القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار

Ch16 احتراق القلب

Ch16 احتراق القلب



البروفيسور تشيان جالس هنا ، وما إن رأى هذا الوجه 

المألوف حتى تغيّر تعبيره على الفور ——

قال بنبرة متفاجئة :

“ هل جاء هذا الطفل أيضًا ليستشيرنا؟”


لم تكن العمة تشاو على علم بما حدث سابقًا ، فأجابت بسرعة :

“ آسفة على الإزعاج يا أيها الأطباء . يوانليانغ طفل طيب ، 

أرجوكم ، عليكم أن تساعدوه .”


كانت نبرتها صادقة بإخلاص بسيط لا تجده إلا في نساء الريف ،، 

وكما يُقال: لا يُضرب الوجه الباسم ،، 

فالغضب الذي كان متراكمًا في صدر البروفيسور تشيان لم 

يجد منفذًا بعد سماعها، 

فظلّ ينظر إليها طويلاً، ثم تنهد تنهيدة وقال :

“ حسنًا، سنفحصه ... 

لكن عليّ أن أقول لكِ أولًا إن هذا الطفل قد—”


فقاطعه الصبي فجأة، صائحًا بغضب :

“ لن أرى أحد ! لن أرى أحد !”


عيناه السوداء تلمعان بشراسة ، تحدّقان في البروفيسور 

تشيان والمتدرّبين بعينٍ كأنه يتمنى أن يضربهم جميعًا :

“من طلب منكم أن تروني ؟ أنتم كذّابون !”


لم يكونوا غرباء عن المرضى ذوي الانفعالات الحادة ، 

لكن يوانليانغ بدا عدوانيًّا على نحوٍ استثنائي ،


لا يزال ممسكًا بالمسمار الذي استخدمه لثقب الإطار ، 

ولوّح به فجأة نحو ذراع البروفيسور تشيان ،


لم يتمكّن البروفيسور من تفاديه في الوقت المناسب ، 

فشقّ المسمار ظاهر يده، وانساب الدم فورًا


صرخت العمة تشاو فزعًا :

“ أيها الطفل !”

وأسرعت لتسحبه بعيدًا ، بينما اندفع المتدرّبون الآخرون 

لمساعدتها في تقييده


لكن يوانليانغ بدا كعجل صغير قويّ لا تنفذ طاقته ، 

فتخلّص منهم جميعًا بسرعة وفرّ هاربًا ، 

يسبّ ويلعن وهو يجري


لهجته تحمل نغمة عامية محليّة ، وكلماته مليئة بأشدّ 

الألفاظ سمّية


ألفاظه فاحشة إلى حدّ لا يُطاق ؛ حتى إنك ، وإن لم تفهم 

بعضها ، تدرك من وقعها أنها لعنات خبيثة مليئة بالحقد


و ترددت صرخاته العالية في أرجاء موقع العيادة المجانية ، 

وبدأ الناس الذين جاؤوا للاستشارة يتهامسون فيما بينهم ،


كان وجه البروفيسور تشيان قاتم مظلم ، يملؤه الغضب


لكن مقارنة بوجه البروفيسور تشيان المتجمّد ، كانت العمة 

تشاو أكثر توتراً ، 

كانت تلتفت في كل اتجاه ، ممزقة بين رغبتها في اللحاق 

بيوانليانغ وبين انشغالها بالاعتذار للبروفيسور تشيان ، 

تدور في مكانها كالنملة على مقلاة ساخنة ،


تقدّم تشي تشاو سريعًا ليهدّئها قائلًا:

“ لا تقلقي يا عمة تشاو ، لِنبحث عن يوانليانغ أولًا حتى لا يضيع ...”


لوّح البروفيسور تشيان بيده قائلًا :

“ اذهبا، اذهبا . يمكننا الحديث عن الباقي لاحقًا .”


——



ولأن المكان غريب على يوانليانغ، فلم يكن بإمكانه أن يبتعد كثيرًا


كما أنه، في قرارة نفسه، لم يكن خاليًا تمامًا من مشاعر 

تجاه العمة تشاو


وبعد أن نادت عليه طويلًا وهي تبحث ، وجدته أخيرًا في 

حقل ذرة ، مغطّى بالطين وملامحه حذرة


لم تجرؤ العمة تشاو على اصطحابه ثانيةً إلى الأطباء ، 

فاكتفت بتهدئته والاعتناء به قليلًا ، 

ثم عادت وحدها إلى عربة الفحص الطبي


——


في هذا الوقت ، فو نان آن مشغول بفحص مريض آخر 

فلم يتمكن من القدوم


ومع ذلك تحدّثت العمة تشاو مع البروفيسور تشيان ، وبعد 

انتهاء حديثهما نظرت إليه بعينين متوسلتين:

“ إذن ، يا طبيب … هل يمكن علاجه ؟”


صمت البروفيسور تشيان لحظة ، ثم قال ببطء:

“ حالته معقّدة للغاية .”


حالة يوانليانغ بالفعل معقدة — ففي وضعه الحالي ، 

يرفض اقتراب أيّ أحد منه — والعلاج النفسي عملية طويلة 

متواصلة ، تحتاج إلى خطة دقيقة وإرشاد مستمر على المدى البعيد


لكنهم الآن في عيادة متنقلة مؤقتة ، ولن يمكثوا سوى أيام قليلة ، 

وهذا يجعل العلاج أمرًا شبه مستحيل مهما كان الطبيب ،

ثم التفت الأستاذ البروفيسور إلى العمة تشاو وسألها:

“ هل ستكونين مستعدة للقدوم معنا إلى المدينة لتلقّي 

العلاج هناك ؟”


ترددت العمة تشاو ، و أول ما خطر ببالها هو المال —-

قالت بقلق:

“ الذهاب إلى عاصمة المقاطعة ؟ 

هل سيكلف ذلك الكثير من المال ؟”


كان هذا ردًّا واقعيًّا للغاية —- فكثير من المرضى لا يتلقّون 

العلاج الفعّال بسبب ظروفهم المعيشية القاسية


يُقال إن الأطباء أصحاب قلوب رحيمة ، يبذلون ما بوسعهم 

لإنقاذ من يستطيعون، لكنهم في النهاية بشرٌ أيضًا ، 

يحتاجون إلى رواتبهم


والمستشفيات اليوم تُدار بأسلوب التمويل الذاتي ، 

ومن غير الواقعي مطالبتهم بتحمّل التكاليف عن المرضى ، 

فذلك عبء يفوق طاقتهم


سأل البروفيسور تشيان العمة تشاو :

“ هل لديكِ تأمين صحي؟”


هزّت رأسها نافية


بالطبع، فذلك الطفل قد فقد أمَّه، وأبوه الحقيقي على تلك 

الحال… فمن ذا الذي سيهتم بتوفير تأمين له؟


أصبح الموقف عندها صعبًا للغاية


أشار البروفيسور تشيان بيده إلى رقم محدّد ، 

فشحب وجه العمة تشاو من الذهول ، وقالت بصوت مرتجف :

“ لن نستطيع أن نجمع هذا المبلغ طوال حياتنا !”


لم يملك البروفيسور تشيان سوى أن يهزّ رأسه بأسف ويقول :

“ آسف حقًّا "


لاحقًا، حاول البروفيسور تشيان التواصل مع يوانليانغ 

مجدداً ، لكن دون جدوى


ومضى الوقت سريعًا حتى انتصف النهار ——-


وأثناء الغداء ، تمكن فو نان آن أخيرًا من الإفلات من الزحام، 

وما زال القلق بادياً على وجهه

سأل وهو يقترب:

“ ذلك الطفل الذي جاءت به العمة تشاو هل حضر اليوم ؟”


أجاب تشي تشاو من الجانب بنبرة حزينة بعض الشيء : 

“ جاء بالفعل … لكنه غادر الآن "


كم من المواقف لا يُرجى منها حيلة… فكل شيء كان خارج السيطرة


و روى البروفيسور تشيان ما حدث في الصباح ، 

فتنهد فو نان آن قائلًا بأسف:

“ يا للأسف "


قال البروفيسور تشيان موافقًا:

“ بالفعل ، مؤسف جدًا ….”

ثم تذكّر فجأة وقال:

“ آه، كدت أنسى ! ذلك الطفل هو نفسه من ثقب إطار سيارتنا ! 

علينا أن نجد مكانًا لإصلاحه !”


يوانليانغ قد ثقب الإطار ، ولم يذكر أحد الأمر من قبل ، 

لكن الجميع كانوا في قرارة أنفسهم يخشون أن يجرّ ذلك 

مزيدًا من المتاعب


ظروف القرية بدائية ، فإيجاد مكان لإصلاح الإطار لم يكن سهلًا


سأل المتدرّبون هنا وهناك حتى عثروا أخيرًا على عامل يصلح الإطارات

وحين تمّ إصلاح العجلتين ، الليل قد بدأ يُلقي سدوله


هبت رياح الشمال عاتية تعصف في الأرجاء ، 

وأُسدل الستار على يومٍ طويل من العيادة المجانية ، 

مع ترتيب جديد لليوم التالي



العشاء وفير نسبيًا ، تكفّل به عمدة القرية بنفسه ، 

لكن تشي تشاو لم يكن له مزاج للأكل ، فعاد باكرًا إلى مكان المبيت ليستريح


نشرة الطقس قد أنبأت قبل مجيئهم بأن المطر سيهطل 

خلال الأسبوع، لكنه لم يأتِ… حتى هذه الليلة ——


ففي طريق العودة ، اندفع المطر المؤجّل أخيرًا كالسيل 

الغاضب ، يقرع الأرض قرعًا


أمسك تشي تشاو مظلّته ، تكاد الرياح العاتية تقتلعها من يده ، 

وهو يشق طريقه في الممرّ الطيني ، فإذا بشخص مألوف 

يلوح له وسط المطر


: “ الطبيب شياو تشي ! انتظر لحظة !”


خرجت العمة تشاو من مكانٍ ما، تركض نحوه وهي تلوّح 

بيدها ، ثم أمسكت بذراعه وقالت من جديد :

“ الطبيب شياو تشي!”


تفاجأ تشي تشاو قليلًا وسألها :

“ عمة تشاو ؟ ما الذي تفعلينه هنا ؟ 

ألم تعودي إلى بيتك هذا الصباح ؟”


: “ لا، ما زلنا هنا ” ردت العمة تشاو ، وقد تبللت ملابسها

تمامًا ، وشعرها يقطر ماءً، 

لكنها رفعت رأسها نحو تشي تشاو بابتسامة باهتة : 

“ فكرت… بما أننا جئنا كل هذه المسافة مع يوانليانغ

فلا يمكنني العودة هكذا دون أن أفعل شيئ .”


أسرع تشي تشاو برفع المظلّة ليغطيها من المطر ، 


فسألته بتردد:

“ هل هناك طريقة أخرى لعلاج يوانليانغ ؟”


لم يكن تشي تشاو يعرف أي طريقة أخرى ….

فالأمور التي تتعلق بالسياسات العلاجية لم تكن من 

اختصاص متدرّب مثله ، 

ومع ذلك، كان قادرًا على فهم مشاعرها تمامًا


في وجهها بصيص أمل بسيط ، جعله يشعر بالاختناق في صدره


تردّد قليلًا، محاولًا أن يجد كلمات يواسيها بها، لكن العمة 

تشاو تراجعت خطوتين للخلف وهمست بصوت خافت:

“ هذا الطفل… لم يكن هكذا من قبل "


ربما كانت الصدمة من تكاليف العلاج هي ما أفقدها صبرها ، 

أو ربما تراكمت هذه الكلمات في صدرها طويلاً ، 

فانفجرت الآن كالسيل ،

أمسكت بذراع تشي تشاو بإحكام ، وانهمرت بالكلام :


“ كان طفلًا مطيعًا جدًا وهو صغير ، 

تعلّم الطبخ وغسل الملابس لأبيه منذ صغره ،

وكان مجتهد في دراسته ، وكلنا كنا نقول إن له مستقبلًا مشرق ، 

لكن فيما بعد… تغيّر كل شيء ...


سابقاً ، حين كان والده يشرب الخمر ويفتقر إلى المال ، 

خطرت له أفكار خبيثة ، 

كذب عليه ، وقال إنه سيرسله إلى مكان آخر ليتعلم ، 

لكن … في الحقيقة باعه لأحدهم …..

والذي اشتراه لم يكن إنسان جيد أيضًا ، كان يربط الطفل 

كل يوم ويجبره على العمل ، بل ويجلده بالسوط


عندما علم بعض أقاربنا بذلك ، سارعوا لإنقاذه ، 

لكن بعد تلك الحادثة تغيّر الطفل تمامًا… 

لم يعد ينطق بكلمة واحدة معنا .”


لا أحد يختار الانحدار بإرادته —-

لقد قاوم يوانليانغ بشدة ذات يوم ، اجتهد في دراسته ، 

وحلم بأن يغيّر مصيره بالعلم ،

لكن في اللحظة التي ظنّ فيها أنه خرج من ظلام القدر ، سقط في جحيمٍ آخر ….


تلك السياط التي انهالت على جسده لم تمزّق جلده فقط، 

بل مزّقت قلبه أيضًا…

وحينها ، تحطّمت أحلامه تمامًا ———-


و بينما العمة تشاو تتحدث ، انهمرت دموعها دون توقف


أما تشي تشاو ، فكان صدره يختنق حزنًا


لقد تعرّض هو أيضًا في طفولته للضرب والإهانة على يد 

والديه ، ويعرف جيدًا مرارة ذلك العذاب


حالة يوانليانغ النفسية قد بلغت مرحلة خطيرة ، 

فبعد أن خانه الماضي ، لم يعد قادرًا على الوثوق بأيّ أحد ، 

حتى أولئك الذين مدّوا إليه يد العون بصدق


———


في هذه الليلة ، دخل تشي تشاو غرفة فو نان آن متأخرًا عن المعتاد


ذهنه ما يزال مشغول بالعمة تشاو وذلك الطفل يوانليانغ


وضع المنشفة الدافئة على عيني فو نان آن كعادته ، 

لكنه ظلّ صامتًا طويلًا


سأله فو نان آن وعيناه مغمضتان :

“ ما الأمر ؟ هل أنت حزين ؟”


كان قلب تشي تشاو مثقلًا فعلًا ، فأخبره ما حدث ، 

وكيف جاءت العمة تشاو تبحث عنه وسط المطر

وحين أنهى حديثه ، أنزل عينيه بأسى وقال:

“ كلامها جعلني أبكي… لا أدري ماذا يمكنني أن أفعل "


الحياة والموت، المرض والشيخوخة — تلك أمور لا مهرب منها

والأطباء أكثر الناس مواجهةً لها


فو نان آن قد شهد مثل هذه الحالات كثيرًا ، 

ومنذ زمن تعلّم الانتقال من مرحلة الرفض والعجز إلى 

مرحلة التقبّل الواقعي


ففي النهاية ، طاقة الإنسان محدودة ، 

وحتى طاقة الجماعة محدودة ، ولا أحد في هذا العالم 

يستطيع أن يُنقذ الجميع ، فذلك محض وهم


سأل تشي تشاو بصوت خافت مثقل بالرجاء :

“ ألا توجد أي طريقة لمساعدتهم حقًّا ؟”


كان يعلم أن الأمر ليس بسيط ، ومع ذلك ظلّت كلمات 

العمة تشاو تدور في رأسه ، تؤلمه كلّما تذكّرها


تجربة يوانليانغ تلمس شيئًا عميق في داخله ، 

تشبه جرحًا قديمًا لم يلتئم


فهو يعرف تمامًا كيف يكون طعم الصراع الداخلي حين 

يقاتل الإنسان نفسه والعالم معًا


إنارة المصباح أمامه دافئة ، والجوّ في الغرفة هادئ ، 

والرجل الجالس بقربه بثباته وهدوئه يمنحه طمأنينة نادرة

 — تلك الطمأنينة التي كافح تشي تشاو لسنوات طويلة حتى يجدها


وفي هذه اللحظة ، تمنّى من أعماقه أن يتمكّن من مدّ تلك 

الطمأنينة إلى ذلك الطفل الغارق في الظلمة




خارج النافذة ، العاصفة لا تزال تعصف بشراسة ——


مدّ تشي تشاو يده ، وأمسك بمعصم فو نان آن ، 

وقال بصوت متلهّف :

“ البروفيسور فو… دعنا نساعده ، أرجوك ”


كانت يده ساخنة كالنار ، وأصابعه ترتجف قليلًا من شدّة قبضته


وقع صوته المليء بالمشاعر في أذن فو نان آن ، فاهتزّ له 

قلبه في العمق ، كما لو أن ذلك الرجاء قد تسلّل إليه وسكن 

بين نبضاته ….




يتبع

الفصل التالي الفصل السابق
  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Fojo team

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي