Ch58 بانغوان
فكّر شيه وون قليلًا ثم قال:
“ كن بخير .”
لا شك أن وين شي شعر بخيبة أمل ، وإن كان ينكرها
لكنه كان شخصًا هادئًا إلى أقصى درجات البرود
فمن وجهة نظره ، حتى لو كان هذا الشخص تلميذه الذي
ربّاه بنفسه — فبمجرد أن يكبر التلميذ ويبلغ ، فإن معظم
ما يتشاركونه لن يخرج عن نطاق الوداع والافتراق
أما أن يتكئ عند الباب وينتظر أكثر قليلًا ، فذلك يعني أنّ
التلميذ مدلّل زيادة عن اللزوم
فلا يوجد سبب لأن يظلّان ملتصقين كأنهما لا ينفصلان…
تلك فكرة لا ترد سوى على خاطر العشّاق
لذا أجاب وين شي بهدوء : “ أوه .” ثم استدار وأغلق باب
غرفته خلفه
لقد ضبط قوّته بالفعل ، لكن القفل أصدر صوت طَرقعة في
صمت الليل، فبدا وكأنه شديد الاستياء
وقف شيه وون في الزاوية ، ناظرًا إلى الباب المغلق بإحكام
وبعد أن ظلّ هناك للحظات ، لم يستطع كبح ضحكة خرجت منه
واصل الصعود نحو الطابق الثاني
تسلّلت أشعة القمر عبر النافذة المثبّتة عند منعطف الدرج،
وألقت وهجها على قامته الطويلة من الخلف
أصابعه تستند بخفة على الدرابزين الخشبي ، وفجأة بعد
خطوات قليلة ، انبعث صوت تشقّق خافت ، كما لو أنّ
قشرة شجرة جافة قد انفجرت
توقف شيه وون قليلًا ثم رفع يده عن الدرابزين
وفي المكان الذي يلمسه ، ظهرت بقعة صغيرة من الذبول
والتعفّن ، وشقّ طويل ضيّق
أعاد يده خلف ظهره
ولو كان أحدهم يقف بجانبه ، لرأى سحب كثيفة من
الضباب الأسود تتسرّب من بين أصابعه ، متشابكة في
خيوط رفيعة… يصعب إخفاؤها تحت هيئة جسديّة
لكن بدا وكأنه يعرف ذلك مسبقًا ، فلم يلقِ عليها نظرة
واحدة وهو يتابع صعوده
في الطابق العلوي من فيلا آل شين، توجد غرفتان للنوم،
وبينهما مساحة مفتوحة فيها طاولة شاي لاستقبال الضيوف
ومنذ أن انتقل شيه وون إلى هنا، ملأ المكان بشجرة ذابلة ،
وبركة صغيرة مبنيّة من الحجر ،
وزهور ونباتات زاهية الألوان
السلحفاة الصغيرة في البركة أيضًا، وإلى جوار جذور
الشجرة عُش صغير ، يتدلى من الأغصان فوقه غصن للطيور
والغصن مشغول الآن— طائر مستدير بحجم الكف يقف عليه
رفع رأسه من بين ريشه الناعم وحدّق في شيه وون بعينيه
السوداء اللامعة
وقد لمح على الفور الضباب الأسود المتشابك حول أصابع
شيه وون، فبدأ يرفرف بجناحيه مستعدًا للطيران نحوه
لكن شيه وون رفع سبّابته مشيرًا بعلامة ' اصمت '
وكأن زرّ التوقيف قد ضُغط ، و تجمد الطائر فجأة وهو
يتشبّث بالعصا الأفقية بقدم واحدة ، بالكاد يحافظ على توازنه
أنزل شيه وون رأسه قليلًا وهو يقف بجوار الدرابزين،
كما لو أنه يصغي للأصوات القادمة من الطابق الأول
بالنسبة للشخص العادي ، العزل الصوتي جيد في الأسفل ،
والبيت ساكن تمامًا تقريبًا
لكنه ظلّ منصتًا طويلًا ثم أدار رأسه وأشار للطائر :
“ لقد نام الآن . يمكنك أن تنزل .”
صوته منخفضًا للغاية حين نطق ، بالكاد بذل جهد
ودأ يسعل مباشرةً ، وكأنه يفرغ سعال يومٍ كامل دفعة واحدة
أما الطائر ، فلم يجرؤ على إصدار الكثير من الضوضاء
و برفرفة خفيفة من جناحيه ، هبط إلى الأرض وتحول إلى لاو ماو
و برز رأسان من العش بجوار جذور الشجرة
وبعد قليل ، تدحرج كائنان شبيهان بالقطط خارجًا ، فتحوّلا
إلى دا جاو وشياوجاو
حدقا نحو يدي شيه وون وهمسا :
“ لماذا يحدث هذا مجددًا ؟”
لكن لاو ماو لوّح بيده بسرعة لهما ، فابتلعا كلماتهما
فإن لم يرغب دمية في إصدار صوت ، حقًا يمكنه أن يصبح صامتًا تمامًا
فهم يُعدّون كائنات روحية ، وليسوا بشرًا حقيقيين
و سرعان ما حمل دا جاو وشياو جاو حوض الدواء من الطابق السفلي ،
ووضعاه على طاولة الشاي ثم سخّناه بضغط كفيهما
( بطاقتهم الداخلية )
جلس شيه وون بجوار طاولة الشاي وغمس يديه المحاطة
بالضباب الأسود في السائل الطبي
ذهب لاو ماو ليُحضر القفازات ، بينما جلست التوأمتان
بجانب الطاولة تراقبان شيه وون وهو ينقع يديه
ورغم أنهما حاولتا الصبر طويلًا ، لم تستطيعا في النهاية أن
تمنعا نفسيهما …. وتحدثا :
“يا رئيس …”
لم يكونا يناديانه بهذا في الماضي
فكما يفعل معظم الدمى الأخرى، كانتا تخاطبانه باحترام:
إمّا “ سيّد الدمى” أو “سيدي.”
لكن في هذا العصر الحديث، أدركتا أن الناس سيعتبرونهم
مجانين لو استمرا على هذا الأسلوب
فأجبرا نفسيهما على استخدام كلمة “رئيس”، ومع الوقت أصبحت عادة راسخة
نظر شيه وون ، مشيرًا لهما أن تتكلما إن كان عندهما ما تقولانه
داجاو:
“ ألن يلاحظ… وأنت في هذه الحالة ؟”
سألها شيه وون بنبرة هادئة :
“ وأنا في أي حالة بالضبط ؟”
أشارت داجاو إلى يديه
فأجاب ببرود:
“ لن يلاحظ . لن يصل الأمر إلى هذه الدرجة أمامه .
وحتى لو نظر إليّ بعينه الروحية ، فلن يرى سوى أنني مثقل
بالديون الكارمية.
سيبدو الأمر وكأنني أمتلك أكثر من غيري بقليل ، وبصورة أشد حدّة ،
لكن هذا يتماشى مع خلفيتي ، فلا توجد مشكلة .”
ثم راقب السائل الدوائي وهو يُصبغ تدريجيًا بالسواد ، وضحك:
“ ألم يتذوقه هو بنفسه من قبل أيضًا ؟”
في هذه اللحظة امتلأت صدور داجاو وشياوجاو بغضب مكتوم : { هل هذا شيء يُتذوّق بهذه البساطة ؟
واحد يجرؤ على طلبه ، والآخر يجرؤ على إعطائه }
لكن ما إن أعادتا التفكير ، أدركتا أنّ شيه وون كان سيكبح
الضباب الأسود لا محالة
ومهما حصل ، لم يكن ليسمح بحدوث شيء لذلك التلميذ
قالت داجاو وما زال القلق بادياً عليها :
“ حسنًا ، حتى لو لم يكتشف من هذه الناحية…
ماذا عن باقي الأمور؟ إنه قوي جدًا .”
ذكّرها شيه وون:
“ روحه لم تكتمل بعد .”
همهمت داجاو “ آووه”
شياوجاو:
“ بالضبط ، الروح غير المكتملة تؤثر في أشياء كثيرة .
انظري، لم يكتشف حتى أننا دمى .
في الماضي، كان بإمكانك أن تضربي شخصًا حتى الموت
ولن يلاحظ شيئ ، أما هو فبمجرد أن يمعن النظر قليلًا كان سيكشف أمرنا .”
داجاو: “ لكن الآن نحن أيضًا—”
عاد لاو ماو ومعه القفازات، فقاطعها:
“ أيضًا ماذا ، هاه ؟”
شدت داجاو شفتيها في امتعاض
ثم وضع لاو ماو القفازات باحترام بجوار الحوض ، وقال لها بجدية وصدق :
“ كل شيء سيكون بخير .”
ناداه شيه وون فجأة :
“ لاو ماو ….”
و أمره :
“ اذهب وأحضر تعويذتين من الصندوق .”
أجابه لاو ماو بصوت منخفض بـ " اووه " ، وأسرع مبتعدًا
بمجرّد أن غاب ، فتحت داجاو فمها مجددًا، وكأن هناك شيئًا تتردّد في قوله
قال لها شيه وون بنبرة فيها قليل من الانزعاج :
“ هل ألصقت فمك بالصمغ ؟”
هزّت رأسها بسرعة كأنها طبلة ، ثم أخرجت الكلمات أخيرًا:
“ لا يزال لدي شعور بأنه قد اكتشف شيئ …
قبل أن يستيقظ… أظن أنني سمعته…”
شيه وون: “ سمعته ماذا ؟”
داجاو: “سمعته يقول شيئ يشبه كثيرًا اسمك يا رئيس .”
عندها فقط أظهر شيه وون ردة فعل بسيطة
ارتفعت عيناه قليلًا ثم عادت للأسفل ، وقال بنبرة ثابتة:
“ يتهيأ لك هذا .”
داجاو: “ آووه.” وهذه المرة ، تبدّد قلقها أخيرًا
شياوجاو:
“ آوه صحيح رئيس هل ستخرج مع لاو ماو غدًا ؟”
رفضت داجاو أن تستسلم وقالت :
“ مع لاو ماو مجددًا… وماذا عنا نحن ؟”
شيه وون:
“ أنتما الاثنتان اعتنيا بالمنزل .”
وعندما تجعّد وجها التوأمتين كمن ابتلع ليمونة ، أضاف:
“ المكان بعيد جدًا ، وسيستغرق الأمر وقتًا قبل أن نعود .
إن تركتما الموقع وغبتما، فلمن سأترك مسؤولية هذه المنطقة ؟”
كانت هذه الكلمات فعّالة جدًا في إقناع التوأمتين ، لكنهما
مع ذلك سألتاه:
“ إلى أين ستذهبان ؟”
رفع شيه وون رأسه نحو جانب طاولة الشاي ، حيث توجد
ورقة صفراء من ورق الجوس مطويّة هناك
تعرفت داجاو وشياوجاو عليها فورًا
كانت تلك شيئًا أرسله دمية أطلقها شيه وون في وقت سابق ؛
و على الأرجح أنه كشف بعض المعلومات الجديدة عن روح وين شي ،
لكن الأمر استغرق وقتًا أطول هذه المرة ،
مما يعني أن المكان بالفعل بعيد بعض الشيء
فتحت شياوجاو الورقة
وكان مكتوبًا فيها : [ قرية غوي ]
: “ قرية غوي؟ أين تقع هذه ؟”
: “ تيانجين "
————————
استيقظ شيا تشياو في وقت مبكر جدًّا من صباح اليوم التالي
فعند الساعة السابعة كان جالسًا معتدلًا على الأريكة ،
يحدّق مباشرةً في باب غرفة نوم وين شي ، منتظرًا استعادة هاتفه العزيز
فبصفته إنسانًا معاصرًا—سواء أكان إنسانًا حقيقيًا أم لا—
فقد اعتاد تمامًا على وجود الهاتف في حياته اليومية
وكان يشعر وكأنّه يعيش بلا روح حتى لو افترق عن هاتفه ليلة واحدة فحسب
لكن الغا خاصت لم يدرك هذا النوع من المعاناة
وربما لأن الغا قد تأخّر في نومه الليلة الماضية ،
أو لعلّه نام متأخرًا ، فقد اضطر شيا تشياو إلى الانتظار حتى
الساعة الثامنة والنصف حتى خرج أخيرًا
وبعد أن فرغ من غسل وجهه ، طوى وين شي أكمام ملابسه
وتوجّه نحو الأريكة وسأله : " لِمَ استيقظت باكرًا إلى هذا الحد ؟"
أجاب شيا تشياو: " إنّي في انتظار روحي ."
وين شي : "؟"
وتحت نظرات شيا تشياو المتلهّفة ، تذكّر وين شي ك أخيرًا أمر الهاتف
فأخرجه من جيب بنطاله ، لكن قبل أن يسلّمه إليه ،
تصفّحه مجدداً ، فاكتشف أنّ تشو شو قد بعث إليه رسائل
أخرى عديدة في الليلة الماضية
رفع شيا تشياو يديه بتوقير منتظرًا هاتفه ، ثم قال: " غا لِمَ تعبس هكذا ؟"
كان وين شي قد انتهى للتو من تصفّح سيل الرسائل عديمة الفائدة
فلم يعثر على العنوان الذي يبحث عنه ،
فسلّم الهاتف إلى شيا تشياو وقال: " لا شيء .
إنّه غريب قليلًا ."
شيا تشياو: " غريب من أي ناحية؟"
وين شي: " لقد أرسل رسائل عديدة بعد أن قال وداعًا ."
فكّر شيا تشياو مليًّا ، ثم قال بجدية: "...أظنّ أنّ كلمة وداعًا
عنده لا تحمل المعنى الذي تفهمه أنت ."
وين شي : "؟"
لم يكن مهتمًّا كثيرًا بعادات تشو شو اللغوية الغريبة ،
فلم يستزد في السؤال
بل أوصى شيا تشياو قائلًا: " إن أرسل تشو شو برسائل أخرى،
فاحرص على أن تريها لي."
ثم ألقى نظرة نحو الطابق الثاني، وتظاهر باللامبالاة وهو
يسأل: " وماذا عن الذين في الأعلى ؟"
{ إن كنت تعني شيه وون، فاذكره صراحةً، ما جدوى قول "الذين في الأعلى"؟ }
تساءل شيا تشياو في نفسه بحيرة، ثم أجاب: " لعلّهم لم
يستيقظوا بعد
أو على الأقل لم أرَهم يخرجون .
آوه صحيح غاا ألسنا ذاهبين اليوم ؟
هذا رائع ، لنشترِ لك هاتف ."
لم يشأ أن يُفارق هاتفه ليلة أخرى ، فبذل جهده لإقناع الغا
إذ إنّ ' العجوز القادم من القرن التاسع عشر ' على الأرجح
لن يفهم شيئًا مثل التطبيقات ،
ولن يقدّر المزايا المعقّدة
ولذلك بدأ شيا تشياو من الأساسيات فقال : " بواسطته
تستطيع الاتصال بأي أحد ، في أي مكان ."
ولسبب ما، كان هذا القول بالذات ما أقنع وين شي ،
فرفع رأسه وسأل: " في أي مكان ؟"
شيا تشياو: " نننععععممم ! في أي مكان في العالم
ما دام الطرف الآخر يملك هاتفًا أيضاً ."
وعلى هذا ، وافق وين شي ، فانطلق شيا تشياو مسرورًا
ليجهّز ما يلزم للرحلة
لقد تفحّص الخرائط مسبقًا ، فوجد أنّ منزل السيّد لي ليس
بعيد عن نينغتشو
والمسافة لا تتجاوز ساعتين بالقطار السريع
ولو انطلقوا صباحًا وتعاملوا مع الأمر سريعًا ، يمكنهم
العودة بعد الظهر
ولذلك لم يكن بهم حاجة إلى حمل شيء سوى الهاتف
لكن ' العجوز القادم من القرن التاسع عشر ' لم يوافق ،
وأصرّ على أن يحمل شيا تشياو طقمين من الملابس احتياطية
وبعد أن أُعدّ كلّ شيء ، ضرب شيا تشياو فخذه فجأة وقال
بغباء: " غااا ألست بلا بطاقة هوية ؟"
من الصعب جدًّا العيش في المجتمع الحديث دون بطاقة هوية
وعلى كلّ حال، لم يكن بوسع وين شي أن يستقلّ قطارًا أو طائرة
لكنّ المفاجأة أنّ وين شي قال : " بل لديّ .
شين تشياو يحتفظ بها ."
فذهل شيا تشياو أشدّ الذهول
لقد كان يعلم سلفًا أنّ شين تشياو اعتاد أن يخزّن الأشياء
المهمة في مكان مخصوص
فالوثائق الرسمية مثل بطاقات الهوية أو جوازات السفر
كانت محفوظة في درج خاص مُقفَل
أسرع شيا تشياو إلى الدرج، وما إن فتحه وفتّش بداخله
حتى عثر بالفعل على بطاقة هوية الغا …
لكن —— لم تكن تشبه بطاقة هويته كثيرًا
ألقى شيا تشياو نظرة سريعة على تاريخ الإصدار المدون في البطاقة: السنة 1985
{ اللعنة }
أمسك البطاقة بين أصابعه ، ثم التفت إلى من تبعه وقال:
“ غا هذه البطاقة تقول إنك وُلدت عام 1958…”
وين شي : “ حين قدّمنا الطلب ، حسبنا العمر بالعكس بناءً
على افتراض أنني كنت في السابعة والعشرين تلك السنة .”
شيا تشياو: “ يعني إذا حسبتها ، يجب أن يكون عمرك الآن اثنين وستين…”
{ لو أخرجنا هذه البطاقة عند التفتيش الأمني ، فمن المرجّح أن نُسحب مباشرةً إلى مركز الشرطة …
ما العمل ؟ }
وبينما شيا تشياو يعبس بحاجبيه بحيرة ،
سمع صوت باب يُفتح ويُغلق في الطابق العلوي ،
وصوت لاو ماو والتوأمين
ومن هذا ، بدا أن الطرف الآخر المتورط في علاقة البارحة—
أو بالأحرى ذلك الذي عانى من الأرق الليلي—قد خرج أيضًا
{ يا لها من مصادفة } فكّر شيا تشياو.
ترددت خطوات على الدرج
وين شي الذي كان يستند على الباب ، التفت وراءه فرأى
شيه وون ينزل من الدرج وهو يسحب قفازيه الأسودين من جديد
شيه وون: “ صباح الخير .”
فأجابه وين شي ، وقد بدا عليه بعض الارتباك : “صباح الخير .”
وعندما لمح لاو ماو يتبعه حاملاً حقيبة صغيرة بيده، سأل:
“ هل ستخرج ؟”
ألقى شيه وون نظرة على الحقيبة وأومأ: “ نعم، لدي بعض الأعمال .”
أطلّ شيا تشياو برأسه بفضول وقال:
“ الرئيس شيه هل ستسافر أيضًا ؟ هل ستستقل القطار السريع ؟”
شيه وون: “ في الحقيقة لا، فأنا لا أحب السفر به، لذا سيقود لاو ماو .”
{ لاو ماو يعرف القيادة ؟ }
شعر شيا تشياو أن بصيرته تخذله ، فقد كان يظن لاو ماو
شخصًا تقليديًا وقديم الطراز للغاية
سحب رأسه بصمت
و كان هذا كافيًا للحديث ، وتجاوز الحد لو سأله أكثر
لكن كلام شيه وون ذكّره بأمر مهم
{ حتى لو لم نتمكن من ركوب القطار أو الطائرة ، فيمكننا
على الأقل استدعاء سيارة أجرة !
إلا أن تكلفتها ستكون… مخيفة .. }
وعلى الرغم من أنه أجاب شيا تشياو، لم يُبدِ شيه وون أي نية للمغادرة
كان يشد قفازه بيد بينما ينقر على هاتفه باليد الأخرى
راقبه وين شي للحظة ، ثم استدار ، وبعد ثوانٍ من التردد
التفت مجددًا وسأله:
“ إلى أين أنت ذاهب ؟”
مرّر شيه وون إصبعه على شاشة هاتفه وقال:
“ يوجد وادٍ مزهر بأشجار الخوخ قرب ليانيونغانغ”
لاو ماو { ماذا ؟؟؟ }
ارتبك أشد الارتباك ، إذ أن وجهتهم قبل دقائق —- قبل أن
ينزلوا ، كانت قرية غوي في تيانجين ،
وهي مكان لا وجود له حتى على الخريطة
وأصيب شيا تشياو بالذهول أيضًا ، لكنه سرعان ما اندفع قائلًا :
“ الرئيس شيه أنت ذاهب إلى ليانيونغانغ أيضًا ؟”
رفع شيه وون رأسه عن الهاتف ، ولكن نظراته ركزت على وين شي :
“ ماذا ؟ هل أنتما ذاهبان إلى هناك أيضًا ؟”
قبل أن ينطق وين شي، أومأ شيا تشياو وقال :
“ نعم، لكننا لن نذهب إلى الوادي .”
فهما متوجهان إلى مكانين : الأول هو بانبو القديمة ،
البلدة التي كان يقع فيها قصر عائلة شين في الماضي ؛
والثاني أبعد قليلًا ، قرية السيد لي،
ورغم أن هذين المكانين لا يقعان مباشرة قرب وادي أشجار الخوخ ،
إلا أن الاتجاه العام يكاد يكون نفسه
وبهذا، ضمن الرجل العجوز القادم من أوائل القرن العشرين
وشقيقه الساذج توصيلة مجانية إلى وجهتهم
كان شيه وون صبورًا إلى حد بعيد ، بل منح شيا تشياو وقتًا
لشراء هاتف من المتاجر القريبة عند مدخل الحي
فالشارع المقابل لم يكن مزدحم كثيرًا ، لكنه يضم عدة
متاجر متجاورة للهواتف المحمولة
وبأقصى سرعة ، استعمل شيا تشياو بطاقة هويته ليشتري
هاتفًا وبطاقة SIM للغا خاصته
وقف وين شي وشيه وون على الجهة الأخرى من الشارع،
في انتظار لاو ماو ليُخرج السيارة من المرأب الأرضي
وما إن اندفع شيا تشياو خارج المتجر حاملًا كيسًا بلاستيكيًا،
فتح وين شي باب المقعد الخلفي و قبل أن ينحني ليدخل ، استند بيده إلى حافة الباب وسأل شيه وون فجأة :
“ هل حقاً عليك الذهاب إلى ليانيونغانغ؟”
توقف شيه وون في منتصف دخوله إلى المقعد الأمامي ، ورفع رأسه إليه :
“ ولمَ تظن أنها كذبة ؟”
لو كانت كذبة ، لكان ذلك يعني أن شيه وون تعمّد إخباره بهذا المكان تحديدًا
لكن … لماذا افترض وين شي أن شيه وون تعمّد ذلك أصلًا ؟
سؤال لا سبيل للإجابة عنه
ولحسن الحظ وصل شيا تشياو في تلك اللحظة عارضًا الكيس الذي في يده
فقال ون شي باختصار : “ اصعد ”، ثم انحنى ودخل السيارة
لم يفهم شيا تشياو ما يجري ، فجلس مطيعًا في المقعد الخلفي محتضنًا الكيس
لم يلاحظ شيئ في البداية ، لكن ما إن أُغلقت الأبواب
جميعها وبدأت السيارة تتحرك ، حتى أحس بلمحة غامضة
تسود المكان الضيق
ولو كان عليه أن يصفها، لقال إنها أشبه قليلًا بالأجواء التي
خيّمت على صالة المعيشة في الرابعة فجرًا
لم يعرف ما معناها ، ولم يجرؤ أن يتفوه بشيء عشوائي قد
يبدد هذا الصمت الغريب ، فاكتفى بخفض رأسه والعبث بالهاتف الجديد
……
كان المطر يتساقط بغزارة في الآونة الأخيرة
وعندما اقتربوا من الخروج من نينغتشو، بدأت قطرات
المطر تتساقط مجددًا
الشخص في المقعد الأمامي استند بكوعه على حافة النافذة ، ويتكئ برأسه
بدا وكأنه نائم ، لأنه لم يتحرك منذ فترة طويلة
أما وين شي — الذي كان مستندًا إلى المقعد الخلفي ،
فغمرته أيضًا حالة من النعاس
و على وشك إغلاق عينيه عندها شعر بيد على بكتفه
التفت فرأى شيا تشياو يمد الهاتف نحوه ، وقال همسًا :
“ غا ، سجّل بصمة إصبعك .”
في البداية ، ومن أجل تسهيل الأمر على وين شي
لم يكن شيا تشياو ينوي إعداد قفل للشاشة
لكن في النهاية قرر إضافة قفل بالبصمة مراعاةً لأسرار الغا العديدة
بعد تسجيل البصمة ، اتصل شيا تشياو بنفسه من هاتف وين شي ثم سلمه إليه مجدداً ، وقال: “ الأفضل أن تحفظ
رقم هاتفك بنفسك .”
وين شي: “ما هو؟”
قال شيا تشياو برقة الرقم وهو يضيف رقمه إلى جهة اتصال
جديدة في هاتفه : “181xxxx3330. سهل الحفظ جدًا "
خوفًا من إزعاج شيه وون، الذي كان نائمًا في المقعد
الأمامي ، أخبر شيا تشياو وين شي بالتحقق من الرسائل
النصية ، ولم يتحدث بعد ذلك مجدداً
جميع شروحه حول استخدام الأشياء المختلفة أرسلها له
عبر الرسائل النصية ؛ حتى يتمكن الغا من الرجوع إليها إذا نسي شيء
أثناء كتابة شيا تشياو لدليل الاستخدام، بدأ ون شي يتنقل
بين شاشة الهاتف
ثم فتح جهات الاتصال، وكانت فارغة تمامًا، إذ لم يُضف أحد بعد
ولكن شيا تشياو أضاف نفسه وتشو شو على تطبيق المراسلة
تحرك الشخص في المقعد الأمامي قليلًا
بدا أنه في نوم خفيف جدًا ، ومع تغيّر وضعه ، سعل بعض
السعال المكتوم
نظر وين شي إليه ثم عاد إلى جهات الاتصال
ولما كان على وشك سؤال شيا تشياو عن كيفية إضافة جهة
اتصال جديدة ، ظهر اتصال من رقم غير مألوف على شاشته
قبل وين شي المكالمة وأمسك الهاتف لأذنه
قال أولًا : “مرحبًا”، ثم خفض صوته وسأل: “ من معي ؟”
ثم انساب صوت شيه وون العذب والعميق ،
داخليًا وخارجيًا في الوقت نفسه : “ أنا "
كان من الصعب وصف ما شعر به في تلك اللحظة
صمت وين شي طويلًا ثم سأل : “ ألم تكن نائمًا ؟”
: “ وكيف علمت أنني كنت نائم ؟” مال شيه وون برأسه ومدّ
يده بين المقاعد نحو وين شي، قائلاً : “ أعطني هاتفك "
سلمه وين شي الهاتف
وبعد لحظة ، أعاده
وأخيرًا احتوت قائمة جهات الاتصال الفارغة على أول اسم له : [ شيه وون ]
⸻
كانت قيادة لاو ماو مستقرة جدًا…
مستقرة لدرجة أن شيا تشياو كان يرمقه بعينين متسعة
خلسة عدة مرات ، ثم اكتشف أنه لم يكن يحرك المقود حقًا
ومع ذلك ، استمروا في القيادة نحو ليانيونغانغ بسرعة ودقة
توقف لاو ماو مرة واحدة في منطقة استراحة على الطريق
السريع ليأخذوا فترة لتناول الطعام
منذ أن بدأ وين شي في استيعاب جزء من روحه ، لم يشعر بالجوع
طلب مشروبًا باردًا فقط ، نيةً منه للاكتفاء بالماء
لكن شيه وون ظل يراقبه ، ورغم أن وين شي قاوم لفترة ،
إلا أنه في النهاية استسلم وأكل زلابيتين على البخار
( زلابية = 🥟 دامبلنغ ) وثلاث حبات طماطم كرزية
الغريب أنه عند ابتلاعه للطماطم الكرزية الثالثة ، شعر بطعم جديد طال انتظاره
كان طعمه حامضًا قليلًا
و اقتربت عينُه اليمنى من الانقباض قليلًا
ثم شاهد شيه وون وهو يفحص طماطم صغيرة قرمزية
بأصابعه النظيفة ، ثم اختار واحدة وناولها إلى وين شي: “ جرّب هذه .”
: “ أنا شبعان.” رغم كلماته ، أخذ وين شي الطماطم الكرزية منه وأكلها
كانت الطماطم مغطاة بقطرات ماء ،
و علقت بعضٌ منها بأصابع شيه وون
لم يجد منديل ليجفف نفسه ،، ففرك أصابعه معًا برفق وأنزل يده
أما باقي القطرات… فابتلعها وين شي
شيه وون: “ هل اخترت الحبة المناسبة ؟”
أطلق شيه وون همهمة خفيفة
و انتفاخ بسيط في خده ، وبينما يمضغ، برزت بنية عظام
وجهه ، و تلاشت تدريجيًا
أكل ببطء شديد هذه المرة
وبفضل ذلك ، تمكن حقًا من تذوق شيء ما
وبالطبع لا يزال يُفضّل الأطعمة ذات الطعم الحلو قليلًا
نظرًا لأنه كان من الصعب على السيد لي البقاء قسراً في
هذا العالم بحالته الحالية ، فقد توجّهوا أولًا إلى القرية
على عكس نينغتشو، لم يكن المطر هنا غزير ،
لكنه يتساقط على شكل رذاذ خفيف ،
فغطّى الضباب الخفيف الريف بأكمله وملأه برائحة الرطوبة
لم يكن لاو ماو متأكدًا من الوجهة الدقيقة ، فقام بالتوقف
وأوقف السيارة قرب مفترق طرق
امتدت المباني على جانبي الطريق ،
وتوالت داخل القرية على شكل مجموعات متفاوتة الحجم
لم يكن هناك أحد حولهم ، و وصلوا بعد الظهر مباشرةً ،
وهو الوقت الذي يأخذ فيه الكثير من الناس قيلولة
الشيء الوحيد الذي سمعوه كان نباح كلب من مكان ما داخل القرية
أخرج وين شي الصندوق النحاسي وطرق عليه ثلاث مرات
و على الفور ، خرج السيد لي من خلال شق صغير في
الصندوق واتخذ شكله عند الهبوط على الأرض
لكنه بدا ضعيفًا جدًا ؛ حتى ظله يتذبذب في الرياح
وين شي: “ أين منزلك؟”
أجاب: “ يحده الجانب الجنوبي من النهر ، الثالث…”
استدار السيد لي لمواجهة الشمال ، لكنه لم يرَى سوى ضفة موحلة
أشار إلى تلك المنطقة الفارغة لفترة طويلة ثم سقطت يده
ببطء و همس : “…آه، لقد اختفى بالفعل .”
البيت والحقول التي تخيلها مرارًا في ذهنه ، والتي ظلت
واضحة كما لو أنها يراها البارحة ، لم تعد موجودة الآن
أما زوجته وابنته ، اللتان كانتا تراقبانه مستندتين على الباب ،
فقد عادت أرواحهما إلى الأرض منذ زمن بعيد
ربما خضعا لدورة من التناسخ وأعيد ولادتهما في العالم
الحي، نحيفتين ورشيقتين
غالبًا تحتوي الكتب على أمثال عن تقلبات الحياة ، مثل : “ بحرٌ يُصبح حقلاً من التوت ، وبحر الشرق يُلقي غُباره ”
لقد قرأ هذه الأمثال مرارًا وتكرارًا ، وعلّم الآخرين كيفية
كتابتها ، لكنه لم يختبرها بنفسه
فبحر الشرق واسع جدًا ؛ لا يمكنه أن يعيش طويلاً بما يكفي
لرؤيته يتحول إلى أرض
لكن اليوم ، عاش المثل عمليًا …
حيث كانت البحار الزرقاء ، امتدت الآن حقول
وفي النهاية ، لم يجد أرواح الأحباء الراحلين
وقف وين شي يراقب من الجانب
رغم أن السيد لي بدا لا يزال شابًا ، إلا أنه بدا وكأنه تقدم في
السن فجأة تحت المطر
قال السيد لي وهو ينظر حوله : “ أنا الوحيد الباقي .”
ثم حول نظره ببطء ورأى محيطه بنظرة شاملة
تأرجح بين هذا المكان الغريب تمامًا ثم تنهد قائلاً :
“ آوه لا بأس … آوه لا بأس "
{ مهما يكن ،،، فقد عدت أخيرًا إلى منزلي }
و بعد رؤية ضفة النهر لفترة وجيزة ، واجه السيد لي اتجاهًا
معينًا وأدى تحية رسمية عميقة للعلماء ،
ويداه ممدودتان أمامه
وعند أدنى نقطة من انحنائه ، قال شيئًا بهدوء
لم يسمع وين شي كل شيء ، لكن من المرجح أن السيد لي … تمنى في أن يحظى حظه في حياته القادمة
وعندما عاد السيد لي للوقوف مستقيمًا ، كانت عيناه محمرتان
فجأة ، ربت وين شي على كتفه و أشار : " هل ترى تلك الشجرة ؟ "
قال السيد لي : “ اووه ؟ لم تكن موجودة من قبل أيضًا ،
لكنها تبدو وكأنها نمت منذ وقت طويل . ما شأن هذه الشجرة ؟”
وين شي : “ من المرجح أن أحدهم زرعها عن قصد .”
لم يكن هناك حاجة لقول أي شيء آخر
حدّق السيد لي بها بثبات
كانت شجرة ذات جذع وفروع معوجة
وقفت برقة تحت المطر ، كأنها امرأة مستندة على باب
ربما كان مجرد تفكير تمني… لكن الشجرة زُرعت بالضبط
حيث كان منزل السيد لي،
وتهيأت صورة الشخص الذي كان يعيش هناك
و قبل أن يتمكن السيد لي من استيعاب الأمر بالكامل ،
غمرت الدموع خديه
يعمل العالم أحيانًا بطرق غامضة
حتى أثر طفيف وبسيط يكفي ليمنح الروح التائهة مكانًا تعود إليه
كان يبكي، لكنه كان سعيدًا أيضًا
كأنّه—في تلك اللحظة فقط—عاد أخيرًا إلى منزله حقًا
دفن الصندوق النحاسي المملوء بالرسائل تحت الشجرة
ثم انحنى بعمق أمام شيه وون ووين شي : “ يمكنني المغادرة الآن .”
وعندما تحدث ، أغلق عينيه بسهولة
استشعر نفسه يتلاشى تدريجيًا ويمتزج في ضباب المطر
وقبل أن يختفي تمامًا، سمع وين شي يسأله : “ إذا كان
بإمكانك ترك شيء خلفك ، ماذا تختار ؟”
بلا تردد قال السيد لي: “ طائر .”
رأى وين شي يومئ ويقول : “ حسنًا .”
تلاشى المعلم تمامًا
وبعد فترة وجيزة ، استحضر وين شي طائرًا من خيط متبقي
من روابط السيد لي في العالم
لم يكن يبدو مختلفًا عن الطيور الأخرى التي تحلق فوق الحقول،
لكنه لم يقف على أي سقف قريب
بل طار مباشرةً نحو الشجرة المنحنية وحطّ هناك ..
' أتمنى أن تكون الحياة القادمة مليئة بالحظ ،
حتى يتسنى لنا أن نلتقي في هذا العالم الفاني '
يتبع
شرح المثل بشكل أدق :
( بحر يصبح حقلاً من التوت ): البحر الأزرق يصبح حقلاً من التوت أي أرضًا زراعية
( بحر الشرق يلقي غباره ): بحر الشرق أي بحر الصين
الشرقي ، يتحول إلى أرض جافة و تثير الرياح غباره
الجزء المكمل للمثل : السحاب الأبيض يصير كلبًا رمادي : كيف تتشكل السحب وتتغير أشكالها بسرعة
من سحابة بيضاء إلى ما يشبه كلبًا رماديًا / أسود
مما يرمز إلى تغير العالم وعدم استقراره .
تعليقات: (0) إضافة تعليق