Ch60 برج الأبروش
لم يلمس تشن جيايو جهاز المحاكاة الديناميكي منذ فترة ،،،
ففي تدريب الطيارين ، يوجد 15 درسًا باستخدام أجهزة
المحاكاة الثابتة ، مقابل 10 فقط للجهاز الديناميكي المتحرك ،
في الواقع لم ينهي وانغ رونزي سوى ثماني جلسات من
الجهاز الديناميكي ، لذا بدأ تشن جيايو معه من الأساسيات:
الإقلاع ، الهبوط ، الدوران ، الهبوط في مطارات بديلة ،
والالتفاف بعد محاولة هبوط فاشلة— والغاية أن يعتاد على
الإحساس الحقيقي لقيادة الطائرة
وحين لاحظ أنه يؤدي بشكل جيد، سأله تشن جيايو:
“ هل ترغب في تجربة شيء أصعب ؟”
أجاب وانغ رونزي بحماس :
“ لا مشكلة !”
ثم قاده تشن جيايو إلى سيناريوهات أكثر تعقيدًا :
تعطل أحد المحركات ، التحويلات في ظروف جوية قاسية،
وحرائق عنابر الشحن — وهي إجراءات طارئة شائعة ،
وعلى الرغم من أن وانغ رونزي لم يتلقَّى هذه الدروس بعد
في قاعة الدراسة ، إلا أنه تعامل معها بسلاسة ، مستعينًا
بخبرة تشن جيايو وملتزمًا بقراءة كتيب المراجع السريعة (QRH) وتنفيذ قوائم الفحص
وفي لحظة ما، ألقى تشن جيايو نظرة عليه وقال:
“ ما رأيك أن نجرب… شيئًا مختلف ؟”
وافق وانغ رونزي على الفور ، من غير أن يفهم تمامًا ما
الذي يعنيه بـ ' مختلف ' ،، وظل يراقبه وهو يفتش بين
السيناريوهات حتى اختار آخرها ——-
مع تبديل الجهاز لوضعية جديدة ، استقرت الطائرة في
طبقة الستراتوسفير فوق بحر الصين الجنوبي ——
أنظمة الملاحة توجههم إلى مطار بودونغ في شنغهاي (ZSPD) ——
فجأة، دوّى الإنذار الرئيسي : تعطل محرك —-
انخفضت قوة الدفع (N1) إلى 0%
وبعد لحظات، لحق به المحرك الثاني ——
وانغ رونزي : “اووه ….” قصيرة ، وفهم ما يجري ——
تشن جيايو قد اختار محاكاة حادث الرحلة 416 الشهير
التي أقلعت من جاكرتا —-
ورغم أن الحادث الأصلي وقع لطائرة إيرباص A330
فإن السيناريو عُدِّل ليناسب طائرة بوينغ 737
و كلاهما طائرتان ثنائية المحرك ، لكن مع توقف المحركين،
لم يبقَى أمامهما سوى الانزلاق بطائرة أشبه بـ 'شراعية '
قبض تشن جيايو على عصا القيادة بقوة ، وبدأ العرق يتصبب من كفيه ——-
صحيح أنه مجرد تدريب محاكاة ، لكن العناصر الديناميكية
خلقت إحساسًا واقعيًا للغاية بارتجاف الطائرة واهتزازها
داخل قمرة القيادة ، الأصوات والعدادات تبدو كأنها في رحلة حقيقية ،،
فقط الوعي بأنها محاكاة حال دون أن يطغى الموقف عليه ،،
ومع استمرار صفارات الإنذار بلا توقف ، خيّم فراغ لحظي على ذهنه
لكن وانغ رونزي بادر بسرعة —— وبجرأة المبتدئ الذي لا
يدرك تمامًا ثقل الموقف ، ظن أن تردد تشن جيايو ما هو
إلا اختبار لرد فعله —- فصاح :
“ سأتولى الأمر !” وأمسك بالمقود
كان ذلك كفيلاً بأن يعيد تشن جيايو إلى تركيزه —— فقال:
“ أنت تولَّى الطيران . سأتعامل أنا مع قائمة تعطل المحركات .”
ثم بدأ يتنقل خطوة بخطوة في القائمة محاولًا إعادة تشغيل
المحرك الأول، ثم الثاني، وزاد الدفع تدريجيًا بعد أن عادا للعمل
في الأثناء ، حافظ وانغ رونزي على استقرار الطائرة وهو
يراقب الأجهزة عن قرب
ومع تشغيل الطيار الآلي ، لم تكن الحاجة كبيرة إلى التحكم اليدوي
و هذه المرة دفع تشن جيايو سرعة دوران (N2) إلى 50%
وبالمقارنة مع الإيرباص A330، كانت البوينغ 737 تتميز
بكونها أضيق حجمًا ، أقصر مدى ، أخف وزنًا ، وقادرة على
التوقف على مدرج أقل من 3000 متر
وبعد حساب معدل الهبوط، أبقى المحركات عند 50%
وتمكن من الهبوط في مطار هونغ كونغ الدولي بسرعة
تقارب 190 عقدة —- و كان الهبوط الاضطراري الافتراضي ناجح
قال وانغ رونزي وهو يفرك معصميه :
“ واو ، كان ذلك مشحونًا بالتوتر !”
قال تشن جيايو وهو يومئ برأسه :
“ لقد أديت أداءً رائعًا "
لكن في داخله لم يكن راضيًا عن نفسه —— ففي تلك
الثواني الأولى اجتاحه شعور بالخوف والتردد ——-
ورغم أن كل طيار متمرّس قد يمرّ بلحظة ذعر وجيزة عند
مواجهة حادث خطير ، إلا أن تشن جيايو كان يضع لنفسه
معايير أعلى ….
لم يكن بوسعه أن يتهاون أو يخطئ ….. قبل هذه اللحظة ،
كان الخوف مجرد سحابة غامضة تظلل عقله ، أما الآن فقد
تجسّد أمامه بوضوح في المحاكاة ——-
لم يدم ذلك سوى لحظة خاطفة ، لكنه كان كافيًا ليبث قشعريرة في جسده ….
ولحسن الحظ سرعان ما تمكن من استعادة تركيزه بعدها
ما كان من المفترض أن يكون تدريبًا أساسيًا على جهاز
المحاكاة الديناميكي لطائرة بوينغ 737، حوّله تشن جيايو
إلى اختبار عالي الصعوبة
أما وانغ رونزي ، فشعر بالراحة والامتنان معًا لأن أساسه
المتين من تدريبات المحاكاة الثابتة أنقذه ؛ فلم يُحرج
نفسه ولا عمّه وانغ شيانغ ، بل اعتبرها فرصة ثمينة للتعلّم
ورغم أن معدته تقرقر من الجوع ، لم يتجرأ على الشكوى ،
و مكثا في جهاز المحاكاة أكثر من أربع ساعات متواصلة ،
مع أنه كان محجوز لثلاثة ساعات فقط ، وفي هذا اليوم ،
استأثرا بالمركز التدريبي حتى لم يبقَى فيه سواهما
بعد إنهاء محاكاة أخرى ، لم يعد وانغ رونزي قادرًا على التحمل وقال مترددًا:
“اووه … الأخ جيا لقد أخذت من وقتك الكثير ...
دعني أعزمك على العشاء "
أفاق تشن جيايو من شروده ونظر إلى ساعته ، فرأى أنها
الساعة السابعة مساءً ،
و كان من المفترض أن يتدرّبا من الثانية والنصف حتى
الخامسة والنصف ، لكنه أبقاه يتدرّب حتى السابعة ،
شعر بالذنب قليلًا ، فقبل الدعوة :
“ آووه لم أنتبه إلى الوقت . حسنًا، فلنأكل، لكن العزيمة عليّ أنا "
كان وانغ رونزي يتضور جوعًا ، فاقترح تناول المشاوي
السريعة الحارة ، ليأكلا بسرعة من غير تكلف ،
ثم قال بخجل إن لديه موعد مع حبيبته لمشاهدة فيلم عند
التاسعة ، وإن لم يتناولا الطعام قريبًا فلن يلحق بالموعد
وحين جلسا في ركن أكثر هدوءًا من المطعم ، عاد وانغ
رونزي ليطرح مسألة دفع الحساب:
“ دعني أتكفل بهذا العشاء . لقد أخذتُ من وقتك طوال ظهر الأحد .”
و بينما تشن جيايو يتفحص قائمة الطعام ، رد قائلًا:
“ حقًا لا داعي ،، أنا من أبقاك تتدرّب كل هذا الوقت .
لقد ساعدني ذلك أيضًا على استعادة لياقتي ….”
ثم رفع رأسه وابتسم:
“ بإمكانك أن تدعوني بعد أن تتم ترقيتك إلى مساعد كابتن "
في هذه اللحظة ، نهض شخص آخر من جهة ثانية في المطعم ،،
يرتدي زي الطيار ، ولمح تشن جيايو أنه يتجه نحو طاولتهما ،، وحين رفع رأسه ،
التقت عيناه بعيني تشنغ شياوشُو
{ يا لها من مصادفة } فكّر تشن جيايو وهو يلوّح بيده بينما
تشنغ شياوشُو يقترب منهما
لكن شيئًا آخر جذب انتباه تشن جيايو ——- اتجه بصره
إلى الطاولة التي يجلس عندها تشنغ شياوشو— فتجمّد في مكانه
إلى جانب تشنغ شياوشو مباشرةً ، جلست شابة ذات شعر
طويل تشو ييرو —- وأمّا المقابل لها، فلم يكن سوى فانغ هاو ——
وبفعل حركة تشنغ شياوشو، التفت فانغ هاو أيضاً ،
والتقت عيناه بعيني تشن جيايو مباشرةً —-
كان في نظراته شيء من الذهول ، وفي تلك اللحظة بالذات
أحسّ تشن جيايو وكأنّ ثقبًا قد اخترق صدره، وثِقلًا في قلبه
أشبه بصخرة تهوي إلى القاع من غير توقّف ——-
فانغ هاو قد ذكر في وقت سابق أنّه ليس على نوبة عمل
هذه الليلة — وعادةً ، إن لم يكن في دوام ، فلن يأتي إلى
هذا المطعم القريب من المطار ،
لم يكن تشن جيايو يتوقع أن يصادفه هنا مع تشو ييرو
لا في هذا المكان —— ،
ولا في هذا التوقيت بالذات —— ،
والأسوأ من ذلك أنّه ، خلال مكالمتهما الهاتفية في الصباح ،
ترك تشن جيايو لـ فانغ هاو الانطباع بأنّه سيتناول العشاء
مع والديه في ليجينغ —— ،
وها هو الآن ، بالقرب من المطار ، يتناول العشاء مع
شخص آخر—ألم يكن هذا لعبًا واضحًا بمشاعر فانغ هاو؟
تقدّم تشنغ شياو شو أوّلًا ، فحيّا وانغ رونزي بألفة ،
ثم اقترح أن يضمّوا الطاولتين معًا ،
وبما أنّ وانغ رونزي أصغر سنًّا ويعرفون الكابتن وانغ شيانغ،
فقد اتفق الجميع بسهولة ،
فريق تشنغ شياوشو قد بدأ بالأكل أصلًا عندما قاد تشن جيايو رفيقه إليهم
وما إن نهض وانغ رونزي حتى خفق قلب تشن جيايو من جديد
لم يكن قد فكّر في الأمر من قبل: فـ وانغ رونزي ، بطوله
الذي يبلغ 1.8 متر وبشرته السمراء ووسامته في بدلته
الرسمية، بدا ملفتًا بلا شك ،،
وفي يوم كان من المفترض أن يعود فيه إلى منزله ، ها هو
يجلس مع طيّار شاب في مطعم قريب من الشركة، يتبادل
الحديث والضحكات —- كان موقفًا من السهل أن يثير الشبهات
لكن وانغ رونزي ، ببساطته وضخامته ، لم يلحظ البرود الخفي في الجو
و جلس بحماس وبدأ يدردش مع تشنغ شياوشو
و تبادل أطراف الحديث أيضًا مع تشو ييرو و فانغ هاو
ومع أنّه كان واضح أنّ تشو ييرو برفقة تشنغ شياوشو
إلا أنّ وانغ رونزي صوّب حديثه نحو فانغ هاو قائلًا :
“ أنت تعمل في قسم أبروش داشينغ صحيح ؟
يسمّونك ’الجنرال فانغ‘، أليس كذلك ؟
سأعتمد على مساعدتك في المستقبل .”
وجه فانغ هاو قد تحجّر منذ اللحظة التي رأى فيها تشن جيايو ———
لم يكن ودود ، وظلّ تعبيره على حاله البارد كعادته ،
لم يكن فظًّا ، لكن إجاباته مختصرة ، بالكاد تكفي للمجاملة
حينها مال تشن جيايو قليلًا وهو يختبر الأجواء ، وهمس :
“ كنتُ في الشركة قبل قليل "
فاكتفى فانغ هاو بردّ مختصر :
“ هممم "
ولم يزد كلمة أخرى ، لا سؤال ولا متابعة
في هذه الأثناء ، واصل وانغ رونزي الحديث بلا توقف : “ شكرًا مجدداً على تدريب المحاكي اليوم الأخ جيا "
عرف تشنغ شياوشو مسار حياته المهنية ، كونه مرّ بنفس
المراحل حتى أصبح كابتن طائرة بنفسه ، فسأله: “هل
أنهيت جميع جلسات المحاكي الديناميكي حتى الآن ؟”
أجاب وانغ رونزي بفخر : “ تبقّى جلستان فقط ،
لكن اليوم غطّينا الكثير من سيناريوهات الطوارئ ...” وألقى
نظرة على تشن جيايو وأضاف: “ حتى أن الأخ جيا قادني عبر
سيناريو الهبوط الطارئ للرحلة 416 من ذلك الوقت، وهذه المرة على 737 "
ظنّ أنّه يقدّم نفسه بشكل جيد ، متباهياً أمام الكبار ومدح
تشن جيايو أمام أصدقائه ، دون أن يدرك أنّه دخل على
أرض مليئة بالقنابل ————
تصلّبت ملامح تشن جيايو ———
أما فانغ هاو — الذي كان باردًا بلا تعبير حتى تلك اللحظة ،
فجأة توقف تمامًا ، وتحوّل وجهه إلى لون قاتم ——
حتى أنّ تشن جيايو شعر أنّ حرارة الهواء حول طرف
الطاولة الذي يجلسون فيه قد انخفضت ببضع درجات
و لبقية العشاء ، بالكاد تكلم فانغ هاو
حتى شخص غافل مثل تشنغ شياوشو لاحظ التوتر
و ظلّ يتبادل النظرات المرتبكة مع تشو ييرو
أما تشو ييرو الأكثر حدة ودقة في الملاحظة ، فاكتشفت
الأمر بسرعة أكبر ،،،
لكنها لم تعرف كيف تفسّر الموقف ، فاستمرت في ركل
تشنغ شياوشو تحت الطاولة ، مشيرةً له بالتوقف عن الحديث
لكن تشنغ شياوشو فسّر الحركة بشكل خاطئ ، فحاول
جاهدًا إبقاء الحوار مستمرًا ~~~~ ، آملاً في تخفيف التوتر
في النهاية لم تعد تشو ييرو تتحمّل المشهد ، فاعتذرت
وذهبت إلى الحمام ، مرسلةً رسالة إلى تشنغ شياوشو: [ لننهي هذا .
يوجد شيء واضح خاطئ بين فانغ هاو وجيا هذه الليلة ]
وعندما حان وقت المغادرة ، أخرج تشنغ شياوشو هاتفه
لمسح رمز الدفع، قائلاً: “ ليس من السهل أن ألتقي بكم
اليوم ، دعوني أتعامل مع الفاتورة .”
هزّ تشن جيايو رأسه : “ دعك منّا ،، غطي أنت الاثنين ، سأتحمل الباقي "
هنا ، كسر فانغ هاو صمته أخيرًا ——- ، قائلاً :
“ على حسابي "
أصبح تشنغ شياوشو في حيرة الآن ،
لا يريد أن يسيء إلى أي طرف ،
فقال أخيرًا: “ ممم … ماذا لو أرسل الفاتورة إلى القروب لاحقًا ؟”
وفي هذه اللحظة ، عادت تشو ييرو، فاختبرت الوضع قائلةً: “ شياوشو وأنا سنغادر أولاً .
أنتم الاثنين متجهان لنفس
الطريق ، أليس كذلك ؟”
فتح فانغ هاو فمه كما لو أنه سيرفض ، لكنه اكتفى بالإيماء ،
لم يرغب في إعطاء تشن جيايو برودته أو إثارة مشهد أمام زملائهم أو الشاب ،
وبعد أن غادر تشنغ شياوشو وتشو ييرو — بدأ وانغ رونزي
يشعر أخيرًا أنّ هناك شيئ غير طبيعي ،
لقد خمن أنّ تشن جيايو وفانغ هاو يعرفان بعضهما وربما
ليسا على وفاق كامل ، ولكن الآن، كان واضح أنّ هناك أمورًا
شخصية لم تُحلّ ويحتاجان للتحدث عنها
فقال وانغ رونزي بحذر : “ الأخ جيا شكرًا لتدريبك معي كل
هذا الوقت اليوم… وللعشاء أيضًا . سأدفع لك في المرة
القادمة . الجنرال فانغ… احم ، أراك لاحقًا .”
تشن جيايو { لا تشكرني ، فقط اسرع واذهب إلى المنزل
لتكون مع حبيبتك } وقد تمكن أخيرًا من تصريف هذا العملاق الهادئ ، وانغ رونزي
وبعد رحيل وانغ رونزي ، نهض فانغ هاو فجأة ، دافعًا بكرسيه إلى الخلف
“ سأأخذ تاكسي "
و دون انتظار رد ، استدار وغادر
…
داخل سيارة وانغ رونزي — ، أثناء ضبطه لنظام الملاحة ،
رأى تشن جيايو يتبع فانغ هاو — كتف إلى كتف ،
ثم اقترب تشن جيايو وهمس بالقرب من أذن فانغ هاو ،
وبعد لحظة ، مدّ يده ليمسك ساعده بلطف — و لكن —-
تم رفضه فوراً ⸻
يتبع
تعليقات: (0) إضافة تعليق