Ch64 برج الأبروش
مطار شانغهاي بودونغ الدولي ——-
بعد خمس دقائق من إنهاء تشين جيايو إجراءات تسجيله ،
لمح دوآن جينغتشو وهو يصل متأخرًا ، قادم من الطرف
الآخر من الممر ،، حيّاه دوآن جينغتشو بابتسامة ، لكن ربما
بسبب سلسلة الأحداث خلال الشهرين الماضية ، شعر
تشين جيايو أن ابتسامته لم تصل إلى عينيه ،
لكن رغم هذا الجفاء ، لم تكن هذه أول مرة يشهد فيها
طاقم شركة طيران خلافات داخلية ،،
فالعمل في نفس الشركة لفترة طويلة يعني بالضرورة
مواجهة أشخاص تتعارض مصالحك معهم ،
أو ببساطة لا تنسجم معهم ،،،
ولكن تشين جيايو يؤمن أن الجميع يجب أن يلتزموا
بالاحترافية ويؤدوا واجباتهم بجدية ——- هذا على الأقل
كان مبدأه هو ——-
و بهذه العقلية ، مضى هو ودوآن جينغتشو في تنفيذ
إجراءات ما قبل الرحلة بشكل منفصل ——
قد تبدو وظيفة الطيار براقة ، لكن هذا البريق لا يتجلى إلا
في ثوانٍ معدودة عند الإقلاع أو الهبوط ،،
أما في الواقع ، فإن روتين الطيران اليومي رتيب للغاية ،
ويستلزم تنفيذ كل خطوة بدقة متناهية ،،
اتصل تشين جيايو عبر اللاسلكي بمراقب العمليات لتأكيد
وقت الإقلاع ، و تحقق مما إذا كانت هناك أي قيود على
تدفق الحركة الجوية ، و طلب شاحنات التزوّد بالوقود
والتخلص من النفايات ، أجرى جولة فحص حول الطائرة ،
أشرف على عملية التزوّد بالوقود ، ثم صعد أخيرًا إلى الطائرة ———-
وبمجرد دخوله ، أعاد التحقق من لوحة التحكم الخاصة
بخط السير وبيانات الملاحة .
لم يكن بإمكانهم إغلاق الأبواب والاستعداد للإقلاع إلا بعد
التأكد من كل ذلك مع الطاقم ومطابقة وثيقة إطلاق الرحلة
النهائية مع برج المراقبة ….
لو كان يؤدي هذه الإجراءات مع مساعد طيار مثل يوي داتشاو الذي تربطه به علاقة تفاهم جيدة ، لمرّ الوقت
بسهولة ودون أن يشعر ،
لكن العمل مع دوآن جينغتشو جعل كل شيء يبدو أطول بمرتين ….
ولحسن الحظ كان ضمن طاقم الضيافة هذه المرة كلٌّ من
تشنغ شوان ويانغ فيفي ، وكلاهما سبق له أن عمل معهما
من قبل، مما جعل سير العملية أكثر سلاسة نسبيًا
( أول مضيفتين ظهروا معانا في الروايه — ch1 )
وبسبب تأثير الحادث السابق في برج المراقبة ، كان مطار
بودونغ يخضع بشكل دائم لقيود تدفق الحركة الجوية ،
مما يعني أن كل طائرة تضطر للانتظار على الأرض لما لا يقل
عن خمس وأربعين دقيقة ثم يُسمح لها بالإقلاع ،
لم يكن بوسع تشين جيايو سوى الانتظار ، بينما خيّم صمت
محرج على قمرة القيادة ،
فأخرج هاتفه وتفقد رسائله — لقد رأى رسالة ويتشات من
فانغ هاو في الصباح ، لكنه كان مشغولًا جدًا بالاندفاع إلى
المطار عند الخامسة فجرًا ، ثم تسجيل الوصول في الوقت
المحدد والانخراط مباشرة في التحضيرات السابقة للرحلة ،
فلم يتمكن من الرد إلا بعد إنهاء رحلته الأولى في ذلك
اليوم ، و لم يسعفه الوقت إلا لإرسال رد سريع :
[ سنتحدث عندما أعود إلى بكين الليلة ]
والآن، رغم أنه أصبح يملك وقت ، إلا أنه لم يعد يملك
الطاقة الذهنية للتفكير في أموره الشخصية
وقبل أن يقوم طاقم الأرض بتركيب قضيب السحب ، قال دوآن جينغتشو فجأة :
“ الأخ جيا ، سأكون الكابتن في هذه الرحلة اليوم "
التفت إليه تشين جيايو —- في الرحلة السابقة مع يوي داتشاو كان هو الطيار الكابتن ،
لم يكن يمانع تبديل الأدوار ، فدور الطيار المُسيطر ودور
الطيار المراقب لهما مسؤولياتهما الخاصة ،
ولا يمكن القول إن أحدهما أسهل من الآخر ،
{ لكن مع دوآن جينغتشو… }
وبدا أن دوآن جينغتشو قد لاحظ تردده فأضاف :
“ بخصوص حادث أضواء الهبوط المرة الماضية ،
لم أتعامل معه بشكل جيد . دعني أقود هذه المرة "
فكّر تشين جيايو أن دوآن جينغتشو بدأ أخيرًا يُظهر قليلًا من
الضمير ،، سواء كان صادقًا أم لا ،،، فقد قالها بالفعل ،
ولم يكن أمامه سوى أن يوافق ،،
“ حسناً ، أنت تقود .”
ففي النهاية ، سيبقى هو من يضع التوقيع النهائي في سجل الرحلة
مرت الرحلةالتي استغرقت ساعتين وخمسًا وعشرين دقيقة بسرعة ،،
و بمجرد أن أصبحوا في الجو ... وبعد دخولهم المجال
الجوي لشمال الصين ، نهض تشين جيايو من قمرة القيادة
متجهًا إلى دورة المياه ،،
كان دوآن جينغتشو في موقع السيطرة ، لكن عند الارتفاعات
المبحرة ، تكون الطائرة على الطيار الآلي ، ومن المعتاد أن
يأخذ الطيارون استراحات قصيرة أثناء الرحلة ،
وعندما دخل دورة المياه ، شعر تشين جيايو برعشة طفيفة
في الطائرة — لم يكن اضطراب جوي بل أشبه باهتزاز قصير
استمر ثانيتين ثم عاد كل شيء إلى طبيعته ———
وعند خروجه صادف المضيفة يانغ فيفي فسألته إن كان
يريد شيئًا يأكله أو يشربه ،، كان عطشانًا قليلًا ، لكنه لم
يستطع تجاهل ذلك الاهتزاز الغريب الذي شعر به قبل قليل ،،
وشعر بشعور غير مريح ، رفض عرضها وعاد مسرعًا إلى قمرة القيادة ———-
وبمجرد أن دخل ، سأل مباشرةً :
“ مالذي حدث قبل قليل ؟”
أجابه دوآن جينغتشو بنظرة عابرة:
“ لا شيء "
لكن تشين جيايو لم يقتنع ، فأعاد التحقق بنفسه من أجهزة الطائرة ——-
وتأكد من أن كل شيء كان سليمًا بالفعل — باستثناء شيء واحد :
أنهم يطيرون أعلى من المعتاد —— على ارتفاع 11,000 متر ،
توجد رياح معاكسة بسرعة 100 عقدة ، فطلبوا الصعود إلى 12,000 متر ،
وهو ارتفاع يقترب من الحد الأقصى
المسموح به لطائرة 737 ،
وكلما ارتفعوا، أصبح الهواء أخف والسرعة أكبر ،
وقد تمت الموافقة على هذا الارتفاع من قِبل مركز المراقبة الإقليمي لشرق الصين ،
لم يكتشف تشين جيايو أن هناك خللاً إلا بعد مرور ساعة
تقريبًا على دخولهم منطقة مراقبة شمال الصين ،
وكان متبقياً نحو أربعين دقيقة على الهبوط ،
كان يكرر فحص الأجهزة باستمرار ، إذ إن أي عطل في
الطائرة عادةً ينعكس عليها ،،
لكن هذه المرة لم يكن الخلل في الأجهزة ، بل لفت انتباهه
شيء آخر عندما ألقى نظرة للأسفل : رافعة الجنيحات ( الـ Flap الموف )
لم تكن على وضعية الصفر ، بل مضبوطة على الدرجة ' 2 ' :
صُدم تشين جيايو:
“ ماهذا بحق الجحيـ…؟”
لقد كان دوآن جينغتشو قد ضبط الجنيحات على درجتين
عند ارتفاع عشرة آلاف متر
ولا شك أنه قد عطّل الجنيحات الأمامية على حافة الجناح الأمامية
كان بين كباتن طائرات 737 المخضرمين ' خدعة ' غير
مؤكدة — وهي أن مدّ الجنيحات درجتين دون تفعيل الـ Slats يمكن أن يجعل الطائرة أسرع ويوفّر الوقود ،
تشين جيايو قد سمع بهذا من والده ، وهو أيضًا طيار
متمرّس ، لكن الفكرة صارت أقرب لأسطورة ،
في عشر سنوات من الطيران ، لم يسبق له أن رأى كابتن كبير ينفذها فعلاً ،
كما أن استخدام الجنيحات على ارتفاع الطيران المبحر
أصبح منذ زمن طويل مخالفة صريحة للأنظمة ——-
طنين الخطر دوّى في رأسه ، فقال بحزم شديد :
“ اسحب الجنيحات فورًا !”
البرتقالي :
دوآن جينغتشو كان فعلًا متعب : إما يتساهل أو يبالغ لدرجة التهور ،
و لم يعرف تشين جيايو إن كان يفعل ذلك في كل
رحلة يقودها ، أم أنها مجرد حركة لإغاظته —-
لكن في كل الأحوال ، كان الأمر خطير
نظر دوآن جينغتشو إليه بنظرة سريعة ، ولم يتوقع على ما
يبدو أن يلاحظ تشين جيايو وضعية الجنيحات قبل وصولهم
إلى قائمة فحص الاقتراب ، و بعد لحظة صمت ، قال ببساطة :
“ سأُرجعها "
ثم مد يده وأعاد الرافعة إلى وضعها الطبيعي ——
لكن تشين جيايو لم يكن في مزاج لتوبيخه الآن ، لأنه لاحظ
أن الطائرة بدأت تميل تدريجيًا ، والجناح الأيسر بدأ
ينخفض ، وعصا التحكم انحرفت بوضوح إلى جانب واحد ،
كان الطيار الآلي يحاول جاهدًا تعويض هذا الانحراف في
وضع الطائرة ، لكن الواضح أن هناك خللًا بنيوي ——
لاحظ دوآن جينغتشو ذلك أيضًا، وارتفع صوته بنبرة توتر:
“ ما ما مالذي يحدث ؟!”
صرخ تشين جيايو بقرار حاسم :
“ افصل الطيار الآلي حالًا !”
فمع استمرار هبوط الجناح الأيسر ، لم يكن الاعتماد على
الطيار الآلي خيارًا آمنًا —- و لا بد من معالجة الخلل يدويًا
وبمجرد أن فُصل الطيار الآلي ، ورغم أن تشين جيايو قد
تجهّز نفسيًا ، إلا أن اهتزاز الطائرة العنيف فاجأه و انقلبت
الطائرة فجأة نحو اليسار بشكل حاد : 15 درجة… ثم 30…
ثم 45… حتى وصلت 50 درجة ، متخذة وضعية غطس
يشبه قاذفة قنابل تستعد للهجوم ——-
وفي اللحظة التالية ، وبسبب الاختلال البنيوي ، بدأت
الطائرة في الهبوط السريع ———
: “ اللععععععنننننة !!!!” صرخ تشين جيايو : “ دُفّة يمين ، الآن !”
————————
في مطار بكين داشينغ، داخل غرفة المراقبة الجوية الإقليمية —-
لاحظ وانغ يوان المراقب المناوب وجود خلل فورًا في قراءة
مقياس الارتفاع لرحلة إير تشاينا 1713
فعندما دخلت رحلة تشين جيايو أجواء شمال الصين ،
قد طلبوا ارتفاعًا أعلى ، وقد سجّل وانغ يوان ذلك ——
ورغم أنه كان يراقب أكثر من اثنتي عشرة طائرة في نفس الوقت ، إلا أنه لم ينسَى هذه الرحلة
أمسك وانغ يوان بالمايكروفون بسرعة ونادى عبر التردد:
“ إير تشاينا 1713، إير تشاينا 1713، أكّدوا الارتفاع 100 "
وفي غمضة عين ، الطائرة قد هبطت من 12,000 متر إلى 10,010 أمتار ———
لكن القناة ظلّت صامتة على نحو مريب ——
لم يأتِ أي رد من إير تشاينا 1713
: “ إير تشاينا 1713، هنا بكين ابروش تناديكم. أكّدوا الارتفاع 9,500 "
شعور بالبرد تسلّل في عموده الفقري ——
يرى أن جهاز التعرّف الجوي الخاص بالرحلة لا يزال يبث
إشاراته { ولكن إن لم يجيبوا… فهل يعني ذلك…؟ }
هبط قلبه إلى أسفل ، لكنه لم يتوقف
نظر إلى شاشة الرادار وإلى الطائرات الأخرى في المنطقة، ثم بدأ ينادي:
“ ساوثرن 588، من فضلكم حاولوا منادات إير تشاينا 1713 على هذا التردد "
استجاب كابتن طائرة ساوثرن 588 فورًا :
“ إير تشاينا 1713، إير تشاينا 1713، هنا ساوثرن 588، بكين أبروش تناديكم "
وبحلول هذه اللحظة ، أربع أو خمس طائرات تنادي رحلة
تشين جيايو في الوقت نفسه عبر التردد ، لكن بلا أي استجابة ———
في غرفة الرادار التابعة لمركز مراقبة شمال الصين ،
النقطة البرتقالية الخاصة برحلة إير تشاينا 1713 تتجدّد بسرعة ،
وأرقام الارتفاع تتغيّر كل ثانية ——
طائرة البوينغ 737 تهوي بسرعة 125 مترًا في الثانية ،
وقد استدارت بالفعل أكثر من 540 درجة ——-
و سادت الفوضى في مركز مراقبة بكين —— كان المشهد
أكثر توتّرًا ورعبًا من حادث الاصطدام في برج بودونغ — ففي
ذلك الوقت كان الصمت سائداً لأن الحادث وقع في ثوانٍ معدودة ——-
أما الآن ، فإنها خمس دقائق كاملة من الصمت الإذاعي —-
والمجهول أشدّ رعبًا من المعلوم
هل هو عطل ميكانيكي ؟ أم خطأ من الطيارين ؟
أم عملية خطف ؟
باستثناء المراقبين المقيّدين بمقاعدهم والمضطرين
لتوجيه الحركة الجوية بانتظام ، كان الجميع يحدّق في
الشاشات ، يحبسون أنفاسهم
و عدة مسؤولين كبار اندفعوا إلى غرفة المراقبة ، والهواتف
لا تتوقف عن الرنين — اتصال لطلب مركبات الإنقاذ تحسّبًا
للأسوأ ، وآخر لبرج الاقتراب ، وآخر للبرج الأرضي ——-
بعد ثلاث دقائق ، كُسر الصمت المخيف في غرفة مراقبة الاقتراب ——
أجاب فو زيسيانغ الهاتف ، وبعد ثلاث ثوانٍ كرّر بصوت مرتفع :
“ إير تشاينا 1713 ما هو ارتفاعكم الحالي؟”
لم يستغرق الاتصال سوى عشر ثوانٍ ،
لكن لاحقاً — فانغ هاو يتذكر أن هذه الثواني العشرة كادت
تغيّر حياته إلى الأبد …..
تبدّل وجه فو زيسيانغ إلى السواد وهو يلتفت إلى فانغ هاو الجالس بجانبه :
“ إير تشاينا 1713 تفقد الارتفاع بسرعة …. إنهم لا يستجيبون ،
وقد خرجوا بالفعل من مجالنا الجوي المحدّد .”
أجاب فانغ هاو ببرود وصوت أقرب إلى الآلية :
“ سأتولّى إعادة توجيه الحركة "
رغم أن فقدان الارتفاع السريع نادر ، إلا أنّ فانغ هاو تعامل
مع ما يقارب العشر حالات طوارئ حرجة مثل هذه كل عام،
فأصبح الأمر بالنسبة له أشبه بالروتين
لكن اليوم — لم يكن هناك وقت للتحقق من التفاصيل،
ومع ذلك غاص في قلبه شعور ثقيل ،
كان يعرف رقم الرحلة CA 1713 القادمة من شنغهاي ،
كان على علم بأنّ تشن جيايو مقرَّر له أن يطير اليوم من
مطار شنغهاي بودونغ إلى مطار بكين داشينغ،
ورغم أنّ التوقيت لم يكن مطابق تمامًا ، إلا أنه لم يرَى رحلة
تشن جيايو تدخل مجاله الجوي ،
وبالعادة ، لا تُجدول شركة الطيران رحلتين على المسار
نفسه في التوقيت نفسه
{ وهذا يعني…
أن الطيار الذي يقاتل الآن عند ارتفاع 10,000 متر في طائرة
تهوي لولبيًا قد يكون هو تشن جيايو }
وقعت الفكرة عليه كقنبلة وزنها عشرة أطنان ،
تتفجر إلى آلاف الشظايا في ذهنه ….
لكنّه أجبر نفسه على إزاحتها جانبًا والتركيز على المهمة ،،
سواءً أكان ذلك تشن جيايو أم لا، فطائرة معطلة تحمل أكثر
من 130 روح تحتاج إلى أقصى دعم من المراقب الجوي ،
و لم يكن هناك مجال للارتباك ،
: “ فانغ هاو؟” ناداه فو زيسيانغ مجددًا ، ناظرًا إلى ملامحه المتوترة ، ثم أكّد :
“ أأنت من سيتولى الأمر ؟”
فانغ هاو مسؤول عن القطاع 01، المكلَّف بالمجال الجوي
شرق المطار — بالضبط الاتجاه الذي يُفترض أن تقترب منه
الرحلة CA 1713
عبس فانغ هاو بحاجبيه ، وعيناه مثبتتان على شاشة الرادار ،
أومأ بقوة :
“ نعم. أبقِي قطاعك خالي "
فهم فو زيسيانغ على الفور — ولم تكن هناك حاجة إلى كلمات إضافية
بدأ فانغ هاو عندها بتوجيه الطائرات ضمن مجاله لتجنّب الرحلة الشاردة ——
جلس أمام جهازه ، كتفاه ثابتتان ، وتوالت أوامره عبر المايكروفون —— :
“ شنغهاي إيرلاينز 1882، استدر يمينًا إلى اتجاه 090 وغادِر.”
“ هاينان 3124، استدر يسارًا إلى اتجاه 255، وارتفع إلى 6000 للتفادي "
“ تشاينا إيسترن 570، نفّذ التفاف فوري "
“ فينكس 1009، ألغِ الاقتراب وارتفع مجددًا "
“ يونايتد 880، التفاف فوري ! ارتفعوا حالًا !”
بعد أن أنهى هذه الأوامر ، أنزل رأسه ونظر إلى الصليب
البرتقالي على رادار الاقتراب — ولحسن الحظ، كان الارتفاع
قد استقر عند 6500 متر و التقط المايكروفون ونادى:
“ إير تشاينا 1713 هنا بكين أبروش الرادار يلتقطكم .”
لم يلاحظ أحد لكن صوته يرتجف
————————
صرخ جيايو : “ ثبّت المستوى !”
عند ارتفاع 10,000 متر ، ضغط تشن جيايو بقوة على
دواسة الدفة اليمنى ، لكن الطائرة واصلت الميلان
كان يشعر بقوة الجاذبية تتجاوز 1G أثناء الهبوط السريع ،
و تشدّه خارج مقعده وتضغط بثقل على ظهره
لكنّ هذا آخر خط دفاع لهذه الطائرة ، وعليه أن يصمد
دوآن جينغتشو قد خطّط في الأصل لاستغلال غياب تشن
جيايو القصير كي يرتكب مخالفة سرية ويلقي باللوم عليه
لاحقًا ، لكنه لم يتوقع أن تتعطل الجنيحات
ولم يتخيّل أن الأمر سيتحوّل إلى هذا الكابوس
و الآن أصابه شلل من الخوف ، يداه وقدماه باردة ترتجف
لكنه اتبع أوامر تشن جيايو بكل يأس محاولًا إنقاذ الطائرة
دوّى صوت إنذار الانحدار في قمرة القيادة بلا انقطاع [ Bank Angle, Bank Angle! ]
أجبر تشن جيايو نفسه على أخذ نفسٍ عميق ليهدأ — كانوا
على ارتفاع 12,000 متر ، وبمعدّل الهبوط الحالي لم يتبقَّى
أمامهم أكثر من دقيقة قبل الاصطدام …..
الارتفاع هو أفضل وسيلة حماية لديهم ؛
فكلما ارتفعت الطائرة التجارية ، ازدادت فرص النجاة
ما دام لديهم ارتفاع ، فما زالت هناك فرصة للاستعادة —-
لكن كلما بقيت المقدّمة مائلة للأسفل ، تسارعت الطائرة أكثر ،
حتى تكاد تتجاوز سرعة الصوت وتدخل في لولب الموت الذي لا عودة منه …..
الآن — الأولوية القصوى هي إبطاء السرعة —
قال بصرامة :
“ افتح الـ المكابح الهوائية "
وبمجرد نشرها ، ازدادت مقاومة الهواء فتقلّص معدّل
الهبوط قليلًا ، لكن الطائرة لم تستقر بعد
سأل دوآن جينغتشو بصوت مرتعش :
“ هل نُنزل العجلات ؟”
ردّ تشن جيايو بسرعة :
“ ليس بعد . خفّض الدفع .”
إن لم تكفِي المكابح الهوائية ، فسيفتح العجلات في الجو
لزيادة المقاومة والمساعدة على الإبطاء
وبالفعل ، بعد ثانيتين من تقليل الدفع ، وقبل أن يمد يده
نحو ذراع إنزال العجلات ، توقّف الاهتزاز وبدأت الطائرة
بالاستواء تدريجيًا ….
ومن دون الاعتماد على الطيار الآلي ، ركّز تشن جيايو بكل
جوارحه على التحكم في الدفّة لتثبيت الطائرة ،،
لكن زاوية الهجوم ارتفعت كثيرًا هذه المرة ، فأطلق نظام
الإنذار موجة جديدة من الصافرات
صرخ تشن جيايو معلنًا الخطوة التالية :
“ أنزل المقدّمة ! السرعة الجوية ؟”
قرأ دوآن جينغتشو الشاشة :
“ السرعة الجوية 180 عقدة "
دفع تشن جيايو المقدّمة للأسفل —- وبعد ما يقارب نصف
دقيقة من الفوضى في الجو ، استقرت الطائرة أخيرًا عند ارتفاع 7,200 متر ———
في هذه اللحظة ، ألقى دوآن جينغتشو نظرة على الأجهزة وقال :
“ ضوء Flap 5 مطفأ " ( الموف )
ردّ تشن جيايو بنبرة متوترة :
“ مفهوم "
كان يقاتل للحفاظ على مستوى الطائرة ، عيناه ثابتتان على
مؤشر الوضعية ليتأكد من توازن الطيران وزاوية الميل ،
فبعد دوران كامل بمقدار 540 درجة ورحلة طويلة بمقدمة
مائلة للأسفل ، يسهل على الطيار أن يفقد الإحساس بالاتجاه ،
لكن الثقة بالأجهزة وقراءتها بدقة كانا من أهم ركائز التدريب ،
والآن بعد إلغاء الطيار الآلي ، عاد كل شيء إلى التحليق
اليدوي الخالص — ولا مجال لأي خطأ ، حتى الخطأ البسيط قد يكون كارثي
لكن دوآن جينغتشو كرّر ، وكأنه لا يصدّق :
“ قلتُ إن ضوء Flap 5 مطفأ…”
انفجر تشن جيايو أخيرًا بعد خمس أو ست ثوانٍ من الصمت :
“ أنا أقوووووودها !!!
أنت نفّذ قائمة الطوارئ لعطل الجنيحات .”
و بصوت حادّ لم يُسمع منه من قبل :
“ إذا كنتَ تريد أن تعود حيًّا إلى بكين ، فافعل الأمر بشكل
صحيح هذه المرة !!!!! "
حلّل تشن جيايو الموقف بسرعة …. { إعادة الـ Flap
فجأةً —- كانت السبب في الانقلاب السريع للطائرة —-
و الأغلب أنّ هناك خلل في نظام الجنيحات : جهة منهما
تعطّلت — إمّا انكسرت أو علقت — بينما الجهة الأخرى
انسحبت بشكل طبيعي —- وعند سرعة التحليق العالية ،
حتى فرق بسيط في زاوية درجتين للجنيحات قد يُحدث
اختلالًا هائلًا في الإيروديناميك … وربما يكون الــ Flap 5 قد تحطّم أو انخلع خلال الدوران ،
مما سمح للجنيحات الباقية بالانسحاب واستعادة بعض التوازن }
لم ينوي دوآن جينغتشو إسقاط الطائرة وقد أدرك تشن
جيايو ذلك في اللحظة التي ألغى فيها الطيار الآلي ورأى أنّ
دوآن هو الآخر يقاتل بجانبه لإنقاذها
دوان متهوّر أناني لكنّه لم يكن انتحاري
وبالتأكيد لم يرغب في أن يُهلك معه المئة وثلاثين راكب ..
وبعد أن أكملا مناورات الطوارئ وإجراءات العطل ، وجد
تشن جيايو أخيرًا فرصة للإمساك بجهاز اللاسلكي
لم تفقد الطائرة السيطرة سوى لدقيقتين ، لكن بين
محاولات الإصلاح وإجراءات الطوارئ انقطع الاتصال لأكثر من خمس دقائق ———
الترددات تعجّ بالنداءات العاجلة ، لكن قبل دقائق فقط
كانت طائرتهم تتقلب في السماء على ارتفاع عشرة آلاف متر
كأنها طائرة استعراض ، فلم يكن هناك وقت للرد ،
في حالات الطوارئ الأولوية الأولى للطيار هي الطيران ، ثم يأتي الاتصال بالبرج .
والآن، بعد أن استقرت الطائرة ، كان هدفه التالي اختيار مدرج للهبوط الاضطراري ،
أمسك جهاز اللاسلكي — تمامًا كما فعل مئات المرات في
التدريب ، وكما فعل في تلك الليلة قبل ثلاث سنوات فوق
بحر الصين الجنوبي — وانطلقت كلماته عبر التردد كالرعد :
“ ماي داي ، ماي داي ، ماي داي !
إير تشاينا 1713 عطل في الجنيحات ، نطلب الهبوط على
أطول مدرج في مطار داشينغ "
وبعد لحظات ، جاءه صوت مألوف —— صوت فانغ هاو
“ إير تشاينا 1713 تم استلام نداء الاستغاثة .
توجّه مباشرةً إلى المطار ، اقتراب آلي ILS على المدرج 17L "
ذلك الصوت كان مرساته وسط العاصفة ، وإيقاعه الثابت ،
ونجمة الشمالي الذي يهتدي به في الطريق …
كان تشن جيايو على أقصى طرف من تردد VHF، ووصل
صوت فانغ هاو محمّلًا بتداخلات خفيفة، مما جعل من
الصعب تمييز نبرته ، لكن عندما تحدث تشن جيايو بعدها، ارتجف صوته قليلًا :
“ بكين أبروتش…”
ثم أخذ نفسًا عميقًا و ثبت صوته :
“ مدرج 17L أكّد الطول ، إير تشاينا 1713 "
تشن جيايو يهبط في مطار داشينغ لثلاث سنوات ، ويحفظ
اتجاهات المدارج وأطوالها وأنظمة الهبوط عن ظهر قلب …
لكن في هذه اللحظة ، أراد فقط أن يُبقي فانغ هاو على
الخط… ليسمع صوته المطمئن ….
أجابه فانغ هاو فورًا :
“ المدرج 17L طوله 3800 متر .
الرياح السطحية 330 درجة ، بسرعة 3 أمتار في الثانية .
المدرج متاح بالكامل للهبوط إير تشاينا 1713 "
فأكّد تشن جيايو:
“ اقتراب ILS، المدرج 17L …
إير تشاينا 1713 الهبوط بتشكيلة جنيحات مخفّضة…
نستعد لتصريف الوقود "
تصريف الوقود :
الرفارف ' الجنيحات المنخفضة ' — الأسطح القابلة
للامتداد على الأجنحة — تمنح الطائرة قوة الرفع عند
السرعات المنخفضة ، وهي أساسية عند الإقلاع والهبوط ،
لكن مع انحشار جنيحات أحد الجانبين ، لم يعد بالإمكان
تمديدها حتى 20 درجة أو أكثر ، مما يعني أنّ عليهم الهبوط
بسرعة أعلى لتفادي الانهيار والسقوط
أكّد فانغ هاو عبر اللاسلكي :
“ مفهوم ، بإمكانكم البدء بتصريف الوقود ….”
ثم أخذ نفسًا عميقًا و سأل :
“ إير تشاينا 1713 ما هي زاوية الرفارف لديكم ؟”
أجاب تشن جيايو بصوت ثابت :
“ صفر درجة "
ساد صمت قصير لثانيتين …..
كان لدى فانغ هاو الكثير مما أراد قوله ، لكن في هذه
اللحظة اختصر كل شيء في جملة فقط :
“ تم الاستلام إير تشاينا 1713 "
فتح تشن جيايو صمامات الوقود ، ليُفرغ الكمية الزائدة من الخزانات ،
وخلال الانتظار ، التقط الميكروفون الداخلي ليُعلم الركاب :
" لقد واجهنا مشكلة تقنية ، لكن الوضع أصبح تحت السيطرة "
ثم استدعى كبير المضيفين المضيفة تشنغ شوان لتتفقد المقصورة
تشنغ شوان التي تملك عشر سنوات خبرة تحدثت باحترافية وثبات :
“ الركاب شدّوا أحزمة الأمان أثناء الميلان الأولي .
و لا إصابات خطيرة مرصودة .”
تشن جيايو:
“ جيد . أحتاجك أن تتحركي إلى الجهة اليمنى وتفحصي الـ Flap 5 — أقرب جزء للجسم ،
و تأكدي من حالة بقية الجنيحات أيضًا "
ارتجف صوتها قليلًا — كان عليها أن تفك حزامها للتحرك
“ مفهوم "
لاحظ توترها ، فطمأنها قائلًا :
“ لا تقلقي . سنهبط قريبًا .”
وبعد لحظات عادت بتأكيدها : " الرفارف اليمنى مطوية بالكامل "
وبإجابتها أثبتت صحة نظريته : رفرف 5 قد تمزق أو انخلع —
ومع أنّ بقية الرفارف سليمة ، إلا أنّ الطائرة بدون رفارف
على الإطلاق تظل أكثر أمانًا من طائرة برفارف غير متناظرة
ألقى تشن جيايو نظرة على دوآن جينغتشو الذي كان منشغلًا بتنفيذ قائمة الطوارئ ،
وفي الخلفية تردّد صوت فانغ هاو عبر الـ VHF وهو يوجّه الطائرات الأخرى إلى الانتظار ،
أصبح صوت فانغ أوضح الآن ، يصدح مباشرةً في سماعة
رأسه — صوت ثابت ، مألوف
وبمجرد انتهاء عملية تصريف الوقود ، أبلغ تشن جيايو عبر الراديو :
“ إير تشاينا 1713 تصريف الوقود مكتمل "
جاء الرد الفوري من فانغ هاو:
“ إير تشاينا 1713 واصل الاقتراب .
حافظ على السرعة والارتفاع حسب تقديرك .
تواصل مع برج المراقبة على 123.4 "
ثم أضاف كلمتين فقط:
“ أراك قريبًا "
لم يقل وداعًا… بل قال : ' أراك قريبًا '
كانوا يستعدون لمحاولة هبوط من دون رفارف — مناورة
تدرّب عليها تشن جيايو قبل أسابيع فقط على جهاز محاكاة
لطائرة 737-800 ،
وفي ذلك التدريب بالذات ، كان فانغ هاو جالسًا بجانبه ، يقرأ قائمة الفحص
أخذ تشن جيايو نفسًا عميقًا ، مركزًا كل انتباهه على
العدادات وأجهزة التحكم …..
السرعة الجوية: 230 عقدة ——
نقطة التماس : تبعد خمس أميال بحرية فقط…
———
بعد ثلاث ثوانٍ من ملامسة العجلات أرض المدرج بسلام ،
انفجرت المقصورة بصيحات الركاب ، أصوات بكاء وضحك ومكالمات هاتفية يائسة ———-
الالتفاف المرعب على ارتفاع عشرة آلاف متر قد هزّ الجميع ،
حتى طاقم الرحلة نفسه ، لكنهم الآن غمرهم شعور طاغٍ بالنجاة ،
—- ' لقد نجحنا و هبطنا أحياء '
لكن هناك حقيقة لم يعرفها أحد غير تشن جيايو:
لقد شعر بالنجاة قبل ذلك بكثير — عند ستة آلاف متر
بالضبط ، حين اخترقه صوت فانغ هاو وهو يقول “ بكين أبروتش”
في تلك اللحظة ، عرف أنه قد نجح ——
الطائرة وقتها لا تزال محلّقة ، ولم يُلتقط مسار الانحدار بعد…
لكن قلبه قد هبط بالفعل ———
الحادث :
يتبع
كيف حال قلبك ي قلبي ؟
الأغنية اقتراح من الكاتبة 👀
واسم الرواية من هذا الشابتر ----- الهبوط من ارتفاع 100000 متر


الشابتر خلاني اصيح وابكي تشين تحمل كثير اخخخ رحت اتفرج قبلها لنداء ماي داي ولقيت فلم صيحني كمان
ردحذفشكلي بخرج من الرواية بفوبيا جديدة من الطيارات 🙂