القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch80 بانغوان

Ch80 بانغوان



رأى وين شي نسخاً كثيرة من نفسه ——


رأى نفسه جالساً بين أغصان شجرة عتيقة وارفة ، 

مسنداً ظهره إلى الجذع ، يطالع كتاباً بعينين للأسفل 

بينما الدابنغ المجنّح يحلّق قادماً من مكان بعيد ، 

وما إن اقترب من الشجرة حتى تقلّص حجمه حتى صار لا يتعدّى حجم صقر ، 

ثم استقرّ فوق عناقيد من الأغصان والأوراق


عندها فقط رفع الجالس في الشجرة عينيه عن صفحات الكتاب ، ونظر بعيداً…


{ متى جرى هذا المشهد ؟ }


بعد أن نقّب وين شي في ذاكرته ، عادت إليه بعض التفاصيل أخيراً


كان قد بلغ سن الرشد منذ سنوات ، وجاب أماكن كثيرة في العالم


وفي بعض الأحيان، سواء عن قصد أو من غير قصد، كلما مرّ 

بجبل سونغيون — كان يتملّكه حافز للصعود وزيارة ذلك 

الشخص الذي يسكن الجبل


في تلك الأيام ، كثيراً ما كان مشبعاً بالتهكّم


فقد أخبره أحدهم بوضوح أن الجبل سيكون دائماً منزله


ومع ذلك، في كل مرة يعود فيها لاحقاً إلى المنزل ، كان لا بد 

أن يختلق لنفسه عذراً ما


حينها، أراد أن يقول إنه واجه بعض المعضلات ، فجاء 

ليجري بعض الأبحاث


لكنه لم يكتشف إلا بعد أن صعد الجبل أن الشخص الذي 

جاء لرؤيته لم يكن موجوداً أصلاً


شعر بخيبة أمل قليلة ، لكنه لم يرغب في المغادرة فوراً

فقرّر أن يأخذ كتابه ويقفز إلى أحد الفروع العالية في الشجرة


وما إن وجد مكاناً مناسباً ليستقرّ فيه حتى بدأ يقلب 

صفحات الكتاب، منصتاً إلى صوت الرياح الذي اشتاق إليه 

طويلاً وهو يعبر قمم الجبل


أنهى قراءة الكتاب كله وهو فوق الشجرة ، ثم رفع رأسه 

أخيراً واكتشف أن هناك شخصاً يقف على الطريق


ذلك الشخص كان يتحرّك دوماً بصمت


لم يعرف وين شي منذ متى كان واقفاً هناك


تقدّم الآخر نحوه مبتسماً ، وتوقّف أسفل الشجرة ، ثم رفع 

عينيه إلى وين شي وقال: " لماذا تختبئ هنا لتقرأ ؟ 

احذر أن يظنّك أحدهم كومة ثلج فيجرفك بعيداً ."


كان ينبغي لوين شي أن يفرح ، فقد مضى وقت طويل منذ 

أن رأى هذا الشخص آخر مرة


لكن في النهاية، لم يرد سوى بردّ مختصر : " كيف للثلج أن 

يتساقط في شهر يونيو ؟"


تلك كانت لحظة عابرة حدثت منذ زمن بعيد جداً، 

أمر عادي وتافه


لم يكن فيها ما يميّزها ، حتى هو نفسه كاد أن ينساها تماماً


لكن وبشكل غير متوقع ، الشخص الآخر كان لا يزال يتذكّرها


الشخص الذي ظنّه الأقل احتمالاً أن يتذكّر تلك اللحظة… 

كان في الواقع يتذكّر كل تفاصيلها


في هذه اللحظة ، لم يستطع حتى أن يفهم لِمَ الآخر لا يزال يتذكّرها أصلاً


رأى نفسه واقفاً وسط آثار الخراب ، بين أكوام الجثث وبرك الدماء

يتحكّم بخيوط دمى متشابكة لا تُحصى ، وباثني عشر دمية 

عملاقة تهزّ العالم 



رفع عينيه ونظر إلى جانب آخر —


ورأى نفسه واقفاً على قمة الجبل ، حيث كان النسيم 

ينساب بلا نهاية بين أشجار الصنوبر


وتحت نهر من النجوم ، رفع جرّة خمر مغطّاة بالراتنج وقدّمها—



ورأى نفسه واقفاً بجانب شجرة برقوق بيضاء


وجهه عابس للحظة ، بلا أي تعبير ، لكن بعد لحظات هبّت 

نسمة نثرت أزهارها نحوه


وحين أدار رأسه جانباً ، ظهرت ابتسامة مفاجئة على محيّاه



لكن معظم تلك الأشكال لم تكن سوى ظلال بعيدة ، 

تُرى من الجانب أو من الخلف


مره يسير فوق طريق حجري هادئ ساكن ؛ 

مره يعبر جبالاً و حقولاً وقرى ——


مره يمرّ بين حشود صاخبة مكتظّة ؛ 

ثم بين ممرات مظلمة ضيقة… 


وبعدها تلك الأشكال تستدير عند المنعطف وتختفي تماماً


حدّق وين شي مشدوهاً بتلك الأشكال


كان الأمر أشبه بمشاهد صامتة مألوفة وغريبة في نفس الوقت


{ لم أعرف… أن تشين بوداو .. كان يودّعني من بعيد لمراتٍ كثيرة }


كل ما كان يعرفه هو أنه في كل مرة يغادر فيها الجبل ، 

لم يكن ذلك الشيفو يفعل سوى الاتكاء على الباب ، يراقبه 

حتى يختفي في المنعطف الأول في الطريق ، 

ثم يعود الشيفو إلى داخل المنزل  و لم ينطق حتى بكلمات وداع…


باستثناء مرة واحدة ——- مرة واحدة فقط… 

حين قال له: “ لا تلتفت…”


في هذه اللحظة ، الذكريات المدفونة في أعمق أعماق 

روحه بدأت بالتحرر —— 

ربما كان ذلك بسبب أوهام شيطان القلب ، 

أو لأنه شعر بوضوح أنّ وعي الآخر الروحي كان يتلاشى —-


ينطفئ شيئاً فشيئاً ، مثل لهب استنفذ وقوده


لقد حاول مراراً في الماضي استدعاء تلك الذكرى ، 

متى قال له تشين بوداو " لا تلتفت " 

لكنه لم يستطع أبداً تذكّر مصدر تلك الكلمات بدقة


لكن في هذه اللحظة تحديداً ، تذكر بعض الشذرات من ذلك اليوم—


….


كان الختم العملاق يدخل مراحله الأخيرة —- 

و النباتات في محيط ثمانمئة لي قد أُبيدت تماماً ، 

والوحوش تعيث فساداً


و تحت تأثير المصفوفة ، تحولت مئات الآلاف من المشاعر

والرغبات التي تحملها الروابط الدنيوية إلى أرواح شريرة 

تمزّق كل ما أمامها


أي كائن حي أو روح يدخل إلى المصفوفة يتمزق فوراً 

ويتحول إلى رماد


تذكر أن فمه كان مملوءاً بالدم ، وأن جسده مغطى به أيضاً


و اثنتا عشرة دمية عملاقة أطلقت صرخات طويلة وسط 

ألسنة اللهب المدمرة ثم تحطمت إلى شظايا متوهجة


و تساقطت الشظايا الكبيرة والصغيرة مثل مطر عاصف يحرق القلب ألماً


ومع ذلك ، شدّ قبضته على خيوط الدمى ، عازماً على شق 

طريقه نحو مركز المصفوفة


و أخيراً ، وبعد أن ترنح وهو على وشك الانهيار ، تمكن من 

الإمساك بالشخص الواقف في مركز المصفوفة ، 

لكن يد شيفو التي أمسكها في كفّه تحولت إلى غصن برقوق أبيض 


حتى في تلك النهاية ، وحتى مع انقضاض ملايين ' الأرواح 

الشريرة ' على جوهر الروح واللحم—حتى وهو غير قادر على 

إنقاذ نفسه — لا يزال هذا الشخص يخلق وهماً مدروساً… 

ليخدع وين شي ويخرجه من هناك


الطريق الذي شقه وين شي مع كل هذا الالم كان طريق الخروج —- ولكن الشخص الذي أراد إبقاءه معه … 

فقد تركه خلفه 


في تلك اللحظة ، ابتلعت المصفوفة كل تلك الأصوات 

والنواح الممزق ، وانطفأت داخله 


و أضاء ضوء المخرج أمامه…


شعر بيد تلامس مؤخرة رأسه ، تدفعه خطوة إلى الأمام برفق

و بصوت يكاد يكون همساً ، قال له ذلك الشخص : 

“ لا تلتفت…”


تشين بوداو : “ وين شي … لا تلتفت… 

أنا سأراك وأنت ترحل "


هذا الاسم هو الذي اختاره تشين بوداو بنفسه ، 

لكنه لم ينطقه بصدق سوى هذه المرة الوحيدة ،

ومنذ ذلك الحين ، لم يكرره أبداً …



اليأس المطلق في هذه الذكرى فجّر موجة من الألم الذي يعتصر القلب ، 

كما لو أنه يُنقش في عظام وين شي، خطاً بعد خط، بسيف حاد ، 

وتداخل مع كل ما يحدث في هذه اللحظة 


لكنه حين رفع رأسه ، لم يرَ سوى عالَمٍ مملوءٍ بـ نسخ منه


أوهام شيطان القلب باتت أوضح فأوضح ، أشدّ حدة فأشدّ


وفي الوقت نفسه ، كان يشعر أن شيه وون يضعف أكثر وأكثر ، 

لكنه مع ذلك لم يستطع رؤيته 


فجأة ، قبض وين شي على خيط الدمى الملتف حول جسده 

—- ثم شقّ راحة يده به


وبينما الألم الحارق ينهش جلده ، بدأ الخيط في يده يكتسي 

باللون الأحمر تدريجياً


قطرات الدم تجمعت وانزلقت على طول الخيط…


وحين وصلت إلى نقطة معينة ، اهتزّ الوهم بأكمله



طبقة فوق طبقة ، ازدادت الأوهام عدداً


خلف الجبال الشاهقة جبال أخرى ، 


وخلف السهول المترامية سهول أخرى ،


وفي لمح البصر ، خيّم على المكان صمت قاتم وكآبة

 


وهناك وقف شي وين وسط تلك المساحة المقفرة ، وحيدًا تمامًا


خيوط قطنية بيضاء ناصعة تتشبث بأصابعه ، تمتد بعيداً 

عنه توحي بالارتباط بشخص آخر


من البداية وحتى النهاية ، استمرت الأشكال التي أحيتها شياطين القلب في محيطه ، 

مرة قريب ومرة بعيد ،، بعضهم يكلّمه ، وبعضهم اكتفى بابتسامة غامضة


في الحقيقة كان ذهنه صافياً تماماً ، يعلم أن أياً منهم ليس حقيقي

ولهذا لم يردّ قط، بل يكتفي بالاستماع


كان يستمع إلى تحدّي هذه الأشكال الجريئة ، وإلى 

الطريقة التي لم ينادِيه بها يوماً “ شيفو ”. 

بل كان دائماً يناديه باسمه مباشرةً : تشين بوداو — تشين بوداو — تشين بوداو…


وأيضاً : شيه وون


شيه وون كان اسمه في شبابه


تلك فترة من حياته كادت أن تضيع في مجرى الزمن ، 

حتى أنه—لفترة طويلة—لم يعد يتذكرها جيداً


في أحد الأيام ، نزل من الجبل لإنهاء بعض الشؤون


ورغم أنه كان قادراً على سلوك ممرات جبلية نائية ، إلا أنه 

اختار على غير العادة أن يخلع قناعه ويسير في شوارع المدينة


ربما كان قدراً ، وربما مجرد مصادفة : لكن في كلتا 

الحالتين ، التقى بـ وين شي


في ذلك الوقت ، كان وين شي كثير الترحال ، و نادراً يعود 

إلى جبل سونغيون


كانت مثل تلك المصادفات بين المعلم والتلميذ في عالم 

البشر نادرة للغاية


ولهذا سافرا معاً أكثر من نصف شهر ، يفكّان الأقفاص 

باختلاف أحجامها ، ويتوقفان أحياناً في بعض المدن أو البلدات للراحة


لاو ماو لم يكن معهما حينها


أما داجاو وشياوجاو — فقد أصرّتا على النزول من الجبل للتنزه


الفتاتان كانتا مفعمتين بالفضول في كل مكان تذهبان إليه، 

لذا لم تظلا بجوار معلمهما طوال الوقت


لكن عند غروب الشمس ، كانتا دائماً تقلّدان عامة الناس 

وتشعلان النار لطهي بعض الطعام ، منتظرتين عودة الاثنين الآخرين


و في إحدى الأمسيات ، بينما الغيوم المزهرة باللون الوردي 

تزحف فوق الجبال والحقول ، 

وتصاعد دخان مواقد الطهي في الهواء ، كان صخب الحياة 

الدنيوية يملأ أجواء المدينة


وأثناء سيرهما في زقاق جانبي ، سمعا امرأة تنادي عدة 

مرات ، ويداها تستندان إلى إطار النافذة


بعدها، جاء صوت أطفال يردّون عليها ، يركضون متزاحمين، 

يلاحقون بعضهم ويصارعون بمرح


تراجع وين شي خطوة ليمنح الأطفال مجالاً للمرور


وبينما راقبهم يبتعدون ، سأل فجأة :

“ ما اسمك الأصلي ؟”


سؤاله في الواقع كان غير لائق نوعاً ما


فعادةً لا يسأل التلميذ عن اسم معلمه السابق ، إذ إن ذلك 

يخص حياته الدنيوية الماضية


كان شيه وون يعرف سبب مراوغة وين شي الدائمة —

لماذا رغم رغبته الواضحة في العودة إلى جبل سونغيون، 

كان يسرع بالمرور ويتوارى في عالم البشر وحيداً


كان تشين بوداو يراقبه من الجبل كثيراً ، وشاهد ذلك مراراً


لم يكن ينبغي له أن يقول شيئ ، لكن ربما تأثر بجلبة هذا 

العالم البشري حوله ،،،

وبعد أن استرجع الأمر طويلاً ، أخبر وين شي أن اسمه 

الأصلي هو شيه وون


لقد عاش في تشيانتانغ في صغره ، وتربى في رغد وثراء ، 

فلم يعرف التعب الجسدي ، وكان جاهلاً بكثير من أمور الحياة اليومية ، 

في هذه الأيام ، ربما كان البعض سيصفه بـ “ السيد الشاب المدلل”


ولكن لم يحدث أن ناداه وين شي باسمه الدنيوي ، حتى في آخر المطاف

بل كان دائماً يقول : تشين بوداو، تشين بوداو، تشين بوداو…


لم يكن تشين ينوي أصلاً البحث عن أحد بعد عودته إلى عالم الأحياء


قبل أن تتلاشى حواسه وتتمزق روحه تحت وطأة المصفوفة 

العظمى ، قد رأى تلك الروح الطاهرة ( وين شي ) يغادر الختم


طوال حياته لم يحاول أبداً أن يتنبأ بشيء ، باستثناء بعض 

الحوادث العرضية قبل بلوغه 


العالم البشري كان شاسع ؛ وكان ثمة حرية أكبر في أن لا 

ينشغل المرء بمسائل الحياة والموت


لكنه استثنى مرة واحدة فقط : تلك اللحظة التي كان على 

وشك أن يختفي فيها


فـ وين شي كان قاسياً جداً على نفسه ، وعنيداً أكثر مما يجب ، فلم يطمئن قلبه

لذا قبل أن يتلاشى ، ألقى نظرة على المستقبل ورأى أن ثمة 

آثاراً لـ وين شي في العالم بعد ألف عام


ظن في نفسه أنه لابد أن وين شي دخل دورة التناسخ كما يجب


ولكل شخص نصيبه بعد الولادة الجديدة


وبما أنه لن يستطيع البقاء طويلاً ، لم يكن ينوي التدخل ، 

ولم يكن يخطط للبحث عنه حقاً


لكن في النهاية ، عندما جاء وقت الرحيل ، لم يستطع إلا أن 

يرغب في إلقاء نظرة واحدة


وبتلك النظرة الواحدة ، كاد ألا يتمكن من الرحيل أبداً …


—-


{ عليّ أن أرحل ؛ فذلك المصير قد تقرر قبل ألف عام ..


لم يكن مسموحاً لي بالبقاء طويلاً هنا ، وإضافة ذكريات لا 

لزوم لها لن تجلب سوى قدراً عظيماً من الألم


لقد أنهيت كل ما كان ينبغي عليّ إنهاؤه ، 

ووجدت جميع شظايا روح وين شي المبعثرة …. }


لقد ساعدته مصفوفة تطهير الأرواح على امتصاص كل ما 

في بحيرة تشينغشين، بما في ذلك بقية روح وين شي الضائعة 


و الآن لم يتبقَّ لـ شيه وون سوى أن يستخرج الجزء الذي 

يخص وين شي من بين المحيط اللامتناهي من الروابط 

الدنيوية ، وينقله إليه — وحينها سينتهي كل شيء


{ وحينها ،،،، لن نلتقي أبداً }


بعد أن امتص سيل الضباب الأسود ، بدأ وعيه الروحي يضعف شيئاً فشيئاً ، 

و بدأ جسده المادي بدوره يبلغ حدوده القصوى


انقطعت فجأة الخيوط الرفيعة الملتفة حول معصم شيه وون، و تساقطت حبات الخرز على الأرض


الكتابات السنسكريتية الجارية على بشرته بدأت ترتجف دون توقف ، 

وتسربت بضع قطرات من الدم من المساحة فوق قلبه


وهذا هو ضعف الدمى : ما إن تُصاب بضرر كافٍ حتى تبدأ بالذبول


أطلق طائر الدابنغ ذو الجناح الذهبي صرخة طويلة و 

انطلقت النيران من جسده ، متسربة من أطراف جناحيه إلى 

الداخل

وكلما مرّت ، انكمش اللحم ، مثل خشب متحجر متعفن


وكان شيه وون يمر بنفس العملية


بدأت من أطراف أصابع يده اليسرى ، صاعدة عبر ذراعه حتى كتفه…


لكن لأن أرديته البيضاء والحمراء كانت طويلة وواسعة ، فقد 

أخفت ذلك إلى حدٍّ ما


بدا وكأنه لا يشعر بما يجري على الإطلاق — لأنه لا يزال 

مغمض العينين، يبحث في هذا الامتداد اللامحدود من 

الروابط الدنيوية عن الجزء الذي يخص وين شي


و حتى في هذه اللحظة ، ومع أن نصف جسده صار في حالة 

ذبول ، وطعم الدم يغمر فمه ، ظل واقفاً


و تذكر أن يلقي وهماً صرف الانتباه عنه ، و عزله عن الآخرين 

كي لا يروا حالته فيفزعوا


كان أشبه بشجرة وحيدة ، معزولة ، تحولت أغصانها من 

خضراء غنية بالحياة إلى عارية عظمية


وقد بلغت علامات الذبول عنقه تقريباً


وأخيراً عثر شيه وون على الروح المخبأة في الضباب الأسود

— لكن ليكتشف ما لم يتوقعه …


فالدُمية التي أطلقها في هذا العالم كانت قد جابت الدنيا بضعة أيام


وبالمجمل، لم يكن هناك سوى مكانين يضمان آثاراً من روح 

وين شي: أحدهما متجر سانمي، والآخر هو هذا المكان


ما وُجد في متجر سانمي كان مجرد شظية


وهذا يعني أنه مهما كان ، ينبغي أن يكون الجزء الأكبر من الروح هنا


لكن ما استخرجه شيه وون للتو لم يكن سوى شظية أخرى


فأين البقية ؟


تجمد شيه وون لحظة ، ثم عقد حاجبيه بإحكام ، 

و ارتسمت على ملامحه لمحة من الحيرة والقلق


أغلق عينيه من جديد ، مواصلاً البحث في الضباب الأسود


كان يشعر أن وعيه الروحي الأصلي يتلاشى ببطء داخل 

المصفوفة العظمى بفعل تدفق الضباب الأسود المستمر، 

مثل شعلة توشك أن تنطفئ


وفي الوقت نفسه ، كان جسده يزداد تيبّسًا أكثر فأكثر


ولم يتبقَّ إلا القليل حتى يتحوّل بالكامل إلى خشبٍ يابس


وقبل أن يسحب وين شي إليه ليعطيه الشظية التي عثر عليها ، سمع طائر الدابنغ، الذي قد تحجر تماماً، يطلق فجأة 

صرخة جديدة ، وانبثق خيط ذهبي من الضوء مجدداً على أطراف جناحيه


وفوراً بعد ذلك، اكتشف أن علامات الذبول على جسده—

والتي تجاوزت عنقه بالفعل—بدأت على غير المتوقع 

بالتراجع تدريجياً من فكه ، عائدةً شيئاً فشيئاً


وعندما بلغت كتفيه ، توقفت حركة التراجع بهدوء


وتكرر هذا الأخذ والرد عدة مرات


ذلك الشعور بالاقتراب من حافة الموت ثم جره إلى الحياة 

مجدداً كان شعوراً بالغ القسوة


أشبه بيدٍ فولاذية تطبق على حنجرته المرة تلو الأخرى ، 

فتذيقه عذابًا لاذعًا


لكن شيه وون لم يلحظ الألم أصلًا


وقف وحيداً ، غرق في ذهولٍ غير مسبوق ، فراغ تام أذهله


لأنه أدرك ما هي هذه الدورة غير الطبيعية بين الموت والحياة —


أشبه بشدٍّ وجذب


في كل مرة توشك فيها ' روحه أن تنطفئ ' ، يبرز شيء ما 

' لحمايته ، ليطيل بقاءه ، ليُبقي وجوده قائماً في هذا العالم '  ——


{ وربما لم تكن هذه الحماية مقصورة على هذه اللحظة بعينها ، 

أو يوم أو يومين…

ربما … هذه الحماية هي التي أبقتني هنا لأكثر من ألف عام }


وفي اللحظة التي اكتشف فيها هذه الحقيقة 


حتى كاد بجنون أن يتمسك بشظية الروح المخبأة في 

جسده محاولاً التعمق فيها وفهم مايحدث


كان قصده في الأصل فقط اختبار ما إذا كان بالإمكان إقامة 

صلة بين شظيّة الروح والمصفوفة العظمى للختم


لكن —- ، وما إن غاص في هذه الشظية ، حتى استقبله 

عويل لا يُحصى من الأشباح ، ومشهد مألوف غريب في نفس الوقت


إنه اليوم الذي خُتم فيه ——


وكما في الماضي ، ساد الخراب ثمانمئة لي بينما الوحوش 

والشياطين تعجّ من حوله


لكن هذه المرة لم يكن المشهد من ذاكرته هو — بل من ذاكرة وين شي…


لقد لمح بالصدفة ذكريات وين شي داخل الشظية ، وهكذا 

علم بأمر لم يكن يعرفه من قبل—


رأى نفسه وهو يطلق وهماً مخادعاً ليضلل وين شي ، 

ويدفعه لشق طريق نحو الخروج من المصفوفة


كان وين شي يترنح مترنحاً ، يتهاوى لكنه واصل السير نحو المخرج


وسمع نفسه يقول له : لا تلتفت…

وين شي، لا تلتفت… أنا سأراقبك وأنت ترحل


وفي اللحظة نفسها ، انصهرت الروابط الدنيوية كلها لتشكل 

دوامة عاتية اجتاحت المكان ، ثم هبطت معه ببطء نحو التراب


كان يظن أن الأمر انتهى عند هذا الحد …


لكن لم يعرف إلا اليوم ، وفي هذه اللحظة تحديدًا …..

و بينما كان يغوص في مثواه الأخير ، ساحباً كل الضباب 

الأسود معه— حواسه منطفئة ووعيه الروحي مبعثر —


أن وين شي الذي رآه قبل وتأكد أنه غادر المصفوفة 


وين شي الذي لم يستطع التخلّي عنه حتى وهو على وشك 

الرحيل … 


و وسط العواصف العاتية التي أثارها الضباب الأسود ، 


ذلك الـ وين شي الذي يُمسك غصن البرقوق الأبيض 

الوهمي غرق في هاوية الجنون


ثم رآى وين شي وهو ينهض — مليء بالدماء ، عيناه حمراء بالكامل — يرمي بدُمية نقيّة ، طاهرة 


خرجت الدمية من المصفوفة بدلاً عنه —— ، 

ليشتت الانتباه بعيداً عنه ، 

وبعدها وجّه وين شي أصابعه نحو جسده


الخيوط الملتفة حول يديه انطلقت ، كل خيط منها تسمّر في جسده


رآه وهو يغرس الخيط تلو الآخر في لحمه ، رأسه للأسفل ، 

في غاية الهدوء وفي غاية الجنون


مثل خطاطيف ، و تشبثت كل الخيوط بروحه مباشرةً


وبعد ثانية واحدة : انفجار هائل من القوة


من المعروف أن الإنسان حين يواجه مرضًا خطيرًا أو كارثة 

أو يصل إلى نهاية عمره ، فإن روحه تضطرب ، 

وتتغلّب عليه أعمق مظالمه وتعلّقاته ، فتتشكل قفص


وإذا صادف وجود مخلوقات أخرى بالجوار ، فمن السهل أن تجرفهم هذه القوة أيضًا


وعلى مدى حياة شيه وون دخل عدداً لا يُحصى من الأقفاص ، 

وفكّك عدداً لا يُحصى منها


و ودّع نفوساً كثيرة ، ورأى الكثير من الأرواح


لكنها المرة الأولى التي يرى فيها شخصاً يمزّق روحه بيده ، 

مكوّناً على الفور قفصاً جذب معه شيه وون ومصفوفة الختم العظمى


كانت هناك شائعة : أن الأقفاص التي تصنعها المظالم 

الثقيلة يمكن أن تبقى في العالم لعقد كامل ، أو حتى لقرن من الزمان


فإن كان الثقل أعظم ، فهل يمكن أن يبقى القفص لوقت أطول أيضاً ؟


حين حطم وين شي روحه ، تطايرت بعض الشظايا بعيداً


وانسابت تلك الشظايا إلى العالم، مع خيوطٍ من السواد تسللت للخارج…


ومنذ ذلك الحين، ظلت تائهة هائمة لأكثر من ألف عام —-


ألف عام…


إن مجرد نقل الروح بين الأجساد كان عذاباً لا يُحتمل ...

فكيف يكون الشعور إذا ما اقتُلعت الروح من جسدها ؟


ذلك شعور لم يجرؤ شيه وون حتى على تخيله…


فـ شيه وون لم يكن يحتمل أن يرى وين شي يقطر دمًا واحدًا


لم يكن يحتمل أن يرى منه قطرة دم واحدة ، ومع ذلك آل الأمر إلى هذا ….. حطم روحه من أجله 


وللحظة ، بدا وكأنه سمع ضحكة تنبعث من الشخص 

الوهمي الذي صاغته شياطين القلب —— و بصوتٍ مبحوح 

ثقيل قال : “ أرأيت ؟ أنا أيضًا خدعتك مرة "


أمال شيه وون رأسه للخلف …. وبعد وقتٍ طويل أخيرًا فتح عينيه

وحين خرج شيه وون من الذكريات ، 

كان وين شي قد اخترق الوهم الذي نسجه شيه وون أيضاً ، 


أمسك وين شي بقوة على خيوط الدمى الملطخة بالدم ، 

يتعثر مترنحًا نحو شيه وون


لكن وين شي يرى  من منظور شيه وون ، 

لا يستطيع أن يرى شيه وون نفسه


وهكذا تجوّلت نظراته بلا هدف ، كأن بصره ضاع ، 

حائر وغير متأكد أين يركز


تحرك حلق شيه وون فجأة ثم مد يده وأمسك به


ارتبك وين شي قليلًا ، ثم أمسك هو أيضًا بشيه وون


كانت قبضة وين شي قوية للغاية ، كأنه يريد أن ينحت شيه 

وون في لحمه وعظامه —- وما إن وجده ، حتى سقط على 

ركبتيه ، كأنه فقد كل قوته


انحنى رأس وين شي للأمام ، صوته مبحوح ضعيف بالكاد 

يُسمع ، تتحرك شفتاه فقط ——


جثا شيه وون معه ، وأمال رأسه قليلًا ليقترب أكثر ليسمع ما يقوله وين شي 


سمعه يقول ، بصوتٍ منخفض مبحوح ، متصلب العزيمة : “ تذكرت الآن… تذكرت بالفعل …. 

لا يمكنك أن ترحل بعد الآن ”


انفطر قلب شيه وون من أجله بشدة


وين شي: “ لا يمكنك المغادرة بعد الآن .”


رمش شيه وون وأجاب بصوت مبحوح : “ مم، لا أستطيع المغادرة بعد الآن .”


منذ ألف عام مضت — ، 

ومن لحظة لم يكن يعرف عنها أصلاً —- ، 

كانا قد تشابكا بالفعل —- ،  

ما دام أحدهما لم يمت بعد —- ، 

فلن ينال الآخر راحة ؛ لم يعد بإمكانه أن يرحل أبدًا —- ، 



رفع شيه وون ذقن وين شي قليلًا ليجبره على رفع رأسه ، 

وقال بهدوء : “ إحدى شظايا روحك ما زالت عندي ... سأعيدها إليك .”

و أثناء كلامه ، أطلق خيوط الدمى الملفوفة حول وين شي


فتساقطت الخيوط الطويلة الرفيعة ، المتلطخة بالدم ، على الأرض 


و الأبيض متشابك مع الأحمر


يتطلب نقل الروح تغذية بالدم


لم تختفِي علامات الذبول بعد بالكامل من جسد شيه وون


وبما أنه كان نصف متحجر ،

فقد بدت أصابعه عظامًا باهتة شاحبة ، بلا دم يخرج منها


تفقد عدة أماكن من جسده ، لكنه حقًا لم يجد مكانًا 

يستطيع أن يخرج منه قطرة دم نقية


ضحك ضحكة مريرة أشبه بتنهيدة ، ثم لامس أصبعه 

العظمي شفتي وين شي الشاحبة الباردة برفق


وبعينين منكسرتين ، ظل يحدّق فيه بصمت طويلًا ، 

ثم عضّ على طرف لسانه —- وأمال رأسه قليلًا وهو ينحني نحوه


تمامًا كما في اليوم الذي نُصبت فيه المصفوفة العظمى …


مركز المصفوفة مليئ بالأوهام وأراضي قاحلة قاتمة

على مدى ثمانمئة لي


وانسابت جداول الدم في الأرض المملوءة بالخشب الميت


ركع شيه وون وسط كل ذلك ، وقبّل ' عالم البشر' ——






يتبع

في الفصل السابق قلنا عالم البشر هو الروابط والمشاعر ، 

يعني شيه وون استسلم لرغباته وقبّل وين شي 🩵


他跪坐其间,吻了红尘。

وهي أشهر جملة في الرواية 


  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • عادي
  • متطور
  • ترتيب حسب الاحدث
    عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي