثقيلاً تحوّل فجأة إلى رابط سرّي، 

لا يعرفه أحد سواهما


سأله وين شي: “ لماذا لا يتجول ضبابك في كل مكان مثل ضبابي ؟”


تشين بوداو: “ لأن لدي راحة بال .”


كان ثمة سبب وراء امتلاك الناس العاديين لذلك الضباب 

الأسود الكثيف الذي لا يستطيعون طرده أو التخلّص منه


كان بسبب تصادم الضغائن والحسد ، وبسبب مزيج الأهواء والرغبات ، 

الحب والكره ، الفرح والحزن ؛ لأنّ لديهم الكثير من التعلّقات والهموم


لقد شهد تشين بوداو مواقف كثيرة مشابهة لما عايشه وين شي


جبالاً من الجثث ، ومحيطات من الدماء


وقد ودّع عدداً لا يُحصى من الأرواح ، ليسمح لهم بالرحيل 

عن هذه الحياة الدنيا بصفاء


ولهذا ما تبقّى لديه من روابط دنيوية أكثر بكثير مما لدى وين شي


ما لم يستطع تبديده فوراً ، خزنه داخله


وحين يملك راحة البال ، تبقى تلك الأشياء ساكنة ، كأنها 

وجدت مكان لترتاح فيه


تُخزّن بهدوء ، بلا صوت ، بلا أثر


لكن ما إن يطرأ تزلزل ولو بسيط ، أو يُفتح فراغ بسيط ، 

حتى تنفلت بجموح بلا قيد


والضباب الذي يتسرب من أقل وأبسط فراغ يكون أعتى 

عواطف ورغبات الدنيا ، قوي بما يكفي ليتحول إلى هواجس


و سهل أن يؤثر في عقل الإنسان وحاله


فيصير الحزن ألماً قاسياً ، والفرح نشوة عارمة ؛ 

حتى من لم يكن عاطفياً بطبعه ، يشعر بالاضطراب والقلق العميق


وإن لم ينتبه المرء ، فقد يتحوّل تماماً إلى شخص آخر تحت 

تأثير تلك المشاعر الشيطانية الكامنة



ولهذا السبب أيضاً لم يكن أمام تشين بوداو خيار سوى أن 

يسلك أشد الطرق صرامة في الزهد والتجلّد


لأنه يحمل في داخله روابط دنيوية كثيرة ، ولو غفل قليلاً

لانفجرت جميعها دفعة واحدة


لكن تشين بوداو لم يُخبر وين شي بهذا 

على وجه الدقة ، لم يُخبره أبداً

كل ما فعله هو أن مدّ يده نحوه وقال: “ تعال ، سأصحبك إلى مكان ما.”


تلك أوّل مرة يدخل فيها وين شي قفص —قفص الجدة 

التي كانت تجمع الأعشاب ——


في ذلك الوقت لم يكن يعرف سوى بعض المهارات الأساسية


لم يكن لديه علم بالدمى أو بالتعويذات أو بالمصفوفات، 

فلم يكن في وسعه فعل شيء في القفص

و كل ما استطاع فعله هو مرافقة تشين بوداو


وبالأساس ، لم تكن تعلّقات الإنسان العادي شيئاً قوي يزلزل الأرض


كان القفص صغير ، وحلّه لا يتطلّب جهداً كبير


أراد تشين بوداو فقط أن يُريه الجدة مجدداً


حينها شعر وين شي وكأنّ تشين بوداو قادر على قراءة أفكاره


حتى لو لم ينطق بكلمة ، كان الآخر يعرف تماماً ما يجول في صدره


و بعد أن خرجا من القفص ، قاده تشين بوداو إلى قمة الجبل من جديد


وهناك، سحب خيط من الروابط الدنيوية ' ديون الكارما ' من بين أصابعه 

وقال: “ لقد تركت لك تلك الجدة شيئ 

أتريد أن يكون أرنباً ؟ أو سمكة ؟ أو طائراً ؟”


سأله وين شي: “ ما الذي يمكنه أن يعيش إلى الأبد ؟”


تشين بوداو: “ كل كائن حي سيلقى حتفه يوماً ما ”


رفع وين شي الطائر الذي يحمله في ذراعيه وقال: 

“ لكنّك قلتَ إنّ الدَّابِنغ يعيش إلى الأبد .”


رفع تشين بوداو حاجباً وقال: “ يا لك من ذكي ”


بطبيعة الحال لم يكن ينوي أن يحوّل ما تركته العجوز إلى 

دمية يسيطر عليها شخص آخر 


ولم ينوي أن يكرر الخدعة السابقة ، 

عندما أخبره أن الدابِنغ هو العصفور الذي عاد إلى الحياة


فالتلميذ الصغير قد كبر قليلاً الآن ، ولم يعد من السهل 

خداعه كما في السابق


وجّه تشين بوداو رابطة الجدة الدنيوية نحو البركة التي 

يغذيها النبع في قمة الجبل، فتحوّلت إلى سمكة كوي بلون 

ذهبي مائل إلى الأحمر


لأول مرة، أدرك وين شي بصدق المعنى الحقيقي لوجود ' بانغوان ' —- 

أن يشيّعوا الراحلين في طريقهم ، ثم يساعدوهم في أن 

يتركوا وراءهم شيئاً صغيراً في هذا العالم الفاني الذي كان يوماً موطنهم


جلس وين شي على ركبتيه بجانب البركة وسأل: “ كم تعيش السمكة ؟”


تشين بوداو: “ ذلك يعتمد على رعايتك لها . 

إن اعتنيت بها جيداً ، يمكنها أن تعيش سبعين أو ثمانين عاماً ، 

وهي مدة تكفي لعمر إنسان عادي . 

أما إن لم تفعل ، فقد تنقلب على ظهرها وتموت غداً . 

فكن حذراً معها .”


حدّق به وين شي


لم يفهم لماذا كان يجب أن يجعل الأمر محفوفاً بالخطر هكذا


إلى جانب البركة شجرة برقوق بيضاء ، أزهرت بكاملها حتى 

غدت بيضاء كالثّلج

و أشار إليها وين شي وقال : “ كم عمر هذه ؟”


فكّر تشين بوداو قليلاً وقال: “ على الأغلب بعمري تقريباً. 

فهي شجرة مسنّة .”


في نظر وين شي آنذاك ، كان تشين بوداو أشبه بخالد ، لا يشيخ ولا يموت


ولهذا بينما يراقب السمكة في البركة ، تمتم : " عندما أستطيع في المستقبل حلّ الأقفاص بنفسي ، 

سأحوّل جميع هذه الروابط الدنيوية إلى أشجار "


سخر منه تشين بوداو: “ إن زرعت كل تلك الأشجار ، أين ستجد 

مكاناً لها جميعاً ؟ وأيضاً الشجرة لا تستطيع فتح فمها والكلام .”


وين شي: “ وهل تستطيع السمكة الكلام ؟”


أسند تشين بوداو ظهره على الشجرة ، وأمعن النظر فيه قليلاً ، 

ثم ضحك ضحكة خافتة وقال: “ رغم أنّك قليل الكلام ، إلا أنّك تُجيد التظاهر بالقوة 

حين تقرر أن تكون شرساً .”


تجاهله وين شي وبدأ يُكوّم الحجارة في البركة بصمت


وبعد فترة شعر أنّ البركة فارغة جداً


لم يكن فيها سوى سمكة واحدة ، وحيدة تماماً


رفع تشين بوداو حاجباً بدهشة وقال: “ مع أنّك تستطيع أن 

تقضي وقتاً طويلاً دون أن تنطق بكلمة ، إلا أنّك تخشى أن تموت السمكة من الوحدة ؟”


وبعد لحظة ، أومأ برأسه ، ثم استقام في وقفته وغادر



لم تمضِ فترة طويلة حتى عاد وهو يحمل شيئاً في يده


وحين انحنى ووضعه في البركة قال: “ وجدتُ لك شيئاً ليؤنس السمكة بدلاً عنك .”


تأمل وين شي عن قرب ، فاكتشف أنّها سلحفاة صغيرة


رفع رأسه وحدّق في تشين بوداو طويلاً ثم أدار ظهره وغادر


وبعد فترة ، عاد وهو يحمل سلحفاة أخرى بين كفّيه ، ثم ألقى بها في البركة


ألقى تشين بوداو عليها نظرة وقال: “وهذه مَن تكون بديلاً عنها ؟”


لم يكلف وين شي نفسه عناء رفع رأسه وهو يجيب : “ أنت .”


ضحك تشين بوداو بخفوت وتنهد قائلاً : “يا لك من عنيدٍ أشدّ العناد .”


….

حين استرجع وين شي تلك الأيام لاحقاً ، أدرك أنّه رغم كثرة 

كلامه حين كان صغير ، إلا أنّ بو نينغ والباقين ظلّوا يرونه 

شخصاً ميّالاً إلى تجاهل الآخرين


لعلّ السبب أنّ كل ما نطق به من كلمات آنذاك كان موجهاً 

فقط إلى تشين بوداو


منذ ذلك اليوم ، بدأ وين شي يتعلّم بجدية مهارات الـ بانغوان


لم يعد الأمر مجرد بحثٍ عن مكانٍ دائمٍ يستقر فيه


كان تشين بوداو بارعاً في شتّى المجالات


سواء في فنّ الدمى أو التعويذات أو المصفوفات، 

كان بمثابة الجدّ الأعلى لها جميعاً


وإذا أردنا التحديد بدقة في أي مجال تشين بوداو يُعتبر 

ضعيف قليلاً فهو على الأرجح مجال العِرافة ، 

لأنّ العِرافة تعتمد اعتماداً كبيراً على الموهبة الفطرية


كان بو نينغ من النوع المهيأ بالفطرة للعِرافة


حتى لو جلس غيره يوماً كاملاً مستخدمين شتى الأدوات، 

فلن يروا ما يراه هو بمحض دخوله في حالة تأملٍ عرضية


لكن لذلك ثمن ——-


فبنيته تكون بين الإنسان والمخلوق الروحي ، 

مما يجعل روحه غير مستقرة بطبيعتها

مثل صحن سطحي مملوء بطبقة رقيقة من الماء ، 

دفعة خفيفة بسيطة وقد يتسرب نصف الماء

وإذا دخل قفص ، سيكون من السهل أن يضلّ أو يُمسّ أو 

يتلوّث بأشياء ما


وبما أنّ بو نينغ لم يكن قادراً حتى على تثبيت نفسه ، فقد 

كانت صناعة الدمى أمراً مستحيلاً بالنسبة له


ولهذا تخصّص في المصفوفات ، مستعيناً بالعِرافة كعامل مساعد


وما دام يتمكّن من المبادرة وإرساء مصفوفتِه أولاً ، نادراً يواجهه المشكلات


أما تشونغ سي فقد تخصّص في التعويذات ، لأنه كان ذكياً سريع البديهة ،،،

أحياناً يستخدم الطلاسم لصنع المصفوفات أو تحويل الأشياء ،،، 

فكأنّه تعلّم شيئاً من المصفوفات والدمى معاً ،،،

وإذا لم يجد ما يشغله ،،،

يكون قادراً على حماية منزل أو تثبيت روح أو طرد كائنات شريرة وكوارث ،،،

وإذا لعب مع أحدهم ، 

فبإمكانه مباغتته بضربة تعويذة ،،،

شخصيته كانت منفتحة ، ميّالة للطيش ، و يستمتع بإغاظة الآخرين ،،،

لذا المصفوفات والعِرافة بدت هادئة أكثر من اللازم بالنسبة له —-

بينما فنّ الدمى يتطلب صرامة ودقة —-

فكان فنّ التعويذات هو الأنسب له ——


أما تشوانغ يي — فقد كان سهلاً في مصادقة الآخرين ، 

شبه منزوع الغضب

ومنذ صغره جسّد الحكمة القائلة “ كل الأنهار تصب في البحر”

لم يكن هناك شيء لا يتقنه ، لكنه لم يتعمّق يوماً بما يكفي 

في أي مجال ليُصبح بارعاً بحق

وهكذا، تخصّص في ' الفنون المختلطة '


في المقابل —— لم يتزعزع وين شي أبداً عن قراره ——

فمنذ اللحظة التي حصل فيها على الـ دابِنغ ذهبي 

الجناحين ، عزم على إتقان فنّ الدمى ———


فنّ الدمى فرع من طرق الزراعة الروحية منخفض العتبة 

للبدء ، لكنه بالغ الارتفاع في السقف


فمجرّد تعلّم الأساسيات يكفي لصنع دميتين أو ثلاث دمى صغيرة


لكن كي يصبح المرء بارعاً فيه ، فذلك يتطلب شروطاً كثيرة : 

أن يكون ثابتاً راسخاً ، شديد الصبر ، واسع الوعي الروحي 

دون أن يكون متصلباً أكثر من اللازم ——-


فكل مرة يُطلق فيها سيد الدمى دمية ، كان الأمر أشبه 

باقتطاع وإرسال جزء من جسده هو


عليه كبحها ، و أن يُخضعها أيضاً لوعيه الروحي ——


كان شعوراً غريباً في الحقيقة ، يحتاج إلى وقتٍ للاعتياد عليه ، 

وكل ذلك يعتمد على المثابرة في التدريب ——

لهذا كان وين شي أكثر من يتدرّب بجد بين جميع رفاقه التلاميذ ، 


حتى مع ملاحظتهم الواضحة لتزايد قوته شيئاً فشيئاً ؛

كان دائماً أوّل من يستيقظ وآخر من يخلد إلى النوم


ذات مرة رفض بو نينغ والبقية تصديق ذلك ، فحاولوا منافسته


لكن في كل ساعة يخرجون فيها من أسرّتهم ، كانوا دائماً 

يرون طائر وين شي جالساً على منصة التدريب وهو ينشّف ريشه


أكثر دقة — لم يكن ذلك الطائر في الحقيقة طائر وين شي

الأصح أنّه كان الـ دابِنغ الذهبي العائد لـتشين بوداو والذي 

تركه ليرعاه وين شي


ومتى ما التفت الدابِنغ نحوهم ، شعر التلاميذ الآخرون 

بالغيرة والخجل معاً

عندها يزحفون نحو شيديهِم لينضمّوا إلى التدريب


وبعد تكرار هذا المشهد مرات عديدة ، سألوه بجدية :

“ ألا تنام أبداً ؟”


فألقاهم وين شي بنظرة متشككة ، والعبارات مكتوبة 

بوضوح على وجهه ' أيّ هراء هذا الذي تتفوهون به؟ '


قال تشونغ سي وهو جالس على غصن شجرة صنوبر ، ساق 

فوق الأخرى، برمي التعويذات بصفير خفيف :

“ أيتطلب تعلّم فنّ الدمى كل هذا الجهد ؟ 

لحسن الحظ أنني لم أتخصص فيه .”


في الحقيقة لم يكن وين شي يستيقظ باكراً وينام متأخراً 

لمجرد التدرب على الدمى


بل لأنه سرق كتاباً من غرفة تشين بوداو وكان يحاول 

استخدامه لتطهير روحه


تشين بوداو لم ينصح تلاميذه يوماً بأن يسلكوا نفس طريقه في الزراعة 

فطالما ظلّوا يعيشون في هذا العالم ، يكون من الصعب 

للغاية أن يتحرروا تماماً من كل الارتباطات


تطهير الروح لم يكن سوى وسيلة مساعدة لذلك الطريق ؛ 

أشبه بشحذ النصل على الروح مرة بعد مرة


أمر طويل الأمد ، صعب الاحتمال جداً ——


تشين بوداو قد خطّط مسبقاً : حين يبلغ وين شي سن 

الرشد ، ويصبح متمكناً من فنّ الدمى ، ويقدر على تحمّل 

التطهير ، فسوف ينتزع من روحه تلك الطاقة الحاقدة 

والناقمة المتولدة عن مئات الآلاف من البشر … ثم يحملها على نفسه


لكنه لم يخبر وين شي بذلك أبداً


فكلما سأله ، كان يجيبه بطريقة مختلفة ، تبدو هادئة لا ضرر فيها


لكن وين شي في قرارة نفسه كان يعرف كل شيء ، ويفهم كل شيء


لم يكن يريد أن يُلقي كل ذلك على تشين بوداو

لأنّها أعباؤه هو


وهكذا بدأ في سرٍّ بتطهير روحه باكراً جداً ———


وكان يعلم أنّ الدابِنغ سيشي به، لذا في البداية كان يربطه بخيط دمية

ثم انتهى به الحال إلى استخدام أسلوب ' التعذيب بالتحديق ' و ' المجادلة (بالمنطق الممزوج بالتهديد) ' 

لإجبار الطائر على الوقوف إلى جانبه


لم يكن بارعاً في الكذب ، فاعتمد اعتماداً كاملاً على لاو ماو لمد يد العون له


لم يتوقّع تشين بوداو أبداً أن تُجبر دميته على الانحياز إلى تلميذه وبحلول الوقت الذي اكتشف فيه الأمر ، كان وين 

شي قد أمضى سنوات عديدة في تطهير روحه


لم يعد ذلك الطفل الصغير الذي يشبه كرة ثلج تنكمش 

عند أول نسمة باردة ؛ بل تحوّل إلى شاب رشيق القامة ، 

مهيب الوقفة ، وسيم


كان عمر وين شي وقتها سبعة عشر عاماً ———-


بسبب تكراره لتطهير روحه ، كان قد سلك طريقاً يخلو من الروابط والقيود


وفي مظهره الخارجي ، بدا وين شي أكثر برودة وأصعب 

اقتراباً مما كان عليه في صغره


ومع نموّه في سنوات المراهقة ، ازدادت حدّته وبروزه ، 

فلم يعد يترك أثراً صغيراً إذا وخزه أحد كما كان وهو طفل ، 

بل باتت الهالة الحادة تلتفّ حوله شيئاً فشيئاً


حتى مع رغبة إخوته الثلاثة الكبار في المزاح معه ، كانوا يهابونه بعض الشيء


فبناءً على الهالة وحدها ، كان وين شي يبدو كأنه الأكبر بينهم


في تلك السنوات ، ظلّ العالم الدنيوي غارقاً في الاضطراب


أما تشين بوداو فلم يكن يمكث طويلاً في جبل سونغيون، 

وغالباً يمضي وين شي فترات طويلة دون أن يراه


كان الشبان في أواخر المراهقة حسّاسين متقلّبي المزاج، 

سريعو التبدل في عواطفهم


ورغم أنّ وين شي سلك طريقاً بلا روابط دنيوية ، فإنه لا يزال 

يفتقر إلى النضج الكامل ، 

ولم يستطع أن ينتزع نفسه كلياً من شؤون العالم


لقد بدا بارداً كالثلج من الخارج ، لكن ذلك لا يعني أنه خلا 

تماماً من عواطف البشر ، 

خاصةً حين كان الأمر يتعلق بـتشين بوداو


فظهور تشين بوداو حين كان وين شي طفلاً لم يتغير أبداً ، 

في حين أن وين شي كان يكبر ويتغير بسرعة ملحوظة


أما تشين بوداو، فظلّ هو نفسه : ذلك الرجل الذي يتكئ 

بتكاسل على شجرة برقوق بيضاء مزهرة ، بابتسامة على 

محيّاه وهو يوبّخه على تمرده ودلاله


ذلك جعله يشعر بالاضطراب والغرابة في آن واحد


كأنّه ينمو ويكبر على الجبل وحده ، بينما تشين بوداو لم 

يكن إلا ظلاً عابراً يمرّ بين ثغرات الزمن


لم يكن يشبه معلم عجوز يُرشد تلميذه ، بل بدا أقرب إلى زائرٍ يأتي ويذهب


ومرّة ، غاب تشين بوداو أشهراً طويلة ثم عاد 


كان يسير على طريق الجبل ، مرتدياً القناع الذي يضعه عادة عند لقاء الغرباء


و ذيل ردائه الأبيض الناصع يكنس أرضية الحجر كالسحاب، 

يتبعه انسياب ردائه الأحمر الخارجي برفق


وفي هذه اللحظة ، كان وين شي يصعد من ممرّ الجبل في الجهة الأخرى


وما إن لمح تشين بوداو من بعيد حتى توقّف فجأة ، 

واجتاحه خاطرٌ غريب : بدا له ذلك الشخص في البعيد كأنه غريب بعض الشيء


كان من المفترض أن تكون الصلة بينهما أوثق من أي علاقة 

أخرى في هذا العالم، فقد كانا يشتركان بسرٍّ واحد : الروابط 

الدنيوية ' ديون الكارما ' المخبأة في روحيهما


لكن، باستثناء ذلك ، كان ثمة غربة خفيفة كامنة أيضاً


لم تكن لا مبالاةً ولا جفاءً ، بل مسافة دقيقة ، تكاد لا تُدرك ، 

نشأت فجأة دون سبب


ولفترة طويلة لم يفهم وين شي سرّ ذلك الشعور ——


حتى حلّ منتصف الربيع بعد عامين ———


حينها ، عاد وين شي ورفاقه إلى جبل سونغيون بعد أن فكّوا قفص ، 

فاستراحوا قليلاً ثم توجهوا إلى ساحة التدريب في منتصف الجبل ،


كان بو نينغ ضعيف البنية ، رقيق المظهر ، كأن نسمة رياح 

تكفي لإسقاطه

وهو بطبيعته كثير القلق ، ما إن يبدأ الحديث حتى يسترسل 

فيه بلا نهاية

وبينما ينصب تشكيلته على طول الحافة ، قال:

“ سمعتُ شيفو يقول في اليوم الآخر إنه بعد بلوغ شيدي 

سنّ الرشد ، سنستطيع مغادرة الجبل لنتجول في الأرض 

و نتخذ تلاميذ ، وندخل المجتمع 

لكنني اعتدت العيش معكم ، وأخشى أن أشعر بالوحدة إن بقيت وحيد . 

ما رأيكم أن نكوّن شراكات فيما بيننا بدلاً من ذلك ؟”


كان تشونغ سي يرمي التعاويذ في الهواء محدثاً نسمات 

عابثة تشوش على التشكيلة التي صنعها بو نينغ

فأجابه:

“ حسناً . بالنظر إلى بنيتك الضئيلة ، أخشى أنك لن تعيش 

أياماً طويلة إن نزلت الجبل وحدك .”


فأشار إليه بو نينغ من بعيد محذّراً ، لكن على نحوٍ غير مقنع :

“ تابع رمي التعاويذ ، لمَ لا ؟ إن وقع بلاء عظيم بعد ستة 

أيام هل ستخاف وقتها ؟”


( يسوي تشكيلة تحمي الجبل و تشونغ يزعجه وقاعد يخربها عسل 😂😭 ) 


تشونغ سي:

“ لا، في أسوأ الأحوال لن أغادر الجبل وحسب .”


ورغم أنه قال ذلك ، إلا أنه أوقف يده المسببة للفوضى ، 

ثم التفت ليسمع آراء التلميذين الآخرين


كان لـتشوانغ يي لقب : تشوانغ هاوهاو، وذلك لأنه شديد 

اللين ، لا يغضب أبداً ، ودائماً يجيب بكلمة : حسناً ، حسناً ، حسناً 

( بحطلكم طريقة النطق لأنه يضحك إنهم يلقبونه كذا 😂😂 )


ولهذا السبب ، كان سؤال تشونغ سي موجهاً أساساً إلى 

وين شي؛ فمقامرتهم اليومية الكبرى كانت التنبؤ ما إذا كان 

شيدي الجليدي المزاج مسروراً أم غاضباً


وللأسف، كان وين شي في تلك اللحظة غاضباً


بقي عام واحد فقط على بلوغه سنّ الرشد، وقد سمع بدوره 

تشين بوداو يقول شيئاً مشابهاً عدة مرات من قبل


لكن كلما فكّر في “مغادرة الجبل” وربما عدم العودة لمدة 

طويلة ، شعر بثِقَلٍ غامضٍ وضيقٍ لا يُوصفان


أما تشوانغ يي، فكان يدرّب خيط الدمية بلا اكتراث، 

يستعمل خيطاً رفيعاً كالشَّعر ليصيب به الطيور والأسماك 

والزهور المتساقطة والحشرات الطائرة

وكان صوت صفير الخيط حاداً مخيفاً، 

لكن وين شي لم يحاول حتى الابتعاد

و اكتفى بشد شفتيه ، وإرخاء جفونه النحيلة ، 

ثم اتكأ على شجرة وهو يرتب خيط الدمية الملفوف حول أصابعه


سأله تشونغ سي:

“ ما رأيك ؟”


فأجاب وين شي بلا أن يرفع رأسه ، ببرود :

“سنرى العام القادم .”


ثم تابع تشوانغ يي بسؤال آخر:

“ شيدي ، حين تُطلق خيط الدمية ، كيف تضبط قوته في الوقت المناسب ؟”


لم يكن وين شي مبالياً ، لكن تنبّه فجأة إلى حركة آتية من 

طريق الجبل

فقرّر أن يُري تشوانغ يي مثالاً عملياً

إلا أنه، لحظة انطلاق الخيط، تجمّد فجأة من الصدمة


لأن القادم من طريق الجبل كان تشين بوداو


حينها كان وين شي قد قارب بلوغ قمة فنّ الدمى

فالخيط انطلق بزاوية معقّدة ، سريعاً وقوياً ، بحيث يستحيل تفاديه


لكن تشين بوداو رفع يده ، وأمسك بالخيط بين أصابعه ، قابضاً عليه في راحة كفه

فالتف القطن الأبيض الناصع حول انحناءة سبابته الرشيقة ، 

ثم حول إصبعه البنصر ، متدلياً إلى الأسفل


عندها فقط ——- أدرك وين شي لأول مرة عمق الصلة بين صانع الدمى وخيطه


ارتجفت عيناه في تلك اللحظة


فالأصابع النحيلة الطاهرة لم تكن تمسك ببعض خيوط 

القطن فحسب، بل كأنها امتدت لتقبض على روحه


شد أصابعه لحظة والخيط مشدود حولها ، ثم رفع عينيه 

إلى الرجل الواقف على جانب طريق الجبل


قال تشين بوداو بنبرة مازحة :

“ بما أننا لم نلتق منذ مدة ، قررتَ أن تباغتني بخيط دميتك ؟”


لم يكن غاضباً حقاً ، فأرخى قبضته

فانزلق الخيط عن أصابعه ، 

بينما سارع باقي التلاميذ إلى تحيته باحترام قائلين : “ شيفو ”


وحده وين شي ظل صامتاً ، رأسه للأسفل وهو يسحب خيط دميته


…..


و في الليل ، راود وين شي حلم قديم جداً ———-


المدينة الخاوية ما تزال هناك ، مليئة بالجثث والدماء ، 

يخيّم عليها البكاء المبحوح الذي لا ينقطع


لكن الشياطين والوحوش غدت ضبابية غير واضحة ، 

أشبه بظلال ورقية ممزقة لمخلوقات شريرة


أما النواح ، فقد غدا خافتاً ، يتأرجح بين القرب والبعد ، كالأنين أو الهمس


وقف وسط قاعة فارغة تحيط بها أشباح ، وخيوط الدمى 

متشابكة حول أصابعه جميعاً


الخيوط مبللة—إما بدم أو بعرق—تنساب ببطء على طولها، 

ثم تتساقط قطرات على الأرض، مشكلة بركة عند قدميه


وفجأة ، سمع حركة خلفه


استدار وين شي بقوة مشدداً خيطه ، فإذا به يرى تشين 

بوداو واقفاً هناك حافي القدمين ، مرتدياً رداءه الأبيض 

الداخلي متراخياً على جسده


و في عينيه الكسولة نظرة ذات مغزى

حدّق بـوين شي لحظة قصيرة ، ثم رفع يده ، وبدأ يمرر 

إبهامه على خيط الدمية المشدود ، خيطاً إثر خيط ، ماسحاً 

البلل العالق به


تأمل وين شي الخيط المنساب بين أصابع تشين بوداو

ثم لعق شفتيه


قال الرجل بصوت خافت ، وهو يقبض على أحد خيوط دمى وين شي :

“ رحّب بي  "


أغمض وين شي عينيه ، ثم فتح شفتيه قائلاً:

“ تشين بوداو "


وما إن نطق بهذين الكلمتين ، حتى انتفض من نومه


و انطلقت خيوط دميته غريزياً ، وهي لا تزال ملفوفة حول 

أصابعه ، فاصطدمت بحامل الطائر الذي كان لاو ماو جاثماً 

عليه ، فهوت القاعدة إلى الأرض متحطمه


جلس في سريره ، جبينه معقود ، جسده مشدود توتراً


رداؤه الأبيض—نفسه الذي ظهر في الحلم—متمايل مبللاً 

بعرق لم يتذكر كيف سال منه


وفي الخارج ، المطر قد بدأ يتساقط ، محدثاً جداول متواصلة من الصوت


وكلما انحدرت قطرات المطر عن أطراف السقف ، صدرت 

عنها نغمة لزجة غامضة


شدّ وين شي شفتيه وهو ينظّم أنفاسه ، وملامحه الشاحبة 

تلمع تحت الضوء


فجأة، جاء طرقٌ خفيف على بابه مرتين، ثم دُفع الباب بهدوء


رفع وين شي رأسه، فرأى تشين بوداو واقفاً في العتبة، ممسكاً بفانوس

عيناه تتلألآن بضوء الشمعة ، وصوته مبحوحاً قليلاً بكسلٍ لم يزل تماماً :

“ ما الأمر ؟”


حدّق به وين شي دون أن يجيب


ثم دوّى صوت رعدٍ في الخارج ، مفزِعاً حشرات الجبل و 

اندفعت فجأة في صخبٍ هائج


عندها ——- هبط بصر تشين بوداو إلى يدي تلميذه


أنزل وين شي رأسه ، رأى الضباب الأسود ملتفاً حول نفسه، 

مختلط بالروابط الدنيوية — أقوى تجسيدٍ للحب والكره ، للفرح والحزن ، للعاطفة والرغبة ———


يتبع


هالروايه لها ارتات رسميه وفان ارت كثير بشكل غريب 

لكن صعب ادور كل ارت لكل فصل

بحطلكم الروابط — و فيه حرق لاتدخلوا الروابط الا وانتوا راضيين 🫡🤍


⭐️ الويبو الرسمي للرواية ، كل شي موجود فان ارتات ، الكتب و الملحقات والكوسبلاي : 1


⭐️ بنترسنت :


طريقة نطق حسناً حسنًا حسناً :





  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي