Ch84 بانغوان
وين شي { تشين بوداو فقد والدته وهو صغير —- سيّد القفص في قرية ليو كان تجسيدها في حياة جديدة —-
وهذا يعني… }
: " هل تشانغ وان أيضًا…؟" ضغط وين شي على قطعة
القماش بين أصابعه، مذهولًا
ورغم أنّ الكتابة على سطحها بالكاد يمكن تمييزها،
إلّا أنّ فيها جمالًا أنيقًا جريئًا
بدت له غير مألوفة ، لكنها اكتسبت خصوصية بسبب
الارتباطات التي حملتها
سأل بو نينغ بارتباك : " أيضًا ماذا ؟"، حائرًا من تعليق وين شي الذي بدا بلا معنى
حتى شيا تشياو والأشقاء تشانغ كانوا ينظرون إليهما بارتباك،
بانتظار أن يوضّح وين شي أكثر
لكن حين رأى حيرتهم ، أدرك فجأة أن تشين بوداو كان قد
أخبره في الماضي بأمور كثيرة فعلًا— أكثر مما كان يظن
أمور تعود إلى أيام غابرة لا يعرفها أحد غيره ، ولم تُذكر حتى
في الشائعات …
{ لقد نسيتها فقط ، هذا كل ما في الأمر }
قال وين شي لـ بو نينغ: " لا شيء ." إذ لم يكن له أن يقرّر ما
إذا كان ينبغي إخبارهم، فهذا أمر يخص شيه وون وحده
: " آووه " كان حسّ بو نينغ باللياقة عاليًا للغاية ،،
ومع وجود شخصين غريبين هنا ، فقد أسقط الموضوع فورًا
وأخفض نظره، مطويًا يديه في كمّيه
لكن بالحديث عن قرية ليو…
كان وين شي الوحيد الذي اصطحبه شيفو إلى هناك في تلك المرّة
والسبب الوحيد الذي جعل بو نينغ يتذكّر ذلك المكان هو
أنّ وين شي، فور عودته، توجّه مباشرة إلى كهف التأمّل في
كهف الجبل ليبحث عنه
كان قصده أن يستوضح تفاصيل أدقّ عن الكارثة التي تنبأ بها
بو نينغ ، إذ إنّ وصفه الأول لها كان واسعًا وغامضًا للغاية
استغرب بو نينغ حينها، فسأله : " هل حدث أمر ما، بلاء ؟"
فأخبره وين شي بما جرى في قرية ليو
وين شي: " لقد كان انهيارًا أرضيًا كذلك ،
وقرية أصابتها كارثة أيضاً ،، هل لهذا علاقة بالمصفوفات التي أقمناها هنا؟"
: " على الأرجح لا. ما فعلناه يُشبه أن يحمل المرء مظلّة
ورقية في يوم يعرف أنّ المطر آتٍ فيه .
لم نبلغ حدّ معاندة السماء وتغيير المصير—كنت على دراية بحدودي…"
ورغم ذلك، لم يشعر بالاطمئنان التام ، فأجرى عدّة عرافات أخرى في الحال
لكن، مهما عدّل في العرافة ، لم يكن للكارثة في قرية ليو أي
ارتباط بالتدابير الوقائية التي أقاموها في جبل سونغيون
كما اكتشف أمرًا آخر —- : التضاريس العامة وتوزيع القرى
في المنطقة التي كانت فيها قرية ليو يُشبهان بدرجة لافتة
تلك المحيطة بجبل سونغيون
وغالبًا يقع الالتباس بين المنطقتين في العرافات ،
كما حدث في محاولاته تلك ، حيث كان يُخلط بينهما مرارًا
ثمّ استنتج إلى أنّ المشكلة لم تكن في المصفوفات—بل في
الموقع الذي رآه في البداية
فالمكان الذي كان مقدّرًا أن ' تضربه بلاء خلال ستة أيام '
لم يكن جبل سونغيون ، بل قرية ليو ——-
وفي النهاية ، عُدّ الأمر خطأً في الحساب ، لكن لا يمكن
اعتباره إنذارًا زائفًا
فمئة عائلة أو أكثر قد هلكت فعلًا بسبب كارثة طبيعية في
مكان آخر من العالم
ومنذ ذلك الحين ازدادت هواجس بو نينغ في داخله قليلًا أكثر
حتى حين كان يتنبّأ بوقوع أحداث معيّنة ، لم يعد يجرؤ على
إشراك الآخرين بسهولة ؛
بل غالبًا يكتفي بترتيب بعض الإجراءات الوقائية أو إعداد خطط بديلة بمفرده ،
فهو لم يكن يستطيع أن يضمن ألّا تقع أخطاء أخرى ،
ولا أن يضمن ألّا يتجاوز الحدود عن غير قصد ،
تغيير المصير وفق أهواء المرء كان من أفظع المحرّمات،
وعواقبه تفوق كل تصوّر
أن يتحمّل هو عقاب السماء أمر ، لكن إن ورّط أبرياء في
ذلك ، فسيكون قد جلب على نفسه خطيئة لا تُغتفر ولو مات عنها مئة مرّة
وبعد أن بلغ سنّ الرشد وغادر الجبل ، بدأ يجوب الأراضي المحيطة
وفي أحد الأعوام ، حين بلغ منطقة ما، تذكّر أنّ قرية ليو التي
تحدّث عنها وين شي كانت قريبة —- فسلك طريق الغابة
الجبلية واتّجه إليهم
لكن بحلول ذلك الوقت ، كانت قرية ليو قد ابتلعها التراب ،
وغدت مليئة بالقبور المهجورة
وبسبب الكارثة الطبيعية ، اعتقد الناس أنّ المنطقة
مشؤومة ، فهجروها كلّهم ، ولم يبق سوى بقايا الجبل وعدد
لا يُحصى من التلال الجنائزية
لم يعُد أحد يذكر المكان باسم قرية ليو
فإذا ذُكر، سُمّي "قرية الأشباح"، ثم حُوّر إلى "قرية غوي"
لتجنّب الاسم المشؤوم
وبمرور الوقت ، تلاشى حتى ذلك
…
جاء صوت شيه وون : " من أين حصلتما على هذه الأشياء ؟"
استفاق بو نينغ من سرحانه فجأة ليجد أنّ شيه وون
ووين شي كلاهما يحدّقان بالأشقاء تشانغ
تشانغ لان { تشانغ وان ….. } — لم يكن اسمًا يتوقّعه
الشقيقان أبدًا سماعه ؛
علاوةً على أنّ لتشانغ وان صلة عميقة بعائلة تشانغ ،
كانت غارقة في التفكير بهذا الاكتشاف الجديد —
و تمرّ في ذهنها الشائعات والأحاديث الكثيرة —
إلى أن نكزها شياو هاي بمرفقه
عندها فقط أدركت أنّ شيه وون كان يخاطبها هي وتشانغ يالين
نظرت إلى تشانغ يالين، لكن شقيقها الصغير بدا أبطأ منها تفكيرًا ، غارقًا في شروده ،
فلم تجد مهرب من أن تجيب على عجل: " عند سفح الجبل "
نظر إليها الثلاثة من الأسلاف بصمت وكتب على وجوههم بوضوح ' حقًّا ؟ '
"…" السيّدة العظيمة قد تجاوزت بالفعل الدوار المفاجئ
الذي أصابها قبل قليل، ولم تعد ساقاها تشعران بأنّها على
وشك الانهيار ،، ففكّرت لحظة ،
ثم أشارت إلى الباب قائلة : " أتريدون أن تروا المكان؟ يمكنني أن أقودكم ."
أجاب شيه وون : " حسنًا "
فوراً استدار بو نينغ ووين شي معًا ليحدّقا به
بو نينغ أظهر شيئًا من الاحترام، ولم يبدُ على وجهه الكثير
لكن لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لوين شي
كان جبينه معقودًا بإحكام ، واقفًا بجانب السرير يتفحّص
شيه وون من رأسه إلى أصابعه، ثم سأله بقلق وشكّ :
" هل تستطيع أن تقف ؟"
كان سؤاله مباشرًا أكثر من اللازم ، فتراجع بو نينغ خطوة
بصمت ، تاركًا للشيدي أن يتصرّف كما يشاء
وبالطبع لم يكن وين شي ليتراجع — لقد بدأ فعلًا يفكّر جديًّا
{ هل من الأسهل أن أحمله على ظهري ، أم بين ذراعيي ؟ }
وما إن خطرت الفكرة بباله ، حتى بدأ ينحني للأمام
لكن، وقبل أن يمدّ ذراعيه ، شعر بشخص ما ينقر جبهته بخفّة بإصبعين
: " تنحني على هذا النحو بلا سبب " جاء صوت شيه وون خافتًا في أذنيه ،
ومعه مرّت نسمة هواء لامست ردائه الخارجي و وجنته
اعتدل وين شي واقفًا ، ضيق عينيه قليلًا ، ليكتشف أنّ
الشخص الذي كان على السرير صار الآن عند الباب
كان الرداء الأحمر الفضفاض ملفوفًا على جسده
و أحد جانبي عنقه المكشوف لا يزال ذابلًا ، ومن منظر
أطراف أصابعه التي بدت من وراء الكمّ ، يمكن الاستنتاج أن
باقي جسده الأقرب إلى قلبه لم يكن أفضل حالًا
أخفى اليد الذابلة وراء ظهره ودفع الباب مفتوحًا
وقفت تشانغ لان مذهولة للحظة ، ثم أمسكت بتشانغ يالين
على عجل وغادرت الغرفة مسرعة ، يرافقهم الدمى ، لتقود الطريق نزولًا من الجبل
تردّد شيا تشياو قليلًا ثم لحق بهم مع بو نينغ
: " شيفو .. أنت…" حتى وهو يقترب من العتبة، لم يكن بو نينغ مطمئنًا بالكامل
أجاب شيه وون : " الأمر ليس سيئًا إلى هذا الحد "
: " آوه "
بحلول ذلك الوقت ، وين شي قد لحق بهم أيضًا
لا تزال قطعة القماش تتدلّى من بين أصابع شيه وون ،
فرفع يده قليلًا بحيث حجبت القماشة جزءًا من نظر وين شي. وقال : " لا تحدّق بي هكذا ،،
آخر مرّة طلبت منك أن
تحملني على ظهرك ، أظهرت نفورًا كبيرًا ، بل قلتَ لي أن أزحف—"
( ch18 — لما كان مانيكان جسم علوي فقط 😭 )
تعثّر بو نينغ الذي كان يمشي أمامهم عند عتبة الباب ،
واصطدم بيده على الإطار محدثًا صوتًا مكتومًا ليستند عليه
بنظرة معقّدة على وجهه ، التفت لينظر إليهما
و خلفه ، أومأ شيا تشياو بخفاء ، مشيرًا إلى أنّ شيه وون يقول الحقيقة ؛ قصّة طويلة ؛
و من الأفضل ألّا يُسأل عنها
كان الأشقاء تشانغ قد بدؤوا أصلًا بالنزول في الطريق الجبلي
وقد أربكهم الضجيج المفاجئ، فالتفتوا للخلف بارتباك.
لكن بو نينغ كان قد استعاد وقاره بالفعل ، ومشى نحوهم
بهيئة رصينة وقال: "كل شيء على ما يرام. نشكركم على إرشاد الطريق ."
سحب وين شي نظره عن ظهر شيشونغ بلا تعبير ،
و ألقى نظرة على شيه وون وقال: " إذاً سرْ أمامي ، وسأتولّى الحراسة ."
كان صوته بارد ، لكن عنقه كان محمّرًا
ولعلّه كان مستاءً بحق ؛ فيداه تتدلى إلى جانبيه ، وهو
يطقطق مفاصله على نحو متكرّر
⸻
القرية عند سفح جبل سونغيون كانت جرداء بلا ساكن، قاحلة
لا ضوء للقمر هنا
السماء غطّتها الغيوم الداكنة ، والرعد يزمجر في الخلفية بلا انقطاع
الرياح العاصفة تعصف بالأرض بلا توقف
حين وصلوا أوّل مرّة إلى هذا المكان ، لم يولوا المنظر اهتمامًا كبيرًا
لكن الآن، استعاد وين شي وبو نينغ معًا ذكرى تلك الليالي قبل سنوات طويلة
فهذا بالضبط ما بدا عليه سفح الجبل وقتها ، حين تنبّأ بو نينغ بوقوع كارثة
الرياح والسحب تضطرب ، والرعد يتمازج مع البرق
وبحلول منتصف الليل، كانت كل بيوت القرية قد أغلقت
أبوابها ونوافذها بإحكام—لم يبدُ فيها وميض ضوء واحد
للوهلة الأولى، كأن لا أحد يسكن هناك أصلًا…
قالت تشانغ لان وهي تدفع الرياح بجسدها وتتقدّم إلى
مكان غير بعيد : " هنا ، هذا هو المكان ."
لا تزال البوّابة المظلمة التي عبروا منها تدور بجانبها مثل دوّامة
جثا شياو هاي بجانب ' الدوّامة ' وقلّب التراب قليلًا ، وقال:
" لقد وُجدت تلك الأشياء هنا بالضبط .
لا يزال يوجد شيء تحت هذا ، لكنّه مدفون بعمق شديد ،
إن اقتربتَ تشعر به، لكن على الأرجح لا يمكن الحفر لإخراجه ."
أومأت تشانغ لان وأشارت إلى شقيقها الصغير وأضافت: " لقد استدعى دماه الستّة ،
ومع ذلك لم يستطع إخراج آخر شيء .
إنه عالق بإحكام ."
مسح تشانغ يالين يده على وجهه ،،، لم يعرف هل يشكرها
على كلامها أم يطلب منها الصمت
وبقي عاجزًا عن الكلام لحظة طويلة ثم تذمّر أخيرًا:
" مُنشئة المصفوفة هي تشانغ وان في النهاية ."
تلك المرأة التي كادت تصبح رئيسة العائلة
ومهما يكن، لم تكن مهارتها لتكون أدنى من مهاراتهم بوضوح
بو نينغ: " دعوني أجرب ." وتقدّم نحو البوابة ،
ثم جثا على ركبة واحدة بجانبها، منحنياً يصغي إلى
الأصوات القادمة من تحت الأرض
كان ذلك لحن المصفوفة
الذين بلغوا درجة معيّنة من الإتقان في المصفوفات
يمكنهم تمييز البنية الكاملة للتشكيل بمجرد الإصغاء إلى اللحن
وهذا يجعل اختراقها أسهل بكثير ، إذ يمكن استهداف
القطع المفصلية مباشرة
أصغى بو نينغ إلى الأصوات فترة طويلة ، ثم قال:
" ليس غريبًا …"
وين شي: " ليس غريبًا ماذا ؟"
أجاب بو نينغ وهو يسند يده إلى الأرض لينهض :
" ليس غريبًا أن الدمى لم تستطع انتزاعه ،،
المصفوفة بحدّ ذاتها ليست صعبة الحلّ ، لكن الشيء
الموجود تحتها صعب الاستخراج .
في الواقع، ليس لذلك علاقة بهذه المصفوفة أصلًا ،
إنما هو رسالة تركها المنشئ ."
وين شي: " أي نوع من الرسائل ؟"
أشار بو نينغ إلى نفسه: " مشابهة لما فعلتُ أنا :
جزء من روحي قد استُخرج ."
فهو اضطر أن يقسم روحه إلى نصفين ليدعم مصفوفة
ختم الجبل بأسره
لكن عادةً ، لا يحتاج المرء سوى إلى اقتطاع جزء صغير من
روحه عند ترك رسالة ، وهذه الرسالة لا تُفتح إلا على يد المُتلقّي المحدّد
تراجع تشانغ يالين وتشانغ لان بضع خطوات بوضوح وقد فهموا هم أيضًا
و قالت تشانغ لان: " إن كانت رسالة فعلًا فهذا مزعج بعض الشيء .
كيف لنا أن نعرف لمن وُجّهت ؟ ألن نكون فقط…"
وقبل أن تقول ' نتلمّس في الظلام ' رأت شيه وون يكسر
ثلاث أغصان يابسة من شجرة قريبة
ربّت بخفة على كتف وين شي، ثم سحب وين شي وراءه
وبعد أن رفع طرف كمّه ، غرس الأغصان اليابسة الثلاثة في
الأرض واحدًا تلو الآخر في الموضع الذي كان يقف فيه وين شي
ثم ضغط بقوة على الأرض بأصابعه النحيلة الذابلة —
وفورًا تغيّر مشهد الرياح والغيوم على نحو هائل
تشعّبت مئات بل آلاف التشققات من الأرض تحت كفّه
وكأن زهرة لوتس عملاقة قد تفتحت في لحظة واحدة،
غائصة في الأعماق بين كل بتلة وأخرى شقوق شديدة العمق
اندفعت أمواج هائلة من الضباب الأسود من الشقوق
وصعدت مباشرةً نحو السماء
ظهر صوت ارتعاش خافت لشيء — أشياء — تتسلّق ، كآلاف
الحشرات التي تزحف من جحورها
تلاطم الضباب الأسود وتماوج معًا
وعلى قطع الأرض المختلفة ، كان الجميع يتجنّبون الشقوق
بينما يبحثون بحذر عن مصدر تلك الأصوات الزاحفة
وبعد لحظات قصيرة، وجدوه أخيرًا
هويغو لاحصر لهم —- يزحفون ويتسلّقون من أعماق الأرض ،
بأطراف عنكبوتية تمتدّ، وأعناق تلتوي
وفي غضون ثانية واحدة ، غمروا كامل الأرض المتشققة
" اللعنة !"
سمعت تشانغ لان بوضوح شقيقها الصغير يلعن بصوت عالٍ
قبضت على تعاويذها بينما هو شدّ خيوط دماه ،
فتحوّلا معًا لمواجهة جموع الوحوش التي خرجت من ذلك الفراغ النجس
قال وين شي بصوت منخفض وملامح مشدودة :
" ألم يكن من المفترض أن تكون رسالة ؟"
ومع شدّه الخيط الطويل الملتف حول أصابعه ، استدار
وألصق ظهره بظهر شيه وون بحزم
أجاب شيه وون : " لا تقلق . هي كذلك ." وكان صوته ينتقل
إلى وين شي عبر ظهريهما المتلاصقين ، يهدر عميقًا في صدر وين شي
نظر وين شي جانبًا باندهاش ، فرأى هيئة امرأة ضبابية
مثل أرواح المصفوفات الخاصة ببو نينغ —- ، قدماها نصف
شفافتين رغم أنها واقفة على الأرض
ورغم أن وين شي لم يرها من قبل ، إلا أنه أدرك من النظرة الأولى…
أن هذه هي تشانغ وان
البشر يدخلون دورة التناسخ بأرواحهم ، مما يعني أنهم
يتخذون هيئة مختلفة في كل حياة
يستحيل على الناس العاديين أن يكشفوا الروابط التي تصل بين الحيوات الماضية ؛
لا يقدر على ذلك إلا الكائنات الروحية ذات الحاسّة الشمّية الفائقة ،
لكن بين حين وآخر ، قد يحدث أن يشعر المرء بشيء يشبه
معرفة قديمة لشخص ما
ومنذ حياة سيّدة القفص في قرية ليو ، كانت قد مرّت دورات تناسخ لا تحصى ،
لذا اختلفت ملامح تشانغ وان تمامًا عن تلك — ولا يُعرف
كم اختلفت أيضًا عن والدة تشين بوداو ،
ومع ذلك ، كان في عينيها لمحة معقّدة حين نظرت إليهم ،
وكأنها بالفعل تتذكّر كلتا الحياتين الماضية
قالت لشيه وون: " أخيرًا… أراك "
ووفقًا لرسالة تشانغ بيلينغ ، أنجبت تشانغ وان ابنها في العام
التالي لوصولها إلى تيانجين
وعندما بلغ الابن سنّ الرشد ، دخلت عن غير قصد منطقة
ميتة في أحد الأقفاص ولم تخرج منها ثانيةً
ومع ذلك ، ها هي تقول لشيه وون ' أخيرًا أراك…'
وكأنها كانت تعرف جيدًا أن من ربّته لثمانية عشر عامًا لم
يكن سوى وعاء فارغ يتجوّل في العالم
الضباب الأسود يلتف حولهم مثل حاجز
بدا أنّ لا أحد غير شيه وون ووين شي القريب منه استطاع
أن يراها عبر تلك الغشاوة الكثيفة
سكت شيه وون لحظة طويلة ، ثم قال: " أتتذكرينني ؟"
ولم يقل ' تتعرّفين ' بل قال ' تتذكرين '
ابتسمت تشانغ وان : " لم يكن ينبغي لي أن أستطيع تذكرك
في الأصل ، لكن بسبب بعض… مصادفات قد تُرى حسنة أو سيئة ،
انتهى بي الأمر إلى أن أتذكّر ."
تذكّرت أنه منذ زمن بعيد ، كانت عائلة تحمل لقب ' شيه '
تقيم في تشيانتانغ
عائلة غنية ذات نفوذ ، تعاقبت على خدمة المناصب الرسمية لأجيال
ويوجد نهر يجري متعرّج أمام الإقامة ؛
والمجمّع نفسه واسع عميق
يزيّن الفناء أشجار فاتنة ونباتات بديعة ،
مع برك ممتلئة بأسماك الكوي ، وممرات من خشب
الماهوغني مكشوفة تحيط بحدائق صخرية مؤلفة من
حجارة ' طول العمر ' كان مكانًا عامرًا بالازدهار والأناقة
تذكّرت كم كان السيّد الشاب الصغير من عائلة شيه مشرقًا واعدًا ، صريحًا أمينًا
كل من رآه لم يقدر أن يُبعد بصره عنه ،
وكانوا يمتدحونه بلا تحفظ : شريف الخُلق ، عظيم الروح
وإن كان قد بلغ تلك المكانة الفارقة وهو فتى ، فكان حتماً
سيغدو يومًا شخصية مرموقة يجلب المجد لعائلته ويحيا
حياة هانئة بلا منغصات
ذلك الصغير كان ابنها
يحمل لقب شيه عن أبيه ، واسمًا معطى بحرف واحد: وون
' وون ' بمعنى المنحة — هدية من السماء
كانت تظن أن تلك الهدية ستلازمها لعقود ، حتى تشيخ ،
حتى تفارق الحياة
حتى جاء عرّاف أعمى يتجوّل في الشوارع وقال فجأة :
كل شيء في هذا السيّد الشاب رائع ، باستثناء قدره ،،
وُلد تحت نجم الشؤم والوحدة ، وستُقطع كل روابطه
العائلية في النهاية .
لم يتردّد الأعمى في قول هذه الكلمات المشؤومة أمام الفتى مباشرةً
لكنّها لم تُؤثر في الفتى مطلقًا
بل ابتسم ورد ضحكة لإنهاء الموضوع ، وقدّم للرجل الأعمى
بعض النقود الفضية بأدب
ورغم أن ذلك الأعمى اختفى لاحقًا بلا أثر ، إلا أن عائلة شيه
بدأوا فعلًا بالانهيار تدريجيًا
وكانت هي أوّل من رحل
داهمها مرض خطير عسير العلاج أصاب أعضائها الحيوية
وفي السنة التي ماتت فيها ، كان شيه وون لا يزال فتى صغير
لحسن الحظ ، كان هناك خادم مسنّ رافقه منذ طفولته
يمكنه أن يعتني به قليلًا ،، لكن همومها لم تهدأ ،
وكانت مليئة بالحنين والرفض للرحيل ،
وخلال ذلك الوقت ، كانت تتجوّل دائمًا في قصر عائلة شيه،
داخله وخارجه
ومع مرور الأيام ، بدأت تدريجيًا تنسى أنها ماتت أصلًا
بدا وكأن كل شيء كما كان ، والفارق الوحيد أنّ أفراد العائلة
الآخرين لم يولوا وجودها اهتمامًا كبيرًا
كانت تراقب عاجزة انهيار عائلة شيه يومًا بعد يوم أمام عينيها
وفي النهاية ، وبموجب مرسوم مكتوب ، حُكم على أكثر من
مئة نفس في المنزل —صغارًا وكبارًا—بالإعدام
لكن شيه وون ، بفضل منعطف مفاجئ ، أفلت بأعجوبة ،
وهكذا تحققت نبوءة الأعمى بالفعل
بعدها سقط ذلك السيّد الشاب الواعد في مرض شديد
وظلّ عالقًا بين الحياة والموت ، لم يستفق وقتًا طويلًا
وفي يوم من الأيام ، بينما تحوم بجانب سريره ،
انسحبت صدفة إلى مكان آخر —-
دخلت إلى عالم فيه —- عائلة شيه لا يزالون بثرائهم و ذا نفوذ ،
مفعمين بالناس و السمك يمرح في البرك ،
والمطر ينقر على أشجار الأسكدنيا في الباحة
ورأت شيه وون — الذي طال سباته ، جالسًا بخفة في الممر
المكشوف ، برداء خارجي مرخى عليه
و يتبادل الحديث مع الخادم العجوز بجانبه مبتسم ، وهو
ينثر طعام السمك بأصابعه في البركة
في ذلك الوقت ، لم تكن تفهم
لكن لو كان ذلك في يومنا ، لأدركت فورًا
أن ذلك كان قفصًا
وسيّده يُدعى شيه وون ——
وما لم يعرفه أي من الأجيال التالية : أنّ أول قفص فَكّه شيفو البانغوان المؤسس الموقّر…
كان قفصه هو نفسه ——
يتبع
الفصل من ترجمة : Jiyan
تدقيق : Erenyibo
تعليقات: (0) إضافة تعليق