القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch52 بانغوان

Ch52 بانغوان



( الحاضر ) 


ربما لأن روحه ظلّت منفصلة عن جسده فترةً طويلة ، 

فقد بدا له جسده غريبًا بعض الشيء عند عودته إليه —-


جزء منه كان يرفضه ، بينما جزء آخر كان يجذبه إليه


وبين شدٍّ وجذب ، كان الضحية هو وين شي نفسه


نام نومًا عميقًا لوقت طويل


الآلام تأتيه على شكل نوبات متقطّعة ، مرة خفيفة ومرة شديدة


وبما أنها نفس الآلام التي يشعر بها حين تهاجمه روابط 

العالم الدنيوي ، فقد كان من الصعب عليه أن يميّز إن 

كانت ناجمة عن عودة روحه إلى جسده ، أم أنها مجرّد 

أشباح من الذكريات


إلا أنّ جميع تلك الآلام طغى عليها في النهاية ذلك الحلم 

الغامض ، الأحمق والمشوَّش


حين استيقظ وين شي، كان المطر يهطل خارجًا أيضًا


صوت المطر وهو يطرق زجاج النافذة كان شبيهًا إلى حدٍّ 

كبير بصوت قطراته على سطح المسكن التقليدي في جبل 

سونغيون؛ كلاهما بدا مكتوم


ومع تساقط المياه وتدفّقها في كل مكان ، كان صوته السائل 

يجري على السقف وأسفل الجدران ، يتسلّل عبر منحنى أذنه 

وينفذ إلى الشقوق بين عظامه


الليل حاضرًا هنا أيضًا ، كما في حلمه

و في الغرفة مصباح واحد فقط ، مضاء على أقل درجة


مثل تلك الشمعة الصغيرة في الماضي ، 

المصباح يُسقط دائرة من الضوء لم تكن قاسية على العين


ومع ذلك رفع وين شي يده ليحجب الضوء عن نفسه


أغمض عينيه جزئيًا تحت ظلّ كفّه ، فتسرّب خيط من 

الضوء عبر الفراغات الدقيقة بين رموشه ، تاركًا ومضةً لامعة وسط الظلال


جاءه صوت فجأة —- : 


“ استيقظت ؟”


إنه شيه وون


كان صوته العميق المنخفض أشبه بصوت المطر ، لا يبدو 

غريبًا أبدًا وسط هدوء الغرفة


ومع ذلك ارتجفت أصابع وين شي قليلًا وهو يحجب الضوء بيده


قبل لحظة فقط ، كان قد سمع هذا الصوت نفسه في ذاكرته ، لكن لم يكن واضح تمامًا


في حلمه ، كان ذلك الشخص يرتدي رداءً أبيض طويلًا ، 

متكئًا على الباب ، وفي يده فانوس يضيء طريقه


بينما رعد أوائل الربيع المكتوم يهدر خارج الجبل ، 


جلس وين شي على سريره المصنوع من الخيزران ، 

و رأسه للأسفل ، 

جسده مبلّل بالعرق وقلبه يخفق كطبول الحرب


أغلق وين شي عينيه للحظة ، ثم دفع نفسه ليجلس على السرير

و أجاب باختصار : “همم.” ردٌّ شكلي على سؤال شيه وون


و بسبب استلقائه طويلًا ، تيبّست مفاصله حتى بدأت 

تتفرقع مع كل حركة


ثم أرخى رأسه للأمام وهو يدلك مؤخرة عنقه


شفتاه مشدودة ، شاحبة إلى حدٍّ واضح


لم يكن من السهل التنبؤ بحالته المزاجية لمجرّد النظر إلى 

وجهه ، فضلاً عن معرفة مقدار ما استعاد من ماضيه في حلمه


شيه وون الواقف بجانب السرير ، انحنى ليزيد ضوء المصباح قرب الفراش


و حين اتجهت نظرات وين شي نحو مرفق الرجل وصولًا إلى 

أصابعه النحيلة الشاحبة، انفجر المشهد من حلمه أمام عينيه فجأة


——- كانت خيوط الدمى المبتلّة مشدودة ، متشابكة في 

مقاطع متفاوتة الطول


تلك الخيوط لم تكن سوى امتدادٍ لروحه — جزء منه


و اليد في حلمه بيضاء ناعمة ، تُمسك بخيطه برفق بينما 

ينساب صوت منخفض: “ رحّب بي ”


لطالما كان ذلك شيئًا لم يستطع وين شي محوه —


ذلك الشخص هو من منحه اسمه وأصله …

وبعد أكثر من عقدٍ من الزمن ، أصبح هو رابط وين شي الذي 

لا يُفصح عنه مع العالم الدنيوي ، 

موضوع رغبته الساذجة والعبثية ——- ( يعني وقتها عرف 

مشاعره ' الدنيوية ' لتشين بوداو ' الحب طبعاً ' ) 


حين رفع وين شي رأسه ، التقت عيناه بملامح شيه وون وقد 

غمرها ضوءٌ أصفر باهت


الأزرار العلوية من قميصه مفتوحة ، وأكمامه مطويّة تكشف 

عظام معصمه البارزة وهو يدير مقبض المصباح بإبهامه


كان المشهد مطابقًا لذاك المشهد القديم —— حين وقف 

شيه وون عند عتبة بابه يحمل فانوس ، مرتديًا رداءً طويلاً


وفجأة لم يستطع وين شي أن يتذكّر كيف تعامل ذو التسعة 

عشر عامًا مع تلك المشاعر المخفيّة 


{ بلا شك لا بد أنني التزمت الصمت حينها ، 

كاتمًا إياها في أعماقي

و لاحقًا … لا بد أنني لجأت إلى مصفوفة تطهير الروح التي 

وجدتها في كتاب ، لأغسل كل شيء دفعة واحدة

وبعد أن بلغن سن الرشد ، غادرت جبل سونغيون رفقة زملائي التلاميذ }


حينها فقط أدرك لماذا لم يكن يتذكّر سوى طفولته


فابتداءً من تلك اللحظة ، لم تَعُد بينه وبين تشين بوداو أي 

تفاعلات وثيقة ، 

بل كان هناك نوع من المسافة المتحفظة يفصل بين كل حركة وكل نظرة ،


حتى النوادر الطريفة ندر وجودها ، ولم يعد هناك ما 

يستحق الذكر حقًّا


لقد دفن كل شيء بعمق ، وتفادى المواجهة بدقة بالغة


في نظر تشين بوداو، كان وين شي على الأرجح مجرّد تلميذ 

تعلّق به في طفولته واعتمد عليه كثيرًا ، لكنه فجأة انطوى 

على نفسه وأصبح باردًا ومنعزلًا بعدما كبر


أما عن كل ذلك — فلم يستطع وين شي أن يتذكّر شيئ


طهر صوت شيه وون متداخلًا مع صوت المطر :

“ هل ما زال رأسك يؤلمك؟”


ضوء المصباح قد أصبح أكثر سطوعًا


ظلّت أصابع وين شي ضاغطة على مؤخرة عنقه ، يدلكها بلا تركيز ، 

بينما عينيه عالقتان على الظلّ الممتد قرب قدمي شيه وون


ينظر إليه، لكنه في الوقت نفسه يتجنّب النظر إليه


: “ لا يؤلمني ” أجاب وين شي بصوت متعب ممزوج ببحة خفيفة


حوّل بصره بعيدًا عن شيه وون، ولعق شفتيه


ثم سمع صوت ارتطام خفيف عند رأس السرير


التفت بالصدفة ليرى شيه وون يلتقط كأسًا زجاجيًا من 

الطاولة الجانبية، ثم استقام واقفًا واتجه نحو الباب


حين رفع وين شي رأسه ، توقّف شيه وون للحظة ، وألقى 

عليه نظرة خاطفة ثم رفع الكأس قليلًا في يده وقال :

“ سأذهب لأسكب لك بعض الماء .”


ثم تابع خطواته إلى خارج الغرفة


“أأنت مستيقظ؟”

“أخيرًا نهضت؟”


رنّ صوتان رنّانان في الوقت نفسه فجأة


رفع وين شي عينيه ليرى الفتاتين—داجاو وشياوجاو—

ملتصقتين عند الباب ، تمدّان رأسيهما إلى الداخل 


إحداهما وجهها أكثر استدارة ، بينما الأخرى أكثر حِدّة ، 

لكن ملامحهما متطابقة تمامًا


قبل ذلك كان لدى وين شي شعور غامض بأن ثمة ما هو غير 

طبيعي بشأن هاتين الفتاتين

والآن أدرك السبب—فهما دميتان —-


كان على جبل سونغيون عدد لا بأس به من الأطفال


وبما أن تشين بوداو كان كثير السفر ولا يستطيع رعايتهم 

طوال الوقت ، فقد صنع دميتين: داجاو وشياوجاو


لكن لم يكن لوين شي انطباع عميق عنهما


ربما لأنهما لم تكونا مثل طائر الدابنغ الذي كان دائمًا على كتفه

ولهذا، فإن معظم ذكريات طفولته تقريبًا كانت تحتوي ظلّ ذلك الطائر


في العادة كانت داجاو وشياوجاو تبقيان في الجبل


مهمتهما غالبًا تقتصر على الطعام والمبيت ، 

ولم تكونا حاضرتين دائمًا


أحيانًا، إذا مرض أحد التلاميذ ، تبقيان لفترة أطول لغلي الدواء أو طبخ الحساء


ولهذا كلما لاحظتا أن أحدًا مريض ، لايستطيعان منع نفسيهما من التدخّل


داجاو:

“ هل ما زلت تشعر بعدم ارتياح ؟ 

لقد غلينا الماء منذ فترة وحافظنا على دفئه .”


ورغم أنه لم يتذكرها بوضوح شديد ، إلا أن مظهرها وهي 

تتشبّث بإطار الباب وتدخل رأسها للغرفة أعاد وين شي 

فجأة إلى جبل سونغيون


عندها تبيّن له —- رغم أن شيه وون بدا محاطًا دائمًا 

بمجموعة حيوية من الأشخاص ، يلاحقه هذا أو ذاك — 

ففي النهاية ، لم يكن أيّ منهم إنسان


شياوجاو:

“ هل يمكننا الدخول ؟”


أجاب وين شي بصوت ما زال يحمل بعض البُحّة :

“ ولِمَ لا تستطيعان ؟”


: “ لأن الرئيس لا يسمح لنا، آهـ—” شدّت داجاو ذراعها 

فتركت شياوجاو تنهيدة متألمة وأكملت : “—بدخول الغرفة .”


استغرق الأمر لحظة حتى استوعب وين شي من تقصد بكلمة ' الرئيس '


كان الأمر كذلك في السابق أيضًا


حين يمرض أحد التلاميذ ، كانت داجاو وشياوجاو تتكفّلان 

برعايتهما بانشغال


لكن وين شي كان استثناءً


فبسبب تكوينه الفريد ، ولكثرة ما يختبئ داخله ، لم يكن 

مرضه يومًا مجرّد صداع أو حمى أو قشعريرة


بل كان لا بدّ أن يترافق مع هجوم روابط العالم الدنيوي القاسية ' ديون الكارما '


وفي كل مرة —- كان تشين بوداو هو من يعتني به بنفسه


أما داجاو وشياوجاو وحتى لاو ماو


فلم يكن بوسعهم سوى المشاهدة من وراء النافذة أو من على قائم الطيور


: “ ما الذي تفضحان أمري به؟” جاء صوت خطوات شيه وون العائد من غرفة المعيشة


وبينما داجاو وشياوجاو على وشك التسلل إلى الداخل ، ارتبكتا فجأة وقفزتا بعيدًا عن الباب


هزّت داجاو رأسها سريعًا:

“ لا شيء، لا شيء .”


أضافت شياوجاو:

“ كيف لنا أن نتجرأ ، كيف لنا أن نتجرأ .”


لكن شيه وون لم يُبدُ أي نيّة حقيقية في منعهنّ


فبعد أن أفسحت الفتاتان الطريق بخوف ، دخل الغرفة حاملًا الكأس بيده 

ألقى نظرة خلفه وقال:

“ أي هراء أخبرتاك به؟”


أجاب وين شي بصوت خافت :

“ لم تقولا شيئ .”

وبعد ثوانٍ قليلة، تحرّكت شفتاه من جديد، ورفع عينيه قائلاً:

“ أي هراء يمكن أن تقوله فتاتان مثلهما عنك أصلًا ؟”


ساد صمت قصير في الغرفة


التفت شيه وون للأمام ، محدّدًا نظره وهو يلتقي بعيني وين شي


داجاو وشياوجاو—المتعلقتان بإطار الباب ، إحداهما أعلى 

والأخرى أسفل—سكتتا تمامًا


للحظة عابرة ظن وين شي أن شيه وون سيقول شيئًا ردًّا على ذلك


لكن شيه وون —- انحنت حاجباه وعيناه قليلًا بابتسامة خافتة و رد : 

“ أنا ؟” ناوله الكأس ، صوته هادئ وعميق يتردّد في أذن وين شي : “ يوجد الكثير فعلًا ، 

لكني واثق أن هاتين الفتاتين لا تجرؤان على كشفه .”


وين شي { الأمر غريب جدًّا …

حركات شيه وون وتصرفاته بدت وكأنها نسخ مشوّهة 

للحظات وقعت قبل قرون على جبل سونغيون ….


ما زال يحتفظ بنفس هدوئه ورزانته حين يعتني بالآخرين ، 

وما زال يمازح أحيانًا أحدًا قريبًا منه ببضع جمل خفيفة


ومع ذلك —- كل شيء الآن بدا مختلفًا كليًّا عمّا كان حينها }

أخذ وين شي الكأس و لامست أصابعه أطراف أصابع شيه وون


تجمّد لوهلة ، ثم حرّك إصبعه البنصر قليلًا إلى الخلف 

متجنبًا ملمس التلامس


بعد ذلك نقل الكأس إلى يده اليسرى، وأمال رأسه للخلف 

قليلًا ليشرب منه وعيناه نصف مغمضتين


وبينما أصابعه تدلك مفاصل يده اليمنى لا شعوريًا 

فكّر { ليس غريبًا أن الأمر مختلف الآن …

في صغري ، لم يكن جوّ كهذا ليظهر بيني وبين تشين بوداو— 


صوت هادئ متماسك ، لكن كلماتي وقتها لاذعة متعارضة

تمامًا مثل البحيرة الراقدة في حضن جبل سونغيون؛ 


سطحها ساكن بلا تموّج ، لكن التيارات تحتها تعصف بعنف وهدير


عندما كنت طفلًا مطيع ، صامت ، وسهل الاعتماد

لكن … لو أودت أن أعرف متى بالضبط بدأ صوتي وأسلوبي

يتغير مع تشين بوداو …… لقد بدأت عندما أصبحت بالغ .. لأني ….

فكل مرة أخرج فيها من مصفوفة تطهير الروح ، 

كنت أبقى لأيّام ممتلئ بالأشواك …. }


كان بو نينغ والآخرون يمازحونه دائمًا قائلين إن المصفوفة 

حققت نتائج مذهلة بالفعل : باستطاعتها تحويل شخص 

بارد مثل الصقيع والثلج إلى سهم جليدي يلسعك إن اصطدمت به فحسب


لكن لم يكن أيًّا من ذلك مقصودًا حقًّا


كان الأمر ببساطة لأن وين شي كان مضطرًا أن يشهد كل 

رغباته الطفولية الساذجة وهي تتلاشى وتتدفق بعيدًا تحت 

تأثير المصفوفة

وبعدها يقف أمام تشين بوداو بمظهر نقي خالٍ من شوائب 

العالم الدنيوي، يتبادل معه حديثًا عابرًا ببرود غير متأثر


وهكذا ، لم يكن بوسعه إلا أن يُظهر جانبًا مملوءًا بالحدة والمعارضة


فقط حين يتصرّف بتحدٍّ وعدائية ، كان قادرًا على أن يفصل 

نفسه عن صورة التلميذ الصغير التي كان عليها في طفولته


وفقط حينها كان يلمح بقايا التباس ، أو أثرًا من ردّة فعل ، 

في زوايا عيني تشين بوداو وحاجبيه


في ذلك الوقت ، كان وين شي يظن أنه مجرد عناد وتناقض


لكن حين استعاد ذكرياته الآن ، أدرك أنه لم يكن سوى عاجز 

عن كبح مشاعره — وكلما حاول إخفاءها أكثر، ازدادت وضوحًا


قال شيه وون فجأة :

“ فيما تفكّر ؟”


ارتبك وين شي قليلًا وهو يخرج من شروده ، ليلاحظ أخيرًا 

أنه ظل صامتًا وقتًا طويلًا ، والكأس الفارغ ما زال بين يديه


و كان شيه وون قد اختار أن يقف بجواره طوال هذا الوقت، 

يراقبه بنظرة منخفضة و من يدري بما كان يفكر 


فجأة رأى وين شي الآخر يمد يده نحوه بأصابع منحنية قليلًا


و لجزء من الثانية ، بدا وكأن تلك الأصابع على وشك أن تلامس وجهه بخفة


رفّت رموش وين شي، لكنه رأه يلمس الكأس


وين شي:

“ لا شيء مهم ….” ثم سحب يده وأبعد البطانية عنه ليغادر 

السرير : “ أستطيع أن أقوم بالأمر بنفسي .”


بعد أن قال ذلك ، اتجه نحو الباب حافي القدمين ، حاملًا الكأس الفارغ


كان طويل القامة ، مرتديًا قميصًا واسعًا وبنطالًا منزليًا طويلًا

وحين مرّ من خلال إطار الباب، انحنى قليلًا


لم يكن الأمر أن داجاو وشياوجاو لم ترياه من قبل في هيئة البالغ، لكن لسبب ما، انتابهما بعض الدهشة للحظة



فتراجعتا خطوة للخلف


وربما لأن ملامحه كانت شبه خالية من التعابير ، فقد تردّدتا 

رغم رغبتهما في قول شيء ما

و انسحبتا تمامًا إلى الزاوية ثم بدأتا بالهمس لبعضهما


قالت داجاو وهي تلوّح بيدها أمام وجهها :

“ وجهي حار .”


وافقتها شياوجاو وقالت بخفوت :

“ وجهي أيضًا حار .”


حرصتا على أن تكون أصواتهما منخفضة للغاية 

بينما قال شيه وون بصوت خافت :

“ ارتدِ نعالك .”


توقف وين شي مكانه


أمامه كان ينتشر ضوء خافت من غرفة المعيشة


والمصدر الوحيد للإنارة كان شريطًا أصفر باهتًا يخرج من 

المطبخ البعيد قليلًا، حيث كان شيه وون على الأغلب قد 

أشعل الضوء هناك حين ذهب ليملأ له الماء


و في الخارج ، ما زال المطر ينهمر ، يطرق بثبات على الأزهار والنباتات في فناء الدار


أدار وين شي رأسه لينظر إلى شيه وون وسأله فجأة:

“ ولماذا يهمّك ما أفعل ؟”


ردّ شيه وون وهو يبادله النظر :

“ ماذا تظن ؟ إن أصابك البرد ، ستكون أنت من يتعذب .”


ظلّ وين شي يحدّق به صامتًا للحظة ، ثم أدار ظهره مجددًا وقال وهو يمشي :

“ لا أطيق الحر .”


في الحقيقة كان بوسعه تمامًا أن يقول : لقد حلمت ، أو تذكرت بعض الأمور


ولو أراد أن يكون أكثر صراحة ، لكان بإمكانه حتى أن يقول: 

أدركت من تكون الآن


لكن هذه الكلمات ظلت عالقة في أعماق حلقه طويلًا 

و ابتلعها دون سبب واضح


حتى هو نفسه لم يعرف ما الذي دفعه لذلك


هذا الفصل الماطر خانق الحرارة


جهاز التكييف لم يكن مشغّلًا ، والآخرون لم يكونوا موجودين


مما منح وين شي وهمًا ما، وكأنهما هو وشيه وون وحدهما في المنزل بأسره


لكن مع أن داجاو وشياوجاو اعتادتا دائمًا أن تنزويا في ركنٍ ما، 

إلا أنه لايمكن تجاهلهما تمامًا


وبالتالي ، منح هذا المكان شعورًا خفيًّا بالحميمية


دخل وين شي المطبخ ورفع صنبور المغسلة ، شطف كأسه 

المستخدم بلا مبالاة تحت مجرى الماء


ثم سأل دون أن يلتفت للخلف ، وهو يسمع وقع خطوات تتبعه :

“ وأين الآخرون ؟”


أجاب شيه وون من خلفه :

“ هل تقصد أخاك الصغير ؟ تأخرت في الاستيقاظ وظللت 

تتصبب عرقًا باردًا بين الحين والآخر وأنت نائم ، 

و تتمتم بكلام مبهم غير مفهوم ….”


وتوقف كلامه عند هذا الحد لسبب غير معروف ——


حين وضع وين شي كأسه جانبًا واستدار ، كان شيه وون 

واقفًا وظهره للضوء المتسلل من باب المطبخ ، 

عيناه نصف غارقتين في الظل

وبعد لحظة ، تابع أخيرًا :

“ صادف أن لدي بعض الدواء في متجري ... ولأن أخاك كان تائهاً بلا هدف في المنزل ، 

طلبت منه ومن لاو ماو أن يذهبا لإحضاره .”


وين شي:

“ ومالذي كنتُ أهذي به ؟”


شيه وون: “ لم أسمعه جيدًا . بماذا كنت تحلم ؟”


فتح وين شي فمه قليلًا بينما غرق المطبخ مجددًا في صمت متقطّع


ورغم أنه كان ينظر نحو شيه وون ، إلا أنه اكتشف أنه لا 

يستطيع أن يرى عينيه بوضوح ، 

وبالتالي لم يعرف إن كان الآخر يأمل أن يكون قد حلم بشيءٍ محدد ، 

أم أنه يأمل أن لا يكون قد حلم به أصلًا


لكن سرعان ما أدرك أمرًا آخر { إن كان شيه وون يتمنى 

بالفعل أن أكون قد حلمت ، لما كان طرح هذا السؤال منذ البداية ….


الأمر أقرب إلى اختبارٍ استكشافي … }


اجتاحت وين شي فجأة مشاعر غير مفهومة


لم يكن يتصور يومًا أنه سيجد نفسه في مثل هذا الوضع مع 

هذا الشخص—لعبة شد وجذب متأرجحة


وين شي :

“ لقد نسيت .”


همهم شيه وون بـ “آه” خفيفة وهو يومئ برأسه


لم يستطع وين شي أن يرى سوى ملامح ظلاله


وفي تلك اللحظة ، بدا وكأن كتفيه قد تراخيا قليلًا ، كما لو 

أنه ارتاح لهذا الجواب


{ إذاً … ما زال لا يرغب أن اكتشف هويته الحقيقية ….

لكن … أليس ذلك تناقض شديد ؟ 

إن لم تكن تريد أن يعرف أحد حقيقتك ، فلماذا تتعمد إذن 

البحث عني من مكان بعيد 

وتكلّف نفسك عناء استئجار هذا المكان ، ثم تتنقل إليه 

مع كل تلك الذكريات الباقية من الماضي دون أي تغيير ؟


شجرة البرقوق البيضاء التي ذبلت منذ زمن ، 

البركة التي تسكن فيها أسماك الكوي ( الجدة العجوز )  

السلاحف الصغيرة التي كانت بدائل لشخصين آخرين…


وأيضًا الدابنغ ذو الجناحين الذهبية ، وداجاو، وشياوجاو }


في القفص —- عندما أدرك وين شي للمرة الأولى من يكون شيه وون ، شعر بالغضب — 


غضب لأن الآخر لم يقل شيئ أبدًا


لكن الآن، بعدما استعاد الكثير من ذكريات الماضي ، غمرته 

فجأة مشاعر أشد تعقيداً


لقد كان مشوشًا بعض الشيء


منذ طفولته لم يكن يخفي شيئًا أو يتجنب قول الحقيقة إلا 

لسبب واحد: أنه يحاول التستر على أمرٍ كان سيُكتشف لا محالة…


{ في هذه الحالة… ماذا عن تشين بوداو ؟ }


يتبع

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي