Ch85 بانغوان
كان يُقال —- حين يواجه الإنسانُ الفاني فجأة مرضاً شديداً،
أو كارثة ، أو موتاً ، فإنّ روحه تُصبح غير مستقرة ويثقلها القلق ،،
ذلك الحزن الموجع الذي يجتاحه بغتةً يتخلله التعلّق ،
وقد يحدث أن يقيد الفاني نفسه ويحبسها داخل تلك
التعلقات ؛ وذلك هو القفص
وكان يُقال إنّ الناس في الأقفاص جميعهم يحلمون بأشياء لا
يستطيعون التخلّي عنها
وأحياناً ، يكون إيقاظ المرء قسراً من ذلك الحلم أمراً بالغ
الصعوبة ، مؤلماً إلى حد لا يوصف ؛ ولهذا كان هذا الخط من العمل شاقاً
وقيل إنّ أكثر اللحظات رعباً وعذاباً وأسًى في هذا العالم هي
تلك اللحظة التي يُدرك فيها سيّد القفص حقيقة حلمه
…
كل ذلك انحصر في بضعة فصول قصيرة لم تشغل
صفحات كثيرة في الكتب
بدت وكأنّها أبسط المبادئ ، وكان كل سليلٍ من سلالة
البانغوان يحفظها عن ظهر قلب
الذين يتعلّمون تلك المبادئ كثيراً ما يعدّونها من
المسلّمات البديهية التي لا تُستغرب
ولم يخطر لهم قط أنّ شخصاً ما كان قد خطّ تلك المبادئ
في البداية ، كلمةً فكلمة ، وجملةً فجملة
في تلك الحياة ، تشانغ وان نظرت عاجزةً لـ شاب العائلة
النبيل الرقيق عالي الروح يصبح قفصاً
يوماً بعد يوم ، وقف وسط ضجيج حيوية مقرّ عائلة شيه ،
يراقب الناس مقبلين ويذهبون لأعمالهم — غارقاً في حلم طويل جميل
ثم تابعت عاجزةً وهي تراه ' يُوقظ ' نفسه من ذلك الحلم
ويمزّقه بيديه إلى أشلاء مبعثرة
اللحظة التي انحلّ فيها القفص …
كل ما كان مزدهراً ومشرِقاً انحسر عن جانب شيه وون كما ينحسر المدّ
طلاء الممرات الخارجية الأحمر البراق خبا لونه ،
من زاهٍ إلى باهت ثم إلى عَكِرٍ موحِل
وفي النهاية انهارت عوارض خشبية مكسورة على الأرض مع
أنين متقطّع ، مثيرةً غيوماً كثيفة من الغبار
الأشخاص الذين كانوا يأتون ويذهبون انسحبوا بعيداً مبتسمين
كالدخان والضباب ، تلاشى أثرهم في الرياح وعادوا إلى السكون
واقفاً هناك وسط الصمت ، بدأ شيه وون يتفحّص محيطه بهدوء…
ومنذ ذلك الحين ، غدا وحيداً في هذا العالم
كان مشهداً مفجعاً حقاً ، وكانت تشانغ وان تظن أنّها ستذكره إلى الأبد
لكن في الحقيقة ، هي أيضاً مضت في طريقها وتلاشت في الرياح في اللحظة نفسها التي انحلّ فيها القفص،
جنباً إلى جنب مع أصوات الكلام والضحكات
وبحلول الوقت الذي أنهت فيه رحلتها عبر دورة التناسخ
وعادت إلى عالم الأحياء ،
مواسم لا تُحصى قد انقضت ، وبعد المرور بالموت ،
لا أحد يتذكّر أحداث حياته السابقة
لقد خاضت حيواتٍ كثيرة
بعضها حسن، وبعضها رديء
بعضها مفعم بالفرح والطمأنينة ، بالثروة وطول العمر ،
وبعضها قاتم كالحزن ، مكدود بألوان العذاب
وقد التقت أناساً لا يُحصَون
بعضهم لم يَرُق لها ، وبعضهم بدا مألوفاً منذ النظرة الأولى
لم تكن تدرك الروابط المقررة سلفاً التي قيّدتها بهم ،
ولذلك شأنُها شأن غالبية الناس في هذا العالم ، عزت الأمر إلى القدر
منذ زمن بعيد نسيت حياتها السابقة ، والحياة التي قبلها —
بل حتى ذاتها الأبعد عهداً : ما كان اسمها ، وأين كان
مسكنها ، وأي حياة عاشتها
و لم تتذكر أنّها ذات يوم مكثت في هذا العالم فترة طويلة
تراقب شخصاً يُدعى ' شيه وون '
ولم تكن تدري أنّ ذلك الشخص قد سلك طريقاً مغايراً
تماماً بعدما فكّ قفصه بنفسه
ومنذ تلك اللحظة ، لم يعُد هناك شيه وون في هذا العالم؛
لم يبقَ سوى تشين بوداو
وبحلول الوقت الذي استرجعت فيه كل ذلك، كان قد مرّ ألف صيف وشتاء
…
تأملت تشانغ وان شيه وون طويلاً … ثم ضحكت ضحكةً
ممزوجةً بشيء من التأثر ،، : " كان ينبغي أن تكون هذه
رسالة تُركت من أجلك ، لكنّي فجأة لا أدري ما الذي ينبغي
أن أقوله بعد الآن "
لقد كانوا في الماضي عائلة واحدة ، لكن مع ألف عام تفصل بينهما ،
لم يعودوا سوى غريبين لم تُتح لهما فرصة الالتقاء حقاً
ولهذا، كان لديها الكثير مما تودّ قوله ، لكنّها لم تعرف من أين تبدأ
رأى شيه وون أنّ عينيها قد احمرّت — فقال بعد فترة
صمت : " إذن أخبريني كيف جئتِ إلى هنا "
قدّم لها موضوعاً برفق ، فبدأت تشانغ وان :
" لقد قصدت هذا المكان عن عمد ، بعد أن تتبعت بعض الأدلة "
شيه وون: " ولِمَ كنتِ تبحثين عن هذا المكان ؟"
تنهدت تشانغ وان وقالت : " لأُحقق أمنية "
: " أمنية مَن ؟"
حدّقت تشانغ وان في شيه وون : " أمنيتي أنا ….. في إحدى
حيواتي ، وُلدت في قرية جبلية صغيرة ،،
معظم القرويين كانوا أقارب ، وجميعهم يحملون لقب ليو ،
ولذلك سميّت بـ ' قرية ليو ' وفي يوم ما، وقعت كارثة وانهار
الجبل المحيط بالقرية ،،
أكثر من مئة عائلة دُفنت حيّة
كنتُ بينهم ، وأصبحتُ قفصاً أيضاً…"
نظرت إلى وين شي بنظرة ، ثم أومأت وابتسمت له :
" لقد كنتما أنتما الاثنان من دخلا القفص و ساعداني على فكّه "
بُهت وين شي للحظة ثم رد لها الإيماءة
قالت تشانغ وان لـ وين شي : " أذكر أنّك سألتني بعض
الأسئلة وأنت تُرسلني في طريقي"
لم يعد وين شي يتذكّر التفاصيل بوضوح ، لكنه كان يستعيد
على نحو غامض أنّه سأل عن الأحداث التي سبقت الكارثة
الطبيعية ؛ إذ كان يحاول أن يرى إن كان هناك أي بوادر أو نشاطات مريبة
قال وين شي بعد أن توقّف قليلاً : " كنتُ قلقاً من أن تكون
الكارثة مُفتعلة وليس فعل الطبيعة ،،
قبل ذلك الحادث مباشرةً ، كنّا قد تنبأنا بكهانات كارثة
طبيعية وشيكة ،،
أشارت العرافات إلى أنّها ستقع عند جبل سونغيون ، لذلك
وضعنا بعض المصفوفات وأضفنا تعزيزات—"
تشانغ وان: " لا عجب… لا عجب إذن أنّك سألتني تلك الأسئلة .
كنتَ تخشى أن تكون كارثة قرية ليو ناجمة عن أفعالك ، أليس كذلك ؟"
همهم وين شي بهمهمة موافقة
قالت وهي تهزّ رأسها : " أنت حقاً لا تخشى مواجهة الأمور وجهاً لوجه .
لو كان شخص آخر في مكانك وله مثل هذه المخاوف
لما تجرأ حتى على طرح تلك الأسئلة .
فذلك لن يجلب له سوى المتاعب أليس كذلك ؟"
ثم التفتت إلى شيه وون وقالت: " حتى بعد ألف عام ، لا يزال هو نفسه "
نظر شيه وون إلى وين شي وضحك بخفوت : "هم"
قالت: " في الحقيقة ، كنتُ قد استشففت مقصده آنذاك
أيضاً ، ولذلك…" سكتت قليلاً : "لذلك أخفيتُ وتجنّبت ذكر بعض الأمور .
قلتُ لك إنّه لم يكن ثمة بوادر غريبة — كل ما في الأمر أنّه
كان يهطل مطر غزير لوقت طويل .
وبما أنّ تشققات قد ظهرت في صخور الجبل منذ أمد بعيد ،
فقد كان من المرجح حقاً أن ينهار "
وعند ذلك ، عقد وين شي حاجبيه
{ إذا كانت تعترف بأنّها أخفت وتجنبت ذكر بعض الأمور ،
فهذا يعني أنّ ما وصفته في البداية لم يكن ما جرى في الحقيقة }
: “ فما الذي حدث في الواقع؟”
أجابت تشانغ وان وهي تُخفض بصرها :
“ في الواقع… كان الانهيار الأرضي في قرية ليو مُفتعلاً "
تملّك الذهول وين شي، وتغيّرت ملامحه على الفور
نظر إلى شيه وون بنظرة ، ثم أعاد نظره إلى تشانغ وان ،
وفي اللحظة التي همّ فيها بالكلام، سبقته قائلة :
“ لكن لم يكن لذلك علاقة بكم أنتم "
وين شي: “ ماذا تعنين ؟ وكيف تعرفين ذلك ؟”
أجابت بصوت خافت وهي شاردة الفكر:
“ أنا في الحقيقة أعلم أنّه كذلك . لقد رأيتُه .”
سأل شيه وون: “ ولِمَ لم تقولي شيئاً في ذلك الوقت ؟”
تشانغ وان: “ لأنني كنتُ مترددة قليلاً…”
لقد كانت غير محظوظة في تلك الحياة ——
إذ ماتت أمها عند ولادتها ، ومات أبوها حين بلغت الثالثة —-
لمدة يوم وليلة كانت محتضنةً ذراع جثة في بيتها ، حتى
اكتشفها جارٌ وأخرجها من هناك
لكن في الوقت نفسه ، كانت محظوظة بطريقتها الخاصة
إذ كانت هناك امرأة بكماء في القرية سُرق ابنها بعد وقت
قصير من ولادته
حاولوا بشتى الطرق للبحث عنه ،، لكن لا جدوى ،،
و فقدت كل أمل في العثور عليه ،،
وعندما رأت تلك المرأةُ تشانغ وان وحيدة عاجزة ،
أخذتها برفق وربّتها كما لو أنها ابنتها
كانت المرأة البكماء حنونة ولطيفة ، واعتنت بها عناية بالغة
علّمتها كيف تنسج وتخيط ، ولم تدعها تقوم بأعمال شاقّة أبداً
وكان بقية القرويين أيضاً طيبين القلب ؛ كانوا دائماً يمدّون
يد العون لهما، مدركين أن حياتهما لم تكن سهلة
هذه النسخة من تشانغ وان ، فقد كانت ذات طبيعة
مميزة : وُلدت ولديها بصيرةٌ طبيعية ——-
فمنذ صغرها ، كانت قادرة على مساعدة القرويين في تفقد
بيوتهم وتحديد الفرص المباركة
و لمرات كثيرة تستيقظ في منتصف الليل ، لترى المرأة
البكماء تحدق في حذاء صغير وهي تمسح دموعها بصمت
وكانت تدرك أن المرأة لا تزال تفتقد ابنها الضائع ، لذا أجرت
لها بعض الكهانات خفية
لكن النتائج كانت غريبة دائماً — كانت تشير إلى أنّ ابن
المرأة البكماء موجود هنا في القرية نفسها
كان ذلك أقرب إلى ' قصة أشباح ' في تلك المرحلة ،
فمجرد التفكير فيه كفيل بأن يبعث الرعب في النفوس ،
ويثير شتى الظنون والتخمينات ،
لكن هذه النسخة من تشانغ وان كانت ذات طبع هادئ ومتزن ،
فحتى بعد أن استنتجت هذه النتيجة ، لم تجرؤ على إخبار
المرأة البكماء بتهور
و تذكّرت أنّ المرأة البكماء أخبرتها ذات مرة أنّ لابنها شامةً
خلف رقبته بحجم بصمة الإبهام ،
ولهذا بدأت تراقب باستمرار كل من هم في العمر المناسب
داخل القرية وخارجها ،
وكلما ذهبت إلى الحقول ، كانت أكثر يقظة خشية أن
تكشف شيئاً يوماً ما
لكن قرية ليو لم تكن بتلك الضخامة
وحتى بعد مراقبتها الحثيثة لوقت طويل ، لم يظهر شيء ،
فأصابها مزيج من الخيبة والارتياح
وبعد طول تفكير ، توقعت في النهاية إلى أن المشكلة تكمن
في محدودية قدراتها هي— وأنها ربما شوّهت دقة نتائج تنبؤها
ومع اتساع العالم ، رأت أن الأرجح أنّ ابن المرأة البكماء
الذي تفتقده كان يكبر بخير في مكان لم تعرفه
تشانغ وان : “ في ذلك الوقت ، كنت أرى أحلامًا غريبة تحمل
أحيانًا إشارات بكثرة ،،
تلك الإشارات ساعدتني أنا وغيري في تجنّب الكثير من الحوادث .”
و بفضل نجاحها في تفادي تلك الحوادث مرارًا بدأت تثق بنفسها أكثر من اللازم ،،،
باتت على يقين من أنّها سترى دوماً علامة على الخطر أو
الكارثة في أحلامها قبل أن تحل ،
وكانت التوقيتات دائماً ملائمة بحيث تُتيح لها وقتاً كافياً للتصرف ،
وبالمقابل ، إن لم ترَى شيئاً في أحلامها ، فهذا يعني أنّ شيئاً
بالغ الأهمية لن يحدث ،
تشانغ وان : “ لكن تلك المرة تحديداً وجب أن تكون الاستثناء ،،
كان ذلك أيضاً في منتصف الليل…”
لقد كان المطر يهطل أياما متتالية في قرية ليو ،
ولم تكن السماء تُبدي أي بادرة توقف حتى ليلاً ،
وفي مثل هذه الأيام الماطرة ، كانت القرية تغرق في سكون استثنائي
صوت المطر يغري بالنوم ، فغرق الجميع في سبات عميق
—ما عدا تشانغ وان
في البداية نامت نوماً هانئاً ، لكن في النصف الثاني من
الليل وجدت نفسها فجأة تغوص في حلم
رأت في الحلم قريةً تشبه كثيراً قرية ليو؛ و أيضاً عند سفح جبل
وبجوار القرية طريق رئيسي ، وبالقرب منه استراحة فيها
أوتاد لربط الخيول وكشك يقدّم الشاي والخمر
و المطر ينهمر هناك أيضاً ، مصحوباً برعود وبروق لا تنقطع
ورأت شابين يرتديان أردية بنية يخرجان من القرية متوجهان
للاحتماء من المطر قرب الأوتاد المهجورة
قام الأقصر منهما بعصر الماء من ثيابه وقال :
“ كيف عرفت أن الجبل سينهار ؟ هل أخبرك تشوانغ-شِيشونغ؟”
الآخر أطول منه وأقوى بنية قال:
“ لا، هو فقط قال أنه لن يغادر الجبل لعدة أيام ، لا تسألني
كيف حصلتُ على هذه المعلومة ، فقط تأكد أنها صحيحة .
وإلا، فلماذا اختار تشوانغ-شِيشونغ وتشونغ-شِيشونغ هذين
اليومين بالذات للبقاء على الجبل ؟”
ثم أجاب بنفسه :
“ لتفادي كارثة طبعًا !!! "
بدأ الفتى الأقصر يصدّقه إلى حد ما، وبدت عليه علامات
الشحوب ، ومع ذلك قال:
“ لكن… لكن لا يمكن أن تكون خطيرة جدًا صحيح ؟
إذا كان التلاميذ الذين يعيشون على الجبل يعرفون ، فما الذي نخافه ؟”
قال الآخر وهو يرفع كمّه بلا مبالاة :
“ وما فائدة أنهم يعرفون ؟
متى رأيتهم يتدخلون في مثل هذه الأمور ؟”
تجمد الفتى الأقصر : “ لكن—”
قاطعَه الأطول ببرود :
“ وأيضاً هناك دائمًا مجموعتان واضحتان : الذين يعيشون على الجبل ،
والذين لا يعيشون عليه ،
من في الأعلى هم التلاميذ الحقيقيون .
أما من في الأسفل فهم فقط…”
وبينما يطوي كمّه الآخر أخرج قطعة قماش ،
وأمسكها بأسنانه وهو يربطها بقوة حول ساعده :
“ فقط التلاميذ المتوسطون الذين يُبقونهم لا أكثر لأن
طردهم غير ممكن .
وأيًا كانت الكارثة التي تضرب هنا في الأسفل ، فلن تطال
أولئك الذين في الأعلى . فلماذا يتكلفون عناء التدخل ؟”
الفتى الأقصر بارتباك : “ لا يصح أن تقول ذلك ،،
أنت كنت تقول دائمًا أنك ستتدرب بجد وتسعى إلى—”
قاطعه الآخر بنفاذ صبر:
“ ذلك كان مجرد هراء قلته وأنا صغير ،،
كلمات تافهة من الماضي .”
وبينما يشد الرباط على كمّه الآخر ، قال للفتى :
“ أنت وأنا نشأنا معًا في هذه القرية . اسم عائلة القرية (تشانغ)،
وكذلك اسمنا ،،،
وكثير من التلاميذ في الأسفل وُلدوا بالاسم نفسه ،
مما يعني أننا جميعًا عائلة واحدة في جوهرنا .
والسبب الذي جعلني أصطحبك أنت تحديدًا ، دون غيرك ،
هو أنك عندي بمثابة أخ ،،
أنت أيضًا تقدّر الأصدقاء والعائلة فوق كل شيء ؛ لست مثل
أولئك الممارسين الزائفين الذين يطاردون دائمًا طريقًا بلا مشاعر .”
ارتجف الفتى الأقصر من الخوف والاضطراب، وشحب وجهه أكثر :
“ ما الذي تعنيه بـ (الممارسين الزائفين)؟
هل حدث لك شيء مؤخرًا ؟
لماذا كل كلماتك مليئة بالأشواك ؟”
رد الآخر ببرود:
“ لقد كتمت الأمر طويلًا ، هذا كل شيء . والخلاصة هي
أن القرية الآن تواجه كارثة ، وكارثة كبيرة
هل تريد أن تساعد في إنقاذها أم لا ؟ "
الفتى: “ نعم ! لكن كيف ؟ "
الطويل: “ كل ما علينا فعله هو أن نجد جبلاً مقفراً يملك
مخططاً عِرافياً مشابهاً . ثم ننقل الكارثة إليه ”
وبينما يتكلم، انشقّت السماء بصاعقة هائلة أضاءت
وجهيهما بلونٍ شاحب كالأشباح
ارتجف الصغير مذعوراً ، فلم يعد يسمع ما يقوله الآخر بوضوح
ورغم أنه أراد أن يسأله أكثر ، كان الطويل قد خرج بالفعل إلى المطر ثانيةً
و بعد أن حدد الجهات الأربعة ، جثا أرضاً وأخرج تعويذة من ردائه
وعندما حنى رأسه ، انكشفت نهاية عنقه
…
تشانغ وان: “ حينها أفقتُ فجأة من النوم ….
وعندما صحوت اكتشفت أنني لم أعد في سريري ،،
كنتُ قد تجولت نائمة إلى الخارج ، وكنتُ جاثية بجوار أوتاد
ربط الخيل عند الاستراحة بمحاذاة الطريق الرئيسي لقرية ليو
تماماً كما في الحلم .”
في تلك اللحظة شعرت تشانغ وان وكأنها تساعد ذلك
الشخص على تنفيذ خطته من بعيد ———
خطته في نقل الكارثة من ذلك الجبل إلى مكان آخر.
( اتوقع كأنه تلبسّها أو تحكم فيها وصارت المصفوفة
تتشكل من الجهتين )
تابعت: “ شعرتُ بأنّ هناك خطباً ما، فأسرعتُ راكضة نحو
القرية كما لو كنتُ قد فقدت صوابي ،
أردتُ أن أوقظ الآخرين ، لكن —”
وما إن بلغت سفح الجبل حتى سمعت صوت الأرض وهي تتشقق
رفعت بصرها لترى صخرة هائلة تهوي من أعلى ،
و انهار جانب الجبل بأكمله وتفتّت إلى قطع
لم يكن بوسعها سوى أن تصرخ صرخة حادّة ، لكن لم يبقَ أحد ليسمعها
لم ينجو أحد من الظلّ الذي انقضّ على القرية بهدير مدوٍ—ولا حتى هي
قالت تشانغ وان بصوت خافت : “ أحد الأسباب التي
جعلتني لا أقول شيئاً في ذلك الوقت هو أنني ظللتُ أشعر
وكأني قد لعبتُ دوراً أيضاً في خلق تلك الكارثة ،،
ورغم أنّ الأمر لم يكن باختياري ، لم أستطع أبداً أن أتجاوزه.
أما عن ذلك الشخص في حلمي… فلم أشأ أن أذكره أيضاً ،
لأنني لمحته من الخلف ، ورأيت على نهاية رقبته شامة
بحجم بصمة الإبهام .”
في نفس مكان شامةُ ابن المرأة البكماء
وكأنّ السماوات قد لعبت عليهم مزحة كبرى
لقد أخذت هي مكان ابن المرأة البكماء ، نشأت في رعايتها عوضاً عنه
وفي المقابل ، وبطرق متعرجة ملتوية ، انتهى الشخص الذي
استبدلته هو بالذات إلى قرية عند سفح جبل سونغيون لها
المخطط العِرافي نفسه الذي لقرية ليو
وفي النهاية ، بتعويذة واحدة ، دفن موطنه الحقيقي بيديه
قالت تشانغ وان ضاحكة بحدة : “ لقد كرهتُ ذلك
الشخص ، ورأيت أن الوضع كله سخيف حد العبث ،
لكن حتى هذا الكره الشديد مُحي تماماً وكلياً بمجرد أن
ولدتُ من جديد ….
كما تعلمان ، مخالفة النظام الطبيعي للأشياء تجلب
العقاب السماوي ، وخاصةً في مثل هذه الحالة التي يُدفع
ثمنها بأرواح الأبرياء ...” وأشارت إلى نفسها وقالت: “ توجد
علامة عليّ ،،
إنها باهتة جداً ، لكنها لازمتني عبر حيوات كثيرة ، ولهذا كنتُ
دوماً ألقى نهاية تعيسة .
وبحلول الآن ، كادت تختفي تماماً .
وذلك الشخص أيضاً يحمل علامة مشابهة — قد لا يلاحظها
الآخرون ، لكنني أراها ، لأن بيني وبينه خيطاً واحداً مشتركاً .”
لاحظ وين شي ما تلمّح إليه و قال: “ لقد التقيتِ ذلك الشخص من قبل .”
تشانغ وان: “ نعم .”
فكر وين شي قليلاً وقال: “ هل هو رئيس عائلة تشانغ الحالي ؟”
و أضاف : “ لا أذكر اسمه.”
وبحسب هويّات هذه الحياة ، فإنّ الرئيس الحالي للعائلة
كان جدّ تشانغ وان
وللحق، كان من الأسهل أن يسألها مباشرةً إن كان جدّها،
لكن وين شي وقد علم حقيقتها لم يستطع أن ينطق بذلك
تشانغ وان كانت بملامح جديّة في البداية ، لكن بسبب
اعترافه الصادق والبسيط بأنه نسي الاسم ،
لم تستطع إلا أن تنفجر ضاحكة ، ثم أجابت : “ تشانغ تشنغتشو. ليس بالأمر المفاجئ ، أليس كذلك ؟”
أومأ وين شي
لقد أخبره تشو شو من قبل أنّ تشانغ وان قد تصادمت مع
جدها—تشانغ تشنغتشو—منذ زمن بعيد لأسباب مجهولة
ثم غادرت عائلة تشانغ بعد ذلك بقليل ولم تعد إليها أبداً
وعندما جمع وين شي بين تلك المعلومة ونبرة صوتها وردّ
فعلها قبل قليل ، غدا تخمين الأمر سهلاً للغاية
أما شيه وون فقد بدا أكثر هدوءاً واتزاناً ؛ لم يظهر عليه أدنى أثر للدهشة
قالت تشانغ وان مبتسمة بمرارة : “ لكنني مع ذلك كنتُ في
غاية الدهشة حين عرفت الحقيقة أول مرة ،،
كان من الأفضل لو لم أتذكر شيئاً على الإطلاق ، لكن وقع
خلل ذات مرة بينما كنت أفك قفصاً ،،
وبمحض مصادفة غريبة ، انتهى بي الأمر إلى استرجاع
أحداث كل حيوات سابقة عشتها .”
كان قفص ' شيه وون ' و قفص' قرية ليو ' أكثر ارتباطاتها
قوة واستعصاء على الحل
ورغم أنّ الأول كان يملأها بالحزن دوماً ، فإن الثانية كانت تملؤها بالكراهية
و العلامة على جسد تشانغ تشنغتشو باهتة للغاية أيضاً
ويرجَّح أنّ وضعه كان مشابهاً لها : يُبعث في حيوات كثيرة
ويلقى نهاية سيئة في كل واحدة ، فيكون ذلك عقاباً سماوياً وكفّارة
لم تستطع تشانغ وان إلا أن تشعر بالاشمئزاز والضغينة كلما رأت تلك العلامة
وفي الوقت نفسه ، كانت تدرك جيداً أن كل بعث جديد
يمثل حياة جديدة ، وشخص جديد لا علاقة له بالماضي
وبين هذين الشعورين المتناقضين ، كانت تصطدم مع تشانغ تشنغتشو مراراً
وعندما انتهى الأمر بالآخر إلى طردها من عائلة تشانغ في نوبة غضب ،
أحسّت على غير المتوقع وكأن حملاً ثقيلاً قد انزاح عن كاهلها ،
نادراً المتخصّصون في العرافة يتعمّدون التنبؤ بمستقبلهم
ورغم أن النتائج ستكون دقيقة ، فمن المرجح جداً أن
المستقبل يكون قد تغيّر بالفعل لمجرد معرفته
لكن تشانغ وان قامت بكهانة لنفسها على أي حال
وبفضل ذلك ، علمت أنّ عليها أن تمضي شمالاً حيث مكانها المبارك
وهناك، ستتمكّن من رؤية شخص تفتقده بشدة ، وأن تعوّض بعض الندم
وهكذا ، وجدت دمية شيه وون في تيانجين …..
لقد عرفت أنه دمية من اللحظة الأولى التي رأته فيها ،
لأنه بدا تماماً مثل شيه وون عندما كان طفلاً ،
لم يكن ممكناً أن يحدث أمر كهذا عبر التناسخ ——-
تلك الدمية كانت مختلفة تماماً عن جميع الدمى الأخرى
التي قابلتها يوماً
صُنعت بإتقان استثنائي ، بحيث لم يستطع أحد أن يميّز أنّه
لم يكن بشراً حيّاً— إلا تشانغ وان ، التي كانت لها صلة قدرية به
وبمجرد أن يجد مكاناً يرسو فيه ، يبدأ في التقدّم بالعمر مع مرور الزمن
ومع ذلك ، فقد كان في الوقت نفسه مختلفاً اختلافاً هائلاً
عن أي إنسان عادي، إذ لم يكن سوى متلقٍ للمعلومات من
دون أن ينتج أيّاً منها
كان يتذكر كل الأشياء التي يشهدها ويسمعها ، لكنه لا يُبدي أي ردّ فعل أبداً
استطاعت تشانغ وان أن تدرك أنّ الدمية كانت تنتظر
كان يتكيّف بسرعة مع العالم الحديث ، كل ذلك فيما ينتظر
أن يحلّ وعيٌ روحي مكانه
كانت تعلم أنّ شيه وون الحقيقي سيستخدم هذا الوعاء
يوماً ما للعودة إلى عالم الأحياء ؛ وربما حينها ، ستتاح لهما
فرصة اللقاء مجدداً
وبما أنّ تشانغ وان كانت متمكّنة من العرافة ، فإنها لم تكن
لتقف مكتوفة اليدين تنتظر
لقد أجرت مراراً وتكراراً عِرافات تتعلّق بأمور تخص شيه وون ،
وحاولت التنبؤ بالمكان الذي سيلتقيان فيه مرة أخرى ،
وقد قادتها النتائج إلى هذا القفص ، الذي تتبّعته في النهاية
تابعت تشانغ وان: “ في الحقيقة عندما دخلت هذا القفص
أول مرة ، لم أكن أفهم لماذا سيكون هنا ،،
ولماذا كانت العِرافات تخبرني أنني سأراك في مكان كهذا .
ولهذا بدأتُ أتجول داخله بعقلية الباحثة عن شخص ما.
قابلتُ كل واحد فيه ، وحاولت أن أسأل كلّاً منهم من أين أتى .
وبعد ذلك، فهمت السبب .
كان ينبغي أن يتشكل هذا القفص أصلاً حول جبل سونغيون ،
وكان يجب أن يكون الأشخاص العالقون فيه هم سكان
القرية التي تقع عند سفح جبل سونغيون.
لكن في الحقيقة ، لم يكن الأمر كذلك—فمعظم الأشخاص
هنا كانوا من قرية ليو
وبالطبع كلّهم قالوا لي إنهم جاؤوا من أماكن مختلفة حين سألتهم ،
لكن ذلك كان فقط بسبب تغيّر الأسماء مع العصور وتعاقب الزمن .
جميعهم كانوا في الأصل من قرية ليو ، ولهذا يخشون الأيام
الممطرة والرعد والبرق وغضب إله الجبل ،
وكل أسطورة يقدّسونها ترتبط بشكل أو بآخر بالجبال أو بالأمطار الغزيرة .
في تلك الحياة ، استبدلنا مصير قرية ليو بالمصير المكتوب
للقرية الواقعة عند سفح جبل سونغيون .
واتضح أن أثر ذلك الاستبدال ظلّ عالقاً طوال هذه الفترة .
لقد وجّهتني العِرافات إلى هنا على الأرجح لأنّ السماوات
أرادت أن أتابع الأمر حتى نهايته — لأقطع هذا الرابط الذي
لم يكن ينبغي أن يوجد منذ البداية ،
ولأمنح قرية ليو التحرّر الذي تستحقه .
لكن في النهاية ، كان هذا القفص أكبر من قدرتي على احتماله .
فالطاقة الخبيثة كانت مركّزة بشدة ، والمناطق الميتة كثيرة للغاية ،
ناهيك عن الهويغو التي تولد بلا توقف من أماكن عشوائية .
والأهم أنه لم يكن في وسعي إذابة الضباب الأسود الذي
يغلّف جبل سونغيون.
وكان من السهل أيضاً أن أتأثر بشياطين القلب هنا ،
وقد أصبح وعيي الروحي مضطرباً بفعلها .
عندما أنشأتُ هذه البوابة الطقوسية في البداية ، كنتُ
أحاول أن أربط الطرف الآخر بقرية ليو كي يتمكن الناس في
القفص من العودة إلى ديارهم ، وبعدها أقطع الصلة .
لكن بسبب تدخّل شياطين القلب ، اخترتُ المكان الخطأ .
وبعد ذلك… أنتما تعرفان الباقي .”
كان ذلك صحيح
الجميع يعرف أنّ تشانغ وان دخلت قفصاً عندما كان عمر
شيه وون ثمانية عشر عاماً، والجميع يعرف أنّها خطت إلى
منطقة ميتة في ذلك القفص ،
ومنذ تلك اللحظة، اختفت تماماً ولم يُسمع عنها مجدداً
تشانغ وان : “ حينها ساورني شك خافت أنني ربما لن
أستطيع الخروج من هنا ، فتركت هذه الرسالة خلفي .
كنتُ أثق بأن العِرافات لن تخدعني — فإذا قالت إنني سأراك
هنا يوماً ما، فلا بد أن يأتي ذلك اليوم ، أليس كذلك ؟”
حدّقت في شيه وون وتابعت : “ لقد انتظرت سنوات طويلة .”
ولحسن الحظ، كان انتظارها مثمراً
ربما كان قد تحقق رجاؤها ، أو ربما كان الجزء المتبقي من
روحها الذي خلّفته لم يعد قادراً على الصمود طويلاً ،
فبعد أن أنهت حديثها ، بدأ جسدها يتلاشى ببطء ،
وتلاشت معها ملامح هيئتها شيئاً فشيئاً ،
بدأ الضباب الأسود يغلي من حولهم مجدداً ،
وارتفعت أصوات الهويغو التي كان الضباب قد كتمها ،
لتُسمع من جديد
حتى إنّ وين شي استطاع أن يسمع صرخات شيا تشياو
المبهمة المليئة بالذعر ، وأحاديث أبناء عائلة تشانغ وهم
يخططون معاً ، وردود بو نينغ
قال شيه وون لتشانغ وان : “ لقد وُجد هذا القفص طويلاً جداً .
حقاً أوان نهايته .”
تشانغ وان: “أعلم، أعلم.” وأومأت. “لقد تركت هذه الرسالة
فقط لأنني أردت أن أراك لآخر مرة .
أردت أن أرى هل عدت إلى هذا العالم ، وهل كنت بخير ،
وهل ما زلتَ كما رأيتك منذ سنوات طوال عندما كنتُ
أتجوّل في الدنيا — الوحيد الباقي ، وحيداً تماماً ...”
وبينما تتكلم ، اتجهت نظرتها نحو وين شي
وبعد لحظة ، عادت لتنظر إلى شيه وون ، وتابعت :
“ لقد رأيتك مجدداً بالفعل . لقد انتظرت أكثر من عشر
سنوات هنا، وحان الوقت أن أرحل أنا أيضاً .
لقد تبدّد الضباب الأسود فوق جبل سونغيون؛ كل ما عليك
فعله هو أن تنشئ بوابة وتصل قرية ليو بها.
أولئك الناس ظلوا عالقين في أماكن أخرى لسنوات كثيرة،
وطال شوقهم إلى موطنهم منذ زمن بعيد، فسوف يعودون
بأنفسهم بعد فتح البوابة. وحالما يتحررون، سيتبدد هذا القفص ”
مقارنة بختم المصفوفة على الجبل ، كانت هذه كلها أموراً
تافهة يمكن حلّها بلمحة يد
وكان كل من شيه وون و وين شي يدركان تمام الإدراك ما
يجب فعله ، لكن تشانغ وان لم تستطع مع ذلك إلا أن تترك وصاياها لهما
شيه وون: “ حسناً .” وقد ظلّت يده الذابلة مخفية خلف
ظهره منذ البداية حتى النهاية ، بينما تمايل رداؤه الطويل الواسع في الرياح مثل الغيوم …..
لقد عاش باسم تشين بوداو لألف عام حتى الآن ،
وكل ما رآه وسمعه في تلك الفترة أصبح منذ زمن بعيد جزءاً أصيلاً منه
كان من الصعب جداً أن يلوح طيف الشاب سيّد عائلة شيه
من تلك السنوات الغابرة
انحنى والتقط عدة أحجار مستديرة من الأرض ، ثم ملأ بها
بعض الفراغات في مصفوفة تشانغ وان وعدّل بعض قطعها الأخرى
كان كل شيء يجري على يديه بسهولة التنفّس ، وكان دائماً
يشعّ هالة من الراحة البالغة
لكن حين وضع الحجر المستدير الأخير ، هبّت رياح عاصفة من العدم ،
وجمعت الضباب الأسود في كرة ، ثم تحوّل الضباب إلى
دوّامة هائلة معلّقة في الهواء فوق الأحجار المستديرة
هذه البوابة التي أعاد فتحها ، المؤدية إلى قرية ليو
ما إن فُتحت البوابة ، حتى توقفوا الهويغو الذين زحفوا
عن الحركة فجأة وتجمدوا أمام الدوّامة
وبعد صمت طويل ، بدأوا يرتجفون بلا توقف
أعناقهم وأطرافهم تلتوي ، وكأن أرواحهم عالقة في صراع لا
نهائي ذهاباً وإياباً مع أجسادهم
وعلى الرغم من أنهم كانوا منظراً مرعباً للنظر ، إلا أنّ
وجوههم الشاحبة الباهتة كانت مملوءة بالحزن ،
مما جعلهم مرعبين ومثيرين للشفقة في الوقت نفسه ،
ثم، بثنية من إصبعه ، نقر شيه وون على فراغ وسط أحجار المصفوفة
و في أقل من ثانية ، اشتدت الرياح أكثر ، وتبعثروا الهويغو
وطرحتهم الأعاصير أرضاً
و مع ارتجاف أخير عنيف ، أطلقت الهويغو الأرواح التي قد ابتلعوها
مدّت أشباح لا حصر لها أياديهم واندفعوا بجنون نحو
البوابة المؤدية إلى قرية ليو
كانت تشانغ وان محقّة —- لقد ابتعدوا عن ديارهم طويلاً جداً ،
وقد صار شوقهم إلى العودة مستميتاً منذ زمن بعيد
وبينما أولئك الناس يغادرون ، أصبح القفص كله مضطرباً ومهتزاً
بدا وكأن ملايين الأيادي الخفية قد نبتت من باطن الأرض
تحاول أن تجرّ بالقوة الناس الذين كانوا يحاولون العودة إلى
قرية ليو—وكان ذلك على الأرجح أثراً باقياً من تبديل
المصائر قبل تلك السنين الطويلة
فجأة، توقّف بعض الناس في منتصف الطريق نحو الدوّامة،
غير قادرين على التقدم، وبدأوا يصارعون بجنون في وجه الرياح
وفي اللحظة التي أطلقوا فيها صرخات حادة ، مدّ وين شي
أصابعه ثم قبضها فجأة ——— و انطلقت خيوط دمى لا
تُحصى في كل اتجاه مثل سيوف حادّة
ظلّت ملتصقة بالأرض وهي تتحرّك ، وكأنها أحدّ السيوف ، فقطعت جميع القوى
التي كانت تقبض على تلك الأشكال
وفي رمشة عين ، استعاد أولئك الناس حريتهم
اندفعوا إلى داخل الدوّامة مثل المدّ ، ومنذ تلك اللحظة
عادوا إلى ديارهم ولن يضطروا إلى التوهان مجدداً
وحين غادر آخر شكل ، انشطر القفص العملاق الذي وُجد لألف عام
و تراجع المشهد كله سريعاً إلى المسافة ، وبدأت الأصوات تتلاشى شيئاً فشيئاً
وفي الوقت نفسه ، بدأت تشانغ وان هي أيضاً تتلاشى إلى دخان
وقبل أن تختفي تماماً ، سألت فجأة شيه وون سؤالاً :
“ بجانب ذلك الوقت في قرية ليو ، هل رأيتني في أماكن
أخرى أيضاً ؟ في حيوات أخرى ، في أماكن أخرى .”
شيه وون: “ نعم، رأيتك .”
وبنظرة متأملة ، قالت تشانغ وان : “ لقد رأيت الآخرين أيضاً ،
أليس كذلك ”
على سبيل المثال ، المئة أو نحو ذلك من الناس ، كباراً
وصغاراً ، الذين عاشوا في مقرّ عائلة شيه في تشيانتانغ
وكما فعل من قبل ، أجاب شيه وون : “ نعم، رأيتهم ”
سألت تشانغ وان بصوت منخفض : “هل… تودّعنا في كل حياة ؟”
صمت شيه وون لحظة ، ثم ابتسم وقال : “ لا، فقط إذا صادف أن التقينا .”
كان كثيراً ما يلتقي ، في ركن من العالم ، بأشخاص مثل
تشانغ وان ممن عرفهم ذات يوم
تكون ملامحهم قد تغيّرت منذ زمن بعيد ، ويكون لهم
هويّات جديدة ، وعائلات جديدة
ومهما كانت قوة الروابط في الحيوات الماضية—مهما
بلغت حرارة الحب أو شراسة الكراهية—فكل ذلك يصبح
غبار الماضي المختوم بعد أن يخوض التناسخ ، فلا يُذكر أبداً
وحتى إن استعادوا شيئاً من الذكرى ، فقد مضى الوقت طويلاً عندها
تغيّر الناس ، وضاعت الأزمان الجميلة
كانوا يرون تشين بوداو مجرد عابر غريب يمرّ بهم أحياناً
و بعضهم لم ينظر إليه سوى نظرة واحدة ،
بينما آخرون يشعرون بألفة غامضة فيه فيفتحون معه
حديثاً قصيراً ثم يعودون جميعاً إلى حياتهم الخاصة ،
من دون أن تتقاطع طرقهم معه مجدداً
لم يكن ممن يتشبثون بتلك الأمور ؛ بل كان ببساطة يمكث
لحظة أطول خلف أولئك الذين كان يعرفهم ذات يوم ،
ليستند على شجرة ويودّعهم
وبعد أن يراهم يمشون إلى نهاية الطريق ويختفون عند
المنعطف ، كان يبتسم ابتسامة باهتة ويرحل
بدت تشانغ وان وكأن لديها الكثير لتقوله ، لكنها في النهاية
لم تسأل سوى: “ إذا صادفتنا مجدداً في الحياة القادمة ،
هل يُمكنك أن تودّعنا أيضاً ؟”
شيه وون : “ حسناً . سأودّعكم .”
“ حسناً .” أومأت تشانغ وان
وبعد صمت طويل ، ابتسمت هي أيضاً لشيه وون بعيون
محمرة ، و كلماتها الأخيرة قد ابتلعها الضباب
لكن وين شي سمعها
سمع تشانغ وان تقول بلطف : “ لا تبقَى وحيداً بعد الآن ،
كما كنت في القفص وقتها .”
ومع اختفائها ، تجلّت هيئة في الضباب
ربما كانت انعكاساً أخيراً وُلد من كل الأشياء التي لم تستطع
أن تتخلّى عنها في أعماقها
تلك الهيئة تتكئ على درابزين قرمزي لممرّ ، تتحادث
وتضحك مع شخص ما ، كان لا يزال شاباً، يفيض أناقة
ورشاقة ، نبلاً وهيبة
تلاشى الانعكاس في غمضة عين
اختفى بلا أثر في الضباب الكثيف ، مع سائر الأشجار البرّية
والنباتات المتشابكة في القفص
حدّق وين شي في ذلك المكان مذهولاً
وفجأة، شعر وكأن أحداً قد قبض بقوة على قلبه، ففاضت
في داخله موجة من الحزن لم يستطع كبحها
ثم التفت لينظر إلى شيه وون، وقال بصوت منخفض :
“ هل كان أول قفص قمت بفكّه هو قفصك أنت ؟”
لم يُجب شيه وون
بل وقف صامتاً لبعض الوقت ، ثم ادار رأسه نحو وين شي
جال بصره على زوايا عيني وين شي ، و طرف أنفه ، وعلى انحناءة شفتيه
نظر إليه طويلاً ثم رفع يده وأمسك بذقنه
وبإبهامه مسح أطراف شفتي وين شي و قال بهدوء :
“ كل ذلك من ماضٍ بعيد . لقد نسيتُ معظمه منذ زمن—
حان وقت خاتمة تلك الفترة .”
لكن وين شي لم يستطع أن يختمه هكذا ،
وظلّت تراوده الرغبة في أن يفعل شيئاً حياله
ربما ضاق ذرعاً بالإبهام الذي ظلّ يعبث بشفتيه
فشد على يد شيه وون وضيّق عينيه ؛ ثم أمال رأسه جانباً واقترب
ظنّ أنه هو من يقود القبلة ، لكن حين أدرك ما يحدث ،
كان شيه وون هو من يقبّله بهدوء
القفص الذي ظلّ مكبّلاً هنا لألف عام بدأ يتفتت من حولهما
الجميع قد اختفى منذ زمن ، وأصبح محيطهم خالي تماماً وصامت ،
وكأنهما في عالم سري خاص بهما — بعيد عن صخب الدنيا ، متشابكين بلا أمل في الابتعاد ….
زاوية الكاتبة :
ملاحظة : لم يتبادلا القبلات في مكان عام ~ ...
( لو ركزتوا من طلعت تشانغ وان غطى الضباب الثلاثه وبدت المشاهد تظهر -- البقية مايشوفون
ولايسمعون اي شي )
الفصل من ترجمة : Jiyan
تدقيق : Erenyibo
تعليقات: (0) إضافة تعليق